جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مع الشرط كاشتراط القيمة في المثل ، والبحث مع عدم قصد المتعاقدين سوى كونه مضمونا ، ومن المعلوم ضمان القيمة في مثله شرعا في غير القرض من أنواع الغرامات ، كما اعترف به الفاضل المزبور في الإتلاف.

ودعوى الأقربية إلى العين المضمونة ـ بعد عدم معرفة كثير من الصفات ولذا أطلق عليه الفاضل مثل الصوري ـ في حيز المنع ، وفرض وجود مثل له من كل وجه تتفاوت القيمة به لا تبنى على مثله الأحكام الشرعية ، مع أنه قد يقال على تقدير وجوده بعدم وجوبه ، لأن المعاوضة قد وقعت بالقيمة ، وليس هو مخاطبا برد العين حتى يتحرى الأقرب إليها ، كما في تلف المغصوب ، مع أنك قد عرفت تسليم الخصم فيه الضمان بالقيمة فتأمل.

والخبر ان الأولان ـ مع أنهما عاميان ، وواردان في الضمان الذي لا يقول به الخصم ، ومعارضان بما ورد من تضمين معتق الشقص للقيمة ، وأنهما حكاية فعل لا عموم فيه ، يمكن التزام مثلية ما تضمناه ، وأما الأخيران فيجري فيهما أكثر ما سمعت وأنه يمكن كون رد البازل ، بل والمثل منه عليه‌السلام لرضا المقرض به ، باعتبار زيادته خيرا كل ذلك.

لكن الإنصاف عدم خلو القول به من قوة ، باعتبار معهودية كون قرض الشي‌ء بمثله ، بل مبنى القرض على ذلك ، بل قد يدعى انصراف إطلاق القرض إليه ، وربما يؤيده نصوص الخبز الذي يقوى كونه قيميا ، ولذا تجب قيمته في إتلافه بأكل ونحوه ، فالاحتياط فيه لا ينبغي تركه.

وكيف كان ف يجوز إقراض الجواري بلا خلاف فيه بيننا كما في المسالك. وما عن المبسوط والخلاف لا نص لنا ولا فتيا في إقراض الجواري وقضية الأصل الجواز ليس خلافا ، ضرورة إرادة النص بالخصوص ، بل ظاهره أو صريحه الجواز كما هو كذلك ، لإطلاق الأدلة وصحة السلف فيها كالعبيد ، فتضمن حينئذ بالمثل أو القيمة ، على اختلاف القولين خلافا لبعض العامة ، فمنع من قرض الجواري التي يحل للمقترض وطؤها بعد الإطباق منهم على قرض العبيد والجوار التي لا يحل‌

٢١

للمقترض وطؤها ، معللا ذلك بما هو أوضح من الدعوى فسادا ، فتدخل في ملك المقترض بالقبض بناء عليه ، وله حينئذ الانتفاع فيها بالوطي وغيره.

أما على القول بالتصرف فليس له الوطي كما في المسالك ، إلا أنه احتمل فيما يأتي جوازه أيضا كالأمة المشتراة بالمعاطاة.

وفيه أنه ممنوع فيها بناء على عدم الملك ، إذ لا مستند له إلا الإباحة من المالك التي لا تجدي في جواز الوطي المتوقف على عقد ، والكشف به عن الملك لو قلنا به لا يؤثر في جواز الأقدام ، كالملك الضمني المقدر في نحو أعتق عبدك عني ، فهو من جملة ما يرد على اعتبار التصرف في الملك كما ستعرف.

ويجب قبولها لو أرجعها بعد الوطي إذا لم تتعيب به أو تحمل ، بناء على ضمان القيمي بمثله ، ضرورة كون رد نفس العين وفاء عما في ذمته ، لأنها أحد أفراد الكلي الذي فيها ، بل قد يقال بوجوب قبولها على الضمان بالقيمة التي وضعت بدلا عن العين ، فإذا أمكنت ببذل المقترض كانت أقرب إلى الحق من القيمة ، أو لأن القرض من العقود الجائزة ولو من جهة المقترض ، فله الفسخ حينئذ ، ورجوع كل من العوضين إلى ملك صاحبه ، أو لدعوى ظهور القرض في قصد المتعاقدين قبول العين لو ردها ، لأنه إحسان محض ، أو لغير ذلك مما ستعرفه ، وإن كان لا يخلو من اشكال والله أعلم.

وعلى كل ف هل يجوز اقتراض اللآلي ونحوها مما لا يضبطها الوصف قيل والقائل الشيخ فيما حكي عنه لا يجوز وفي المسالك أنه يتم على القول بوجوب رد المثل في مثل ذلك ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله وعلى القول بضمان القيمة فيه أو مطلقا ينبغي الجواز ضرورة ظهوره في أنه لا ينبغي الجواز بناء على غيره ، لكن قد يقال : بصحة قرضه لإطلاق الأدلة والرجوع في الوفاء إلى الصلح ، كما أنه قد يقال بصحة قرض ما لا يصح السلم فيه لعزة وجوده وإن ضبطه الوصف ، فيكلف بالمثل حينئذ مع الوجوب عليه. وإلا انتقل إلى القيمة فتأمل جيدا والله أعلم.

٢٢

( الثالث )

من الأمور التي يقع فيها النظر في أحكامه وهي مسائل الأولى : القرض أي المال المقترض يملك بالقبض عندنا كما في التذكرة ، وبلا خلاف فيه بيننا في السرائر ، بل قيل : إن جملة من العبادات تشعر بالإجماع عليه ، بل عن بعضهم دعواه صريحا عليه لا قبله بعقد القرض إجماعا بقسميه ولا بالتصرف بعده ، لأصالة عدم شرط آخر في حصول الملك بالعقد الذي لولا الإجماع السابق لاتجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض ، على حسب غيره من العقود التي لا ريب في ظهور الأدلة في اقتضائها التمليك ، ضرورة صدق مسماها بها.

اللهم إلا أن يمنع خصوص عقد القرض منها ، بدعوى ظهور الأدلة في توقف مسماه على حصول القبض ، وعليه فالمتجه حصول الملك به حينئذ من غير حاجة إلى أمر آخر من التصرف وغيره.

ودعوى أنه هو الشرط ، لا أنه شرط آخر بعد القبض ، يدفعها معلومية عدمها عند الخصم ، ومقتضاها جواز التصرف به من البيع ونحوه قبل القبض ، وهو معلوم العدم ، بل لا بد من القبض بإذن المالك في جواز التصرف ، وحينئذ فعدم البأس بسائر أنواع التصرفات فيه التي منها المعلوم توقفه على الملك كالوطي ، أقوى شاهد على حصول الملك قبله.

كما أشار إليه المصنف بقوله ولانه فرع الملك فلا يكون مشروطا به وأومأ إليه ابن زهرة في الغنية حيث قال : « وهو مملوك بالقبض ، لأنه لا خلاف في جواز التصرف بعد قبضه ، ولو لم يكن مملوكا لما جاز ذلك » كالفاضل في التذكرة حيث استدل عليه بأنه قبض لا يجب أن يتعلق به جواز التصرف فوجب أن يتعلق به الملك كالقبض في الهبة ، ولأنه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه ، ولو لم يملكه لما ملك التصرف ، ولانه يحصل بالقبض في الهبة ففي القرض أولى لأن للعوض مدخلا‌

٢٣

فيه إلى آخره.

بل لعله إليه يرجع ما في المتن والدروس وغيرهما من التعليل لنفي اشتراطه بأنه فرع الملك ، فلا يكون مشروطا به ، وإلا لزم كون الشي‌ء الواحد سابقا وغير سابق كرجوع الوجه الآخر إليه وهو أن التصرف فيه لا يجوز حتى يصير ملكا لقبح التصرف في مال الغير ، ولا يصير ملكا له حتى يتصرف فيه ، فيلزم توقف التصرف على الملك ، والملك على التصرف.

وناقش فيه في المسالك بمنع تبعية التصرف للملك مطلقا ، وتوقفه عليه ، بل يكفي في جواز التصرف إذن المالك فيه كما في غيره من المأذونات ، ولا شك أن الإذن للمقترض حاصل من المالك بالإيجاب المقترن بالقبول ، فيكون ذلك سببا تاما في جواز التصرف ، وناقصا في إفادة الملك ، وبالتصرف يحصل تمام سبب الملك ثم إن كان التصرف غير ناقل للملك ، واكتفينا به فالأمر واضح ، وإن كان ناقلا أفاد الملك الضمني قبل التصرف بلحظة يسيرة كما في العبد المأمور بعتقه عن الآمر غير المالك.

بل نقل في الدروس أن هذا القائل يجعل التصرف كاشفا عن سبق الملك قطعا وعلى هذا فلا اشكال من هذا الوجه ، ويؤيد هذا القول أصالة بقاء الملك إلى أن يثبت المزيل ، وأن هذا العقد ليس تبرعا محضا إذ يجب فيه البدل ، وليس على طريق المعاوضات ، فيكون كالإباحة بشرط العوض لا يتحقق الملك معه إلا مع استقرار بدله وكالمعاطاة.

وكأنه أخذ ذلك مما في الدروس قال : « وقيل : يملك بالتصرف بمعنى الكشف عن سبق الملك ، لأنه ليس عقدا محققا ، ولهذا اغتفر فيه ما في الصرف ، بل هو راجع إلى الإذن في الإتلاف المضمون ، والإتلاف يحصل بإزالة الملك أو العين ، فهو كالمعاطاة.

وعلى كل حال يدفعها أولا أن التصرف وإن كان كثير من أفراده في حد ذاته غير موقوف على الملك ، إلا أنه في المقام كذلك لعدم إذن من المالك ، غير الإذن التي‌

٢٤

في ضمن العقد المعلوم اشتراطها بحصول مضمون العقد ، وهو هنا التمليك بعوض فالتصرفات مع فرض عدم حصول الملك لا إذن فيها.

ومن هنا قالوا إن المعاوضات على تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بالإذن الحاصل في العقد ، ضرورة عدم بقاء المطلق بدون المقيد ، ولا يرد نحو ذلك على شرطية القبض ، إذ لا بد عندنا من الإذن فيه بعد العقد ، فإذا وقع بعنوان عقد القرض حصل الملك ، فيقع التصرف حينئذ في ملك على حسب ما استفيد من العقد ، وثانيا أن جملة من التصرفات لا تجدي معها الاذن المزبورة كالوطي المتوقف على الملك أو العقد ، وكالبيع الذي لا يجوز لغير مالكه إلا بالوكالة أو فضولا ومعلوم انتفاؤهما.

وثالثا أنه من الواضح الفرق بين القرض والإباحة بعوض ، على فرض تسليم مشروعيتها مستقلة ، إذ هو عقد قد قصد منه التمليك بالعوض ، بخلافها ، ومضمون على القابض ولو بالتلف السماوي ، بخلافها ، ولو كان القرض راجعا إليها لم يكن لعقده ثمرة أصلا ، على أنه كيف يمكن رجوعه إليها ولم تكن من قصد أحد المتعاقدين بل مقصودهما معا خلافها ، وهو التمليك بعوض في الذمة.

وأيضا مرجع الإباحة بعوض في الإتلاف بغير نقل إلى الضمان ، وإن كان التلف لملك المبيح ، وأما في التصرف الناقل كالبيع ونحوه إلى إرادة إثبات عوضه في الذمة ثم التصرف فيه ، فمع فرض وقوع ذلك منه كان في إثبات عوضه في ذمته موجبا قابلا فيكون ملكا له قبل الانتقال إلى المشتري مثلا بآن ما ، بل ربما كان التقدم الذاتي كافيا.

لكن ذلك كله موقوف على دليل صحة هذا القسم من الإباحة ، حتى يتجه التزام نحوه مراعاة للجمع بينه وبين ما دل على اشتراط الملك في البيع ، وليس ، فضلا عن رجوع القرض إليها ، بل قد يدعى ـ بعد الدليل ـ صحة البيع من دون ملك في نحو ذلك ، بل ربما ادعي نحوه في أعتق عبدك عني.

وعلى كل حال فالتزام كون القرض من ذلك كما ترى ، ومعلومية الصحة فيه شاهدة على حصول الملك بالقبض ، لا أنها مبنية على هذه الخرافات ، وأوضح من ذلك‌

٢٥

فسادا دعوى حصول الكشف بالتصرف عن الملك من حين القبض ، ضرورة توقف صحتها على ما يدل على اشتراط تأثير العقد والقبض بالتصرف حتى يكون كالرضا في عقد الفضولي ونحوه من الشرائط المتأخرة عن الأسباب المقتضية للملك التي يرجع اشتراطها إلى توقف تأثير السبب مقتضاه على حصولها ، فمعه يحصل الأثر من حين وقوع السبب ، وهذا معنى الكشف ، فالمؤثر للملك حينئذ غيره كما صرح به في التذكرة في المقام ، فإنه بعد أن حكى القول بالملك بالتصرف مصرحا بأنه على معنى إذا تصرف تبين ثبوت الملك قال : « وهذا يدل على أن الملك لم يحصل بالتصرف ، بل بسبب آخر قبله ، وإن كان قد يدفع بصدق حصول الملك به على المعنى الذي ذكرناه ، إذ الفرض أنه شرط للسبب كما هو واضح.

كل ذلك مضافا إلى ظهور النصوص المتضمنة لكون الزكاة على المقترض في المختار خصوصا صحيح زرارة (١) منها « قلت : لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكوته على المقرض أو المقترض؟ قال : بل زكاته إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض ، قال : قلت : فليس على المقرض زكاته؟ قال : لا يزكى المال من وجهين في عام واحد وليس على الدافع شي‌ء ، لأنه ليس في يده شي‌ء إنما المال في يد الآخذ ، فمن كان المال في يده كانت الزكاة عليه ، قال قلت : أفيزكي مال غيره من ماله؟ قال : إنه ماله ما دام في يده ، وليس ذلك المال لأحد غيره ، ثم قال :يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك المال أو ربحه لمن هو وعلى من هو؟ قلت : للمقترض ، قال :فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ، ويأكل منه ، ولا ينبغي له أن يزكيه ، فإنه عليه جميعا ».

بل هو دال على المطلوب من وجوه ، والموثق (٢) « رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنما كانت عليك قرضا ، قال : المال لازم له ، إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة » اللهم إلا أن يقال

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب من يجب عليه الزكاة الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أحكام الوديعة ـ الحديث ـ ١.

٢٦

بتوقف الملك على التصرف ، لا الضمان ، وفيه بحث ، وبعد التسليم ففيما تقدم كفاية.

فمن الغريب ميل ثاني الشهيدين إليه وان قال بعد ذلك : إن العمل على المشهور ، خصوصا بعد عدم معروفية الخلاف فيه بيننا ، وإن نسبه في التنقيح إلى المبسوط والخلاف ، إلا أنه لم نتحققه ، بل في الدروس نسبة المشهور إلى الشيخ ، بل المحكي عنه في مسئلة ارتجاع المقرض العين ما هو كالصريح في حصول الملك بالقبض ، لكنه كالهبة يجوز فسخه ، وستعرف تحقيق الحال في ذلك ، وخصوصا بعد إجمال المراد من التصرف ، إذ من المحتمل مطلق التصرف كما عن الشهيد في بعض تحقيقاته ، وعليه يعود النزاع لفظيا كما في الرياض ، فإن القبض نوع منه أو التصرف الناقل للملك لزوما ، أو المتلف للعين ، وهو الذي استظهره في التذكرة ، بل في المسالك أنه الظاهر من كلماتهم ، وفي الناقل عن الملك جوازا وجهان وجيهان.

لكن يشكل حينئذ انعتاق الوالد الذي استقرضه ولده بناء على الكشف بالتصرف ، ضرورة اقتضائه حينئذ فساد التصرف بالانعتاق ، فلا يكون التصرف كاشفا لبطلانه ، فيلزم حينئذ من وجوده عدمه ، فلا يؤثر ، أو التصرف المتوقف على الملك كالبيع والهبة ونحوهما ، لا الرهن ونحوه مما لا يتوقف على الملكية ، ضرورة جواز الاستعارة للرهن بخلاف البيع مثلا ، على أنه له ولا دليل على شي‌ء منها ، ولا على ما عن بعضهم من أن الضابط فيه ما يقطع به رجوع الواهب والبائع عند إفلاس المشتري ، وأما ثمرة الخلاف فقد قيل : إنها تظهر في الرجوع بالعين قبله ، وعدمه.

وفيه ما ستعرف من إمكان بناء الخلاف في ذلك على جواز عقد القرض ولزومه ، فعلى القول بأنه يملك بالقبض يمكن القول بالرجوع في العين ، لجواز العقد فهو كالهبة ، نعم تظهر في النماء إذا حصل الملك بنفس التصرف ، أو كان الملك فيه ضمنيا ، وأما على الكشف من حين القبض فلا ، وكذا النفقة وغيرها بل الثمرة كثيرة‌

٢٧

إلا أنه لا ينبغي تطويل الكلام بعد معلومية فساد الأصل والله أعلم.

وكيف كان ف هل للمقرض ارتجاعه أى المال المقترض بعد القبض وإن قلنا يملك به قيل : والقائل الشيخ نعم ولو كره المقترض لأنه لا يزيد على الهبة ، وللإجماع على كونه من العقود الجائزة التي من المعلوم كون المراد بجوازها فسخها ورجوع ما انتقل بها إلى مالكه ، ولأن المثل والقيمة إنما وجبت بدلا عن العين ، لغلبة خروجها عن يد المقترض ، ولأنه إذا استحق المطالبة بالمثل أو القيمة فبالعين بطريق أولى.

وقيل : لا وهو الأشبه والأشهر بل المشهور بل لعله إجماع بين المتأخرين لأن فائدة الملك التسلط على المملوك فالأصل فيه عدم خروجه عنه إلا برضاه كما أن استصحاب ملك المقترض للعين والمقرض للمثل أو القيمة قاض بذلك أيضا ، وخروج الهبة بالدليل لا يقضى به هنا ، خصوصا بعد الفرق بينهما بالمعاوضة في المقام دونها ، والإجماع على الجواز بالمعنى المعروف ممنوع بعد ما عرفت من شهرة عدم رجوع المقرض بالعين ، واحتمال تنزيل ذلك على ما إذا لم يفسخ ـ فيرجع النزاع حينئذ إلى جواز الرجوع وعدمه من دون فسخ للقرض ـ كما ترى ، إذ هو مع خلوه عن الفائدة ومخالفته لظاهر كلماتهم وصريح البعض محل للنظر ، بإمكان كون الرجوع بالعين نفسه فسخا وإن لم يصرح به بلفظه.

فظهر أن مراد المشهور عدم رجوع المقرض بالعين على كل حال ، وأنه ليس له الفسخ القاضي بذلك ، ومنه يعلم كون المراد بالجواز الذي ادعي الإجماع عليه أن لكل منهما فسخ المقصد المهم من القرض ، وهو الأنظار الذي هو مبنى القرض عرفا غالبا ، ومن هنا قال مالك : « إنه لا يجوز للمقرض مطالبة المقترض قبل قضاء وطره من العين ، أو مضي مدة يمكن فيه ذلك » فذكر الأصحاب الجواز بالمعنى المزبور بقصد الرد عليه ، ضرورة أنه وإن كان مبنى القرض ذلك ، إلا أنه ليس على وجه يلتزم به شرعا ، والعوض قد ثبت في الذمة حالا ، فله المطالبة في المجلس وغيره ، كما أن للمقترض دفع ذلك متى شاء ، فالمراد حينئذ من الجواز ذلك ، لا المعنى الموجب لرد العين‌

٢٨

لعدم الدليل الصالح لمعارضة ما سمعت ، بل مقتضاه الفسخ وإن حصل التصرف المغير للعين الموجب نقصها ، لعدم الدليل على لزومه بذلك على تقدير جوازه ، فيرد العين جابرا لها بالأرش ، وهو معلوم البطلان ، فتعين إرادتهم ما ذكرنا من الجواز.

ولعله إليه يرجع ما في المسالك وإن لم ينقحه كما ذكرنا ، قال ما حاصله :إن الأصل والاستصحاب يدل على المشهور ، ولا معارض لهما إلا كون العقد جائزا يوجب فسخه ذلك ، وفيه منع ثبوت جوازه بالمعنى المزبور ، إذ لا دليل عليه ، وما أطلقوه من كونه جائزا لا يعنون به ذلك ، لأنه قد عبر به من ينكر هذا المعنى ، وهو الأكثر ، وإنما يريدون بجوازه تسلط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء وإذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح ، وإن كان مغايرا لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه ، وحينئذ فلا اتفاق على جوازه بمعنى يثبت به المدعى ، ولا دليل صالح على ثبوت الجواز له بذلك المعنى المشهور ، فيبقى الملك وما في الذمة على حكمهما إلى أن يثبت خلافه ، وهذا هو الوجه ، وإلا كان ما ذكرناه أولى ، وكون الحكمة في وجوب المثل أو القيمة ذلك ، لا يقضي بجواز الرجوع بالعين بعد أن ثبت ملك المقترض للعين ، وثبت في ذمته المثل أو القيمة وهو واضح ، كوضوح منع الأولوية المزبورة ، فظهر حينئذ أنه لا مناص عن المشهور.

نعم يتجه القول بوجوب قبول المقرض للعين لو دفعها المقترض في المثلي إذا فرض عدم تغيرها ، سواء نقص السعر أولا ، ضرورة كونها أحد أفراد الكلي الذي في ذمته ، بل هي أولى من غيرها ، وكذا القيمي بناء على ضمانه بالمثل ، إذ هو كالمثلي في الحكم.

أما على القول بالقيمة فالمتجه عدم وجوب القبول لأنها غير الحق الثابت في الذمة ، فلا يجب قبوله ، وليس الواجب أولا دفع العين فإذا تعذر انتقل إلى القيمة إذ قد عرفت أن الثابت ابتداء القيمة بالعقد والقبض ، لكن احتمل بعضهم كالفاضل وغيره وجوب القبول ، بل في الدروس أنه الأصح ، ونقل فيه الشيخ الإجماع ، بدعوى كون مبنى القرض المشروع للإرفاق على ذلك ، ولأولوية العين ـ من القيمة والمثل‌

٢٩

اللذين كان القصد من إثباتهما في الذمة بدل العين ـ لغلبة خروجها من يد المقترض ولأن ثبوت القيمة في القيمي لتعذر مثله ، فمع فرض رد العين نفسها يتعين القبول إلا أن الجميع كما ترى.

وأضعف منه ما احتمله في الدروس من وجوب القبول في المثلي والقيمي إن تساوت القيمة أو زادت وقت الرد ، وإن نقصت فلا ، لعدم الدليل له سوى اعتبار لا يصلح لتأسيس حكم شرعي ، فتأمل ، كما أنه قد يتوقف فيما ذكره أيضا من أنه لو ظهر في العين المقترضة عيب فله ردها ولا أرش ، فإن أمسكها فعليه مثلها أو قيمتها معيبة ، وهل يجب عليه إعلام المقترض الجاهل بالعيب؟ عندي نظر من اختلاف الأغراض ، وحسم مادة النزاع ، ومن قضية الأصل. نعم لو اختلفا في العيب حلف المقترض مع عدم البينة ، ولو تجدد عنده عيب آخر منع من الرد ، إلا أن يرضى به المقرض مجانا أو بالأرش.

فإنه وإن كان جيدا إلا أن الحكم الأول لم أعثر على ما يدل عليه ، اللهم إلا أن يدعى أن بناء المعاوضة على أصل الصحة ، فالخيار هنا كالخيار في الرد بالعيب في البيع ، وإن زاد عليه هناك بالأرش للنصوص ، والأمر سهل. والله أعلم.

المسألة الثانية لو شرط التأجيل للقرض في عقد القرض لم يلزم على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل لا خلاف أجده فيه قبل الكاشاني ، نعم احتمله في المسالك بناء على ما ذكره سابقا من لزوم هذا العقد ، وعدم كونه من العقود الجائزة بدليل عدم وجوب رد العين إذا أراده المقرض ، فيشمله حينئذ قوله عليه‌السلام (١) « المؤمنون عند شروطهم » وغيره مما دل على لزوم ما شرط في العقد اللازم ، ودعوى أن هذا العقد ليس على حد الجائزة ليقطع فيه بعدم لزوم الشرط ، ولا على حد اللازمة ليلحقه حكمها ، يدفعها أن المتجه بعد التسليم الرجوع حينئذ إلى عموم الأدلة الدالة على الالتزام بالشرط والوفاء بالعقد.

وبذلك اغتر جماعة من متأخرين المتأخرين الذين لا يبالون باتفاق الأصحاب ، فضلا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٣٠

عن شهرتهم حتى جزموا باللزوم ، وشددوا النكير على دعوى كونه من العقود الجائزة ، وقد عرفت البحث في ذلك سابقا ، وأن مرادهم من الجواز عدم الالتزام بما يفهم من القرض من التأجيل في مقابلة المحكي عن مالك ، وجوازه بهذا المعنى مسلم لا يكاد ينكره أحد من الشيعة ، والنصوص واضحة الدلالة عليه ، ضرورة ظهورها في رجحان التأخير والإمهال والإنظار ، والترغيب في ذلك على وجه صريح أو ظاهر في الندب.

خصوصا مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء من حسنات ، وإن أرفق به في طلبه تعدى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « من أقرض مؤمنا قرضا حسنا ينظر ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه » وغيرهما مما هو كالصريح في جواز رجوعه ومطالبته أي وقت شاء ، وأنه محسن لا سبيل عليه.

وحينئذ مقتضى إطلاق هذه الأدلة جواز ذلك حتى مع اشتراط الأجل الذي هو في الحقيقة التصريح بما بنى عليه القرض والمتعارف منه ، والذي ندب إليه وحث عليه ، بل قيل : إنه إذا لم يجب الوفاء بالأجل المدلول عليه بنفس العقد ضمنا مع أن الأصل لزوم الوفاء به ، فعدم الوجوب إذا كان مدلولا عليه بالشرط أولى ، على أن التعارض بين ما دل على لزوم الشرط ، وبين ما دل على استحباب القرض ، وأن لكل منهما الرجوع متى شاءا ، وإن لم يكن بمعنى فسخ ملك العين المقترضة من وجه ، ولا ريب في أن الترجيح للثاني ، ولو للشهرة العظيمة ، بل الإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع.

والمناقشة ـ بمنع تعلق الاستحباب بخصوص المدلول ، بل بسببه الذي هو إجراء الصيغة ، وإن كان الوجه في تعلقه به هو رجحان العمل بمسببه ، فيرجع حاصل

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الدين ـ الحديث ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الدين ـ الحديث ـ ٣.

٣١

الأدلة إلى استحباب الإقدام على القرض ، وإيجاد سببه ، ولا ينافيه وجوب المسبب بعده ، وإن هو إلا كالتجارة ، فقد تظافرت الأدلة باستحبابها مع وجوب العمل بمقتضيات أسبابها كدفع المبيوع ونحوها ، وككثير من العبادات المستحبة الواجبة بالشروع فيها ، وبالجملة استحباب الشي‌ء ابتداء غير وجوبه استدامة ، فاستحباب الاقتراض ابتداء لا ينافي وجوب العمل بمقتضى عقده بعد إيجاده ـ يدفعها ظهور النصوص التي منها ما ذكرناه في استحبابه استدامة ، وفي أن للمقترض الوفاء متى شاء كما لا يخفى على من تأملها أدنى تأمل.

نعم لو ادعي تقييدها بما إذا لم يشترط الأجل ، كان الجواب عنه ما عرفت من أنه ليس بأولى من تقييد أدلة الشرط بما إذا لم يكن مقتضيا لتأخير القرض ، بل هو أولى من وجوه ، بل مقتضاه عدم لزوم هذا الشرط ولو كان في عقد لازم غير القرض إلا أن شهرة الأصحاب فيه على اللزوم ، فترجح أدلة الشرط حينئذ عليه ، خصوصا بعد معروفية عدم الخلاف فيه.

نعم في الدروس ولو شرط تأجيله في عقد لازم ، قال الفاضل : يلزم تبعا للازم ويشكل بأن الشرط في اللازم يجعله جائزا فكيف ينعكس ، وعن الحواشي أن في ذلك إشكالا ، لأنه إن أريد بلزومه توقف العقد المشروط عليه فممنوع ، لكنه خلاف المتبادر من كونه لازما ، ولا يقتضيه أيضا كما هو ظاهر ، إذا العقود المشروط فيها شروط لا يقتضي لزومها ، بل فائدتها تسلط من يتعلق غرضه بها على الفسخ بالإخلال بها ، وإن أريد لزوم ذلك الشرط في نفسه : بمعنى أنه لا سبيل إلى الإخلال به لم يطرد ، إلا أن يفرق بين اشتراط ما سيقع وما هو واقع ، ويجعل التأجيل من قبيل الواقع فيتم بهذا.

وفيه أن المراد بكون الشرط لازما وجوب الوفاء به ، كما وجب الوفاء بالعقد اللازم ، لأنه من جملة مقتضياته ، وتسلط من تعلق به غرضه على الفسخ بدونه لا ينافي هذا المقدار من اللزوم من طرف العاقد الآخر ، فيكون الشرط والعقد لازما من طرف المشترط له عليه ، ومن طرف من تعلق به غرضه يكون العقد لازما مع الإتيان‌

٣٢

بالشرط لا بدونه ، وهذا معنى واضح صحيح مستقيم.

كما أن ما ذكروه من أن الأجل من الشرط الواقع لا بأس به أيضا ، فإن اشتراط تأجيل الحال من قبيل العوض الواقع في ذلك العقد ، فيلزم بهذا الاشتراط ، وهذا هو المفهوم من إطلاق الأصحاب تأجيل الحال في عقد لازم ، وليس هو كاشتراط أن يفعل الفعل الفلاني ، بل هو كاشتراط سكنى الدار سنة في البيع فإن ذلك يصير حقا له كاستحقاق العوض ، كل ذلك مضافا إلى ما تسمع من النصوص (١) بالخصوص في تأجيل الحال وإلى ما عرفته سابقا في بحث الشروط.

وكيف كان فقد بان لك أنه لا محيص عما عليه الأصحاب من اللزوم في الشرط بعقد لازم ، وعدم اللزوم في عقد القرض وإن قلنا بكونه من العقود اللازمة لما عرفت ولا يعارض الأخير قوله تعالى (٢) ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) بعد عدم ظهوره في القرض المشترط فيه الأجل ، وأنه يجب الوفاء به إذا كان بعقد القرض بل ظاهره عدم إرادة بيان ذلك كما هو واضح ، ولا المروي عن ثواب الأعمال (٣) « من أقرض قرضا وضرب له أجلا ولم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار كل يوم » ونحوه الرضوي (٤) إذ أقصاهما الدلالة على صحة التأجيل ولا كلام فيه ، وثمرتها إنما هو جواز تأخير الدفع إلى الأجل ووجوبه بعده ، وهو غير لزومه الذي هو عبارة عن وجوب التأخير إليه ، وإنما الكلام فيه مضافا إلى قصور الخبرين ولا جابر ، بل قد عرفت تحقق الموهن الذي لأجله أطرح مضمر الحسين بن سعيد (٥) « عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثم مات المستقرض أيحل مال القارض بعد موت المستقرض منه ، أم لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته؟ فقال : إذا مات فقد حل مال القارض »

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام العقود.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٢.

(٣) الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب الدين ـ الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب الدين ـ الحديث ـ ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ من أبواب الدين الحديث ـ ٢.

٣٣

بناء على إشعاره بلزوم التأجيل في القرض ، كالدين من حيث التقدير والمفهوم ، وليس هو كالخبرين السابقين خصوصا بعد لفظ يحل فيه ، الظاهر في عدم استحقاق المطالبة قبل انقضاء المدة المضروبة حال حيوة المستقرض.

نعم قد يقال : إن سؤاله لم يكن عن لزوم الأجل في عقد القرض ، بل إنما هو عن الحلول بالموت وعدمه ، فأجابه عليه‌السلام على طبق سؤاله ، فيمكن أن يريد من القرض الدين ، أو القرض المشترط أجله بعقد لازم ، أو غير ذلك فلا يكون منافيا للمطلوب الذي هو عدم لزوم شرط الأجل في عقد القرض.

وكذا لو أجله بعد العقد أو أجل غيره من الدين الحال بأن يقول مثلا أجلتك إلى شهر لم يتأجل للأصل وغيره بل هو أولى في عدم اللزوم من الأجل في عقد القرض ، ولكن يستحب الوفاء به ، لأنه وعد وكيف كان فقد بان لك أنه لا دليل معتد به على اللزوم بل ليس فيه إلا إشعار رواية الحسين بن سعيد المتقدمة وهي رواية مضمرة مهجورة تحمل على الاستحباب خصوصا بعد ما عرفت من ضعف إشعارها من الوجه الذي ذكرناه.

وعلى كل حال ف لا فرق عندنا في عدم لزوم تأجيل الحال بالتأجيل المزبور بين أن يكون مهرا أو ثمن مبيع أو غير ذلك لاشتراك الجميع في أصالة عدم اللزوم وغيرها مما يدل على ذلك ، خلافا لبعض العامة فذهب إلى لزومه في ثمن المبيع والأجرة والصداق أو عوض الخلع دون القرض ، وبدل المتلف وأخر فالزمه في الجميع وهما معا كما ترى ، ضرورة أن المراد من قوله عليه‌السلام (١) « المؤمنون عند شروطهم » ونحوه العقود المشتملة على الشرائط لا الشرائط وإن لم تكن في عقود التي يمكن منع تسميتها شروطا كما هو واضح.

وكذا لو أخره أي الدين الحال بزيادة فيه لم تثبت الزيادة ولا الأجل بل هو الربا المحرم بلا خلاف ولا إشكال. نعم قد يحتال لذلك بجعل الزيادة في ثمن مبيع مثلا وإن لم يساوه قد اشترط في عقده تأجيل الحال خاصة أو هو مع ثمن المبيع

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٣٤

كما نطقت به النصوص ففي موثق ابن عمار (١) « قلت للرضا عليه‌السلام الرجل يكون له المال فدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تساوي ماءة درهم بألف درهم ويؤخر عليه المال إلى وقت قال : لا بأس قد أمرني أبي ففعلت ذلك ، وزعم أنه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عنها فقال له مثل ذلك ».

وفي موثقه الآخر (٢) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني وأنا أربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو قال بعشرين وأؤخره بالمال ، قال : لا بأس » وفي مضمر عبد الملك ابن عتبة (٣) « سألته عن الرجل يريد أن أعينه المال أو يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي لي عليه أيستقيم أن أزيده مالا وأبيعه لؤلؤة تساوي ماءة درهم بألف درهم فأقول أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخر ثمنها ومالي عليك كذا وكذا شهرا؟ قال : لا بأس به » إلى غير ذلك من النصوص المفتي بها بين الأصحاب وإن كان حيلة وفرارا ، لكن نعم الفرار من الباطل إلى الحق ومنه ينتقل إلى غير ذلك من الحيل الشرعية المنطبقة على أصول المذهب وقواعده.

ولا يعارضه خبر الشيباني (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يبيع المبيع والبائع يعلم أنه لا يسوى والمشتري يعلم أنه لا يسوى إلا أنه يعلم سيرجع فيه ويشتريه منه فقال : يا يونس إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجابر بن عبد الله : كيف أنت إذا ظهر الجور وأورثتم الذل قال : فقال له جابر : لا بقيت إلى ذلك الزمان. ومتى يكون ذلك بأبي أنت وأمي قال : إذا ظهر الربا يا يونس ، وهذا الربا فإن لم تشتره منه رده عليك؟ قال : فقلت : نعم قال فقال : لا تقربنه ولا تقربنه » بعد قصوره عن المقاومة من وجوه خصوصا بعد قوة احتمال إرادة حال عدم قصد البيع منه وأنهما لم يوجباه كاحتمال التقية لما حكى عن العامة من تشديد المنع في هذه الصورة ، وربما حمل على الكراهة أو غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٥.

٣٥

وعلى كل حال فقد ظهر من هذا كله أن تأجيله بزيادة من دون حيلة شرعية غير جائز. نعم يصح تعجيله لو كان مؤجلا بإسقاط بعضه مع التراضي بلا خلاف ولا إشكال ، كما تقدم في بحث النقد والنسيئة ، للنصوص المستفيضة ، بل ربما استظهر منها الإكتفاء بالتراضي من غير حاجة إلى الإبراء أو الصلح ، ف في مرسل أبان (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أيحل ذلك لواحد منهما؟ قال : نعم ».

وصحيح ابن أبي عمير (٢) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « أنه سأل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول له : انقدني كذا وكذا وأضع عنك بقيمته أو يقول : انقدني بعضه وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك؟ قال : لا أرى بأسا ، إنه لم يزد على رأس ماله قال الله عز وجل شأنه (٣) ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) واللام في السؤال بمعنى على ، كما رواه محمد بن مسلم (٤) في الصحيح مغيرا للسؤال « الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى » إلى آخره.

لكن قد يقال : إن بناء هذه النصوص على الإكتفاء بمعاطاة الصلح ، أو على إرادة بيان أصل الصحة ، وإن كان عند الوقوع لا بد من صيغة ، إذ المتعارف في النصوص عدم التعرض للصيغ لمعلوميتها أو لغير ذلك ، فلا ريب أن الأولى الإتيان بصيغة الصلح أو التصريح بالبراءة أو الإسقاط والعفو ، وإن كان الأقوى الاكتفاء بمعاطاة الصلح.

وكيف كان فيدل على المطلوب مضافا إلى النصوص السابقة وخبر زرارة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم باعها فربح فيها فأتاه صاحبها يتقاضاه ولم ينقد ماله ، فقال صاحب الجارية للذين باعهم : اكفوني غريمي هذا والذي ربحت عليكم فهو لكم؟ قال : لا بأس » الذي هو ك‍ صحيح الحلبي (٦) بناء

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ١.

(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أحكام الصلح الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٢.

٣٦

على أنه قد باعهم مؤجلا وإن كان لا مانع أيضا من بيعهم حالا ، والصلح معهم بإسقاط البعض ، إذ هو صلح الحطيطة الذي يقوم مقام الإبراء ، ولا ربا فيه وإن قلنا بعمومه للمعاوضات.

ومن هنا أطلق الأصحاب جوازه بتعجيل البعض بإسقاط الباقي من غير فرق بين المجانس والمخالف ، بل ظاهر الجميع كونه بالمجانس ، على أنه يمكن أن لا يكون إبراء محضا ، لأن الوضع في مقابلة الأجل ، بل يمكن خروجه بذلك عن المجانس ، وإن كان ذلك كله لا يخلو من نظر.

والأولى الاستناد للنص المعتضد بفتوى الأصحاب ، بل لم أجد أحدا منهم أومأ إلى احتمال الربا فيه سوى الفاضل في القواعد وغيرها ، بل ظاهره في صلح الأولى البطلان على تقدير عموم الربا للمعاوضات ، قال : ولو صالح على عين بأخرى في الربويات ففي إلحاقه بالبيع نظر ، وكذا في الدين بمثله ، فإن ألحقناه فسد ، كما لو صالح في ألف بخمسمائة حال ، ولو صالح من ألف حال بخمسمائة مؤجل فهو إبراء على إشكال ويلزم التأجيل.

وسوى الشهيد في الدروس حيث قال : « ولو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالا صح إذا كان بغير جنسه ، وأطلق الأصحاب الجواز ، إما لأن الصلح هنا ليس معاوضة له ، أو لأن الربا يختص البيع ، أو لأن النقيصة في مقابلة الحلول ، فلو ظهر استحقاق العوض أو تعيبه فرده فالأقرب أن الأجل بحاله » وقال ابن الجنيد سقط.

قلت : أقواها الأول إذ الثاني منظور فيه بأن الأصح عموم الربا ، وقد صدر ذلك ممن يقول بعمومه ، وأما الثالث ففيه أولا أنه لا يكفي في سقوط الربا ، وثانيا قد عرفت أن الأقوى الصحة في الحالين أيضا فله أن يصالح عن الزائد الحال بالناقص كذلك ، لقيامه مقام الإبراء بخلاف البيع ، فإنه لا يقوم مقامه ، قال في الدروس أيضا ولو صالح عن غير الربوي بنقيصة صح ولو كان ربويا وصالح بجنسه روعي أحكام الربا ، لأنها عامة في المعاوضات على الأقوى ، إلا أن نقول الصلح هنا ليس معاوضة ،

٣٧

بل هو في معنى الإبراء وهو الأصح ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) قال لكعب بن مالك : « أترك الشطر واتبعه ببقيته » وروي ذلك عن الصادق عليه‌السلام (٢) وينبغي أن يكون صورته صالحتك على ألف بخمسمائة ، فلو قال بهذه الخمسمائة ظهرت المعاوضة ، والأقوى جوازه أيضا لاشتراكهما في الغاية.

قلت : قد يشكل الأخير بأنه لو صح لصح في المعنيين مع التفاوت ، على أن يكون الصلح بمعنى هبة الزائد ، ولا ريب في عدم جوازه لكونه معاوضة حينئذ ، اللهم إلا أن يفرق بينهما وهو غير بعيد كما ستعرف ، ولو صالح عن ألف حال بخمسمائة مؤجلة ففي التحرير أن الوجه الجواز ، ولعله لأنه كالعكس ، لكن فيه أنه يمكن الفرق بينهما فتأمل ، ويأتي في الصلح تمام الكلام إن شاء الله.

هذا وفي المسالك أنه كما يعتبر التراضي في إسقاط البعض ، يعتبر في تعجيله بغير إسقاط ، لأن الأجل أيضا حق لهما ، لتعلق غرض كل منهما به ، فإن التعجيل قد لا يرضى به صاحب الحق ، لحصول ضرر لخوف ونحوه ، وبالنسبة إلى الآخر واضح لكن إسقاط الأجل يكفي فيه مجرد الرضا ، أما إسقاط بعض الحق فيحتمل كونه كذلك ، كما يقتضيه ظاهر إطلاقهم ، ويكون الرضا بالبعض قائما مقام الإبراء ، فإنه كما يظهر من تضاعيف كلامهم أنه لا يختص بلفظ ، وفي كتاب الجنايات يقع بلفظ العفو ونحوه فيكون هذا منه ، ويحتمل قويا توقف البراءة على لفظ يدل عليه صريحا كالبراءة والإسقاط والعفو والصلح ، لا مطلق الرضا لأصالة بقاء الملك إلى أن يتحقق المزيل شرعا.

وفيه أن مثله يأتي في إسقاط الأجل ، نعم يسقط به مع قبض المال من المستحق وحينئذ فالمتجه إسقاط بعض الحق معه ، إذا وقع بعنوان المعاوضة عن الجميع ، ضرورة كونه حينئذ من معاطاة الصلح ، لكن يأتي فيه حينئذ إشكال الربا ، إذ هو كالصلح عن الزائد بالأقل المعين ، وقد عرفت قوة احتمال المعاوضة ، خلافا للدروس فألحقه بالأقل غير المعين الذي لا يكون إلا إبراء اللهم إلا أن يقال بصحة ذلك في المقام من

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٩٩ الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب الصلح الحديث ١.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٩٩ الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب الصلح الحديث ١.

٣٨

جهة إطلاق النصوص.

ومنه يظهر لك قوة ما سمعته من الدروس ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، ولقد طال بنا الكلام ، وكان أصل المقصد بيان عدم لزوم الأجل المشترط في عقد القرض ، وقد ظهر لك الوجه فيه ، بل منه يعلم عدم لزوم كل شرط اقتضى تأخير القرض من غير فرق بين الزمان والمكان وغيرهما.

لكن قد سمعت فيما تقدم أن الشهيد في الدروس صرح بلزومه بالنسبة إلى المكان ، خلافا للفاضل فجعله دائرا مدار المصلحة ، اللهم إلا أن يقال باللزوم فيه هناك للنصوص التي يدعي دلالتها على ذلك ، أما الشرط الذي لا يقتضي تأخير القرض فالمتجه بحسب الضوابط لزومه ، ووجوب الوفاء به ،

لعموم (١) « المؤمنون » وغيره مما يدل على وجوب الوفاء بالعقود اللازمة التي لا ريب في أن عقد القرض منها ، بعد ما عرفت من أنه ليس لأحدهما فسخه بحيث يرد العين إلى مالكها ، فالأصل لزوم الشرائط فيه.

ولعل منه شرطية الصحاح بدل المكسرة عند من جوزه ، بل الظاهر لزوم الشرط في عقد القرض وإن كان تأخير قرض آخر ، وإن كان لم يفرق في المسالك بينه وبين أجل القرض المشترط في عقده في عدم لزوم الجميع ، إلا أنك قد عرفت أن الأصل يقتضي اللزوم ، خرج عنه في خصوص الثاني ، لما عرفت من الدليل ، فيبقى غيره على الأصل ، ولا ينافي لزوم الشرط في عقد القرض جواز مطالبة المقرض في كل وقت ، وفاء المقترض كذلك ، إذ ليس ذلك فسخا لعقد القرض الذي يجب الوفاء به وبما تضمنه من الشرائط التي لا تقتضي وجوب إبقائه ، بل هو مطالبة بالمثل أو بالقيمة اللذين جبا بعقد القرض ، فالاستناد في دعوى عدم لزوم الشرط في عقد القرض بأنه من العقود الجائزة بالمعنى المزبور واضح الفساد ، ضرورة أن المثمر في عدم لزوم الشرط الجواز بمعنى فسخ العقد ، لا هو بالمعنى المزبور هذا.

وفي جامع المقاصد « وههنا فائدة : وهي أن الشروط الواقعة في عقد القرض

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٣٩

أقسام الأول ـ ما يفسده ، وهو اشتراط الزيادة للمقرض في نفس مال القرض لمحض الإحسان ، الثاني ـ ما يكون لغوا أو وعدا : وهو الزيادة للمقترض من غير أن يكون للمقرض زيادة. الثالث ـ ما يكون مؤكدا كاشتراط رهن به ، وهو صحيح قطعا. الرابع ـ ما يكون زيادة للمقرض لكن في غير مال القرض وفي صحته تردد ، والأصح الصحة. الخامس ـ ما يكون وعدا محضا كما لو أقرضه وشرط له أن يفرضه شيئا آخر.

إذا عرفت هذا فلا بد من الفرق بين هذه الشروط في الأحكام ، ففي الأول معلوم بقاء مال القرض في ملك المقرض ، وفي الثاني إن كان الشرط لغوا فلا بحث ، وإن كان وعدا فمعناه إن وفي به كان حسنا وإلا لم يأثم ، ووجهه أن القرض إحسان إلى المقترض بالقرض ، وشرط في ذلك الإحسان إحسان آخر لنفعه فقط ، فلا يجب عليه ، لانتفاء المقابلة المقتضية للوجوب.

وفي الثالث والرابع يجب عليه الوفاء ، لأن المقرض لم يرض بالقرض إلا على ذلك التقدير المشترط ، وقد رضي المقترض على ذلك الوجه ، فيجب الوفاء ، فان لم يفعل أثم ، ولم يكن له إجباره قطعا ، لأن القرض عقد جائز من الطرفين ، لكل منهما فسخه ، فإن لم يفسخه حالا فهل يتوقف وجوب الدفع على المطالبة بمال القرض ، أم يجب دفعه بمجرد المطالبة بالشرط مع عدم الوفاء ، وجهان ، وفي الأول قوة.

وهو كما ترى لا يرجع إلى ضابطة ، بل هو عند التأمل مخالف للضوابط الشرعية التي قد عرفت اقتضائها اللزوم في كل شرط في عقد القرض ، إلا ما جر نفعا للمقرض وما اقتضى عدم جواز المطالبة من المقرض والوفاء من المقترض إلا في اشتراط المكان ، للنصوص السابقة فيه من غير فرق بين ما يرجع إلى القرض من الشرائط ، كالرهن والإشهاد والكتابة ونحوها ، وما لا يرجع إليه من الأمور الملتزمة في عقده ، بل الظاهر أن فائدة الشرط في عقد القرض كفائدته في غيره من العقود اللازمة ، يجب إجبار من عليه الشرط ، فإن تعذر تسلط من له الشرط على فسخ العقد نفسه ، فيرجع المال‌

٤٠