جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والأول مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته ، وشيخنا في مقنعته ، والثاني : مذهب لشيخنا في مسائل خلافه ، فإنه رجع عما ذهب إليه في نهايته » إذ هو كما ترى صريح في فهمه اللزوم من عبارتي المقنعة والنهاية ، وقد ظهر من ذلك الاضطراب في كلمات الأصحاب المحررين للنزاع.

وعلى كل حال فالمحصل أن الأقوال في المسألة ثلاثة ، وإن كان مقتضي جميع المحررين للنزاع أو أكثرهم أن المسألة ثنائية الأقوال ، إلا أن التتبع يقضي بما ذكرنا ، الأول : عدم المدخلية له في الصحة واللزوم ، وهو خيرة الخلاف والسرائر وغيرهما ممن عرفت. والثاني : توقف الصحة عليه وهو ظاهر المقنعة ، والنهاية ، والوسيلة وغيرهم ، بل هو صريح المحكي عن الطبرسي. والثالث : توقف اللزوم عليه دون الصحة ، وهو خيرة المقنعة.

وأما الاحتمالات : فهي أكثر من ذلك ، إذ منها أنه ـ شرط للصحة على جهة الكشف ، بل هو مقتضى إطلاقهم الشرطية عليه ضرورة عدم كون المراد منها في المتأخر غير الكشف ، ومن هنا وجب حمله مع فرض عدم إرادة ذلك على جزء سبب الصحة ، فإطلاق الشرطية عليه حينئذ على ضرب من المجاز ، كما جزم به في جامع المقاصد.

ومنها أنه شرط للزوم كذلك ، بناء على أن السبب في تأثيره : أي اللزوم العقد ، فشرطه المتأخر حينئذ لا يكون إلا على جهة الكشف ، ومن هنا وجب حمله مع فرض عدم إرادة ذلك على جزء السبب في اللزوم ؛ كما جزم به في المسالك ، وأن إطلاق الشرط عليه مجاز ، لكن قد يمنع تسبيب العقد اللزوم ، لانفكاكه عنه كبيع خيار المجلس وغيره ، بخلاف الصحة ، فيمكن أن يكون هو السبب في اللزوم ، وتقدم العقد حينئذ شرطه.

ومنه ينقدح احتمال ثالث : وإن كان الفرق بينه وبين القول بأنه جزء سبب في اللزوم في الثمرة غير ظاهر.

١٠١

وكيف كان فقد كفينا مؤنة هذه الاحتمالات وغيرها بإمكان تحصيل الإجماع المركب على نفيها ، لما عرفت من انحصار الخلاف قديما وحديثا في الأقوال الثلاثة التي يقوى في النظر فيها الأول ، للاية ، وغيرها مما دل على لزوم العقود ، حتى جعلوه الأصل فيها ، وإليه يرجع أصالة عدم الاشتراط الراجعة إلى ظهور الأدلة في كون العقود هي الأسباب لمدلولاتها من غير حاجة إلى شي‌ء آخر.

ولظهور النصوص في ترتب الأحكام على صدق الرهن الذي لا ريب في عدم توقف صدقه على القبض ، بل لا يخفى على من تصفحها على كثرتها ظهور ترتب أحكام الرهن المقبوض على ما تحقق مسماه فيه من غير تعرض للقبض وعدمه ، ولو كان معتبرا في صحة أو لزوم وجب التفصيل ، وإلا لزم الإغراء بالجهل ، بل لعل ترك الاستفصال فيه دليل العموم.

نعم يستفاد منها على وجه لا يسع الفقيه إنكاره استحقاق المرتهن على الراهن قبضه ، لأن الأصل في مشروعيته التوثق ، ولا يتم غالبا إلا به ، بل لا يخفى ظهور النصوص في المفروغية من ذلك ، كما يومي إليه ذكر أحكام المقبوض بمجرد ما قيل في السؤال أنه رهن ، وكأن هذا هو الذي غر القائل بالشرطية ، لكنك خبير في أنه أعم منها ، إذ الأقوى وجوب الإقباض على الراهن إذا طلبه المرتهن ، وإن لم يكن شرطا في صحة أو لزوم كما جزم به في التحرير ، ولعله لما ذكرنا بل ولما ستسمعه مما ذكروه دليلا للشرطية ، بل لعل مبنى الرهانة على ذلك.

لكن توقف فيه في القواعد ، فقال : « ليس القبض شرطا على رأى ، وهل له المطالبة به إشكال » إذ الظاهر أن مراده على تقدير عدم الشرطية كما اعترف به في جامع المقاصد موجها للإشكال بنحو ما ذكرنا ، وبانتفاء المقتضي ، إذ العقد لا يقتضيه ، ولا سبب غيره ، والإرشاد التوثق بالقبض في الآية (١) لا يدل على كون ذلك مستحقا للمرتهن على الراهن بمجرد العقد ، ومما ذكرنا يظهر لك أن الترجيح للأول.

هذا. ولكن في القواعد بعد ذلك أنه لا يجبر الراهن على الإقباض ، فلو رهن و

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٨٣.

١٠٢

لم يسلم لم يجبر عليه ، وقد قيل : إنه جزم بعد التردد ، ولعل الأولى جعل ذلك منه على تقدير الاشتراط ، كما يشهد به التأمل لكلامه أولا وآخرا فلاحظ وتأمل.

وقال أيضا فيها في الفصل السادس : « وإذا لزم الرهن استحق المرتهن إدامة اليد » كما أن ما عن المبسوط ـ من أنه « إذا جن الراهن أو أغمي عليه ، أو رجع قبل القبض ، قبض المرتهن ، لأن العقد أوجب القبض » ـ ينبغي حمله على ما قلناه ، ضرورة أنه لا وجه له معتد به على تقدير الشرطية ، وإن سمعت في الصرف دعوى مثل ذلك من بعضهم في التقابض ، فأوجبه بالعقد مع توقف الصحة عليه ، لكنه مع أنه لم يدعه أحد هنا ، فيه ما عرفت ، على أن المحكي عنه في المبسوط أنه قال : « والاولى أن نقول أنه يلزم بالإيجاب والقبول » فيقوى بناء كلامه هذا على ذلك.

وعلى كل حال فلا تنافي بين وجوب الإقباض وبين القول بعدم الشرطية الذي قد عرفت قوته ، ويزيده قوة ، ضعف دليل المخالف ، إذ ليس إلا الأصل ، الذي ليس بأصيل بعد العقد وما دل على لزومه وصدق الرهن ، والآية التي ادعى الخصم دلالتها بمفهوم الوصف الممنوع حجيته في المقام ، خصوصا بعد ظهور التقييد فيه في تمام الإرشاد ، أو أنها إنما دلت على مشروعية الرهن المقبوض ، فينفى غيره بالأصل المقطوع بالإطلاقات.

وبالجملة دعوى ـ دلالة الآية على الشرطية في الرهن بعد ظهورها في إرادة الإرشاد ، كما يومي إليه التعليق على السفر ، وعدم الكاتب ، وأنه لا قائل بوجوب أخذ لرهن كما يستفاد من الجملة ـ في غاية الفساد كما هو واضح.

وخبر محمد بن قيس (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام كما في كتب الأصول وكثير من كتب الفروع ، أو الصادق عليه‌السلام كما في قليل من الأخيرة « لا رهن إلا مقبوضا » المعتضد بما رواه العياشي (٢) عن محمد بن عيسى عن الباقر عليه‌السلام كذلك ، الذي هو بعد الإغضاء عن سنده ، وأنه من قسم الموثق ، وإن قال الشهيد وغيره : أنه مردود ، لاشتراكه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ١ ـ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الرهن الحديث ـ ٢ ـ.

١٠٣

بين الثقة والضعيف ، لأن المراد منه هنا البجلي الثقة ، بقرينة رواية عاصم عنه ، بناء على أنه ابن حميد ، وأن ابن سماعة فيه ، الحسن بن محمد بن سماعة ، وأن طريق الشيخ إليه قوي ، والإغضاء عن كونه موافقا لجمهور العامة ، ومنهم أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، في إحدى الروايتين ، خصوصا مع شدة التقية في زمانه عليه‌السلام ، والإغضاء عن احتمال إرادة بيان اعتبار كون الرهن مما يقبض كما يومي إليه عدم تخصيص القبض للمرتهن.

محتمل لإرادة بيان نفي الاعتداد به في الاستيثاق والطمأنينة ، لا الشرطية ، بل لعل الظاهر منه ذلك ، بعد أن كان المنفي فيه ، العين المرهونة ، لا العقد الذي يوصف بالصحة والبطلان ، وبعد أن كان الظاهر منه استدامة القبض للعين المرهونة ، باعتبار نفي الرهن بدونها ، الظاهر في لزوم اتصافها بذلك لصفة الرهن ، والإجماع بقسميه كما ستعرف على عدم اعتبار الاستدامة ، وبذلك يضعف دلالة الآية أيضا ، ويقوى إرادة الإرشاد منها ، بل قد يستفاد منها ومن الخبر مشروعية الرهن بغير قبض ، كما هو المختار ، وإن كان لا يحصل به تمام الاستيثاق في بعض الأحوال.

والإجماع المحكي عن الطبرسي المعارض بنفي الخلاف من ابني زهرة وإدريس عن الصحة بدونه كما أن إجماع ابن زهرة على اعتباره في اللزوم معارض بما سمعته من ابن إدريس والمقداد ، بل دعوى تبين خلافه ، لعدم المصرح باعتباره في اللزوم دون الصحة غيره ، على أنه قد اعترف بوجود المخالف إلا أنه غير قادح ، لمعروفيته باسمه ونسبه ، ولا ريب في قدحه وإن كان كذلك ، على طريقتنا في الإجماع كما بين في الأصول محررا ، فقد بان من ذلك فساد دعوى الشرطية على كل حال ، وإن كانت هي في اللزوم أوضح فسادا ، ضرورة عدم دليل للصحة حينئذ على وجه يفصلها عن اللزوم غير نفى الخلاف المزبور المعارض بما سمعت ، فلا ريب حينئذ في قوة القول بالعدم مطلقا فتسقط حينئذ جميع الفروع التي ذكروها في المقام وأطنبوا فيها لكن لا بأس بالتعرض إلى جملة منها بناء على الشرطية.

فمنها أنه لو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد عقد الرهن ، ولم يصح‌

١٠٤

بناء على اعتباره في الصحة بلا خلاف أجده فيه ، لكونه قبضا غير مأذون فيه أو منهيا عنه ، لما عرفت من وجوب الإقباض عليه بالعقد ، فلا يسقط حق الرجوع المستصحب بقاؤه ، بل لا يقطعه إلا حصول المقطوع به من الشرط وهو القبض المأذون فيه.

فدعوى إطلاق دليل الشرطية الذي لا ينكر انسياقه إلى المأذون فيه ، خصوصا بعد استقراء نظائر المقام مما كان القبض فيه تتمة السبب ، وخصوصا بعد معارضة قاعدة عدم سقوط حق الغير إلا برضاه ، وخصوصا بعد عدم الخلاف فيه لا يصغى إليها ، كدعوى وجوب الإقباض عليه بالعقد الذي لم يكن سببا تاما في حصول مدلوله ، لأن الفرض توقف الصحة على الإقباض ، بل الظاهر أنه كذلك لو قلنا بأنه شرط للزوم ، ضرورة عدم اقتضاء العقد الجائز وجوب إلزامه.

نعم قد يقال : بجواز قبضه للمرتهن ، باعتبار تعلق حق الرهانة فيه المقتضية للقبض باعتبار بنائها على التوثق الذي لا يتم غالبا الا به ، فهو وإن كان باقيا على ملك المالك ، إلا أنه لا يمنع ذلك من قبضه للمرتهن ، بعد اقتضاء حق الرهانة ذلك شرعا ، لكن لا يؤثر هذا القبض لزوما في حق الراهن ، للأصل وغيره ، مع احتماله لإطلاق ما دل على اللزوم به ، فهو كالتصرف في الهبة والمعاطاة المقتضي للزوم من الجانبين ، وعدم وجوب الإقباض غير اللزوم بالقبض ولعله لذا حكي عن الكفاية الإشكال في اعتبار الإذن ، بناء على كون القبض شرطا في الصحة دون اللزوم ، وإن كان الظاهر ما ذكرنا أولا.

وأما على المختار من عدم الاشتراط وأنه يجب على الراهن الإقباض ، فليس للمالك منع المرتهن من قبضه ، بل ولا يتوقف على إذنه ، لتعلق حق الرهانة المقتضي لذلك شرعا ، فهو كما لو شرط الرهانة المشتملة على القبض بعقد لازم ، أو نذرها مثلا واحتمال وجوب مراعاة الأذن ـ لكونه باقيا على ملكه ، وإن كان إذا امتنع أجبره الحاكم ، فإن لم يمكن قام مقامه في التسليم ـ لا يخلو من وجه ، إلا أن الأقوى ما ذكرنا.

فما عن الكفاية ـ من الجزم بوجوب إذن الراهن على القول بعدم الاشتراط في اللزوم فضلا عن الصحة ، واختاره بعض مشايخنا. بل زاد عليه الجزم باحتياجه‌

١٠٥

على تقدير اشتراطه في اللزوم دون الصحة ـ واضح الضعف ، ولعلهما بنيا الأول على عدم وجوب القبض وإن قلنا بعدم شرطيته ، لكنك قد عرفت ضعفه سابقا فلاحظ وتأمل.

ومنه تعلم الحال فيما لو اشترط الرهن في عقد لازم ، فإنه على المختار لا بد من الرهن والقبض ، إلا أن الظاهر كون وجوب القبض من مقتضى الرهانة كما عرفت ، لا من جهة الشرطية التي ليست هي إلا الرهانة المحققة بدونه ، نعم يتجه ذلك على القول بأنه شرط في الصحة ، ضرورة عدم تعلق حق الرهانة بالعين المشترط رهنها بدونه ، فلا يجدي مجرد العقد الذي لم يتعقبه قبض ، إذ هو كالرهن الفاسد ، وصحة إطلاق الرهن على العقد كما ذكرناه سابقا لا ينافي كون المراد هنا الرهن المخصوص.

أما لو قلنا بأنه شرط للزوم ففي المسالك « ينبغي أن يتحقق الوفاء بالشرط بدون القبض وإن لم يلزم من قبل الراهن ، لأن ما يجب الوفاء به الرهن الصحيح ، وهو أعم من اللازم » لكن فيه أنه لا تحصل الفائدة المطلوبة من اشتراطه ، فينبغي التقييد في الاشتراط برهن مقبوض ، اللهم إلا أن يدعى دلالة القرائن على ذلك ، بناء على الاكتفاء بمثلها أو يقال : إن الرهن المشروط في العقد اللازم يستحق القبض وإن قلنا بكونه شرطا في اللزوم كما حكاه في المسالك عن الشهيد ، ولعله راجع إلى ما ذكرنا من دلالة القرائن على ذلك ، والا فليس ما يقتضي استحقاقه بمجرد اشتراطه غيره ، هذا كله إذا اشترط الرهن خاصة.

أما إذا اشترط القبض معه فالمتجه بناء على ما ذكرنا سابقا في الشرائط وجوبها على المشترط عليه ، وإجباره عليه ، فإن لم يمكن تسلط على الخيار. نعم على ما تقدم من الشهيد ، يتجه ما صرح به هنا من عدم وجوب ذلك عليه ، بل أقصاه تسلط ذي الشرط على الخيار ، وهو خيرة الفاضل في المقام ، لكن فيه ما عرفت سابقا والله أعلم.

وقد ظهر من ذلك كله عدم صحة الرهن بالقبض من غير اذن بناء على اعتباره في صحته وكذا لو أذن في قبضه ثم رجع بإذنه قبل قبضه إذ هو كغير المأذون فيه ، ضرورة عدم اللزوم عليه بالإذن الذي له الرجوع فيها ، للأصل وغيره ، فيتجه حينئذ جميع ما ذكرنا فيه سابقا ، ولا يقال : إن الإذن هنا قد أسقطت حقه‌

١٠٦

من الرجوع ، بناء على الشرطية في اللزوم ، إذ قد عرفت أن المسقط له شرعا إنما هو القبض ، لا الإذن فيه ، بل لو صرح بالإسقاط ثم رجع قبل القبض لم يؤثر ذلك الإسقاط ، لعدم كون الجواز هنا كالخيار ، بل هو من الأحكام الشرعية لا الحقوق المالكية التي يتسلط عليها الإسقاط كل ذلك مع عدم الخلاف فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ممن اعتبر الإذن في القبض ، سواء قلنا إنه شرط في اللزوم أو الصحة.

وكذا لا يصح الرهن لو نطق بالعقد ثم جن ، أو أغمي عليه ، أو مات قبل القبض مثلا بناء على اعتباره في الصحة بلا خلاف أجده ، لظهور ما دل على شرطية الاختيار إلى تمام سبب الصحة إنما الكلام في البطلان بذلك على تقدير اعتباره في اللزوم ، فربما قيل به ، لأنه حينئذ من العقود الجائزة المعلوم بطلانها بعروض ذلك.

وفيه : أنه لا دليل على عموم ذلك فيها بحيث يشمل المقام الذي هو يؤوله إلى اللزوم بالقبض ليشبه بيع الخيار ، ويصلح لقطع الاستصحاب وتقييد إطلاق دليل الصحة فيقوم حينئذ من انتقل إليه ولاية التصرف مقامه ، مراعيا للمصلحة حيث يجب عليه ذلك ، ولا منافاة بين انتقال عين المال إلى الوارث أو ولايته إلى الولي ، وبين تعلق حق الرهانة ، بل أقصاها أنها جائزة كما كانت للأصل وبذلك يفرق بين المقام وغيره من العقود الجائزة ، كالوكالة والعارية والوديعة ، إذ ليس هو مثلها قطعا ، بل هو كبيع الخيار ، وكالهبة بعد القبض قبل التصرف التي يجوز الرجوع فيها للمالك قبله ، ولا مجال لاحتمال البطلان فيهما.

ولعله لذا جزم في التذكرة بعدم البطلان في الأولين ، بل كان عليه ذلك بالنسبة إلى الأخير أيضا ، إلا أنه لم يرجح فيه فيها ، بل المتجه عدم الفرق في ذلك بين الراهن والمرتهن على كل من قولي الصحة واللزوم.

لكن في الدروس ، اختار البطلان في الثلاثة بالنسبة إلى الراهن ، ثم قال : « ولو مات المرتهن انتقل حق القبض إلى وارثه ، والفرق تعلق حق الورثة والديان بعد موت الراهن به ، فلا يستأثر به أحد ، بخلاف موت المرتهن ، فإن الدين باق ،

١٠٧

فيبقى وثيقة » ، وقال أيضا « ولو جن المرتهن أو أغمي عليه قام وليه مقامه ».

وفيه ما لا يخفى بناء على أنه شرط في الصحة ، كما هو ظاهر كلامه في أصل المسألة ، بل وعلى تقدير كونه شرطا في اللزوم ، ضرورة كون المتجه عليه البطلان مطلقا ، أو الصحة كذلك ، لاتحاد المدرك والفرق الذي ذكره بالنسبة إلى الموت غير مجد ، بعد أن كان للورثة والديانة الفسخ ، إذ لا يلزم عليهم القبض المقتضى للزوم ، فتجدد تعلق حق الديانة والوراثة لا يبطل الحق المتعلق سابقا كما هو واضح.

نعم احتمال الصحة مع موت المرتهن أوضح منه مع موت الراهن ، وبذلك كله تعرف الاضطراب في جملة من كلمات الأصحاب في المقام ، واحتمالاتهم التي منها ما يقضي بكونه معتبرا عندهم في الصحة ، ومنها ما يقضي باعتباره في اللزوم ، وقد أشكل على ثاني الشهيدين الذي جعل النزاع في الأخير المراد من نحو المتن ، ولا ريب في ظهوره في الاعتبار في الصحة ، فلا إشكال فيه من هذه الجهة.

كما أنه لا إشكال في عدم البطلان بعروض شي‌ء من ذلك للراهن أو المرتهن ، بناء على المختار ، كما صرح به جماعة ممن خيرته ذلك ، بل حكاه في الدروس عن المبسوط معترفا بإشعاره بعدم الشرطية ، وإن كان للمرتهن طلبه للتوثق به ، وهو مما يرشد إلى موافقته للمختار ، كما حكيناه سابقا ، ثم إنه لا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرنا فيما لو كان الرهن مشترطا في عقد لازم ، ثم عرض نحو الأمور الثلاثة قبل الرهن أو بعده قبل الإقباض ، والله أعلم.

وكيف كان ف ليس استدامة القبض شرطا بل يكفي تحققه في الصحة أو اللزوم بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، وهو الحجة بعد العمومات التي يمكن إرادتها للشيخ في الاستدلال عليه بأخبار الفرقة ، إذ لم نجد المتحد منها الدال على ذلك صريحا ، فضلا عن المتعدد.

نعم ربما تجشم دلالة النصوص الواردة في منفعة الرهن وعلته المعلوم كونها للراهن التي تتوقف غالبا على قبضه الرهن ، والأمر سهل بعد ما عرفت الذي منه‌

١٠٨

يظهر ضعف ما عن أبي حنيفة ، وأحمد ، ومالك ، من اشتراط الاستدامة كالابتداء ، للآية التي قد تقدم البحث فيها. بل عن الأردبيلي ان ظاهر التذكرة ذلك في مسألة منع المرتهن من التصرف قلت : الموجود فيها هناك « الرهن وثيقة لدين المرتهن ، فإن جعلنا القبض شرطا أو كان لازما استحق المرتهن إدامة اليد ، ولا يزال يده إلا للانتفاع ، على خلاف قد سبق » ويمكن أن يريد ولو بقرينة أنه ممن حكى الإجماع على عدم اشتراط الاستدامة قبل ذلك ، الاستحقاق لا على جهة الشرطية ، ولعله كذلك لما عرفت من اقتضاء حق الرهانة ذلك.

فلو عاد إلى الراهن وإن لم يكن بعنوان الوكالة عن المرتهن أو تصرف فيه تصرفا لا ينافي كونه رهنا لم يخرج عن حق الرهانة سواء كان ذلك باذن المرتهن أولا ، وإن كان الظاهر تحقق الإثم عليه مع عدم الإذن في بعض الأحوال والله أعلم.

ومنها : أنه لو رهن ما هو في يد المرتهن لزم الرهن على القولين من غير حاجة إلى إذن بالقبض ، ولا مضى زمان يمكن فيه تجديد القبض ، ولو كان استيلاء يد المرتهن عليه غصبا وفاقا لإطلاق الأكثر ، لا لتحقق القبض الذي هو شرط ، لوضوح بطلانه في الأخير المنهي عنه ، فيكون فاسدا لذلك ، إذ النهي وإن كان لا يقتضي الفساد في غير العبادة ، إلا أن القبض على تقدير اعتباره ركن ، وعدم اقتضاء الفساد إنما هو بعد تمام الأركان ، وإلا لاجتزي بالقبض بغير إذن لو لم يكن مقبوضا ، وقد عرفت بطلانه وليس الإرهان إذنا باستدامة القبض قطعا ، مع أنه لا يتم في التصريح بحرمة استدامة القبض الأول ، بل لعله باطل في الأول أيضا ضرورة ظهور أدلة الشرطية في اعتبار القبض للرهن ، فلا يجزي قبض العارية والوديعة مثلا ، والفرض أنه لم يتجدد إذن في استدامة القبض للرهن.

ـ بل لعدم تناول دليل الشرطية لمثل الفرض ، ضرورة ظهوره في غير المقبوض ،

١٠٩

اما هو فيبقى على أصالة اللزوم في العقد ، فيتحقق رهنه حينئذ ، وهو على القبض الأول حتى انه لو كان مضمونا بغصب ، أو بيع فاسد ، أو سوم ، أو عارية مضمونة أو نحو ذلك بقي عليه ، كما هو خيرة الأكثر ، بل لا خلاف أجده إلا من الفاضل في القواعد ، والمحكي عن يحيى بن سعيد ، ولا تنافي بين رهنيته وضمانه بعد أن كان الضمان بسبب آخر غير الرهنية ، كالتعدي في المرهون.

نعم يقوى ارتفاع الضمان بالإذن من الراهن في استدامة القبض للرهن ، وفاقا لجماعة ، بل عن حواشي الشهيد نفي الخلاف عنه ، لانتقاض الحال الأول ، بل هو شبه الوكالة في القبض عنه ، ودعوى ـ ظهور دليل الضمان في مثل الغصب في عدم ارتفاعه إلا بالتأدية المعلوم انتفاؤها في المقام وإن اذن ، فسبب الضمان الأول لم يرتفع ، وإن اذن في الاستدامة وارتفع الإثم بذلك ، بل لو صرح المالك بإسقاط الضمان الذي هو مقتضى السبب الأول لم يسقط كما صرح به في القواعد ، وجامع الشرائع والإيضاح ، وحواشي الشهيد ، وغاية المرام ، وجامع المقاصد ، على ما حكى عن بعضها ، إذ هو ترتب شرعي والإسقاط كالإبراء إنما يجدي في الحق الثابت في الذمة مثلا ، وليس المقام منه قطعا ، إذ لا شي‌ء في الذمة حينئذ ، لكون المراد من الضمان فيه انه لو تلفت العين ضمن مثلها ، ولا معنى لإسقاطه قبل حصوله ، كما انه لا معنى لإسقاط سببية السبب الذي جعل الشارع غاية ارتفاعه التأدية المعلوم انتفاؤها في المقام ـ

يدفعها أولا : منع عدم صدق التأدية على نحو ذلك ، مع استناد اليد فيه إلى إذن المالك ، وانه من تصرفه فيه ، فهو كما لو تاب الغاصب وطلب من المالك قبض ماله فقال له : ليبق عندك وديعة ، وكما لو أرهن المالك مغصوبا عند غير الغاصب ، وقد اذن للراهن في قبضه منه وقبضه ، ودعوى ـ التزام الضمان في ذلك ونحوه ـ أيضا كما ترى يمكن ان يقطع بعدمه ، وانه ظلم واضح ، فلعل المراد من التأدية في خبر الضمان ما يشمل مثل ذلك ، لا انه القبض الفعلي خاصة.

وثانيا ظهور كون المراد من الخبر ما إذا بقيت يد الضمان على حالها ، لا ما إذا تغيرت وصارت يد امانة مثلا ، فيبقى حينئذ على أصالة البراءة التي لا يعارضها‌

١١٠

استصحاب الضمان ، بعد ما عرفت من ظهور دليله في غير الفرض ، ومن معلومية كون السبب في الضمان العدوان ، والفرض زواله بالائتمان ، فلا وجه للاستصحاب.

وعدم ارتفاع الضمان بالإسقاط ـ مع أن فيه بحثا. بل عن الشيخ السقوط لحصول سبب الوجوب ، فليس إبراء مما لم يجب ، وتبعه المصنف فيما يأتي ، والفاضل في التحرير ـ لا مدخلية له فيما نحن فيه الذي فرض حصول الإذن من الغاصب باستدامة القبض ، على أنه رهن ، أو وديعة ، أو عارية مثلا ، وأنه بذلك صار أمانة في يده ، ودعوى الفرق ـ بين المقام ، والوديعة التي هي استنابة عن المالك في الحفظ والقبض لمصلحة ، بخلاف ما نحن فيه ، بل والعارية والتوكيل على البيع والإعتاق على إشكال ـ غير مسموعة ، فإن دقيق النظر يقضى بعدم الفرق بين الجميع.

كما أنه يقضى بعدم الفرق بين المغصوب وبين غيره ـ مما هو مضمون كالعارية المضمونة ، والمقبوض بالسوم ، أو الشراء الفاسد أو نحو ذلك ـ فيما ذكرنا من الحكم ، ومن ذلك تعرف النظر فيما في القواعد ، وجامع المقاصد ، وغيرهما ، وقد يأتي إن شاء الله لذلك تتمة فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن السبب في لزوم الرهن في مفروض المتن ما قلناه ، لا ما سمعت الذي قد عرفت أنه لا يتم في الغصب ، ولذلك فصل في المسالك ، والروضة بين المغصوب وغيره ، فاعتبر الإذن ومضي الزمان في الأول ، دون الثاني ، ولا ريب في ضعفه ، بل لم اعرف هذا التفصيل لغيره عدا الفاضل في ظاهر التذكرة ، وإن حكاه في الروضة عن بعض ، ولعله هو مراده.

كما أنه لم اعرف وجها معتدا به لاعتبار مضي الزمان وإن قيل في توجيهه :أن الإذن في القبض يستدعي تحصيله ، ومن ضرورياته مضي زمان ، فهو دال على القبض الفعلي بالمطابقة ، وعلى الزمان بالالتزام ، ولما لزم من القبض الفعلي تحصيل الحاصل أو اجتماع الأمثال المحالان حمل اللفظ على المعنى الالتزامي ، لتعذر المطابقي ، وهو كما ترى ، ضرورة أن اعتبار الزمان من باب المقدمة لحصول القبض ، فلا يعقل اعتباره مع حصول ذي المقدمة كما هو واضح.

١١١

ولو علل بأن المنساق من القبض في مثله بعد فرض شمول دليل الشرطية له ذلك ، لكان أولى ، وإن كان فيه منع واضح أيضا ، خصوصا بعد عدم تعذر الحقيقة ، بأن يرجعه إلى صاحبه ثم يقبضه منه ، أو يتوكل عنه في قبضه وإقباضه ، فيكون كالموجب والقابل.

وأما الإذن فبناء على عدم اعتبار القبض السابق لكون الفرض أنه غصب ، وعلى أنه شرط في مثل الفرض فالمتجه اعتبارها ليكون استدامة القبض مستندة إليها ، فيتحقق القبض المأذون فيه بعد الرهانة ضرورة صدقه على الاستدامة لكن قد عرفت أن التحقيق عدم اعتبار القبض في مثل الفرض ، ومن هنا اتجه القول باللزوم وإن لم يحصل اذن في الاستدامة ، كما هو مقتضى إطلاق الأكثر الذين لم يفرقوا بين الوديعة والعارية ، والمغصوب ، في عدم اعتبار الاذن ومضى الزمان ، بل لا خلاف محقق أجده في ذلك في الأولين.

نعم حكي في الدروس من الشيخ الحكم بأنه لا بد من مضى زمان يمكن فيه القبض منهما ، ولعله يلزم ذلك في الثالث ، الا أنه لم نتحقق ما حكاه عنه ، إذ المحكي عنه في المبسوط ، والخلاف انه قال : « إذا كان له في يد رجل مال وديعة ، أو عارية ، أو إجارة ، أو غصبا فجعله رهنا عنده بدين له ، كان الرهن صحيحا ويكون ذلك قبضا إذا أذن له الراهن في قبض عين الرهن » وزاد في الثاني « وإذا لم يأذن له لم يكن على كونه قبضا دليل » كما أنه حكى عن الأول في مسألة ما إذا أذن له وجن تم القبض وصح ، وقد قيل : أنه لا يصح إلا بعد أن يأتي عليه زمان يمكن قبضه فيه.

والجميع كما ترى ليس فيه اشتراط مضى الزمان المعروف نقله عن الشافعي وإنما اقتصر على الإذن خاصة ، من غير فرق بين المغصوب وغيره ، ولعله لتحقق القبض المعتبر بها ، إذ الاستدامة كالابتداء ولا يجدي القبض الأول اما في المغصوب فواضح ، وأما في غيره فلأنه ليس قبض رهانة وان كنا لم نشترط تعقب القبض للرهانة وهو جيد ، بناء على اعتبار القبض في مثل الفرض لعدم تيقن حصول الشرط بغير ذلك.

نعم فيه ما ذكرنا سابقا من عدم الدليل على اشتراطه في هذا الحال. فيلزم بدونه‌

١١٢

على تقدير الشرطية ، وإلا فعلى المختار من عدم الشرطية أصلا فلا بحث في اللزوم ، وسقوط هذا الكلام من أصله والله أعلم.

ومنها : أنه لو رهن ما هو غائب عن مجلس العقد منقولا كان أو غيره غيبة لا يصدق معها القبض لو خلى بينه وبينه فيما يكفى فيه ذلك لو لا الغيبة لم يصر رهنا صحيحا ، بناء على الاعتبار في الصحة ، أو لازما على اعتباره في اللزوم حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه عند الرهن ، ويقبضه بما يصدق معه من تخلية ، أو نقل بلا خلاف أجده فيه ، بل في جامع المقاصد ، نسبته إلى نص الأصحاب وغيرهم ، لعدم حصول الشرط بدون ذلك ، ولا يكفي الإذن مع مضي زمان يمكن فيه القبض وإن كان المرهون غير منقول ، لمنع حصول التخلية بذلك ، فضلا عن حصولها بالاذن خاصة.

نعم قد يقال : لا حاجة إلى الإذن فضلا عن مضي الزمان لو كان المرهون مقبوضا للمرتهن سابقا وإن كان غائبا عنه حال العقد استصحابا لحكم القبض السابق. مع احتمال العدم أيضا كما عن أحد وجهي الشافعية حتى مع مضي الزمان ، بل لا بد من الحضور فعلا ، بل عن أحد الوجهين عنهم أيضا أنه لا بد من النقل فعلا للمنقول مثلا وإن كان فيه ما لا يخفى.

ولعل ذلك لا ينافي ما تقدم سابقا المفروض فيه وقوع الرهن على المقبوض عنده لكن بهذا النوع من القبض ، لا أنه رهنها وهو أى الغاصب ونحوه غائب عنها ، إلا أن استدلال بعضهم هناك باستصحاب حكم القبض ينافي ذلك ، وحينئذ فيكون كلامهم شاهدا لما فلنا أولا الذي الحيلة بناء عليه في رهن الغائب إذا لم يكن مقبوضا للمرتهن ، وكان مقبوضا للراهن بأن يوكله في القبض عنه ، فيجعل استدامة قبضه للرهن ، فيصح حينئذ ، اللهم إن أن يمنع صحة الوكالة فيما هو في حكم القبض ، ولا يخفى عليك سقوط هذا البحث من أصله على المختار.

وكيف كان ف لو أقر الراهن بالإقباض قضي به عليه لعموم (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإقرار الحديث ١.

١١٣

« إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » لكن إذا لم يعلم كذبه فإنه لا عبرة بإقراره قطعا ، فلا يشمله الجواز المزبور ولو رجع عن إقراره السابق لم يقبل رجوعه كما في كل إنكار بعد إقرار ، وإلا لم يكن الإقرار جائزا عليه على كل حال ، كما هو مقتضى الخبر السابق ، وما عن المبسوط ـ من أنه قوى القبول في آخر كلامه ، لجريان العادة بوقوع الشهادة في الوثائق قبل تحقق ما فيها ، بل استقر به في التذكرة ـ واضح الضعف ، بل كأنه اجتهاد في مقابلة النص ومخالف لأصالة الصحة في قول المسلم وفعله.

نعم قد تسمع دعواه لو ادعى المواطاة على الإقرار والاشهاد عليه إقامة لرسم الوثيقة ، حذرا من تعذر ذلك إذا تأخر إلى أن يتحقق القبض ويتوجه له اليمين حينئذ على المرتهن كما صرح به جماعة ، لجريان العادة بذلك ولعموم (١) « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » واختاره المصنف بقوله على الأشبه مشعرا بوقوع الخلاف فيه ، بل صرح به في شرح الترددات ، وان لم يحضرني الآن نسخته ، إلا أنه لا يخلو من وجه ، لتكذيب دعواه بظاهر إقراره السابق.

وكذا لو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا ممكنا ، كأن قال : اني أقبضته بالقول : فظننت الاكتفاء به حيث يمكن في حقه توهم ذلك ، أو قال : استندت فيه إلى ما كتبه وكيلي ، فظهر مزورا ونحو ذلك ، وإن صرح بالسماع فيه في التذكرة ، والدروس ، والمسالك ، والروضة ، ومحكي المبسوط ، ولعله لأنه لم يكذب إقراره في الحقيقة ، فيشمله العموم المزبور الذي يعارضه عموم الإقرار من وجه فيرجح عليه بفتوى من عرفت ، ولا دليل على عدم قبول الدعوى المكذبة والبينة كذلك على كل حال بحيث يشمل المقام الذي قد عرفت فتوى لجملة من الأساطين بالسماع فيه ، بل ربما نقل أن الأشبه سماع التأويل الممكن وإن كان الإقرار في مجلس الحكم لكن في

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ـ ١ ـ ٣ ـ لكن فيه « واليمين على من ادعى عليه ».

١١٤

التذكرة نظر فيه ولم يرجح بل كأنه مال إلى عدم السماع ، وقد تقدم في أول بيع الحيوان ماله نفع في المقام فلاحظ وتأمل.

هذا كله إذا شهد الشاهدان بإقراره أو اعترف هو به ، أما لو شهدا بنفس الإقباض ومشاهدته لم تسمع دعواه ، ولم يتوجه له اليمين ، بل في التذكرة « وكذا لو شهدا على إقراره بالإقباض بعد إنكاره الإقرار » فتأمل.

ثم إنه لا يخفى عليك تصوير المسألة بالنسبة إلى المرتهن ، وفيما إذا كانت العين في يد الراهن أو المرتهن أو ثالث موجودة أو تالفة ، بأن قال : تواطأنا على الإقرار ، ثم أخذه من دون إذن فتلف ، كما أنه لا يخفى عليك جريانها على القول باعتبار القبض في الصحة واللزوم وعدمه والله أعلم.

وكيف كان فعلى الشرطية وعدمها لا يجوز تسليم المتاع الا برضا شريكه ، سواء كان مما ينقل أو لا ينقل ، على الأشبه وفاقا لصريح التحرير ، والدروس ، وظاهر القواعد ، واللمعة ، لاستلزامه التصرف في مال الغير بغير إذنه ، والمانع الشرعي كالمانع العقلي خلافا للمحكي عن المبسوط فيما قبضه التخلية ، لعدم اقتضائها التصرف ، واستجوده في المسالك وغيرها.

لكن قد يناقش بمنع تحقق التخلية التي يصدق القبض معها بدونه ، ضرورة أنه سلطنة عرفية زائدة على السلطنة الشرعية المتحققة بالعقد في نحو البيع ، وكونه كالمالك لا يحقق القبض ، إذ يمكن منعه بالنسبة إليه أيضا لتوقف دخوله ونحوه من التصرفات على إذن الشريك ، فليس مقبوضا له ، والتخلية التي يتحقق معها القبض :هي ما يحصل بها السلطنة على القبض الفعلي ، بحيث لو أراده لأوقعه ، فمع فرض المانع عنه كما في المقام ولو شرعيا لم تحصل السلطنة المزبورة.

وعلى كل حال فلو سلمه إياه عدوانا ففي القواعد « في الاكتفاء به ـ أي على الشرطية نظر » ـ أقربه ذلك ، للقبض وإن تعدى في غير الرهن ، ووافقه عليه ولده كما قيل ، وثاني المحققين ، والشهيدين وغيرهم ، لأن النهي انما هو لحق الشريك خاصة ، إذ الفرض حصول الاذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعا ، وكونه قبضا‌

١١٥

واحدا لا ينافي الحكم بالوقوع ، لاختلاف الجهة وقد يشكل بمنافاته لما حكى من كلامهم في باب الهبة من التصريح بعدم الاكتفاء ، للنهي المانع ، كما لو وقع بدون إذن الراهن ، وقد تقدم التحقيق في باب القبض.

ولو وكل المرتهن الشريك على القبض ، وقد أذن له الراهن جاز بلا خلاف ولا إشكال ، بل في جامع المقاصد قوة الاكتفاء باذن الراهن للشريك والمرتهن في القبض من دون أن يأذن للمرتهن في توكيل الشريك ، بل جزم به في المسالك.

نعم لو شرط عليه القبض بنفسه لم يكف ، ولو أذن الراهن للمرتهن في القبض فنازعه الشريك نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ، فيكون قبضا عن المرتهن ، كما أنه لو تنازعا في الاستدامة وكان مما يؤجر ولم يتهايئا ، جعله الحاكم على يد عدل يؤجره ويقسم الأجرة على الشريكين ، وفي الدروس ويتعلق الرهن بحصة الراهن من الأجرة وليكن مدة الإجارة لا تزيد عن أجل الحق ، فلو زاد بطل الزائد وتخير المستأجر الجاهل ، إلا أن يجيز المرتهن ويأتي تمام الكلام في ذلك إنشاء الله والله أعلم.

الفصل الثاني في : شرائط الرهن

اي المرهون صحة أو لزوما وقد ذكر المصنف بعضا منها فقال ومن شرائطه :أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه ويصح بيعه ، سواء كان مشاعا أو منفردا وتفصيل البحث فيها أنه لا خلاف أجده في الأول منها ، بل ربما استشعر من عبارتي الغنية والسرائر ذلك أيضا ، سوى ما تسمعه من الخلاف في خدمة المدبر ، وهو الذي حكاه في المختلف ، وإلا ـ فلم نجد خلافا في غيرها لأحد من العامة فضلا عن الخاصة.

وعلى كل حال فلو رهن دينا ، لم ينعقد الرهن على المشهور نقلا وتحصيلا بل ربما استشعر من عبارتي السرائر ، والغنية ، الإجماع عليه ، وهو الحجة إن تم أو دعوى ظهور الأدلة ولو بمعونة الشهرة في اعتبار العينية بهذا المعنى في صحة عقده أو مفهومه ، بل لعل الشك في الأخير كاف ، ـ لا لأن القبض معتبر في الرهن ،

١١٦

وهو غير ممكن في الدين الذي هو أمر كلي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه ؛ وما يدفعه المديون ليس عين الدين ، بل هو أحد أفراده ، فإن فساده واضح.

أما أولا : فلاقتضائه الصحة ممن لم يقل بالشرطية ، مع أنه صرح بالمنع في السرائر ، والقواعد ، وغيرهما ممن لا يقول بالشرطية.

وثانيا : لا يتم على تقدير اشتراطه في اللزوم ، فإن أقصاه عدم اللزوم ، لا الصحة ، مع أنه صرح في الغنية بالمنع مع أنه ممن يقول بكونه شرطا للزوم دون الصحة.

وثالثا : معلومية عدم الفرق بين قبض الدين في البيع في الصرف فيه وغيره ، والهبة وغيرها ، وبين الرهن ، ولا ريب في صحة قبضه بتعيين المديون ، وصدق قبض الدين على ذلك المدفوع ، وإن كان هو أحد الأفراد التي يوجد فيها الكلي.

ورابعا : أنه لا يتم لو كان الدين المرهون على المرتهن ، لكونه مقبوضا له ، ولذلك صح التصارف بما في الذمم ، وكان ذلك تقابضا منهما قبل التفرق ، ولا لان الرهن ليس إلا من حيث عدم الوثوق باستيفاء ما في الذمة ، فكيف يستوثق في استيفائه بمثله ، إذ فيه مع كونه غير تام فيما لو قبضه وأبقاه رهنا عنده ، بل وغير تام فيما لو كان الدين على المرتهن ، إذ من الواضح اختلاف الناس في سهولة القضاء وعسره ، فكم من ديون متعينة الحصول يصلح الاستيثاق بها دون غيرها مما يئس من تحصيلها كما لا يخفى.

بل ولا لما في الرياض صريحا وغيره ظاهرا من الشك في حصول الذي هو شرط في الرهن بذلك ، بدعوى ظهور النصوص في كون المقبوض الرهن نفسه الذي جرى عليه العقد ، لافرده ، وصدق القبض عرفا لا يستلزم تحقق القبض المتبادر من الأدلة هنا ، بل هو قبض لا يتناول ما عليه في الذمة.

بل قد يمنع صدق القبض عليه عرفا مع بقائه على ملك الديان ، وإن أجرينا عليه حكم المقبوض لو انتقل إلى المديون نفسه ، فالأصول حينئذ بحالها بعد صرف الإطلاقات إلى ما عرفت من القبض ، بل عموم الوفاء بالعقود منصرف إلى إطلاق النصوص في الرهون ، فإنه بملاحظتها والنظر فيما ورد في بعضها ـ مما هو كالتعليل‌

١١٧

لشرعية الرهن بأنه للوثوق الغير الحاصل في أغلب أفراد المفروض ـ يحصل الظن القوي بل المتاخم للعلم بأن عقد الرهن لا يصح إلا فيما يمكن قبضه بنفسه قبضا حسيا ، فينزل عموم الوفاء على ذلك ، إذ هو الصحيح لا غيره كما ستسمع ذلك في نظائر المقام مما لا يمكن قبضه وبيعه كالحر وشبهه.

ومن ذلك تعرف عدم بناء المنع في رهن الدين على شرطية القبض ، وإن حكم به الفاضل في التذكرة ، ضرورة كون الحاصل منه اشتراط كون الرهن مما يقبض قبضا حسيا ، سواء قلنا باشتراط القبض في الصحة أو اللزوم أو لم نقل ، كما أن منه يعلم دفع العجب عن العلامة في القواعد ، حيث حكم بعدم صحة رهن الدين مع قوله بعدم الاشتراط ، كالحلي في السرائر ، وتصريحه بالبناء في التذكرة لا يقضي بكونه كذلك في القواعد ، إذ ذلك كله بعد ما عرفت دعوى بل دعاوي خالية عن الشواهد ، بل هي بخلافها متحققة ، ضرورة عدم الفرق بين قبض الرهن وغيره ، خصوصا بعد رهن المشاع الذي هو راجع إلى الكلية أيضا ، بل ورهن الكلي الخارجي ولو بوصية ونحوها قبل قبضه ، كضرورة حصول الوثوق برهنه بالطريق الذي ذكرناه.

فلا ريب في كون المتجه الصحة ، كما احتمله في الدروس بناء على اشتراط القبض في الصحة ، فضلا عن اللزوم ، وفضلا عن المختار من عدم الشرطية أصلا بل كون الرهن مما يقبض لو سلمنا اشتراطه متحقق ، كما عرفت ، ولعله لذا احتمل في الدروس ، والروضة الصحة كهبة ما في الذمم ، بل جزم به في المسالك والمحكي عن مجمع البرهان.

نعم قد يحتمل كون المراد من الدين في كلام المصنف وغيره خصوص المؤجل منه الذي لا يستحق الديان قبضه ، فإنه قد يتجه المنع فيه ، بناء على شرطية استحقاق القبض فعلا ، لعدم التمكن من الإقباض ، والانتظار الى حلول الأجل لا يجدي في حصول شرط صحة الرهن ، وهو المنفي ، لا ذاك ولا ما إذا رضي المديون بتعجيل الحق ونحو ذلك مما يتصور فيه الصحة.

لكن قد عرفت انه لا دليل على الشرطية المزبورة على وجه لا يكفى فيها استحقاق القبض المتأخر عند حلول الأجل ، فالعمدة حينئذ ما سمعته من الإجماع ، وان كان دون‌

١١٨

تحصيله خرط القتاد ـ ودعوى ظهور النصوص ـ ولو بمعونة فتوى المشهور ـ في اعتبار كون الرهن عينا لا دينا في صحته ، أو مفهومه ، على نحو اعتبار العين والمنفعة مثلا في البيع ، والإجارة ، ولا ينافيه إطلاق الشرطية في كلامهم بعد تعارف إطلاقها عندهم على المقوم ، بل يكفي الشك في الأخير ولو للشهرة وغيرها لعدم إطلاق يحتج به حينئذ للنفي والأصل الفساد.

وكذا الكلام لو أرهنه منفعة كسكنى الدار وخدمة العبد غير المدبر الذي لا أجد فيه خلافا ، بل في المسالك أنه موضع وفاق ، بل قيل : إنه قد يظهر من جماعة ، ولعله الحجة وإن علل مع ذلك بأن الدين إن كان مؤجلا فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل فلا تحصل فائدة الرهن ، وإن كان حالا فيقدر ما يتأخر قضاء الدين بتلف جزء من المرهون ، فلا يحصل الاستيثاق ، ولأن المنافع لا يصح إقباضها إلا بإتلافها ، فكان عدم الصحة متجها على القول باشتراط الإقباض ، وبدونه ، بل في المسالك « ان الأمر على ما اختاره المصنف من الاشتراط واضح » وتبعه في الرياض.

لكن تأمل فيه في حاشيته على الروضة ، فقال : « إن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط ، بل منه أو عوضه ، ولو ببيعه قبل الاستيفاء ، كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله ، والمنفعة يمكن جواز ذلك فيها ، بأن يؤجر العين ويجعل الأجرة رهنا ، وقريب منه القبض لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة ، ويكون عوضها رهنا ، إلا أن يقال : إن ذلك خروج عن المتنازع ، إذ رهن الأجرة جائز ، إنما الكلام في المنفعة نفسها ، والفرق بينها وبين ما يتسارع إليه الفساد ، إمكان رهنه ، والمانع عارض ».

وفيه أنه ليس خروجا بعد أن كان مورد العقد المنفعة ، لا الأجرة التي لا كلام في جواز رهنها ، والفرق بعروض المانع غير مجد ، فالعمدة حينئذ الإجماع المؤيد بدعوى ظهور النصوص في كون الرهن عينا لا منفعة ، ولو على الوجه الذي سمعته سابقا ، وإلا كان المتجه الجواز وإن قلنا بالاشتراط ضرورة اجراء الشارع قبض الأعيان ذوات المنافع مجرى قبض المنافع في الإجارة وغيرها.

١١٩

ودعوى ـ اختصاص ذلك بالإجارة لمكان الحاجة إلى المنافع ، والا فقبض العين ليس قبضا تاما في الإجارة ، بخلاف رهن المنافع ، فإنه لا حاجة تمس إليها ـ واضحة المنع وعدم تمامية القبض لا ينافي إجراؤه مجراه ، فلا ريب حينئذ في أن العمدة ما قلناه ، كما يومي إليه التصريح بالمنع من القائلين بالشرطية وعدمها ، وتلف بعض المنافع إلى حلول الأجل أو إلى الاستيفاء غير قادح ، بعد أن كان الاستيثاق في المجموع الذي هو كاف في صحة الرهن ، سيما مع التصريح بذلك ، فلا دليل حينئذ إلا ما عرفت في دعوى الإجماع هنا أقرب منها في الأول والله أعلم بحقيقة الحال.

نعم لهم كلام في خصوص رهن خدمة المدبر ستسمعه إنشاء الله ولكن قبل الكلام في ذلك ينبغي أن يعلم أن في رهن المدبر نفسه تردد أو خلاف ، والوجه عند المصنف وغيره من المتأخرين بل في المسالك نسبته إلى الأكثر أن رهن رقبته إبطال لتدبيره كبيعه وهبته ونحوهما من العقود التي يكون الغرض منها ملك من انتقل إليه ، أو استيفاء الدين من قيمته ، إذ لا يتم ذلك إلا بالرجوع في التدبير الذي هو من العقود الجائزة ، كغيره ، من الوصية ، فيكون حينئذ قصد شي‌ء منها كافيا في الرجوع ، للتنافي بينه وبين القصد السابق للتدبير ، خلافا للمحكي عن الشيخ من الصحة ، لأن الرهن لا يستلزم نقله عن ملك الراهن ، ويجوز فكه ، فلا يتحقق التنافي بين الرهن والتدبير بمجرد الرهن ، بل بالتصرف فيه.

لكن الموجود في المحكي عن مبسوطة كالذي في السرائر إذا دبر عبده ورهنه بطل التدبير ، لأن التدبير وصية ، ورهنه رجوع فيها ، وإن قلنا إن الرهن صحيح والتدبير بحاله كان قويا ، لانه لا دليل على بطلانه.

نعم زاد « فعلى هذا إذا حل الأجل في الدين وقضاه المدين من غير الرهن كان جائزا ، وإن باعه كان له ذلك ، وعن خلافه إذا دبر عبده ثم رهنه بطل التدبير ، وصح الرهن ، إن قصد بذلك فسخ التدبير ، وإن لم يقصد بذلك الفسخ لم يصح الرهن ، واستدل بعدم الخلاف والإجماع على أن التدبير بمنزلة الوصية ، والوصية له الرجوع فيها ، فكذا التدبير ، فأما إذا لم يقصد الرجوع فلا دلالة على بطلانه ـ إلى‌

١٢٠