جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الدين كي يستحق الرجوع على المديون ، بل فيه أنه اشترى بعرض ، فكيف يجامع الضمان ، بل دفع القيمة في الأول ظاهر في العرض اللهم إلا أن يراد منها المقدار.

أو يقال بكون المراد على هذا التقدير تأدية الضمان عروضا ضمنه ، فكان له المطابقة بالقبضة ، لكن على كل حال لا ريب بع الحمل المزبور ، وأبعد منه حملهما على الشراء الفاسد ، وأن صاحب الدين قد أذن للمشتري أن يقبض من المديون مقدار ما أدى ، ويبقى الباقي لصاحب الدين ، فيكون المراد من البراءة في الأول بالنسبة إلى المشتري ، إذ هو كما ترى.

ولعل الأقرب منهما حملهما على الشراء للمديون نفسه ، ولو بصيغة الصلح باذن من المديون أو بإجازة لاحقة ، فيكون من صلح الحطيطة إذا فرض كون العوض من الجنس.

هذا وقد أساء الأدب في السرائر في المقام مع الشيخ حتى قال : إن كلامه تضحك منه الثكلى ، حيث أنه فهم من إطلاق كلامه جواز البيع بالأقل وإن كان ربويا وعدم التقابض في المجلس وإن كان الثمن والمثمن من النقدين.

وفيه أن إطلاق الشيخ منزل على إحراز شرائط البيع ، وليس في قوله أقل شهادة على ذلك ، إذ يمكن فرضه في المتجانسين في غير الربويين ، بعد تسليم عدم صدق الأقل بالنسبة إلى قيمة المدفوع ، على أنك قد سمعت أن مستنده الخبر ان الظاهر أولهما والصريح ثانيهما في كون الثمن من العروض ، ومن هنا قد انتصر الفاضل في المختلف للشيخ حتى استوفى له حقه ، ولا بأس فإن المؤمن له ناصر والله بعد ذلك هو الغافر ، خصوصا بعد أن كان هذا كله لإظهار الحق وتدمير الباطل ، بزعم القائل. والله أعلم.

المسألة الثامنة الأقوى حرمة القرض بشرط البيع محاباة أو الإجارة أو غيرها من العقود ، فضلا عن الهبة ونحوها ، وفاقا للأستاد الأكبر الشيخ جعفر ، وشيخه الفاضل المتبحر الآقا محمد باقر على ما حكاه عنهما شيخنا في مفتاح الكرامة ، قال : وخالفهما في ذلك أستادنا الإمام العلامة أستاد الكل في عصره السيد محمد مهدي ، بل‌

٦١

حكي فيه أيضا أن الأستاد الآقا المزبور قد صنف رسالة في تحريم ذلك ، مدعيا اتفاق الأصحاب وتظافر الروايات ، وهو وإن كان قد يظهر من المختلف ذلك أيضا ، حيث قال في مسألة البيع بشرط القرض المتنازع فيه : إباحة البيع بالمحاباة مع اشتراط القرض ، لا العكس ، بل عن الصيمري حكاية ذلك عنه ساكتا.

لكن الإنصاف عدم كون المسألة من الإجماعيات ، إذ في القواعد « يجوز لو أقرضه بشرط أن يقترض منه ، أو يقرضه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه أو يسلفه أو يستسلف منه ، ونحوه في التذكرة ، اللهم إلا أن يريد بيع المقرض لا المقترض ، فيكون خارجا عما نحن فيه ، إذ هو بدون ثمن المثل نفع للمقترض لا المقرض ، كما أن قوله في التذكرة يجوز أن يقترض الزائد ثم يستقرض الأخر منه الناقص ، ثم يتباريان ، سواء شرط في إقراضه ما يفعله الأخر أو لا ، خلافا للشافعي » يمكن أن يكون المراد منه اشتراط نفس القرض ، لا الإبراء ، مع أنه غير ما نحن فيه ، بل ما في الغنية من جواز أن يقرض غيره ما لا على أن يعامله في بيع أو إجارة أو غيرهما ، بدليل إجماع الطائفة ، يحتمل كون المراد غير ما نحن فيه من المحاباة ، كالنهاية والسرائر وجامع الشرائع التي عبر فيها بمثل العبارة المزبورة ، من دون دعوى الإجماع كما قيل.

بل لعل ما حكاه في كشف الرموز كما قيل عن الشيخ من الإجماع على أنه يجوز لمن يقرض ما لا أن يبتاع منه شيئا بأقل من ثمن المثل لا على وجه التبرع ، بل بسبب الإقراض ، وأنه لا يعرف له مخالفا كذلك أيضا ، وأنه لم يأخذه شرطا في عقد القرض وإن كان هو السبب فيه ، مع أن المحكي عن خلافه أنه قال : إذا باع دارا على أن يقرض المشتري ألف درهم ، أو يقرضه البائع ألف درهم فإنه سائغ ، وليس بمحظور دليلنا إجماع الفرقة ، إلا أنه ومع ذلك كله فلا يقطع بحصول الإجماع على الحرمة.

نعم نص عليها الفاضل في التحرير فقال : « لو شرط في القرض أن يؤجره داره أو يبيعه شيئا أو يقرضه مرة أخرى جاز ، أما لو شرط أن يؤجره داره بأقل أو يستأجر منه بأكثر ، فالوجه التحريم ، وعن كشف الرموز أنه حكاه عن بعض الأصحاب وتردد هو فيه ، وقيل انه يلوح من صاحب التنقيح وعن الأستاد أنه حكاه عن المصنف وعن‌

٦٢

أبى طالب الحسيني في رسالته الفارسية.

وكيف كان فلا ريب في أنه الأقوى لصدق جر النفع به ، المحرم فتوى وسنة ، ولا يعارضه ما دل على « أن خير القرض ما جر نفعا » ، المحمول كما عرفت على عدم الشرط ، ونحو ذلك مما تقدم ، كما أنك قد عرفت الكلام في اشتراط الرهن والكفيل على هذا الدين أو دين آخر ، وفي اشتراط الصحيح بدل الغلة ، وفي اشتراط الإعطاء في بلد آخر أو غير ذلك ، مما هو غير مناف لذلك ، أو أنه دل عليه الدليل ، أو أنه لا نقول به ، فلاحظ وتأمل.

بل قد عرفت ما في دعوى المحقق الثاني من أن الممنوع اشتراط الزيادة في نفس مال القرض ، أو صفته ، وما في تأمل الأردبيلي في حرمة اشتراط زيادة الصفة ، والعبارات السابقة التي بعضها معقد صريح الإجماع أو ظاهره قد عرفت الحال فيها ، وعلى تقدير إطلاقها فالتعارض بينها وبين ذلك من وجه ، ولعل الترجيح للمقام ، فلا وجه لدعوى تقيد هذا الإطلاق بها ، كما أنه لا وجه لمعارضته بالإجماعات المحكية على جواز البيع بشرط القرض ، وبغيرها من الأدلة المذكورة لذلك ، فإنه قد أنهاها في المختلف إلى خمسة وعشرين ، وإن كان في بعضها ما فيه ، بعد وضوح الفرق بين المسألتين وأنهما ليسا من سنخ وأحد ، ضرورة عدم الاشتراط في عقد القرض ، وإنما هو شرط في عقد البيع فلا بأس به ، وإن كان محاباة ، وكون ذلك هو السبب في فعل القرض ، وإلا لم يقع من المقترض ، لا يدرجه تحت أدلة المنع كما هو واضح ، ودعوى أن ما دل على حرمة جر النفع من الأخبار المرسلة بل قيل العامية في غاية الفساد ، بعد ما عرفت من اتفاق الفتاوى على مضمونه ، وأن في نصوصنا المعتبرة ما هو مثله في الدلالة ك‍ صحيح محمد بن قيس (١) وغيره المتقدمة سابقا التي هي دليل آخر للمطلوب ، خصوصا صحيح محمد بن قيس منها ضرورة أنه مع اشتراط محاباة في قرض الورق مثلا قد اشترط زائدا على رد مثلها ، وقد نهى عنه ، ولا ينافيه خروج اشتراط ما لا نفع فيه عنه ، بعد معلومية

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ١١.

٦٣

كون المراد منه عدم اشتراط الزائد على ذلك مما يكون نفعا للمقرض لا مطلقا ، ولو بقرينة ذيله ، والورق فيه لا ريب في إرادة المثال منه لكل قرض ، وبالجملة لا ينبغي التأمل في دلالة جميع النصوص السابقة أو أكثرها على حرمة القرض ، ولو أن كون الشرط للنفع في عقد آخر مسوغا لذلك ، لجاز اشتراط الهبة والعارية ونحوهما مما هو معلوم العدم نصا وفتوى ، ولعل المسألة من الوضوح لا تحتاج إلى إطناب ، بل الداعي إلى هذا القدر من الكلام هو أني قد عثرت على تحرير لبعض مشايخنا في هذه المسألة قد ذكر فيه أن هذه المسألة من أمهات المسائل بل مهماتها ، وأنه قد كتب هو وغيره فيها رسالة ، وقد أطنب في المقال مختارا للحل فيها ، بل شدد النكير على القول بالحرمة ، مستندا إلى نصوص :خير القرض ما جر نفعا ، (١) ونصوص سلسبيل (٢) التي قدمنا شطرا صالحا منها في تأجيل المعجل ، وإلى إطلاق العبارات السابقة التي بعضها معاقد الإجماع ، مضافا إلى العمومات ، وإلى ما أورده على ما يقتضي المنع ، مما يعرف جوابه بأدنى تأمل فيما ذكرنا.

كما أنه يعرف عدم الدلالة في شي‌ء مما ذكره من النصوص المزبورة وإن أكثر منها ، ضرورة خلوها عن الاشتراط في عقد القرض ، ولا ريب في أنه لا بأس به مع عدمه ، والإجماعات السابقة قد عرفت حالها ، والعمومات يجب الخروج عنها ، فليس للجواز حينئذ شي‌ء يعتد به.

كما أنه ليس للمنع في شرط القرض بعقد البيع محاباة شي‌ء يعتد به ، وإن حكى في المختلف عن بعض من عاصره التوقف فيه ، بعد أن قال : المشهور بين علمائنا الماضين ومن عاصرناه إلا من شذ أنه يجوز بيع الشي‌ء اليسير بأضعاف قيمته بشرط أن يقرض البائع المشتري شيئا ، ولعله أراد بمن عاصره المصنف ، فإن المحكي عنه التردد في ذلك وأن له كلاما واحتجاجا.

وكان ذلك هو الذي دعى الفاضل في المختلف إلى الإطناب في المسألة حتى ذكر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ ـ من أبواب الدين.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام العقود.

٦٤

للجواز خمسة وعشرين دليلا ، وإن كان جملة منها تكريرا للدليل ، أو لا يرجع إلى حاصل ، وقد اعترف هو بأن بعضها ذكرناه للإلزام ، لا للاحتجاج ، والعمدة العمومات في الشرط والبيع ، وإطلاق نصوص الحيلة الواردة في حكاية سلسبيل وغيرها ، واتفاق الأصحاب ظاهرا على الجواز ، فإن المفيد والمرتضى والشيخ وغيرهم قد نصوا على ذلك ، وجعلوا الخلاف فيه للعامة ، وأنه ليس لهم دليلا على ذلك ، بل نص المرتضى والشيخ على الإجماع عليه ، بل في المختلف « اتفاق علماء الإمامية السابقون على الجواز ، فإنهم قالوا : لا بأس ان يبتاع الإنسان من غيره متاعا أو حيوانا أو غير ذلك ، بالنقد والنسيئة ، ويشترط أن يسلفه البائع شيئا في مبيع ، أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل أو يستقرض منه » فيكون حجة ، لما ثبت من أن إجماع الإمامية حجة ، وبالجملة كان الإطناب في ذكر كلمات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم وذكر ما يقتضي الجواز من ذلك وغيره خال عن الفائدة ، لمعلوميته بأدنى ملاحظة ، خصوصا مع عدم ما يقتضي المنع سوى ما ذكره الفاضل في المختلف من صحيح يعقوب بن شعيب (١) المتقدم سابقا في مسألة اشتراط النفع في القرض ، الذي هو مع خلوه عن النص على المحاباة وعن اشتراط ذلك في العقد بلفظ « لا يصح » المشعر بالكراهة وصحيح محمد بن قيس (٢) المتقدم أيضا الذي هو مع التأمل دال على المطلوب لا عكسه ، فلا أقل من أن يكون خارجا عنهما ، وخبر خالد بن حجاج (٣) « جاء الربا من قبل الشروط » وإنما يفسده الشروط الذي هو من القضايا المجملة المفسرة بغيره من النصوص التي ذكرت في الربا في اشتراط النفع في القرض واشتراط الزيادة في بيع المتساويين ونحو ذلك ، وكون البيع محاباة نفعا وهو مشترط في القرض ، فيجب أن يكون حراما ، الواضح فساده بأنه غير محل النزاع ، إذ الكلام في اشتراط القرض فيه ، لا العكس ، ودعوى التلازم بينهما ممنوعة كوضوح فساد الاستدلال أيضا بأنه لو جاز اشتراط المحاباة في القرض لجاز اشتراط الهبة والعارية ، لأن كل واحد منهما عقد لو انفرد لأفاد الحل ، ومع اشتراطه في القرض يحرم ، إذ هو أيضا خارج عن

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ١١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١.

٦٥

محل البحث وغير ذلك مما لا ينبغي صدوره ممن له أدنى نصيب في العلم.

فمن الغريب سطر (١) الفاضل لها في المختلف ، وأغرب منها جوابه عن الأخير منها بمنع الملازمة أولا ، وبعدم استحالة الثاني ثانيا ، وخبر محمد بن قيس بعد اشتراك راويه بين الثقة وغيره لا يعول عليه ، ضرورة وضوح فساده إن كان المراد التزام جواز ذلك في عقد القرض ، وإلا كان خارجا عما نحن فيه ، فالتحقيق في الجواب ما عرفت والله أعلم.

المسألة التاسعة : لو اقترض دراهم ثم أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم الأولى ، وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص الصحيحين (٢) ، وخلافا للصدوق في المقنع ، فأوجب التي تجوز بين الناس ،

للصحيح (٣) أيضا « لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس ، كما أعطيته ما ينفق بين الناس » القاصر عن مقاومة السابقين من وجوه ، فيحمل على أخذ ذلك بالتراضي بينهما ، ولم يكن فيه ربا. بل قد يرجح للمستقرض الدفع للإحسان ، أو على إرادة قيمة الأولى إذا فرض تعذرها ، وربما حمل على مهر الزوجة أو ثمن المبيع ، وفيه مع خروجه عن الظاهر أن حكمهما حكم القرض.

نعم يمكن ثبوت الخيار في المعاملة بها مع عدم العلم ، لأنه كالعيب بالنسبة إلى ذلك ، والا فلا فرق بينهما وبينه ، بل وبين المضاربة على الأقوى ، فرأس المال الدراهم الساقطة دون الثانية. وقد يحتمل جبر النقص بالربح ، إلا أنه ضعيف ، لعدم كونه نقصا في رأس المال ، وإنما هو نقص في قيمته بسبب من غير التجارة. وكيف كان فلو تعذرت فالقيمة وقت التعذر ، أو القرض أو المطالبة أو الأداء أو الأعلى ، بوجوهه على حسب ما تقدم سابقا في تعذر المثلي ، لكن ينبغي إعطاء القيمة من غير الجنس حذرا من الربا بناء على عموم جريانه لمثله ، كما هو واضح. والله أعلم.

المسألة العاشرة : قال الفاضل وغيره : لو قال المقرض للمقترض مثلا إذا مت فأنت في حل ، كان وصية ولو قال : إن مت ، كان إبراء باطلا ، لتعلقه على الشرط ،

__________________

(١) تنظرظ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٢ ـ ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١.

٦٦

ووافقه على الأولى في الدروس ، ونسب الثاني إلى القيل ؛ وقال : الأقرب العمل بقصده ولعل وجه الفرق بين إن وإذا ، أن إذا ظرف في الأصل ، وإن عرض لها معنى الشرط فكأنه قال : وقت موتي أنت في حل ، وذلك مجزوم به غير مشكوك فيه ، فلا تعليق فيصح ، وان حرف شرط مقتض للشك في كونه إبراء ، ومتى كان المعلق عليه مشكوكا فالمعلق أولى ، ولا يضر كون الموت بحسب الواقع مقطوعا ، لأن الاعتبار في عدمه بالصيغة الواقعة إبراء ، فمتى لم تكن واقعة على وجه الجزم ، لم تكن صحيحة.

لكن قد يناقش أولا : بأن الوصية قد تقع بلفظ إن ، كما صرح به الفاضل في وصايا الكتاب ، فمع قصد الوصية من الفرض لم يكن به بأس ، ودعوى أن الشارع وضع إذا في إنشاء الوصايا ، دون إن كما عن حواشي الشهيد غير ثابتة ، وثانيا : ان المتجه البطلان مع قصد الإبراء دون الوصية ولو بلفظ إذا ، للتعليق الممنوع ودعوى ـ أنه مع الجهل بالقصد يحمل الأول على الوصية ، والثاني على الإبراء المعلق أما لو علم إرادة الوصية منهما صح فيهما ، كما أنه لو علم إرادة الإبراء المعلق فسد فيها ـ يمكن منع شهادة العرف بذلك ، وأنه لا فرق بينهما كما لا يخفى فتأمل والله أعلم.

المسئلة الحادية عشر : الظاهر من النصوص والفتاوى جواز الاقتراض وإن لم يكن له مقابل وقدرة على القضاء لو طولب ، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فحرمه ولعله لموثق سماعة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل منا يكون عنده الشي‌ء يتبلغ به ، وعليه دين أيطعم عياله حتى يأتي الله عز وجل بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب ، أو يقبل الصدقة؟ قال : يقضي بما عنده دينه ، ولا يأكل من أموال الناس إلا وعنده ما يؤدى إليهم حقوقهم ، إن الله عز وجل يقول ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) ولا يستقرض على ظهره إلا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة و

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الدين الحديث ٣ وذيله في الباب ٢ الحديث ٥.

٦٧

اللقمتين والتمرة والتمرتين ، إلا أن يكون له ولي يقضى دينه من بعده ، ليس منا من ميت يموت إلا جعل الله له وليا يقوم في عدته ، فيقضي عدته ودينه » ولكنه مع شهادة ذيله بخلاف قوله في الجملة غير مقاوم للإطلاقات المعتضدة بإطلاق الفتاوي.

مضافا إلى خبر موسى بن بكر (١) « قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله ، كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل ، وإن غلب عليه فليستدن على الله عز وجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه فان لم يقضه كان عليه وزره ، إن الله عز وجل يقول : « ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) ـ إلى قوله ـ ( وَالْغارِمِينَ ) » وهو فقير مسكين مغرم » ،

ونحوه غيره ، بل روي (٢) أيضا « أن من استقرض في حق أجل سنة ، فإن اتسع وإلا قضى عنه الإمام عليه‌السلام » وخبر أيوب بن عطية (٣) الحذاء قال : سمعت أبا عبد الله يقول : « كان رسول الله يقول : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، وإن ترك مالا فللوارث وإن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى » والضياع بالفتح العيال ، ونحوه غيره.

وخبر أبي موسى (٤) « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك يستقرض الرجل ويحج؟ قال : نعم قلت : يستقرض ويتزوج ؛ قال : نعم إنه ينتظر رزق الله غدوة وعشية » إلى غير ذلك مما هو دال بإطلاقه وغيره على الجواز. بل ينبغي القطع به مع علم المقرض بذلك ، فلا بأس حينئذ بحمل الخبر المزبور على نوع من الكراهة ، أو على الاقتراض مع العزم على عدم الوفاء ، أو غير ذلك.

وعلى كل حال فهو دال على الاكتفاء بالولي ، وإن لم يكن يجب عليه الوفاء كما أفتى به الشيخ في النهاية ، ومن الغريب مناقشة ابن إدريس له بعدم وجوبه عليه مع عدم قوله به ، اللهم إلا أن يريد عدم جواز الاقتراض اعتمادا على الولي الذي لا يجب عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ٢.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٩٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ضمان الجريرة الحديث ١٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ١.

٦٨

الوفاء ، وحينئذ يكون اجتهادا في مقابلة النص ، كقوله بعدم جواز الاستدانة لغير الواجب من الحج الذي قد عرفت تصريح الخبر به ، قال في السرائر : « لا يجوز للإنسان أن يستدين ما يصرفه في نفقة الحج إلا بعد أن يكون الحج قد وجب عليه لوجود شرائطه ، ويكون له مال إذا رجع اليه قضى منه دينه ، وما ورد من الأخبار في جواز الاستدانة للنفقة في الحج محمول على ما ذكرناه وحررناه ، لا على من لا يكون الحج قد وجب عليه ولا يكون له مال إذا رجع إليه قضى منه دينه ، لأن هذا لا يجب عليه الحج وهو على هذه الصفة ، وإذا كان كذلك لا يجب عليه ، فلا يجوز أن يستدين ليفعل ما لا يجب عليه ».

ويمكن أن يريد بعدم الجواز الكراهة ، خصوصا مع ذكره قبل ذلك « أن الاولى للمختار أن لا يستدين إلا إذا كان له ما يرجع إليه فيقتضي به دينه ، فإن لم يكن له ما يرجع اليه فقد روي أنه إن كان له ولي يعلم أنه إن مات قضى عنه قام ذلك مقام ما يملك » إلى أن قال : « فإذا خلا من الوجهين فإنه يكره له الاستدانة وليس ذلك بمحظور إذا كان عازما على القضاء منفقا له في الطاعات والمباحات » وهو صريح فيما قلنا ، فمن الواجب حمل كلامه على ما ذكرناه والله أعلم.

المقصد السادس

من المقاصد التي استدعاها النظر في السلف في دين المملوك

لكن ينبغي أن يعلم أولا : أنه لا يجوز للمملوك فضلا عن غيره أن يتصرف في نفسه بإجارة ، ولا استدانة ، ولا غير ذلك من العقود ، ولا بما في يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده ولو حكم له بملكه لما عرفته سابقا من كونه محجورا عليه ، وأنه لا يقدر على شي‌ء. بل لا يبعد عدم جواز التصرف له في نفسه لنفسه بما يزيد على ضروريات تعيشه ، وما علم من السيرة وغيرها عدم تسلط المولى على منعه منها من بعض حركات بدنه ونحوها ، كالعلم بعدم توقف الرخصة في بعض الأفعال له على‌

٦٩

إذن السيد ، بل الظاهر أنها رخصة شرعية حتى ينهاه السيد عنها ، فيجب امتثاله حينئذ.

لكن المراد بعدم جواز ما في المتن إذا كان الواقع العقد خاصة عدم ترتب الأثر عليه ، فهو فضولي حتى لو قلنا بحرمة مباشرته العقد من دون إذن سيده ، باعتبار أنه تصرف في لسانه المملوك للسيد من غير إذنه ، إلا أن ذلك لا يمنع من صلاحية العقد للتأثير مع الإجازة ، ومنه ينقدح صحة عقد العبد للغير حتى مع نهي السيد له ، فضلا عن الوقوع بغير إذن ، إذ أقصاه الإثم في التلفظ بذلك ، وهو لا يقتضي الفساد بالنسبة إلى ترتب الأثر. لكن لا يخلو من تأمل.

وعلى تقديره لا تثمر في صحته الإجازة كما هو واضح ، بل لا يخلو المنع في المتن وغيره من تأمل أيضا لابتنائه على الحجر عليه حتى في الذمة التي يتبع بها بعد العتق وإلا لم يتجه منعه من الضمان التبرعي ونحوه الذي لم يتوقف على ملك أو تمليك غير صالح للعبد ، وفي ثبوت دليل له غير الآية (١) التي قد سمعت البحث فيها سابقا لا يخلو من بحث ، ولعله لذا كان خيرة الفاضل في التذكرة جواز الضمان من دون إذن السيد لكن يقوى في النظر المنع لظاهر الفتاوى وغيره.

نعم قد يقال بصحة عقد الصلح الذي يقوم مقام العارية له ، بناء على صحتها له من دون إذنه ، كما هو الظاهر ، بل قد يقال بجواز الإباحة المضمونة بالتلف له ، للأصل السلام بلا معارض وليس ذلك قدرة للعبد ، بل قدرة للحر على ما له ، فتأمل جيدا. والله أعلم.

وكذا لا يجوز له التصرف إذا أذن له المالك أن يشتري لنفسه لما عرفته سابقا من استحالة ملكه شرعا ، فإذنه له فيه كعدمها ، فيقع الشراء له باطلا ، بل الظاهر بطلانه للسيد أيضا ، لعدم إذنه بالشراء له ، ودعوى ـ أن الشراء لنفسه قد تضمن أمرين : الاذن في الشراء وتقييده بكونه لنفسه ، فإذا بطل المقيد بقي المطلق ، لأن المطلق جزء المقيد فيقع للمولى ، لأنه إذن في الابتياع في الجملة

__________________

(١) سورة النحل الآية ٧٥.

٧٠

واضحة البطلان لأن الإذن إنما تعلق بأمر واحد ، وهو المقيد المخصوص بالعبد فحيث لم يصح كان الابتياع باطلا ، لأنه غير مأذون فلا يثمر ملكا للمولى. لأنه يأذن فيه على هذا الوجه.

نعم قد يقال : ليس المراد من ذلك تقييد الشراء بكونه للعبد ، بل هو أشبه شي‌ء بالمقارنات الاتفاقية ، وإنما المراد الشراء ، فنيته حينئذ لنفسه لاغية ، والفرض أن الشراء مأذون فيه ، وليس غير السيد يقع له ، فهو كما لو قال السيد لعبده : اشتر لي فاشترى العبد لنفسه ، فإن الظاهر عدم تأثير نيته ، وكقول القائل لوكيله : اشتر لي بعين هذا المال فاشترى به الوكيل ناويا نفسه ، فإن الظاهر صحة الشراء ولغو النية.

فنية العبد هنا لنفسه بعد أن كان غير قابل للتمليك من قبيل نية الوكيل نفسه مع كون الشراء بعين المال ، بل من قبيل نية العبد الشراء للدابة ، بل ما نحن فيه أشبه شي‌ء بما لو قال القائل : اشتر بعين مالي لزيد كذا ، فإنه لا ريب في صحة الشراء لصاحب المال وإن نوى المشتري أنه لزيد ، إلا أنه بعد أن كان المالك للمال المجعول ثمنا غيره كانت النية لاغية ، فكذا المقام فتأمل جيدا.

وعلى ذلك فالتردد حينئذ في جواز تصرف العبد ينشأ من اقتضاء الإذن في الشراء لنفسه الإذن في التصرفات وإن بطل الأول بتعذر ملكية العبد ، ومن أن الإذن له في التصرف إنما كانت تبعية لشرائه لنفسه ، أما إذا كان غير مالك فلا إذن ، إذ يمكن أن لا يرضى المولى بالتصرف مع فرض كونه المالك ، ولا ريب في أنه الأقوى ، بل قد يمنع حصول الإذن في التصرف بالإذن بالشراء لنفسه ، وإن قلنا بملكيته التي لا يسوغ له التصرف معها باعتبار كونه محجورا عليه هذا.

ولكن في المتن فيه تردد. لأنه يملك وطئ الأمة المبتاعة. مع سقوط التحليل في حقه ولا يخفى عليك أن ما ذكره وجها لأحد شقي التردد لا ينطبق على ذلك ، ولو حمل على كون ذلك من السيد ولو بقرينة عدم ملكية العبد لإرادة انتفاع العبد بما يشتريه له لم يتجه التردد حينئذ ، ضرورة وضوح الجواز.

اللهم إلا أن يكون وجه المنع فيه ان الأذن قد وقعت سابقه على الملك فلا‌

٧١

تأثير لها ، كما أن وجه الجواز فيه أنه يملك وطى الأمة المبتاعة بالإذن المزبورة مع سقوط التحليل في حقه ، بناء على اقتضائه التمليك الممتنع بالنسبة إليه ، مع أنه لا معنى لتحليله أمة الغير ، إذ الفرض عدم وقوع غير الإذن السابقة ، فلم يبق مستندا لجواز الوطء إلا الإذن السابقة ، فإذا أثرت فيه ففي غيره بالأولى.

لكن هذا مبني على كون جواز الوطي أوضح من غيره ، حتى يصح جعله دليلا بالأولوية ، وعلى كل حال فالعبارة كما ترى. لكن ما في التذكرة قد يومي إلى ما ذكرنا في الجملة ، قال : « لو أذن المولى لعبده في الشراء للعبد صح ، والأقرب أنه لا يملكه العبد ، فحينئذ يملكه المولى لاستحالة ملك لا مالك له ، ولكن للعبد استباحة التصرف والوطء لو كان أمة ، لا من حيث الملك بل لاستلزامه الأذن » هذا وفي المسالك جعل منشأ التردد ، كون العبد يملك وطئ الأمة المبتاعة ، يحتمل أمرين ، معترفا بوضوح فسادهما معا ، وفي شرح الترددات لأحد تلامذة المصنف على الظاهر « إذا أذن المولى لمملوكه في الشراء لنفسه ، هل يملك بذلك؟ تردد فيه المصنف ومنشأ النظر إلى عموم قوله تعالى (١) ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) وقد عرفت فيما مضى أن النكرة في سياق النفي تعم. وفي الاستدلال بهذه الآية تعسف إلى أن قال : وإلى الالتفات إلى أنه يستبيح وطئ الأمة المأذون له في ابتياعها لنفسه ، ولا شي‌ء من الأسباب المبيحة للوطء موجودة هنا إلا التملك ، فيلزم القول به ، اما الأولى فلان الأسباب المقتضية للاستباحة العقد وهو منتف هنا ، والتحليل ، وهو منتف أيضا لافتقاره الى اللفظ الدال عليه ، فلم يبق سوى الملك.

وأما الثانية ، فظاهرة لاستحالة وجود الملزوم من حيث هو ملزوم بدون لازمه ، ولو قيل بالمنع من الوطء أصلا إلا مع صريح اللفظ كان وجها ، ولقائل أن يمنع انتفاء التحليل هنا ، إذا الإذن في الشراء مستلزم للإذن في الوطء وهذا

__________________

(١) النحل ـ ١٦ ـ.

٧٢

إنما يتأتى على قول من لم يجعل للتحليل لفظا معينا » وهو كما ترى. من غرائب الكلام. وما كنا لنؤثر أن يقع ذلك ممن له أدنى نصيب في العلم. وفي القواعد : « ولو أذن له المولى في الشراء لنفسه ففي تملكه أي المولى إشكال ، وهل يستبيح العبد البضع الأقرب ذلك ، لا من حيث الملك بل لاستلزامه الإذن » ، وفيه : تأييد لما قلناه سابقا في الجملة والله أعلم

وكيف كان فإذا أذن له المالك في الاستدانة لنفسه على حسب إذنه في الشراء له ، جرى فيه البحث السابق الذي منشأه عدم ملكية العبد المشترك بين المقامين ، بعد فرض إرادة الإذن له بأن يملك بالاستدانة ، واحتمال أن له شغل ذمته بالإذن وإن كان الذي استدانه ملكا للمولى ، فإذا رضي المقرض يكون العوض في ذمة العبد المأذون ، ستعرف ما فيه.

نعم إن أذن له في الاستدانة له كان الدين لازما للمولى قولا واحدا كما في المسالك ، وبلا خلاف كما في غيرها ، بل ولا إشكال ضرورة كونه كالوكيل ، بل هو أولى باعتبار عدم مال للعبد ، يؤدي منه ، إذ هو لا يقدر على شي‌ء ، ولا فرق بين أن يقصد المقرض العبد أو سيده ، ولا بين أن يقصد العبد نفسه أو سيده ، ولو صرح المولى للعبد بأن المراد شغل ذمته أي العبد للمولى على معنى كون المال المقرض للسيد ، والشغل لذمة العبد ، كان قرضا فاسدا يتبع به من استولت يده ، ويستقر على المباشر لإتلافه ، وإن كان قد يشكل فيما إذا علم المقرض بالحال ، وأقدم على ذلك ، وكان المتلف المولى ، لأنه هو الذي ضيع ماله ، فيتبع به العبد بعد عتقه ، لعموم « على اليد » (١).

ويدفع بأنه يلتزم بذلك إذا كان صحيحا ، فمع فرض الفساد يتجه الرجوع على المولى حتى مع العلم بالفساد ، كما في غيره من العقود الفاسدة ، وكذا إن كان أذن له في الاستدانة لنفقته الواجبة على المولى بل وغيرها إن استبقاه أو باعه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن المهذب الإجماع عليه ، للتعليل السابق الذي لا فرق فيه بين كون المنتفع العبد أو السيد ، بعد أن كان هو الآذن للعبد الذي

__________________

(١) سنن البيهقي ص ٩٠ كنز العمال ص ٢٥٧.

٧٣

لا يقدر على شي‌ء ، ولصحيح أبي بصير (١) وغيره الظاهر في أن مدار كون دين العبد على المولى إذنه له فيه ، قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دينا ، فقال : إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه ، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى ، ويستسعى العبد في الدين » وفي خبر شريح (٢) « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : في عبد بيع وعليه دين؟ فقال : دينه على من أذن له في التجارة ، وأكل ثمنه » وفي الموثق (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل مات وترك دينا وترك عبدا له مال في التجارة وولدا وفي يد العبد مال ومتاع ، وعليه دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارته ، فإن الورثة وغرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد؟ فقال : أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد وما في يده من المال للورثة ، فإن أبو أكان العبد وما في يده للغرماء يقوم وما في يده من المال ، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص ، فإن عجز قيمة العبد عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا وإن فضل من قيمة العبد وما كان في يده عن دين الغرماء ردوه على الورثة ».

وفي خبر أشعث (٤) عن الحسن عليه‌السلام « في رجل يموت وعليه دين قد أذن لعبده في التجارة ، وعلى العبد دين؟ قال : يبدأ بدين السيد » ومن الإجماع على عدم وجوب البدأة يعلم عدم إرادة ذلك من الأمر ، وفي الرياض الاستدلال عليه بخبر طريف (٥) بياع الأكفان ـ « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غلام لي كنت أذنت له في الشراء والبيع ، فوقع عليه مال للناس ، وقد أعطيت به مالا كثيرا؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن بعته لزمك ما عليه وإن أعتقته فالمال على الغلام ـ وهو مولاك ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٥ من أبواب العتق الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ٢.

٧٤

وفي آخر (١) ان طريف الأكفاني كان أذن لغلام له في البيع والشراء فأفلس ولزمه دين ، فأخذ بذلك الدين الذي عليه ، وليس يساوي ثمنه ما عليه من الدين ، فسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، « فقال : إن بعته لزمك الدين ، وإن أعتقته لم يلزمك الدين فأعتقه ولم يلزمه شي‌ء » ، ولا يقدح ما فيهما من اشتراط البيع بعد عدم القائل بالفرق بينه وبين الإبقاء بل قيل إنه أولى ، كما أن قصور السند فيهما وغيرهما منجبر بما سمعت من الإجماع المعتضد بعدم الخلاف.

نعم هما مع خبر عجلان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل أعتق عبدا وعليه دين قال : دينه عليه ولم يزده العتق إلا خيرا » حجة القول الذي أشار إليه المصنف بقوله وإن أعتقه قيل : يبقى الدين في ذمة العيد والقائل به الشيخ في النهاية والقاضي وجماعة على ما حكي ، بل لعله ظاهر التذكرة.

وقيل : بل يكون باقيا في ذمة المولى ، وهو أشهر الروايتين والقولين ، بل هو المشهور بين الأصحاب نقدا وتحصيلا : لصحيح أبي بصير (٣) السابق وغيره ، القاصر غيره عن معارضته سندا ولا جابر ، بل ودلالة إذ الأولان وإن صرح فيهما بالتفصيل بين العتق وغيره مما هو قابل لتخصيص صحيح أبى بصير وغيره ، إلا أنها لا تصريح فيها بالتفصيل بالاذن وعدمه الذي صرح به في صحيح أبى بصير ، والأذن بالبيع والشراء فيهما أعم من الإذن بما تضمناه من الدين الذي لزم العبد ، فتخصيصهما بالصحيح المزبور أولى للشهرة بقسميها ، ولقاعدة كون العبد بالإذن في الاستدانة باقيا في ذمة المولى كالوكيل ، وإن أنفقها على نفسه ، ولاستصحاب ضمان المولى ، بناء على أن المشغول مع الإذن ذمة المولى ، لا أن العبد المشغول ، والمولى يجب تأديته عنه ، وإلا كان الأصل بالعكس ، ومنه ينقدح ضعف آخر للدعوى : وهو أنه لم يتجدد سبب صالح للشغل حال العتق ، فهو مرجح آخر أيضا ، مضافا إلى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ٣ ـ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ١ ـ.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدين الحديث ـ ١.

٧٥

ولا ينافي ما فيهما من كون الدين على المولى ، إن باع ، إذ يمكن كما في الحدائق والرياض كون ذلك للحيلولة بينه وبين أصحاب الدين بالبيع ، لا من حيث أن المال لازم بأصل الاذن في التجارة ، والحال أن الاذن لم يحصل في الاستدانة وفيه أنه لا حيلولة بعد فرض عدم الاذن في الاستدانة ، ضرورة كونه يتبع به العتق ، فلا يمنع المالك من بيعه كما هو واضح على أن هذا الكلام مناف للاستدلال بهما سابقا على المسألة الأولى المبني على وقوع ذلك من المولى ، فلا بد حينئذ من طرحهما في مقابلة ما عرفت أو حملهما على ما ستسمع ، من حمل نصوص الاستسعاء عليه في مسألة الإذن له في التجارة ، دون الاستدانة. وأما خبر عجلان فهو مع ضعف سنده ولا جابر ـ واحتمال كون مرجع الضمير المجرور بعلى فيه إلى المولى ، ولا ينافيه الذيل ـ مطلق يقيده صحيح أبى بصير ، ولو سلم كون التعارض بينهما من وجه أيضا كان الترجيح له بما عرفت سابقا فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد ظهر لك أن دين العبد إذا كان بإذن مولاه كان لازما وحينئذ ف لو مات المولى كان الدين في تركته ، ولو كان له غرماء كان غريم العبد كأحدهم كما دل عليه الموثق السابق ، بل في المسالك « إطلاق غرماء العبد بطريق المجاز لوقوع الاستدانة منه ، وإلا فالجميع غرماء المولى ، وإن كان لا يخلو من بحث ، إلا أن الحكم لا إشكال فيه ».

وخبر (١) البدأة مع قصور سنده جدا مطرح أو محمول على ما ذكرناه ، وربما أول بتعميم دين السيد لدين عبده ، والبدأة بالنسبة إلى الإرث والوصايا ، وبالحمل على صورة الأذن في التجارة دون الاستدانة ، فيخص حينئذ دين السيد بدين نفسه دون عبده ، ويجعل الأمر بأداء دين العبد المفهوم بالابتداء بدين السيد للاستحباب فلا منافاة ولا بأس به ، وإن كان ما ذكرناه سابقا أولى والله أعلم.

وإذا أذن له في التجارة ، اقتصر على موضع الإذن. فلو أذن له بقدر معين أو زمان أو مكان أو جنس كذلك لم يزدد عليه كما في كل محجور عليه ؛ وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا. وما عن القاضي ـ من أنه « إذا أذن له يوما فهو مأذون أبدا حتى

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٥ من أبواب العتق الحديث ـ ١ ـ.

٧٦

يحجر عليه » ـ في غاية الضعف ، كقول أبي حنيفة بحصول الإذن من السيد بمجرد عدم نهيه ، بل قال : « لو أذن له في القصارة أو الصبغ صار مأذونا في كل تجارة » إذ لم نعرف له مستندا في شي‌ء من ذلك ، بل أصول المذهب تقضي بخلافه ، ضرورة عدم استفادة الإذن من السكوت فيما سكت عنه ولا في غيره ولو أطلق له التجارة اقتصر على ما يستفاد منها ، ولعله مختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة نعم لا يدخل التزويج فيها قطعا ، ولا الصدقة ؛ بل في الدروس ولا إجارة نفسه ، وأما إجارة رقيقه ودوابه ففي دخولها نظر ، من عدم انصراف لفظ التجارة إليها ، ومن أن التاجر ربما فعلها ، واستقربه في الدروس. وفي القواعد « الأقرب أن له أن يؤجر أموال التجارة » وعن القاضي أنه يؤجر نفسه ويستأجر غيره ويزارع ويستأجر الأرض ، والمرجع في ذلك كله إلى العرف.

ولا يثبت كونه مأذونا بقوله ، بل بالسماع أو البينة ، وفي الدروس أو الشياع. وفي القواعد أنه الأقرب ، لكن قد يشكل ـ إذا كان المراد منه ما يفيد الظن المتاخم وأنه يحكم به على المولى ، إن أنكر ـ بعدم الدليل ، بل قيل : إنه لضعفه لا يثبت به الملك الذي بيد شخص ، فكيف يحكم به على المولى ، نعم لا بأس بجواز الأقدام به على المعاملة ، وإن كانت الدعوى ـ لو أنكر السيد ـ باقية ، بل في جامع المقاصد « لا يبعد الإكتفاء بخبر العدل ، إذ الأصل في خبر المسلم الصحة ، وقد تأكد بالعدالة بل لو أخبر من أثمر خبره أمكن القبول ، إذ ليس ذلك بأقل من خبر مدعى الوكالة عن الغير في بيع ماله ، وليس بأقل من خبر الصبي بالهدية ، ولو أظفر بموافق على هذا لم اعدل عنه » قلت : بل مقتضى ما ذكره الاكتفاء بدعوى العبد التي لا معارض لها لكن لا يخفى عليك أن الاحتياط يقضى بخلاف ذلك ، وإن كانت السيرة بما ذكره ، وفي التذكرة الأقرب عندي عدم قبول الشياع.

وكيف كان فيجوز أن يحجر عليه وان لم يشهد ، وعن القاضي أنه « لا بد من إشاعته في سوقه ، وعلم الأكثر ، ولا يكفى علم الواحد ، بل للواحد السامع الحجر معاملته ، لعدم تمام الحجر » ولا ريب في بعده ، إنما الكلام في الحجر عليه بذلك ،

٧٧

أو إلى أن يبلغ كالوكيل ، ولو اختلف المولى والمعامل في تقدم الحجر على المعاملة وتأخره عنها كان القول قول المعامل ، إذا كان صورة الدعوى أن الحجر قد وقع في غد ، والمعامل أنكر ذلك ، ولتمام الكلام في ذلك محل آخر ، ولو قال : حجر على السيد لم يعامل. بل في الدروس وإن أنكر السيد ، لأنه المتعاطي للعقد ، واحتمله في القواعد. وفيه نظر لأن الحجر فعل السيد وحق له ، والشرط في صحة العقد إليه ، لا القصد إليه من حيث كونه صحيحا ، ولذا جاز المتعة بالمرأة المخالفة وشراء الغائب ممن لا يرى جوازه من العامة ، وغير ذلك ، ومن هنا قال في التذكرة : مذهبنا الجواز بعد أن حكى عن أحد وجهي الشافعية خلافه.

ويقبل إقرار المأذون في الدين مطلقا أو للتجارة إذا أقربه لها وإن كان لأبيه أو ابنه ، خلافا لأبي حنيفة فلم يقبله لهما ، وما في التذكرة « من أن المعتمد عدم قبول إقراره بديون المعاملة » يمكن أن يريد مع عدم الأذن ، وإلا كان واضح الضعف نعم هو كذلك لو كان بغير المأذون فيه ، إذ هو كغير المأذون الذي لا يقبل إقراره على سيده بمال أو قصاص أو غيرهما بل في القواعد هل يتعلق بذمته نظر ، وإن كان ضعيفا لعموم جواز إقرار العقلاء ، فالأقوى تبعيته به بعد العتق ، كما أن الأقوى قبول إقراره بالجناية الموجبة قصاصا أو مالا لو صدقه المولى ، بل ينبغي القطع به للعموم المزبور ، ومانعية السيد قد ارتفعت بتصديقه.

ولو أذن السيد لعبده في المعاملة بمقدار كذا ودفع إليه ما لا ليتجر به فعاد وبيده أعراض يدعى أنه شراها في ذمته ، وأن دينها باق ، وأنه قد تلف ما كان بيده ، وأنكر السيد ذلك ، ففي جامع المقاصد ، أن قبوله مستبعد جدا وفيه أنه يمكن القبول بعد فرض الإذن بالشراء بالذمة.

ولو أذن له السيد في التجارة بمقدار كذا ولم يدفع إليه شيئا ، فعاد ، وبيده أعراض يدعي شراءها في ذمته وبقاء الثمن ، وأنكر السيد فالأقوى قبول إقراره ، نظرا إلى كونه أمينا وإلى شهادة الحال ، ومقتضى الإذن ، ولتضرر معامليه إن لم يقبل ، واحتمل في جامع المقاصد العدم لعدم حجية شهادة الحال ، والضرر يدفع‌

٧٨

بالإشهاد ، قال : وليس إقرار العبد بأولى من إقرار الوكيل. وفيه : منع عدم قبول إقرار الوكيل في مثل ذلك.

نعم لو أقر العبد المأذون بأن ما في يده ملك لفلان وديعة أو غصبا ونحوهما ، ففي القبول إشكال كما في جامع المقاصد أيضا من أنه كالوكيل ، ومن أن ما بيده لمولاه ، ولعل الثاني لا يخلو من قوة ، ولو اشترى المأذون للتجارة ففي الدروس طولب بالثمن وإن علم البائع كونه مأذونا بخلاف الوكيل ، فإنه عرضة للزوال يعزل نفسه وفيه بحث بناء على ما سمعته سابقا من المسالك وغيره نعم لو طولب السيد جاز قطعا.

ولو أذن له السيد في الابتياع انصرف إلى النقد وإن كان الأمر بالكلي ليس أمرا بجزئي معين ، بل مقتضاه التخيير إلا أن النسيئة لما كانت أمرا زائدا على الابتياع ـ إذ هي إنما تكون بالشرط ـ لم يكن الإذن فيه إذنا بذلك ، كغيره من الشرائط بخلاف النقد ، فإنه ليس زائدا على طبيعة الابتياع ، ولعل هذا أولى مما أجاب به الفاضل ، لما أورد عليه قطب الدين الرازي بما سمعت من اقتضاء الأمر بالكلي التخيير ، من أن البيع أعم ، فلا يدل على النسيئة بإحدى الدلالات الثلاث.

إذ فيه أولا : أنه معارض بالنقد ، وثانيا : بأن عدم دلالته على النسيئة بالخصوص لا ينافي التخيير المزبور ، كما في سائر ألفاظ الكلي ، وثالثا : ما أورد عليه القطب من أنه لا يلزم من نفي الدلالة نفي الاستلزام ، لجواز كون اللزوم غير بين ، اللهم إلا أن يريد ما ذكرناه سابقا ، لكن المحكي عنه أنه عدل عن هذا الجواب إلى جواب آخر وهو أنه اختص النقد بواسطة قرائن خارجية عينية وهي الإضرار بالمولى في النسيئة بثبوت شي‌ء في ذمته بخلاف النقد ، لجواز أن لا يقدر المولى على غير ما دفعه إلى العبد من المال ، أو لا غرض له فيه ـ وفيه منع الإضرار في سائر الأحوال وربما يكون له غرض وصلاح ، على أن محل البحث مع التجرد عن القرائن ، وإلا فهي لا ينضبط ، وقد يكون الإذن في الابتياع من دون أن يدفع إليه شي‌ء.

وبالجملة لا محيص عما ذكرناه سابقا الذي يؤيده في الجملة موثق الساباطي (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

٧٩

المروي في كتاب النكاح « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى من آخر جارية بثمن مسمى ، ثم افترقا ، قال : وجب البيع ، وليس له أن يطأها وهي عند صاحبها حتى يقبضها أو يعلم صاحبها ، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد » فتأمل ، والبحث في البيع كالبحث في الابتياع.

ولو أطلق له النسيئة كان الثمن في ذمة المولى لأنه كالوكيل عنه ولهذا لو تلف الثمن الذي دفعه إليه لزم المولى عوضه لأن تلفه بيد العبد كتلفه بيد السيد ، وليس المراد الثمن المعين ، لأن تلفه يبطل البيع ، فلا يلزم المولى عوضه من غير فرق بين تلفه بتفريط وغيره هذا. وفي المسالك « لو لم يكن السيد أذن بالشراء في الذمة فاشترى بها ، ثم تلف الثمن الذي دفعه إليه لم يلزم السيد بدله ، وحينئذ فإن تبرع السيد ودفع ثانيا صح العقد له ، لأن العبد حينئذ كالفضولي للسيد ، والبيع وقع له ، فإذا دفع الثمن صح له ، وإلا فسخ البائع العقد ».

وقد يشكل بأنه إن أجاز المولى لم يكن للبائع الفسخ ، وإلا انفسخ البيع لنفسه وليس للبائع إبقاء العقد راضيا بكون الثمن في ذمة العبد يتبعه به بعد العتق ، إذ ليس للعبد ذمة يشغلها اختيارا بمعاوضة من دون إذن السيد ، بل ومع إذنه لا لأن المعاملة سفهية ، إذ يمكن اقترانها بما يخرجها عن السفه بل لاقتضاء ذلك كون المبيع ملكا للسيد ، لأن العبد لا يملك على الأصح ، والثمن على العبد فيملك المثمن حينئذ من لا يملك عليه الثمن ، وذلك في المعاوضات غير جائز ، اللهم إلا أن يدعى خروج الفرض عن هذه القاعدة ، باعتبار عرضية عدم ملك العبد ، وأن ذمة العبد للسيد باعتبار تسلطه على الحجر عليها.

لكن ظاهر أصحابنا عدم ذلك من غير فرق بين العبد وغيره. نعم ستسمع ما في التذكرة في خصوص الضمان. ويمكن أن يكون ما سمعته من المسالك مأخوذا مما في التذكرة ، قال : « لو أسلم إلى عبده ألفا للتجارة ، فاشترى في الذمة على عزم صرف الألف في الثمن ، فالأقرب أنه لا يجب على المولى دفع البدل ، لأنه أذن بالمعاملة بما دفعه ، وهو ينصرف بالشراء بالعين.

٨٠