جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة السابعة : ـ قد عرفت مما تقدم من القواعد السابقة كيفية بيع المراكب والسيوف وغيرها المحلاة بأحد النقدين ف ان علم قدر ما فيها بيعت بجنس الحلية بشرط أن يزيد الثمن عما فيها ليتخلص من الربا بمقابلة الزيادة لذي الحلية أو توهب بعد البيع أو قبله ، فتكون الحلية حينئذ مبيعة منفردة فلا يحتاج إلى الزيادة بل لا يجوز معها لتحقق الربا.

نعم يجب أن يكون الالتهاب من غير شرط في بيع الحلية بمساويها ، والا كان ربا كما عرفته فيما تقدم ، ولو وهبه قبل البيع صح ، ولو اشترط في عقد الهبة بيع الحلية بالمساوي خلافا للمسالك فلم يجوزه أيضا وكأنه لأنه يؤل الى البيع بشرط الهبة ، وفيه منع ، هذا إذا أريد البيع بجنس الحلية وأما لو باعه بغير جنسها فلا إشكال في الجواز مطلقا سواء زادت قيمته عليها أولا وسواء اشترط الهبة لو كان البيع للحلية خاصة أولا وأما ان جهل المقدار فالظاهر عدم الإشكال في أصل البيع ، لعدم اشتراطه هنا بالوزن ، للأصل المعتضد بالسيرة ، وإطلاق النصوص سواء تمكن من النزع بلا ضرر أولا ، لكن قد يوهم قوله في المتن ولم يمكن نزعها الا مع الضرر ، بيعت بغير جنس حليتها عدم الجواز مع التمكن ، ونحوه الدروس ، بل عن حواشي الشهيد التصريح بأنه لا يجوز بيع المحلى المجهول الا بعد تخليص الحلية ، الا ان يحصل نقص أو ضرر ، فيجوز مجهولا بالاخر ، وفيه منع واضح.

نعم لا يرتفع حكم الربا بذلك للاكتفاء فيه بوزن جنسه ، وليس هذا كالغزل الذي خرج بالصفة عن كونه موزونا الذي قد صرح في النصوص (١) بجواز بيعه متفاضلا بل هو كغير الموزون لكبر أو صغر بل هو أولى منهما عند التأمل ، ضرورة موزونية الحلية لو كانت منفردة الا أنها بالوضع على المحلى ، وصعوبة النزع والتضرر به بيعت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ١٢ وباب ـ ١٩ ـ منه أيضا.

٤١

بلا وزن ، تبعا للمحلى.

نعم يمكن التوقف في بيعها منفردة مجهولة ، بل لعل الأقوى فيه العدم ؛ وكيف كان فما ذكره المصنف من البيع بغير جنس الحلية لا اشكال فيه ولا خلاف وأما ان بيعت بجنس الحلية فمقتضى القواعد السابقة بل حكي الإجماع عليه هنا ونفي الخلاف فيه آخر ، مضافا الى ما سمعت من النصوص (١) جوازه إذا كان الثمن زائدا عليها ، حتى يكون في مقابلة ذي الحلية ، أما إذا كان أقل فلا يجوز إجماعا محكيا عن الخلاف ، معتضدا بنفي الخلاف من غيره ، بل ومحصلا لتحقق الربا ، وقد‌ سأل منصور الصيقل (٢) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن السيف المفضض يباع بالدراهم فقال : ان كانت فضته أقل من النقد فلا بأس وان كان أكثر فلا يصلح » ‌ونحوه مضمر أبى بصير (٣) وهو قرينة على وهم الراوي عنه‌ في خبره الآخر (٤) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام السيف أشتريه وفيه الفضة تكون الفضة أكثر أو أقل ، قال : لا بأس » ‌أو على أن المراد به في فضته قلة أو كثرة على اختلاف أفراده فيقيد حينئذ بخبره الأول أي إذا كان ثمنه أكثر فلا بأس ، أو كان مع الضميمة أو غير ذلك ، جمعا بينه وبين ما عرفت من القواعد السابقة وغيرها.

لكن قيل والقائل الشيخ في النهاية يجعل معها شي‌ء من المتاع ، وتباع بزيادة عما فيها تقريبا دفعا لضرر النزع قال فيها : « ومتى كانت محلاة بالفضة وأرادوا بيعها بالفضة وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها ليجعل معها شيئا آخر وبيع حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيها تقريبا ، ولم يكن به بأس » ولم أجده لغيرها ، نعم نسبه في التنقيح الى المبسوط والخلاف ؛ وفي مفتاح الكرامة ، لم أجده تعرض لذلك في الكتابين بعد فضل التتبع ، ويؤيده اقتصار جماعة على نسبته إليها.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ ـ من أبواب الصرف.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ١٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ٧ ـ ٨ ـ ٩

٤٢

وعلى كل حال فظاهرها كما قيل اعتبار الضميمة مع الحلية ، بل عن حواشي الشهيد نسبته الى محققيهم ، ولا وجه له ، ضرورة عدم الفائدة لها بعد ان كان المحلى مضموما إليها ، بل تستدعي زيادة في الثمن في بعض الأحوال. نعم لو ضمت الى الثمن المجانس أفادت عدم اعتبار كثرته على المقابل ؛ لاشتمال كل من العوضين حينئذ على جنسين ، وقد عرفت انتفاء الربا فيه فتوى ونصا ، وحمل عبارة النهاية والمتن على ذلك ممكن ، الا انه عليه لا ينبغي اعتبار كثرة الثمن لا تحقيقا ولا تقريبا ، اللهم الا ان يريد انه يعتبر الضميمة إلى الثمن إذا كان مجانسا إلى الحلية ، ولم تكن كثرته محققة بل تقريبية ، فإذا أريد بيعه على هذا الحال اعتبر الضميمة إلى الثمن ، لكن الجميع كما ترى تكلف في تكلف.

ونحوه ما قيل من الاعتذار له على تقدير إرادة الضميمة إلى الحلية بأنه لعله يريد أن يبيعها منفردة لا يجوز مع الجهل بقدرها وجهل المقابل لها ، فيضم إليها المحلي أو شي‌ء آخر حتى يكون سببا لتكثير الثمن على وجه يقطع بزيادته عليها ، إذ هو أبعد مما ذكرنا ، ومن هنا قيل ان الشيخ قد تبع في ذلك رواية حملت على سهو الراوي قلت : هي‌ خبر عبد الرحمن ، (١) وقد رواه في المحكي عن كشف الرموز « سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة ، نبيعها بدراهم بنقد قال : كان أبى يقول يكون معها عروض أحب الى » ‌وعود الضمير فيه الى الدراهم ممكن ، بل هي أقرب من السيوف والموجود في محكي‌ التهذيب والكافي (٢) « سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى فقال : ان الناس لم يختلفوا في النسي‌ء أنه الربا ، وانما اختلفوا في اليد باليد ، فقلت له : فنبيعه بدراهم بنقد ، فقال : كان أبى عليه‌السلام يقول : يكون معه عرض أحب الى ؛ فقلت : إذا كانت الدراهم التي تعطى أكثر من الفضة التي فيها ، فقال : فكيف لهم بالاحتياط بذلك ، قلت له : فإنهم يزعمون أنهم‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٣ وهي قطعة من الرواية ولها صدر وذيل.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١ مع اختلاف يسير.

٤٣

يعرفون ذلك ، فقال : إذا كانوا يعرفون ذلك فلا بأس يجعلون معه العرض أحب الى ».

وتذكير ضمير معه وان كان كتذكير الضمير في نبيعه المعلوم ارادة المحلى منه ؛ ولكن قد يشهد لرجوعه الى النقد أو الى الثمن المفهوم من المقام ، بل لو أنث أمكن رجوعه الى الدراهم لا السيوف ، بل قد يشهد لذلك أيضا قول السائل فقلت الى آخره ، ضرورة ظهوره في أن السائل قد فهم ارادة العروض مع الدراهم ، فسأله عن الاحتياج اليه مع فرض كثرة الدراهم ، فأجابه عليه‌السلام أنه لا سبيل غالبا إلى معرفة ذلك ؛ فقال له : انهم يزعمون المعرفة فقال له : لا بأس على هذا الفرض ، الا أنه ومع ذلك « فالعروض أحب » لعدم كون المعرفة على جهة اليقين من المتعاملين ، وأمر الربا شديد ينبغي شدة الاحتياط في التحرز ، على أن الموجود فيما حضرني من نسخ التهذيب والكافي المعتمدة ؛ والا يجعلون الى آخره ، على معنى أنهم ان لم يعرفوا ذلك يجعلون ، ويكون المراد من قوله أحب حينئذ الوجوب ، نحو ما سمعته في صدره.

وعلى كل حال فقد اتضح المراد بالخبر ويمكن حمل عبارة الشيخ عليه ، والا كان سهوا من قلمه الشريف ، كما أن ما في ظاهر الإرشاد من تعين البيع بغير الجنس مع الجهل ؛ بل والقواعد يجب حمله على ما هو الغالب من عدم القطع بالزيادة.

ثم ان ظاهر الخبر المزبور ان منع النسيئة في بيع الأثمان بعضها ببعض من جهة الربا ولو مع اختلاف الجنس ، والمعروف أن المنع في الأخير لاعتبار التقابض في الصرف ، اللهم الا أن يكون اعتباره من جهة لزوم الربا غالبا على تقدير عدمه في أحدهما على وجه النسيئة ، كما هو صريح بعض العبارات المحكية عن المبسوط ، ولا بعد فيه ، إذ غايته تحقق الربا في الأثمان بذلك مضافا الى التفاضل في الجنس ، والأمر سهل ، الا أن قوله وانما اختلفوا الى آخره ، ظاهر في وقوع الخلاف باعتبار التقابض فيه ، لان المراد به اختلافهم في اعتباره فيه وعدمه بعد اتفاقهم على منع النسيئة ، مع أنه لم نعرف خلافا في‌

٤٤

اعتباره في بيع النقدين ، اللهم الا أن يكون ذلك إشارة الى ما ذكره محي السنة من العامة على ما قيل : من أن ذلك أي التفاضل في الجنسين يدا بيد كان قديما في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونسخ ، وبقي عليه أقوام لم يصل اليه النسخ.

وعلى كل حال فهو صريح في عدم جواز البيع نسيئة و‌قال أبو بصير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيع السيف المحلى بالنقد ، فقال : لا بأس به ، قال : وسألته عن بيعه بالنسيئة ، فقال : إذا نقد مثل ما في فضته فلا بأس ، أو ليعط الطعام » ‌وقال أيضا‌ في خبر ابن سنان (٢) : « لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد ثمن فضته والا فاجعل ثمن فضته طعاما ولينسئه ان شاء ».

فما‌ في مرسل إسحاق بن عمار (٣) ظانا أن الراوي عبد الله بن جذاعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السيف المحلى بالفضة يباع بنسيئة قال : ليس به بأس ، لأن فيه الحديد والسير » ‌يجب تقييده بما إذا نقد مثل ما فيه من الفضة ، أو أن البيع كان بعرض أو غير ذلك ، كما انه يجب حمل‌ خبر محمد (٤) قال : « سأل عن السيف المحلى والسيف الحديد المموه بالفضة نبيعه بالدراهم قال : نعم وبالذهب وقال : انه يكره أن تبيعه نسيئة ؛ وقال : إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس » ‌على إرادة الحرمة من الكراهة لو كان البيع بالنقد ؛ وفي التهذيب بع بالذهب ، مكان نعم وبالذهب ، ولعله أولى ؛ ويكون قوله أخيرا إذا كان الى آخره تقييدا للجواز بالدراهم.

وعلى كل حال فمقتضى إطلاق النصوص المزبورة وما شابهها من الفتاوى المتضمنة لوجوب نقد ما يقابل الحلية لو كان الثمن نقدا في المجلس وتأجيل ما عداه ؛ جريان حكم الصرف عليه إذا بيع بالأثمان ، ولو ضم إليها غير ثمن فيقبض ما يقابل الحلية‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الصرف الحديث ٣ ـ ٦ ـ ١٠ ـ ٤

٤٥

منها ويؤخر الباقي ان شاء ، بل صرح به في الدروس فقال : « لو جمع بين الربوي وغيره في عقد جاز فان كان مشتملا على أحد النقدين ، اشترط قبض ما يوازيه في المجلس » وهو مؤيد لما ذكرنا سابقا من أن المراد بانصراف كل جنس الى ما يخالفه عدم الربا خاصة ، لا أن ذلك جار في غيره من الاحكام التي منها الصرف ، فلا يجب التقابض ؛ لانصراف كل الى ما يخالفه ؛ فلا يكون من الصرف الذي هو بيع الأثمان بعضها ببعض ، والله أعلم هذا.

وقد عرفت فيما تقدم أنه يجب العلم بكثرة الثمن إذا كان من جنس الحلية عليها ؛ وفاقا للدروس والروضة وغيرهما ؛ وظاهر الباقين ، ولا يكفي الظن احتياطا من الربا ؛ وللشك في شرط الجواز هنا ، ولغير ذلك ، لكن في اللمعة هنا « وحلية السيف والمركب يعتبر فيهما العلم ان أريد بيعها بجنسها فان تعذر كفي الظن الغالب » وفيه ما عرفت سابقا فلاحظ وتأمل.

المسألة الثامنة لو باع ثوبا بعشرين درهما مثلا من صرف العشرين بدينار لم يصح لجهالته كما عن المبسوط التصريح به أيضا قال : « إذا اشترى ثوبا بماءة درهم من صرف عشرين درهما بدينار لم يصح الشراء ، لان الثمن غير معين ولا موصوف بصفة تصيره معلوما » وفيه ان المتجه الصحة مع عدم الجهالة ؛ ودعوى لزومها له ممنوعة ومن هنا قيد البطلان في القواعد بتعدد الصرف بالسعر المذكور أو جهله ، وقال في الدروس : « صح مع العلم لا مع الجهل » وفي المختلف « إطلاق الشيخ ليس بجيد ، لان مع وجود دراهم صرفها ذلك يصح البيع » وقد يستفاد من تعليل المتن التقييد أيضا ، لكن في المسالك « ان تعليله المنع بالجهالة يقتضي إثباتها وان وجد في المعاملة نوع صرفه ذلك وعلم به » ‌

٤٦

قلت : بهذا التعميم صرح في التذكرة ، حتى قال : « لو كان نقد البلد صرف العشرين بدينار لم يصح أيضا لأن السعر يختلف ، ولا يختص ذلك بنقد البلد » وفيه ان المانع من الصحة انما هو جهل الدراهم ، وهي على هذا التقدير معلومة ، والإطلاق منزل على نقد البلد أو الغالب ان تعدد فمتى كان نقد البلد معينا لذلك الصرف ؛ أو الغالب وعين نوعا بذلك صح ، كما أنه يصح مع فرض العلم في غيرهما أيضا ، وتعدد أفراد العشرين بالصرف المزبور إذا لم يختلف الغرض باختلافها غير قادح ، إذ هو كأفراد كلى الدرهم مثلا ، والحاصل هذه المسألة جزئية من مسائل الجهل والعلم ، فيدور الحكم في الصحة والفساد عليهما ، ولعله مراد الشيخ من إطلاقه ، كما أن إطلاق بعض من انتقد عليه كذلك ، والأمر سهل بعد وضوح الحال.

المسألة التاسعة لو باع ماءة درهم بدينار الا درهما منه لم يصح بلا خلاف أجده للجهالة بالدينار أو الدرهم أو نسبة الدرهم الى الدينار ، لعدم تحققها باعتبار عدم ضرب السلطان قيمة للدينار ؛ أو لعدم علم المتعاقدين بها ، بل لو علم أن الدرهم يساوى ربع مثقال من الدينار ؛ الا أنه لم يعلم نسبته اليه لعدم العلم بوزن الدينار ، يمكن البطلان أيضا للجهالة ، وفيه وجه بالصحة مع عدم علم الاستغراق ، بل وفي سابقه وان كان ضعيفا ، اما لو علم ذلك وعلم وزن مجموع الدينار الا أنه لم يستحضر النسبة ، أنها ربع أو أكثر أو أقل فالأقوى الصحة فيه.

وكذا الحكم لو كان ذلك ثمنا لما لا ربا فيه ضرورة بناء المسألة على العلم والجهل الذين يعمان كل بيع ، وقد‌روى السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام « في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الى أجل ، قال : فاسد ؛ فلعل الدرهم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

٤٧

يصير بدينار » ‌ومقتضى التعليل فيه بل والقواعد أنه لو اشتراه مستثنيا منه الدرهم ، في وقت العقد وكان معلوم النسبة عندهما صح ، ولو كان نسيئة ، بل هذا هو مراد الإسكافي فيما حكي عنه ، لو باع ثوبا بماءة درهم غير دينار نقدا جاز ؛ فان باعه نسيئة لم يصح البيع. لانه لا يعلم قدر الدينار من الدرهم وقت الوجوب ، وكذا كل ما اختلف جنساه.

كما أن ما عن الشيخ في المبسوط يجب حمله على عدم علم المتعاقدين حال العقد ؛ قال : « إذا اشترى ثوبا بماءة درهم الا دينارا ، أو بماءة دينار الا درهما لم يصح ، لان الثمن مجهول ، لانه لا يدرى كم حصة الدرهم من الدينار ، ولا حصة الدينار من الدرهم الا بالتقويم والرجوع الى أهل الخبرة ، ونحوه عن ابن البراج والكراهة في‌ خبر حماد بن ميسر « عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام أنه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم ، لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم » ‌

يراد به الحرمة أو أنه لا يعلم خصوص الثلث والربع مثلا ، نحو‌

خبر وهب عن جعفر « عن أبيه عليه‌السلام أنه كره ان يشترى الرجل بدينار الا درهما أو إلا درهمين نسيئة ، ولكن يجعل ذلك بدينار الا ثلثا ، والأربعاء والا سدسا ، أو شيئا يكون جزءا من الدينار » ‌ومنه ومن غيره يعلم أنه لو قدر قيمة الدرهم من الدينار بجزء مشاع فاستثناها جاز لارتفاع الجهالة بل لو قال استثنى الدرهم مع العلم منهما بما يخصه من الدينار. فهو كناية عن ارادة استثناء ذلك الجزء صح ، بل لو لم يستحضر النسبة إلا أنهما يعلمانها بأدنى التفات لم يبعد الجواز لارتفاع الجهالة والله أعلم.

المسألة العاشرة : لو باع خمسة دراهم مثلا بنصف دينار مثلا قيل : والقائل الشيخ وغيره بل لا أجد فيه خلافا صريحا كان له شق دينار بمقتضى الحقيقة اللغوية ولا يلزم المشتري شق صحيح لعدم كونه شق دينار حقيقة ، وانما هو نصف مثقال يساوى شق دينار الا ان يشترط أو يريد بذلك الصحيح من نصف المثقال عرفا فان لم يكن عرف أو شرط أو قرينة حمل على الحقيقة‌

٤٨

كما هو الضابط ، لكن عن التذكرة البطلان مع عدم التعيين إذا اختلفت العرف ، للجهالة ، وفيه منع إذا لم يصل على حد لاشتراك وكذا الحكم في غير الصرف ضرورة ابتناء المسألة على ما لا يخصه.

وعلى كل حال فلو اشترى منه مبيعا آخر بنصف دينار فعليه شقان ؛ فان بذل له دينارا صحيحا زاده خيرا ولو شرط عليه في العقد الثاني إعطاء صحيح عنهما صح ؛ لعموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » (١) ‌السالم عن معارضة مقتضى البطلان من الجهالة وغيره سواء لزم العقد الأول أولا ، خلافا للمحكي في المختلف عن مبسوط الشيخ فأبطل الثاني خاصة إذا كان الأول قد لزم وانقطع الخيار بينهما فيه ، معللا له بأنه لم يرض بأن يكون ثمن الثوب الثاني نصف دينار حتى يزيد في ثمن الثوب الأول ، فيجعل المكسور من دينار صحيحا ، وهذه الزيادة لا تلحق بالأول لابرامه ، ولأن الزيادة مجهولة ، فيكون الثمن في الثوب الثاني مجهولا فيبطل ، وان كان العقد الأول لم يلزم لبقاء الخيار فيه بينهما فسدا معا ، لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة ، فلا يصح إلحاقها بالثمن فلم تثبت فلم يرض بكون النصف دينار ثمنا حتى يكون معه هذه الزيادة في ثمن الثوب الأخر فصار الثمن مجهولا ، وفيه بعد تجشم توجيه استدلاله ، خصوصا الثاني ، بإرادة الفسخ حيث لم يرض الا بذلك المتعذر ، منع الجهالة ، ومنع عدم صحة لحوقها الأول ، وان كان قد أبرم ، إذ حاصله تعيين فرد من أفراد الدفع بالشرط ، ولا مانع منه كما هو واضح ، هذا وقد وقع فيما حضرني من نسخة الدروس خلل في النقل عن الشيخ حيث حكى عنه عكس ما ذكرنا فلاحظ وتأمل.

وأما حكم تراب الصياغة المجتمع فيه غالبا من الذهب والفضة والرصاص وغيرها ، فقد مر ما يستفاد منه حكمه في تراب المعدن وفي الأواني وغيرها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢ وباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٤٩

إذ لا فرق بين الجميع في ذلك ف يباع حينئذ بالذهب والفضة مثلا معا أو بعوض غيرهما وبأحدهما مع القطع بزيادته على مجانسه ، أو بضم جنس آخر من نحاس أو غيره عليه ؛ والأمر ببيعه بالطعام في الخبرين الآتيين (١) دفعا لكلفة مشقة تحصيل العلم بالزيادة لو أريد بيعه بأحد الجوهرين لا أنه يتعين ذلك فيه للإجماع على خلافه.

انما الكلام في حكمه باعتبار أنه مجتمع من مال الناس غالبا ـ وظاهر المتن وغيره بل قيل انه لا خلاف فيه أنه مجهول المالك فيتصدق به أو يباع ثم يتصدق به لأن أربابه لا يتميزون غالبا ولو في محصور‌ قال على بن ميمون الصائغ (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال : تصدق به ؛ فاما لك وإما لأهله ، فقلت له : فان كان فيه ذهب وفضة وحديد فبأي شي‌ء أبيعه؟ قال : بعه بطعام ، قلت : فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال : نعم » ‌و‌في خبره الآخر (٣) « سألته عن تراب الصواغين وانا نبيعه ، قال : أما تستطيع ان تستحله من صاحبه قال : قلت لا ، إذا أخبرته اتهمني ، قال : بعه ، قلت : فبأي شي‌ء نبيعه؟ ، قال : بطعام ، قلت : فأي شي‌ء أصنع به ، قال : تصدق به ، إما لك ، واما لأهله ، قلت : ان كان ذا قرابة محتاجا فأصله قال : نعم ».

الا أن الأخير منهما مناف لما صرحوا به ، من غير خلاف يعرف بينهم فيه ، من أنه ان علم صاحبه ولو في محصور وجب التخلص منه ، وخوف التهمة لا تبيح التصرف في مال الغير ، سيما مع إمكان إيصال حقه اليه ؛ أو الاستحلال منه ، بوجه لا يوجب التهمة ، فميل بعض المحدثين الى العمل بالخبر المزبور ـ الذي يمكن دعوى الإجماع على خلافه ـ في غير محله ، فلا بد من طرحه ، أو يقال ان السيرة المستفيضة المعلوم كشفها على اعراض المالك عن ذلك في الصياغة والخياطة والحدادة وغيرها ، والا فلا ينكر أن الغالب معرفة الصاحب جميعهم أو كثير منهم ولا أقل عند الفراغ من العمل ، فيتجه وجوب الاستحلال منه عنده‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الصرف ١ ٢.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الصرف الحديث ١ ـ ٢

٥٠

كما اعترف به في الروضة ، مع أنه لم يعرف من أحد منهم وفيهم الثقات والأبرار استحلال نحو ذلك أو إخباره به ، وليس في الخبرين المزبورين اشارة اليه ، فيمكن بناء ذلك على ظهور الاعراض ؛ الا أنه لما كان يمكن أن لا يكون معرضا استفهم الامام عليه‌السلام عن ذلك ، لإرادة كمال الاحتياط ، وحيث أن السائل أجابه بخوف التهمة رجح الأخذ بالظاهر المزبور والاعراض عن الاحتياط المستحب ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام فيها « اما لك أو لأهله » ‌يومي الى ذلك ، أيضا بناء على أن المراد به هو لك ان كان ظهور الاعراض كذلك في الواقع ، والا فهو لأهله ، لعدم الاعراض في الواقع ، وان كان هو الظاهر من حال المالك ، لا أن المراد به لك ان ظهر المالك ولم يرض بالصدقة ، والا فهو لأهله ، كما صرح به بعضهم ، بل جعلوه مؤيدا للقول بالضمان لو تصدق بمجهول المالك ، ثم ظهر صاحبه ولم يرض بالصدقة الذي منشأه عموم ما دل على ضمان ما أخذت اليد خرج منه ما إذا رضي الصاحب ، أو استمر الاشتباه ، بالإجماع فيبقى الباقي.

وفيه منع تناول العموم لمثل المقام المأمور شرعا بالتصدق به ، الظاهر في وقوع الصدقة عن المالك ؛ وأنها طريق الإيصال إلى المالك بعد تعذر غيرها ، لحصول اليأس منه فلو سلم أن المراد بأخذ اليد ما هو أعم من العدوان وأن الاذن الشرعية لا تنافي الضمان ، أمكن دعوى خروج المقام من الأول وظهور عدم الضمان من الأمر بالتصدق به الظاهر فيما عرفت ،

ومن هنا قيل بعدم ترتب الضمان في التصديق بمجهول المالك ، وهو لا يخلو من قوة ، وحينئذ فحمل الخبر عليه كما ترى ، خصوصا بعد منافاة ذلك للقواعد المعتبرة التي لا يصلح الخروج عنها بمثل ذلك ، على أن الغالب كما عرفت عدم جهل الصاحب ، بل اعترف السائل بمعرفته ؛ الا أنه لم يستحله لخوف التهمة ؛ وحمله على ارادة التقصير بذلك من أول الأمر ثم جهله تهجس يأباه الظاهر ، فالأولى القول بأن مخرج الخبرين ما قلنا.

وحينئذ فلا ينبغي استفادة بعض أحكام مجهول المالك منهما ، وكما عساه يظهر من‌

٥١

بعضهم ؛ فخير بين الصدقة بعين المجهول كما هو مقتضى الأمر بها في نصوصه ، أو بقيمته للخبرين السابقين ؛ إذ فيه ما عرفت ، والمناقشة فيه بأن الإعراض ما لم يعلم لا يجوز نية التملك بالمعرض عنه ، وإذا علم لم يبق احتمال البقاء على الملك ، يدفعها منع اعتبار العلم بمعنى اليقين فيه ، بل يكفي فيه ظهور ذلك من المالك ولو من فعله ؛ كترك المسافر حطبه وعلف دابته ونحو ذلك ، بل عن الكفاية نفي البعد عن الاكتفاء فيه بالظن ، مع عدم قضاء العادة على خلافه ، ولعله يريد ما ذكرنا ؛ فحينئذ يتجه استحباب الاحتياط بالصدقة به ، اما له أو لأهله ان لم يكن إجماع على الوجوب.

وكذا المناقشة في أصل التملك بالاعراض وان علم ، كما في الرياض قال : « ان كان إجماع والا فللنظر فيه مجال ، حيث لم تنهض حجة على انتقال الملك ، وجواز التصرف بمجرد نية الاعراض ، مضافا الى إطلاق الخبرين بالتصدق ؛ إذ يكفي في دفعها السيرة القطعية المؤيدة برجوع الإعراض إلى إباحة التملك لمن يريد تملكه ، فتأمل هذا.

وربما يقال ـ في خصوص المقام من جهة النص والفتوى المشتملين على الأمر بالصدقة به ، مع عدم كونه مجهول المالك بالنسبة إلى أغلب افراده ، ولو في جملة ولا اعراض محقق ، وكون المتعارف في الصاغة أنه يصوغ لنفسه ولغيره ، وتقع أجزاء منهما ـ أن هذا موضوع خاص أمر بالصدقة فيه عمن هو له سواء كان الصائغ أو غيره ، وحينئذ فلا يستفاد منه حكم مجهول المالك ، ولا يجرى عليه حكم الاعراض.

ثم انه بناء على أن المقام من مجهول المالك ذكر بعضهم أن مصرف هذه الصدقة مصرف الصدقات الواجبة ، ومقتضاه المنع من إعطائه الغنى والهاشمي ، ومن وجبت نفقته ، بناء على منعهما منها ، وغير ذلك من أحكامها. وفيه أنها غير واجبة على المالك ، بل هي مندوبة بالنسبة اليه ؛ وان وجبت على من في يده فالمتجه جريان أحكام المندوبة عليها.

نعم قد يقال بانصراف الإطلاق إلى إرادة الفقراء والمساكين هنا ، وقد سمعت ما في الخبرين من إعطائها القرابة المحتاج ، بل في الرياض « لا خلاف بين الأصحاب فيه وفي‌

٥٢

جواز الإعطاء للعيال إذا كانوا بصفة الاستحقاق » ولعله للإطلاق ، ولفحوى الجواز في دفع الزكاة ليفرقها ؛ ويستفاد منه جواز أخذه منه لنفسه مع الشرط المذكور ان قلنا بذلك ثمة ؛ لو دفعت اليه للصرف للفقراء وأهل المسكنة وهو بصفتهم ، ولا ريب أن الأحوط الصدقة به على غيره ، بل لا يخلو القول به إذا كان هو المتصدق من نظر ، أما لو دفعه الى الحاكم فتصدق به عليه أمكن الجواز ؛ ولتحقيق الحال في حكم مجهول المالك مقام آخر والله أعلم.

المسألة الحادية عشر يجوز التصارف بما في الذمم إذا كان حالا ومختلف الجنس ، بناء على أنه ليس من بيع الدين بالدين الممنوع منه ، وأنه يختص ببيع الكالي بالكالي أى المؤجل بالمؤجل ، فلو كان لواحد على الأخر ذهب مثلا ، وللآخر عليه دراهم فتصارفا بما في ذممهما صح ؛ ولا يحتاج الى تقابض فعلي ، لما عرفت من أن ما في الذمة مقبوض ،

قال عبيد بن زرارة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الصيرفي ماءة دينار ؛ ويكون للصير في عنده ألف درهم فيقاطعه عليها ؛ قال : لا بأس » ‌لكن استشكل فيه في القواعد بل عنه في التحرير وولده في الإيضاح الجزم بالعدم كالدروس لانه بيع دين بدين.

نعم قال في الأخير « ولو تهاترا احتمل الجواز » قلت : بل هو قوى لعدم دليل على كون الوفاء من البيع ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، مؤيدا بعدم قصد البيع والشراء ؛ وعدم المحافظة على أحكامه ، إذ قد يقبض وفاء ما لا يعرف قيمته وقت القبض ، فما عساه يظهر من المحكي عن الشيخ في بحث المكاتبة من أن الوفاء بيع يمكن منعه ، وحينئذ يمكن حمل خبر عبيد عليه ، فلا يكون دالا على جواز التصارف.

اللهم الا أن يستدل بالطلاق نفي البأس فيه مع عدم الاستفصال فيه ، ولو كان ما في الذمم متحد الجنس والصفة حصل التهاتر قهرا من غير حاجة الى صرف ولا الى تراض بالتهاتر بلا خلاف أجده فيه ، سوى ما عن التذكرة فجعله كمختلف الجنس ، ومقتضاه عدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الصرف الحديث ٣.

٥٣

التهاتر قهرا ؛ وفيه أن اعتبار تشخيص الدافع وقبض المدفوع متجه إذا لم يكن المدفوع نفس ما ملكه المدفوع اليه ؛ أما إذا كان كذلك فلا يحتاج الى تراض ، لانه يكون كوصول عين ماله إليه ؛ إذ الفرض أن المديون قد ملك على الديان ما ملكه عليه أو لا من كلي العشرة في ذمته مثلا ، فالأولى اختصاص فرض المصارفة في المختلف ، هذا.

وفي القواعد وغيرها ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الأخر ويكون صرفا بعين وذمة ، قلت : لا بأس به إذا وقع بصيغة البيع ، وقبض العوض في المجلس العقد ؛ أما إذا دفعه وفاء فقد تقدم أنه ليس بصرف ، لان الوفاء ليس بيعا و‌خبري الحلبي (١) لا دلالة فيهما على ذلك ، قال في أولهما : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه دنانير فقال : لا بأس أن يأخذ قيمتها دراهم » ‌و‌قال في ثانيهما (٢) « سألته أيضا عن الرجل يكون له الدين دراهم معلومة إلى أجل ، فجاء الأجل وليس عند الرجل الذي عليه الدراهم ، فقال : خذ مني دنانير بصرف اليوم؟ قال لا بأس به ».

ونحوهما خبر أبى عتاب (٣) بل النصوص المعتبرة ـ التي أفتى بمضمونها غير واحد من الأصحاب ، المتضمنة لاحتساب السعر يوم القبض ـ ظاهرة أو صريحة في كون الوفاء ليس بيعا ؛ قال إسحاق بن عمار (٤) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يكون لي عليه المال فيقضيني دنانير وبعضا دراهم ، فإذا جاء يحاسبني ليوفيني قد تغير سعر الدنانير ، أي السعرين أحسب له الذي كان يوم أعطاني الدنانير ، أو سعر يوم الذي أحاسبه؟ فقال : سعر يوم أعطاك الدنانير ، لأنك حبست منفعتها عنه ».

و‌قال أيضا (٥) قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : « الرجل يكون له على الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثم يتغير السعر قال : فهي له على السعر الذي أخذها منه يومئذ ، وان أخذ‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ٣ من أبواب الصرف الحديث ١ ـ ٢

(٣) الوسائل الباب من أبواب الصرف الحديث ٥ لكن عن زياد ابن أبى غياث.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ٩ من أبواب الصرف الحديث ٢ ـ ٣

٥٤

دنانير فليس له » ‌( و‌في الفقيه ) (١) « وليس له دراهم عنده فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها متى شاء » ‌يعنى وقع الفضل بينهما بأخذه أو لإمكان دنانيره ، ثم أخذ دنانير ثانيا بعد ذلك ، فليس للمعطي أن يجعلها في مقابلة دنانيره التي كانت له عليه أولا ، ويطلب منه دراهمه ، إذ لا دراهم له عليه حينئذ ، بل ليس له الا دنانيره التي أعطاها ثانيا يأخذها متى شاء ، و‌روى إبراهيم بن ميمون (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يكون له على رجل دراهم ، فيعطيه دنانير ولا يصارفه ، فيصير الدنانير بزيادة أو نقصان ، قال : له سعر يوم أعطاه » و‌قال عبد الملك بن عتبة الهاشمي (٣) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يكون عنده دنانير لبعض خلطائه ، فيأخذ مكانها ورقا في حوائجه ، وهي يوم قبضت سبعة ، وسبعة ونصف بدينار ، وقد يطلب صاحب المال بعض الورق وليست حاضرة فيبتاعها له من الصيرفي بهذا السعر ونحوه ، ثم يتغير السعر قبل أن يحسبا حتى صار الورق اثنى عشر درهما بدينار فهل يصلح ذلك له ، وانما هي بالسعر الأول من يوم قبضت كانت سبعة وسبعة ونصف بدينار؟ قال : إذا دفع اليه الورق بقدر الدينار فلا يضره كيف الصروف ولا بأس ».

ونحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد (٤) المراد أنه إذا كان دفع اليه الورق بقدر الدينار ثم تغير السعر فلا يضره تغير السعر ، ولا عدم المحاسبة ، فإنه يحاسب على السعر الأول ، وعلى كل حال فهي صريحة في أعمية الدفع وفاء من البيع » نعم لو دفع اليه ذلك لا على جهة الوفاء بل كان قرضا أو أمانة أو نحو ذلك احتسبت له سعر يوم المحاسبة وفاء كما هو واضح والله اعلم.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٨٤ الحديث ٨٢٩ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الصرف الحديث ٥ لكن عن يوسف ابن أيوب شريك إبراهيم بن ميمون.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ٩ من أبواب الصرف الحديث ١ ـ ٤

٥٥

( الفصل الثامن في بيع الثمار )

وتمام الكلام فيها يتوقف على النظر في ثمرة النخل والفواكه والخضر واللواحق‌

أما النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاما إجماعا بقسميه ، بل المحكي منهما متواترا كالنصوص ولذا نسبه بعضهم ، إلى الضرورة ، فمن الغريب ما في الحدائق من الجزم بالصحة ، تمسكا بصحيحي ربعي والحلبي الآتيين (١) اللذين لا صراحة فيهما في ذلك ، لاحتمال ارادة بيع السنتين بعد الظهور ، قبل البدو ، وصحيح بريد بن معاوية (٢) الاتي الذي لا بد من طرحه أو تأويله ، بإرادة البدو من الطلوع فيه ، أو بحمل العام فيه على ما كان في ضمن العامين.

وأغرب منه حمل نصوص المنع ـ الموافقة للأصول السليمة ، ضرورة كون الثمرة معدومة لا تصلح للنقل قبل وجودها ؛ إذ المبيع لا بد أن يكون موجودا ـ على التقية أو الكراهة ، ثم قال : والى هذا يميل كلام جملة من محققي المتأخرين كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني ؛ لكن لا يخفي عليك أن ذلك كله غير قادح في تحصيل الإجماع ؛ بعد أن علم أن صدور ذلك منهم من اختلال الطريقة ، نسأل الله تعالى العفو والعافية عن ذلك وغيره ، وما صدر عن الشيخ في المحكي عن كتابي الاخبار من الجمع بالكراهة ، انما هو مجرد جمع لا فتوى ، وعلى تقديرها فهي شاذة أيضا مع أن عبارته محتملة لصورة ما بعد الظهور قبل البدو ، بل قيل : انه الذي تشعر به عبارته بعد ضم بعضها الى بعض ، ولذا نسب جماعة القول بالكراهة إليه في المسألة الاتية دون هذه المسألة.

نعم في جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد وخلاف ، فالمشهور نقلا وبين المتأخرين تحصيلا ، العدم أيضا ، للانعدام ، فضلا عن الغرر والجهالة ، وللإجماع في السرائر بل قال فيها : « وقد اشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنون أنه يجوز بيعها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب بيع الثمار الحديث ٤ ٢.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب بيع الثمار الحديث ١.

٥٦

سنتين وان كانت فارغة لم تطلع بعد وقت العقد ، وهذا خلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم وأخبار أئمتهم وفتاواهم » ولمفهوم خبر ابى بصير (١) وخبر أبى الربيع (٢) وإطلاق موثق سماعة (٣) أو عمومه وصحيح الحلبي (٤) وغيرها من النصوص التي تسمعها فيما يأتي ومنها النصوص التي علقت الجواز على الإطعام والبلوغ والإدراك وبدو الصلاح خلافا للصدوق.

وربما أشعر قول المصنف والمروي فيما يأتي من صحيح يعقوب (٥) وصحيح سليمان (٦) وخبر أبى بصير الأخر (٧) وصحيح الحلبي (٨) وصحيح ربعي (٩) وصحيح علي بن جعفر (١٠) كما في الحدائق الجواز ، بل في صحاح يعقوب والحلبي وعلى بن جعفر تعليله بأنه ان لم يخرج هذه السنة خرج من القابل ، وبها تقطع الأصول والعمومات ويخص الإطلاق في الاخبار المقابلة ، والا طرحت لرجحانها عليها بالصحة في السند والكثرة في العدد ، والصراحة في الدلالة ، والاشتمال على التعليل ؛ وغير ذلك ، وإجماع ابن إدريس مردود عليه بما عن غاية المراد للشهيد ، من أن الأصحاب لم يذكروه صريحا ولا تعرض للمنع إلا جماعة منهم ، ونحو ذلك في المختلف ، وفي مفتاح الكرامة ليس في المقنعة والنهاية والمبسوط والمراسم والوسيلة والغنية وكشف الرموز ذكر ولا تصريح بجواز ولا منع ، ولم ينقل احد ذلك عن الحسن وأبي علي والقاضي والنقي ، بل لم أجد من صرح بالمنع قبل الفاضل.

قلت : هو كذلك في جملة من كتبه لكن ظاهره أو صريحه في التذكرة الجواز وان احتمل المنع قويا فيها ، وفي الحدائق أنه حكاه بعض عن الشيخ أيضا ، بل قد سمعت اعترافه في السرائر بأن القائل به كثير ، لكن ادعى عليهم الاشتباه ، ومن هنا مال جماعة من متأخري‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ١ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١٠ ـ ٧

(٣) و (٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب الثمار الحديث ٢ ـ ٤

(٥) و (٦) و (٧) و (٨) و (٩) و (١٠) الوسائل الباب ١ من أبواب بيع الثمار الحديث ٨ ـ ٩ ـ ١٠ ـ ٢ ـ ٤ ـ ٢١

٥٧

المتأخرين إلى الجواز ، بل هو ظاهر الشهيد الثاني ، وفي جامع المقاصد انه لا يخلو من قوة ؛ لكن قد يناقش باحتمال الطلوع في صحيح يعقوب بدو الصلاح ويكون المراد من قوله ان « لم يحمل الى » آخره ان خاست ، وهو وان بعد ؛ الا أنه أولى من ارتكاب التأويل في النصوص المقابلة المعتضدة بالشهرة ؛ ومحكي الإجماع الذي لا يقدح فيه ما سمعت عند التحقيق ، وقاعدتي المعدوم والغرر والجهالة ، مع أنه قد يستأنس لحمل الطلوع فيه على البلوغ ، ملاحظة الصحيح الآخر (١) حيث اشترط فيه نفي البأس عن الشراء ثلاث سنين بوقوعه قبل البلوغ ، وجعله المعيار له دون غيره ، مع تضمنه التعليل المزبور في صدره ، ولو كان المعيار الظهور لكان تبديل البلوغ به أولى كما لا يخفي.

ومنه يظهر الجواب عن غيره الذي جعل غاية الجواز فيه الإطعام الذي هو عبارة عن الإدراك ؛ وعن الصحاح : أطعمت النخلة إذا أدرك ثمرها ، وأطعمت البسرة أي صار لها طعم ». كل ذلك مضافا الى ما تسمعه في صحيح سليمان بن خالد (٢) منها ، بل التعارض بين كثير منها وبين غيرها بالعموم من وجه. ضرورة شمولها لصورتي عدم الطلوع وعدم الصلاح ، كما أن غيرها شامل للعام والعامين وقد سمعت رجحانها عليها بالشهرة وغيرها ، لكن الانصاف بعد ذلك كله أن الجواز لا يخلو من قوة وان كان الأحوط خلافه ، ثم على تقدير العدم فالظاهر مساواة غير البيع من النواقل له في عدم الجواز ؛ لعدم صلاحية المعدوم للنقل.

نعم يتجه جوازه بالشرط ، قال في التنقيح : « كل موضع قلنا لا يصح البيع فيه ؛ يصح ان يجعل من شروط التملك في عقد آخر » قلت : لعموم أدلة الشروط التي لا تستدعي ملكا فعليا للمشترط ، ومنه ينقدح قوة الجواز في الصلح أيضا ، وربما تسمع في بابه زيادة تأييد إنشاء الله تعالى ، لكن قد يشكل في خصوص الشرط ، لاقتضائه الغرر المنافي لعقد البيع ، ولو في شرطه ؛ كما حققناه في محله.

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ٢ ـ ٩

٥٨

وأما الجواز مع الضميمة حتى في العام الواحد فهو وان دلت عليه‌ موثقة سماعة (١) قال « سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤه قبل أن يخرج طلعها؟ قال : لا الا ان يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول : أشتري هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقلة » ‌

الا أنها مقطوعة ومعارضة بإطلاق الأدلة ومعاقد الإجماعات وغيرها ، بل في المسالك « ان المشهور المنع مع الضميمة ، حيث لا تكون هي المقصودة بالبيع ، لانه غرر.

ومن هنا حمل بعضهم الموثق المزبور عن المقصودة ، وفاقا للتذكرة ، وربما أشعر به ما في ذيل الرواية من التعليل ، بناء على الغالب من عدم دفع الثمن في مثل هذه الصورة إلا بعد أن تكون الضميمة المقصودة ، وكان ذلك منه إرجاع منه للمقام إلى قاعدة ضم المعلوم الى المجهول ، ولو سلمت لهم فيه أمكن منعها هنا ، باعتبار انعدام المنضم ، الا أن يكون على جهة الشرطية ، وربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله تعالى.

ويجوز بيعها بعد ظهورها وبدو صلاحها إجماعا أو ضرورة عاما واحدا أو عامين بشرط القطع وبغيره منفردة ومنضمة إلى المقصود بالبيع وغيره ، ولا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها عاما الا أن يضم إليها ما يجوز بيعه عند الأكثر نقلا أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا أو بيعت على مالك الأصل عند الفاضل وحينئذ لو بيعت عاما من دون الشرط الثلاثة أو الأربعة قيل والقائل الإسكافي والصدوق في المقنع والتقي والمفيد على ما عن بعض نسخ المقنعة والطوسي والقاضي وابن حمزة والفاضل في كتبه على ما حكي عن بعضهم لا يصح بل عن صريح المبسوط والخلاف أو ظاهرهما والغنية الإجماع عليه.

وقيل والقائل الشيخ في التهذبين والحلي والآبي والفاضل في جملة من كتبه وولده والشهيدان والكركي والقطيفي والميسي على ما حكى عن بعضهم أيضا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

٥٩

يصح ، ولكن صرح كثير منهم بأنه يكره ، وقيل والقائل المفيد وسلار والآبي على ما عن الأخيرين ، أنه يراعى في الصحة وعدمها السلامة وعدمها والظاهر أن مرجعه الى القول الثاني إذ فيما حضرني من نسخة المقنعة « يكره بيع الثمار سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها : الى أن قال في آخر المبحث : وإذا خاست الثمرة المبتاعة قبل ظهورها كان للبائع قدر ما غلت دون ما انعقد عليه البيع من الثمن » ، ومراده بالظهور قبل بدو الصلاح ، كما هو المحكي عنها أيضا وعلى كل حال فهو حكم آخر مبني على أنه مبيع تلف قبل قبضه ، كما تسمع البحث فيه عند تعرض المصنف له ، ولعله لذا جعل في المختلف المسألة ذات قولين ، ناصا على أن المفيد وسلار ممن قال بالجواز.

وعلى كل حال ف الأول أظهر ، لصحيح سليمان بن خالد (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا تشتري النخل حولا واحدا حتى يطعم ، وان كان يطعم إن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل » ‌وفي الوافي بعد أن رواه عن التهذيب قال : « الظاهر سقوط لفظ لم » وربما أيد بأن الموجود‌ في الاستبصار « وان شئت أن تبتاعه » ‌كموثق أبى بصير (٢) قلت يمكن صحته على ذلك أيضا ، وعن بعض النسخ المعتمدة بغير واو وفي حواشي المجلسي كان المراد منه ان كان يعلم عادة أنه يطعم بعد ذلك ، وعلى نسخة عدم الواو ، فالمراد ان كان النخل من شأنه أن يطعم بأن يكون مضى من زمان غرسه خمس سنين مثلا ، ويمكن ان يكون المراد إذا كان من نيتهما أن يطعم ، أي لم يشتره بشرط القطع.

و‌خبر أبى الربيع عنه (٣) أيضا « كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة » ‌و‌خبر على بن أبي حمزة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر ، فقال : لا حتى يزهو ، قلت :و ما الزهو ، قال : حتى يتلون » ‌و‌حسن الوشاء (٥) « سألت الرضا عليه‌السلام هل يجوز بيع النخل‌

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٨٨ الحديث ٣٧٤ الاستبصار ج ٣ ص ٨٥.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١٠ ـ ٧

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ٥ ـ ٣

٦٠