جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله

الطيبين الطاهرين‌

الثالث من الأمور التي يتوقف بيان الربا في البيع عليها الصرف ، وهو لغة الصوت وشرعا أو متشرعية بيع الأثمان أي الذهب والفضة مسكوكين أو لا بالأثمان لا غيره من النوافل بلا خلاف أجده ، للأصل وغيره. نعم قد يظهر من بعض النصوص حصوله بقصد مطلق المبادلة والمعاوضة ، ويمكن ارادة ما كان المقصود منها البيع أو يدعى تنزيلها عليه ما لم يقصد العدم.

وعلى كل حال فسمي بيعها صرفا لمناسبة اشتمالها على الصوت عند تقليبها بالبيع والشراء ، وربما قيل بكونه منقولا من التصريف ، وهو كثرة التصرفات في وجوه المعاوضات والأمر سهل ، كما أن الوجه في تسميتها أثمانا وقوعها مقرونة بباء العوض عن الأشياء غالبا ، بل فيما حضرني من نسخة منسوبة للشهيد على القواعد عن قطب الدين قال : « الذهب والفضة ثمنان وان باعهما بعوض ، ولهذا لو باعه دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار بالاتفاق : قال : وان كانا عوضين فكل منهما بايع ومشترى ، ولو باعه حيوانا بحيوان ، ثبت لكل منهما الخيار ».

وان كان قد يمنع ذلك كله عليه ضرورة اقتضاء العرف عند التحقيق كون مدخول الباء الثمن ، والاتفاق الذي ذكره لم نتحققه ، كما أن ما ذكره من صدق كل من البائع‌

٣

والمشتري عليهما لو كانا معا عوضين واضح المنع ، ومثله ما ذكره أخيرا على ما عرفته سابقا في الخيار ، وقال في الدروس هنا : « الثمن ما قرن بالباء هنا وفي غيره كذلك ويحتمل ان يكون هو النقد إذا كان احد العوضين والا فالمقرون بالباء ، وتظهر الفائدة في بيع حيوان بحيوان وبيع نقد بحيوان » وظاهره أنه لا إشكال في كون الثمن مدخول الباء في النقدين بل والمتجانسين والله أعلم.

( و ) كيف كان ف يشترط في صحة بيعها زائدا على الربويات إذ هي منها لأنها موزونة في الصدر الأول ؛ حتى المسكوك منها. والاكتفاء بالعد في بعض الأزمنة أو الأحوال بعد معلومية موزونية الأصل وهو الفضة والذهب ، لا يدفع حكم الربا كما عرفت ، وخصوصا بعد موزونية نقد الزمان السابق ، وان تغيرت الهيئة وخصوصا إذا كان عدم الوزن اعتمادا على معلومية الوزن وضبطه ، والتفاوت اليسير غير قادح.

قال البجلي (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « اشترى الشي‌ء بالدراهم فاعطى الناقص الحبة والحبتين قال : لا حتى تبينه ، ثم قال : الا أن يكون نحو هذه الأوضاح التي تكون عندنا عددا » وفي خبره (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يشترى المبيع بدرهم وهو ينقص الحبة ونحو ذلك أيعطيه الذي يشتريه منه ولا يعلمه أنه ينقص قال : لا الا ان يكون مثل هذه الوضاحية. يجوز كما يجوز عندنا عددا ».

وعلى كل حال فيشترط زيادة على ذلك التقابض من كل منهما في المجلس فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف على الأشهر بل المشهور نقلا وتحصيلا. شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. ولذا قال في الرياض : « ان عليه من تقدم وتأخر عدا من شذ وندر ، وفي المسالك وعن غيرها أن الأصحاب كلهم على خلاف ابن بابويه ، فربما كان الشرط إجماعا بل كأنه لم يعتد بخلافه الفاضل في التحرير فقال : « هو شرط بلا خلاف». وفي الغنية الإجماع عليه بل ظاهره إجماع المسلمين حيث نفي الخلاف منا ومنهم. وفي محكي السرائر لا خلاف في هذا الشرط وفي البطلان بدونه. وكشف الرموز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصرف ـ الحديث ٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ١٤١ الحديث ٦٠.

٤

الإجماع على البطلان كذلك وأن المخالف الصدوق. وإيضاح النافع خلاف ابن بابويه متروك ، ورواياته ضعيفة. وفي التنقيح روايات البطلان كثيرة ، وعليها انعقد عمل الأصحاب. وفي الدروس رواياته متروكة.

فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه بعد ذلك كله ، مضافا الى النصوص المستفيضة المنجبر ما يحتاج منها بما سمعت ، منها ـ قول أبى جعفر عليه‌السلام (١) في خبر محمد بن قيس « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد » ‌ومنها ـ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح منصور (٢) « إذا اشتريت ذهبا بفضة ، أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ؛ وان نزى حائطا فانز معه » ومنها ـ خبر حريز عن محمد (٣) « قال : سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلا بمثلين قال ؛ لا بأس يدا بيد ».

ومنها ـ خبر الجبلي (٤) « قال : سألته عن الرجل يشترى من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير؟ فقال : ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير ، فقلت انما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض ، وهذا يشق عليهم ؛ فقال : إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ، ويدفع اليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع اليه الورق » ‌بل لا ينكر ظهور غيرها من النصوص أو ـ إشعارها في المطلوب ، وبها يخرج عن أصل الصحة وعمومها.

والمناقشة في سند بعضها أو دلالة متنه على ذلك غير مسموعة ، سيما بعد الاعتضاد والانجبار بما عرفت ، كالمناقشة بعدم دلالتها على الشرطية ، وأن المراد من اليد باليد فيها عدم النسيئة ، مع أنها لا تنافي إرادة القبض مع ذلك ، والدليل غير منحصر فيها مضافا الى ظهور نحو هذه الا وأمر والنواهي في غير المقام في إرادة الإرشاد إلا ما يقتضي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ٣.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ٨ ـ ٧ ـ ١

٥

الصحة والفساد ، لا أن المراد الإثم خاصة.

نعم ارادته هنا معه للنصوص والآية كما عن الشيخ وابن إدريس والفاضل في التذكرة ، بل قيل : انه جزم فيها بوجوب الوفاء به أى التقابض ، والإثم بتركه اختيارا وجعله بمنزلة الربا حتى أوجب عليهما التفاسخ قبل التفرق ، لو تعذر عليهما التقابض ؛ وجعل تفرقهما قبله بمنزلة بيع الربوي نسيئة ، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم به ، قيل وهو ظاهر الدروس حيث حكم بوجوب التقابض قبل التفرق.

وفيه أن الوجوب في نحو المقام قد يراد به الوجوب الشرطي مجازا بل عدم تعرض الأكثر للتحريم هنا كما اعترف به في المسالك يومي الى إرادة ذلك من النصوص أيضا من غير ضم الشرعي معه وهو قوى ، وان كان الأول أحوط ، وينبغي مراعاة التقايل حينئذ قبل التفرق ، لو تعذر التقابض ، بناء على مشروعية التقايل في نحو ذلك كما هو الظاهر.

وعلى كل حال فما عن الصدوق من أنه لا يشترط التقابض في المجلس ، وحكاه الشهيد في الحواشي عن البشرى ، كما أنه حكى فيها أيضا قولا بالتفصيل بين بيع الجنس بجنسه فيشترط ، وبين بيع أحدهما بالاخر فلا يشترط ، والنصوص السابقة والفتاوى على خلافه ، بل وعلى خلاف الصدوق أيضا كما عرفت ، وان كان يشهد له اخبار الساباطي الأربعة (١) عن الصادق عليه‌السلام المتضمنة لنفي البأس عن بيع الدراهم بالدنانير نسيئة وعن سلف الدنانير بالدراهم كخبر زرارة (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام الذي في طريقه على بن حديد « لا بأس أن يبيع الرجل الدينار نسيئة بمأة وأقل وأكثر » ‌ومكاتبة محمد بن عمر (٣)

الاأن الجميع قاصرة عن الأدلة السابقة من وجوه ، خصوصا مع عدم صراحة بعضها ، فالأولى طرحها كما في الدروس ، أو تأويلها بل الظاهر من النص والفتوى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٤.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١٣ ـ ١٥

٦

والفتوى منع النسيئة في الأثمان ولو فرضت على وجه لا تنافي التقابض في المجلس ، كما إذا كان الأجل قصيرا جدا ، بل‌ في خبر عبد الرحمن (١) « أن الناس لم يختلفوا في النسي‌ء ( أي في بيع الأثمان ) : أنه الربا ».

وعلى كل حال فظاهر ما سمعته من الفتاوى ومعاقد الشهرات والإجماعات كون التقابض قبل الافتراق شرطا في الصحة ؛ فقبله لا صحة فلا انتقال ، وفي خبر محمد بن قيس (٢) السابق دلالة عليه ، بل وفي خبر الجبلي (٣) وبه يخرج حينئذ عن قاعدة اقتضاء العقد الملك ، المعتضدة بأصالة عدم شرط آخر ، بل وعن ما ادعى في غير المقام من الإجماع على عدم اعتبار أزيد من القبض في الملك ، ردا على القائل بتوقفه على انقضاء الخيار ، إذ قد عرفت من الأدلة السابقة اعتبار التقابض منهما معافيه ، فلا يكفي قبض أحدهما بل هو حينئذ في يده كالأمانة قبل قبض الأخر ، بل ان لم نجعله كالمقبوض بالسوم ؛ أمكن عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط.

نعم قد يقال بحصول الملك به لو قبض الأخر بعده من حين القبض الأول ؛ بل وان تلف من يده ، مع أنه لا يخلو من نظر وبحث ، ضرورة إمكان القول بحصول الملك في العوضين معا عند حصول القبض المتأخر الذي هو شرط لتأثير السبب ، بل به يتحقق التقابض فلا يجدى القبض السابق ، وعليه يتجه حينئذ بطلان الصرف لو تلف المقبوض قبل القبض الأخر ؛ بحيث خرج عن صلاحية الملك ، فضلا عن تلف غير المقبوض. اللهم الا أن يقال بصحته ؛ بناء على كونه مضمونا مطلقا أو حيث يكون بأن أتلفه بتفريط على معنى انتقال الصرف حينئذ إلى بدل التالف ولكن فيه تأمل أيضا.

وكيف كان فاحتمال أن التقابض شرط لتأثير العقد الملك ، فحصوله حينئذ يكشف عن حصوله من أول العقد ، وعدمه كذلك كاحتمال عدم مدخلية التقابض في ذلك ، وأن العقد أثر ما يقتضيه من الملك ، الا أنه يبطله الافتراق قبل التقابض إذ هو حينئذ كالفسخ بالخيار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٣ ـ ١

٧

أو الإقالة ، مخالف لظاهر الفتاوى وبعض النصوص السابقة ، وان كان الثاني منهما موافقا للقواعد في الجملة بل هو صريح المقداد فيما تسمعه ، بل هو لا ينافي بعض النصوص السابقة.

كما أن الأول منهما يمكن تنزيل الشرطية في عبارات الأصحاب عليه ، ضرورة توقف تأثير العقد على حصوله ، فهو شرط لتأثيره ينعدم بانعدامه ويوجد بوجوده ، الا أن كيفية الوجود بالوجود وهو جعل العقد مؤثرا من أول وقوعه نحو ما قلناه في إجازة الفضولي بناء على الكشف ، بل لعل ذلك جار في جميع الشروط المتأخرة عن مشروطها ، لكن لما لم يكن مقتض له ، بل هو مناف لما تسمعه منهم من بطلان الشراء بثمن الصرف مثلا وان قبضه بعد ذلك في المجلس كان المتجه إبقاء عبارات الأصحاب على ظاهرها ، من توقف حصول الملك عليه وأنه يحصل حال حصوله تماما لا قبله ، وليس هو من الشرائط المتأخرة عن زمان وصف الصحة كغسل المستحاضة بعد تمام الصيام ، حتى يلتزم كونه كاشفا ، ضرورة إمكان توقف الصحة عليه الى زمن حصوله هنا بخلافه هناك إذ لا دليل على تسبيب العقد الصحة على كل حال.

نعم هناك ظواهر يمكن تقييدها بدليل المقام من غير حاجة الى ذلك التكليف التام ، ودعوى أن ذلك أولى باعتبار عدم تقييد تلك الأدلة على القول بالكشف كما ترى.

ولو قبض البعض خاصة قبل التفرق صح فيما قبض حسب وبطل في غيره بلا خلاف فيهما لحصول مقتضي الصحة من العموم وغيره في الأول ، ومقتضى البطلان من التفرق قبل التقابض في الثاني ، وأما‌ صحيح الحلبي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يبتاع من رجل بدينار فيؤخذ بنصفه بيعا وبنصفه ورقا قال : لا بأس ، فسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا ، قال : ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله ».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٩.

٨

فلا دلالة فيه على المنع أولا ، ويحتمل انصرافه إلى صحة المجموع من حيث المجموع ولا كلام فيه ثانيا ، بل قد يحتمل خروجه عن أصل ما نحن فيه ثالثا ، وعلى كل حال يتخيران معا في إجازة ما صح فيه وفسخه لتبعض الصفقة ؛ إذا لم يكن من أحدهما تفريط في تأخير القبض ، ولو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما ، ولو اختص به أحدهما سقط خياره خاصة كما هو واضح.

ولو فارقا المجلس مصطحبين قبل أن يتقابضا لم يبطل الصرف بلا خلاف للأصل بعد ظهور النصوص ، خصوصا‌ قوله « وان نزى حائطا فانز معه » ‌في أن المعتبر التقابض قبل التفرق ، ومن هنا كان التعبير به أجود من المجلس الموهم خلاف ظاهره ، وقد تقدم في خيار المجلس تحقيق أقل ما يتحقق به الافتراق من الخطوة ، كما أنه تقدم هناك كثير مما له تقع في المقام ، الا ان الظاهر عدم اعتبار الاختيار فيه هنا ، وان كان معتبر هناك ، فلو أكرها على التفرق مثلا أمكن القول بالبطلان هنا ، بخلافه هناك ، لاختلاف المدرك فلاحظ وتأمل.

ولو وكل أحدهما غيره في القبض عنه ، فقبض الوكيل قبل تفرقهما اى المتعاقدين صح ولو قبض بعده بطل وكذا لو وكلا معا على القبض عنهما ، ولا اعتبار بمفارقة الوكيل لهما أو لأحدهما ، ولو وكلا أو أحدهما على الصرف خاصة أو مع القبض ، فالمعتبر المفارقة بين من وقع العقد معه ، لان الضابط كما في الجامع المقاصد والمسالك والروضة والرياض التقابض قبل تفرق المتعاقدين ، سواء كانا مالكين أو وكيلين.

لكن قد يشكل بمنع دلالة النصوص على البطلان بتفرق الوكيلين ان قبض الا لكان في ذلك المجلس ، بل يصدق على بايع الذهب بالفضة إذا قبض بعد تفرق الوكيلين أنه ما باعه الا يدا بيد ، على أن ذلك يقضى بعدم البطلان مطلقا لو كان الوكيل على العقد متحدا عنهما ، لعدم تصور الافتراق فيه والتزامه كما ترى ، ضرورة صدق بيعه حينئذ لا يدا بيد ، فلعل اناطة الحكم بذلك أولى ان لم ينعقد إجماع بخلافه ، بل قد يدعى صدق اليد باليد لو تعاقدا مثلا وأرسل أحدهما وكيله مع الأخر فتقابضا قبل التفرق ففي‌

٩

خبر البصري (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيع الذهب بالدراهم ، فيقول أرسل رسولا فليستوفي لك ثمنه قال يقول هات وهلم ورسولك معه » ‌ولا ينافيه ما سمعته في خبر البجلي (٢) بعد حمله على الندب ونحوه ، الا أن الجرية على خلاف ما عند الأصحاب مما لا ينبغي ، وقد عرفت أن المدار عندهم على عدم تفرق المتعاقدين. نعم قد يقال بعدم اعتبارهما في العاقدين فضولا أو أحدهما ، وأن المدار على عدم تفرق المجيزين بعد الإجازة حتى يتقابضا ، مع أنه لا يخلو عن اشكال والله اعلم.

ومما يتفرع على اعتبار التقابض في الملك ما لو اشترى منه دراهم بعقد الصرف ثم ابتاع بها منه دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح الثاني على المشهور بين الأصحاب ، لعدم ملك الدراهم عليه لو كانت كلية وعدم ملك عينها لو كانت شخصية ، ولصحيح إسحاق بن عمار (٣) كما في المختلف قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجي‌ء بالورق يبيعها يريد بها ورقا عندي فهو اليقين عندي أنه ليس يريد دنانير ليس يريد الا الورق ولا يقوم حتى يأخذ ورقي ، فاشترى منه الدراهم بالدنانير ، فلا تكون دنانيره عندي كاملة فأستقرض له من جاري ، فأعطيه كمال دنانيره ، ولعلى لا أحرز وزنها فقال أليس يأخذ وفاء الذي له؟ قلت بلى قال : ليس به بأس » ‌وكأنه لما يفهم منه البأس إذا لم يقبض الدنانير ، إذ المراد أنى أستقرض به الدنانير ، ثم أشتريها منه بالورق الذي يريده ؛ كما يومي اليه ما في صدر الخبر ، ويمكن أن يكون مراد السائل التوقف من جهة عدم إحراز الوزن فتخرج حينئذ عن الاستدلال.

وعلى كل حال فليس البطلان لعدم جواز الشراء بما لم يقبض قبل كيله أو وزنه كبيعه ، إذ قد عرفت بعد تسليم مساواة الشراء به لبيعه أن الأصح الجواز ، ولا لانه بيع دين بدين إذا فرض كون الدنانير كلية في الذمة لا معينة ، ضرورة عدم صدق الدينية بعد‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ٢ ـ ١

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٣ ـ باختلاف يسير.

١٠

اشتراط التقابض في الملك ، على أنك ستعرف كون الممنوع بيع الدين قبل البيع به كذلك ، لا ما كانا أو أحدهما بعقد البيع ، ومن ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن السرائر فإنه بعد أن ذكر ما في النهاية إذا باع الإنسان دراهم بدنانير لم يجزه أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها الا بعد أن يقبض الدنانير ، ثم يشترى بها دراهم إنشاء ، قال « ان لم يتفارقا من المجلس الا بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير التي على المشتري الأول فلا بأس بذلك وان لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأول المبتاعة ، هذا إذا عينا الدراهم الأخيرة المبتاعة ، فان لم يعيناها فلا يجوز ذلك ، لانه يكون بيع دين بدين ، وان عيناها لم يصر بيع دين بدين ، بل يصير بيع دين بعين ، كما أن منه يظهر ما في المسالك تبعا لغيره من أنه ينبغي القول بالصحة مطلقا في مفروض المتن إذا تقابضا قبل التفرق ، وغاية ما يحصل في البيع أن يكون فضوليا فإذا لحقه القبض صح ، وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا الوجه غير ممتنع ، إذ فيه منع جريان حكم الفضولي عليه بعد القول بأن الملك من حين القبض كمنعه فيما لو باع مال غيره ثم انتقل اليه.

وأغرب من ذلك كله ما في التنقيح من أن لنا أن نقول : ان بطلان البيع بالتفرق قبل التقابض لا يستلزم عدم تملك المشتري ، لجواز تملكه ملكا متزلزلا ، كالمبيع في زمن الخيار ، فان قبض لزم والا بطل ، وإذا ملك صح البيع الثاني لانه اشترى بثمن مملوك وصح البيع الأول أيضا ، لأنه وان لم يقبض الدراهم لكن قبض عوضها وهو الدنانير ، وقبض العوض كقبض المعوض ، إذ هو كما ترى مع مخالفته لما قدمناه من أن القبض شرط للملك ، لا أن الافتراق مانع فيه نظر من وجه آخر لا يخفي ، فالتحقيق ما ذكرناه وهو الموافق لإطلاق المشهور البطلان ومنه يعلم أنه لو افترقا في مفروض المسألة قبل التقابض بطل العقدان معا لانتفاء الشرط فيهما حينئذ كما هو واضح والله اعلم.

ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها منه دنانير صح وان لم يتقابضا ، وكذا لو كان له دنانير ؛ فاشترى بها دراهم لـ ـما في الصحيح الاتى (١) من أن النقدين من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصرف الحديث ١ ـ ٢.

١١

واحد فأشبه التقابض. ولأصالة عدم اشتراطه في نحو المقام بعد‌ صحيح إسحاق بن عمار (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة ، وعمل به الأصحاب في الجملة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني ويقول لي كيف سعر الوضح اليوم فأقول له : كذا وكذا فيقول : أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضح فأقول : نعم فيقول : حولها الى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟ فقال : إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت : انى لم أوازنه ولم أناقده ؛ انما كان كلاما منى ومنه فقال لي : أليس الدراهم والدنانير من عندك؟ فقلت : بلى فقال : لا بأس بذلك » ‌

و‌موثق عبيد بن زرارة أو صحيحه (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول له حولها دنانير من غير ان اقبض شيئا قال : لا بأس به قلت ويكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول له : حولها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أبقض منه شيئا قال : لا بأس ».

وتنزيلها عي إرادة التوكيل في القبض أو فيه وو في البيع وأن ما في الذمة له وعليه مقبوض ، اجتهاد في مقابلة النص الذي يأباه من وجوه ، على أن من الواضح منع كون ما عليه لغيره في ذمته مقبوض له وان وكله فيه ، بحيث يجرى عليه حكم المقبوض ، والا ـ لجاز بيع الذهب المشخص مثلا بذهب في ذمته على أن يكون المشتري وكيلا في قبضه ومعنى قبضه له حينئذ رضاه ببقائه في ذمته.

وأفضح من ذلك دعوى أن المراد من الخبر التوكيل ، وأنه قد وقع منه القبض الحسي وأثبتها ، مع ان صريح الخبر عدم وقوع غير الكلام ، وبالجملة قد أطنبوا في المقام بلا مقتض ، كما أنه لا ينبغي العمل بالخبر على معنى حصول التحول بمجرد الأمر بالتحويل ، وان أوهمه ظاهر بعض العبارات ، بل المراد منه حصول المعاملة منهما بذلك ، وان كان بعنوان المعاطاة ؛ بناء على كونها من البيع ، وعدم اشتراط التقابض هنا ، بل يكفي قبض في ما ذمته له ، وبقاء الأخر في ذمته ، وحيث كانا معا عنده صار كالتقابض ، ولولا فهم الأصحاب أمكن تنزيل الخبر على معاطات الصلح وان كان في الخبر‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ، ٤ ، من أبواب الصرف الحديث ١ ـ ٢

١٢

منافاة ماله والله اعلم.

ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لبناء الخبرين على مقدمات كثيرة لا يخلو جملة منها من نظر وتأمل ، بل قد افتى بالخبرين من لا يقول ببعض تلك المقدمات كما لا يخفى ، فا التحقيق ما ذكرنا كما أومى إليه في المختلف وكاد يكون صريح المتن كما هو صريح غيره أيضا ، ومنه يظهر لك النظر في كلام كثير من المصنفين فلاحظ وتأمل جيدا والله اعلم. هذا كله في اعتبار التقابض ؛ وقد ظهر لك أنه متى حصل الافتراق قبله بطل إلا في مسألة التحويل.

أما لو تفرقا قبل الوزن والنقد ، ففي القواعد « صح مع اشتمال المقبوض على الحق » ونحوه ما في الدروس « لو تقابضا جزافا فيزنان في موضع آخر جاز الافتراق » ونحو ذلك أيضا عن النهاية والتذكرة ، و‌قال حنان بن سدير (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « انه يأتيني الرجل ومعه الدراهم ، فأشتريها منه بالدنانير ، ثم أعطيه كيسا فيه دنانير أكثر من دراهمه ؛ فأقول : لك من هذه الدنانير كذا وكذا دنانير أكثر من دراهمك فيقبض الكيس منى ثم يرده على ويقول : أثبتها لي عندك ؛ فقال : ان كان في الكيس وفاء بثمن دراهمه فلا بأس ».

قلت : وقد يستفاد مما هنا عدم اشتراط الوزن في تحقق اسم القبض إذ احتمال الفرق بين قبض الصرف وغيره مخالف لظاهر الفتاوى ، ولا فرق في موضوع المسألة بين كون المبيع أو الثمن كليا ، ثم يدفع له في المجلس ما يزيد على حقه وان لم يحصل الوزن والنقد ، وبين الشخصي إذا كان قد أخبره بالوزن فاشتراه من غير اعتبار ثم أراد اعتباره بعد ذلك ، والحاصل أنه لا مدخلية للوزن في تحقق القبض كما عرفت.

( و ) كيف كان ف لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد ولو تقابضا إجماعا ( و ) نصا للربا كما أنه يجوز في الجنسين إجماعا ونصا لعدمه ويستوي في وجوب التماثل المصوغ والمكسور وجيد الجوهر ورديه بلا خلاف ولا اشكال ، لصدق اتحاد الجنس فيه ، نعم لو شرطت الصياغة مثلا كان زيادة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ ، من أبواب الصرف الحديث ١.

١٣

وإذا كان في الفضة مثلا غش غير متسامح فيه مجهول قدره تفصيلا وإجمالا لم تبع الا بالذهب أو بجنس غير الفضة الخالصة لعدم الربا حينئذ لاختلاف الجنسين ، أما فيها فلا ، لعدم العلم بمقدار ما فيه منها كي يتخلص من الربا الذي شرط عدمه في المتجانسين المساواة ؛ فالشك فيها شك في الجواز ، وكذا لا يجوز بيعه بجنس ما فيه من الغش خاصة إذا كان ربويا لعين ما سمعته في الفضة ، أما بيعها بالفضة المغشوشة ، فلا ريب في الجواز لانصراف كل جنس الى ما يخالفه.

وكذا الحال في الذهب المغشوش و‌في صحيح بن سنان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الفضة فيه الرصاص بالورق ، وهي إذا أذيبت نقصت من كل عشرة ، درهمين أو ثلاثة ، فقال : لا يصلح الا بالذهب ». نعم الظاهر أن هذا الحصر بناء على الغالب من عدم بيع المغشوش بمثله من الخالص فضلا عما زاد ، والا لو فرض ذلك جاز وان جهل ؛ لعدم الربا حينئذ ، ضرورة مقابلة ما فيه من الفضة بمثلها كائنا ما كان ، وصرف الزائد إلى الغش كما أنه لو علم ما فيها من الغش ولو على الإجمال بأن لا يزيد على الثلث مثلا جاز بيعها بما يزيد على الثلثين من الخالص زيادة تصلح لمقابلة الغش ولو علم مقدار الفضة على التفصيل جاز بيعه بمقداره من جنسه مع زيادة منه أو من غيره تصلح لان تقابل الغش كما تقدم تحقيق المسألة في الربا وذكرها في المقام من حيث تعلقها بالصرف ، بناء على ما عرفت سابقا وتعرف لا حقا في بيع السيوف المحلاة إن ضميمة غير الجنس لدفع الربا لا الصرف ، فلا بد من التقابض حينئذ ؛ لكن ينبغي أن يعلم أنه يكفي في الصحة حصول الشرط في الواقع ، فلو فرض صدور البيع حال الجهل بقدر المقابل فاتفق كونه واقعا على وجه لا ربا فيه صح ، لتناول عموم الأدلة له ، ولا دليل على اشتراط الإحراز سابقا كالمعلومية في البيع.

وحينئذ فالمتجه الاختبار فيما لو وقع مثل ذلك ، فلا يحكم بالصحة ولا بالفساد الا بعد تبين الحال ؛ ولعل إطلاق الأصحاب عدم الجواز يراد به عدمه لو أريد البيع به من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصرف الحديث ١ باختلاف يسير.

١٤

غير مراعاة كغيره من الافراد ، أما إذا تعذر الاختبار مثلا ، فيمكن الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر والنقل ونحوهما من الأصول بعد عدم ما يدل على أحد الأمرين ، وان كان كل منهما مشروطا بشرط وجودي وهو التفاضل والتساوي مثلا ، ويمكن القول ببقاء العوضين على الاشتباه حتى يتحقق الحال ، ولو للمقدمة باعتبار التكليف بما لا يتم الا بالتوقف في الفرد المخصوص من بيع المتجانسين حتى يعلم الحال ، والمسألة مشكلة ، ولكن ظاهر الأصحاب في المقام وغيره معاملة المفروض نحو معاملة الفاسد في الظاهر ، وتمام التحقيق محتاج إلى اطناب تام فتأمل جيدا والله العالم.

ولا يباع تراب معدن الفضة بالفضة خاصة ولا بترابه أيضا احتياطا عن الوقوع في الربا لعدم العلم بالمساواة ويباع بالذهب وبغيره لاختلاف الجنس وكذا تراب معدن الذهب ولا يباع بالذهب ولا بترابه احتياطا ويباع بالفضة مثلا لاختلاف الجنس فلا ربا ؛ وان تحقق الصرف باعتبار وجود الأجزاء الذهبية والفضية في التراب لا أنه مستحيل بالعمل والا لم يكن لذكرها في الصرف وجه وان جرى عليها حكم الربا على هذا التقدير أيضا ، لما عرفت سابقا من أن الفرع والأصل جنس و، لو علمت زيادة في الثمن عما في التراب من جنسه لم يصح هنا وان صح في المغشوش ، بناء على أن التراب لا قيمة له لتصلح في مقابلة الزائد وحينئذ فإن علمت المساواة جاز ، والتراب كعدمه فما عساه يتخيل من جواز بيع التراب بالتراب لأنهما جنس واحد ولا يقدح عدم العلم بما يحصل منهما إذ هو كبيع اللحم باللحم المشتملين على العظام لا يخلو من ضعف.

ولو مزج الترابان أو جمعا في صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا لانصراف كل جنس الى ما يخالفه وبالذهب وحده مع زيادة تقابل الفضة وبالعكس كذلك لعدم الربا في ذلك كله كما هو واضح ، و‌قال أبو عبد الله مولى عبد ربه (١) « سألت الصادق (ع) عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصرف الحديث ٥.

١٥

كيف نشتريه فقال تشتريه بالذهب والفضة جميعا » ‌

وكذا يجوز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة وان كان فيه أى الرصاص والصفر يسير من الفضة أو الذهب بلا خلاف لان الغالب عليه اسم غيرهما فلا يصدق بيع المجانس بمثله ولا بيع الأثمان بمثلها فلا يجرى عليه حكم الربا وان لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير ولا حكم الصرف. قال : معاوية (١) وغيره « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه ، فضة ، أيصلح أن يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة؟ فقال : إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعنى لا يعرف لا بالأسرب » ‌و‌في خبر البجلي (٢) عنه أيضا « في الأسرب يشترى بالفضة؟ فقال : إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس ».

وقد ظهر منها أن المدار على غلبة الاسم حقيقة ، فلا يجزى غيره حتى التسامح للقلة ونحوها وهو كذلك ، قال في المسالك : « ان مجرد الأغلبية غير كاف في جواز البيع بذلك النقد كيف اتفق ، حتى لو كان الخليط عشرا يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه الا مع زيادة الثمن عليه بحيث يقابل الأخر ».

نعم قد يظهر من بعضهم أنه إذا كان تابعا غير مقصود لم يمنع من البيع بجنسه ، كالذي يزين به السقف والجدران والمصاحف ، مع أنه قد يناقش فيه بعدم مدخلية القصد في ذلك وجواز نحو ذلك مما ذكره لخروج النقد فيها عن الموزونية فتأمل جيدا والله أعلم.

ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة والدنانير بالشراء بها وغيره من أنواع التصرفات مع جهالة أصل الغش أو قدره إذا كانت معلومة المصرف بين الناس بلا خلاف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، فضلا عن محكيه ، للسيرة القطعية بعد الأصل و‌قال حريز (٣) « كنت عند أبى عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها فقال : لا بأس إذا كان جواز المصر » ‌و‌البقباق (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الدراهم المحمول عليها فقال : إذا أنفقت ما يجوز‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصرف الحديث ٢ ـ ١

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١٠ ـ ٩

١٦

بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس وان أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا ».

و‌محمد بن مسلم (١) « جاء رجل من أهل سجستان لأبي جعفر عليه‌السلام فقال له : ان عندنا دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم دانقين؟ فقال لا بأس به إذا كان يجوز بين الناس » ‌وعليه يحمل إطلاق‌ خبره الآخر (٢) « سألته عن الدراهم المحمول عليها فقال لا بأس » ‌بل و‌خبر عمر بن يزيد (٣) « عن أبى عبد الله عليه‌السلام في إنفاق الدراهم المحمول عليها فقال : إذا كان الغالب الفضة فلا بأس بإنفاقها » ‌المبين بخبره الآخر (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال : إذا جازت الفضة الثلثين فلا بأس» ‌على معنى أن الجائز بين الناس في ذلك الوقت ما كانت كذلك وان كانت مجهولة الصرف وكان غشها مما لا يتسامح به لم يجز إنفاقها إلا بعد ابانة حالها بلا خلاف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه لما فيه من الغش المحرم نصا وإجماعا وعليه يحمل‌ خبر المفضل بن عمر الجعفي (٥) « قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فألقى بين يديه الدراهم فألقى إلى درهما منها فقال : أيش هذا؟ فقلت : ستوق فقال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة فقال : اكسر هذا فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه » ‌و‌مكاتبة جعفر بن عيسى (٦) الى أبى الحسن عليه‌السلام « ما تقول جعلت فداك في الدراهم أعلم أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة تصير الى من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به ؛ وانما آخذه على أنه جيد أيجوز لي أن آخذه وأخرجه من يدي على نحو ما صار الى من قبلهم؟ فكتب عليه‌السلام لا يحل ذلك ».

بشهادة‌ ما رواه ابن أبى عمير عن ابن رئاب (٧) « قال : لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها ، فقال : إذا كان بين ذلك فلا بأس » ‌وغيره والظاهر الاكتفاء بالاخبار بأن فيه غشا من غير حاجة الى بيان قدره إلا إذا توقف عليه التخلص من الربا ، كما أن الظاهر عدم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٦ ـ ١

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٤ ـ ٣ وفي الاخير اذاجازت الفضة المثلين

(٥) و (٦) و (٧) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٥ ـ ٨ ـ ٢

١٧

وجوب الكسر وان نص عليه في الخبر السابق (١) الا أنى لم أجد من أفتى به بل الفتاوى وباقي النصوص على خلافه ، وفي جواز دفع الظلمة بالدراهم المغشوشة وجهان أقواهما الجواز وأحوطهما خلافه والله أعلم.

( مسائل عش )

الأولى : الدراهم والدنانير عندنا معاشر الإمامية كغيرها يتعينان بالتعيين في العقد فلو اشترى شيئا بدراهم أو دنانير معينة لم يجز له دفع غيرهما ولو تساوت الأوصاف خلافا لأبي حنيفة فلا تتعين بالتعيين ، وهو مخالف للأدلة الأربعة كما هو واضح ، وحينئذ فإن تلف قبل القبض انفسخ البيع ولم يكن له دفع عوضها ، وان ساواه مطلقا ؛ ولا للبائع طلبه ، وان وجد البائع بها عيبا ففي المسالك لم يستبد لها ، بل اما أن يرضى بها أو يفسخ العقد قلت : أو يأخذ الأرش إذا كان في المجلس حيث يكون المبيع حينئذ من الأثمان أيضا ، ولا يستلزم الربا بل وان استلزم على وجه تقدم سابقا.

المسألة الثانية : إذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد جميع ما صار اليه من غير جنس الدراهم بل هي رصاص ونحوه كان البيع باطلا بلا خلاف ولا اشكال وكذا في غير الصرف ف لو باعه ثوبا مثلا كتانا فبان صوفا بطل البيع لتخلف القصد عما وقع عليه العقد ولا ابدال هنا ولا أرش لوقوعه على عين مشخصة ، فلا يتناول غيرها ، وعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين. وتخيل تغليب الإشارة هنا على الاسم باطل ، ضرورة ارادة مسمى الاسم منها.

ولو كان قد وجد البعض مما صار اليه من غير الجنس بطل فيه حسب دون الجيد بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك الا ما ستسمعه لوجود مقتضى الصحة فيه بخلافه ولا مانع من التبعيض في متعلق العقد كما في غير المقام.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٥.

١٨

ولكن له بل وللبائع أيضا مع الجهل بالعيب رد الكل لتبعض الصفقة وله أخذ الجيد خاصة بحصته من الثمن وقد ظهر لك مما تقدم أنه ليس له الرضا به ، لما عرفت من بطلان العقد فيه وليس له المطالبة بدله لعدم تناول العقد له ولا بالأرش وكذا لو اشترى بالدراهم ودنانير أو غيرها ، ضرورة اتحاد الجميع فيما عرفت مما هو معلوم من القواعد المقررة في غير المقام ، لكن عن الخلاف والسرائر أنه إذا باعه دراهم بدراهم ، وكان البعض عن غير الجنس كان البيع باطلا ، وقد يريدان في خصوص البعض ، وفي اللمعة « لو ظهر عيب في المعين من غير جنسه بطل فيه ، فان كان بإزائه مجانسه ، بطل البيع من أصله كدراهم بدراهم ، وان كان مخالفا صح في السليم وما قابله ، وظاهره الفرق بين المجانس والمخالف ، وربما وجه باستلزام الربا فيه دونه ، وذلك لانه لو ظهر درهم من مأة درهم نحاسا كشف عن وقوع البيع على ماءة بتسعة وتسعين درهما ، لان وجود الدرهم المعيب كعدمه ، بل قيل انه لو لا أن مراده ذلك لم يبق فرق بينه وبين قوله ، وان كان مخالفا ، بل كان في العبارة تكرار ، واشتراط من غير فائدة.

وفيه أنه بعد أن قوبل صورة بالثمن خصه منه مقدار ما يساويه ، فلا ربا حينئذ في غيره ، وتنزيله منزلة العدم بالنسبة إلى قصد كونه مبيعا لا بالنسبة إلى المقابلة ، ويمكن أن يريد الشهيد وان كان بعيدا بل لا يخلو من نظر بالمجانس هنا المعيب أيضا ، فإنه لا إشكال في البطلان حينئذ والمخالف غير السليم فلا يكون مخالفا ولم يفسرها في الروضة بما يصلح وجها للتفصيل فلاحظ وتأمل.

وأما لو كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر أو اضطراب السكة كان له رد الجميع أو إمساكه ، وليس له رد المعيب وحده لو فرض أن المعيب البعض لتبعيض الصفقة ، وفيه البحث السابق بل عن الشيخ وابن حمزة والفاضل التصريح هنا بأن له ذلك وان كان ظاهر هم في بحث العيب الإجماع على عدمه ولم يظهر وجه للفرق فلاحظ وتأمل والله أعلم.

ولا ابدا له لان العقد لم يتناوله كما عرفت ولا أرش في مفروض المتن للربا به‌

١٩

بناء على تحققه بمثله ، ولو تخالفا كان له الأرش في المجلس قطعا ، لوجود المقتضى وعدم المانع ، ومع مفارقته ليس له أخذ الأرش من النقدين ، بلا خلاف ممن تعرض له ، كالفاضل والشهيدين وغيرهم لكونه حينئذ من الصرف ؛ وقد فرض الافتراق.

أما من غيرهما فقد صرح الفاضل في التحرير والشهيدان في الدروس والمسالك بجوازه ، لعدم كونه صرفا بل هو كالمعاوضة بغير الأثمان ، فيكون جملة العقد بمنزلة بيع وصرف ، والبيع ما أخذ عوضه بعد التفرق ، وظاهر أولهما في اللمعة التوقف فيه بل جزم ثانيهما بعدمه في الروضة ، لأن المعروف كون الأرش كجزء من الثمن ؛ والمعتبر فيه النقد الغالب على أن الحقوق المالية يرجع فيها الى النقدين ، فكيف ينحصر الحق الواجب باعتبار نقصان في أحدهما ، فإذا اختار الأرش حينئذ وحصل موجبه لزم النقد واتفاقهما على غيره معاوضة على النقد الثابت في الذمة أرشا لا نفس الأرش.

ودعوى ـ أن الثابت وان كان هو النقد ، لكن لما لم يتعين الا باختياره الأرش إذ لو رد لم يكن الأرش ثابتا ، كان ابتداء تعلقه بالذمة الذي هو بمنزلة المعاوضة اختياره ، فيعتبر حينئذ قبضه قبل التفرق مراعاة للصرف ، وكما يكفي في لزوم معاوضة الصرف دفع نفس الأثمان قبل التفرق كذا يكفي دفع عوضها قبله ، بل مطلق براءة ذمة من يطلب منه ، فإذا اتفقا على جعله من غير النقدين جاز ، وكانت المعاوضة كأنها واقعة به ـ يدفعها أن ذلك يقتضي جواز أخذه في مجلس اختياره من النقدين أيضا ولا يقولون به ، ولزومه وان كان موقوفا على اختياره ، الا أن سببه العيب الثابت حالة العقد ، فقد صدق التفرق قبل أخذه ، وان لم يكن مستقرا.

ومن هنا قال في الروضة : « والحق انا ان اعتبرنا في ثبوت الأرش السبب لزم بطلان البيع فيما قابله بالتفرق قبل قبضه مطلقا ، وان اعتبرنا حالة اختياره أو جعلناه تمام السبب على وجه النقل ، لزم جواز أخذه في مجلسه مطلقا ، وان جعلنا ذلك كاشفا عن ثبوته بالعقد ، لزم البطلان فيه أيضا.

وعلى كل حال فالمعتبر منه النقد الغالب ، وما اتفقا على أخذه أمر آخر ، والوجه‌

٢٠