جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نصوص الزرع (١) بل ترك الاستفصال في غيرها مع معلومية كون المراد من السؤال شراؤها حال كونها بالغة مدركة كالصريح في ذلك ، ومرجعه حينئذ إلى اغتفار عدم الضبط هنا وإن كان مقصودا للمتعاملين ، لا أنه لم يقصداه أصلا وهو حكم شرعي تعبدي محض ، لعدم الدليل عليه على هذا الوجه ، ومن ذلك وغيره يعلم أنه لا وجه للمناقشة في الرياض ، « بأنه لا دليل على وجوب التبقية المخالفة لأصالة حرمة التصرف في مال الغير واستناد البعض الى استلزام كون الثمرة للبائع ذلك غير بين ، وحديث نفي الضرر بالمثل معارض ، فان كان إجماع أو قضاء عادة بذلك ؛ وإلا فالأمر ملتبس » وقد عرفت أنه لا التباس فيه سيما بعد شهرة الأصحاب ، بل لم يعرف فيه خلاف باعتراف المناقش ، ومن غريب ما اتفق له أنه هنا توقف في الحكم أشد توقف ؛ حتى جعل الأمر عليه ملتبسا وقد تقدم له في باب الشروط أنه لا إشكال في الحكم المزبور.

وكيف كان فلو اختلفت العادة فالأغلب إذا كان بحيث ينصرف الإطلاق إليه ومع التساوي احتمل وجوب التعيين ، للغرر ، والتنزيل على الأدنى اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على حرمة التصرف في مال الغير على المتيقن ، والأعلى استصحابا للجواز ، وكذا لو استثناها البائع أو اشتراها خاصة من دون الأصول مشتر ، وربما ظهر من بعض نصوص الزرع (٢) أن الخيار بيد من له الثمرة فإن تم وإلا كان القول بالتعيين متجها ، لعدم معلومية قصدهما الذي قد عرفت مدخليته ، ولذا كان الحكم فيما لو اعتاد قوم على قطع الثمرة قبل أوان بلوغها تنزيل الإطلاق عليه ، كما صرح به الفاضل وغيره ، وكذا لو تعارف عندهم بقاؤها إلى ما عبد ذلك نزل عليه أيضا ، لأن الاعتياد المفروض كالقرينة على إرادتهما ذلك ، إذ هو ظاهر في أن الحكم بالبقاء ليس تعبديا محضا ، بل للقصد فيه مدخلية نعم الغي الشارع هنا اعتبار التعيين ؛ فتأمل جيدا.

ولكل من مشتري الثمرة وصاحب الأصل سقي الشجرة ؛ مع المصلحة له ، وانتفاء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب بيع الثمار.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٩ ـ ١٠.

٨١

الضرر عن الأخر ، ولا يجب على البائع السقي ، وإن وجب عليه التبقية المنصرف الإطلاق إليها ، وما عداها إنماء لا يجب عليه ؛ نعم يجب عليه التمكين منه مع الحاجة وعدم ضرورة ، فلو تلفت يترك السقي فان لم يكن قد منع فلا ضمان عليه ، وإن منع ضمن ، وكذا لو تعيبت ، ولو تضررا بالسقي معا منعا منه ، ولو كان يضر أحدهما وينفع الأخر فقد تقدم للمصنف فيما يندرج في المبيع ترجيح مصلحة المشتري ؛ إلا أنه فرض المسألة في بيع الأصول وبقاء الثمرة للمالك ، والظاهر أنه لا فرق بين المقامين ، فالتحقيق حينئذ ما تقدم هناك ؛ كما أنه تقدم أيضا تحقيق الحال فيما لو استلزمت التبقية ضررا كثيرا على الأصول فلاحظ وتأمل.

فإن منه يعلم الحال أيضا فيما ذكره الفاضل فيما ذكره الفضال هنا في القواعد « من أنه لو انقطع الماء لم يجب قطع الثمرة على مشتريها ، وإن تضرر الأصل بمص الرطوبة » إذ ما ذكرناه سابقا وإن كان مفروضا في بيع الأصول وبقاء الثمرة للمالك كما هو المفروض ؛ في كثير من كلمات الأصحاب ، إلا أنك قد عرفت عدم الفرق بينهما عند التأمل ، إذ ما وجه به البقاء ـ هنا من أن المشتري قد دفع ثمنه عن الثمرة وبقائها ، وإطلاق العقد المنصرف إليه كالتصريح به ؛ ـ والعدم بعدم انصراف الإطلاق إلى صورة الضرر الكثير ونحو ذلك ـ بعينه جار في صورة العكس كما هو واضح والله أعلم.

وكيف كان ففي مفروض مسألة المتن جميع ما يحدث بعد تلك الثمرة الموجودة عند الابتياع للمشترى بلا خلاف ولا إشكال ؛ لأنها نماء ملكه ؛ كما أنه لو باع الثمرة الموجودة خاصة كان جميع ما يحدث بعد للبائع لذلك ، إلا أن الفرق بينهما أنه لو امتزجا في الصورة الأولى لم يتجه إلا الشركة ؛ ولا فسخ لأحدهما ولا انفساخ ، للأصل السالم عما يقتضي أحدهما ، أما الثانية ففي اللمعة « تخير المشتري بين الفسخ والشركة ، ولو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ بعيب الشركة؟ نظر ؛ أقربه ذلك ، إذا لم يكن تأخر القطع بسببه ، وحينئذ لو كان الاختلاط بتفريط المشتري مع تمكين البائع وقبض المشتري ؛ أمكن عدم الخيار ، ولو قيل : بأن الاختلاط إن كان قبل القبض‌

٨٢

تخير المشتري ؛ وإن كان بعده فلا خيار لأحدهما كان قويا ».

قلت : هو الذي ذكره الفاضل في المختلف والتذكرة ، إلا أنه قال في أولهما : « يفسخه الحاكم لتعذر التسليم » بل لم يذكر في الدروس غيره جازما به ، واستحسنه في الروضة إن لم يكن الاختلاط قبل القبض بتفريط المشتري ، وإلا فعدم الخيار له أحسن ، لأن العيب من جهته فلا يكون مضمونا على البائع ، ولعله مراد غيره ولا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت كغيره من خيار الغبن ونحوه ؛ بل لو بذل البائع الجميع لم يجب القبول ، للأصل والمنة ، بل لو قبله أمكن عدم سقوط الخيار وان زالت الشركة ، اكتفاء بحصول السبب أولا ، خلافا للمحكي عن الشيخ وابن البراج من أنه يقال للبائع : إما أن تسلم الجميع فإذا فعل أجبر المشتري وإن لم يسلم يفسخ الحاكم البيع ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ والأخر الانفساخ من أول الأمر لتعذر التسليم ، وضعفهما معا واضح ، خصوصا الثاني الذي لا يتم إلا قبل القبض ، مع أن تعذر التسليم ممنوع ، ضرورة إمكانه ولو بدفع الجميع ، كغيره من بيع المشترك.

ومنه يعلم أن المتجه الصحة حتى لو علما الاختلاط من أول الأمر ؛ ولا يحتاج إلى اشتراط القطع ، بل احتمل في التذكرة هنا الصحة على تقدير البطلان في الامتزاج ، قال :

« لأن الثمرة الآن لا موجب للبطلان فيها ، والامتزاج مترقب الحصول ، فلا يؤثر في صحة البيع السابق » ومراده صحة العقد قبل الاختلاط ، وإن بطل حينئذ بعد حصوله ، بناء عليه فيه ؛ وقد عرفت ضعفه ، فلا ريب في أولوية التفصيل السابق منهما ، مقيدا بما سمعته من الروضة.

نعم يمكن المناقشة في دعوى ضمان البائع مثل ذلك قبل القبض ، إذ هو من قبيل فوات صفات الكمال ، والأصل في العقد اللزوم خصوصا إذا لم يكن من قبله ، وأما ما ذكره أولا في اللمعة فهو مع اضطرابه واضح الضعف ، إذ حاصله بعد تقييد أول كلامه بآخره أن الخيار لهما معا قبل القبض وبعده إذا لم يكن بتفريطهما ، وإلا اختص به غير المفرط.

٨٣

وفيه أنه لا وجه معتد به لخيار البائع المنافي لأصالة اللزوم بجناية المشتري أو غيره على ماله ؛ كما أنه لا وجه لخيار المشتري بعد القبض بذلك من البائع وغيره كما هو واضح ومنه يعلم إطلاق ما في القواعد « من أن الأقرب مع مماحكة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة ، ولا خيار لو وهبه البائع على إشكال » بل في كلامه نظر من وجوه أخر تظهر بأدنى تأمل ، كظهوره فيما سمعته من المختلف من فسخ الحاكم ، وكذا المبسوط ؛ ونحوهما ما في الوسيلة من أنه إن اختلط ولم يتميز ولم يسلم البائع جميعه فسخ العقد بينهما ؛ ثم على الاشتراك يجب أخذ قدر ما لكل منهما من الثمرة إن علماه وإن جهلا عينه ، فان لم يعلما تخلصا بالصلح ولو تنازعا في القدر فالقول قول صاحب اليد منهما ، إلا ان تشخيصه في الثمار مشكل ، وللشافعية وجهان مبنيان على أن الجائحة من ضمان البائع أو المشتري ، وثالث أنها في يدهما جميعا وضعف الجميع واضح ، وفي التذكرة « أن الوجه كون اليد للمشتري إن كان البائع سلمه الثمرة بتسليم الأصل ، وإن كان الأصول في يد البائع والثمرة في يد المشتري فهما صاحبا يد. قلت : اليد على الأصول لا تجدي فيما نحن فيه ، مع أن الأصل أيضا موافق لصاحب الثمرة ، لأصالة عدم زيادة المتجدد والله أعلم.

( وأما ) البحث في ( اللواحق فمسائل‌ )

الأولى : يجوز لبائع الثمرة أن يستثنى ثمرة شجرات ؛ أو نخلات بعينها بلا خلاف ولا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه ، وكذا استثناء عذق معين ونحوه نعم لو أبهم في شي‌ء من ذلك بطل بلا خلاف بل في التذكرة الإجماع عليه للجهالة في المبيع حينئذ ، ومنه الأجود أو الأردى إذا لم يكن معلوما بينهما على وجه يكون مشخصا ؛ ويجوز له أيضا بلا خلاف ولا إشكال ان يستثنى حصة مشاعة كالثلث أو الربع ، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا ، بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه يجوز له أيضا ان يستثنى أرطالا مثلا معلومة بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن‌

٨٤

الخلاف الإجماع عليه ، للأصل وصحيح ربعي (١) المتقدم سابقا و‌خبره الآخر (٢) « في الرجل يبيع الثمرة ؛ ثم يستثنى كيلا وتمرا؟ قال : لا بأس به قال : وكان مولى له عنده جالسا فقال المولى : انه ليبيع ويستثنى أو ساقا يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : فنظر إليه ولم ينكر ذلك من قوله » ‌خلافا لأبي الصلاح منا ، والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل من غيرنا ، فلم يجوزوه ، لأدائه إلى جهالة مقدار المبيع من المشاهد الذي طريق معرفته المشاهدة ، كما لو استثنى مشاهدا من الموزون الذي طريق اعتباره الوزن ، بأن باعه الموزون مستثنيا منه مشاهدا غير موزون ، وهو اجتهاد في مقابلة النص ، المعتضد بما سمعت ، وبعدم تحقق الجهالة في مثله عرفا ؛ سيما بعد أن كان مرجع هذا الاستثناء إلى حصة مشاعة نسبتها إلى المجموع نسبة الأرطال المعلومة اليه ، وجهالة مقدارها في ذلك الوقت بعد أن كانت مضبوطة بما لا يقبل الزيادة والنقصان غير قادح ، كما لو باعه صاعا من الصبرة على هذا الوجه ، بل الظاهر الصحة لو باع مختلف الأجزاء كالأرض ونحوها مستثنيا منها أذرعا مخصوصة على إرادة النسبة المزبورة ، فتأمل جيدا.

ومنه يعلم وجه ما ذكره المصنف وغيره من أنه لو خاست الثمرة سقطت من الثنيا إذا كانت حصة مشاعة أو أرطا لا معلومة بحسابه بل لا أجد فيه خلافا بينهم نعم لهم بحث سابق في بيع الصاع من الصبرة ؛ وقد اعترف في الدروس هنا بأنه قد يفهم من هذا التوزيع ، تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة ، لكن في الروضة « أنه قد تقدم ما يرجح عدمه ففيه سؤال الفرق » قلت : قد مر لنا خلاف ذلك ؛ وأن الراجح تنزيله على الإشاعة ؛ بل قلنا : هناك لو صرح بعدم إرادة الإشاعة ، أمكن بطلان البيع ، لان بيع الكلي ما لم يكن في الذمة أو منزلا على الإشاعة ؛ يتحقق به الجهالة.

وقد يؤيده ما في التذكرة هنا من أنه لو صرح بإرادة الاستثناء مما يسلم من الثمرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب بيع الثمار الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أبواب بيع الثمار الحديث ١.

٨٥

أمكن بطلان البيع ، اللهم إلا أن يستند في مسألة الصاع إلى خبر الأطنان (١) أو غيره مما مر تحقيقية هناك ، فلاحظ وتأمل ما أسفلناه هناك ، فإنه نافع في المقام بالنسبة إلى غير ذلك أيضا ، حتى بالنسبة إلى اشتراط صحة بيع الصاع من الصبرة ، بالعلم باشتمالها عليه وعدمه ، وإن كان الظاهر عدم الصحة في المقام ، مع عدم العلم ؛ للشك في أصل وجود المبيع ، لاحتمال الاستغراق ، تنزيلا لإطلاق النص والفتوى على المعهود ما يعلم فيه عدم الاستغراق مع احتماله هنا ، وتكون الصحة مراعاة كما أن النقص هناك يجبر بالخيار ، إلا أنه ضعيف جدا ، خصوصا بناء على أن مدرك الصحة النص السابق ، وأنه لولاه لكان باطلا للجهالة ، فتأمل.

والظاهر أنه لا فرق في استثناء الأرطال بين وجود الثمرة وبين عدمها كما لو باعه ثمرة سنتين مستثنيا الأرطال ، للإطلاق ولا ينزل إشاعة السنة الثانية على نسبة السنة الأولى لاختلافها ، بل كل منهما على نسبتها ، ولو لم يخرج في السنة الثانية إلا مقدار المستثنى فما دون ، ففي الصحة والبطلان وجهان ينشئان من تنزيل ذلك منزلة ما لو خاست الثمرة وعدمه ؛ وعلى الأول يقدر لها حينئذ ثمرة العادة وينسب لها الأرطال الموجودة ، فيستحق المشتري على حسب تلك النسبة ، لكنه كما ترى لا يخلو من بعد ، بل ينقدح منه احتمال صحة استثناء الأرطال في الثمرة المشاهدة دون غيرها.

ثم إنه قد صرح غير واحد بأن طريق معرفة الإشاعة في مسألة الأرطال تخمين الفائت بالثلث والربع مثلا ثم تنسب الأرطال إلى المجموع ، ويسقط منها بالنسبة ، لكن قد يقال : ان التخمين أن صح الاعتماد عليه باعتبار انحصار الطريق فيه ، فهو بالنسبة إلى الفائت ، أما نسبة الأرطال فيمكن معرفتها على التحقيق ، فلا ينبغي الاكتفاء فيها بالتخمين بل الاولى الرجوع إلى الصلح بعد معرفتها أيضا لعدم الدليل على الاكتفاء بالتخمين الذي يمكن أن يكون محلا للنزاع ، وربما يتعسر معرفته في بعض الأحوال أو يتعذر هذا.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٨٦

وقد قيد ثاني المحققين والشهيدين وغيرهما نحو إطلاق المتن بما إذا كان التلف بغير تفريط ، قيل : والمراد إنه إذا كان بتفريط المشتري مثلا اختص التالف به ، قلت :

الظاهر إرادة اختصاص الضمان به ؛ وإلا فلا ريب في أن التالف على كل تقدير يكون منهما ، بناء على الإشاعة المزبورة ؛ لعدم ما يقتضي اختصاص التالف أو الباقي بأحدهما ، فلا فرق حينئذ في ذلك بين كون التلف منهما أو من أجنبي أو من آفة سماوية ، فيكون الإطلاق حينئذ صحيحا ، اللهم إلا أن يدعى عدم جريان حكم الإشاعة لو كان التلف من أحدهما أو خصوص المشتري وهو كما ترى :

المسألة الثانية : إذا باع ما بد إصلاحه مثلا فأصيب الكل بآفة من الله سماوية أو أرضية قبل قبضه الذي هو التخلية كان من مال بايعه كغيره من أفراد المبيع للعموم وغيره مما تقدم في محله ، والظاهر إلحاق النهب والسرقة ونحوهما مما لا يكون المتلف فيه شخصا معينا ، بها لا بتلف الأجنبي الذي ستعرف أنه مسلط على الخيار ، دون الانفساخ ، لصدق التلف بها وقد سمعت ما في خبر عقبة (١) من السرقة ، وفي التذكرة هنا « لا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي كالريح والثلج والبرد أو بغير سماوي كالسرقة والحرق » إلا أن الظاهر إرادة التعريض به على خلاف أحمد ، من أنها ان تلفت بأمر سماوي كان من ضمان البائع ، وإن تلفت بنهب أو سرقة كان من ضمان المشتري فتأمل جيدا.

وكذا لو أتلفه البائع مباشرة أو تسبيبا لأولويته من التلف بالافة ؛ لكن ظاهره الانفساخ قهرا به كالافة ، ولم أعرفه إلا للمحكي عن الشيخ في مبسوطة ومحتمل الإيضاح ، لصدق التلف وهو جيد ؛ إلا أن الفرق بينه وبين تلف الأجنبي غير واضح ، ومن هنا كان المعروف بين المتأخرين إلحاقه به ، فيتخير المشتري بين الفسخ ومطالبة البائع بالمثل أو القيمة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٠ من أبواب الخيار الحديث ـ ١.

٨٧

وإن أصيب البعض انفسخ العقد فيه بلا خلاف فيه بيننا ، وأخذ السليم بحصته من الثمن وكان له خيار التبعيض ، بل في التحرير « إن اختار الإمساك فالأقرب تخير البائع » وهو لا يخلو من نظر ولو أتلفه أجنبي كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع ، وبين مطالبة المتلف بلا خلاف أجده ، فيه ، جمعا بين ما دل على ضمان البائع ، وعلى ضمان من أتلف مال غيره ، ولا ينحصر المراد بضمان البائع في الانفساخ قهرا الذي على تقديره هنا تلغو قاعدة ضمان المتلف ، فلا بد حينئذ من إرادة الفسخ الاختياري هنا ، من ضمان البائع ولوجوب التسليم عليه ، وقد تعذر ؛ ومن ذلك يظهر لك قوة الخيار في إتلاف البائع ، لا الانفساخ فتأمل جيدا ، لما تقدم سابقا منا من التوقف في اقتضاء مثل هذا التعذر الموجب ضمانا على الغير الخيار.

ولو كان التلف للكل أو البعض بآفة أو من أجنبي بعد القبض وهو التخلية مطلقا أو في نحوه الثمرة التي هي حال كونها على الشجر من غير المنقول ، لم يرجع على البائع بشي‌ء على الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، لخروجه عن ضمانه بالقبض ، فلا انفساخ حينئذ ولا فسخ ، لكن في المحكي عن المبسوط وإن قلنا أنه ينفسخ في مقدار التلف أي بالافة كان قويا.

وفي المسالك « ذهب بعض الأصحاب إلى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع ، وإن أقبضها بالتخلية نظرا إلى أن بيعها بعد بدو الصلاح بغير كيل ولا وزن على خلاف الأصل ، لأن شأنها بعده النقل ، والاعتبار بالوزن أو الكيل ، وإنما أجيز بيعها كذلك للضرورة ، فيراعى فيها السلامة؟ » قلت : لم نعرف القائل بذلك منا نعم حكاه في التذكرة عن الشافعي في القديم معللا له بأن التخلية ليست بقبض صحيح ، ولهذا لو عطشت الثمرة كان من ضمان البائع أيضا تلفت وهو كما ترى ، تعليلان عليلان ، فلا ريب في أن المتجه ما ذكرنا ، بل لو أتلفه البائع أيضا لم يثبت للمشتري فسخ ولا انفساخ ، لعدم الدليل وإن رجع عليه بالمثل أو القيمة كالأجنبي.

ولو أتلفه أي المبيع المشتري في يد البائع استقر العقد ، وكان الإتلاف‌

٨٨

كالقبض ، وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل القبض فإنه بمنزلة القبض منه ، ضرورة ظهور ما دل على ضمان البائع في كونه إرفاقا بحال المشتري ؛ فلا يشمل ما إذا كان هو المتلف ، وفي المسالك « إن إتلاف المشتري للمبيع في يد البائع أعم من كونه بإذن البائع وعدمه ، فان كان باذنه فهو قبض تترتب عليه أحكامه مطلقا ، وإن كان بغير إذنه كما هو الظاهر فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري ، وإن تخلف عنه باقي الاحكام والفرض هنا انتقال الضمان ، وإنما شبه الإتلاف بالقبض ولم يجعله قبضا لأن الإتلاف قد يكون بالتسبيب ، فيكون في حكم القبض خاصة ، وقد يكون بمباشرة المتلف فيكون قبضا حقيقة » قلت : مقتضى التفصيل الأخير ؛ عدم مراعاة الاذن في تحقق القبض وعدمه ، ومقتضى التفصيل الأول عدم مراعاة المباشرة وعدمها ، على أن قد سمعت في المباحث السابقة ما في التذكرة من عدم تحقق القبض بالإتلاف لو كان جاهلا ولو مع المباشرة ، فلاحظ ما أسفلناه سابقا وتأمل.

وكيف كان ففي حواشي الشهيد هنا « أن الاقسام أربعة عشر ، لان التلف إما من البائع والمشتري أو من غيرهما ، أو من البائع خاصة ؛ أو المشتري خاصة ، أو من البائع وأجنبي ، أو من المشتري وأجنبي ، أو منهما وأجنبي ، فالأقسام سبعة وحينئذ إما أن يكون قبل القبض ، أو بعده ، فتبلغ أربعة عشر وجها ، فالسبعة التي قبل القبض دركها على البائع إن لم يشاركه المشتري ، وإن شاركه المشتري فالدرك على المشتري ، والسبعة التي بعد القبض دركها على المشتري ، ففي الأول ما أتلفه المشتري فهو قبض ، وما أتلفه البائع فالمشتري بالخيار بين المطالبة بالمثل أو القيمة إن لم يكن مثليا ؛ أو يفسخ ويغرم ما أتلف ، وفي الثاني يتخير بين المطالبة المتلف مع الإجازة ؛ أو يفسخ ويرجع بالثمن على البائع ، وفي الثالث هو بالخيار أيضا ؛ وفي الرابع قبض منه ، وفي الخامس يتخير ، وفي السادس التلف منه ويرجع على الأجنبي بمقدار ما أتلف. وفي السابع أيضا كذلك يسقط ما أتلفه بفعله ويرجع عليهما بما قابل فعلهما ».

قلت : لا يخفى عليك زيادة الاقسام مع ضم الآفة إليها كما أنه لا يخفى عليك ما في إطلاق قوله إن الدرك على المشتري مع المشاركة ، بل ظاهر كلامه عدم الخيار في السادس‌

٨٩

والسابع ، والفرق بينه وبين الأول غير واضح ، فالمتجه ثبوت الخيار في الجميع ، مع كون المراد بالشركة اختصاص كل بتلف البعض على جهة الاستقلال ، أما إذا كان الاشتراك على وجه يكون كل منهم بعض العلة بحيث استند التلف إلى المجموع فلا يبعد عدم الخيار في الجميع ؛ أى جميع الصور التي يدخل فيها المشتري ؛ لعدم الإرفاق فيه حينئذ ؛ والأصل اللزوم ، بل لو فرض الاشتراك على هذا الوجه بين المشتري والآفة أو البائع ، بناء على أنه كالافة لم يكن انفساخ ؛ لعدم صدق المتلف على كل منهم ، بل هو بعض المتلف ، وفرق واضح بين متلف البعض وبعض المتلف والتنصيف بالضمان مثلا ، لا لأن كلا منهما قد أتلف نصفا بل لكون المجموع مصداق من أتلف ، فضمان الكل عليه ، لا على كل واحد منهما فينصرف إلى الاشتراك.

أما في نحو المقام فالأصول تقتضي لزوم العقد ، فمع فرض تعليق الانفساخ مثلا على التلف بالآفة ، لم يصدق مع كونه جزء سبب ؛ وكذلك مقتضى الخيار لو فرض كونه كذلك نعم لو اشترك ما يقتضي الانفساخ وما يقتضي الخيار كالافة والأجنبي ، أمكن ثبوت الخيار في المقام لانه مقتضى كونه مضمونا على البائع مع احتمال عدمه ، كما أن الظاهر ثبوت الخيار مع شركة البائع والأجنبي كذلك أيضا ، ولو اشترك البائع والآفة ؛ وقلنا إن إتلاف البائع مثلها في الانفساخ ، فالمتجه حصولها معهما إلا أن يفرض كون العنوان في كل منهما على جهة الاستقلال على وجهه لا يندرج فيه حال الاشتراك ، وحينئذ يتجه الخيار بناء على أن مقتضية تعذر التسليم والفرض حصوله ، فقد ظهر من ذلك أنه حيث يدخل المشتري يرتفع الانفساخ والخيار ، ويكون جزئيته في الإتلاف بمنزلة القبض ، ويرجع على من شاركه على حسب شركته في السببية فتأمل جيدا ، فإن المسألة محتاجة مع ذلك إلى التحرير ، بل فيه احتمالات آخر هذا.

والظاهر جريان حكم التلف قبل القبض وبعده بالنسبة إلى ثمرة السنة الثانية لو كانت بعض المعقود عليه ولا يقوم القبض في السنة الأولى عنه فيها ، كما أنه لا ينافي ذلك‌

٩٠

استقرار الثمن على المشتري لو لم تظهر ثمرة أصلا ، كما يشهد لهم‌ قوله عليه‌السلام (١) « ان لم تخرج في هذه السنة تخرج في قابل » ‌لان ذلك مقتضى العقد على المعدوم الذي صيره الشارع بحكم الموجود في صحة البيع ، بل هو غير مندرج في المبيع التالف قبل القبض ، لعدم وجوده ، بخلاف ما لو ظهرت فتلفت قبل التخلية مثلا ، إذ لا ريب في الاندراج ، كما أن جميع ما تقدم بالنسبة إلى الثمرة الأولى مما يقتضي الخيار أو الانفساخ جار فيها.

وبذلك ظهر لك الفرق بين ظهور عدم الثمرة وبين تلفها قبل القبض ، فلا ضمان على البائع في الأول ، بخلاف الثاني وتحقيقه أن المبيع في الأول الثمرة الحاصلة منضما إليها الثمرة المتجددة في السنين ـ نحو انضمام المعدوم إلى الموجود في الوقف على معنى مشاركته للموجود إن حصل ؛ وإلا فلا بطلان للوقف ، ـ وقلنا إن تجددت ثمرة كانت مبيعا ، وإلا كان المبيع الموجودة ، ومرجعه بيع ثمرة هذا النخل سنين كائنة ما كانت ، لا أن المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون ملاحظة مستقلة ، وإنما هو ما عرفت وإن لم يعلم مصداقه ، فيحتمل كونه الموجود خاصة ويحتمل حصول غيره معه ؛ نحو ثمرة الشجرة الواحدة ، إذا ظهر بعض ثمرها ولم يظهر الباقي ، وأريد بيع ثمرها أجمع ، وبما كان في قوله عليه‌السلام إن لم تخرج هذه ، إلى آخره إيماء إليه ، وإن كان مورده التعدد من السنين قبل الظهور ، ولكن يفيد أن المبيع ثمرة كلية لا يعلم مصداقه ولا زمان وجودها ، فهو ينفع فيما نحن فيه وشبهه من الصور الصحيحة.

بل لعل ضم البقلة والرطبة في موثق سماعة السابق (٢) من هذا القبيل بناء على ما ذكرناه من إرادة خصوص البقلة والرطبة في البستان ، فيكون المبيع أحدهما مع ثمرة البستان المحتمل حصولها ، فان خرجت كانت من المبيع وإلا كان المبيع البقلة أو الرطبة ، وحينئذ تكون من مسألة جواز بيع ثمرة البستان التي ظهر بعضها ولم يظهر الأخر ، من غير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

٩١

فرق بين اتحاد النوع واختلافه ، وبين الخضرة والغلة وغيرهما كما سمعته.

وبالجملة إذا كان المبيع كليا تتعدد مصاديقه في الخارج ، والمفروض مشروعيته في بيع الثمار ، يتجه عدم ضمان البائع لو لم يحصل المصداق الأخر ، ضرورة وجود مصداق آخر له وهو الموجود ، نعم لو فرض كون المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون كل منهما مبيعا مستقلا ، وقلنا بصحته في الثمار ، ولو لإطلاق الأدلة ، يتجه حينئذ ضمانه على وجه يقتضي توزيع الثمن ، ضرورة عدم حصول بعض المبيع المفروض ارادة مقابلته بالثمن.

ولعل من ذلك البيع خرطتين مثلا مع فرض عدم حصول الخرطة الثانية ، ولذا صرح بعضهم بتوزيع الثمن فيه ، لأن الخرطة الاولى لا تكون مصداقا للخرطتين اللتين هما متعلق البيع ، بخلاف نحو بيع ثمرة النخل إلى سنتين مثلا ؛ فالمتجه حينئذ التفصيل ومع الإطلاق لا يبعد تنزيله على الأول ، ولا يقدح زيادة الثمن في مقابله ، فإنه أعم من ملاحظة كونه مبيعا مستقلا بل كملاحظة الأوصاف وحمل الدابة المحتمل إذا بيعت على ما هي عليه ، بل هنا أقوى ، للعادة ، وربما يؤيده السيرة المستمرة على عدم رجوع المشتري بما يخص بعض النخل الذي لم يظهر حمله في بعض السنين ، اللهم إلا أن يكون وجهه التسامح فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم ، وإن كان يلوح منهم الأول ، والله العالم. ثم إن الضمان هنا حيث يتحقق على البائع أو الأجنبي فهو بالمثل ؛ حيث يكون مثليا ، كما لو كان تمرا ونحوه ، أما لو كان من قبيل الطلع ونحوه فضمانه بالقيمة ؛ فيقوم حينئذ على حاله ، باقيا إلى أو ان بلوغه محتملا للعوارض ، ويدفع له قيمته فتأمل جيدا والله أعلم.

المسألة الثالثة لا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز بيع الثمرة للنخل وغيره في أصولها بالأثمان أو العروض أو بهما معا ، أو بغيرهما من المنافع والاعمال ونحوها ؛ كغيرها من أفراد المبيع ؛ للأصل وإطلاق الأدلة نعم لا يجوز بيع ثمرة النخل منها بماءة كر مثلا من ثمر منها إجماعا بقسميه ، بل المحكي منها مستفيض أو متواترا ؛ لعدم جواز اتحاد الثمن والمثمن ، ولان هذه المعاملة هي‌

٩٢

المتيقن من تحريم المزابنة التي علم بالنص (١) والإجماع حرمتها ، بل قيل انها هي بيع الثمرة في النخل بتمر ولو كان موضوعا على الأرض ، وهو الأظهر فيكون المجموع محرما كما هو أشهر القولين ، بل هو المشهور بين المتقدمين والمتأخرين نقلا وتحصيلا ، بل عن ظاهر الغنية كالروضة الإجماع عليه ، لصحيح عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٢) عن الصادق عليه‌السلام « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المحاقلة والمزابتة قلت : وما هو؟ قال : أن يشترى حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة » ‌والظاهر إرادة اللف والنشر المشوش ، لكن في‌ موثقه الآخر عنه (٣) أيضا « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المحاقلة والمزابنة فقال : المحاقلة بيع النخل بالتمر ، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة » ‌ومال إليه الكاشاني والمحدث البحراني إلا أن الاولى حمله على ضرب من المجاز ، كالمحكي عن سلار المحاقلة محرمة وهي أن يبيع التمر في رؤس النخل بالتمر ، والزرع بالحنطة كيلا وجزافا ، وكأنه أو همه ما في المقنعة « لا يجوز بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا ، ولا يجوز بيع الزرع بالحنطة أيضا كيلا ولا جزافا ، وهذه هي المحاقلة ».

إلا أن الظاهر إرادة الأخير من الإشارة ، أو يحمل على وهم الراوي ، لمخالفته المنصوص عليه عند الأصحاب وأهل اللغة ، ولما‌ في خبر أبى القاسم ابن السلام (٤) المروي عن معاني الأخبار مسندا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في « أنه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة ، والمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر ، والمزابنة بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر » ‌والأمر سهل بعد حرمتها معا وانما تظهر الثمرة في العهد واليمين ونحوهما.

وعلى كل حال فهما دالان على حرمة البيع بالتمر مطلقا ، مؤيدا ذلك بظاهر خبر ابن سلام المتقدم حيث خص الرخصة في بيع الثمرة بالتمر بالعرية ، وبخبر السكوني (٥)

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٢ ـ ٥

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

٩٣

عن الصادق عليه‌السلام « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرايا أن تشتري بخرصها تمرا ، قال :

والعرايا جمع عرية وهي النخلة يكون للرجل في دار رجل آخر ، فيجوز أن يبيعها بخرصها تمرا ، ولا يجوز ذلك في غيره » ‌بناء على ما قيل : من أن دلالته ظاهرة ان جوزنا بيع ثمرة العرية بتمر من نفسها ؛ وإلا فهي صريحة لاختصاص الرخصة حينئذ ببيعها بتمر من غيرها ، ومقتضاه رجوع الإشارة في لفظ ذلك إليه ؛ وهو صريح في المنع كما لا يخفى.

بل قيل أن به يضعف احتمال العهدية في الكلام في الخبرين السابقين ، ورجوعها إلى ثمرة نفس النخلة المذكورة سابقا ، فإن أخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض ، مع بعده في الخبرين الأولين ، إذ لم يتقدم لتمرها ذكر فيهما سابقا ، والحمل في أحدهما والنخل في آخر أعم من الثمر فكيف يمكن جعل الكلام للعهد ؛ ولا إشارة إليهما كل ذلك مضافا إلى اقتضاء اختصاص المزابنة بالأول عدم الخصوصية لها هنا ، فان عدم جواز البيع ببعضه معلوم فيها وفي غيرها ، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين جعل الثمن حصة مقدرة بالمقدار المعلوم منها ، وبين جعله كليا مشروطا كونه منها ، ضرورة رجوعه إلى الأول بل لو جعل مشروطا تأديته منها ، كان كذلك أيضا ، وإن كان في اقتضاء القواعد بطلانه نظر ، إلا أنه يكفي في عدم جوازه هنا إطلاق معاقد الإجماعات ، ومضافا إلى التعليل بعدم الا من الربا ، وإن كان فيه منع واضح هنا ، باعتبار عدم كون الثمرة على النخل مقدرة بالكيل والوزن ، وستسمع التصريح في الخبر هنا بعدم الربا فيه ؛ وقد عرفت اشتراطه في ذلك ، وأنه لا يجدى صيرورته بعد ذلك مقدرا ، كما لا يجدي موزونية جنسه ، إذا لم يكن على الأصول.

اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى موثق سماعة (١) الأمر بشراء الزرع فيه بالورق معللا بأن أصله طعام ، مؤيدا بما يظهر منهم في العرية من جريان حكم الربا فيها في الجملة إلا أن الاعتماد على ذلك ونحوه في الخروج عما يقتضي الجواز واضح المنع ؛ كوضوح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٣ و ٤.

٩٤

منع تعدية علة النقصان عند الجفاف ، ضرورة ظهور دليلها في الربا بين المقدرين بهما ، مع أنها غير عامة لسائر أفراد المقام التي منها البيع لليابس باليابس ، والرطب بالرطب.

فالأولى الاقتصار في الاستدلال للعدم بما عرفت ، خلافا للشيخ في النهاية قال : « لا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا ؛ وفي المزابنة التي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها (١) وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة من تلك الأرض ، لا كيلا ولا جزافا ، وهذه المحاقلة ، فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض لم يكن به بأس ، وكذلك إن باع التمر بالتمر من غير ذلك النخل لم يكن أيضا به بأس » قيل : والخلاف لكن المحكي عنه في المختلف « لا يجوز المحاقلة وهو بيع السنبل التي انعقد فيها الحب ، واشتد بحب من جنسه ، أو من ذلك السنبل ؛ وروى أصحابنا أنه إن باع بحب من جنسه من غير ذلك السنبل فإنه يجوز وقال الشافعي : لا يجوز بيعها بحب من جنسها على كل حال ؛ وإليه ذهب قوم من أصابنا والمزابنة بيع التمرة على رؤوس النخل بتمر موضوع على الأرض ومن أصحابنا من قال : المحرم أن يبيع على رؤوس النخل بتمر منه ، فأما بتمر آخر فلا بأس ؛ وهو كما ترى ظاهر مع المشهور.

نعم حكى فيه عن المبسوط ، أنه قال : « بيع المحاقلة والمزابنة حرام بالإجماع ، وإن اختلفوا في تأويله ، فعندنا أن المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحب واشتد ، بحب من ذلك السنبل ، ويجوز بيعه بحب من جنسه على ما روي في بعض الاخبار ، والأحوط أن لا يجوز بيعه بحب من جنسه على كل حال ، لانه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا ، والمزابنة هي بيع التمر على رؤوس الشجر بتمر منه ، فأما بتمر موضوع على الأرض فلا بأس به ، والأحوط أن لا يجوز ذلك لمثل ما قلناه في السنابل سواء » وظاهره الجواز بناء على عدم وجوب هذا الاحتياط عنده ، وهو المنقول عن كامل ابن البراج ، وإن وافق المشهور في مهذبه ؛ وعن أبي الصلاح في ظاهر المحكي عنه في المختلف ، وربما حكى عن قطب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١ ـ ٢.

٩٥

الذين ؛ وهو ظاهر تذكرة الفاضل أو صريحها للأصل والعمومات.

و‌صحيح الحلبي (١) « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : في رجل قال للآخر بعني ثمرتك في نخلك هذه التي فيها ؛ بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر ، يسمي ما شاء فباعه؟ قال : لا بأس به ، وقال : البسر والتمر من نخلة واحدة لا بأس به فاما أن يخلط التمر العتيق والبسر فلا يصلح ، والزبيب والعنب مثل ذلك ».

و‌موثق الكناني (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر ، وكان له نخل فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لفلان على خمسة عشر وسقا من تمر فكلمه يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفي وأبى أن يفعل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لصاحب النخل : جذذ نخلك فجذه وكالة خمسة عشر وسقا ، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم إلا أنى قد سمعته منه ، قال إن أبا عبد الله عليه‌السلام قال : إن ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : هذا ربا ، قلت أشهد بالله ؛ إنه لمن الكاذبين ؛ قال : صدقت ».

و‌خبر يعقوب ابن شعيب (٣) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ؛ وإما أن آخذه أنا بذلك ، وأرده عليك قال : لا بأس بذلك » ‌و‌خبره الأخر (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يكون له على الأخر ماءة كر من تمر ، وله نخل فيأتيه فيقول : أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه » ‌وفيه أن الأصل والعموم مقطوعات بما عرفت ، وصحيح الحلبي ـ بعد رجحان ما مر عليه بالشهرة وغيرها ـ يمكن حمله على العرية ، على أن إطلاقه مخالف للجمع على خلافه من البيع بمقدار منها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١ ـ ٣ باختلاف يسير.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب بيع الثمار الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب بيع الثمار الحديث ٢.

٩٦

بل قوله فيه البسر والتمر إلى آخر مما لا يظهر له وجه معتد به ، بل رواه‌ المحدث الحر في الوسائل (١) في باب جواز بيع المختلفين متفاضلا من الربا « قفيزين من بر » وموثق الكناني (٢) لا دلالة فيه على البيع ، بل هو إما وفاء ، أو أن المراد منه إرضاؤه بذلك ؛ ثم تفعل الصورة التي يسلم معها من المزابنة بالصلح ، أو بالهبة والإبراء ، ونحو ذلك يجري في الخبرين الأخيرين بعده ، مضافا إلى عدم الجابر للمحتاج إليه منهما ، فلا ريب في أن ما تقدم حينئذ أقوى ، لكن ظاهر الأدلة اختصاص المنع لو كان الثمن التمر خاصة ، فلو مزج معه غيره خرج عن إطلاق النص ، وان لم نقل أن المانع الربا كما يخرج لو مزج مع المبيع ذلك ، بل الظاهر خروجه أيضا لو بيع حمل النخل بغير التمر من الطلع ونحوه ، لاعتبار التمر في ثمن المزابنة ، أما لو باع الطلع ونحوه بالتمر كان مزابنة لأن الموجود في الخبرين السابقين الحمل وما في النخل.

نعم لا فرق على الظاهر بين كون التمر ثمنا أو مثمنا مع احتماله ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ؛ بل قد يحتمل اعتبار التمرية فيما كان على رؤوس النخل أيضا ، جمعا بين الخبرين ؛ وخبر ابن سلام الذي يمكن دعوى التنافي بينها من جهة التسير ثم إنه هل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه كما صرح به جماعة ، بل هو ظاهر آخرين ، لاختصاص المزابنة كما عرفت بالنخل ، فيبقى غيره على القواعد قيل والقائل المشهور كما في الروضة وإن كنا لم نتحققه لا ، لانه لا يؤمن الربا وقد عرفت ما فيه كما عرفت ما في الاستناد إلى علة النقصان بعد الجفاف ، فلا معارض حينئذ لمقتضي الجواز من الإطلاقات وغيرها.

نعم المنع متجه ، فيما لو كان بمقدار منها ؛ بناء على ما عرفت من اقتضاء القواعد العدم فيه ، إلا في صورة اشتراط التأدية منها على إشكال فيها أيضا ، ومن الغريب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ـ ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٣.

٩٧

ما في الرياض « من أن الأصل يقتضي الجواز مطلقا ولو بالمجانس منها أو من غيرها ، ناسبا له إلى تصريح جماعة ؛ ولم أجده لغير الفاضل في التذكرة ممن يعتد بقوله : نعم ربما يتوهم ذلك من بعض العبارات خصوصا المتضمنة منها لعدم إلحاقها بالمزابنة ، الظاهرة في عدم جريان حكمها بالتفسيرين السابقين ، ولا ريب في أنه وهم واضح ضرورة اقتضاء عدم إلحاق البقاء على القواعد التي لا ريب في اقتضائها البطلان ، إذا كان الثمن منها للاتحاد ، وستعرف أن المشهور المنع من ذلك في العرية ، المستثناة بالخصوص من حكم المزابنة فضلا عما نحن فيه ، والله اعلم.

وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منه إجماعا بقسميه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر ؛ ولاتحاد الثمن والمثمن فيه نحو ما تقدم في المزابنة وهذه المعاملة هي المتيقن من المحاقلة المعلوم حرمتها نصا وإجماعا ، إذا كان الحب الذي هو الثمن حنطة لسنبلها كما ستعرف ، وإن كان التحريم هنا للتعليل الأخير عاما لسائر أفراد السنبل وقيل : والقائل المشهور نقلا وتحصيلا بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه أيضا هي بيع السنبل بحب من جنسه كيف كان ، ولو كان موضوعا على الأرض وهو الأظهر.

للنصوص المتقدمة (١) سابقا المعتضدة هنا لخصوص الموثق (٢) « الآمر بشراء الزرع بالورق المعلل بأن أصله طعام الظاهر في المنع عن بيعه بالطعام ، خلافا لمن تقدم في المزابنة فخصها بالأول ، وجوز الثاني للعمومات ، و‌صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في حديث لا بأس ان تشترى زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة » ‌و‌صحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيع حصائد الحنطة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب بيع الثمار.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٤٣ ـ ١

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢٧٧ باب بيع المراعى في ذيل حديث ٤ الطبع الحديث.

٩٨

والشعير وسائر الحصائد؟ قال حلال فليبعه بما شاء » ‌و‌حسن الوشاء (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى من رجل جربانا معلومة ؛ بمأة كر على أن يعطيه من الأرض؟ قال : حرام فقلت : جعلت فداك فانى أشترى منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها ، قال : لا بأس بذلك ».

وفيه أن العموم مخصوص بما عرفت ، وصحيح الحلبي قاصر عن معارضة الأدلة السابقة المعتضدة بالشهرة وغيرها ، مع أن إطلاقه شامل للجميع على خلافه من البيع بحنطة منه ، فلا بأس بحمله على الصلح ونحوه ، بل في الرياض احتمال اختصاصه بصورة عدم التجانس بينها وبين السنبل ، كما إذا كان أرزا أريد بيعه بها ، ولا كلام في الجواز حينئذ ، وصحيح إسماعيل ـ مع أنه ظاهر في الحصائد وليس الكلام فيها ، بل فيما لم يحصد وشامل لما لا نقول به ؛ من البيع بحب منها ـ ليس فيه إلا العموم المخصوص بالأدلة السابقة ، بل عن التهذيب أنه رواه ان شاء بدل بما شاء ؛ فلا عموم فيه حينئذ وحسن الوشاء إنما هو في بيع نفس الأرض بحاصلها وغيره أو في إجارتها بذلك ، لا في بيع السنبل فيها ، وتأويله إليه بإضمار أو تجويز لا داعي إليه على أن أقصاه الاحتمال الذي لا يتم به الاستدلال ، فظهر حينئذ من ذلك كله أن الأقوى التحريم ؛ بل الظاهر أنه من المحاقلة ، إنما الكلام في تنقيح المراد بها ، وفي الرياض « إن الموجود في أكثر النصوص والفتاوى السنبل ».

قلت الموجود في المسالك « انه اختلف عبارات النصوص والفقهاء في اسم المبيع فيها ، فبعضهم عبر عنه بالزرع ، ومنه الرواية السابقة ، ومنهم من عبر بالسنبل كعبارة المصنف ، ويظهر من كلامهم الاتفاق على أن المراد به السنبل ؛ وإن عبروا بالأعم » وقد سمعت عبارة المبسوط ، بل قد سمعت غيرها أيضا وفي الغنية والوسيلة والنافع وغيرها السنبل ، كما أن في القواعد وغيرها الزرع إلا أن الذي يقتضيه النظر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٢.

٩٩

في الجمع بين النصوص السابقة إرادة السنبل من الزرع ، حملا للمطلق على المقيد الوارد في التفسير الذي بذلك ينافيه ، مؤيدا بأصالة الجواز في غيره.

قال في التذكرة « لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ؛ لأنه حشيش وهو غير معلوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا ؛ مع أنه لا مخالف صريح ، إذ يحتمل إرادة من عبر بالزرع السنبل أيضا ، فاحتماله حينئذ للموثق السابق الأمر بشرائه بالورق في غير محله ، بل لا بد من حمل الموثق على إرادة السنبل أو غير ذلك ، هذا ، ولكن أطلق أكثرها السنبل والزرع في المبيع ، كما أنه قيد فيه الثمن بالحنطة وفهم في التذكرة إرادة سنبل الحنطة بالحنطة ؛ فقال في أكثر تفاسير المحاقلة أنها بيع الحنطة في السنبل بحنطة ثم احتمل فيها دخول الشعير في جنس الحنطة بل احتمل فيها صدق المحاقلة على كل زرع بيع بحب من جنسه كالدخن ونحوه ، لما في بعض ألفاظ علمائنا من تفسيرها ببيع الزرع بالحب من جنسه » قلت قد عرفت سابقا من فسرها بذلك بل هو فسرها في القواعد ببيع الزرع بالحب وفي اللمعة بيع السنبل بحب منه أو من غيره من جنسه ؛ لكن في الدروس هي بيع السنبل من الحنطة والشعير بالحب من جنسه وو إن لم يكن منه.

والذي يظهر لي من تتبع النصوص في المقام وغيره أن إطلاق الزرع والسنبل فيها منصرف إلى الشعير والحنطة ؛ ولعله لانه المتعارف في ذلك الزمان والمكان. فالخبران المشتملان علي تفسيرها ببيع الزرع أو السنبل بالحنطة لا ريب في شمول لفظ الزرع والسنبل فيهما لهما ، فيستفاد منهما حينئذ أن بيع سنبل الشعير بالحنطة محاقلة ، وما ذاك إلا لاتحاد الجنس هنا كما في الربا ، بل يستفاد منه حينئذ أيضا بيع سنبل الحنطة بالشعير بل والشعير بالشعير فتتم دلالة الخبرين على الصور الأربعة ، كما أنه بناء على عدم الفرق هنا بين جعل الحنطة ثمنا أو مثمنا نحو ما قلناه في المزابنة فتكون صور المنع ثمانية فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع وقد تخلص من ذلك أن الاحتمالات في المحاقلة‌

١٠٠