جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فالمؤجل قليلا ليس بمنساق قطعا ، ومنه يعلم ما في الاستناد إلى الإرفاق الذي هو الحكمة في مشروعيته ، بل لعل المراد من النبوي وما شابهه ارادة بيان اعتبار المعلومية في الأجل ، لا اعتبار أصل الأجل ، وكان إطلاقه مبنى على غلبة الأجل في السلف ، بل قلما يقع سلم بدونه ، بل ان أرادوا الحال أوقعوه بيعا لا سلما ، كل ذلك مع استبعاد اعتبار الأجل الذي مع اشتماله على الغرر ، يمكن التوافق على إسقاطه في صحته.

بل هو إذا جاز في المؤجل ففي الحال أولى ، كما أومئ اليه‌ صحيح ابن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه حالا؟ قال : ليس به بأس ، قلت : انهم يفسدونه عندنا قال : فأي شي‌ء يقولون في السلم؟ قلت : لا يرون فيه بأسا يقولون : هذا إلى أجل ، فإذا كان الى غير أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح. فقال : إذا لم يكن أجل كان أحق به ، ثم قال : لا بأس أن يشترى الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا ، الا ان يكون بيعا لا يوجد ، مثل العنب والبطيخ في غير زمانه ، فلا ينبغي شراء ذلك حالا » ‌

ونحوه آخر (٢) بل ربما كان أظهر منه.

ولعله إليه أشار المصنف بقوله وهو المروي لكن بشرط أن يكون عام الوجود في وقت العقد وان كان قد يناقش في إرادة جواز ذلك سلما منه الذي يمنعه أبو حنيفة ومالك والأوزاعي ، ويتوهم إرادتهم من لفظ الناس في كلام الراوي بإمكان إرادة مطلق الشراء حالا ، بل هو الظاهر ، ويكون المنع فيه لانه ليس عنده فيندرج فيما دل على المنع عنه (٣) ٢٣١١٠ بل كان الخبر صريح في ذلك ، بل ربما كان في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود ـ الحديث ١ ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود ـ الحديث ١ ـ ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢ و ٥.

٣٠١

كلام السائل إيماء إلى اعتبار الأجل في السلم ، اللهم الا ان يرجع‌ قوله عليه‌السلام « إذا لم يكن أجل الى آخره » ‌الى السلم ، كما انه يمكن دعوى ظهور ذيله في التسوية بين الحال والمؤجل في كيفية البيع ، مضافا الى إطلاق جملة من المعتبرة النافية للبأس عن السلم مع الضبط بالمقدار من دون تعرض للأجل ، ولا ينافيها ذكرها في غيرها بعد ان كان المراد من بيانه الفرد المتعارف من السلف ، خصوصا مثل النبوي الوارد (١) بلفظ الاستسلاف الذي هو حقيقة في المؤجل مثمنة ، لا بيع السلم الذي هو عند الفقهاء الذي يقع من البائع مثلا بلفظ بعت ونحوه ، فتأمل.

وعلى كل حال فظاهر المصنف الميل اليه كالفاضل في القواعد حيث انه في بحث اشتراط الأجل قال : « والأقرب عدم اشتراط الأجل فيصح السلم في الحال ، لكن يصرح بالحلول » في التحرير « ولا يشترط في المسلم فيه كونه مؤجلا ويصح السلم في الحال لكن ليصرح بالحلول ، فإن أطلق فالوجه البطلان ، سواء ذكر الأجل قبل التفرق أولا ، وكذا الشهيد في اللمعة قال : « والأقرب جوازه حالا مع عموم الوجود عند العقد » وأصرح منه ما في الدروس « الشرط الثالث ان يكون المسلم فيه دينا لانه موضوع لفظ السلم لغة وشرعا ، فلو أسلم في عين كانت بيعا ، ولو باع موصوفا كان سلما نظرا الى المعنى في الموضعين ، وليس المانع من السلف في العين اشتراط الأجل الذي لا يحتمله العين ، لأن الأصح انه لا يشترط الأجل.

نعم يشترط التصريح بالحلول وعموم الوجود عند العقد ، ولو قصد الحلول ولم يتلفظ به صح أيضا ، ولو قصد الأجل اشترط ذكره ، فيبطل العقد بدونه ، ولو أطلقا العقد حمل على الحلول » ومن الغريب بعد ذلك كله ما في جامع المقاصد حيث فسر عبارة القواعد السابقة ، بإرادة وقوع البيع بلفظ السلم ، قال : وجه القرب دلالته‌

__________________

(١) الجامع الصغير ج ٢ ص ١٦٤ طبع عبد الحميد احمد حنفي.

٣٠٢

على المراد من البيع ، لانه يؤدى معنى إيجابه كما سبق ، لان السلم بيع لانه من جملة أفراده ، فلا يكون استعمال لفظه في بيع آخر استعمالا أجنبيا الا انه يجب ان يصرح بالحلول ، لان جزء مفهوم السلم التأجيل فلا بد من صارف يصرفه عن مقتضاه ، وذلك هو التصريح بالحلول.

وتبعه على ذلك ثاني الشهيدين في تفسير عبارة اللمعة ، الا انه اعترف بعد ذلك بأن الظاهر منها وفي الدروس وكثير ان الخلاف مع قصد السلم وان المختار جوازه مؤجلا وحالا مع التصريح بالحلول ، ولو قصدا بل مع الإطلاق أيضا ، ويحمل على الحلول وكان الذي أو همهما ذلك حتى انهما فسرا العبارة بما يرجع الى النزاع في الصيغة المذكورة سابقا ما في المختلف ، فإنه أجاب عما ذكره حجة للشيخ وابني أبي عقيل وإدريس على اشتراط الأجل في السلم ، من النبوي السابق وغيره ، بانا نقول بموجبها ، فانا نسلم وجوب ذكر الأجل مع قصد السلم ، وليس محل النزاع بل البحث فيما لو تبايعا حالا بحال بلفظ السلم ، ضرورة ظهوره في ان ذلك ليس محلا للنزاع ، بل انما هو فيما يرجع الى الصيغة.

لكنك خبير بما فيه بل المحكي عن الشيخ وابني أبي عقيل وإدريس صريح في ان المراد اشتراط الأجل ، وانه يبطل كونه سلما ، كما ان العبارات السابقة صريحة في خلافه ، وان نظر هم في تلك العبارات اليه ، فلا داعي إلى تأويل الجميع بما هو مقطوع بفساده عند التأمل ، خصوصا بعد ما عرفت من قوة القول بعدم اشتراط الأجل فيه ، وأنه يصح سلما فيعتبر فيه حينئذ القبض في المجلس وغيره مما يعتبر فيه. والمراد بالتصريح بالحلول ما يشمل اتفاقهما عليه ضرورة عدم مدخلية اللفظ في ذلك.

بل قد عرفت ما في الدروس والروضة من الصحة مع الإطلاق المحمول على‌

٣٠٣

قصد الحلول ، وان كان قد يناقش فيه بالفرق بين السلم وغيره في ذلك باعتبار غلبة تعارف استعماله في المؤجل ، فيشكل تنزيل إطلاق عقدة عليه مع فرض خلوهما عن قصد الحلول ، اللهم الا ان يراد به وقوع الإطلاق المعلوم فيه عدم إرادة التأجيل ولا الحلول فان التنزيل حينئذ على الحلول شرعي باعتبار تسبيب العقد الملك حال وقوعه فيستحق عليه حينئذ المطالبة والأداء ، لا عرفي فلا مدخلية لغلبة الاستعمال وعدمها فيه ، فتأمل جيدا ، واما اعتبار عموم الوجود فيه فمرجعه الى.

الشرط السادس وهو ان يكون وجوده اى المسلم فيه غالبا بحسب العادة وقت الحلول ، ولو كان معدوما وقت العقد لصدق القدرة على التسليم بذلك ، إذا العاديات بمنزلة الموجودات ، فلا تقدح المعدومية وقت العقد ، وان كان مقتضى الاستصحاب بقاؤها ، بل الظاهر أن ذلك ليس من ملك المعدوم في شي‌ء ، ضرورة أن الحاصل بالعقد أنه يملك عليه ذلك ، فهو أشبه شي‌ء بالخطاب التعليقي الذي لا قبح فيه ، ومنه يظهر الفرق بين ملك المعدوم ، والمضمون في الذمة ، كما أنه لا فرق بين السلم وغيره في جواز المعاوضة على المعدوم في وقت العقد الموجود في غيره ، إذا كان مورده الذمة ، فلا بأس بوقوع ذلك ثمنا لمبيع ونحوه ، بل الظاهر أن مرجع هذا الشرط إلى القدرة على التسليم الذي لا فرق فيها بين السلم وغيره ، ولذا عبر عنه في الدروس به ، فقال : السادس القدرة على التسليم عند الأجل فلا يضر العجز حال العقد ولا فيما بينهما ، ونحوه عن الكفاية ، وفي التذكرة « البحث الرابع إمكان وجود المسلم فيه ، مسألة يشترط كون المسلم فيه مسألة يشترط كون المسلم فيه موجودا وقت الأجل ليصح إمكان التسليم فيه ، وهذا الشرط ليس من خواص السلم بل هو شرط في كل مبيع » وليس مراده من الإمكان الذي عبر به هنا وفي القواعد مجرد الاحتمال قطعا ، بل المراد إمكان وجوده عادة ، فإن الممكن وجوده عادة هو الذي لا يعز وجوده‌

٣٠٤

ومن هنا فرع عليه « انه لو أسلم في منقطع عند الحل كالرطب في الشتاء لم يصح ، وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده ، ويقل وقت الأجل حصوله ، كالرطب أول وقته ، لتعذر حصول الشرط ، ولو غلب على الظن وجوده وقت الأجل ، لكن لا يحصل إلا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من الرطب في الباكورة ، فالأقرب الجواز ، لإمكان التحصيل عند الأجل ، وقد التزمه المسلم اليه ، خلافا لأكثر الشافعية » الى آخره وظاهر الجميع ما قلناه.

وفي مفتاح الكرامة « ان الخلاف والسرائر والمبسوط والتذكرة في موضع منها والتحرير ونهج الحق عبروا عنه بكونه مأمون الانقطاع ، وزيد فيما عدا الأولين كونه عام الوجود ، وفي الخلاف الإجماع على ذلك ، وفي التحرير نفى الخلاف عن الأولين ، وفي نهج الحق ان ذلك مذهب الإمامية ».

وفيه ان ما حضرني من هذه الكتب لم يعبروا بذلك في بيان الشرطية لأصل السلم بل ذكروا ذلك في السلف في خصوص المعدوم ، للرد على ابى حنيفة ، وستسمع عبارة التحرير ونهج الحق والسرائر وغيرها ، وفي التذكرة بعد ان ذكر الشرط بالعبارة التي سمعتها قال : « مسألة يجوز السلم في كل معدوم ان كان مما يوجد غالبا في محله ، ويكون مأمون الانقطاع في أجله » ، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة وضعفه. نعم في الوسيلة « انما يصح السلف إذا اشتمل على تسعة شروط ، وصف المبيع ، وبيان النوع ، والمقدار بالشي‌ء المعلوم ، وبيان الأجل ، وان يأمن انقطاعه المسلف فيه عند محله ، وعام الوجود ، وتعيين موضع التسليم ان كان لنقله اجرة ، ومشاهدة رأس المال أو وصفه ، وتبيين مقداره وقبضه قبل التفرق » ويمكن ان يريد بعام الوجود سنته.

وكيف كان فالمراد على تقدير التعبير عنه بذلك ما ذكرناه أيضا ، ضرورة كون المأمون انقطاعه الذي يعتاد وجوده ، بل كان من أردفه بعموم الوجود أراد تفسيره بذلك ، فيرجع الجميع الى معنى واحد ، ولذا قال : في التحرير « يجب كون المسلم فيه عام الوجود عند الحلول‌

٣٠٥

بلا خلاف » وكان الغرض من التعرض الى هذا الشرط الذي لا يختص بالسلم الرد على الثوري والأوزاعي وابى حنيفة الذين لم يجوزوا السلم في المعدوم ، وانه يجب ان يكون جنسه موجودا حال العقد الى حال المحل ، محتجين بان كل زمان من ذلك يجوز أن يكون محلا للمسلم فيه ، بان يموت المسلم اليه فيعتبر وجوده فيه كالمحل ، وهو واضح البطلان ، بل قول الأصحاب وان كان معدوما وقت العقد كالصريح في التعريض به ، ومن هنا قال في كشف الحق. « ذهبت الإمامية إلى جواز السلف في المعدوم إذا كان عام الوجود وقت الحلول. وقال أبو حنيفة : لا يجوز الا ان يكون جنسه موجودا في حال العقد والحلول وما بينهما » الى آخره وهو كالصريح في ان المراد ما ذكرنا.

وفي السرائر لم يذكر ذلك في شرائط السلم ، وانما قال بعد الفراغ من جملة من احكامه : « ويجوز السلف في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع » وقال في المقنعة باب البيع المضمون : « ومن ابتاع شيئا معروفا بالصفات كان ذلك ماضيا وان لم يكن الشي‌ء حاضرا وقت الابتياع ، فإذا ابتاعه على ما ذكرناه كان في ضمان البائع حتى يسلمه الى المبتاع ، ( الى أن قال ) ولا يصح بيعه مشترطا من أصله ، ولا بأس ببيعه مطلقا بغير اشتراط والمشترط من أصله بيع الحنطة من أرض مخصوصة ، والثمرة من شجرة بعينها ، والسخولة من غنم على حيالها والزيت من الزيتون الفلاني ، والدهن من السمسم المعين ، والثوب من غزل امرأة مسماة ، لان ذلك ربما خالف الصفة ، بل هو غير مضمون لجواز فوته ، ولا بأس ببيع ذلك مطلقا من غير اضافة الى أصل مخصوص من بين الأصول ، بعد ان تميزه بالصفات » الى آخر الباب.

وليس في شي‌ء من كلامه تعرض لعموم الوجود وكذلك الشيخ في النهاية ، بل ظاهر إطلاق كلامهما عدم ذلك ، ونصهما على المنع مع اشتراط التعيين في الأرض بعد تعليلهما ذلك بعدم ضمانه ليس مبناه ذلك قطعا كما هو واضح. وكيف كان فمن الغريب تخيل المخالفة من عبارتي القواعد والدروس لما عند الأصحاب حيث اكتفيا بالإمكان‌

٣٠٦

والقدرة ، وهما أعم من عموم الوجود وغلبته واعتياده.

وفيه ما عرفت من ان المراد بالإمكان ذلك ـ وأما القدرة فهي أوضح في هذا المعنى منه ، ضرورة عدم إحرازها في غير العاديات التي لم يعلم حصول القدرة عليها ، للشك في أصل وجودها المقتضى للشك في القدرة عليها الذي هو معنى الغرر المنهي عنه ، مع انه قد صرح في الدروس بأنه لو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع إمكانه ، كالكثير من الفواكه في البواكير ، فان كان وجوده نادر بطل ، وان أمكن تحصيله لكن بعد مشقة فالوجه الجواز مع إمكانه ، ويحتمل المنع لانه غرر.

وكيف كان فلا ريب في اعتبار هذا الشرط بناء على ذلك إذ صحيح عبد الرحمن (١) والإجماع بقسميه وأدلة الغرر (٢) وغيرها حجة عليه أما إذا أريد منه أمر زائد على ما في البيع ، وانه لا يجوز السلم فيما يجوز نقله بغيره مما لم يكن عام الوجود وغالبه ، كما عساه يوهمه ظاهر بعض العبارات ، وبعض الفروع المذكورة ، فلا أجد دليلا عليه بل إطلاق الأدلة يقضي بخلافه بل شدد النكير المقدس الأردبيلي على اشتراط هذا الشرط ، وادعى ان موثقة عبد الرحمن المتقدمة سابقا دالة على خلافه ، بل و‌صحيح زرارة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال لا بأس ان خرج فهو له ، وان لم يخرج كان دينا عليه ».

و‌خبر خالد بن الحجاج (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « في الرجل يشترى طعام قرية بعينها وان لم يسم له طعام قرية بعينها أعطاه حيث شاء » ‌وكان في الخبر سقطا الا انه لا يقدح في الاستدلال ، قلت : بل و‌خبر الكرخي (٥) ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود ـ الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب آداب التجارة ـ الحديث ـ ٣.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ١ ـ ٣ ـ ٢

٣٠٧

« كل طعام اشتريته في بيدر أو طسوج ( أي ناحية ) فأبى الله عليه ، ليس للمشترى الا رأس ماله ، ومن اشترى من طعام موصوف ولم يسم فيه قرية ولا موضعا فعلى صاحبه أن يؤديه » ‌والجميع كما ترى منافية للشرط المزبور الذي قد عرفت خلو جملة من العبارات عنه على هذا النحو المذكور في كلام بعض المتأخرين.

وفي الغنية « وأما السلم فشرائطه الزائدة التي تخصه أربعة ، ذكر الأجل المعلوم ، وذكر موضع التسليم ، وأن يكون رأس المال مشاهدا ، وأن يقبض في مجلس العقد ، بدليل الإجماع من الطائفة ، ولانه لا خلاف في صحته مع تكامل هذه الشروط ، ولا دليل على ذلك إذا لم تتكامل » وهو كما ترى قد نفى الخلاف عن الصحة مع هذه الشروط التي ليس منها عموم الوجود فعلم ان مرجعه إلى القدرة على التسليم التي لا فرق فيها بين السلم وغيره.

ومما يؤكد ذلك أنه بناء على هذا الشرط وأنه غير القدرة على التسليم ينبغي بطلان السلم فيما اتفق انحصاره في بعض الناس من غلة أو قهوة أو إبل أو غنم أو عبيد أو غير ذلك ، وان كان الموجود فعلا عنده كثيرا فليس له أن يبيع شيئا منه مضمونا حالا منه ، أو على أنه سلم أو مؤجلا بساعة مثلا ، لاشتراط عموم الوجود والفرض انتفاؤه ، والبديهية تقضى بفساد ذلك ، كاقتضائها فساد دعوى بطلان السلم في غلة بلد بعيدة عن بلد العقد لا يعتاد النقل منها اليه ، مع أنك قد سمعت ما في الدروس من الصحة مع قصد البلد ، بل الظاهر الصحة ولو شرط التسليم في بلد العقد ، وعدم عموم وجوده فيه غير قادح بعد أن كان عاما في بلده ، فينقله حينئذ منها مقدمة للتسليم ، ولو صرح باشتراط النقل كان أوضح في الصحة.

نعم يتجه البطلان فيما لو أسلم في غلة لا توجد إلا في بلد بعيدة لا يعتاد النقل منها على أن يكون المراد هذه الغلة في هذا البلد ، ضرورة عدم القدرة على التسليم ولا يكفى وجودها في تلك البلاد ، ولانصراف عقد السلم عرفا في غلة بلد العقد وما‌

٣٠٨

قاربها مما يتعارف النقل منها لا مثل ذلك ، ولذا لا يكلف النقل من أمثال ذلك في الآفة مع المشقة والبعد المفرط ، ومن ذلك كله يظهر لك ما تسمعه من الروضة ، بل كان شبه التدافع بين أول كلامه وذيله ، الا ان يريد بالبلد التي اشترط التسليم فيها ما كانت من بلاد المسلم فيه ، فيتفق حينئذ كلاما ، بل لعله بذلك يرجع الى ما ذكرناه كغيره من كلام الأصحاب ، وستسمع عبارة التذكرة وغيرها في آخر البحث فتأمل جيدا.

ومن ذلك كله يظهر لك ان ما ذكروه سابقا من أنه لا يجوز الاستقصاء في الوصف المؤدي الى عزة الوجود مرجعه الى ذلك عند التأمل ، وان عللوه بأن عقد السلف مبنى على الغرر ، لانه بيع ما ليس بمرئي ، فإن كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤديا إلى التنازع والفسخ ، فكان منافيا للمطلوب من السلف مع أنه يمكن إرجاعه الى ما قلناه.

وفي المحكي عن الإيضاح تعليله بأنه لما جل جناب الحق جل شأنه عن التكليف بما لا يطاق ، واقتضت حكمته البالغة عدم خرق العادات غالبا بمجرد ما يرد على العبد من تناقض الإرادات ، أبطل السلم فيما يؤدى الى أحدهما قطعا ، وما تجدد أدائه تجدد بطلانه ، قال : فظهر من ذلك أن ما يعز وجوده لا يصح السلم فيه ، وبقي ما لا يعز ، لكن وجوده أقل في الأغلب لاستقصاء الصفات والأقرب فيه الصحة لعدم استلزامه المحال مع إمكانه في نفسه ، وجواز ثبوته في الذمة ، لوجود المقتضى وهو عقد البيع ، وانتفاء المانع وهو عزة الوجود ، ثم احتمل بطلانه.

قلت : لا ريب في ضعف الاحتمال إذا كانت القلة بحيث لا تعد المعاملة معها سفها ، ومنه يعلم ما في القواعد من أن الأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده ، وان كان استقصاء كالسمن والجودة ، ان كان مراده البطلان بغير الأقرب. ومن هنا قيل أن غير الأقرب الوجوب. وان كان فيه أنه مساو للاول في الضعف ، أو أضعف إذا فرض‌

٣٠٩

عدم توقف المعلومية عليه كما هو واضح.

وكيف كان فالظاهر ان مرجع المنع في عزة الوجود الى فقد هذا الشرط معها لا انه ، أمر آخر زائد على ذلك ، لعدم الدليل إلا الإجماع المحكي الظاهر في انه هو الإجماع الذي حكى على هذا الشرط ، وقد عرفت أن مرجعه إلى القدرة على التسليم التي لا يطمأن بها إلا في معتاد الوجود ، بل لا تخرج المعاملة عن كونها سفهية إلا بنحو ذلك نعم قد اعتبر في الروضة غلبة وجوده في البلد الذي اشترط تسليمه فيه أو بلد العقد حيث يطلق بناء على انصرافه اليه عند الإطلاق ، أو فيما قاربهما بحيث ينقل إليهما عادة ، فلا يكفى الوجود فيما لا يعتاد نقله في غرض المعاملة ، بل ينقل هدية ونحو ذلك ، ثم ذكر أنه لو عين غلة بلد لم يكف وجوده في غيره وان اعتيد نقله اليه ، ولو انعكس بأن عين غلة غيره مع لزوم التسليم شارطا نقله اليه فالوجه الصحة ، وان كان يبطل مع الإطلاق ، والفرق ان بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر ، والمعتبر هو بلد المسلم فيه.

وكأنه أخذ ذلك مما في الدروس قال : « ولا يكفى وجوده اى المسلم فيه في بلد لا يعتاد نقله اليه الا نادرا كالهدية ، ولو عين بلدا لم يكف وجوده في غيره وان اعتيد نقله ، الى ان قال : لو شرط نقل الفاكهة من بلد بعيدة الى بلده قبل وجودها في بلده صح ، وان كان يبطل مع الإطلاق ، ولا يجب عليه السعي فيها ، والفرق بينه وبين البواكير أنها مقصودة عند العقد بخلاف تغاير البلدين ، ولو فرض قصد ذلك البلد صح.

وعلى كل حال فقد يتوهم منه أمر زائد على القدرة على التسليم المشترطة في البيع ، ضرورة ان المدار فيها على صدقها من غير مدخلية لبلد التسليم وغيره فيجب عليه حينئذ نقله اليه ان لم يكن فيه مقدمة لتسليمه فيه ، لا ان الوجود فيه مقدمة لوجوب دفعه ، لكن قد عرفت فيما مضى احتمال ارادته ما لا ينافي ما ذكرناه ، مع انه قد‌

٣١٠

يؤيده ما في التذكرة قال : « يجوز ان يسلم في شي‌ء ببلد لا يوجد ذلك الشي‌ء فيه ، بل ينقل اليه من بلد آخر لإمكان التسليم وقت الأجل ، وكان سائغا كغيره ، ولا فرق بين ان يكون بعيدا أو قريبا ، ولا ان يكون مما يعتاد نقله إليه أولا ، ولا يعتبر مسافة القصر هنا ، وهو قول بعض الشافعية ، وقال بعضهم ان كان قريبا صح وان كان بعيدا لم يصح ، وقال : آخرون ان كان مما يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة لا في معرض التحف والهدايا والمصادرات صح السلم والا فلا ، أما لو أسلم في شي‌ء يوجد غالبا في ذلك البلد وقت الحلول ، فاتفق انقطاعه فيه وأمكن وجوده في غيره من البلاد ، فهل يجب على البائع نقله ، الأقرب ذلك مع انتفاء المشقة وعدم البعد المفرط ، ولا عبرة بمسافة القصر ولا إمكان الرجوع من يومه ، الا انه لا يخفى منافاته لأول فروع الروضة إلا مع التأويل.

وفي التنقيح « لو كان يوجد في بلد آخر لم يجب نقله ، لا مع المشقة ولا مع عدمها إذا كان قد عين البلد ، والا وجب فتأمل جيدا ، فإن المسألة من المشكلات » ، وكان منشأ الوهم فيها تلك العبارة التي وقعت للرد على ابى حنيفة في السلف في المعدومات ، ولكن ينبغي ان يعلم انه لو ذكر بلد المسلم فيه على وجه يكون من صفاته لم يكف وجوده في غيره ، وكذا لو أطلق وكان الإطلاق منصرفا الى ذلك على هذا الوجه ، اما إذا كان استحقاق السلم من حيث الدينية ، وكان قد اشترط بلدا مخصوصة ، أو كان إطلاق العقد مقتضيا ذلك ، فلا يعتبر وجوده في ذلك البلد ، بل يكفي الإتيان بالكلي الثابت في الذمة على وصفه من اى بلد كان ، من غير فرق بين بلد العقد وغيره ، ولعل هذا مراد ثاني الشهيدين إذا لم يكن ثم عرف أو قرينة تقتضي ارادة غلة بلد السلم على وجه الوصفية ، ولو لجهل بحالها والله العالم.

وكيف كان ف لا بد ان يكون الأجل الذي قد عرفت وجوب تعيينه وأنه لا يجوز ان يكون محتملا للزيادة والنقصان معلوما للمتعاقدين مصداقه فلا يكفى انضباطه في نفسه وان احتمل ، الا أنه واضح الضعف ، للغرر ، وانسياق العلم‌

٣١١

عندهما مما اعتبر معلوميته من النص ومعقد الإجماع وغيرهما ، فلا يجوز التأجيل بالنيروز بانتقال الشمس الى برج الحمل المسمى بالنيروز ، أو برج الميزان المسمى بالمهرجان ، وبفصح النصارى وهو عيد من أعيادهم كالسعانين والفطير اللذينهما عيدان ، من أعياد أهل الذمة ، ولا بالأشهر الفرسية كتير ماه أو مرداد ماه ، والرومية كحزيران وتموز ، أو غير ذلك ، إلا إذا كان يعلمان ذلك مفهوما ومصداقا حتى ترتفع الجهالة.

ولعل إطلاق الفاضل في التذكرة والقواعد جواز ذلك محمول على صورة علمهما ، وان كان قد يوهم بعض عبارات الأول خلاف ذلك ، لكن يقوى ان مراده الرد على بعض من أطلق المنع من العامة كما يومئ ذكره بعد ذلك اعتبار علم المتعاقدين وعدمه ، وربما ظهر من بعض عباراته التوقف في ذلك ، والتحقيق ما ذكرنا. ولا يرد عليه التأجيل بالشهر الهلالي الذي لم يعلم نقيصته وتماميته ، للتسامح العرفي في ذلك وعدم عد مثله جهالة عندهم.

وإذا قال : الى جمادى حمل على أقربهما ، وكذا الى ربيع ، وكذا الى الخميس والجمعة بلا خلاف أجده في الأخيرين ، بل ولا اشكال معتد به فيه في العرف ، وكان التعريف فيهما وأشباههما للعهديه ، كما ان المجرد منهما من أسماء الأشهر كرمضان وشعبان كذلك أيضا في الحمل على الأقرب ، أما ربيع وجمادى فظاهر التذكرة عدم حملهما على الأقرب ، ولعله لتخيل الاشتراك اللفظي ، وفيه منع واضح ، ضرورة أنهما من المشترك المعنوي ، إذ معنى الأول كل ثلاثين بين صفر وجمادى في كل سنة والثاني كل ثلاثين بين ربيع الثاني ورجب في كل سنة ، فهما حينئذ كخميس وجمعة لليوم المخصوص من كل أسبوع ، ومن هنا ساوى بعضهم بين الجميع في الصحة والبطلان ، وقد عرفت ان الفهم العرفي على التنزيل على الأقرب في الجميع وان اختلفا في مرتبة الظهور ، وهو العمدة لا التعليق على الاسم الصادق بحصول الأقرب ، لعدم رجوعه بعد التأمل إلى محصل يعتمد عليه.

٣١٢

وتظهر ثمرة الحمل فيما لو ماتا ولم يصرحا بالقصد ، أو فيما إذا اختلفا بعده فيه فإنه يقدم مدعى الأقرب ، بل تظهر أيضا فيما إذا أوقعا العقد غير مستحضرين الأقرب إلا انهما من أهل العرف اللذان يحملانه عليه لو سمعاه ، فإنه يحكم بصحة العقد ويحمل على الأقرب ، لأن عدم الاستحضار ليس جهالة. نعم لو لم يعلما العرف وأوقعا العقد معتمدين على السؤال عنه بعد ذلك ، اتجه البطلان ، لما عرفت من أن المدار في رفع الغرر علمهما بذلك ، لا مضبوطيته في الواقع ، كما هو واضح فتأمل جيدا والله أعلم.

ويحمل الشهر عند الإطلاق على عدة بين هلالين مع الإمكان كما إذا وقع العقد فيما يقال عليه عرفا أنه أول ليلة الهلال بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهرهم انه المعنى الحقيقي للشهر ، بل هو المراد مما في التذكرة من أن الشهر الشرعي ما بين الهلالين ، إذ من المعلوم عدم الحقيقة له شرعا ، نعم لو تعذر إرادة الهلالي للقرينة أو كان العقد في الأثناء إلى شهر والفرض اتصال الأجل بالعقد حمل على الثلاثين يوما لانه المنساق بعد تعذر الحقيقي ، فليس هو من المشترك لفظا بينهما لأصالة عدمه ، ولا من المشترك معنى ، لعدم القدر المشترك بينهما بحيث يطمئن بوضعه لهما ، والاكتفاء بكل منهما في نحو من أقام ستة أشهر ، أو إذا قال السيد لعبده أقم في هذه البلاد شهرا أو غير ذلك يمكن أن يكون لظهور ارادة عموم المجاز كاليوم المنكسر في إقامة عشرة أيام ، المعلوم انه مع التلفيق ليس يوما حقيقة ، كمعلومية بطلان عدم اعتباره أو احتسابه يوما فليس الا التلفيق ، مع دعوى كون المراد من العبارة ما يشمله ، ولو من عموم المجاز فتأمل جيدا.

نعم قد يناقش في الفرض بمنع انسياق الثلاثين منه ، ضرورة صدق الشهر على ما إذا أكمله بقدر الفائت من الشهر المقبل نصفا أو ثلثا أو غيرهما كما تسمعه فيما لو كان الأجل شهرين فصاعدا وكان العقد في أثناء الأول ، ودعوى اختصاص النزاع فيه دونه‌

٣١٣

كما هو ظاهر الثاني الشهيدين وغيره ، بل لعله ظاهر المتن أيضا لا مستند لها ، كما لا يخفى على من لاحظ أدلة الطرفين في المسألة الاتية فتأمل. اللهم الا ان يقال ان ظاهر الشهرين كونهما على نسق واحد ، فإذا كان أحدهما هلاليا نطقا لإمكانه وجب تلفيق الثاني كذلك ، بخلاف الشهر الواحد المنكسر.

ولو قال المتعاقدان في بيان الأجل إلى شهر كذا وكان زمان فاصل بينه وبين ما جعله غاية حل بأول جزء من ليلة الهلال ، نظرا الى العرف في خروج الغاية هنا ، وان المراد كون غاية التأخير دخول رجب مثلا اما إذا قال الى شهر وأبهم فالعرف قاض بأن المراد مضى شهر لا الشروع في مسمى الشهر القاضي بعدم الأجل للسلم حينئذ ، ضرورة تحقق ذلك بأول لحظة متصلة بالعقد ، وليس مبنى الفرق في هذا الفهم العرفي أن الشهر المبهم اسم لمجموع المدة ، فلا يتحقق الا بعد مضيها ، بخلاف رجب الذي يتحقق بأول جزء منه ، إذ فيه أن رجب أيضا مجموع المدة. نعم قد يقال ان مبناه ما أشرنا إليه من انه لو كان المراد به ما يراد به من المعين كان السلم بلا أجل ، والفرض ارادة المؤجل قطعا ، ومنه ينقدح وجه الصحة فيما لو فرض التأجيل بالمعين على نحو ذلك ، كما لو قال : الى رجب وهو في أول رجب ، فيحمل حينئذ على ارادة مضى رجب ، وان كان قد يناقش فيه أولا بأنه لا مانع فيه من حمله على الحلول ، بناء على وقوع السلم كذلك ، وعلى القول بعدمه يتجه البطلان كما في المسالك بفقد شرط الصحة ، ومخالفة الظاهر لتحصيل حكم شرعي غير لازم ، لان البطلان شرعي أيضا ، ولو قال محله في شهر كذا أو في يوم كذا بطل ، وفاقا للفاضل والكركي وغيرهما ، للجهالة بعدم التعيين ، اللهم الا أن يدعى التسامح في ذلك كالتسامح في تمامية الشهر ونقصانه ، أو يدعى الحلول بأول جزء منهما ، كما لو جعلا غاية كما هو المحكي عن مبسوط الشيخ وخلافه ، وفيه منع فهم العرف ذلك كمنع المساواة بين التسامحين خصوصا في الشهر ، ولو قال : إلى أول الشهر أو آخره ففي‌

٣١٤

القواعد احتمل البطلان ، لأنه يعبر به عن جميع النصف الأول والنصف الأخر ، وفيه أنه مجاز ، والحقيقة أول جزء منه وآخره فالوجه الصحة كما إذا لم يذكر الأول والله أعلم.

ولو قال الى شهرين مثلا وكان العقد في أول الشهر عد شهرين أهلة لما عرفت من أنه المعنى الحقيقي وإرادته ممكنة ، وان كان قد أوقع العقد في أثناء الشهر احتسب الثاني هلاليا لإمكانه وأتم من الثالث بقدر الفائت من شهر العقد نصفا أو ثلثا أو نحوهما ، حتى لو كان ناقصا كفى إكمال ما يتم به تسعة وعشرون يوما لان النقص جاء في آخره ، وهو من جملة الأجل ، والثابت من الأول لا يختلف بالزيادة والنقصان ، وبذلك يكون الشهران هلاليين ، وهو ظاهر اللمعة وعن المبسوط انه قواه ، ولعله للصدق عرفا بذلك ، ولأنه أقرب إلى مراعاة الحقيقة فيما بقي وفيما مضى وقيل والقائل الأكثر كما في المسالك يعتبر ما عدا الأول هلاليا لإمكانه واما هو ف يتمه من الثالث ثلاثين يوما لانه المنساق بعد تعذر الهلالي حقيقة ، ضرورة اقتضاء مراعاته اطراح المنكسر فيتأخر الأجل عن العقد ، فيتعين اعتباره عدديا ، ولا يقدح إتمامه من الشهر المتأخر ، دون الذي يليه محافظة على إبقاء الهلالي حقيقة فيه. ولأن الإكمال صادق سواء أكمل من الذي يليه أم من غيره ، الا ان الإكمال مما يليه مقتض لاختلال الهلالي في الآخر مع إمكانه ، فيتعين الثاني ولا محذور فيه ، بعد أن كان جميع الأجل بحكم واحد ، فلم يكن المتخلل لشي‌ء آخر فتأمل.

ولذلك وغيره قال المصنف وهو أشبه وفاقا للفاضلين والشهيدين والمحكي عن المبسوط وغيره ، لكن زاد في الاستدلال في المسالك بأن الأجل إذا كان ثلاثة أشهر مثلا فبعد مضى شهرين هلاليين وثلاثين يوما ملفقة من الأول والرابع يصدق انه قد مضى ثلاثة أشهر عرفا ، فيحل الأجل والا كان أزيد من المشترط وبأنه إذا وقع‌

٣١٥

العقد في نصف الشهر مثلا ومضى بعده شهران هلاليان يصدق انه مضى من الأجل شهران ونصف ، وان كانت الثلاثة ناقصة ، وهذا أمر ثابت في العرف حقيقة ، فيكفي إكمالها خمسة عشر يوما لصدق الثلاثة معها ، وفيه انه لم يظهر لنا وجه معتد به لتغيير المثال بالشهرين إلى الثلاثة مع انهما سواء في الصدق العرفي ، وقوله ( والا ) الى آخره لا يتم في نفى احتمال اعتبار إتمامه هلاليا ، ضرورة عدم اقتضائه أزيد من المشترط كما هو واضح ، وظاهر القائل باعتباره ثلاثين يوما عدم اكتفائه بالنصف الناقص ، ومن هنا كان يلزم على هذا القول انه لو جعل الأجل ثلاثة أشهر مثلا ووقع العقد في صفر بعد مضى ساعتين وجاء ناقصا ، فإنه يكمل من جمادى الاولى يوما وساعتين فيحصل من ذلك ثلاثة أشهر هلالية زائدة يوما وساعتين والعرف واضح الصدق بدون ذلك.

واما القول بانكسار الجميع الذي نفى عنه البعد في المختلف بل حكى عن أحد قولي المبسوط ، فهو وان احتج له بأن الأيام الباقية من الشهر المنكسر اما ان لا تحسب من أحدهما أو من الثاني وكلاهما محال ، فليس الا احتسابها من الأول ، وحينئذ لا يعقل دخول الثاني حتى يتم الأول مما يليه فينكسر حينئذ وهكذا ، لكن قد يناقش فيه أولا بعدم اعتبار الهلالي في الممكن منه ، وقد عرفت ما يعين التلفيق من الأخير ، وأنه لا محذور فيه ، وثانيا بأنه تقتضي بناء على اعتبار الجميع ثلاثين يوما زيادة ثلاثة أيام مثلا لو فرض كون الأجل ثلاثة أشهر واتفق نقصانها ، اللهم الا ان يريد انكسارها جميعا واعتبارها هلالية بإتمام كل منهما بقدر الفائت منه.

وفيه حينئذ منع صدق تمام الشهر عرفا لو كان ناقصا بإتمامه أربعة عشر يوما ونصف من الشهر الأخر ، ومن ذلك ينقدح الضعف في القول الأول ، ولعل القول بإتمامه هلاليا بأن يؤخذ نصف الهلالي الثاني مكملا به الشهر الأول وان كان ناقصا أولى في الصدق العرفي الا انه لما كان الثاني غير معلوم هلاله ناقصا أو تاما ، وكان الأصل عدم خروج الهلال والأصل عدم الحلول ، وجب الاقتصار في نصفه قبل ان يتبين على الخمسة عشر ، وهكذا‌

٣١٦

الثلث والربع ، ونحوه لو كان الأجل نصف الشهر المعين.

ومن ذلك كله يظهر لك ان الاحتمالات خمسة أو أزيد. وبعضها أقوال ، ولعل الاولى من ذلك الإحالة على أقل ما يصدق عليه العرف وربما اختلف فتأمل جيدا والله اعلم ، ولو قال الى يوم الخميس ، حل بأول خميس وأول جزء منه لما عرفته سابقا إذ لا فرق بينه وبين الشهر المعين وكيف كان ف لا يشترط في صحة السلم ذكر موضع التسليم على الأشبه الأشهر بل المشهور نقلا ان لم يكن تحصيلا ولو كان في حمله مؤنة ولو كان العقد في مكان من قصدهما أو أحدهما مفارقته ، لإطلاق الأدلة الواردة في معرض البيان المؤيدة بعدم ظهور مانع سوى تخيل تفاوت الأغراض بذلك ، تفاوتا يختلف فيه الثمن في الجميع أو في بعض الأحوال وهو واضح الفساد ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الاشتراط إذا لم يكن عدمه مؤديا إلى جهالة في الثمن والمثمن.

ومن هنا لم يجب الاستقصاء في الوصف وان اختلف الثمن به ولا ريب في عدم الجهالة عرفا بترك ذكر موضع التسليم ، إذ هو أمر خارج عن المبيع فالمكان حينئذ كالزمان لا يجب التعرض له في رفع الجهالة ، والا لوجب في النسيئة ونحوها ، ودعوى الخروج بالإجماع كما ترى ، وله المطالبة به حيث شاء ، الا إذا كان هناك عرف يقتضي الانصراف الى مكان مخصوص فيتبع حينئذ. إذ هو حينئذ كالمشروط كما هو ظاهر الأصحاب في المقام ، ونحوه من العقود التي تنصرف إلى إرادة التسليم في بلد العقد وان كان للنظر فيه مجال ، خصوصا إذا كان قد وقع العقد مؤجلا ، وفي مكان من قصدهما أو قصد أحدهما مفارقته.

وعلى كل حال فذلك بحث آخر خارج عما نحن فيه ، فلا يقال انه لا ينافي القول بالاشتراط المبنى قطعا على عدم الانصراف ، ضرورة انه غير متجه بناء على الانصراف ، لارتفاع الجهالة المقتضية للاشتراط بذلك ، إذ الظاهر أن القول بالعدم ليس مبناه الانصراف الذي قد يفقد ، كما إذا كانا في مكان من قصدهما مفارقته أو غير ذلك ، بل‌

٣١٧

مبناه ما ذكرنا من عدم قدح مثل هذه الجهالة بعد أن لم تكن في الثمن والمثمن فتأمل.

وكيف كان فقد ظهر لك ضعف القول باشتراطه مطلقا الذي اختاره في الدروس ، بل نسبه بعضهم الى الخلاف ، وان كان المحلى من عبارته غير ظاهرة في ذلك قال : « إذا كان السلم مؤجلا فلا بد من ذكر موضع التسليم ، فان كان في حمله مؤنة فلا بد من ذكره ، الى ان قال : الصحيح أنه يجب ذكر الموضع والمؤنة. دليلنا طريقة الاحتياط لأنه إذا ذكر الموضع والمؤنة صح السلم بلا خلاف ، وإذا لم يذكرهما لا دليل على صحة هذه » وفي التحرير نسب اليه ما عن المبسوط الذي قواه الكركي من التفصيل بين ما يكون لحمله مؤنة فيجب ، أولا يكون كذلك فلا يجب. ووجهه كسابقه ، وجوابه يظهر مما ذكرنا ، بل في السرائر انه لم يذهب إليه أحد من أصحابنا ، ولا ورد به خبر عن أئمتنا عليهم‌السلام ، وانما هو أحد قولي الشافعي اختاره شيخنا ، الا تراه في استدلاله لم يتعرض لإجماع الفرقة ، ولا أورد خبرا في ذلك.

ومن القريب مناقشته في المختلف بأنهم نصوا على اشتراط الوصف وهو يتناول المكان ، لأن الأين من جملة الأوصاف اللاحقة للماهية ، فتكون الأخبار دالة عليه ، ضرورة عدم ارادة ذلك من الوصف المعتبر في المسلم فيه الذي قد عرفت أن اعتباره لرفع الجهالة التي لا فرق بين السلم وغيره ، وفرض احتياج الحمل الى المؤنة لا يوجب التعيين ، خصوصا مع انصراف العقد بناء عليه ، بل وان لم ينصرف إذا المرجع حينئذ في ذلك الى الشرع ، ولعل قواعده تقتضي وجوب الحمل الى المسلم ، لانه يستحق التسليم على المسلم اليه من حيث المعاوضة ، فيجب الحمل حينئذ مقدمة إلا إذا استلزمت قبحا يسقط التكليف بها معه ، ويحتمل عدم الوجوب ، للأصل فيبقى في ذمته على نحو الامانة.

واما التفصيل بين ما كانا في مكان من قصدهما أو أحدهما مفارقته ، برية كان أو غيره ، وعدمه فيجب التعيين في الأول ، دون الثاني وهو القول الرابع فكان مبناه‌

٣١٨

عدم انصراف العقد حينئذ ، فيتحقق الجهالة ، وفيه ما عرفت. ومنه يظهر ضعف القول بالتفصيل بين ما كان في حمله مؤنة أو كانا في مكان من قصدهما مفارقة وعدمهما ، فيجب مع واحد منهما ، ولا يجب مع عدمه ، وحينئذ فالأقوى ما عرفت ، وحينئذ يكون كالحال الذي قطع في المسالك بعدم الاشتراط فيه ، وانه ليس محلا للخلاف فيكون حينئذ كغيره من البيوع يستحق المطالبة به في محل العقد أو في محل المطالبة إن فارقاه هذا.

وفي المسالك ان المعتبر في تشخص المكان ذكر محل لا يختلف الحال في جهالة وأجزائه عرفا كالبلد المتوسط فما دونه ، والقطعة من الأرض كذلك ، بحيث لا يفرق بين أجزائها ولا يحصل كلفة زائدة في جهة منها دون جهة. لا مطلق البلد ، ولا الموضع الشخصي الصغير ، وفيه انه يمكن القول بصحة الأول بناء على عدم اشتراط موضع التسليم ، بل والأخير إذا كان فيه غرض معتد به ، لعموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » (١) ‌وقد يدفع الأول بأنه وان قلنا بعدم الاشتراط الا انه مع التعرض له تجب المعلومية لأنه إذا كان مجهولا أفسد العقد ، باعتبار عود جهالته الى غيره بخلاف ما إذا لم يتعرض له كما انه قد يدفع الثاني بأن الفرض فيه عدم الغرض المعتد بها والأمر سهل.

( المقصد الثالث في احكامه وفيه مسائل )

الأولى : إذا أسلف في شي‌ء لم يجز بيعه قبل حلوله لا لعدم ملكيته قبل الأجل ضرورة عدم مدخلية فيها. إذا العقد هو السبب في الملك ، والأجل انما هو للمطالبة ، ولا لعدم القدرة على التسليم إذ من المعلوم انها في المؤجل عند الأجل. ولا لغير ذلك من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٣١٩

الأمور المعلوم بطلانها ـ بل للجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرهما وعن كشف الرموز ان لم يكن محصلا ، بل لعله كذلك ولا يقدح ظاهر ما في الوسيلة قال : « وإذا أراد أن يبيع المسلف ما أسلف فيه من المستسلف عند حلول الأجل أو قبله بجنس ما ابتاعه بأكثر مع الثمن الذي ابتاعه لم يجز ومن باع بجنس غير ذلك جاز » بعد سبقه بالإجماع ولحوقه به فضلا عن خلاف بعض متأخري المتأخرين في ذلك لعمومات البيع ونحوها ، مما لا يخفى على أصاغر الطلبة فضلا عن رؤساء الدين والمحامين عن شريعة سيد المرسلين.

وأما انه يجوز بعد حلوله وقبضه ، فلا خلاف فيه ولا اشكال ، بل الأقوى الجواز وان لم يقبضه على من هو عليه وعلى غيره بجنس الثمن ومخالفه بالمساوي له أو بالأقل أو بالأكثر ما لم يستلزم الربا ، سواء كان المسلم فيه طعاما أو غيره مكيلا أو موزونا أو معدودا أو غيره ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، وخصوص‌ مرسل أبان (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام ، فيقول : ليس عندي طعام ، ولكن انظر ما قيمته فخذ منى ثمنه فقال : لا بأس بذلك » ‌و‌موثق ابن فضال (٢) « كتبت الى ابى الحسن عليه‌السلام الرجل يسلفني الطعام فيجي‌ء الوقت وليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته دراهم ، قال : نعم »

و‌خبر على بن محمد (٣) « قال : كتبت اليه رجل له على رجل تمر أو حنطة أو شعير ، فلما تقاضاه قال : خذ بما لك عندي دراهم ، أيجوز ذلك أم لا فكتب عليه‌السلام : يجوز ذلك عن تراض منهما » ‌و‌خبر العيص بن القاسم (٤) عن الصادق عليه‌السلام « قال : سألته عن رجلا أسلف رجلا‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف ـ الحديث ـ ٥ ـ ٨

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ١١ ـ ٦

٣٢٠