جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كونه حينئذ كالإسقاط ، أما إذا أمهل لا بهذا العنوان بل لان له عدم الفسخ ، لم يكن ذلك إسقاطا والشك كاف في بقاء الخيار مع الإطلاق والأمر سهل. ولو علم الانقطاع قبل الأجل ففي الخيار وجهان ، لم يرجح أحدهما في القواعد والتذكرة والدروس وغيرها ، ولكن الاولى العدم ، وفاقا للروضة والمسالك وغيرهما ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على اللزوم على المتيقن ، والتفاتا الى عدم وجود المقتضى الان ، إذ لم يستحق عليه شيئا ، ومنه يعلم وجه ترجيح تأخير الحنث في الحالف على أكل الطعام غدا فأتلفه قبل الغد ، لتصريح غير واحد بابتناء ما هنا عليه فلاحظ وتدبر.

ولو كان المسلم فيه يوجد في بلد آخر ففي الدروس « لم يجب نقله مع المشقة ولا مع عدمها إذا كان قد عين البلد ، والا وجب » لكن في التذكرة « يحصل الانقطاع بأن لا يوجد المسلم فيه أصلا بأن يكون ذلك الشي‌ء ينشأ من تلك البلدة ، وقد أصابته جائحة مستأصلة ، وهو انقطاع حقيقي ، وفي معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة ، ولكن إذا نقل إليها فسد ، وإذا لم يوجد الا عند قوم مخصوصين وامتنعوا من بيعه فهو انقطاع ، ولو كانوا يبيعونه بثمن غال فليس انقطاعا ، ووجب تحصيله ما لم يتضرر المشتري به كثيرا ، وان أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله مع عدم التضرر الكثير » ، وهو جيد.

وكيف كان ف لو قبض المسلم البعض من المسلم فيه وتعذر الباقي كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه ـ واسترداد ما يخصه من الثمن ، لوجود المقتضى فيه إذ احتمال كونه لتعذر الكل خاصة مقطوع بعدمه نصا وفتوى ، وبين الصبر الى وجوده كتعذر الكل ، وله أيضا الفسخ في الجميع لتبعض الصفقة عليه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، لكن قد يشكل الأول بما ذكروه في خيار العيب من أنه ليس له تبعيض الصفقة اختيارا ، فلا يجوز له الفسخ في أحد المبيعين صفقة إذا ظهر فيه عيب ، بل ليس لأحد المتبايعين الفسخ لو كان المبيع معيبا دون‌

٣٤١

الأخر ومثله آت في المقام.

اللهم الا أن يمنع عليهم كون المدرك في المنع هناك التبعيض بل الإجماع أو غيره ، كما سمعته سابقا فلا حظ فتأمل ، بل قد يشكل أيضا بأنه لا تبعض صفقة.

وانما هو تأخير أداء لبعض المسلم فيه ، وما‌ في صحيح عبد الله بن سنان (١) « عن أحدهما عليهما‌السلام أرأيت إن أوفاني بعضا ( أى من المسلم فيه ) وعجز عن بعض أيجوز أن آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال : نعم ما أحسن ذلك » ‌وغيره كصحيح الحلبي (٢) ونحوه ظاهر في نفى البأس عن أخذ ذلك بالتراضي منهما ، مع أنها لا ظهور فيها في انقطاع المسلم فيه ، وعدم إمكان تحصيله ، ويدفع بأن تأخير الأداء ولو في البعض كاف في ثبوت الخيار في الجميع للتضرر ، خصوصا إذا قلنا بأن منشأ جواز الفسخ عدم حصول الشرط ، وعلى كل حال فقد صرح بعضهم بأن للبائع الخيار إذا اختار المشتري الفسخ في البعض ، لتبعض الصفقة عليه أيضا ، وقواه جماعة وهو كذلك إذا لم يكن ذلك بتفريط منه وتقصير ، والله أعلم.

المسألة التاسعة لا خلاف في أنه إذا دفع الى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء عن الدين ولم يساعره احتسبت بقيمتها يوم القبض بل في المسالك الاتفاق عليه ، وقال محمد بن الحسن الصفار (٣) « كتبت إليه في رجل عليه مال فلما حل عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم يقاطعه على السعر [ الثاني ] (٤) بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص ، بأي السعرين يحسبه؟ هل لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه وحل ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ٢ ـ ١

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام العقود ـ الحديث ٥ مع اختلاف يسير.

(٤) هكذا كان في النسخ المصححة لكن في الوسائل والتهذيب ( فلما كان ) وهو الصحيح.

٣٤٢

ثلاثة يوم حاسبه فوقع عليه‌السلام ليس له الا على حسب سعر وقت ما دفع اليه الطعام إن شاء الله ».

ولا ينافيه‌ قوله أيضا « وكتبت اليه الرجل استأجر أجيرا ليعمل له بناء أو غيره من الاعمال وجعل يعطيه طعاما أو قطنا وغيرهما ثم تغير الطعام والقطن عن سعره الذي كان أعطاه ، إلى نقصان أو زيادة أيحسب له سعره يوم أعطاه أو سعر يوم حاسبه؟ فوقع عليه‌السلام يحسب له سعر يوم شارطه فيه » ‌بعد ارادة يوم القبض من يوم الشرط بناء على أنه يوم الشرط أو لم يتغير السعر الا بعد يوم القبض فلا يقدح الفصل بينه وبين يوم الشرط ، خصوصا بعد أن رواه في الكافي كذلك.

وبعد وضوح عدم الفرق بينه وبين الدين الذي قد حل في كون المدفوع ملكا للقابض الذي هو صاحب الدين ، وحيث كان من غير جنس الدين لو فرض كونه نقدا وجب ملاحظة قيمته في ذلك الوقت حتى يكون وفاء ، بل يكون كدفع المجانس. نعم قد يقال : مقتضى ذلك لو كان الدين عرضا وقد دفع عرضا آخر وجب ملاحظة ما يساوى العرض المدفوع من العرض الذي هو دين في يوم القبض فيبرء منه بذلك المقدار ، لا أنه يلاحظ القيمة فيهما ، لكن في المسالك لو كان الدين من غير النقد الغالب أحتسب أيضا به يوم دفع العوض قضاء ، ولعل ذلك لعدم معرفة القيمة بغير النقد الذي هو المرجع في أمثال ذلك ، وتنصرف اليه الاروش والجنايات وغيرها ، ولو كان الدين قسما خاصا من النقد فدفع عنه آخر احتسب بما يساويه منه في يوم القبض ، كما استفاصنت به النصوص ، منها‌ ما رواه إبراهيم بن ميمون (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير ولا يصارفه فتصير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٥ لكن عن يوسف بن أيوب شريك إبراهيم بن ميمون.

٣٤٣

الدنانير بزيادة أو نقصان قال : له سعر يوم أعطاه » ‌و‌في بعضها (١) تعليل ذلك « بأنه قد حبس منفعتها عليه » ‌والظاهر أن ذلك كناية عن انتقالها الى القابض ، وزوال ملك الدافع عنها ، وبه يحصل حبس منفعتها عنه ، وإذا انتقلت الى ملك القابض سقط بإزائها ما يساويها من ذلك الدين بصرف ذلك اليوم ، لأنها لم تنتقل اليه مجانا وانما انتقلت عوضا ، فلا بد من سقوط عوضها ذلك اليوم بصرف ذلك اليوم الذي هو يوم المعاوضة ، وحينئذ فهو إشارة الى ما قدمناه هذا وتقدم ، ويأتي ما له نفع في المقام إذا المسألة غير خاصة بالسلم وليست هي في الحقيقة من البيع ، والا لوجب معرفة المقدار وغيره من أحكام البيع ، بل هي معاوضة مستقلة‌

كما أن المسألة العاشرة كذلك لا مدخلية لها في السلم إذ قد عرفت الحال في بيعه قبل الحلول ، وبعده أما غيره ف يجوز الدين بعد حلوله على الذي هو عليه بلا خلاف فيه بيننا ولا اشكال بل وعلى غيره وفاقا للمشهور ، شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك بعد انحصار الخلاف في الحلي ، لوجود المقتضى وارتفاع المانع عدا ما يحكى عنه من الإجماع المتبين خطاؤه في تحصيله ، بعدم موافقة أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه له في ذلك ، بل ليس فيما حضرني من نسخة السرائر ذلك ، وان أطال في ترجيح ما ذهب اليه من المنع ، بأنه ليس بيع عين مشاهدة ، ولا مشخصة موصوفة ولا كلية موصوفة إذا لا خير سلم وليس هو منه قطعا ، كما أنه ليس من الأولين كذلك لعدم تعين الدين وتشخصه الا بالقبض ، بل أورد على نفسه أن الإجماع منعقد بغير خلاف على صحة بيع الدين وإمضائه وعموم أخبارهم على ذلك ، وأجاب بأنا عاملون بالإجماع ومتبعون لظواهر القرآن في بيع الدين على من هو عليه دون غيره ، وظاهره وجود معقد إجماع مطلق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ٢.

٣٤٤

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف قوله ، إذ لا مانع من كونه بيع عين موصوفة ، وان لم يكن سلما ولا مشخصة لعموم أدلة البيع ، بل مقتضاها جواز البيع قبل الأجل كما هو صريح التذكرة والروضة ، وظاهر المختلف واللمعة وجماعة ، ولا معارض لها ، إذ الإجماع المدعى انما هو في السلم خاصة ، ودعوى عدم الفرق واضحة المنع ، كدعوى عدم الملكية للبائع قبل الأجل في نحو القرض المؤجل ، ومهر الزوجة ونحوهما من أفراد الدين ، وكذا عدم القدرة على التسليم بعد ما عرفت من عدم اعتبار القدرة فعلا في صحة البيع ، فما في الدروس وظاهر الإرشاد ومحتمل النافع أو ظاهره من المنع ضعيف ، هذا كله في أصل جواز البيع.

وأما ما يباع به فان باعه بما هو حاضر مشخص صح بلا خلاف ولا اشكال وكذا ان باعه بمضمون في العقد حال صح أيضا لعدم صدق الدين عليه ، ضرورة عدم كون المراد منه التأخير بل غاية المراد منه الكلى الصادق على أفراد متعددة ، أما إذا كان مضمونا قبل العقد بان يكون مؤجلا ثم يحل الأجل فالمتجه فيه المنع لانه بيع دين بدين كالحال بالمؤجل السابق ، واعتبار الأجل في الدين على تقدير تسليمه كما نص عليه بعض أهل اللغة بل نسب الى ظاهر بعض الأصحاب انما يراد منه اعتباره حين ثبوته بمعنى ان الدين ما يضرب فيه الأجل أول مرة ، ولا ينافيه خلوه عنه في ثاني الحال ، ولذا أطلق الأصحاب على الدين بعد حلول أجله لفظه إطلاقا حقيقيا وهو المتداول عرفا ولا يصح السلب عنه فيه حينئذ.

لكن في الرياض في شرح عبارة النافع التي هي كعبارة المتن هنا ، إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان مؤجلا ثم حل الأجل أو كان غير مؤجل في الأصل ، كما إذا بيع بدينار كلى غير مستقر في ذمته قبل البيع ، ولا اشكال فيه لما مر ، مع عدم صدق الدين عليه حقيقة كما يأتي ، ويشكل في الأول ان لم يكن إجماع كما هو ظاهر الروضة حيث جعل الجواز أقوى وهو مشعر بل ظاهر في‌

٣٤٥

وقوع الخلاف ، ووجهه قوة احتمال صدق الدين عليه ، بناء على تضمنه الأجل ، ولو في الزمان السابق على العقد ، فيلزم حينئذ بيع الدين بالدين ، ووجه الجواز اما الشك في الصدق ، أو لزوم الاقتصار في المنع في بيع الدين بالدين المخالف للأصل على محل الوفاق ، وليس منه محل الفرض ، لوقوع الخلاف ، والخبر المانع عنه وان كان عاما الا انه قاصر سندا يشكل الاعتماد عليه فيما عدا الإجماع.

وربما يوجه باختصاص الدين بالمؤجل كما في كلام الأصحاب وجماعة من أهل اللغة ، ومحل الفرض بعد انقضاء أجله ليس كذلك الى آخره ، وهو من غرائب الكلام ، ضرورة ظهوره في أن الجواز بالمضمون السابق مظنة الإجماع ، وفيه أن المراد بالمضمون في كلام الأصحاب ما قابل العين ، أي الكلي في العقد فلا يشمل المضمون سابقا ، بل ينبغي القطع بذلك ، إذ لا خلاف بينهم في أن بيع المضمون المؤجل سابقا بمضمون سابقا كذلك من بيع الدين بالدين ، سواء كانا حالين أو مؤجلين أو أحدهما حالا والأخر مؤجلا ، إنما البحث فيما صار دينا بالعقد ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله.

وان اشترط تأجيله أي الثمن في بيع الدين بعد حلوله قيل والقائل المشهور يبطل لانه بيع دين بدين فيشمله النص والإجماع وقيل يكره وهو الأشبه عند المصنف وجماعة ، للأصل والعمومات التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن ، وهو ما كان عوضا حال كونه دينا ، كما هو مقتضى تعلق الباء به ، والمضمون عند العقد ليس بدين ، وانما يصير دينا بعده ، فلم يتحقق بيع الدين به والا لزم مثله في بيعه بالحال الذي لم يعرف من أحد المنع فيه ، والفرق غير واضح. ودعوى إطلاق اسم الدين عليه ان أرادوا به قبل العقد فممنوع ، وبعده فمشترك بين الحال والمؤجل ، فيلزم أن لا يصح بحال كما عرفت ، وإطلاق بيع الدين بالدين عليه عرفا مجاز ، على معنى أن الثمن بقي في ذمته دينا بعد‌

٣٤٦

البيع ، ولو اعتبر مثل هذا الإطلاق جاء مثله في الحال إذا لم يقبضه ، خصوصا إذا أمهله به من غير تأجيل.

وفيه منع كون المراد من النص ذلك لا غير ، وتعلق الباء أعم ، إذ يمكن كون المراد المنع من بيع الدين بالدين المقابل للعين والحال اى لا تبع الدين بهذا الصنف من البيع فيكون التعريف إشارة الى هذا القسم من البيع المعهود في الذهن وحينئذ فأظهر الفردين المؤجل في العقد لا العكس وقد تقدم في تأجيل ثمن السلف ما يستفاد منه المفروغية من تناول بيع الدين بالدين للمؤجل ثمنه بالعقد ، وأنه من الواضحات فلا ريب حينئذ في أن الأشبه خلاف ما ذكره المصنف.

وقد تحصل من مجموع ما ذكرنا المنع من بيع الدين السابق بالدين السابق في الصور الأربعة أي الحالين والمؤجلين والمختلفين ، واما إذا كانا مضمونين بالعقد فالمؤجلان منهما لا ريب في بطلانه ، بل يمكن اندراجه في بيع الكالي بالكالي وقد عرفت الحال فيه في تأجيل ثمن السلف إذ هو هو ، والحالان منهما لا إشكال في صحتهما للعمومات كالمختلفين ، وأما إذا كان أحدهما مضمونا بالعقد والأخر قبله فان كان المضمون سابقا سلما لم يجز بيعه قبل حلوله مطلقا وجاز بعده إذا كان الثمن حالا ، وان لم يكن سلما جاز قبل حلوله بعين حاضرة ، وبكلي مضمون بالعقد حال لا مؤجل على الأقوى ، ولو جعل المضمون سابقا ثمنا لعين أو كلي حال جاز قطعا إذا كان حالا ، من غير فرق بين السلم وغيره وان كان مؤجلا فوجهان ، إذا كان سلما أقواهما العدم ، بناء على عدم الفرق في المنع بين جعله ثمنا أو مثمنا قبل حلول اجله وان لم يكن سلما فالأقوى الجواز بل ينبغي القطع به إذ هو كالعكس فتأمل جيدا.

وقد تلخص مما ذكرنا جواز بيع الحال بالحال مع عدم أجل لهما في السابق فضلا عن الحالين بالعقد ، وعن الحال كذلك بالمؤجل السابق أو بالعقد ، لما عرفته من عدم ارادة ما يشمل الكلى المضمون حالا ، وقيمة المغصوب ونحوها من بيع الدين بالدين‌

٣٤٧

ومدار البحث على اعتبار الأجل في صدق اسم الدين هنا وصدقه عليه بعد حلوله وعلى عدم اعتبار سبق الدينية في صدق بيع الدين بالدين والله العالم.

المسألة الحادية عشر لا خلاف في انه إذا أسلف في شي‌ء وشرط مع السلف شيئا معلوما صح من غير فرق بين الرهن والضمين وغيرهما وان كانا معقد نفى الخلاف المحكي عن التذكرة ، إذا المدرك في الجميع وهو عموم الوفاء بالعقود ، والمؤمنون ، وغيرهما مما دل على صحة الشرط متحد ، و‌نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « عن السلف والبيع ، وعن البيعين» ‌في الخبر القاصر سندا المجمل دلالة غير معارض ، خصوصا بعد ما قيل من ان المراد منه النهي عن بيع من من طعام مثلا حالا بكذا ، وسلفا بكذا ، وقد تقدم الكلام فيه سابقا ، فعموم أدلة الشرائط حينئذ بحالها لا معارض لها. نعم يعتبر في الشرط المعلومية ونحوها كما في غير السلم من أنواع البيع ، وليس الشرط في عقد السلم سلما بل ليس هو في عقد البيع بيعا بل هو مملك مستقل في عقد البيع.

وحينئذ ف لو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معينة اتجه ما نسبه المصنف الى القيل بقوله قيل : يصح والقائل الشيخ والفاضل والشهيدين والمقداد والكركي وغيرهم وقيل كما عن السرائر لا يصح وهو الأشبه عند المصنف والموجود في السرائر ان جعل في جملة السلف أصواف النعجات المعينة فلا يجوز السلف في المعين ، وبيع الصوف على ظهر الغنم أيضا لا يجوز سواء كان سلفا أو بيوع أعيان وهو غير ما نحن فيه ، إذ لا ريب في البطلان إذا جعله من جملة السلف لمعلومية اشتراط كونه مضمونا في الذمة ، إنما الكلام في ملكها بالشرط في عقد السلم وهو ليس سلما بل ولا بيعا غير سلم ، فلو قلنا بعدم جواز بيعها لأنها من الموزون ـ مع أن الأصح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٢.

٣٤٨

الجواز مع المشاهدة لعدم موزونيتها بهذا الحال كالثمرة على النخل ـ أمكن القول بالجواز من حيث الشرط لعموم أدلته ، اللهم الا ان يدعى رجوع الجهالة الى أحد العوضين ، وفيه منع واضح.

وعلى كل حال فما ذكره من المنع فيما فرضه ليس مما نحن فيه : وبذلك ظهر انفراد المصنف في مختاره نعم حكى عن تلميذه الابى أنه مال اليه أو قال به ، ولا ريب في ضعفه ان أريد البطلان من حيث الاشتراط في عقد السلم ، أما إذا أريد به بطلان هذا الشرط في نفسه من غير فرق بين السلم وغيره فله وجه ، وان كان الأوجه خلافه خصوصا بناء على التحقيق من جواز البيع على الظهر مع المشاهدة.

كما أنه ظهر بما ذكرنا ما في رد المختلف على ابن إدريس فإنه بعد أن حكى كلامه قال : يجوز إذا كان الصوف مشاهدا أن يكون شرطا في السلم لا جزأ من البيع ثم قال : ولو فرضنا جزأ لم يكن محالا لانه يجوز السلف حالا فيمكن أن يكون بعضه كذلك ونحوه في المسالك وغيرها إذ فيه أنه ان جاز كونه حالا فلا بد ان يكون كليا في الذمة ولا يجوز ان يكون مشخصا واحتمال ارادته بالجواز حالا انه يباع بلفظ السلم خلاف الظاهر ، هذا. وعن المهذب البارع ان موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن تجز حالا ، فلو عينها وشرط تأجيل الجز إلى أمد السلف أو شرط أصواف نعجات في الذمة غير مشاهدة لم يصح قولا واحدا ، وكأنه نظر الى ظاهر ما وقع فيه الخلاف ، والا فالإجماع ممنوع كما اعترف به في المسالك وغيرها.

وفي حواشي الشهيد « التحقيق أنه ان كان شرط الصوف الموجود أو ما يتجدد مقيدا بمدة معينة صح ، وان لم يكن موجودا حال الشرط لم يصح » بل عن إيضاح النافع انه بعد ان ذكر ما ذكر الشهيد قال : « وان شرط الصوف مؤجلا ففيه نظر ، ولعل الأقرب الصحة ، لأن المشروط لا يشترط معرفته ولا حصوله ، فإنه قد يشترط حمل الأمة والشجرة فيكون معناه ما تحمل ان حملت ».

٣٤٩

وفي المسالك بعد أن قوى الصحة مع شرط الجز حالا والإطلاق قال : « ولو شرط تأجيل الجز إلى أجل السلم فلا يخلو اما أن يشترط دخول المتجدد أولا ، وفي الأول يحتمل الصحة ، لأنه شرط مضبوط ، وقد صرح جماعة من الأصحاب بجواز مثل ذلك في الصوف واللبن استقلالا ، ونحن فيما سلف شرطنا فيه كون المجهول تابعا ، فحينئذ لا إشكال أيضا مع الشرط ، وفي الثاني يبنى على أمرين ، أحدهما ان شرط تأجيل الثمن إذا كان عينا هل هو جائز أم لا والحق جوازه. بل ادعى عليه في التذكرة الإجماع ، ومثله الثمن المعين ، والثاني ان اختلاط مال البائع بالمبيع هل هو مانع من صحة البيع أم لا ولا شبهة في عدم منعه ، وقد تقدم نظيره فيمن اشترى لقطة أو جزه وآخر قطعها فامتزجت بمال البائع ، وحينئذ فطريق التخلص الصلح قلت : وبهذا يظهر لك ما في إجماع المهذب ، بل لا يبعد جواز ما ذكره من الصورة الأخيرة إذا فرض الضبط على وجه ترتفع به الجهالة القادحة في الشرط ، والله اعلم.

ولو شرط المسلم اليه ان يكون الثوب من غزل امرأة معينة ، أو الغلة من قراح بعينه لم يضمن المسلم اليه المسلم فيه اى لم يصح السلم ، فلا ضمان ، إذ هو لازم لها ، وعلله في المسالك بإمكان ان لا يتفق ذلك للمرأة بأن تمرض أو تموت أو تترك العمل إمكانا مساويا لنقيضه ، وكذا القراح يمكن ان يخيس ، ولا يظهر منه ما يطابق الوصف وهو جيد ، وأجود منه قوله والضابط اعتبار ما لا يتخلف عنه المسلم فيه عادة ، كالبلد الكبير بالنسبة إلى الأرض والأهل ، بل ظاهره قبل ذلك عند البحث عن السلم في الجلود انه لا إشكال في جوازه مع اشتراط الغلة من قرية معينة لا يخيس عادة ، وهو كذلك ، وعليه يحمل‌ الصحيح (١) « عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال لا بأس ان خرج فهو له ، وان لم يخرج كان دينا عليه » وفي الخبر الآخر (٢) « الرجل‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ١ ـ ٣

٣٥٠

يشترى طعام قربة بعينها وان لم يسم له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء ».

لكن في تقييده ذلك بالنسبة إلى الأرض والأهل لا يخلو من مناقشة ، الا ان يكون المراد منه ارتفاع عزة الوجود بذلك ، لكثرة الأهل والأرض فهو ليس كامرأة معينة ، ولا كقراح معين ، كما أن تعليل أصل الحكم في الرياض لا يخلو منها أيضا قال : « المسألة الثانية لا يجوز استناد السلف الى معين ، لانه ابتياع مضمون كلي في الذمة غير مشخص ، الا بقبض المشتري ، ويتفرع عليه أنه لو شرط ثوبا من غزل امرأة بعينه ، أو غلة من قراح ، أى مزرعة معينة لم يضمن ولا يصح ، لان تشخيص المسلم فيه بأحد الأمور المزبورة خروج عن حقيقة السلف ، كما مرت إليه الإشارة.

نعم لو استند الى معين قابل للإشاعة ولا يقضى التعيين فيه الى عسر التسليم عادة جاز ، كما لو أسلف على ماءة رطل من تمر البصرة ، فإن ذلك يجرى مجرى الصفات المشترطة في السلف كالحدارة والصرابة ، وعليه يحمل الخبران » وفيه أنه لا دلالة في الشرط المزبور على التشخيص المذكور ، فالمدار في المنع فيه ونحوه على عزة الوجود وغلبته التي قد عرفت البحث فيها ، وانها ترجع إلى القدرة على التسليم أولا فلاحظ وتأمل والله اعلم.

( المقصد الرابع )

من المقاصد التي استدعاها النظر في السلف في الإقالة وان كانت هي غير مختصة ، فيه بل ولا مختصة بالبيع ولذا كان الاولى جعلها بمنزلة الخاتمة لكتاب البيع كما فعله بعضهم الا انه لما منع بعض العامة وقوعها في بعض السلف ناسب جعل البحث فيها مقصدا من مقاصده كمناسبة جعل القرض ودين المملوك كذلك لاشتراك الجميع في تحقق صدق الدين والأمر سهل.

وعلى كل حال فلا ريب في مشروعيتها بل رجحانها للنادم المسلم‌ قال الصادق عليه‌السلام

٣٥١

في خبر ابن حمزة (١) « أيما عبد أقال مسلما في بيع أقال الله عثرته يوم القيمة » ‌وأرسله‌ في الفقيه ، لكن قال : « أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع » ‌و‌قال أيضا في خبر سماعة بن مهران (٢) « أربعة ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيمة أحدهم من أقال نادما » ‌و‌في مرسل الجعفري (٣) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأذن لحكم بن حزام في التجارة حتى ضمن له اقالة النادم » ‌الحديث الى غير ذلك من النصوص.

وكيف كان ف هي عندنا فسخ في حق المتعاقدين أو ورثتهما ، بناء على قيامهم مقامهما في ذلك ، كما صرح به في التذكرة وغيرهما كالشفيع ، لا بيع سواء كان المبيع عقارا أو غيره ، وسواء وقعت قبل القبض أو بعده ، وسواء كانت بلفظ الإقالة أو الفسخ ، بل لو وقعت بلفظ البيع بناء على صحتها به إذا كان المقصود به محض الفسخ ، كما في التذكرة ، وظاهر جامع المقاصد ، وان كان لا يخلو من اشكال ، خلافا لمخالفينا فبين مطلق أنها بيع ، ومقيد لها في حق الشفيع ، وآخر بالعقار ، ورابع بما بعد القبض ، وخامس إذا كانت بلفظ الإقالة ، ولا ريب في ضعف الجميع ، لعدم قصد معنى البيع ، بل المقصود خلافه ، ورد الملك ليس تمليكا جديدا فلا يجرى عليها شي‌ء من أحكام البيع ، بل ولا غيره من المعاوضات الموجبة ملكا جديدا لما عرفت من انها تفيد رد الملك بفسخ العقد الذي قد اقتضى خلافه.

ومن هنا لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن لعدم ما يصلح مملكا للزيادة المفروضة ولا نقصان لعدم ما يصلح مملكا لما بقي من الثمن مثلا بعد فسخ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ٢.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ٥ ـ ١

٣٥٢

العقد فيما قابله تماما ، بلا خلاف أجده فيهما الا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن الإسكافي قال : ولو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صح عند ابن الجنيد ، والأصحاب على خلافه ، لأنها فسخ لا بيع ، قلت : مضافا الى‌ صحيح الحلبي (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل اشترى ثوبا ولم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثم رده على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة قال : لا يصلح له ان يأخذه بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد ».

بناء على ان مبنى ذلك فساد الإقالة وبقاء الثوب على ملك المشتري ، بل الظاهر عدم الصحة حتى لو ذكرت الزيادة والنقيصة بصورة الشرط الذي هو مملك بنفسه وان كان بواسطة العقد ، لبطلان هذا الشرط باعتبار مخالفته لمقتضى الإقالة التي هي بمعنى الفسخ ، ورد كل عوض الى مالكه. وحينئذ تبطل الإقالة بذلك لفوات الشرط في صحة عقد الإقالة كالمعلومية في المبيع أو فوات الشرط في ضمن عقدها الذي علق الرضاء بالفسخ عليه ، كما في كل شرط فاسد في العقد ، بناء على فساد العقد بفساده بل ربما ظهر من بعضهم عدم بناء ذلك على الخلاف في اقتضاء فساد الشرط فساد العقد وعدمه اما لخصوص النص المزبور المتمم بعدم القول بالفصل ، بناء على أن المراد منه ما يشمل المعاوضة والشرطية ، وان ذكر لفظ الباء بل لعله الظاهر منه عند التأمل ، أو لأن بطلان الشرط هنا باعتبار منافاته لمقتضى العقد كما عرفت ، ولا خلاف في اقتضائه فساد العقد لعوده عليه بالنقض ، انما الخلاف في غيره أو لغير ذلك.

لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من النظر ان لم يقم إجماع عليه ، كما لعله الظاهر من بعضهم حتى أنه صرح بأنه لا فرق في المنع عن الزيادة والنقيصة بين الحكمية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ١.

٣٥٣

والعينية ، فلو أقاله على أن ينظره بالثمن أو يأخذ الصحاح عوض المكسر ونحوه لم يصح ولكنك خبير بأن ذلك ان تم فهو في خصوص زيادة الثمن ونقصانه عينا أو حكما كانظار الثمن وإعطاء الصحيح عوض المكسر كما صرح به في التذكرة وغيرها ، أما إذا لم يرجع الى شي‌ء من ذلك بحيث يكون شرطا خارجا عن الثمن ، فقد يقال : ان مقتضى عموم‌ « المؤمنون » ‌وغيره صحته ، وليس هذا تمليكا بالإقالة بل هو بالشرط الذي ألزمه عقد الإقالة ، ودعوى رجوع كل شرط إلى زيادة الثمن ونقصانه واضحة المنع ، اللهم الا أن يقال : ان فائدة الشرط التسلط على فسخ العقد الذي قد اشترط فيه ان لم يوف بالشرط ، ولذا قيل ان الشرائط في العقود اللازمة انما هي للزومها ، بل قيل ان فائدتها قلب اللازم جائزا من أول الأمر وان كان التحقيق خلافه.

وعلى كل حال فهو غير صحيح في الإقالة لعدم معهودية تزلزل الفسخ ، فلا يصح فسخ الإقالة حينئذ بعدم الوفاء بالشرط ، ويعود العقد على ما كان ، فلا يصح أصل الشرط ، وفيه منع انحصار فائدة الشرط في ذلك ، إذ لا مانع من كونه حينئذ كالشرط في العتق والوقف ونحوهما مما لا يتسلط المشترط به على الفسخ ، وأن المراد به مجرد الإلزام وانسلاخ الشرطية التي هي بمعنى التعليق منه غير قادح ، لكن ومع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من اشكال. وان كان مقتضى ذلك عدم جواز اشتراط الخيار في الإقالة ، بل ولا يتسلط على فسخها بعيب ونحوه لما عرفت ، بل مقتضاه أيضا عدم الجواز في معاطاتها ، بناء على صحتها فيها للسيرة المستمرة ، وأنها تفيد فائدة عقدها كمعاطاة البيع في إفادة الملك ، لصدق اسمها عليها ، لما عرفت من أن الفسخ منى تحقق لزم ، لعدم معهودية تزلزله ، فلا يكون فرق حينئذ في ذلك بين المعاطاة والعقد ، بخلافه في البيع ونحوه ، فإن المعاطاة فيه وان افاده الملك الا انه يصح الرجوع فيه قبل التلف والتصرف ، بخلاف العقد.

نعم قد يمنع كون الإقالة من العقود المصطلحة ، ولذا لم يصرح الأكثر ان لم يكن‌

٣٥٤

الجميع بكونها عقدا ، بل اقتصروا على أنها فسخ ، بل أطلق في الدروس وقوعها بقول تقايلنا وتفاسخنا ومقتضاه ولو مع الاقتران ، بل صرح بذلك في الروضة ولو أنها منها لوجب فيها تقديم الإيجاب على القبول ، بل احتمل في الدروس قيام الالتماس مقام قبولها ، فيجري حينئذ الالتماس عليها من أحدهما فبقول الأخر أقلتك ، بل احتمل الاكتفاء بالقبول الفعلي لو قال أحدهما ابتداء من دون سبق التماس أقلتك ، ومن المعلوم عدم الاجتزاء بنحو ذلك في العقود اللازمة ، فرجع حاصل المسألة الى ان الإقالة كفسخ الخيار ، وان افترقا بتوقفها على تراضيهما به فيها ـ بخلافه ، فكل لفظ دل عليه يكتفى به ، وأما الأفعال المقصود ارادة الفسخ بها الدالة عليه فقد يقال : بالاجتزاء بها ، لكون المدار على ما يدل على طيب النفس بالفسخ ، كما عساه يشعر به‌ خبر هذيل بن صدقة الطحان (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترى المتاع أو الثوب فينطلق به الى منزله ولم ينفذ شيئا فيبدو له فيرده هل ينبغي ذلك له؟ قال : لا الا أن تطيب نفس صاحبه » ‌ويحتمل العدم اقتصارا على المتيقن ، وكذا الكلام في المركب من القول والفعل على اختلاف الاحتمالين قوة وضعفا في الإيجاب والقبول.

وعلى كل حال فذلك على تقدير الفسخ به ليس من المعاطاة التي ذكروها في عقود المعاوضات ، وكان منشأ توهم عقديتها حتى انقدح منه البحث في جريان المعاطاة فيها وجود صورة العقد في بعض عباراتها ، وهو أقلتك وقبلت ومراعاة الاتصال بينهما ، ونحو ذلك من أحكام العقد ، لكنك خبير بأعمية ذلك من العقد الذي يذكر فيه حكم المعاطاة فتأمل جيدا ومن ذلك ينقدح ان المراد بالبطلان مع اشتراط الزيادة والنقصان من حيث كون ذلك شرطا في صحتها ، كالمعلومية في المبيع لا من حيث الاشتراط فيها ، وانه شرط باطل ، بل لعل ذلك اولى مما ذكرناه سابقا في شرح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ٣.

٣٥٥

العبارة ، والله أعلم.

وكيف كان ف تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد وفي بعضه سلما كان العقد أو غيره لإطلاق أدلة الإقالة معتضدا بعدم الخلاف فيه عدا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن ابن المتوج إذا اتحد البائع والمشتري والعقد فإن الإقالة لا تصح إلا في الكل دون البعض رادا عليه بان المنقول خلافه ، بل ضعفه واضح ودعوى عدم معقولية الفسخ في البعض دون البعض غير مسموعة كدعوى ان الإقالة في بعض السلم مطلقا أو إذا لم يكن يسيرا مستلزم ما‌ « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه من البيع والسلف في بيع واحد » (١) ‌لأنه إذا أقاله في بعض ورد بعض رأس المال يصير في معنى القرض لانه رد مثله ويصير الباقي بيعا.

وفيه مع أن السلف حينئذ بمعنى القرض لا المصطلح أنه منقوض بأرش العيب وباليسير بناء على جوازها فيه ، ورد المثل لا يوجب كونه قرضا. وإلا لزم كون البيع إذا قيل ولم يكن العوض موجودا كذلك ، على أنه قد يمنع الاجتماع ، لأنه انما يكون إذا شرط في البيع ذلك ، واما لو أسلفه شيئا وباعه شيئا آخر ولم يشترط أحدهما في الأخر جاز عندهم ، ويمكن ارادة المستدل بناء على أن الإقالة بيع ، وقد عرفت بطلانه كل ذلك بعد التسليم الخبر المزبور وتسليم كون المراد منه ذلك ، فلا ريب حينئذ في جواز الإقالة في الكل والبعض في السلم وغيره ، ويتقسط الثمن حينئذ على النسبة ، والجهالة في مثله غير قادحة قطعا : نعم في التذكرة لو أقاله في بعض السلم ليجعل له الباقي ، أو عجل المسلم اليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة ، أما لو قال للمسلم اليه عجل لي حقي وأخذ دون ما استحقه بطيبة من نفسه كان جائزا ، لأنه نوع صلح وتراض والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٢.

٣٥٦

( فروع ثلاثة )

الأول قد ظهر لك أنه لا تثبت الشفعة بالإقالة ولا خيار مجلس ولا صرف ولا غيره من أحكام البيع ، لأنها تابعة للبيع وهي فسخ ليست بيعا ، عندنا ، لا في حق الشفيع ولا غيره ، بل ولا عقد معاوضة فلا يجرى عليها شي‌ء من أحكام عقود المعاوضة.

الفرع الثاني من الواضح أنه لا تسقط أجرة الدلال والوزان والناقل ونحوهم بالتقايل ، لسبق الاستحقاق الذي لا ينافي ثبوته القابل الطاري الذي هو فسخ من حينه.

الفرع الثالث : إذا تقايلا رجع كل عوض الى مالكه لانفساخ العقد الذي نقلهما عنهما وحينئذ فإن كان موجودا عندهما على مقتضى العقد الذي تقايلا فيه أخذه وان كان مفقودا مثلا ضمن بمثله ان كان مثليا والا بقيمته يوم التلف كما صرح به جماعة كنظائره ، لأن الضمان متعلق بالعين ما دامت ، فإذا تلفت تعلق بقيمتها يومئذ ، وليس المراد من الضمان اشتغال الذمة بالقيمة يوم التلف ، إذ لا يعقل اشتغال ذمة المالك بقيمة ماله ، بل المراد قيام القيمة يوم التلف مقام العين في صحة تعلق الإقالة ، لمعلومية بدلية المثل والقيمة عن العين في كل ما يتعلق بها ، وربما احتمل القيمة يوم القبض لانه ابتداء الضمان ، وضعفه واضح ، كوضوح ضعف احتمال الأعلى من يوم القبض الى يوم التلف أو الإقالة.

نعم قد يقال : بضمان القيمة يوم الإقالة ، لأنه يوم التعلق ، وفيه ان الإقالة لا تشغل ذمة ، بل ليست الا فسخا للعقد ، فلا بد من قيام بدل العين قبلها ، اللهم الا ان يقال ان القيمة يوم التلف قامت مقام العين ، فمع فرض تغيرها الى يوم الإقالة تقوم كل‌

٣٥٧

قيمة مقام الأخرى إلى قيمة يوم الإقالة ، إذ ليس قيام القيمة يوم التلف مقام العين بأولى من قيام كل من افراد القيمة عن الأخر ، بل هو اولى ، بل الظاهر الذي قام مقام العين كلي القيمة ، وان قارنت تلك الخصوصية في يوم التلف ، ولا تشغل ذمة بها حتى يتشخص ، فيبقى كل فرد من افرادها قائما مقام الأخر إلى يوم الإقالة ، فيتعين ذلك الفرد ، لانه هو الذي قارن الاستحقاق ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، ومنه يظهر الفرق بين القيمة في الإقالة وبين الإقالة في تلف المغصوب.

وعلى كل حال فالتلف غير مانع من صحة الإقالة كما انه غير مانع من الفسخ بالخيار ، للإطلاق الأدلة. نعم ينافيها التلف بناء على أنها بيع لعدم معقولية بيع المعدوم. نعم احتمل في التذكرة فيما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما صحتها على هذا التقدير ، لأنها تصارف القائم فيستتبع التالف ، مع ان الأقوى خلافه ، ولو تقايلا والمبيع في يد المشتري ، نفذ تصرف البائع فيه ، لأنها فسخ ، ولا يصح بناء على أنها بيع ، وأنه لا يجوز التصرف في المبيع قبل قبضه ، ولو تلف في يده انفسخت الإقالة بناء على أنها بيع ، لان كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ، وصحيحة عندنا الا ان الظاهر كونه مضمونا على المشتري لأنه مقبوض على حكم العوض كالمأخوذ قرضا وسوما ، لكن في التذكرة ان الواجب فيه ان كان متقوما ، أقل القيمتين من يوم العقد والقبض ، وفيه بحث ، وكذا لو تعيب في يده فإنه يأخذ الأرش منه عندنا ، أما على أنها بيع تخير بين إجازة الإقالة مجانا وبين فسخها وأخذ الثمن ، بناء على أن حكم البيع كذلك ، ولو كان العيب في يد المشتري قبل الإقالة اقتصر عندنا على أخذ الأرش ، لأنه كتلف الكل ، أما على البيع والجهل به يتجه جواز الرد ، الى غير ذلك مما لا يخفى عليك جريانه على القولين. نعم ينبغي أن يعلم أن الإقالة تسبب رد كل من العوضين الى المالك إذا كان باقيا على مقتضى العقد الأول أما إذا فرض أن المشتري مثلا باعه ثم استوهبه ، أو اشتراه أو ورثه أو نحو ذلك ، فقد يقال : بعدم اقتضاء الإقالة رد العين‌

٣٥٨

ضرورة عدم اقتضاء فسخ العقد الأول ذلك ، لان الفرض انتقاله اليه بعقد آخر ، مع احتمال القول بأنه بالإقالة يخاطب برد العين مع التمكن منها كيف ما كان ، وفيه منع واضح ، ولذا لا يجب عليه شراؤها وان كان متمكنا منه ، بل قد يقال : بعدم وجوب

الفسخ عليه لو فرض انتقالها عنه بعقد جائز اللهم الا أن يدعى ان الإقالة منه فسخ له ، وفيه منع بل قد يقال : بعدم وجوب دفع العين لو كان قد فسخ العقد بعد الإقالة ، لانه دخول جديد في ملكه بعد تعلق حق المقال بالقيمة ، وان كان لا يخلو من نظر ، فتأمل جيدا والله أعلم.

وعلى كل حال فقول المصنف وفيه وجه آخر فسره في المسالك بأن القيمي يضمن بمثله ، ثم ضعفه وهو كذلك ، بل لم يعرف نقل هذا الوجه عن أحد في نظائر المسألة ، وربما فسر بعدم صحة الإقالة مع التلف ، وهو أضعف من السابق ، إذ لا خلاف بيننا في صحتها معه نعم في التحرير بعد أن صرح برد الثمن مع الإقالة ان كان باقيا ، ومثله ان كان تالفا أو قيمته ان لم يكن مثليا قال : « لو تقايلا بالثمن رجع كل عوض الى مالكه ، فلو كان المعوض تالفا فالوجه صحتها ، وكان الحكم كما قلناه في الثمن » وظاهره الفرق بين الثمن والمثمن حيث جزم في الأول وجعله الوجه في الثاني ، لكن ضعفه واضح والله أعلم.

إلى هنأتم الجزء الرابع والعشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه وقد بذلنا غاية جهدنا في تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه وقد خرج بعون الله تبارك وتعالى خاليا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر ويتلوه الجزء الخامس والعشرون في أحكام القرض إنشاء الله تعالى.

على الآخوندى‌

٣٥٩

فهرس الجزء الرابع والعشرون من كتاب جواهر الكلام

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

في بيع الصرف وأحكامه

٣

جواز الشراء بالدراهم المغشوشة مع جهالة الغش اذا كانت معلومة المصرف بين الناس

١٧

اشتراط التقابض في المجلس في بيع الصرف

٥

تعين الدراهم والدنانير بالتعيين في العقد

١٨

لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل

٩

بطلان البيع اذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجدها من غير جنسه واذا كان البعض من غير الجنس بطل فيه حسب

١٨

في صحة وكالة أحدهما عن الاخر في القبض

٩

اذا اشترى دينارا بدينار ودفعه زائدا كانت الزيادة في يد البايع امانة

٣٠

في عدم اشتراط التقابض لو كان عليه دراهم فاشترى بها دنانير

١١

جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم

٣٢

في عدم جواز التفاضل في الجنس الواحد ولو تقابضا

١٣

حكم الاوانى المصوغة من الذهب والفضة

٣٦

جواز التفاضل في الجنسين

١٥

بيع المراكب والسيوف المحلاة بالنقدين

٤١

عدم جواز بيع تراب معدن الفضة بالفضة

١٥

جواز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة وان كان فيه يسير من الذهب والفضة

١٦

٣٦٠