جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أجازه ومن مقتضياته ، فلا بأس حينئذ بدعوى الكشف هنا عن بطلان الرهانة في الزمن السابق. بناء عليه في الفضولي فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة في كلامهم.

نعم قد يشكل دعوى الكشف في تعقب الفك للعقد الذي لم يرده المرتهن بناء على صحة العقد ولزومه بذلك كما جزم ثاني المحققين والشهيدين ، بل هو المحكي عن فخر المحققين ، والشهيد الأول في حواشيه ، وفي القواعد « لو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر » ومقتضاه المفروغية من الصحة ، وإنما الكلام في اللزوم ، ويمكن أن يريدها منه ، وإن كان من لوازمها هنا اللزوم كما ستعرف.

وعلى كل حال فوجه الأول وجود المقتضي الذي هو العقد من المالك ، وإنما كان له مانع من النفوذ ، وهو حق المرتهن ، وقد زال ، فيؤثر المقتضي أثره من غير حاجة إلى تجدد رضا من المالك ، لعدم تجدد شي‌ء له وإنما ذهب حق الارتهان ، لا أنه انتقل إليه ، ومنه يعلم الفرق بينه وبين ما إذا باع مال غيره فضولا ، ثم ورثه أو اشتراه وكيله ، الذي قالوا فيه بالبطلان ، ـ لعدم المقتضي للصحة ـ حال العقد ، لعدم الإجازة من المالك ، وعدم كون العاقد مالكا ، ـ أو بالتوقف على إجازة المالك الجديد ، لأنها أولى من تأثير إجازة الأول أو مساوية لها ، ضرورة عدم تأتي الوجهين فيما نحن فيه.

ويقرب من ذلك ما في جامع المقاصد « من بيان وضوح الفرق بينهما بأن مال الغير غير مملوك للمتصرف ، فالمقتضي للصحة منتف ، لانحصاره في وقت العقد بالمالك الذي لم يحصل منه إجازة ، ومجرد الصيغة لا تعد مقتضيا ، بخلاف ما نحن فيه فإن الملك منحصر في الراهن ، والمقتضي وهو العقد الصادر من أهله في مملوك موجود غاية الأمر أن حق المرتهن مانع ، فإذا انتفى عمل المقتضي عمله.

هذا كله مضافا إلى أنه لا سبيل إلى اعتبار إجازة المرتهن بعد انقطاع علاقته ، ولا إلى بطلان تصرف الراهن المالك ، إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه فكيف بعده الذي مقتضى إطلاق الأدلة وعمومها صحته ، خصوصا بعد لزوم العقد من‌

٢٠١

طرف الراهن ، لاندراجه في عموم (١) « الوفاء بالعقود ، » ولم يتجدد إلا ما يؤكد ذلك من ارتفاع المانع فيستمر حينئذ خطاب الوفاء له.

ودعوى ـ أن شرط الصحة في العقد الواقع حال الرهانة إذن المرتهن ، وقد فاتت بفك الرهانة الذي لا وجه بعده ، لمراعاتها فيتعين البطلان حينئذ لفوات الشرط بل هو أولى بذلك من بيع مال الغير فضولا ثم انتقل إلى البائع ، كدعوى أن الصحة من الفك إن كانت على الكشف ، اقتضى نفوذ التصرف في الرهن ـ وهو رهن ، ضرورة عدم سقوط الرهانة قبله ، وإن كانت على النقل ، اقتضى ذلك تعليق أثر العقد الظاهر في السببية حين وقوعه ، هذا. مضافا إلى استصحاب حال العقد قبل الفك من عدم التأثير ـ

يدفعها وضوح عدم دليل يدل على اشتراط إذن المرتهن في الصحة ، إذ ليس في الأدلة إلا منع الراهن والمرتهن من التصرف على معنى النفوذ ، لا العقد الذي ليس هو تصرفا قطعا ، وإنما تثبت الصحة بإذن المرتهن باعتبار دوران الحق عليهما ، فمع رضاهما تتعين الصحة ، وهذا أعم من الشرطية المزبورة قطعا ومنه ظهر الفرق بينه وبين المثال كما أوضحناه سابقا.

كما يدفع الثانية احتمال أن يقال : أنه لا بأس بالكشف ، والتزام عدم قدح الرهانة التي يتعقبها الفك ، والفاضل في القواعد فيما لو أتلف الرهن متلف وانتقل الرهانة إلى القيمة قال : « فإن عفى الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال : أي من الجاني لحق المرتهن ، فإن انفك ظهر صحة العفو ، وإلا فلا » ، ولا وجه له إلا ما ذكرنا ضرورة اقتضاء ذلك نفوذ العفو فيه ، وهو رهن ، فلا محيص عن التزام عدم قدح الرهانة المتعقبة بالفك في تأثير السبب أثره.

ولعله إليه يرجع ما عن فخر المحققين من الاستدلال عليه ـ بعد كونه جمعا بين الحقين ـ بأنه لا مانع إلا حق المرتهن ، فإذا انفك انتفى المانع ، ثم بين وجه قول والده « ظهر صحة العفو » بأن الأمور العدمية لا توصف بأنها موقوفة ، بل تكون

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

٢٠٢

مراعاة ، وما يدل على صحتها كاشف ، والكاشف هو دليل على سبق العلة المؤثرة التامة وأما الموقوف عليه فهو من تمام العلة أعني علة الصحة.

لكن ضعفه في جامع المقاصد ، بأنه لم يتحقق ثبوت حق للجاني إلى الآن ليجمع بينه وبين حق المرتهن ، ومانعية حق المرتهن من صحة العفو تقتضي بطلانه وقت إنشائه ، فكيف تنكشف بعد صحته في حال وجود المانع ، إلى أن قال : العفو إما أن يكون سببا تاما ، أولا ، فإن كان الأول لزم إما تأثيره مع وجود المانع ، أو بطلانه ، وإن كان الثاني لزم كونه موقوفا.

وفيه أنه يمكن أن يريد ما ذكرنا من عدم مانعية الرهانة التي يتعقبها الفك الذي هو طريق لمعرفة كونها كذلك ، وإلا فالعفو سبب تام في التأثير فتأمل جيدا فإنه لا يتم في نحو العتق والوقف ونحوهما مما لا يمكن التزام كونه حرا مرهونا أو وقفا كذلك ، مضافا إلى ما في دعوى رهنية ملك الغير في المثال السابق من دون اشتراط عليه ، والرهن السابق كان متعلقا به من حيث كونه ملكا للبائع ، لا مع انتقاله عنه بالبيع كما هو واضح ، وقد يدفعها أنه لا بأس بالتزام النقل تحقيقا للمانعية بل لعله الأقوى ، وليس هذا من التعليق الممنوع قطعا ، ضرورة كون التعليق من العاقد ، لا الشرعي كما هو واضح.

ومن الغريب التمسك بالاستصحاب بعد تغير الموضوع ، وخروج العين عن الرهانة إلى الطلق ، فلا وجه لجعل ذلك وجه النظر في اللزوم في عبارة القواعد.

ومن ذلك كله يعلم الحال في العتق الذي يتعقبه الفك ، وفاقا لما عن أكثر المتأخرين من النفوذ ، خلافا للشهيد في الدروس وغيره ، فلا ينفذ ، لأنه لا يقع معلقا ، وفيه منع إن أراد به ما يشمل الشرط الشرعي الذي منه عدم المانع ، مع أنه قد يدعى عدم التعليق ، بناء على التقرير الذي ذكرناه سابقا ، ومثله لو أعتق المحجور عليه ، لسفه أو فلس فزال الحجر.

لكن في التذكرة عن الشيخ البطلان في الأخير ، وجعله أقوى ثم حكى القول ببقائه موقوفا ، ونفى البأس عنه ، ويمكن أن يكون مختاره في المقام البطلان ، لأنه‌

٢٠٣

هنا جعله كالحجر بالفلس ، وقد سمعت أن الأقوى البطلان عنده فيه.

وفي التحرير في المقام في نفوذ العتق لو فك إشكال ، واحتمال أن المنع في العتق لاعتبار نية القربة فيه التي لا تقبل التعليق يدفعه بعد تسليم اعتبارها فيه منع منافاة حصولها بإيجاد سببه فيما يتوقف على ارتفاع مانع شرعي أو شرط كذلك.

ومن ذلك يعلم الحال في الوقف ، وإن قلنا باعتبار النية فيه ، وكونه كالإيقاع في عدم الحاجة إلى القبول ، اللهم إلا أن يدعى فيها مطلقا أو في خصوص العتق منها بظهور أدلتها في عدم كونها موقوفة ، ولو على شرط شرعي ، ولذا بنى العتق منها على التغليب ، وقد يأتي إنشاء الله التعرض لتحقيق ذلك في أبوابها.

ثم إن الظاهر سقوط حق المرتهن فيما لو أذن بالمسقط ابتداء يكون بوقوعه ، من حيث أنه مناف لحق الرهانة ، لا بمجرد الإذن ، للأصل وغيره ، فله الرجوع فيها حينئذ قبل التصرف بعد علم المأذون وقبله ، بل وبعد إيقاع الصيغة منه قبل الإقباض في مثل الهبة التي يتوقف الملك بها عليه.

لكن في القواعد ، الإشكال فيه ، ولعله لأن الإذن في المسقط يدل على الرضا بالسقوط ، ولأن التصرف الناقل لا يجامع الرهن ، فلا بد من الحكم بالسقوط قبله.

وفيه أن المنافي للرهن هو المقتضي للسقوط ، لا الرضا به ، ولا مانع من حصول السقوط بتمام سبب النقل ، وإن أبيت فليقدر لتصحيحه ، كما في نظائره قبله ، بآن ما لا بالإذن نعم لو حصل النقل عن الراهن سقط ، ولو كان له الخيار للمجلس أو غيره فسخ خياره أولا ، لحصول السقوط بمجرد الانتقال ، ولا دليل على عوده بالفسخ الذي هو منه حينه ، كالإقالة.

ولو رجع المرتهن بإذنه قبل التصرف ، إلا أنه لم يعلم الراهن بذلك إلا بعده ، أمكن القول بالفساد ، كما عن المبسوط الجزم به ، لبطلان مقتضى الصحة في الواقع ، وخروج الوكيل على ذلك لو رجع الموكل ، ولما يعلم إلا بعد التصرف ، لدليل مخصوص لا يقاس عليه ، ودعوى ان الفرض من الوكالة واضحة الفساد.

نعم لو انعكس الفرض بأن أذن الراهن للمرتهن في البيع ، ورجع كذلك أمكن‌

٢٠٤

القول بعدم البطلان ، لانه من الوكالة كما هو واضح ، ولو كان قد باع أي المرتهن بخيار مثلا ففسخه الراهن لأن له ذلك قطعا لم تعد الرهانة ، للأصل السالم ، لكن عن المبسوط أنه إذا اشترى المرتهن عينا من الراهن بدينه ، أنه يصح ويبطل الرهن ، فإن تلفت العين قبل القبض عاد الدين والرهن ، ولعله بناء على أن التلف قبل القبض فاسخ من الأصل ، لا من الحين ، وإلا كان عود الرهانة بعد سقوطها ببراءة ذمة الراهن محلا للنظر وإن كان لا يخلو من وجه ، وأولى منه بالنظر قوله فيه أيضا « وكذا لو أقبضه ثم تقايلا عاد الدين والرهن ، كالعصير يصير خمرا ثم يعود خلا » وتعرف إنشاء الله فيما يأتي الفرق بين المقامين.

ولو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة ، فالظاهر أنه إجازة ، ضرورة توقف صحتها على بيع صحيح ، وهو فرع رضى المرتهن ، فحمل طلبه حينئذ على الوجه الصحيح المعتبر يستلزم ذلك ، اللهم إلا أن يعلم غفلته عن الرهانة ، فلا يدل الطلب حينئذ على الإسقاط مع إمكان دعوى كون الطلب إجازة قهرا ، لا دالا على الرضا الذي تحصل به الإجازة ، نحو ما سمعته في التصرف المسقط لحق الخيار.

وأما دعوى ـ أن الشفعة كالفسخ في إزالة الملك لا يتوقف على إسقاط حق الارتهان ـ واضحة الفساد ، ضرورة أن الشفعة من المرتهن إزالة ملك عن المشتري بعد ثبوته ونقله إليه بخلاف الفسخ فيه الذي يرجع إلى عدم إجازة البيع ، فظهر من ذلك أنه لا محيص عن القول بلزوم الطلب للإجازة ، والظاهر عدم بطلان الشفعة معه ، لعدم التلازم بين الرضا باللزوم من حيث الرهانة ، وبينه من حيث الشفعة ، فيسقط وتصح الشفعة كما لو صرح بذلك.

لكن في القواعد « ولو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة ، ففي كونه إجازة إشكال. فإن قلنا به فلا شفعة » وهو غريب ، خصوصا بعد قوله متصلا بذلك « ولو أسقط حق الرهانة فله الشفعة إن قلنا بلزوم العقد » بعد الإغضاء عما في قوله إن قلنا بلزوم العقد مما لا محصل له معتد به ، كما أنه لا محصل للمحكي عن ولده في توجيه العبارة ، فلاحظ وتأمل والله أعلم.

٢٠٥

وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال عندنا في صحة العتق من الراهن مع تعقب الإجازة من المرتهن وإن قال المصنف فيه تردد مما ذكرنا ومن أن العتق لا يقع معلقا لاعتبار نية القربة فيه ، أو لغير ذلك مما سمعت.

إلا أنه لا ريب في كون الوجه الجواز لما قد مر مفصلا خلافا لما عن المبسوط ، والمراسم والوسيلة ، والغنية ، بل والدروس : بناء على عدم الفرق بين ما صرح به من الفك وبين الإجازة ، خصوصا مع كون المنع من بعضهم ، بناء منه على عدم جواز الفضولي فيندر الخلاف حينئذ في خصوص المقام ، بل يمكن كون مراد الجميع مع عدم تعقب الإجازة فلا يكون خلاف حينئذ فيه أصلا ، وأما احتمال عدم الجواز فيه ـ وإن قلنا بالفضولي في غيره ، لعدم عموم في العتق يشمل مثل ذلك ، بخلاف غيره من العقود ـ فهو في غاية الضعف من وجوه ، خصوصا في دعوى عدم العموم ، فإن « من أعتق » (١) ونحوه كاف فيه ، بل لعل العكس أولى من ذلك ، فيقال بالصحة حينئذ هنا ، وان منعنا الفضولي في غيره ، لكون المعتق المالك ، وتعلق حق المرتهن مانع ، فمتى زال بإجازة أو فك عمل المقتضي عمله ، كما أوضحناه سابقا في الفك الذي لا ريب في أن الإجازة أولى منه بالصحة كما عرفت فلاحظ وتأمل.

وإليه يرجع ما في المسالك هنا حيث قال : « منشأ التردد في الصحة من كون العتق إيقاعا ، فلا يكون موقوفا لاعتبار التنجز فيه ، ومن أن المانع حق المرتهن ، وقد زال بإجازته ، وهو أقوى ، ونمنع منافاة التوقف المذكور للتنجز ، كغيره من العقود التي يشترط فيها ذلك أيضا ، فإن التوقف المذكور الممنوع هو توقف المقتضي على شرط ، لا على زوال مانع » وعلى هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتك الرهن لزم ، إذ مراده الشرط الذي يكون من العاقد لا الشرط الشرعي الذي منه عدم المانع ، ومنه الرضا المعلوم كونه شرطا في العقود والتقابض في عقد الصرف وغير ذلك والله أعلم ، هذا كله في الراهن.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العتق.

٢٠٦

وكذا لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بانتفاع ونحوه ، لحرمة التصرف في مال الغير ، ولا يمضي تصرفه فيه بعقد ونحوه إلا بإذن الراهن ، إذ هو فضولي فيجري عليه حكمه كما هو واضح ، مع أنه قد تقدم شطر صالح من الكلام فيه آنفا في الفصل الخامس فلاحظ.

ولكن ينبغي أن يعلم ان في عتقه مع إجازة الراهن ترددا بل في المتن والوجه المنع لعدم الملك ما لم يسبق الإذن وفاقا للقواعد ، ومحكي التحرير ، والإرشاد ، والدروس ، واللمعة ، وغاية المراد ، والتنقيح ، وشرح الإرشاد للفخر ، والروضة ، والمسالك ، بل في الأخير « إن كثيرا من الأصحاب لم يتوقف في الحكم ، لان المرتهن غير مالك ، ولا عتق إلا في ملك ، فيكون كالفضولي لا يصحح عتقه الإجازة » بل عن سابقه أن العتق يقع باطلا قطعا ما لم تسبق الإذن ، إذ لا عتق إلا في ملك ، بل عن سابقهما قد اتفق الكل على إضمار الصحة في قوله عليه‌السلام « لا عتق إلا في ملك ».

قلت : لعله كذلك فيما إذا كان العتق من المرتهن ، للخبر المزبور الذي لا يشكل بأن مقتضاه البطلان ، وإن سبق الإذن ، ضرورة عدم حصول الملك للمرتهن معها ، لاندفاعه بما يأتي إنشاء الله في باب العتق من أن المأذون والمأمور بعتق عبده عن غيره يصح عتقه ، وينتقل إلى ملك الآمر والمأذون له قبل إيقاع الصيغة آنا ما ، والتزام نحوه في الاذن اللاحقة ـ على معنى حصول الكشف بها عن دخوله في ملكه آنا ما قبل العتق ، كما لو وهبه من نفسه فضولا ثم أعتقه فأجاز المالك الهبة فإنه ينكشف حينئذ وقوع العتق في الملك ـ غير جائز بدون دليل عليه ضرورة مخالفة مثل ذلك للضوابط الشرعية التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن ، وليس في غير الإذن السابقة ولو بمعونة كلام الأصحاب.

أما إذا كان العتق عن الراهن أو مطلقا ، فالمتجه ـ بناء على الفضولي وأنه على القاعدة ـ الجواز حتى على القول باعتبار نية القربة فيه ، بناء على شمول دليل الفضولي لمثل ذلك ، كدفع الزكاة والخمس ونحوهما عن الغير ، فيجيز من عليه الحق ، إلا‌

٢٠٧

أن الانصاف عدم خلو جميع ذلك كله من الإشكال ، خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب.

نعم لو سبق اذن الراهن للمرتهن في العتق مطلقا أو عن الراهن ، لم يكن إشكال في الصحة » لأن المرتهن حينئذ وكيل عن المالك ، بل في المسالك « لو حملت عبارة المتن على ذلك كان أولى ، واسترحنا من ذلك الإشكال المتوقف زواله على أمور خفية ».

قلت : لكن مقتضاه حينئذ ما استوجه المصنف فيه المنع من عتق المرتهن عن الراهن مع الإجازة. وقد عرفت ما فيه من الإشكال ، مضافا إلى عدم انطباق التعليل ، وأن الأقوى الجواز فيه ، بناء على شمول دليل الفضولي لمثل ذلك ، وان قلنا باعتبار نية القربة التي يكفي في إيجادها مشروعية الفضولي ، مثل التوكيل والتبرع.

ومرجع الجميع إما إلى مشروعية إيجاد صورة الفعل العبادي عن الغير ـ على وجه يسقط التكليف عنه ، لا أن المراد توجه أمر إلى الفاعل النائب بقصد امتثاله ، كما في الأصل ، ضرورة عدمه في الوكيل مثلا فضلا عن غيره ، حتى الإجارة التي يؤمر بأدائها بعد تمام العقد من حيث كونه وفاء بالعقد لا أمر عبادة ـ أو إلى أن الغير مأمور بإيقاع الصلاة عن الغير ولو ندبا ، على نحو أمر الولد بالقضاء عن والده ، فتكون نية القربة فيه حينئذ باعتبار كونه مأمورا بذلك ، بل هو معنى المشروعية تبرعا ، أو وكالة.

وجواز أخذ الأجرة عليه ـ مع أنه عبادة محضة للأجير كالنافلة ـ للدليل الوارد في الحج وغيره ، ولعله باعتبار تضمنه وصول منفعة للغير خصوصا إسقاط ما في ذمته وكان هذا أقوى من الأول سيما بعد معلومية كون صلاة النيابة صنفا من العبادة بل هي نوع مقابل للعبادة الأصلية نعم قد يفرق بين التوكيل وغيره والله اعلم والكلام في الوقف يعرف مما قدمناه سابقا وذكرناه لا حقا فلاحظ وتأمل.

وكيف كان ف لو وطئ الراهن بإذن أو بدونها فأحبلها ، صارت أم ولده شرعا بلا خلاف بل في التذكرة نسبه إلى مذهبنا مشعرا بالإجماع عليه ، ولا ينافي ذلك ما تسمعه من جواز بيعها عند جماعة من الأصحاب ، لعدم انحصار حكمها في عدم جواز البيع ، إذ قد لاتباع فتعتق من نصيب ولدها مثلا.

٢٠٨

وكذا لا خلاف في أنه لا يبطل الرهن المستصحب بذلك ، وإن كان بإذن بل في المسالك لا شبهة فيه ، بل ظاهر قوله في التذكرة ـ عندنا ـ الإجماع عليه ، وعلله في جامع المقاصد بان الرهن بعد تمامه ولزومه ، إنما يبطل بمنافيه ، والإحبال وإن وقع بالإذن غير مناف وإن صارت أم ولد ، إذ لا يمتنع بيعها إذا تعلق بها حق المرتهن سابقا على الاستيلاد ، إما مطلقا أو مع الإعسار ، ومع الإيسار يجب بذل القيمة ، لتكون رهنا ، وذلك أثر بقاء الرهانة لا محالة ، فلا منافاة حينئذ » ، بل في المسالك : « لا تخرج به عنه وإن منعنا من بيعها ، لإمكان موت الولد ، فإنه مانع ، فإذا زال عمل السبب السابق عمله ».

قلت : قد يقال : بالبطلان إن لم ينعقد إجماع على خلافه ، بناء على منع البيع مطلقا أو مع اليسار ، لما عرفت سابقا من أنه يشترط في صحة الرهن كونه مما يباع حتى يتم الاستيثاق به ، بدعوى ظهور كون ذلك شرطا في الابتداء والاستدامة ، كما هو الأصل في الشرائط ، خصوصا في المقام الذي هذا الشرط فيه كأنه من مقومات الرهانة ، وبذل القيمة على القول بالمنع مع اليسار إنما هو لبطلان الرهانة في العين لا لبقائها فيها ، حتى تكون ذلك من آثارها.

ومن هنا أورد في جامع المقاصد على هذا القائل بأن الرهانة إن بقيت فهي متعلقة بالعين ، وإلا فلا تعلق لها بالقيمة ، وإن كان قد يدفع بالتزام الثاني ، والتعلق بالقيمة لكونه السبب في إتلاف الرهن ، حتى لو أذن له بالوطي الذي لم يستلزم الإحبال ، فالإذن فيه ليس إذنا بالإتلاف ، حتى يتوجه إليه عدم استحقاق القيمة رهنا باذنه ، ولعل هذا القائل كسابقه يلتزم عدم عودها رهنا بموت الولد ، أو انكشاف عدم بطلان رهانتها الذي حكم به ظاهرا لاستصحاب بقاء الولد أو غيره.

وكيف كان ف هل تباع؟ قيل : لا ما دام الولد حيا ترجيحا لدليل منع بيع أمهات الأولاد الظاهر في قوة الاستيلاد ، بحيث يضاهي العتق ، بل ربما كان أقوى ، لأنه ينفذ فيما لا ينفذ هو فيه ، كاستيلاد المجنون والمحجور عليه ، ولأن استيلاد المريض يكون من الأصل ، بخلاف عتقه ، بناء على أن منجزاته من الثلث ،

٢٠٩

لكن لم نعرف القائل به قبل المصنف ، بل ولا بعده ، غير الفاضل في التحرير ، وثاني الشهيدين ، في ظاهر الروضة. نعم عن الشهيد في غاية المراد حكايته عن المبسوط ، وفي جامع المقاصد « الظاهر أنه وهم » وحكي عنه الجواز مطلقا.

وقيل والقائل الشيخ كما عرفت والحلي ، والفاضل ، في المختلف ، والكركي والشهيدان في اللمعة ، والمسالك : نعم يجوز مطلقا للأصل ولأن حق المرتهن أسبق ولأولوية أو مساواة بيعها في الدين المتعلق بها ، للبيع في ثمن رقبتها ، وبذلك كله وغيره يرجح دليل بيع الرهن على دليل منع بيع أمهات الأولاد ، ولو سلم التعارض مع عدم الترجيح فالأصل جواز البيع ، وقيل والقائل الشيخ في الخلاف وابن زهرة ، والفاضل في التذكرة ، والشهيد في الحواشي ، على ما حكي عنهم : تباع مع إعسار الراهن وتبذل قيمتها رهنا ، جمعا بين الحقين مع يساره ، بل في الغنية الإجماع عليه ، وكان وجهه بعد كونه جمعا بين الدليلين مساواته في الأول لثمن رقبتها ، بخلاف الثاني ، لكن في السرائر أنه مخالف لأصول المذهب.

وقيل : والقائل الشهيد في بعض حواشيه : يجوز بيعها مع وطئه بغير اذنه ، ولا يجوز مع الوطي بالاذن ، ومال إليه بعض مشايخنا ، لموافقته للأصول والاعتبار إن لم يكن خرقا للإجماع ولا ريب أن الثاني لا الأول ولا الأخيرين أشبه بأصول المذهب ، خصوصا إذا كان الوطي بغير الإذن ، لما عرفت من ترجيح دليل الرهن بما سمعت ، الذي منه الشهرة ، بل قد عرفت أن الأصل يقتضي الجواز بعد الإغضاء عن الترجيح.

وخصوصا بعد اعتراف المصنف بل الجميع بأنه لو وطئها الراهن بإذن المرتهن لم تخرج عن الرهن بالوطء كالإذن في غيره من الانتفاعات التي لا تستلزم بطلان الرهانة في العين ، وإن أذن له في نقلها إلى غيره بعقد ، فضلا عن استيفائها بنفسه ، أو بغيره ، بل قد عرفت جزم الأصحاب بعدم خروجها بذلك عنه ، وان ترتب عليه الإحبال ، حتى على القول بعدم جواز البيع ، هذا.

وفي الدروس في تحرير أصل المسألة : قال : « وفي بيعها أو وجوب إقامة بدلها‌

٢١٠

تردد ، من سبق حق المرتهن ، وعموم النهي عن بيعها ، فيقام بدلها أو يتوقع قضاء الدين أو موت ولدها ، ولو كانت مرهونة في ثمن رقبتها ، فبيعها أوجه ».

وفيه أنه لا إشكال فيه مع الإعسار ، ومع اليسار من المسألة ، كما أن القائل بعدم جواز بيعها لا يوجب إقامة بدلها ، بل ليس له إلا توقع قضاء الدين أو موت الولد ، بناء على أنها باقية رهنا كما عرفت. والأمر سهل.

وعلى كل حال فلأحد على المالك ، وإن كان بغير إذن ، وإنما يعزر ، وولده حر ، ولا يغرم قيمته رهنا ، وإن قلنا بتبعية النماء ، كما أنه ليس عليه عوض الوطي كذلك. نعم لا يبعد وجوب أرش البكارة عليه رهنا إذا كان بغير إذن ، لأنه عوض جزء أتلفه وكذا تفاوت قيمتها لو كان بالوطي والإحبال أو الولادة ، بل لو ماتت بالطلق وجب بذل قيمتها رهنا ، كما في القواعد ، وغيرها ، وكذا لو وطئ أمة غيره لشبهة ، فضلا عن غيرها ، فماتت بالطلق بخلاف زوجته المأذون في وطئها والمزني بها ، الحرة المختارة التي لا تدخل تحت اليد بالاستيلاد الذي هو إثبات يد في الأمة.

وأما المكرهة الحرة ففي جامع المقاصد « يضمنها لو ماتت بالطلق ، كما صرح به في التذكرة ، لأنه أحدث سبب هلاكها فيها على كره ، فيضمن ديتها التي تجب على العاقلة » وفيه ما لا يخفى ، بل لا يخلو السابق أيضا من نظر ، والأقوى القيمة عند التلف لا الإحبال ، ولا الأعلى منه إلى يوم التلف هذا كله في وطى الراهن.

أما المرتهن فكا لأجنبي في الأحكام المتقدمة في بيع الحيوان ، لكن عن الشيخ في المبسوط هنا إذا وطئها بإذن الراهن فإن لم يدع الجهالة بتحريم ذلك فهو زنا ، والخلاف « إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن مع العلم بتحريم ذلك لم يجب عليه المهر » ومثله عن الغنية نافيا للخلاف فيه ، والظاهر إرادتهم عدم الإكتفاء بمطلق الإذن بل لا بد من عقد التحليل ، إلا أنه لا وجه لنفي المهر عنه ، وحكي عنه في الدروس أنه قال لو أذن له الراهن فلا مهر عليه ، ولا قيمة للولد ، ثم قال : وهو بعيد إلا أن يحمل على التحليل ، لكن كلام الشيخ ينفيه ، وهو كذلك كما سمعت ، بل‌

٢١١

المتجه على ما سمعت من كلامه كون الولد رقا رهنا ، بناء على التبعية ، لا أنه يبذل قيمته رهنا أيضا ، ومن الغريب ما يحكى عنهما أيضا وعن التحرير من أنها تصير أم ولد له ، لو اشتراها بعد ذلك ، مع أن الظاهر من الأدلة اعتبار التولد من وطى المالك في ذلك.

وكيف كان ف لو أذن المرتهن له أي الراهن في بيع الرهن جارية كان أو غيرها قبل حلول أجل الدين فباع بطل الرهن فيه بلا خلاف ولا إشكال ولا يجب جعل الثمن رهنا إذا لم يشترطه بلا خلاف أيضا بيننا إلا ما تسمعه من الشيخ في بعض أفراده للأصل السالم عن المعارض بعد بطلان الرهانة في المبيع بالإذن التي تعقبها البيع ، اللهم إلا أن يدعى كون المراد الإذن في بيعه مرهونا على معنى كون الثمن مقابلا له في الملك وحق الرهانة ، فتنتقل الرهانة حينئذ إلى الثمن قهرا ، لكن ظاهر الأصحاب في المقام سقوط حق الرهانة ، لعدم تعقل بقائها في المبيع حتى تقابل بالثمن ، وأنه فرق بين البيع والتلف ، وعليه وإن كان فيه نوع تأمل ، يتجه حينئذ لهم ما سمعت.

ومنه يعلم ان السقوط بالبيع ، لا بالأذن فيه ، فله حينئذ الرجوع بها قبل البيع لعدم بطلان حقه بذلك ، ولو ادعى بالرجوع حلف الراهن إن ادعى علمه ، ولو صدقه على الرجوع وادعى كونه بعد البيع ، وقال المرتهن : قبله ، فإن اتفقا على تعيين وقت أحدهما واختلفا في الآخر حلف مدعي التأخير عن ذلك الوقت لأنه منكر بناء على أصالة تأخر مجهول التاريخ عن معلومه ، وإن أطلقا الدعوى أو عينا وقتا واحدا حلف المرتهن ، لتكافؤ الدعويين ، فيتساقطان ، ويبقى استصحاب الرهن سليما عن المعارض فتأمل جيدا.

أما إذا كان البيع المأذون فيه بعد حلول الحق أو كان الحق حالا من أصله فمقتضى إطلاق المصنف وغيره كونه كالأول ، بل في المسالك أنه المشهور لما عرفت ، لكن عن المبسوط لو أذن له في البيع بعد محل الحق فباع صح البيع ، وكان ثمنه مكانه حتى يقضي منه ، أو من غيره ، واختاره في التحرير ، بل والدروس معللا له بأنه‌

٢١٢

قضية عقد الرهن.

لكنه كما ترى ، كدعوى انصراف الإذن في هذا الحال إلى اشتراط كونه رهنا باعتبار كونه محل البيع ، بخلاف ما قبل الأجل بعد الإغضاء عن لزوم مثل هذا الشرط لو صرح به في الإجازة ، أو الأذن السابقة ، وإن كان لا خلاف فيه على الظاهر بيننا ، بل في التذكرة صح عندنا مشعرا بالإجماع عليه ، كقوله في المسالك قطعا محتجين عليه بعموم « المؤمنون » وفي الدروس « أنه قريب من نقل الوثيقة إلى عين اخرى ».

لكن قد يقال : إنه ليس في ضمن عقد حتى يلزم بلزومه ، ونقل الوثيقة إنما يكون بفسخ من المرتهن للأولى ، وإيجاب للرهن في الثانية ، على أن ظاهره في الدروس سابقا اختصاص النقل بالذي يخاف فساده « قال : لو اتفق المتراهنان على نقل الرهن عند الخوف من الفساد إلى عين أخرى احتمل الجواز لأن الحق لا يعدوهما ويجري مجرى بيعه ، وجعل ثمنه رهنا ، ويحتمل المنع ، لأن النقل لا يشعر بفسخ الأول ، ويمتنع البدل مع بقاء الأول ، فإن قلنا بجواز النقل هنا ، فهل يجوز في رهن قائم لم يعرض له نقص ، وجهان قريبان وأولى بالمنع ، لأن المعرض للفساد يجب بيعه ، فهو في حكم الفائت ، ونقل الحق إلى بدل الفائت معهود ، ولا فوات هنا ».

وهو كما ترى ظاهره الميل إلى العدم في غير ما يخاف فساده ، فقرب الشرط منه غير مجد في صحته ولزومه ، على أن المتجه بناء على عدم مشروعية نتائج العقود بالشرائط اعتبار رهانة جديدة للثمن ، وظاهرهم خلافه ، والإكتفاء بصيرورته رهنا بذلك ، ولعله مبني على ما ستسمعه إنشاء الله.

وعلى كل حال فالحكم بلزوم الشرط هنا لا يخلو من إشكال ، اللهم إلا أن يقال إن الشرط في الإذن في العقد كالشرط في العقد في اللزوم ، بل قد ينحل هذا الشرط إلى كونه شرطا على البائع في الإيجاب المعتبر رهناهما معا في صحته ، ومنه حينئذ يعلم اللزوم لو اشترط تعجيل الحق في الإذن كما صرح به غير واحد ، بل‌

٢١٣

لا أجد فيه خلافا إلا من الشيخ ، فلم يسقط الأجل بهذا الشرط ، بل ظاهر الدروس حكاية كون الثمن رهنا عنده في هذا الفرض ، وفيه مالا يخفى ، ولو اختلفا في اشتراط رهن الثمن ففي الدروس وجامع المقاصد ، حلف الراهن ، ولو اختلفا في النية لم يلتفت إلى المرتهن ، لأن الاعتبار بما دل عليه اللفظ.

نعم قد يناقش في الأول بأن القول قول المرتهن في أصل الإذن ، فكذا صفتها كما عن التذكرة الجزم به في خصوص الفرض ، بل عن المبسوط لو قال : أذنت بشرط أن تعطيني حقي ، فقال الراهن : بل مطلقا ، فالقول قول المرتهن ، لأن القول قوله في أصل الإذن ، فكذا في صفته ، وأجمل الفاضل في القواعد فقال : « حلف المنكر » من غير بيان أنه الراهن أو المرتهن ، ولعل التحقيق اختلاف التعبير في الدعوى ، والأمر سهل والله أعلم ، هذا كله في إذن المرتهن للراهن.

وأما لو انعكس الفرض بأن أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل ففي المتن وغيره بل لم يعرف نقل الخلاف فيه فضلا عن وقوعه لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن على معنى كونه رهنا عنده عوض المبيع ، كما صرح به في الروضة ، بل ربما قيل أنه لا خلاف فيه سوى ما حكاه في الجامع ، بلفظ القيل من أنه لا يكون رهنا.

لكن في الرياض سوى بين إذن الراهن والمرتهن في بطلان الرهن ، وعدم جعل الثمن رهنا ، قال : « ولو باع المرتهن الرهن بدون إذن الراهن ، وقف على الإجازة ، وصح بعدها على الأشهر الأقوى من جواز الفضولي ، وبطل الرهن ، كما لو أذن ابتداء أو باع هو بإذن المرتهن مطلقا ، لزوال متعلقة ، ولا يجب جعل الثمن رهنا إلا مع اشتراطه ».

بل ربما ظهر منه الميل إلى عدم صيرورة القيمة في التلف رهنا ، لأنه قال متصلا بالكلام السابق : « قيل أما إذا أتلفه متلف إتلافا يقتضي العوض ، كان العوض رهنا ، لإمكان الاستيثاق به ، وعدم خروجه عن العوض ، لكنه تبطل وكالة المرتهن في الحفظ والبيع إن كانت ، لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف الأموال » انتهى‌

٢١٤

وفي الفرق وتعليل قيام العوض مقام المتلف رهنا نظر ، يظهر وجهه لمن تدبر.

قلت : قد عرفت اتفاق الأصحاب ظاهرا على كون الثمن رهنا في صورة إذن الراهن ، إلا ما حكاه في الجامع بلفظ القيل ولا ريب في ضعفه ، وإن كان وجهه ما سمعت سابقا من اقتضاء البيع بطلان الرهانة السابقة ، لعدم تعقل بقائها في المبيع ، بل وفي ثمنه إلا مع الشرط ، وليس هنا ، إذ الفرص عدم وقوع غير الإذن من الراهن للمرتهن في البيع وهو أعم من ذلك فيكون إذن الراهن كإذن المرتهن في ذلك بعد فرض استناد البطلان إلى البيع المنافي للرهانة في المبيع ، وليس ما يقتضي رهن غيره من شرط ونحوه ، وهو مشترك بينهما.

لكن فيه أولا : أنه يتم بناء على أن الثمن للمبيع كعوض التالف تتعلق به الرهانة من حيث كونه عوض مرهون ، إذ من الواضح حينئذ تمامية ما ذكره الأصحاب نعم هنا مقتضى ذلك كونه رهنا أيضا في إذن المرتهن للراهن ، لا العكس خاصة ، وهم لا يقولون به إذا لم يشترط ، اللهم إلا أن يدعى ظهور الإذن منه في الإسقاط بالبيع مطلقا ، أو في خصوص البيع قبل الأجل ، باعتبار عدم اقتضاء الرهن بيعه حينئذ والشرط إنما هو لرفع الظهور المستفاد من الإذن ، وإبقاء رهنية الثمن على حسب اقتضاء تعلق الحق بالعين ، أو بما يقوم مقامها ، بخلاف المقام الذي لم يحصل منه إذن في البيع ، إذ الإذن من الراهن ، وإنما حصل منه البيع ، وهو لا يقتضي إسقاط حقه من الرهانة وربما يؤيده عدم ذكرهم اعتبار القبض في رهنية الثمن المشترط ، فضلا عن تجديد الإرهان.

وثانيا أنه لو قلنا باقتضاء البيع سقوط الرهانة في المبيع على وجه لا يقتضي رهانة الثمن ، إلا باتفاق جديد منهما ، لكن قد يقال : بظهور كون البائع المرتهن ، وان الإذن من الراهن له من حيث حق رهانته ، لا أنها وكالة كوكالة الأجنبي في إرادة بقاء حق الارتهان الذي لا موضوع له بعد البيع ، إلا في الثمن فهو كاتفاقهما على ذلك بل مبني العقد ظاهرا عليه حتى يصرح بخلافه ، وهذا واضح بأدنى تأمل.

٢١٥

ومن ذلك كله يظهر لك ما في الرياض من النظر من وجوه ، بل وما في الحدائق فإنه قال : فيما لو أذن الراهن للمرتهن هل يكون الثمن رهنا فلا يجوز للراهن طلبه أم لا ، إشكال ، ولم يحضرني الآن تصريح أحد منهم بالحكم المذكور ، ويمكن ترجيح العدم ، لأن حق المرتهن إنما تعلق بالعين ، فلا يتعدى إلى الثمن إلا بدليل ، وليس فليس إذ قد عرفت التصريح بذلك ، وأنه المراد من قولهم لا يجوز التصرف فيه إلا بعد الحلول بعد التأمل ، وقد عرفت الوجه في ذلك أيضا ، فكلامه أيضا لا يخلو من نظر من وجوه.

كما أن قول المصنف إلا بعد حلوله لا يخلو من نظر أيضا ، ضرورة اقتضائه جواز التصرف في الثمن بعد الحلول ، وهو واضح البطلان ، إذ ليس الثمن إلا رهنا ، فيجري فيه ما يجري في الرهن من عدم جواز التصرف فيه بعد الحلول إلا بإذن الراهن أو الحاكم أو المرتهن على التفصيل الذي ستسمعه.

بل وكذا قوله كغيره من الأصحاب ولو كان أي الإذن بالبيع بعد حلوله صح التصرف فيه ، لا يخلو من نظر إذا لم تقترن بما يدل على الإذن في الاستيفاء منه ، ولو بمعاوضة جديدة ، أو قبض كذلك ، كمطالبة من المرتهن ونحوها ، ضرورة عدم اقتضاء الإذن في البيع ذلك ، ومن هنا شرط بعضهم جواز التصرف المزبور بالإذن فيه وفي الاستيفاء وهو جيد. بخلاف ما في المسالك من تنزيل العبارة على مساواة الثمن للحق جنسا ووصفا ، إذ هو مع عدم إشعار في عبارة المصنف وغيرها به غير تام ، إذ التساوي لا يقتضي الإذن في الاستيفاء ، والتقاص القهري في نحوه إنما هو في خصوص ما في الذمم ، لا في الرهن المساوي للحق كما هو واضح.

نعم لو فرض أن المرتهن قد اشتراه بإذن من الراهن في الذمة بمساوئ حقه جنسا ووصفا ، أمكن حينئذ دعوى التهاتر القهري ، وتنزيل العبارة عليه كما ترى ، وأضعف منه الاحتجاج لإطلاقها بما دل على المقاصة من خبر المروزي المتقدم سابقا‌

٢١٦

في خوف جحود الوارث ، وغيره الذي لا فرق فيه بين مجانس الحق ومخالفه ، ضرورة عدم جواز المقاصة قبل حصول شروطها من الامتناع وغيره ، كما هو واضح ، فالتحقيق مراعاة الضوابط إن لم يقم إجماع على خلافها في المقام ، ودونه خرط القتاد والله أعلم.

وكيف كان ف إذا حل الأجل وأراد المرتهن حقه طالب الراهن بالوفاء ، ولو ببيع الرهن أو التوكيل في بيعه ، وفي الدروس ليس للمرتهن تكليف الراهن بأداء الحق من غير الرهن ، وإن قدر عليه الراهن ، ولعله لتعلق حقه في العين برضاه ، ولا ينافي ذلك شغل ذمة الراهن. كما لا ينافيه عدم جواز البيع له ، لو بذل له الراهن الدين.

ولو تعذر الأداء المزبور لامتناع من الراهن مثلا كان للمرتهن البيع والاستيفاء إن كان وكيلا بل له ذلك من غير مراجعة له مع إطلاق وكالته وإلا يكن وكيلا ولم يتمكن من إجباره رفع أمره إلى الحاكم إذا كانت له بينة يثبت بها حقه ليلزمه البيع بالقول أو الفعل بضرب ، أو حبس ، أو نحوهما مما يتوقف تحصيل الحق عليه إلى منتهى مراتب ذلك ، وليس للمرتهن البيع قبل رفع أمره إلى الحاكم بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وغيره بعد عدم انحصار حقه في ذلك ، وبعد نصب الحاكم لقطع الخصومات وإعانة المظلومين ، فإن امتنع على الحاكم إلزامه ـ ولو لعدم بسط يده ـ باعه عليه بنفسه ، أو بوكيله ولو المرتهن إذا كان جامعا لشرائط الوكالة في مثله ، وليس للمرتهن هنا أيضا البيع بدون ذلك ، لتمكنه من الولي الشرعي له الذي هو قائم مقامه فلا تسقط حرمة ماله حينئذ ، إذ هو كالتمكن من المالك ، والاستيثاق لا يقتضي مباشرة الاستيفاء ف لا ينافي كون كيفيته ما ذكرنا كي يعارض ما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، أو إذن وليه لكن في المتن وغيره أنه إن امتنع أي الراهن بعد إلزام الحاكم له كان له حبسه وله أن يبيع عليه ومقتضاه التخيير بين الأمرين ، وأن ولاية الحاكم تثبت في أول مراتب الامتناع عليه وهو لا يخلو من إشكال ، خصوصا بعد‌

٢١٧

مراعاة الاقتصار في ولاية الحاكم على المتيقن الذي هو حال انتهاء مراتب الإجبار على الحق.

بل ربما كان في خبر سماعة (١) عن الصادق عليه‌السلام ظهور في خلافه في الجملة ، « قال :كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يحبس الرجل إذا كان التوى على غرمائه ، ثم يأمر فيقسم ماله بالحصص ، فإن أبى باعه فقسمه فيهم ، يعنى ماله » فتأمل والأمر في ذلك سهل ، كسهولة اختلاف عبارة الأصحاب في المقام بالنسبة إلى الإطلاق والتقييد المبني على ظهور الحال في هذا الحكم ، لا على الاختلاف في المسألة ، والتفصيل ما ذكرنا.

وليس في نصوص المقام ما ينافيه ، سوى ما في موثق إسحاق بن عمار من جواز البيع من دون مراجعة الحاكم ، قال (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الرهن فلا يدري لمن هو من الناس فقال : لا أحب أن يبيعه حتى يجي‌ء صاحبه قلت : لا يدرى لمن هو من الناس فقال : فيه فضل أو نقصان ، فقلت : إن كان فيه فضل أو نقصان فقال : إن كان فيه نقصان فهو أهون يبيعه فيؤمر فيما نقص من ماله ، وإن كان فيه فضل فهو أشدهما عليه ، يبيعه ويمسك فضله ، حتى يجي‌ء صاحبه ».

إلا أني لم أجد عاملا به ، عدا ما يحكى عن ظاهر أبي الصلاح حيث أطلق جواز البيع مع عدم التمكن من استيذان الراهن ، وأنه ليس له إلا مقدار قيمته لو نقصت عن الحق مع البيع بغير الإذن ، ولعله لهذا الخبر الذي يمكن حمله على ما إذا لم يكن إثبات حقه ورهانته عند الحاكم ، أو على تعذر الحاكم ، أو على إرادة بيان مطلق البيع الذي يجامع الاستيذان من الحاكم مع التمكن ، أو على غير ذلك.

كما انه ينبغي حمل موثق عبيد بن زرارة (٣) ـ « عن الصادق عليه‌السلام في رجل رهن رهنا إلى غير وقت موقت ، ثم غاب هل له وقت يباع فيه رهنه ، قال : لا حتى يجي‌ء » ـ على الكراهية أو على الغيبة التي لا ضرر على الديان بانتظارها ، لقربها وتوقع مجي‌ء الراهن ، أو غير ذلك مما يحمل عليه موثق ابن بكير (٤) ـ « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب الحجر الحديث ١ لكن عن عمار.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٣.

٢١٨

عن رجل رهن رهنا ثم انطلق ، فلا يقدر عليه أيباع الرهن قال : لا حتى يجي‌ء صاحبه » أو يطرحا ، لإعراض الأصحاب عن إطلاقهما.

وأما خبر إبراهيم بن عثمان (١) « قلت للصادق عليه‌السلام : رجل لي عليه دراهم ، وكانت داره رهنا ، فأردت أن أبيعها فقال : أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه » فلا ريب في إرادة الكراهة لبيع الدار منه ، كما أن المراد من بيعه على حسب حال بيع الرهن من الرجوع إلى الراهن أولا ، ثم إلى الحاكم مع التمكن على التفصيل المتقدم ، لا أن المراد تولي بيعه بنفسه من أول الأمر الذي يمكن دعوى إجماع الأصحاب على خلافه ، بل المفهوم في خبر المروزي المتقدم في مسألة خوف جحود الوارث ظاهر في نفيه أيضا ، فضلا عن الموثقين السابقين.

ثم إن ظاهر الأصحاب هنا عدم اعتبار قيام العدول مقام الحاكم مع تعذره ، نعم في جامع المقاصد لو لم يكن الحاكم موجودا باع بنفسه ، ولو أشهد شاهدي عدل كان أولى ، وهو مع ظهوره في عدم الوجوب لم يعتبر إذنهما في البيع للولاية كما أن الظاهر عدم إرادة من أنهى الأمر إلى الحاكم من غير تعرض للحكم ، إذا لم يكن موجودا تعطيل المال لو فرض تعذر الوصول إليه ؛ إذ الظاهر عدم التوقف في مباشرة المرتهن حينئذ للبيع ، واستيفاء حقه كما هو مقتضى ما دل على المقاصة ، للموثق المزبور المعتضد بنفي الضرر والحرج.

بل أطلق في التذكرة « أنه إذا لم يكن له بينة أو لم يكن في البلد حاكم فله بيعه بنفسه ، كما أن من ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ، ولا بينة له يبيعه ، ويأخذ حقه » وإن كان الظاهر إرادته بحيث يشق الوصول إليه ، لا مطلق عدم كونه في البلد ، كما أن الظاهر إرادة من ألحق غيبة الراهن بالامتناع ، الغيبة التي يتضرر المرتهن بانتظار مجيئه منها ، لا مطلق الغيبة وإن قصر زمانها ، بل ربما كانت أقصر زمانا من استيذانه وهو في البلد في بعض الأحوال.

نعم قد يظهر من كلمات الأصحاب في المقام عدم اعتبار إذن الحاكم إذا لم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ من أبواب الدين ـ الحديث ـ ٤.

٢١٩

يكن للمرتهن بينة ، وإن تمكن من استيذانه على وجه العموم ، بحيث يندرج الرهن المخصوص فيه في الواقع من دون تعرض له بخصوصه ، إلا أن الاعتبار مراعاة لإذن الولي لا يخلو من قوة ، كما أنه قد يظهر منها ومن الموثق المزبور بيع تمام الرهن ، وإن وفي بعضه بالحق ، فيبقى الباقي حينئذ أمانة وهو جيد إذا توقف الحق عليه أو حصل ضرر بالتبعيض على المالك ، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه مراعاة حق الراهن بالاقتصار على بيع مقدار الحق وإبقاء عين المال أمانة.

ولو أراد الراهن بيعه للوفاء فلم يأذن المرتهن كان للحاكم إلزام المرتهن بالإذن فإن امتنع تولى أمره الحاكم ، وإليه أشار في التذكرة فقال : « وإنما يبيع الرهن الراهن أو وكيله بإذن المرتهن ، فلو لم يأذن وأراد الراهن بيعه قال له الحاكم :ائذن في بيعه ، وخذ حقك من ثمنه ، أو أبرأه ، ولو قال الراهن للمرتهن بعه لنفسك لم يصح البيع ، لأن غير المالك لا يبيع لنفسه ، خلافا للشافعي في أحد الوجهين ، بل يقول بعه لي أو بعه مطلقا على الأقوى حملا على الصحيح خلافا للشافعي في أحد وجهه أيضا فمنعه.

وقد عرفت فيما تقدم أنه لا بد من الإذن في الاستيفاء ، فإن قال : استوفه لنفسك صح ، كما في التذكرة ، وعلى الأقوى في الدروس وفيهما معا أنه يحدث فعلا جديدا من كيل أو وزن أو نقل ، لدلالة اللفظ عليه. نعم احتمل في ثانيهما الإكتفاء بدوام اليد ، كقبض الرهن أو الهبة من المودع والغاصب والمستعير ، ولا ريب في قوته لأن استدامة القبض كالقبض الجديد كما أومأنا إليه سابقا ، وكذا الكلام لو قال اقبضه لي ثم لنفسك ، أو أمسكه لنفسك.

ودعوى ظهور قوله ثم استوف لنفسك في احداث فعل فعى وجه لا يشمل تجدد اليد واضحة المنع ، أما لو قال بعه لي واستوف لنفسك ، أو أقبضه أو أمسكه كذلك ، فقد يشكل صحته فيما لو كان الثمن في الذمة ، بعدم تعينه للمديون بغير قبض منه أو ممن يقوم مقامه مع عدم الحوالة ، لكن في الدروس : الأقرب الجواز ، وإن لم يقبضه للراهن ، وإن كان مكيلا ، أو موزونا ، أو طعاما ـ بل قال : ـ لو كان الثمن غير‌

٢٢٠