جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأخير أوضح ، فيتجه مع اختياره البطلان فيما قابله مطلقا ، وان رضي بالمدفوع لزم ، وأشكله في جامع المقاصد « بأن المدفوع أرشا ليس هو أحد عوضي الصرف وانما هو عوض صفة فائتة في أحد العوضين ، ويترتب استحقاقها على صحة العقد وقد حصل التقابض في كل من العوضين ، فلا مقتضى للبطلان إذ وجوب التقابض انما هو في عوضي الصرف ، لا فيما وجب بسببهما ، وأجاب عنه في الروضة بأن الأرش وان لم يكن أحد العوضين ، لكنه كالجزء من الناقص منهما ، ومن ثم حكموا بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمة الصحيح الى المعيب ، والتقابض الحاصل في العوضين وقع متزلزلا ، إذ يحتمل رده رأسا وأخذ أرش النقصان الذي كتتمة العوض الناقص ، فكان بمنزلة بعض العوض ، والتخيير بين أخذه والعفو عنه ورد البيع لا ينافي ثبوته ؛ غايته التخيير بينه وبين أمر آخر فيكون ثابتا ثبوتا تخييريا بينه وبين ما ذكر ».

قلت : هو وان أجاد بما حرر وأفاد ، الا أن التحقيق خلافه ، فيجوز أخذ الأرش من النقدين مع التفرق ، لا لانه جزء من الثمن قد انفسخ العقد بالنسبة إليه ، لعدم وصف الصحة المقابل له في المثمن فيصح أخذه حينئذ في مجلس العقد وغيره ، لبقائه حينئذ على ملك المالك ، ولا صرف فيه بوجه من الوجوه ، إذ هو وان أوهمه لفظ الرد والرجوع‌ في النصوص ؛ بل في بعضها (١) « كان علي عليه‌السلام يضع من ثمن الجارية بقدر عيبها » ‌بل وبعض عبارات الأصحاب حتى جعل فيها الخيار بالعيب من خيار تبعض الصفقة ، الا ان المعلوم من الأصحاب خلافه ، ولذا لم يعرف الخلاف بينهم في سقوطه بالإسقاط الذي لا ينحل إلى الإبراء ولا إلى الهبة ، ولم يثبتوا للبائع خيارا بسببه إذا كان جاهلا لتبعض الصفقة عليه في الثمن ، وكونه من قبله بعد فرض جهله بالعيب لا يسقطه ، ولذا لم يحكموا ببطلان المعاملة الربوية بوجود العيب في أحد العوضين المستلزم على هذا التقدير الزيادة في أحدهما ، ولم يجعلوا الأرش أيضا تابعا لخصوص الثمن ، حتى أنه لو أراد البائع دفعه من غير ذلك الثمن لم يكن له باعتبار بقاء الجزء المقابل للصحة منه على ملك المشتري مثلا ، الى غير ذلك مما لا يخفي لزومه على هذا التقدير مما هو معلوم عدمه ، بل قد يمنع صدق اسم الأرش‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ ـ من أبواب العيوب الحديث ١.

٢١

عليه حينئذ ، وان كان المتجه عليه ما عرفت ، من أن له أخذه بعد مجلس التفرق ، بل لأن الأرش غرامة استحقت شرعا بسبب العيب في المبيع بالمعاملة الصحيحة ، فهو وان كان ثابتا عوض ما فات من وصف الصحة الا أنها معاوضة شرعية قهرية. لا تدخل تحت البيع حتى يجري عليها الصرف ، ضرورة عدم قصد كل من المتعاملين كون المبيع العين مثلا مع أرش العيب من الدرهم والدرهمين مثلا فلا بيع بالنسبة إليه قطعا ، فينبغي القطع بعدم جريان الصرف أما الربا لو فرض كونه في المتجانسين فان علم من الأدلة شموله لمثل ذلك جرى ، والا جاز كما سمعته سابقا منا.

وعلى كل حال فالصرف ينبغي القطع بعدمه ومن ذلك يعرف ما في قوله والحق الى آخره ، ومن الغريب دعوى كونه من المعاوضة الصرفية وان كان البائع مخيرا بينها وبين الرد وبين العفو ، وان الاختيار أو التصرف كاشف حينئذ عن الثبوت بالعقد ، وانه غير مناف لثبوته على جهة التخيير ، إذ هو كما ترى ، وأغرب منه دعوى البطلان فيما قابله من الثمن بالتفرق إذ شمول أدلة الصرف لنحو ذلك من المعلوم عدمه ، بل كاد يكون ضروريا.

كما أن دعوى عدم تناول أدلة أخذ الأرش لمثل هذا المبيع معلوم عدمها ، فضلا عن ترجيح ما دل على اعتبار التقابض في الصرف على ما دل على ثبوت الأرش مضافا الى ما في جامع المقاصد « من أنه يمكن أن يقال قد صدق التقابض في مجموع العوضين المقتضي لصحة الصرف واشتراط قبض الأرش إذا كان من النقدين ليس لكونه جزء معاوضة بل لكونه من توابعها ، ومن ثم لو أسقطه مستحقه لم يلزم في المعاوضة اختلال ، كما لو كان النقدان من جنس واحد » وان كان قد يناقش فيه بأنه بناء على دخوله في المعاوضة لا ريب في اعتبار قبضه في صحته وصحة مقابله إذا كان من النقدين ، وكونه عوض صفة فلا مقابل له من العوض الأخر ، يدفعه أن أحد العوضين في مقابل الأخير من جهة المالية ، ولا فرق بين الجزء والصفة التي لها دخل في المالية.

نعم التحقيق ما ذكرناه من أن الأرش غرامة شرعية تثبت بسبب العيب فهو كالمعاوضة القهرية ، ولو لا الدليل لم يكن ثبوته مقتضى القواعد ، بل لو كان دفع الأرش ممن عليه من‌

٢٢

الصرف باعتبار كونه نقدا في ذمة المستحق عليه ودفعه عنه شراء له من المستحق وجب اعتبار التقابض فيه حتى في غير الصرف ، وهو معلوم العدم ، ودعوى اختصاص ذلك في المعاملة الصرفية لا شاهد لها ولو أعطيت التأمل حقه في المقام بان لك أن كثيرا من ـ الكلام دخان بلا ضرام وسفسطة بلا حاصل ، ومتعبة بلا طائل ، ولعل مرجع ما ذكره المحقق الثاني الى ما قلناه فلاحظ وتأمل هذا.

ولكن في القواعد في المقام « أن له الأرش ما داما في المجلس فان فارقاه فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وان كان مخالفا صح » وفيه أنه لا فرق في الصرف بين جنس المعيب والسليم ، فاما أن يبطل فيهما معا ، أو يصح كذلك ، إذ ما قيل من أنه لو دفع من جنس السليم كما لو كان العوضان دينار أو عشرة دراهم وكان الدينار معيبا من الجنس بما يقتضي نقصان قيمته بقدر درهم فان المبيع يكون دينار أو درهما بعشرة دراهم ، وقد تفرقا قبل قبض الدراهم فيبطل الصرف فيه ، بعينه آت فيما لو دفع ذهبا قيمته درهم ، فإنه قد تفرقا قبل قبضه ، فيجب أن يبطل كالسليم ؛ بخلاف ما لو دفع من غيرهما ، وقد يريد كما حكاه الشهيد عن بعض تلامذة العلامة ما كان مخالفا لجنسي المعيب والصحيح معا ، فالمراد حينئذ بجنس السليم مطلق النقد فيوافق ما حكيناه عنه في التحرير.

نعم ربما ظهر من العبارة المزبورة عدم انحصار الأرش في النقد ، وأنه كلي شامل له ولغيره ، وتعذر بعض أفراده بالتفرق ؛ يعين الآخر وهو النقد أو أنه النقد إذا أمكن ، فإن تعذر فغيره ، وفيه منع واضح لما عرفت من انصراف جميع الحقوق المالية إلى النقد ، كما أن ظاهر قوله بطل فيه أنه لا يجوز دفع الأرش بعد ذلك ، ويشكل بأنه إذا استحق في ذمته عوض نقصان أحد العوضين ، كيف يبطل فيما لو عينه فيما لا يجوز أخذه ، وتخييره في جهات القضاء انما هو فيما لم يمنع شرعا ، بل في جامع المقاصد لو سلم تخييره بالنسبة إليها لم يلزم البطلان ، بل عدم جواز المطالبة بغيرها حتى لو تراضيا على الأداء من غير النقدين بعد التعيين في أحدهما ينبغي القول بالجواز فتأمل جيدا والله أعلم.

المسألة الثالثة : إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها ، ووجد جميع ما صار اليه غير فضة قبل‌

٢٣

التفرق كان له المطالبة بالبدل قطعا لعدم فردية ما قبضه للكلي المبيع فهو كعدم القبض بل ليس له الرضا به عوضا عن المبيع إلا بمعاوضة جديدة غير العقد الأول وان كان قد ظهر له ذلك بعد التفرق بطل الصرف لعدم التقابض في المجلس ولو كان قد ظهر ذلك في البعض طالب بالبدل قبل التفرق وبعده بطل فيه لعدم التقابض وصح في الباقي لوجود المقتضى وكان له خيار تبعض الصفقة وان كان لم يخرج المدفوع بالعيب عن الجنسية لانه اضطراب سكة أو خشونة جوهر أو نحوهما وفرض كون العيب المزبور في جميع العوض كان مخيرا بين الرد لإطلاق أدلة العيب وبين الإمساك بالثمن من غير أرش بناء على استلزامه الربا أو لعدم ثبوته في فرد الكلى كما ستعرف من غير فرق في ذلك بين حالي التفرق وعدمه.

لكن قد يفهم من جمع المصنف بين الرد والابدال أن مراده من الأول فسخ العقد من أصله ، بل قوله في القواعد « له الرد والإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس ، ومجانا مع اتفاقه ، والمطالبة بالبدل وان تفرقا على اشكال » أوضح منه كقوله في الإرشاد « له الرد والإمساك بغير أرش ، والبدل وان تفرقا » بل في الوسيلة « وعن المبسوط تخييره بعد التفرق بين الرضا بالبيع والفسخ والابدال » ولعل وجه الفسخ أن المبيع وان كان كليا الا أنه تشخص بالقبض ، حتى صار كأن المبيع ذلك الشخصي فجرى عليه حكمه إذا كان مبيعا.

واليه أشار في التذكرة حيث احتمل الفسخ معللا له بأن المطلق يتعين بالتقابض الا أنه جعل الوجه قبل ذلك عدمه الا مع تعذر تسليم الصحيح ، قال : « لان العقد يتناول أمرا كليا » ونحوه ما في المختلف فإنه بعد أن حكى عن الشيخ ما سمعت قال : « ولى فيه نظر فإن لقائل أن يقول ليس له الفسخ كما لو دفع المسلم فيه معيبا ، فان له المطالبة بالصحيح دون الفسخ الا مع تعذر التسليم ، فكذا هنا إذ المعقود عليه غير معين ، ولا يتعين المعيب بالقبض ، ولا يتحقق الفسخ » وأشكله في الدروس بأنهما تفرقا قبل قبض البدل وفيه أن البحث على فرض جواز الابدال بعد التفرق كما هو صريح ما سمعته عن المبسوط‌

٢٤

والوسيلة ، والا فلا ريب أن المتجه على تقدير العدم جواز الفسخ ، لكن على معنى أن له رد المعيب فينفسخ العقد حينئذ ، لعدم التقابض قبل التفرق ، وحينئذ يكون من قبيل تعذر تسليم الصحيح.

ومن هنا جعل في التحرير عدم الفسخ لازما للقول بالإبدال ، فقال : « ولو وجد القابض عيبا فله المطالبة بالبدل قبل التفرق ، سواء كان العيب من جنسه أو من غيره ، ولو كان العيب من جنسه ورضيه جاز ، ولو طلب الأرش لم يجز مع اتحاد العوضين ويجوز مع عدمه ، ولو افترقا بعد القبض ثم وجد العيب من جنسه قال الشيخ : له الابدال ، ولو كان من غير الجنس بطل الصرف ، ولو كان في البعض صح في السليم ولو طلب واجد العيب الفسخ فعلى قول الشيخ ينبغي أنه ليس له مع الابدال ؛ ولعل مراده أن المتجه على قول الشيخ عدم جواز الفسخ وان كان هو قد صرح به كما سمعت ، ويؤيد ذلك كله ما تسمعه إنشاء الله في باب السلم من الحكم بالإبدال وعدم فسخ العقد ؛ ولعله لذا اقتصر في اللمعة هنا فيما نحن فيه على أن له الابدال مضافا الى أصالة لزوم العقد وغيرها فالمتجه حينئذ حمل الرد في كلام المصنف على ارادة رد المبيع لا فسخ العقد ، ويكون الحاصل أن له الرد على كل حال ، وان أدى ذلك لو كان بعد التفرق ، وقلنا بعدم الابدال فيه الى بطلان العقد.

والمناقشة ـ في أصل جواز الفسخ بأنه قد تشخص الكلي في المقبوض ، إذ الفرض أنه فرد له ، ولا دليل على أن العيب يسلط على فسخ مقتضى القبض ، والأصل براءة ذمة الدافع وبقاء ملك المدفوع اليه ـ يدفعها الاتفاق منهم ظاهرا على ذلك في المقام والسلم وغيرهما ، مؤيدا بإطلاق ما دل على رد المعيب الشامل للمقام ، وان اختلف هو مع الشخصي بكون رده مقتضيا لفسخ العقد بخلاف رده هنا باعتبار أن العقد قد وقع على ما هو أعم منه ، فأقصى ما يفيد رده ابطال التشخيص السابق لا أصل العقد كما هو واضح.

وحينئذ ففي المقام ان رد في المجلس كان له المطالبة بالبدل قبل التفرق قطعا‌

٢٥

لعدم المانع من التفرق ونحوه أما فيما بعد التفرق ففي الابدال تردد وخلاف فالمشهور بين من تعرض له من الشيخ وابن حمزة والفاضل والمحقق الثاني والشهيد الثاني أن له ذلك ، وفي الدروس « لا يجوز على الأقرب » وهو ظاهر اللمعة أيضا وعن أبي علي أنه يجوز الابدال ما لم يتجاوز يومين فيدخل في بيع النسيئة ، لكنه لم يقيد بالتعيين وعدمه ، وكان وجه العدم أن الإبدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق وأن المبيع حقيقة انما هو البدل ، وقد حصل التفرق قبل قبضه ، فيكون الصرف باطلا ، فلا يجوز له أخذ البدل ، ويدفعه أن التقابض تحقق في العوضين قبل التفرق ، لان المقبوض وان كان معيبا ، الا أن عيبه لم يخرجه عن حقيقة الجنسية ، ولأجل ذلك ملكه المشتري ، وكان نماؤه له من حين العقد الى حين الرد ، والفسخ بالرد طار على الملك بسبب ظهور العيب ، فيكون البيع صحيحا ، وله طلب البدل بعد التفرق ، إذ ما في الذمة وان كان أمرا كليا الا أنه إذا عين في شي‌ء وقبضه المستحق تعين وثبت ملكه له فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته تدار كالفائت حقه ، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة فتعين حينئذ عوضا صحيحا ، وبهذا ظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة ، وقد قبضه قبل التفرق ، فتحقق شرط الصحة ، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطاري على العوض ، المقتضي لعوده إلى الذمة ، وكون البدل عوضا لا يقتضي نفي عوضية غيره ، فلا يقتضي التفرق قبل قبضه العوض في المعاوضة.

واما ما عن الإيضاح من أن جواز الابدال يستلزم عدمه ، لان رده هو رفع تعيين البيع فيه ، وهو يستلزم انتفاء كون المردود المبيع في الماضي والمستقبل ، لأن المبيع واحد ، فلا يكون قد قبض المبيع قبل التفرق فيبطل الصرف ، إذ يمكن منعه عليه بالتزام عدم وحدة ما يتحقق به المبيع حتى في الزمان ، فقد ظهر أن الأقوى جواز الابدال كما أن الأقوى عدم اعتبار التقابض في مجلس الرد وفاقا للشهيدين في الحواشي والمسالك والمحقق الثاني في جامعه ، للأصل السالم عن المعارض ؛ إذا القبض الأول اما أن يؤثر في صحة البيع أولا ، والثاني يستلزم بطلان البيع من رأس والمفروض خلافه ؛ والأول‌

٢٦

يستلزم عدم اشتراط قبض البدل ، وبالجملة أدلة التقابض انما يظهر منها اعتباره في مجلس العقد وقد حصل ، فغيره على الأصل ، فما عن الإيضاح من الاشتراط ضعيف كالإشكال في القواعد ، وان كان وجهه أنه قبض عوض الصرف ، لأن القبض الأول قد ارتفع ، وفيه ما عرفت ، فقد بان أن الأقوى عدم الاشتراط كما أنه مما ذكرنا سابقا ظهر مستند القول بالإبدال وعدمه ، وأما ما عن أبى على ففي خبر إسحاق (١) عن الكاظم عليه‌السلام اشارة اليه قال : « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير وأتزن منه فأزن له حتى أفرغ ، فلم يكن بينى وبينه عمل الا أن في ورقه نفاية وزيوفا وما لا يجوز ، فيقول : انتقدها ورد نفايتها ، فقال : ليس به بأس ، ولكن لا يؤخر ذلك أكثر من يوم أو يومين ؛ فإنما هو الصرف ، قلت : فان وجدت في ورقه فضلا مقدار ما فيها من النفاية قال : هذا احتياط هذا أحب الى » ‌وهي كما ترى ولو كان العيب في البعض ، فحكمه حكم الكل في جميع ذلك ، الا أن في رده وحده أو رد الجميع لئلا تتبعض الصفقة على البائع ما عرفته سابقا ، كما أن الحكم كذلك أيضا في مختلف الجنس وان زاد عليه بجواز أخذ الأرش في المجلس وبعده على البحث السابق ، لكن صرح في المختلف هنا « بأن له الأرش مع التفرق » بل لعله المفهوم من عبارة القواعد أيضا وهو موافق لما قدمناه من عدم منافاته للصرف.

نعم قد أطلق هنا في المحكي عن المبسوط والخلاف والوسيلة الإمساك مجانا مع عدم تقييد الأول والثالث باتحاد الجنس وفرضه في الثاني مع اختلافه ، ولعله لأن الأرش انما يثبت في أحد العوضين إذا تعين لأن غير المعين ماهية كلية في الذمة ، وانما يحمل اللفظ على الصحيح ، فإذا دفع اليه بعض جزئيات الكلي معيبا كان له ابداله ؛ فلا يتعين كونه معيبا كي يستحق جبره بالأرش ؛ ولذا حكى عن شرح الإرشاد للفخر الجزم بعدم الأرش أيضا ، بل هو ظاهر الشهيد أو صريحه في الحواشي بل يؤيده ما تسمعه منهم فيما إذا خرج المسلم فيه معيبا من التصريح بعدم الأرش بل ظاهر المسالك هنا أنه من المسلمات ، وهو متجه بناء على أن له الابدال هنا ، إذ لا فرق حينئذ بينه وبين المسلم فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ٢.

٢٧

نعم يمكن القول بثبوت الأرش فيهما معا باعتبار تشخصه بالقبض فيشمله ما دل عليه في المبيع المعيب ، ولا ينافيه جواز المطالبة بالإبدال ، اللهم الا أن يقال ان الأرش انما ثبت عوضا عن وصف الصحة الذي لا يمكن تداركه الا به لو كان المبيع شخصيا أما إذا كان كليا فهو ممكن بالإبدال ، فلا يلزم به البائع ومن ذلك كانت المسألة محل تردد ، وان كان الأول أقوى ان لم يكن إجماع على خلافه ، والله أعلم.

ثم انه حيث يثبت الرد لا يمنعه نقص السعر عندنا ولا زيادته ، للأصل وإطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فجعل النقص كحدوث العيب فيه ، وهو قياس ومع الفارق ، ولو تلف أحد العوضين المعينين في الصرف بعد التقابض ، ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بان بطلان الصرف ، وكان العوض الأخر لصاحبه ، ويضمن التالف بالمثل ان كان نحو الذهب والفضة والدرهم والدينار وبالقيمة في الحلي ونحوها ولو كان العيب من الجنس لم يكن له الأرش مع اتحاد الجنس ، بناء على ثبوت الربا به. نعم قيل ان له الفسخ ويرد مثل التالف أو قيمته ان لم يكن له مثل وفيه نظر ، أما مع اختلافه فله الأرش على البحث السابق ، ولو كانا غير معينين وكان التالف معيبا من غير الجنس لم يبطل الصرف قبل التفرق.

نعم هو كذلك بعده ولو كان معيبا بالجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس قبل التفرق وبعده ، على البحث السابق وليس له فسخ العقد على القول به هناك ، لأن التلف مانع له ، والظاهر أن المطالبة بالبدل كذلك ، أما متحد الجنس فليس له الأرش ، بناء على ثبوت الربا به ، وله الرد في وجه بل قوله قد تقدم ، لتوقف تحصيل حقه عليه ، والظاهر أن الإبدال كذلك ، ومن ذلك كله يعلم ما في إطلاق القواعد ، قال : « لو تلف أحدهما بعد التقابض ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل التصرف ، ويرد الباقي ويضمن التالف بالمثل أو القيمة ، ولو كان من الجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس والا فلا » ويمكن أن يريد المطلقين فيحتاج الى قيد التفرق ، للبطلان والأمر سهل.

٢٨

ولعل اضطراب كلامهم في المقام يشهد للمختار سابقا ، ضرورة كون المقام من خيار العيب في غيره ، وليس له أدلة مخصوصة تخصه ؛ وقد عرفت سابقا سقوطه بالتلف والتصرف ؛ فبناء على المختار من ثبوت الأرش في متحد الجنس ولا ربا ، وعلى ثبوته أيضا في مختلف الجنس بعد التفرق ، ولا ينافي الصرف ، وعلى ثبوته في الكلي أيضا يتجه حينئذ القول بسقوط الرد المقتضى للفسخ أو الإبدال بالتلف ويتعين الأرش أما على غيره فيشكل مع التزامهم بسقوط الرد والأرش من حيث الربا أو الصرف أو الهبة ؛ بأنها معاملة ضررية لا جبر لها ، وبمنافاته لإطلاق أدلة العيب ، ومع التزامهم برد المثل أو القيمة عوض رد العين كي يترتب عليه الفسخ أو الإبدال ؛ بأنه مناف لما دل هنا من اعتبار قيام العين في الرد خصوصا الرد الموجب للابدال.

ومن ذلك يظهر لك قوة المختار المطرد على جميع الأطوار ويجوز إخلاد أحد المتعاقدين إلى الأخر في قدر عوضه فيصح البيع فيما يشترط فيه القبض في المجلس قبل اعتباره ، فلو أخبر بوزن المعين فاشتراه بجنسه ثم وجد نقصا تبين بطلان الصرف قبل التفرق وبعده ؛ لاشتمال أحد العوضين على زيادة عينية يتحقق بها الربا كما صرح به الفاضل وغيره وكذا لو كان الزائد معينا والمطلق مخصوصا بقدر ينقص عن المعين بحسب نوعه ، بل وكذا لو كانا مطلقين وكان أحدهما ينقص عن الأخر بحسب نوعه.

نعم قد يناقش في أصل تحقق الربا بذلك كما ستسمع في صورة الزيادة التي يجري مثله في صورة النقيصة ، لكن بالنسبة إلى الثمن ، والأصل في المسألة ان نقصان المبيع الشخصي وزيادته في متساوي الاجزاء يقتضي بقاء الزيادة في الثمن والمثمن على ملك مالكهما وعقد البيع لم يؤثر نقلهما عن المالك ؛ وان كلا منهما ملك للبائع والمشتري ، وان ثبت الخيار فعلى الأول لا ربا في الفرض بخلاف الثاني ، والمسألة من المشكلات كما تقدم الكلام فيها ، في أحكام العقود ، وكلمات الأصحاب ، فيها في غاية الاضطراب ؛ وفيها خبر (١) في مختلف الاجزاء يوافق الأول ، اللهم الا أن يراد منه ومن الفتاوى إثبات فرد آخر للخيار وهو الأخذ بالحصة في مختلف الاجزاء وأولى منه المتساوي من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخيار الحديث ١.

٢٩

غير فرق بين الثمن والمثمن ، ولعله لا يخلو من قوة ، وحينئذ يتجه الربا مطلقا فتأمل جيدا ، فإنه دقيق جدا.

ولو اشتراه أى المعين بغير جنسه كذلك فظهر النقص تخير بين الرد والأخذ بالحصة ان كان متساوي الاجزاء ، والا تخير بين الإمساك بجميع الثمن والرد على ما تقدم سابقا في أحكام العقود فلاحظ وتأمل ، وكذا المطلق والمعين ، والمطلقين ولو كان قد وجده زائدا وهي.

المسألة الرابعة التي ذكرها المصنف فقال إذا اشترى دينارا بدينار ودفعه فزاد زيادة لا تكون الا غلطا أو تعمدا كانت الزيادة في يد البائع أمانة وكانت للمشتري في الدينار مشاعة كما صرح به الفاضل والمحقق الثاني هنا وغيرهما.

نعم في المسالك « المراد أنه إذا اشترى دينارا مثلا في الذمة بدينار كذلك ، وان كان قوله ودفعه قد يوهم التعيين ، إذ لو كانا معينين لبطل الصرف من حيث اشتمال أحد العوضين على زيادة عينية ، وكذا لو كان الزائد معينا والمطلق مخصوصا بقدر ينقص بحسب نوعه.

قلت : قد يناقش فيه بأن الزيادة بناء أعلى أنها غير داخلة في المبيع ، للحكم بأنها للدافع كما تقدم سابقا في أحكام العقود في متساوي الأجزاء ، فكيف يلزم الربا ، وبأن الربا قد يتصور أيضا في المطلقين إذا كان أحدهما ناقصا عن الآخر بحسب نوعه.

وكيف كان فلا أجد خلافا في صحة الصرف حيث لا يستلزم الربا ، بأن كان الزائد مثلا ليس أحد عوضي المعاملة ، وانما دفع عوضا عما في الذمة ، فاتفق أنه كان زائدا عن وزن ما جعل عوضا ، ولا يخرج بهذه الزيادة عن كونه فردا للكلي الذي في الذمة وان كان مقدار بالوزن الناقص ، الا أنه لم يؤخذ ذلك وصفا مشخصا له على وجه يخرج الزائد عن كونه فردا.

ولو فرض كونه كذلك ، فلا ريب في بطلان الصرف إذا كان قد بان بعد التفرق وقبله يطالب بالبدل ، الا أن ذلك غير ما نحن فيه ، والزيادة في الفرض للبائع قطعا ،

٣٠

كالقطع بأنها أمانة مالكية مع التعمد ؛ بل في المسالك « أنه محل وفاق » أما مع غيره كالغلط أو شك فيها فالأقوى كونها كذلك أيضا ، أي بالنسبة الى عدم الضمان وفاقا لأول الشهيدين وثانيهما ومحكي المبسوط ، للأصل بعد أن كان وقوعها في يده من غير تعد منه ، بل باذن مالكها ، وليست من المقبوض بالسوم قطعا ، ولا أولى منه بالضمان لو قلنا به ؛ والاقدام على قبضها من العوض لم يصلح تسبيبه للضمان.

وعموم‌ « على اليد » (١) ‌بحيث يشمل النزاع محل منع ، خصوصا بعد عدم الجابر له فيه ، بل في المسالك « أن الثابت على الأخذ في الخبر غير مبين ، ولعله للحفظ أو نحوه كما يرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد ؛ مع عدم الحكم بضمانها ؛ والقدر المتفق عليه وجوب حفظها.

وان كان قد يناقش فيه بمعلومية استدلال الأصحاب به في سائر المقامات على الضمان ، فلا أقل من أن يكون ذلك مرجحا له على تقدير الحفظ ، فضلا عن فهم العرف له من لفظ على ، مع أن ارادة الأمرين منه ممكن ، بل ربما قيل : انه أنسب بإطلاقه ، فتقييده بأحدهما سيما الحفظ من غير داع لا وجه له ، فالأولى حينئذ في رد الاستدلال به ما عرفت ، أو أن المنساق منه الأخذ عدوانا ، أو من غير اذن المالك كما يومي اليه استدلال الأصحاب به في نحو هذا المقامات ، فتأمل فما عن فخر المحققين وتبعه الكركي والسيد في الرياض من أن الأصح الضمان ضعيف.

انما الكلام في أنها أمانة شرعية ـ لعدم علم المالك بها فضلا عن قصده الامانة ، فهي كالمتاع في الصندوق والمستعار ولم يعلم به المالك ـ أو مالكية نظرا الى استناد دفعها اليه وصدق تعريفها المشهور الذي هو الاستناد الى المالك ومن في حكمه عليها وجهان ، أصحهما الأول ضرورة ارادة تأمين المالك لها من الأمانة المالكية ، لا مجرد أخذها من يده أو دفعه إياها ، ولو على وجه الامانة كما هو واضح ؛ بل ما ذكر من حكم الأمانة المالكية والشرعية من عدم وجوب رد الاولى على الفور ، وعدم اعلام المالك بها ،

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ـ ص ٩٠ كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧.

٣١

بخلاف الثانية ظاهر فيما ذكرنا ، إذ لا وجه لذلك فيما نحن فيه ، هذا.

وفي القواعد « ان لآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة ان منعنا الابدال مع التفرق ، وكذا لدافعها إذ لا يجب عليه أخذ العوض ، نعم لو لم يفترقا رد الزائد وطالب بالبدل ، واليه يرجع ما في المسالك قال : و « على تقدير الغلط اما أن يتبين الحال قبل التفرق أو بعده ، فان كان قبله فلكل منهما استرداد الزائد وابداله ، وليس للآخر الامتناع تحرزا من الشركة ، وان كان بعد التفرق فان جوزنا الابدال للمعيب من الجنس كما تقدم ، فكذلك ، والا ثبت الخيار لكل واحد منهما لعيب الشركة ».

ونحوه في جامع المقاصد ؛ ومقتضى الجميع عدم جواز الفسخ مع جواز الابدال ، وبه صرح في جامع المقاصد ومقتضى الجميع عدم جواز الفسخ مع جواز الابدال ، وبه صرح في جامع المقاصد قال : « لانه طريق الى التخلص من العيب فلا يثبت فسخ المعاوضة اللازمة ، وفيه أن مثله جاز في المسألة السابقة مع أنهم حكموا بالرد والإمساك والمطالبة بالبدل ؛ اللهم الا أن يدعى الفرق بين عيب الشركة وغيره ، فيتمسك في الثاني بإطلاق دليل الرد به الشامل للابدال والفسخ ، بخلاف الأول الذي دليله لا ضرر ، المرتفع بمشروعية الابدال والله أعلم.

المسألة الخامسة : روى أبو الصباح الكناني (١) عن الصادق عليه‌السلام في القوى جدا ان لم يكن الصحيح ما يستفاد منه جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم‌

قال : « سألته عن الرجل يقول للصائغ صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طازجيا بدرهم غلة ، قال : لا بأس » ‌وعمل بها الشيخ في النهاية ، فقال : « لا بأس أن يبيع درهما بدرهم ويشترط صياغة خاتم أو غير ذلك من الأشياء » بل عن كشف الرموز أن الرواية مقبولة غير مطعون فيها ، وأن المشايخ اعتمدوا عليها وأن المخالف صاحب الوسيلة ، وإن العجلي متردد وأن العمل بها أظهر بين الأصحاب مستثنى من الآية وعموم الرواية ، وظاهره انحصار المخالف في ابن حمزة كالمحكي عن إيضاح النافع.

وظاهر المصنف هنا العمل بها أيضا ، بل هو صريحه في النافع كالفاضل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الصرف الحديث ١.

٣٢

في التحرير ومحكي التلخيص ، بل قيل انه ظاهره في التذكرة ، وأما ابن إدريس فإنه بعد أن ذكر ما في النهاية وجه الفتوى بذلك أن الربا هو الزيادة في العين إذا كان الجنس واحدا ، وهنا لا زيادة في العين ، ويكون ذلك على وجه الصلح في العمل ؛ فهذا وجه الاعتذار له إذا سلم العمل به ، ويمكن أن يحتج لصحته بقوله تعالى (١) ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وهذا بيع ، والربا المنهي عنه غير موجود ، لا حقيقة لغوية ولا شرعية ولا عرفية.

وفيه ما قد عرفت سابقا من تحقق الربا بمطلق الزيادة في المتجانسين ، ضرورة عدم صدق المثل بالمثل معها ، و‌في صحيح عبد الرحمن (٢) « ان الناس لم يختلفوا في النسي‌ء أنه الربا ، » ‌كما‌ في خبره الآخر (٣) « جاء الربا من قبل الشروط ، وانما تفسده الشروط » ‌بل يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك ، لا يقال إذا كان وصف الخاتمية مثلا لا يتحقق به الربا ، ولذا جاز بيعه بمثله فضة غير خاتم ، فاشتراطها غير قادح أيضا ، لأنا نقول ان الشرط هنا العمل وهو صباغتها خاتما لا وصف الخاتمية ، ولا ريب في تحقق الربا بمثله.

نعم لو كان الشرط مثلا بيعه بفضة مصوغة خاتما ، أمكن عدم تحقق الربا ، لعدم اشتراط العمل ، فهو كبيعه الفضة بالفضة من الدراهم مثلا ، أو بفضة من جنس المصوغ على وجه خاص ، ونحو ذلك بما هو أفراد للمبيع ، وبالوصف والشرط يتعين بعض أفرادها ، ومثله لا يتحقق به الربا قطعا ، إذ ليس مطلق الاشتراط في أحد العوضين يتحقق به ذلك ؛ ولعل من ذلك اشتراط الخيار لأحدهما ، فإنه لا يتحقق به الربا أيضا إذ أقصاه صيرورة البيع بالنسبة إلى أحدهما جائزا ، بل قد يقال بعدم تحقق الربا باشتراط غير موضع العقد للتسليم ؛ نحو ما قيل في الفرض ، بل لا أجد خلافا فيه بين من تعرض لذلك ، كالفاضلين‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٧٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ ، من أبواب الصرف الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ١ لكنه عن خالد بن الحجاج.

٣٣

والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم والظاهر أن ذلك منهم فيه ، للأصل والعمومات مع فقد المانع من نص وإجماع ، لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع ، وليس الإنقاد في بلد آخر منه ، ولعل ما نحن فيه كذلك ، إذ ليس هو الاشتراط موضع خاص من مواضع التسليم غير ما انصرف اليه العقد وحينئذ فيكون‌ ما ورد من الصحيح (١) « في الرجل يسلف الرجل الورق على من ينقدها بأرض أخرى ؛ ويشترط عليه ذلك ، قال لا بأس » ‌

ونحوه الخبر مؤكدا لما عرفته من القاعدة.

لكن في التحرير « يجوز ان يعطى عشرة دراهم أو دنانير ويشترط عليه أن ينقدها إياه بأرض أخرى مثلها في العدد والوزن من غير تفاضل قرضا لا بيعا » وظاهره الفرق بين القرض والبيع في ذلك ، وفيه نظر ان لم يرد من جهة الصرفية.

نعم لو اشترط عليه حمل المبيع مثلا الى بلد آخر تحقق الربا ، لا ما إذا كان كليا واشترط خصوص موضع للتسليم ، بل قد يظهر من‌ خبر محمد الحلبي (٢) جواز اشتراط بيع الربوي بمثله في عقد ربوي آخر ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن ؛ فيقول الصيرفي لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية « ببغلية » (٣) وزنا بوزن فقال لا بأس به ، فقلنا له : أن الصيرفي يطلب فضل اليوسفية على « البغلية » (٤) فقال : لا بأس به » ‌فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا ريب في أن ما نحن فيه ليس شيئا من ذلك ، بل متى اشترطه أو نظيره من باقي الأعمال تحقق الربا ، فانحصر الطريق حينئذ في الخروج عن ذلك بالخبر المزبور‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصرف الحديث ١ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب الصرف الحديث ١ مع اختلاف يسير.

(٣) و (٤) هكذا في النسخ المصححة ، والصحيح ( بغلة ) بكسر الغين المعجمة كما في الوسائل والتهذيب والكافي ويأتي عن المصنف نقل تفسيرها بالمغشوش عن الفقهاء وبعض أرباب اللغة.

٣٤

لكن قد يناقش فيه بعد تسليم اعتبار سنده ، بأنه لا دلالة فيه على ذلك إذ مورده اشتراط الإبدال في الصياغة لا العكس ، ومع فرض صحة وقوع هذا الابدال عوضا عن الإجارة أو الجعالة يرتفع الإشكال ، إذ لا ربا في نفس عقد بيع الدرهم بالدرهم ، والمحرم منه الزيادة في عقد بيعه فيكون ذلك حيلة للتخلص من الربا.

ودعوى أنه يؤول إلى كون الثمن للطازجى الغلة والعمل ، يدفعها منع تحقق الربا بنحو هذا الأول ، ومع تسليمه فليست المسألة من البيع بشرط ذلك ، ويمكن أن يكون من المقاولة التي لا يترتب عليه التزام ، ولكنه لا بأس به مع التراضي من غير اشتراط ؛ كما يمكن أن يكون ذلك من الابدال الذي هو من الاعمال ؛ لا خصوص البيع منه.

وبما في الروضة والمسالك من أن الصياغة وقعت من جانب الغلة ، وقد حكي عن بعض أهل اللغة وجماعة من الفقهاء أنها المغشوش ، والطازج الخالص ، فيكون الغش حينئذ والصياغة في مقابلة ما زاد عليه من الطازج ؛ وهذا لا مانع منه في البيع وغيره ، وفي شرط صياغة خاتم وغيره من الصنائع والأعيان ، فتكون الرواية حينئذ موافقة للضوابط ، ولا يقتصر على مضمونها.

وباحتمال كون المراد الصياغة بأجرتها والابدال ، وعدو بغير ذلك من الاحتمالات التي تسقط الخبر عن الدلالة على ذلك الذي هو مبنى على مساواة درهم الغلة والطازج بالوزن ، وأنهما مختلفان بالجودة والرداءة لا غير أو بالصحة والكسر ، أو أن الأول العتيق والثاني الجديد ؛ ونحو ذلك مما لا يجوز التفاضل فيهما ، ومنه بيع أحدهما بالاخر مع اشتراط الصياغة ؛ والخبر ان لم يكن ظاهرا فيما ذكرناه فلا ظهور فيه في ذلك قطعا ، ولا جابر له ، إذ المشهور بين المتأخرين عدم العمل به على هذا الوجه ، بل صرح الفاضل في المختلف والشهيدان والمحقق الثاني والمقداد وغيرهم بعدم العمل به بالنسبة الى ذلك‌

٣٥

وأغرب منه التعدية منه الى مطلق الشرط وان كان عينا ، أو إذا كان زيادة حكمية من غير فرق بين الثمن والمثمن ، وقد سمعت عبارة النهاية ونحوها عن التذكرة ، مع أنه لا إشعار في الخبر بالتعدية المزبورة ولا منقح من إجماع أو عقل.

ولذا قال المنصف وهل يتعدى الحكم؟ الأشبه لا وهو كذلك كما عرفت ، ولقد أجاد في الدروس في أصل تحرير المسألة حيث قال : « روى أبو الصباح جواز جعل ابدال درهم طازج ، بدرهم غلة ، عوضا لصياغة خاتم ، وحكم جماعة ـ بجواز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة خاتم قال ابن إدريس : لأن الزيادة ليست عينا ورد بأن الربا يحصل بالزيادة الحكمية ، وظاهرهم جواز التعدية الى غير ذلك فان اعتمدوا على الرواية فلا دلالة لهم فيها ، والا وجه المنع مطلقا ، والرواية في الإجارة لا غير ، وكان العمل يجبر تفاوت ما بين الدرهمين إذ لطازج الخالص ؛ والغلة غيره » ولا ريب في أنه أولى من تعبير المصنف وغيره عن مضمون الرواية بأنه جواز بيع درهم بدرهم ، مع اشتراط صياغة خاتم ، لما عرفت من عدم كونه كذلك والله أعلم.

المسألة السادسة قد عرفت من القواعد السابقة أن الأواني المصوغة من الذهب والفضة يجوز بيعها بغير جنسها مطلقا وبمجموع النقدين كذلك لانصراف كل الى ما يخالفه ، وبوزنهما أو أزيد من أحد الجنسين ، لانصراف الزيادة حينئذ إلى المخالف ، وعن فخر المحققين هنا الإجماع عليه ؛ وبالأنقص مع العلم بزيادته على ما فيها منه ، زيادة تصلح للانصراف الى الجنس الأخر ، وعن الفخر الإجماع عليه هنا أيضا ، من غير فرق في ذلك كله بين إمكان تخليص أحدهما عن الأخر بحيث لا يتلف منه شي‌ء وعدمه ، وبين العلم بقدر كل واحد منهما وعدمه ، للاكتفاء في المعلومية بوزن المجموع ، وبين غلبة أحدهما على الأخر وعدمه.

لكن في نهاية الشيخ الأواني المصاغة من الذهب والفضة معا ان كان مما يمكن‌

٣٦

تخليص أحدهما من صاحبه ، فلا يجوز بيعها بالذهب أو بالفضة وان لم يكن ذلك فان كان الغالب الذهب لم تبع إلا بالفضة وان كان الغالب فيها الفضة لم تبع الا بالذهب ، وان تساوى النقدان بيعت بالذهب والفضة معا ، ونحوها ما في النافع والإرشاد والتحرير ومحكي السرائر ، وقال قبل ذلك : « ولا يجوز بيع الفضة إذا كان فيها شي‌ء من المس أو الرصاص أو الذهب أو غير ذلك الا بالدنانير إذا كان الغالب الفضة ، فإن كان الغالب الذهب ، والفضة الأقل ، فلا يجوز بيعه إلا بالفضة ، ولا يجوز بيعه بالذهب نقدا ، هذا إذا لم يحصل العلم بمقدار كل واحد منهما على التحقيق ، وان تحقق ذلك جاز بيع كل واحد منهما بجنسه ، مثلا بمثل من غير تفاضل.

ولذا قال المصنف هنا في بيان حكمها ، أي الأواني المزبورة ان كان كل واحد منهما معلوما ، جاز بيعه بجنسه من غير زيادة ، وبغير الجنس وان زاد ، وان لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة ، وبيعت بهما أو بغيرهما ، وان لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل ، وان تساويا تغليبا بيعت بهما وهو محصل كلام الشيخ.كما أنه وافقه في الجملة في القواعد ومحكي التذكرة فقال « والمصاغ من النقدين ان جهل قدر كل واحد بيع بهما ، أو بغيرهما ، أو بالأقل ان تفاوتا. وان علم بيع بأيهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه ، ولو بيع بهما أو بغيرهما جاز مطلقا ».

وقال في الوسيلة : « والمخلوط من الذهب بالفضة ضربان فإن أمكن تخليص أحدهما من الأخر ولم يعلم مقدار ما فيه من الذهب والفضة ، لم يجز بيعه بالذهب ولا بالفضة ولا بالمخلوط ، فإن أراد ذلك تواهبا وان علم مقدارهما جاز ، وان لم يمكن التخليص وعلم مقدار كل واحد منهما جاز أن يباع بالذهب أو بالفضة أو بكليهما وبمخلوط مثله ، وان لم يعلم المقدار وعلم الغالب بيع بغير الغالب فان اشتبه بيع بكليهما ، وان ضم جنس آخر معه كان أحوط ، وان كان كلا البدلين مخلوط كذلك لم يصح بيع‌

٣٧

أحدهما بالاخر » وقال ابن الجنيد كما في المختلف : « وإذا اختلط الذهب بالفضة لم يجز أن يشترى المختلط بواحد منهما وان كان أحدهما مختلطا بنحاس أو رصاص ، فان كان معلوما جاز ان يباع الفضة بمثلها ، وأسقط الغش ، وان ابتاع المختلط منهما بشي‌ء منهما بأن يجعل الذهب في الثمن ثمن الفضة من السلعة ، والفضة من الثمن ثمن الذهب من السلعة جاز ، و‌قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « بيعوا الذهب بالفضة يدا بيد كيف شئتم » ‌مبيح لذلك في الاختلاط والانفراد والزيادة والنقصان ، فان كان العين المختلط في أحدهما لا حكم له في نفس الاسم كالاسرب الذي فيه فضة ، لا حكم لها جاز شراؤه بفضة دون وزنه ، ولو كان هذا حكم الذهب والفضة ، فغلب أحدهما كان شراء ذلك بعروض غيرهما أحب الى » والجميع كما ترى مخالف لتلك القواعد ، أو فيه ما هو كذلك كما لا يخفي على من تأملها وتأمله.

وقد ذكر الشهيد في المسالك جملة من مواضع المخالفة التي تظهر بأدنى التفات هذا مع أنه لم نقف لهم على ما يشهد لهم من النصوص ، سوى‌ خبر إبراهيم بن هلال (٢) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جام فيه ذهب وفضة اشتريته بذهب أو فضة فقال ان كان تقدر على تخليصه فلا ، وان لم تقدر على تخليصه فلا بأس » ‌و‌خبر أبى عبد الله مولى عبد ربه (٣) قال : « سألت الصادق عليه‌السلام عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا ، كيف نشتريه ، فقال : نشتريه بالذهب والفضة جميعا » ‌و‌خبر عبد الله بن سنان (٤) قال : « سألت الصادق عليه‌السلام عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب قال : لا يصلح الا بالدنانير والورق » ‌وغير ذلك من النصوص (٥) التي تسمعها في تراب الصياغة لكن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٨٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٥.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ١١ ـ من أبواب الصرف الحديث ٥ ـ ٣

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصرف.

٣٨

لا دلالة فيها على تمام ما ذكروه ، مع أن في سند الأول منها الذي لم يتضمن التفصيل بالتخلص وعدمه وغيره ، ما يمنع من العمل به ، مضافا الى عدم القول بإطلاقه منهم ؛ كإطلاق غيره من النصوص السابقة المحمول قطعا على الغالب من عدم العلم بالمساواة في شراء الممتزج بأحدهما فلا تكون مخالفة حينئذ للقواعد السابقة ، وقد يحمل كلام الأصحاب أو بعضهم على ذلك أيضا خصوصا بعد معلومية عدم التغابن عادة ، الا أن ما ذكروه من البيع بالأقل على تقدير الغلبة لا محمل له ، واعتذر عنه الشهيد بإرادة المحافظة على طلب الزيادة قال في الدروس : « والإناء المصوغ من الجوهرين أو الحلي منهما يباع بغيرهما أو بهما مع علم وزن المبيع ، وان لم يعلم وزن كل واحد منهما ، إذا لم يمكن التخلص ؛ ولو بيع بالجنس الواحد لم يجز الا أن يقطع بزيادة الثمن » وقال الشيخ وجماعة « يباع بالأقل محافظة على طلب الزيادة » وفيه أن الزيادة المعتبرة في الثمن غير جنسه ، يمكن تحققها مع الأقل والأكثر ، أو مع ذلك فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في التخصيص الموجب لتوهم المنع عن غيره.

لكن قد يظهر منه عدم خلاف الشيخ إلا في ذلك الذي حمله على ما عرفت ، كما عساه يظهر من المحكي عن شرح الإرشاد للفخر قال : « ان المصوغ من النقدين يجوز بيعه بأحدهما بوزن المجموع أو أزيد ، إجماعا الى أن قال وان لم يبع بوزن المجموع فلا يخلو اما أن يعلم زيادته على جنسه أو لا ، والأول يصح إجماعا ثم قال ان لم يمكن التخلص فالأصح عندي أنه لا يصلح بيعه به ، وقيل يصح بيعه بالأنقص ، وهو مشهور عند الأصحاب ؛ وهذا خلاف قاعدتهم لأنهم مع إمكان الربا حرموا عليه الزيادة لكن بنوا ذلك على أن العاقل لا يقع في معاملاته التغابن وهذا ليست أمارة حسية ولا عقلية بل زعموا أنها شرعية بنص الأصحاب.

قلت يمكن أن يريدوا انه إذا بيع بالأقل كان هناك طريق للتخلص من الربا‌

٣٩

لو أريد بيعه بأحدهما بأنقص من وزن مجموعه ، بأن يشتريه مثلا بوزن نصفه من جنس الأقل للقطع حينئذ بالزيادة ، لأن الفرض غلبة الجنس الأخر ، بخلاف ما لو بيع بالجنس الأخر فلا يعلم زيادة الثمن حتى يباع بوزن مجموعه ، والغالب في معاملات الناس عدم شراء المركب منهما بوزن أحدهما ، ولذا أطلق في كلامهم عدم جواز بيعه بالذهب أو الفضة كالنصوص ، ونحو ما تقدم في عبارة المصنف في المغشوش ، كما أن قول المصنف بجواز بيع كل واحد منهما بجنسه مع العلم بقدره من غير زيادة متجه ، ضرورة تحقق الربا بالزيادة ، ولا يدفعها تعدد الجنس ، بعد أن عين الثمن لكل منهما من جنسه ، إذ الانصراف الى المخالف انما هو إذا بيع بالمجموع من غير تعيين.

وكيف كان ان أمكن إرجاع كلام الجماعة جميعه أو بعضه الى مقتضى القواعد السابقة فمرحبا بالوفاق ، والا كان محلا للمنع ، لعدم دليل صالح للخروج به عنها ، كما هو واضح.

ثم ان مقتضى الأدلة السابقة الصريحة في اشتراط المماثلة ببيع المتجانسين ، وحرمة التفاضل والمبالغة في شدة حرمة الربا اعتبار القطع هنا بزيادة الثمن على المجانس إذا أريد البيع بجنس أحدهما ، ليتخلص من الربا ، بصيرورة الزيادة في مقابلة الجنس الأخر كما صرح به في الدروس واستجوده في الروضة ، وتعذر العلم أو تعسره الا بالتخلص الموجب ضررا بتلف البعض ، لا يجوز الاكتفاء بغيره ، ولو كان ظنا غالبا ، خلافا للمعة فاكتفي به لعسر العلم اليقيني بالقدر غالبا ، ومشقة التخليص الموجب له ، وفيه منع ، ولو سلم فليبعه بغير الجنس أو بضمه اليه ، نعم قد يقال حيث لا يمكن التخلص من ضرر عدم العلم الا به بالاكتفاء مع أنه لا يخلو من نظر أيضا فتأمل.

والمراد بإمكان التخلص أن يتخلص من دون أن يتلف شي‌ء أو ينقص قدره أو وصفه والله أعلم.

٤٠