جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

للمال ، ولعل المراد من عبارة المصنف ونحوها ما لا يشمل هذا الفرد من الارتهان ، والأمر سهل.

وعلى كل حال فلا ريب في أنه يجوز لولي اليتيم مثلا أخذ الرهن له على ذلك كما نص عليه غير واحد بلفظ الجواز ، لإطلاق ولايته الشاملة لذلك ، وقبول الاتهاب والوقف له ونحوها ، بل قد يجب عليه ذلك فيما لو توقف الأحسن المعتبر في الآية الكريمة (١) في التصرف في ماله عليه ، كما لو باع ماله نسيئة لغير ذي ملاءة وثاقة ، بل الظاهر كفاية الثاني في لزوم أخذ الرهن قال في التذكرة : « لو كان المشتري موسرا لم يكتف الولي به ، بل لا بد من الارتهان بالثمن » نعم قال أيضا : لو لم يحصل أو حسن الظن بيساره وأمانته ، أمكن البيع نسيئة بغير رهن ، كما يجوز إبضاع ماله.

وفيه : أن المتجه عدم البيع مع عدم الحصول ، إذ الاكتفاء باليسار مع عدم الوثاقة لا يخلو من إشكال ، بل منع خصوصا في الفاسق الذي لم يعرف منه الوفاء ، فضلا عن المعروف بعدمه ، ضرورة كون إبقاء المال أو بيعه لغيره بدون ثمنه أحسن من ذلك ، ويمكن أن يريد معنى الواو من ـ أو ـ أو أن ذلك من غلط النساخ ، فيكون الجواز بغير رهن مع حسن الظن بيساره وأمانته كما ستعرف ذلك إن شاء الله.

أما لو كان ثقة غير ملي‌ء فقد يقوى الجواز ، والأحوط أخذ الرهن ، وليس المراد من الأحسن في الآية الفرد الأعلى الذي لا أحسن منه ، على معنى النهي عن التصرف بأموالهم إلا به ، ضرورة اقتضاء ذلك تعطيل مال الطفل ، إذ ما من حسن إلا وهناك أحسن منه ، بل المراد مطلق الأحسن من عدم القرب ، إلا أن مقتضاه حينئذ التخيير في الافراد وإن تفاوتت ، مع أن في الاكتفاء بالفرد الأدنى مع تيسر الفرد الأعلى مطلقا إشكالا إن لم يكن منعا ، خصوصا لو فرض أحسنية إقراض مال الطفل من إبقائه لغرق وحرق ونحوهما ، وفرض وجود الطالب الثقة الملي والرهن والكفيل فإنه لا إشكال في وجوب إقراضه ، وحرمة إقراضه من الفاسق المجرد عن الملاءة والرهن

__________________

(١) سورة الانعام الآية ـ ١٥٢.

١٦١

والكفيل ونحوها ، وإن كان إقراضه مع انحصار الأمر فيه أحسن من الإبقاء ، اللهم إلا أن يقال : إن مثله لا يعد أحسن ، وإنما أوجبنا ، مع الانحصار ، لأنه أقل قبحا من الإبقاء المؤدي لتلف المال وضياعه ، وإلا فهو لا حسن فيه مع اتفاق غيره ممن فرض.

وقد يقال : إن المراد بالأحسن من غيره من الأفراد الموجودة ، فيجب حينئذ تقديم الفرد الأعلى مع وجوده ، ولكن لا يجب تطلبه مع وجود الفرد الأدنى ، فيكفي حينئذ في نفيه أصالة عدم حصوله ، كما أنه يصدق على الفرد المتيسر أنه أحسن من غيره ، لعدم وجود فرد آخر ، إذ غيره مما هو أعلى منه لو حصل كان فردا ، فهو فرض فرد لا فرد فعلا ، فلا يقدح كونه أحسن.

إلا أنه ومع ذلك فالأحوط والاولى عدم المبادرة إلى المتيسر مع مظنة حصول فرد آخر أعلى منه ، أو الاحتمال المعتد به ، اكتفاء بأصالة العدم ، إلا أن يكون في المبادرة صلاح يرجح على المصلحة التي في الانتظار ، بل قد يقال برجوع ذلك إلى الأول ، ضرورة كون الأحسن في الفرض المزبور الإبقاء منتظرا للفرد الأعلى المظنون أو المحتمل احتمالا معتدا به ، كما أن الأحسن مع فرض كون المبادرة أصلح الفرد المتيسر ، وبالجملة الميزان ما ذكرناه وهو جيد جدا.

أو يقال : إن المراد به ما يعد حسنا عند العقلاء ، فلا يراد من الأحسن معنى التفضيل بل المقصود الرخصة في القرب لأموالهم بما يعده أهل المعرفة حسنا ، وأن فاعله من المحسنين ، لكن قد يقال : إنه بعد التأمل راجع إلى الأول ، أو الثاني في الثمرة ، كما أن احتمال إرادة الإطلاق من الآية من دون تقدير مفضل عليه مخصوص من القرب ، أو الغير بدعوى أن لها مصاديق ينقحها العرف ، نحو ما قيل في الوجدان المنفي في آية التيمم (١) وأنه لا حاجة إلى تقدير متعلقة من الأماكن القريبة أو غيرها كذلك أيضا.

وقد بان لك من ذلك كله المدار في المسألة الذي على الفقيه تحريره ، وإلا فالخصوصيات غير منضبطة ، تختلف باختلاف الأحوال ، فليس على الفقيه حصرها ،

__________________

(١) سورة النساء الآية ٤٣.

١٦٢

ولا تعليق الحكم عليها ، وإن وقع ذلك من بعض الأصحاب فالمراد به الغلبة.

كما أنه بان لك أيضا أنه لا يجوز أن يسلف ماله إلا مع ظهور الغبطة له ، كأن يبيع بزيادة عن الثمن إلى أجل وأنها ربما توقفت على كونه من ثقة ملي‌ء برهن أو كفيل ، بل أطلق في المسالك أنه حيث يجوز يجب كون المديون ثقة مليا ، ويرتهن على الحق ما يفي بقيمته مع الإمكان.

بل : قال سابقا : « إنه يعتبر في الرهن كونه مساويا للحق أو زائدا عليه ، ليتمكن استيفاؤه منه ، وكونه بيد الولي أو يد عدل ليتم التوثق والإشهاد ولو أخل ببعض هذه ضمن » وإن كان فيه أن ذلك كله ينبغي تقييده بتوقف التي هي أحسن عليه ، وأن الإبقاء بدون شي‌ء من ذلك هو الأحسن كالمحكي عن حجر التذكرة من أنه يرتهن به رهنا وافيا ، فإن لم يفعل ضمن.

وعلى ذلك بنى قول المصنف لا يجوز له إقراض ماله إذ لا غبطة. نعم لو خشي على المال من غرق أو حرق أو نهب وما شاكله جاز إقراضه وأخذ الرهن بل في المسالك هنا أيضا يقرضه من الثقة الملي ويرهن عليه ويشهد كما مر ، وقال أيضا : « من مسوغات إقراض مال اليتيم خوف تلفه ، بتسويس الحنطة وشبهها ، فيقرضها من الثقة الملي مع الإمكان بالرهن ، لإمكان جحوده وتعذر الإيفاء ».

وقال المصنف ولو تعذر أي الرهن اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا وظاهره كما في المسالك أن مع إمكان الرهن لا يعتبر كون المقترض ثقة ولا مليا ، لانضباط الدين بالرهن ، كالمحكي عن الإرشاد ، واللمعة ، ورهن التذكرة ، وحجر القواعد ، بل عن بعضهم التصريح بذلك ، وفي التذكرة اعتبار الرهن والملاءة والثقة جميعا مع الإمكان ، وأسقط اعتبار الرهن مع عدم إمكانه.

وعن المبسوط لا يجوز القرض إلا في موضع الضرورة ، كالخوف من نهب أو حرق أو غرق ، فيجوز له حينئذ أن يقرضه من ثقة ملي يقدر على قضائه ، إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا بد من إرجاعها إلى الميزان الذي ذكرناه سابقا ، الذي منه يعرف الحال فيما لو تعذر الثقة والارتهان والملاءة ونحو ذلك ، وكان الخوف من الغرق ونحوه‌

١٦٣

حاصلا ، إذ لا ريب في أنه في بعض الأحوال يكون الأحسن إقراضه ، ولو من الفاسق المعسر ، لأنه مرجو الحصول في الدنيا والآخرة ، وفي بعضها الأحسن إبقاؤه باعتبار ضعف احتمال التلف بالنسبة إلى الإقراض من الفاسق المعسر ، خصوصا بعد ملاحظة كون التالف ظلما يعوضه الله جل شأنه على صاحبه في الدنيا والآخرة.

وعلى كل حال فالأولى إيكال الأمر إلى الضابط المذكور الذي هو مختلف باختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة ، بل معرفة الأولياء فيه مختلفة ، ومن ذلك يعلم عدم اعتبار العدالة الشرعية ، فإنه ربما يكون السبيل الأحسن في غيرها ، لكن قد يظهر من جمع اللمعة ـ الثقة والعدل ـ اعتبارها ، وفي المسالك « المراد بقولهم الثقة غالبا الثقة في ظاهر الحال ، يعنى الإكتفاء بظاهر أمره ، ولا يشترط العلم بذلك لتعذره ، فعبروا عن الظاهر بالغالب ، نظرا إلى أن الظاهر يتحقق بكون الغالب على حاله كونه ثقة ، لا أن المراد كونه في أغلب أحواله ثقة دون القليل ، لأن ذلك غير كاف ».

قلت : قد عرفت أن المدار على غير ذلك ، ويمكن أن يكون المراد من الثقة غالبا من تطمئن به النفس بالنسبة إلى الوفاء ، بل لا يعتبر في ذلك العلم للعسر ، بل يكفى فيه التتبع لأغلب أحواله المفيد اطمينانا كما هو المعتاد والأمر في ذلك كله سهل بعد ما عرفت.

إنما الكلام في أنه أي الضابط المزبور معتبر في تصرف المولى لنفسه ، أو يكفي فيه عدم الضرر على الطفل ، فعن النهاية والوسيلة « أنه يجوز للولي اقتراض مال الطفل إذا كان متمكنا من قضائه ، » وعن حجر التذكرة « لا يحتاج الأب إذا باع مال ولده عن نفسه نسيئة أن يرتهن له من نفسه ، وكذا لو اشترى له سلما مع الغبطة بذلك » وعنه وعن جامع الشرائع اشتراط الملاءة المصلحة للطفل ، بل عن السرائر « لا يجوز له بحال ، لأنه أمين والأمين لا يجوز له أن يتصرف في أمانته » وإن كان هو واضح الضعف ، لمخالفته الآية والرواية ف في صحيح أبى الربيع (١) أنه « سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل ولي يتيم فاستقرض منه؟ فقال : إن على بن الحسين عليهما‌السلام قد كان

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب ما يكتسب به في ذيل حديث ـ ١.

١٦٤

يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك » وفي خبر ابن أسباط (١) « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم » ونحوه خبره الآخر (٢) وخبر غيره مما تضمن العمل بمال اليتيم على سبيل القرض أو القراض ، فلا ينبغي التأمل في جواز ذلك للولي في الجملة.

وإنما البحث في اشتراط ذلك بما اشترط به التصرف بالنسبة إلى الغير من كونه الأحسن ، أولا ، مقتضى إطلاق الآية الأول ، بل لعلها في تصرف الأولياء لأنفسهم أظهر ، كما أنها أقوى من إطلاق بعض الأخبار ، وترجح عليه ، وإن كان التعارض بينها من وجه فالأحوط الاقتصار في تصرفهم على ذلك ، خصوصا غير الأب والجد منهم ، فإنه قد يحتمل فيهما الاكتفاء بعدم الضرر وتمام الكلام في ذلك في غير المقام والله أعلم.

وكيف كان ف إذا اشترط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه ، أو لغيره أو وضع الرهن في يد عدل معين صح بلا خلاف ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لعموم (٣) « المؤمنون عند شروطهم (٤) و ( أَوْفُوا ) وخصوص ما دل على الرهن الشامل لهذا الفرد بل ولزم ولم يكن للراهن فسخ الوكالة وفاقا للمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل عن السرائر نسبة الخلاف فيه إلى أهل الخلاف ، مشعرا بعدمه بيننا ، ولعله كذلك ، فإني لم أجده إلا من الشهيد في اللمعة ، بناء منه على ما سمعته من مذهبه من عدم اللزوم في نحوه من الشروط في العقود اللازمة ، وقد عرفت ضعفه.

نعم عن المبسوط أنه حكى الخلاف في ذلك بلفظ القيل ، ويمكن أن يريد الشافعي كما يشهد له ما يظهر من السرائر ، فمن الغريب قول المصنف فيه على تردد وإن ذكروا وجهه : كون الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها تسلط كل منهما على الفسخ ، واشتراطها لا يقتضي لزومها ، وإلا لم تبطل بالموت ، أو عدم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

(٤) سورة المائدة الآية ـ ١.

١٦٥

لزوم الشرط وإن كانت في عقد لازم ، وانما أقصاها التسليط على الفسخ ، أو أن الرهن وإن كان لازما من طرف الراهن إلا أنه جائز من طرف المرتهن ، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، والأصل براءة الذمة من اللزوم ، فيكون كالشروط في العقود الجائزة.

والجميع كما ترى إذ في الأول : أن الوكالة وإن كانت من العقود الجائزة بالذات ، لكن لا بأس بلزومها من جهة العارض كالشرط ونحوه ، ودعوى أنه غير مقتض لذلك ـ يدفعها فرض كون المراد منه البيع وكالة ، فهو كما لو صرح باشتراط عدم العزل ، لا أن المراد مطلق الوصف بها وإن عزل بعد ذلك ، واحتمال أن التصريح بعدم العزل لا يقتضي عدم تريب الأثر لو وقع ، بل أقصاه الإثم يدفعه أنه مناف لكون المؤمن عند شروطه ، والبطلان بالموت ـ لانتفاء الموضوع ، ضرورة كونها استنابة تذهب بذهاب المنوب عنه ـ لا يقتضي جواز العزل.

وفي الثاني : ما تقدم سابقا من منافاته لما دل على لزوم الشروط ، والوفاء بالعقود ، على أن التسلط للفسخ هنا لا فائدة فيه ، بل يزيده ضررا ، إذ الفرض أنه شرط في عقد الرهن لنفسه ، ففسخه يزيده ضررا ، ومن هنا جزم في الدروس في المقام باللزوم ، ولعله لما عرفت ، وإن لم يقل به في غيره ، بل في المسالك « أن الوكالة هنا مما العقد كاف في تحققها ، فلا يحتاج بعده إلى صيغة أخرى لها ، لان الفرض منها مجرد الإذن بأي لفظ اتفق ، وقد تقدم أنما العقد كاف في تحققه ، كجزء من الإيجاب والقبول ، فحيث يكون لازما يلزم ، وإن قلنا بعدم وجوب الوفاء بشرط لا يكفي العقد في تحققه » وقد أشار بذلك إلى تفصيل قد حكينا سابقا عن الشهيد في الشرائط بين ما تحتاج إلى أمر آخر غير العقد المشترط فيه ، وبين ما لا يحتاج إلى ذلك ، بل كان العقد كافيا في لزومها ، وهو وإن كان فيه ما فيه أيضا ، إلا أنه قد يناقش في كون الوكالة هنا من القسم الثاني ، بل وفي حصول الإذن بعد أن كان المراد من الشرط إيقاع الوكالة بعد عقد الرهن ، إذ لا معنى لإنشائها بلفظ الشرط المعلوم عدم صلاحيته لذلك ، فتأمل.

اللهم إلا أن يقال : إن المراد من اشتراط الوكالة هو ما أشرنا إليه سابقا من‌

١٦٦

البيع عنه ، وليس المراد نفس الوكالة وحينئذ لا يحتاج إلى أمر آخر غير الشرط ـ في العقد الذي قد استحق به ، بمقتضى عموم (١) « المؤمنون عند شروطهم » ـ عليه البيع عنه ، وانحلال ذلك إلى الوكالة لا يقتضي كون المراد اشتراطها على وجه تحتاج إلى صيغة بعد العقد ، أو أن المراد اشتراط أثر عقد الوكالة ، أو نحو ذلك ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع في وجه إطلاق الأصحاب لزوم الوكالة متى اشترط في عقد لازم والله اعلم.

وفي الثالث : أن الشرط على الراهن فيكون لازما لأن الفرض لزوم العقد من جهته. نعم لو وقع شرط على المرتهن أمكن عدم لزومه عليه باعتبار أن له فسخ العقد المشروط فيه.

وكيف كان فلا اشكال بل ولا خلاف في أنها : أي الوكالة المشترط تبطل بموته أي الراهن كبطلانها بموت الوكيل ، سواء كان المرتهن أو غيره لما عرفت من أن لزومها الحاصل من الاشتراط ما دام محلها باقيا ، لا إذا خرج عن قابلية النيابة والاستنابة اللذينهما من مقومات الوكالة.

نعم تبطل هي خاصة دون الرهانة لعدم الارتباط بينهما ، ضرورة تبعية الرهانة للدين الذي لم يختلف في حالي موت كل منهما ، وحياته. ومن هنا حكى الشهيد عن إملاء فخر الإسلام أنه نقل الإجماع على انتقال حق الارتهان إلى المشتري لو باعه المرتهن ، وهو في ذمة الراهن من شخص فتغير مالك الدين ـ كتغير مالك العين المرهونة بموت الراهن والمرتهن ـ غير قادح في انتقال حق الرهانة ، فضلا عن تبين كون الدين لغير المرتهن بإقرار ، أو بينة على أنه كان وكيلا في الدين والارتهان كما هو واضح.

وقد ظهر مما ذكرنا أنه لو مات المرتهن المشروط وكالته لم تنقل إلى الوارث وكالته ، لكن ذكر المصنف وغيره إلا أن يشترطه بل لم يعرف فيه خلاف بينهم وكذا إن كان الوكيل غيره أي المرتهن.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

١٦٧

وربما أشكل بأنه لا معنى لاشتراط انتقال الوكالة التي تبطل بالموت ، وبأنه لا معنى لاشتراط وكالة الوارث على معنى حصولها بنفس الشرط في العقد على حسب حال المورث وربما يكون غير موجود حال الاشتراط ، فضلا عن كونه غير قابل.

ويدفع بأن المراد بالاشتراط ما عرفت من البيع عنه للمرتهن ، أو لوارثه فالشرط عليه هو البيع عنه ، وهو صحيح بالنسبة إلى المرتهن ووارثه والأجنبي ، والوكالة فيه تبعية لا أصلية ، أو يراد اشتراط التوكيل عليه بصيغة جديدة للوارث ، إلا أن الأول أولى وأدق ، كما أن اشتراطها على الراهن بعد موته لا بد من تنزيله على الوصية ، ضرورة عدم صحة الوكالة بعد الموت والله أعلم.

وقد تلخص من ذلك ومما ذكرناه في غير المقام أن المراد بقول الأصحاب تلزم الوكالة إذا اشترطت في عقد لازم ، أحد أمرين :

الأول : إرادة الوكالة العقدية ، وهذه لا ريب في عدم تحققها بالشرط الذي هو في الحقيقة معنى مباين لإيجابها ، فلا يتحقق حينئذ عقدها بذلك ، ولا يقال : انهما عقدان بل هو عقد واحد مشتمل على شرط مفيد للإلزام بحصولها ، فيحتاج في الوفاء به إلى إيجاد عقدها ولزومها ، إما لكون المراد ولو من القرينة إرادة عدم العزل ، وإما لكون المراد البيع وكيلا عنه من حين إيجاد صيغة التوكيل إلى حصولها البيع ، فلو عزله في الأثناء لم يؤثر ، لكونه منافيا للشرط الذي هو البيع عنه وكيلا من حين التوكيل.

نعم لا ريب في جريان باقي أحكام الوكالة عليها ، كالفسخ بالموت والجنون والإغماء ونحو ذلك ، مما كان دليله شاملا للوكالة المشروطة في عقد لازم وغيرها لكون كل منهما وكالة ولم يفد الشرط إلا كونها لازمة على المشروط عليه ، بمعنى عدم جواز فسخها منه باعتبار وجوب الوفاء بالشرط لا غير ذلك ، من أحكام الوكالة ، ولعل هذا هو الموافق لكلمات الأصحاب ، خصوصا مع ملاحظة ما ذكرناه في وجه الاستدلال على انفساخها بالموت ، وخصوصا مع ملاحظة إطلاق اسم الوكالة عليها ، وهي عندهم عبارة عن العقد المخصوص ، ولا ينافي ذلك قولهم أنها لا تنتقل بموت المرتهن مثلا‌

١٦٨

إلى وارثه الا مع الشرط ، ضرورة صلاحية إلزام تحصيلها بعقدها على الراهن مثلا بالنسبة إلى وارث المرتهن وغيره ، لعموم أدلة الشرط ، لا أن المراد انتقال الوكالة من دون عقدها إلى الوارث بالشرط كما هو واضح.

والثاني : أن يراد بالوكالة المصداق الموافق لمصداقها مع عدم التقييد بكونها وكالة ، نحو ملك العين بعوض معلوم وإن لم يكن بيعا ، وقد ذكرنا سابقا صحة اشتراط ذلك بعد عدم دليل على انحصار مفاده في عقد الوكالة التي أقصاها أنها تفيده ، لا أنه لا يكون إلا بها ، فيبقى عموم الشرط حينئذ بحاله.

نعم لا يلحق ذلك شي‌ء من أحكام الوكالة الثابتة لها من حيث كونها وكالة ، لما عرفته من عدم كون الحاصل بالشرط من أفرادها ، أما الانفساخ بالموت والجنون والإغماء فقد يقال : بثبوتها باعتبار لحوقها لمعنى النيابة المفروض تحققها في المعنى الشرطي ، إذ لا يعقل نيابته وهو ميت أو مجنون أو مغمى عليه ، كما لا يعقل نيابته عنهم.

وبالجملة كل حكم ثبت للوكالة من حيث معنى النيابة يلحق المستفاد من الشرط ، ضرورة كونه نيابة ، وإن لم يكن وكالة ، دون غيره من الأحكام الثابتة للوكالة باعتبار مفهومها المفروض عدمه في المعنى الشرطي ، وأما اشتراط هذا المعنى بالنسبة إلى الوارث أو الأجنبي فلا بأس به ، لعموم المؤمنون وغيرها ، وليس هو من الوكالة المحتاجة إلى عقد وهذا جيد وينطبق عليه اللزوم مع الاشتراط في عقد لازم ، إلا أنه بعيد عن كلمات الأصحاب والله العالم.

ولو مات المرتهن ولم يعلم أن الرهن في تركته ، لم يحكم به في ذمته ، لأصالة البراءة ، ولعله تلف منه بغير تفريط ، ولا في ماله لأصالة عدمه فيما هو في ملكه بمقتضى ظاهر يده المحكوم شرعا بأنه لورثته ، بمقتضى عموم (١) « ما تركه الميت » وحينئذ فلو كان الرهن فيها في الواقع فهو كسبيل ماله في الظاهر ، كما في السرائر ، والقواعد ، والتحرير ، وغيرها حتى يعلم بعينه بقيام بينة ونحوها ، وان اشتبه بنظائره فيها ، فإن المرجع فيه حينئذ إلى الصلح ونحوه ، لا أن المراد حتى

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة الحديث ـ ٤ ـ ١٤.

١٦٩

يعلم بشخصه وخصوصه ، ضرورة عدم خروج المال عن ملك صاحبه بالاشتباه ، بل الظاهر تقديمه على الغرماء ، لكونه كالشريك في الأعيان.

وإن كان قد يحتمل مساواتهم باعتبار كون الاشتباه كالتلف في الرجوع إلى الضمان ، ولعله لذا قال المصنف في باب الوديعة : « إذا اعترف بالوديعة ثم مات وجهلت عينها قيل : تخرج من أصل تركته ، ولو كان له غرماء ، فضاقت التركة حاصهم المستودع ، على تردد » وإن كان هو واضح الضعف.

وكيف كان فلا بد من حمل العبارة على ما ذكرناه ، وان كانت لا تخلو من إبهام ولذا تركها في القواعد وغيرها والأمر في ذلك سهل. نعم قد يشكل أصل الحكم بذلك وان كان ظاهرهم الجزم به هنا ، كما اعترف به في المسالك ، بأن الأصل بقاؤه في المال الذي كان في زمن الحياة ملك ورهن ، فلا قضاء لليد بالملك بعد العلم بأنها كانت أعم ، والأصل عدم التلف ، كما أن الأصل عدم تركة له غير الموجود ، فينحصر الرهن حينئذ في التركة الموجودة بمقتضى الأصل الشرعي الذي هو بعد فرض حجيته كالبينة ونحوها ، وأصالة عدم كونها من التركة الموجودة لا أصل لها ، إذ ليس لها حالة سابقه كان خارجا عنها حتى تستصحب.

وما في المسالك ـ تبعا لجامع المقاصد في الجملة من أنه يمكن أن يقال :لا تعارض بين الأصلين ، فأصالة بقاء المال يمكن أن يجامع أصالة البراءة ، لأن المال بيد المرتهن غير مضمون ، بل هو امانة يمكن تلفه بغير تفريط فلا يكون مضمونا ، وحديث (١) « على اليد ما أخذت حتى تؤدى » لا بد من تخصيصه بالأمانات ، ولم يعلم هنا ما يزيل الأمانة ، فيبقى أصالة براءة الذمة رافعة لاستحقاق الراهن في المال والذمة ، لعدم التعارض ، فيتم ما أطلقوه حيث يشتبه الحال.

ـ واضح الضعف بعد ما عرفت من اقتضاء أصالة بقاء المال ، وأصل عدم التلف ، وأصل عدم تركة له غير الموجود ـ كونه في المال ، وليس هذا من ضمان المال حتى يقال : إن الأمانة خرجت من عموم « على اليد » وفي مضاربة القواعد « ولو مات العامل

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧.

١٧٠

ولم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار أسوة الغرماء على إشكال » وستسمع ما فيها.

وفي التذكرة في الوديعة « نعم قد يتجه ما ذكره فيما لو علم بالرهن ، ولم يوجد في التركة قطعا ، كما إذا كان سيفا مثلا ولا سيف فيها ، مع أنه قد يقال : بالضمان فيه أيضا ، لأصالة البقاء ، وعموم « على اليد » المسلم استثناء تلف الأمانة منه بغير تفريط ، الثابت بالبينة أو بيمين لا سائر أحوال الأمانة ، فالتلف الذي لم يدع الأمين كونه بغير تفريط ، ولا علم كونه كذلك على قاعدة الضمان.

بل لو سلم أن المستثنى تلف الأمانة مطلقا ، حتى يكون الأصل في تلفها عدم الضمان إلا بأن يعلم كونه بتفريط ، فهو بعد إحراز التلف ، أما إذا لم يكن معلوما بل الأصل يقتضي عدمه ، فلا ، وعدم الوجود في التركة أعم منه قطعا ، إذ يمكن جعله في حرز لا يعلم به إلا هو ، فعموم على اليد بحاله ، بل في الحقيقة ليس ذلك تضمينا بل هو رد للأمانة المحكوم ببقائها بمقتضى الأصل الذي لا فرق بين الأمين وغيره في الخطاب به ».

قال في القواعد : ولو مات المستودع ولم توجد الوديعة في تركته فهي والديون سواء على إشكال : أي في كيفية الضمان لا في أصله ، هذا إن أقر أن عنده وديعة ، أو عليه وديعة أو ثبت أنه مات وعنده وديعة ، أما لو كانت عنده في حياته ولم توجد بعينها ، ولم يعلم بقاؤها ففي الضمان إشكال » وعن شرح الإرشاد « نسبة الضمان إلى نص الأصحاب » وفي التذكرة « قد بينا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة ولم توجد في تركته ، فإن الذي يقتضيه النظر عدم الضمان ، والذي عليه فتوى أكثر العلماء منا ومن الشافعية الضمان ».

وقد بان لك من ذلك كله أن الصور ستة :الأولى : علم الرهن في جملة التركة.

الثانية : أن يعلم أنه كان عند الميت ولم يعلم كونه في التركة أولا؟ تلف بغير تفريط أولا؟.

الثالثة : أن يعلم كونه عنده كذلك ، ولكن ليس في التركة قطعا.

١٧١

الرابعة : أن يعلم تلفه في يده ولم يعلم كونه بتفريط أولا؟.

الخامسة : أن يعلم كونه عنده إلى أن مات ، وأنه لم يتلف منه ، إلا أنه لم يوجد في التركة.

السادسة : كذلك ، إلا أنها مع احتمال التلف بعد الموت ، كل ذلك مع عدم التقصير منه بترك الوصية والإشهاد ، وحكم الأولى واضح ، كحكم ما لو علم الرهن بعينه ، أما ما عداها فقد يقوى الضمان في غير الرابعة التي قد عرفت احتماله فيها ، إلا أن الأقوى خلافه ، كما أن الأقوى في بعض صور الضمان التقديم على باقي الغرماء ، بل لعله محتمل في جميعها ، لما عرفت من أنه في الحقيقة رد للأمانة نفسها ، لا ضمان لها.

أما إذا لم يعلم أن في التركة رهنا ، لعدم العلم بأصل الرهانة فلا إشكال في كون الحكم في الجميع كسبيل مال الميت ، عملا بظاهر اليد ، وأصالة عدم الرهن ، ويمكن حمل عبارة المصنف وغيره عليه. بل لعله كذلك في العلم بأصل الرهانة في الجملة ، إلا أنه لم يعلم الفك وعدمه ، وإن كان قد يحتمل الحكم بها لأصالتها ، خصوصا إذا كانت العين مشخصة ، وقد علم أنها كانت رهنا عند الميت ، ثم لم يعلم أنها قد خرجت عنه ودخلت في ملك الميت ، أو أنها باقية على الحال الأول ، فتأمل.

واحتمال ـ خروج الرهن عن حكم الوديعة والمضاربة ، لخبر عمر بن رياح القلاء (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل هلك وترك صندوقا فيه رهون ، بعضها عليها أسماء أصحابها ، وبكم هو رهن ، وبعضها لا يدرى لمن هو ، ولا بكم هو رهن ، فما ترى في هذا الذي لا يعرف صاحبه؟ فقال : هو كماله. »

يدفعه معلومية عدم العمل بظاهر الخبر فيما نحن بصدده ، بل يكون ذلك كمجهول المالك ، أو يحمل على عدم معرفة كونه رهنا ، أو نحو ذلك مما لا يخالف الضوابط فتأمل جيدا. فإن المسألة غير محررة في كلامهم ، بل لعل المغروس في الذهن عدم الضمان في كثير من صورها والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١ ـ لكن في السند محمد بن رياح.

١٧٢

ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن من الراهن أو من يقوم مقامه قطعا ، ومن نفسه إذا كان وكيلا عنه وكالة شاملة له بالتصريح أو العموم الذي هو مثله ، بل ومع إطلاق الوكالة على المشهور ، بل في المختلف « من غير كراهة لتحقق الموكل عليه بالبيع منه ، ضرورة صدقه عليه » خصوصا مع اشعار عدم التعرض للخصوصية بالغائها ، وأن المراد بيعه بثمنه من أي مشتركان ، ودعوى ـ ظهور الوكالة في عدم بيعه عليه ، أو في البيع على غيره من غير تعرض له ، فحينئذ لا يجوز إلا بالإذن ، أو وجود قرينة تدل عليه ، كما اختاره في جامع المقاصد هنا ـ لا شاهد لها ، ولو سلم الانسياق فهو انسياق أظهرية لبعض الأفراد ، لا أن ذلك هو المراد.

وهذا البحث لا يخص المقام ، بل هو جار في غيره ، وتمام الكلام فيه هناك ، إلا أن ظاهر المصنف فيما تقدم عدم بيعه من نفسه في إطلاق الوكالة ، وعن أبى على : « لو وكل المرتهن في بيعه لم اختر له بيع ذلك ، خاصة إذا كان الرهن مما يحتاج إلى استيفاء أو وزن ، أو أراد المرتهن شراءه أو بيعه لولده وشريكه ، أو ما يجرى مجراهما » وظاهره الكراهة وإن حكي عنه المنع ، والله أعلم.

والمرتهن أحق من استيفاء دينه من الرهن من غيره من باقي الغرماء ، سواء كان الراهن حيا وقد حجر عليه للفلس أو ميتا ، على الأشهر بل المشهور بل لا خلاف فيه في الأول ، بل والثاني عدا ما عساه يظهر من الصدوق ، حيث أنه روى الرواية الدالة على الاشتراك التي رماها في السرائر بالشذوذ ، وفي الدروس بالهجر ، وهو في معنى الإجماع ، بل في الأول دعواه صريحا ولعله كذلك إذ خلاف الصدوق ـ مع أنه غير متحقق ، لعدوله عما ذكره في أول كتابه من أنه لا يذكر فيه إلا ما يفتي به ـ غير قادح فهو الحجة حينئذ ، مضافا إلى ما دل من النصوص (١) وغيرها على كون الرهن وثيقة للدين ، وفائدتها شرعا وعرفا استيفاء الدين منها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١ ـ ٦ ـ ٩.

١٧٣

وخبر عبد الله بن الحكم (١) ـ الضعيف المرتفع القول عن الصادق عليه‌السلام « عن رجل أفلس وعليه الدين لقوم ، وعند بعضهم رهون ، وليس عند بعضهم فمات ، ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، فقال : يقسم جميع ما خلف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص ».

ـ محمول على الرهانة بعد الفلس ، أو مطرح كمكاتبة سليمان بن حفص (٢) ـ الذي لم ينص علماء الرجال على توثيقه ، بل ولا مدحه ، ـ إلى أبي الحسن عليه‌السلام « في رجل مات وعليه الدين ولم يخلف شيئا إلا رهنا في يد بعضهم ، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن ، أيأخذه بماله ، أو هو وسائر الديان فيه شركاء فكتب جميع الديان في ذلك سواء ، يتوزعونه بينهم بالحصص » فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور لهما ، ولا غرابة بعد اختلال الطريقة ، نعم لو زاد الرهن عن الدين اختص الغرماء بالزائد.

وأما لو أعوز الرهن عن وفاء الدين وقصر ضرب صاحب الدين مع الغرماء بالفاضل بلا خلاف ولا إشكال لأن دينه في الذمة لا محصور بالرهن كما هو واضح وكيف كان ف الرهن أمانة في يده لا يضمنه لو تلف عنده بغير تفريط ، بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل ظاهر كشف الحق وغيره الإجماع عليه ، بل عن الخلاف ، والغنية ، والسرائر ، والتذكرة ، والمفاتيح ، دعواه صريحا ، فمن الغريب نسبته في الدروس إلى الأشهر ، مشعرا بوجود الخلاف فيه بيننا ، نعم هو معروف بين العامة.

فعن أبي حنيفة أنه مضمون ، وعن شريح ، والنخعي ، والحسن البصري ، أنه مضمون بجميع الدين ، وإن كان أكثر من قيمته ، لأن الرهانة تذهب بما فيها ، وربما حكي عنهم أنه مضمون بجميع قيمته ، فيتراد ان الفضل حينئذ بينهما. وعن الثوري ، وأصحاب الرأي أنه يضمنه بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين ، فإن كان قيمته أقل سقط من الدين بقدر قيمته وإلا سقط الدين ولا يضمن الزيادة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٢.

١٧٤

وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل (١) « عن رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن فهو من مال الراهن ، ويرتجع المرتهن بماله عليه » وفي صحيح إسحاق بن عمار الصيرفي (٢) الثقة « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يرتهن العبد فيصيبه عورا وينقص من جسده شي‌ء ، على من يكون نقصان ذلك؟ قال : على مولاه ، قال : إن الناس يقولون إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان في جسده ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد ، قال : أرأيت لو أن العبد قتل قتيلا على من تكون جنايته؟ قال : جنايته في عنقه ».

وفي خبره الآخر (٣) عنه أيضا « قلت له : الرجل يرهن الغلام أو الدار ، فتصيبه الآفة على من يكون؟ قال : على مولاه ، ثم قال : أرأيت لو قتل قتيلا على من كان يكون؟ قلت : هو في عنق العبد ، قال : ألا ترى فلم يذهب عن مال هذا ، ثم قال :أرايت لو كان ثمنه ماءة دينار فزاد وبلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ قلت : لمولاه ، قال : وكذلك يكون عليه ما يكون له » إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على المجمع عليه بين الأصحاب ، المشتملة على بيان الوجه ردا على العامة العمياء ، المستفاد منها الدلالة بما دل من النصوص على أن منفعة الرهن للمالك ، بضميمة قاعدة « أن من كان النفع له ، كان النقصان عليه ».

كما تضمنه الخبر النبوي (٤) المشهور الذي استدل به هنا غير واحد من الأصحاب : « لا يغلق الرهن من صاحبه ، له غنمه ، وعليه غرمه » أي لا يملكه المرتهن بالارتهان وفي الآخر (٥) « الخراج بالضمان » فإذا كان خراجه للراهن بلا خلاف ، كان ضمانه عليه.

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور ، لأخبار

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١ مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٤ مع اختلاف يسير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٦.

(٤) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٩٥.

(٥) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٧٣.

١٧٥

معلومة الطرح بين الأصحاب ، وأنها خرجت مخرج التقية ، أو محمولة على التفريط ، أو نحو ذلك.

ك خبر محمد بن قيس (١) عن الصادق عليه‌السلام « عن أبي جعفر عليه‌السلام قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن ، وإن كان أقل من ماله فهلك الرهن أدى إلى صاحبه فضل ماله ، وإن كان الرهن يسوى ما رهنه ، فليس عليه شي‌ء ».

وموثق ابن بكير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرهن؟ فقال : إن كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدى الفضل الى صاحب الرهن وإن كان أقل من ماله فهلك الرهن ، أدى إلى صاحبه فضل ماله ، وإن كان سواء فليس عليه شي‌ء ».

وخبر أبي حمزة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول علي عليه‌السلام في الرهن يترادان الفضل؟ قال : كان علي عليه‌السلام يقول : ذلك ، قلت : كيف يترادان الفضل؟ فقال : إذا كان الرهن أفضل مما رهن به ، ثم عطب يرد المرتهن بالفضل على صاحبه ، وإن كان لا يسوى رد الراهن ما نقص من حق المرتهن ، قال : وكذلك كان قول علي عليه‌السلام في الحيوان وغير ذلك ».

وخبر عبد الله بن الحكم (٤) « سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل رهن عند رجل رهنا على ألف درهم ، والرهن يساوي ألفين فضاع فقال يرجع عليه بفضل ما رهنه ، وإن كان أنقص مما رهنه عليه فالرهن بما فيه ».

وخبر إسحاق بن عمار (٥) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يرهن الرهن بمأة درهم وهو يساوي ثلاثمائة درهم ، فهلك ، أعلى الرجل أن يرد على صاحبه مأتي درهم؟ قال : نعم ، لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيعة ، قلت : فهلك نصف الرهن فقال : على حساب ذلك ، قلت : فيترادان الفضل؟ قال : نعم ».

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن حملها على صورة التفريط ، كما يشعر به

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٢.

١٧٦

قوله في الأخير ضيعه ، بل أوضح منه مرسل أبان (١) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في الرهن : إذا ضاع عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع في حقه على الراهن فأخذه ، فإن استهلكه ترادا الفضل فيما بينهما » بل هو كالصريح في أن مراد على مما رووه عنه عليه‌السلام من تراد الفضل فيما بينهما في صورة الاستهلاك ، لا ما فهمه بعض العامة.

وعلى كل حال فالمسألة من الواضحات ، وحينئذ فهو أمانة يجري عليه حكمها الذي منه تصديقه في دعوى التلف ، من غير فرق بين ذهابه وحده ، أو مع جملة من ماله.

لكن في مرسل أبان (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام سألته كيف يكون الرهن بما فيه؟ إن كان حيوانا ، أو دابة ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو متاعا ، فأصابته جائحة حريق أو لص ، فهلك ماله أو بعض متاعه ، وليس له على مصيبته ببينة ، قال : إذا ذهب متاعه كله فلم يوجد له شي‌ء فلا شي‌ء عليه ، وإن قال : ذهب من بين مالي وله مال فلا يصدق » وبه أفتى ابن الجنيد قال فيما حكي عنه : والمرتهن يصدق في ضياع الرهن إذا كان جائحة ظاهرة ، أو إذا ذهب متاعه والمرهون ، فإن ادعى ذهاب الرهن وحده ، لم يصدق ولم أجد له موافقا منا.

نعم حكي عن مالك أنه إن كان تلفه أي الرهن بأمر ظاهر كان من ضمان الراهن ، وإن ادعى تلفه بأمر خفي ضمنه المرتهن ، كما أنه لم أجد موافقا للصدوق فيما حكي عنه من عدم ضمان المرتهن لو ترك تعاهد الرهن ونشره ، مع حاجته إليهما فتلف بذلك ، عملا بما أرسله في الفقيه (٣) « في رجل رهن عند رجل مملوكا فجذم أو رهن عنده متاعا فلم ينشر ذلك المتاع ولم يتعاهده ولم يحركه فأكل ـ يعني أكله السوس ـ ينقصه من ماله بقدر ذلك؟ قال : لا » ويمكن حمله على عدم علم المرتهن باحتياجه ، أو على اشتراطه التعاهد على الراهن ، أو غير ذلك ، كما أنه يمكن حمل الأول على

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١ ـ مع اختلاف يسير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٩.

١٧٧

إرادة حصول التهمة الموجبة لليمين عليه ، فلا ريب في أن العمل فيهما على المشهور.

وقد ظهر من ذلك كله أنه لا يسقط من حقه أى المرتهن شي‌ء ما لم يتلف في يده بتفريطه فأما إذا كان بتفريط حصل التهاتر قهرا مع حصول شرائطه ، وإلا كان كل منهما مديونا للآخر ، واحتمال التهاتر على كل حال ـ الظاهر ما سمعته من النصوص المحمولة على ذلك ، أو الظاهرة فيه ، ـ بعيد لقصورها عن الجرأة بها على مخالفة الضوابط ، خصوصا بعد احتمال جريانها على الغالب من المساواة ، واحتمال إرادة شبه التهاتر منها أو غير ذلك ، فما عساه يوهمه عبارة المصنف وغيرها ، لا بد من تقييده بما ذكرنا.

وعلى كل حال فالمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين عدم جواز تصرف المرتهن في الرهن من دون إذن الراهن ف لو تصرف المرتهن حينئذ فيه اى في الرهن بركوب أو سكنى مثلا أو إجارة من دون إذن الراهن أثم وضمن العين لو تلفت بقيمتها يوم الهلاك ، أو يوم التعدي ، أو يوم المطالبة ، أو أعلى القيم على البحث السابق والآتي في الغاصب ونحوه.

ولزمه أجرة المثل في الأولين على المشهور ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، لأنه انتفاع بمال الغير بغير إذنه.

والحسن كالصحيح (١) « عن أبي جعفر عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة ، فزرعها وأنفق عليها من ماله ، أنه يحتسب له نفقته وعمله خالصا ، ثم ينظر نصيب الأرض فيحتسب من ماله الذي ارتهن به الأرض حتى يستوفى ماله ، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها » ولغير ذلك.

والأجرة المسماة في الثالث ، إذا كان قد قبضها المستأجر ، وأجاز المالك عقد الإجارة والقبض ، فان لم يجز القبض رجع بها على المستأجر إذا كانت في الذمة وإلا تخير بين الرجوع عليه والرجوع على المرتهن ، وان لم يجز العقد ولم تمض مدة تصلح لاستيفاء ما يقابل بأجرة عادة ، فضلا عن المنفعة المقصودة بالإجارة لم يكن

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١.

١٧٨

له شي‌ء عندهما ، أما إذا أسلمها وقد مضت إحدى المدتين كان له أجرة المثل على المستأجر بفوات المستأجر منفعة ماله في يده التي هي يد ضمان ، بل قد يقال : بأن له الرجوع على المرتهن لأنه بإجارته صار غاصبا ، فيتخير المالك في الرجوع على من شاء منهما.

ومنه ينقدح ضمانه : أى المرتهن كل منفعة للرهن تفوت عنده ، إذ كان قد تعدى فيه وإن لم يستوفها ، بل ينقدح ضمانه في الفرض ، وان لم يتسلم المستأجر العين ، بناء على أن عقده عليها ، وبذلها للمستأجر تعد ، كما صرح به في المسالك ، وان لم يتسلمها منه ، نعم لو كان مجرد عقد فضولا ولم يسلمها إياه ولا بذلها له لم يكن تعديا.

وكيف كان فلا فرق في عدم جواز تصرف المرتهن بين كونه قد أنفق على الرهن بوجه شرعي أو لم ينفق ، لقبح التصرف في مال الغير على كل حال ، وحينئذ ف إن كان للرهن مؤنة كالدابة ، أنفق عليها ولو كان قد تصرف فيها بركوب ونحوه ظلما وتقاصا كما في النافع ، والقواعد ، والتحرير ، والإرشاد ، والكتاب ، واللمعة ، وغيرها ، بل في الدروس عليه المتأخرون : أي تهاترا قهرا مع اجتماع الشرائط من التساوي في النوع والصفة.

وقيل إن الشيخ في نهايته والحلبي ، وابني حمزة ، وسعيد قالوا إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق قال في النهاية : « إذا كان الرهن الدابة فركبها المرتهن كانت نفقتها عليه ، وكذلك إذا كانت شاة وشرب لبنها كان عليه نفقتها ، وإذا كان عند إنسان دابة ، أو حيوان ، أو رقيق رهنا ، فإن نفقتها على الراهن دون المرتهن ، فإن أنفق المرتهن عليها كان له ركوبها ، والانتفاع بها ، أو الرجوع على الراهن بما أنفق » ، وقال أبو الصلاح : « يجوز للمرتهن إذا كان الرهن حيوانا يتكفل مؤنته أن ينتفع بظهره أو خدمته أو صوفه أو لبنه ، وإن لم يتراضيا ، ولا يحل شي‌ء من ذلك من غير تكفل مؤنة ولا مراضاة ، والأولى أن يصرف قيمة منافعه في مؤنته ».

١٧٩

وفي الوسيلة : وإن رهن حيوانا كان نفقته على الراهن ، فإن أنفق عليه المرتهن كان له الرجوع على صاحبه ما لم ينتفع به ، فإن انتفع به ولم ينفق رد قدر ما انتفع به ، نحو ما في جامع الشرائع ، كما قيل ، إلا أن الأخيرين كما ترى لا صراحة فيهما بالخلاف ، بل يمكن إرجاع كلامهما إلى ما عليه الأصحاب ، فانحصر الخلاف حينئذ في النهاية التي هي متون أخبار ، وليست كتاب فتوى ، وفي أبي الصلاح الذي نقل لنا كلامه ، وليس النقل كالعيان.

وعلي كل حال فمستندهما في ذلك صحيح أبي ولاد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير رهنا بماله إله أن يركبه؟ فقال : إن كان يعلفه فله أن يركبه ، وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه ، فليس له أن يركبه ، » وخبر السكوني « (٢) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب نفقته ، والدر يشرب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب نفقته » اللذين يمكن حملهما على مساواة الحقين ، والإذن ولو للعادة ، أو لأن رهنه مع عدم الإنفاق قرينة على ذلك ، ولا سيما إذا كان عدم الركوب والحلب مما يفسده ، أو على غير ذلك.

بل لا بأس بطرحهما ، بعد اعراض معظم الأصحاب عنهما بل في التذكرة « ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن بلا خلاف ، » وفي السرائر « لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن على حال ، للإجماع على أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن » ومخالفتهما لقاعدة « عدم التصرف في مال الغير بغير إذنه » وقاعدة الضمان لما يتلفه المتلف ، والرجوع بما عرفه على الوجه الشرعي ، مضافا إلى عدم صراحتهما في المقابلة ، ولا في منع المقاصة.

فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الدروس من أن المشهور جواز الانتفاع ، قال : « ونفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن ، فإن أنفق متبرعا فلا رجوع ، وإن كان بإذن الراهن ، أو الحاكم عند تعذره أو أشهد عند تعذر الحاكم ، رجع بها على الراهن ،

__________________

(١) ـ الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الرهن الحديث ـ ١.

(٢) ـ الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الرهن الحديث ـ ٢.

١٨٠