جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وعلى كل حال فالأمر سهل بعد معرفة الضابط في الجواز والعدم ، وان ما شك فيه فالاطلاقات تقتضي جوازه ، لعدم تحقق الجهالة المانعة من الصحة إذا المناقشة في الأمثلة ليست من دأب المحصلين ، خصوصا بعد اختلاف حالها في الأمكنة والأزمنة ، وخصوصا بعد ملاحظة جواز بيع الشخص الموصوف بالأوصاف الرافعة للجهالة عنه ، ضرورة إمكان فرض ذلك في الكلي على وجه لا يؤدى الى عزة الوجود كما هو واضح والله العالم.

ومن ذلك السلم في الجلود وان قال المصنف فيه تردد ينشأ من عدم إمكان ضبطها ومعرفتها على وجه ترتفع جهالتها ، ولا يؤدى الى عزة الوجود إلا بالمشاهدة التي يخرج معها عن السلم ، لشدة اختلاف قيمتها معها ، بحيث لا يقوم الوزن مقامها ولا غيره ، ومن هنا كان المشهور نقلا وتحصيلا المنع ، وقيل والقائل الشيخ والقاضي فيما حكى عنهما : يجوز مع المشاهدة التي تدفع المحذور السابق ، وهو وان كان كذلك الا انه رده المصنف بأنه خروج عن السلم الذي قد عرفت وجوب كونه كليا مضمونا في الذمة ، وأجاب منه في المسالك بأنه انما يخرج مع تعيين المبيع ، وكلام الشيخ أعم منه ، فيمكن حمله على مشاهدة جملة كثيرة يكون المسلم فيه داخلا في ضمنها ، وهذا القدر لا يخرج عن السلم كما لو شرط الثمرة من بلد معين ، أو الغلة من قرية معينة لا تخيس عادة ، الا انه قال بعد ذلك : والأجود المنع للاختلاف ، وعدم الانضباط.

وفيه ان الأجود الجواز بناء على ما ذكره ، إذا جعل المسلم فيه كليا معلوما مضمونا في الذمة ، ثم اشترط الأداء من المشاهد ، والا فاشتراط الأداء من المشاهد لا يرفع الجهالة عن المبيع الكلي ، إذ هو ليس من أوصافه ، لا انه جعل المسلم فيه واحد منها ، كما عساه يفهم من كلامه أولا ، إذ هو ان صح كان على سبيل الإشاعة ،

٢٨١

وهو خارج عن السلم ، كخروج الكلى غير المضمون في الذمة عنه ، اما الأول فلا إشكال في صحته ، بل قيل : ان ظاهر الخبرين يقتضي الصحة مطلقا ، قال في أحدهما (١) « انى رجل قصاب أبيع المسوك قبل ان أذبح الغنم؟ فقال : ليس به بأس ، ولكن انسبها الى غنم ارض كذا وكذا » ‌وفي الآخر (٢) « رجل يشترى الجلود من القصاب ، فيعطيه كل يوم شيئا معلوما؟ قال : لا بأس به ».

وان كان فيه انهما ـ مع ضعفهما وعدم الجابر بل الشهرة على خلافهما ، بل الثاني منهما غير دال على المطلوب ، بل لا صراحة فيهما بالسلم ـ يمكن تنزيلهما على الصورة الصحيحة ، أو الشراء بصلح ونحوه أو غير ذلك ، هذا ، وقد يقال : بالصحة لو فرض إمكان المعلومية بمشاهدة أنموذج يرفع الجهالة ، ولا يؤدى الى عزة الوجود ، ولعل مراد الشيخ ذلك من المشاهدة التي حكم بالجواز معها ، والله العالم.

وكيف كان فالمشهور كما عن الكفاية انه لا يجوز السلم في النبل المعمول للمانع المزبور ، ضرورة كونها تجمع أخلاطا مقصودة ، لان فيها خشبا ، وعصبا ، وريشا ، بل قيل : ان الأقرب عدم جوازه في المنحوت منها لعدم القدرة على معرفة تحتها ، وتتفاضل في الثمن ، وتتباين فيه ، مع كونها مخروطة خفيفة الأطراف ، ثخينة الوسط ، فلا يمكن ضبطها ، قيل ، وكذا القسي ، وفيه انه يمكن فرض الضبط في العيدان على وجه يرتفع المانع المزبور ، بل قد يدعى ذلك في المعمول منها أيضا ، بل والقسي ، واما غير المنحوت منها فلا ريب في جوازه ، لإمكان الضبط الذي لا يقدح فيه ما لا يتفاوت به الثمن من الاختلاف ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ٧.

٢٨٢

ومن هنا قال المصنف يجوز في عيدانه قبل نحتها نعم لا بد من التقدير بالعدد أو الوزن والله اعلم.

وكذا لا يجوز في الجواهر واللآلي لتعذر ضبطها بحيث ترتفع جهالتها ولا يؤدى الى عزة الوجود لـ ـتفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها بالحجم والوزن وغيرهما ، لكن ظاهره كغيره ممن أطلق عدم الفرق في ذلك بين الكبار والصغار ، وما يراد منه للدواء وغيره ، وهو لا يخلو من اشكال ، إذ قد صرح بجوازه في الصغار الشهيدان والكركي وغيرهم ، بل في الدروس ان الأقرب جوازه في العقيق وشبهه ، من الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا ، قيل : وضابط الصغار من اللآلي كلما يباع بالوزن ، فلا يلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفا ، وعن بعضهم تحديدها بما يطلب للتداوي دون التزين ، أو ما يكون وزنه سدس دينار ، والأولى إناطة ذلك بالعرف.

ولا يجوز أيضا في العقار والأرضين للمانع المزبور ، والأمر في ذلك كله سهل بعد ما عرفت الضابط في الجواز والعدم ، خصوصا بعد ما سمعت ان العامي ربما يكون اعرف من الفقيه في ذلك ، وان أكثر الأصحاب في الأمثلة للجائز والممنوع ، كما أكثروا في بيان الأوصاف للموصوفات ، مع انه أطلق‌ في النصوص (١) « انه لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض ، » ولا بأس به في الحيوان إذا وصفت الأسنان » ‌اتكالا على العرف ، فكان الأولى بالأصحاب ذلك أيضا ، ولعل المقصود التنبيه إجمالا ، فلا بأس بالتأسي بهم والاقتداء بأنوارهم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ١ ـ ٣.

٢٨٣

فنقول قد عرفت انه يجوز السلم في كل ما يمكن ضبطه بالوصف المعلوم بين المتعاقدين وغيرهم ، من غير تأدية الى عزة الوجود ، فلا إشكال حينئذ في جوازه في الخضر والفواكه ، وكذا كل ما تنبته الأرض ، وفي البيض والجوز واللوز وغيرهما مما هو كذلك ، لإمكان ضبطها بالوصف المزبور الذي مرجعه عند التحقيق الى العرف ، لكن في الدروس « انه يذكر في الفواكه البلد والنوع ، والطراوة أو ضدها واللون ان اختلف ، وفي الزبيب البلد والنوع والكبر أو الصغر ، واللون ان اختلف نوعه أو غيره وفي التمر البلد والنوع ، والكبر والصغر ، والحداثة والعتاق ، واللون ان اختلف النوع ، وفي الرطب ذلك كله إلا العتاقة ، ويجب الفارق ، ولو شرط المنصف والمذنب لزم ، وله الجاف من التمر والزبيب الخالي من الحثالة ، ولا يجب تناهى الجفاف ، وفي الحنطة البلد والحداثة والعتق واللون ، والكبر والصغر ، والصرابة وضدها ، ولا يشترط ذكر حصاد عام أو عامين ، وان ذكره جاز ، وفي الشعير ذلك كله » قلت : وكذا غيرهما من الحبوب ، لكن عن المبسوط ان جملة وصف الحنطة ستة ، الا انه أبدل الصرابة بالجودة والرداءة ، وزاد المحمولة والمولدة ، وتبعه في التذكرة « يصف الحنطة بأمور ستة ، البلد فيقول شامية أو عراقية ، فإن أطلق حمل على ما يقتضيه العرف ان اقتضى شيئا والا بطل ، ويقال محمولة أو مولده يعني محمولة من البلد التي تنسب اليه ، أو تكون مولدة في غيره ، ويذكر الحداثة والعتق ، والجيد والردى ، واللون كالحمراء والبيضاء والصفراء ان اختلفت ، وبالحدارة وهي امتلاء الحب ، والدقة وصفائه ، ويذكر الصرابة أو ضدها : وينبغي أن يذكر القوي أو ضده ، ( الى ان قال ) وكذا حكم كل صنف من الحبوب من أرز أو دخن أو شعير أو سلت »

وفي القواعد « انه يذكر في البر وغيره من الحبوب البلد والحداثة ، والعتق‌

٢٨٤

والصرابة أو ضدها » وظاهر الاكتفاء في رفع الجهالة عرفا بالثلاثة ، واما الرطب فهو وان كان لا يكون عتيقا الا ان له اشتراط لقطة يومه ، أو أمسه ، بل لعل حداثته وعتقه بذلك ، بل قد يقال بلزوم التعرض لذلك كما عن بعض الشافعية ، لاختلاف الثمن والرغبة باختلافهما اختلافا يؤدى عرفا إلى الجهالة بدونهما والله اعلم.

وفي الحيوان كله غير الأناسي منه والأناسي لكن في الدروس « انه يذكر في الإبل السن والذكورة أو ضدها ، واللون والصنف ، كالعرابى والبخاتي والنتاج إذا كان معروفا عام الوجود ، وكالعبادى نسبته الى عباد بالفتح ، وهم قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة ـ وفي الخيل الذكورة والسن والنوع ، كالعربى والتركي واللون وفي البقر والحمر ، السن والنوع والذكورة واللون والبلد ، وفي الطير النوع واللون وكبر الجثة ، لعدم العلم بسنة ، وفي الرقيق الذكورة والنوع واللون والسن والقد كالطويل والقصير والربعة. ولو قدره بالأشبار احتمل المنع. لإفضائه الى عزة الوجود ، ويحتمل وجوب ذكر الكحل والدعج والزجج وتكلثم الوجه في الجارية وكونها خميصة ريافة الملمس ، ثقيلة الردف ، أو أضداد ذلك ، لتفاوت الثمن به ، وعدم عزته ، والأقرب وجوب تعيين البكارة والثيبوبة في الأمة ، فلو أطلق بطل ، ولا يشترط ذكر الملاحة فلو ذكرها روعي العرف ، ويحمل على أقل درجته ، ويحتمل البطلان لعدم انضباطها فان مرجعها الى الاستحسان والشهوة المختلفين باختلاف الطباع ، ولا يجب التعرض لآحاد الأعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه بينا ، وربما أدى الى عزة الوجود » وفي القواعد « انه يذكر في الحيوان النوع واللون والذكورة والأنوثة والسن وفي الأناسي زيادة القد كرباعي أي أربعة أشبار أو خماسي ، فيقول عبد زكى اسمه ابن سبع طويل أو قصير أو ربع ، الى أن قال : ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب ذكر الصنف ، ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه ، ثم قال : ويذكر في الإبل الذكورة أو الأنوثة‌

٢٨٥

والسن كبنت مخاض ، واللون كالحمرة ، والنوع كنعم بنى فلان أو نتاجهم كبختي أو عربي إن كثروا وعرف لهم نتاج ، وإلا بطل كنسبة الثمرة إلى بستان ، وفي الخيل السن واللون والنوع كعربي أو هجين ، ولا يجب التعرض للشياه كالأغر والمحجل ، وفي الطير والنوع والكبر والصغر من حيث الجثة ، ولا نتاج للبغال والحمير ، بل يذكر عوضه النسبة إلى البلد ، »

ويقرب من ذلك كله ما في التذكرة لكن لا يخفى عليك ما في دعوى توقف رفع الجهالة له عرفا على ذكر بعض ذلك ، أو مقتض غيره ، أو دليل بالخصوص ، ولعل عرفهم غير عرفنا الان في ذلك ، بل وفي عزة الوجود وعدمه ، فإنه يمكن دعوى عدمها في جملة مما ذكروا أنه مقتض لها ، والأمر سهل بعد ما عرفت من كون المدار على رفع الجهالة عرفا وعدم عزة الوجود ، ومع الشك فالعمومات تقتضي الجواز والله اعلم.

وكذا الكلام في السلف في الألبان والسمون والشحوم والأطياب والملابس والأشربة والأدوية بسيطها ومركبها ما لم يشتبه مقدار عقاقيرها وان ذكر في القواعد والدروس وجوب التعرض في الأول إلى النوع كالمعز والمرعى ، بل في الأول منهما وان قصد به الجبن أو الكشك ، احتمل ذكر الزمان بالصفاء والغم ، فان لهما أثرا بينا في ذينك عند أهله ، وقالا معا ويلزمه مع الإطلاق ، حلبة يومه ، كما أنهما قالا أيضا يعتبر في الثاني ذكر النوع ، كالبقر ، واللون كالأصفر والمرعى والحداثة أو ضدها ، وينبغي أن يذكر في الثالث النوع واللون والصفاء ونحو ذلك مما يتوقف رفع الجهالة عليه ، وكذا الرابع وأما الملابس ففي الدروس أنه يذكر في الثياب النوع والبلد والعرض والصفاقة والغلظ والنعومة أو أضدادها ، ولا يجوز ذكر الوزن لعسره ، وله الخام عند الإطلاق ، وان ذكر المقصور جاز ، فان اختلف البلد ان ذكر بلد القصارة ، كالبعلبكى‌

٢٨٦

والقطبي ، ويجوز اشتراط المصبوغ فيذكر لونه وإشباعه أو عدمه ، ولا فرق بين المصبوغ بعد نسجه أو قبله على الأقوى ، ومنعه الشيخ إذا صبغ بعد غزله ، لان الصبغ مجهول ولانه يمنع من معرفة الخشونة والنعومة ، وفي وجوب ذكر عدد الخيوط نظر أقربه ذلك ، لاشتهاره بين اهله وتأثيره في الثمن » ويقرب منه ما في القواعد وان قال « انه يذكر في الثياب ثمانية النوع كالكتان والبلد واللون والطول والعرض والصفاقة والرقة والنعومة أو أضدادها » ثم ذكر بعد ذلك أوصاف الغزل والقطن والصوف كما أنه في الدروس كذلك أيضا وذكر الحرير والكرسف والكتمان وغير ذلك ، الا أنه أجاد بعد ما أطنب وتعرض لثلاثة عشر مما تعم به البلوى قال : ومدار الباب على الأمور العرفية وربما كان العوام أعرف بها من الفقهاء وحظ الفقيه البيان الإجمالي وهو جيد جدا ومنه يعرف الحال فيما ذكره المصنف وغيره ، لكن ظاهر المصنف عدم جواز السلم في الأدوية المركبة مع اشتباه مقدار عقاقيرها أى أجزائها التي تتركب منها ، بل في المسالك أنه يعلم من ذلك اشتراط العلم بمقدارها نفسها بطريق أولى ، لترتفع الجهالة ، لكن قال : وفي اعتبار ذلك في المشاهد نظر ، من توقف العلم عليه ، ومن مشاهدة الجملة وهو أجود ، قلت : لا ينبغي التأمل في عدم وجوب المعرفة مقدار الاجزاء إذا لم يكن له ضابط معين مقصود ، كما انه لا ينبغي التأمل في وجوب المعرفة معه ، واما الجملة فإن كانت من المعتبرات وجب ، ولا ضبط فيه ، ليتمكن من الوفاء ، وتسمع قوة عدم اعتبار الضبط بالوزن والكيل المتعارف والله اعلم هذا.

ولا ريب في انه يجوز السلف في جنسين مختلفين صفقة واحدة مع جمع كل منهما الشرائط السلم ، اتحدا في الأجل أو اختلفا ، وكذا الثمن لإطلاق الأدلة‌

٢٨٧

بلا معارض ، وكذا يجوز السلم في شاة لبون بلا خلاف أجده لوجود المقتضى وارتفاع المانع ، خلافا للشافعي في أحد قوليه ، فمنعه لمجهولية اللبن وفيه مع أنه من التوابع ان ذلك وصف للنوع لا سلم في اللبن ولذا لا يلزم عليه تسليم ما فيه لبن من الشياة بل يكفيه شاة من شأنها ذلك بل لو كان فيها لبن فعلا كان له حلبها وتسليمها بلا لبن. نعم المفهوم عرفا من ذلك كونها ذات لبن بالقوة القريبة من الفعل. ومن هنا جزم في المسالك بعدم الاجتزاء بتسليم الحامل وان قرب أو ان ولادتها أما لو كانت حاملا وقد در اللبن أمكن وجوب القبول للصدق ، والأمر سهل بعد ان كان المدار على العرف كما هو واضح.

وكذا يجوز عندنا كما في التذكرة في شاة معها ولدها وفاقا للمشهور كما في المسالك ، لإمكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة ، ولا يؤدى الى عزة الوجود ، وكذا الجارية معها ولدها وقيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة والشهيد في اللمعة لا يجوز فيهما معا لان ذلك مما لا يوجد الا نادرا وربما ظهر من المتن نوع تردد فيه ، لقوله وكذا الى آخره ، وعلى كل حال ففيه منع واضح. نعم في التذكرة « المنع في الجارية الحسناء معها ولد صفته كذا وكذا ، أو أخت أو عمة بحيث يتعذر حصوله » وهو كذلك وفي الدروس « المنع من اشتراط الولد مع الام المقصود بها التسري ، قال : « ولو قصد بها الخدمة كالزنجية جاز لقلة التفاوت » وفيه منع عزة وجود الأولى أيضا كما جزم به ثاني الشهيدين ، ومن الغريب انه جزم في الدروس بجوازه أيضا في الجارية الحامل ، سواء كانت حسناء أو شوهاء وفي اللمعة بالعدم موافقا للمحكي عن المبسوط.

ومن هنا قال في المتن وكذا التردد في السلم في جارية حامل لجهالة‌

٢٨٨

الحمل وفيه انه تابع ولا عزة وجود في الجارية الحامل الموصوفة بما يرتفع معها جهالتها ، فالأجود الجواز في الجميع بعد ان كان المدار في المنع على عزة الوجود المعلوم منعها في المقام كما هو واضح ، كوضوح جواز الإسلاف في جوز القز لذلك بعد الوصف بالطراوة واليبس واللون والبلد ، لكن قال المصنف فيه تردد بل عن الشيخ الجزم بالعدم لأن في جوفه دودا يفسده إذا خرج منه حيا ويمتنع بيعه إذا مات ، وفيه ان السلم في غير الدود الذي هو كنوى التمر في بلد لا قيمة له فيه والله اعلم.

الشرط الثالث من الشرائط قبض رأس المال قبل التفرق شرط في صحة العقد.

إجماعا في الغنية والمسالك وحينئذ ف لو افترقا قبله بطل عند علمائنا اجمع في التذكرة وهو الحجة فيه بعد شهادة التتبع وانحصار الخلاف في المحكي من قول ابى على : لا اختار تأخير قبضه أكثر من ثلاثة أيام الذي قال في الدروس وغيرها : « انه متروك » نعم عن صاحب البشرى التوقف فيه كصاحب الحدائق معللا له في الأخير بعدم النص ، لكنك خبير بان في الإجماع المحكي المعتضد بما عرفت بلاغا ، مع احتمال القول بأن أصالة عدم النقل والملك قبله محققة ولو للشك في تسبيب العقد هنا للملك ، للاتفاق المزبور ، ولأن الأمر بالوفاء بالعقد أعم منه ، بل قد يقال : باعتبار تسليم الثمن في حقيقة السلم ، وانه بدونه منتف حقيقة السلم ، الا ان الانصاف كون العمدة الإجماع المزبور انما الكلام في المراد من معقده والظاهر من الأولين توقف الملك عليه كشفا أو نقلا ، بل الظاهر الثاني منهما.

وعلى كل حال فقبله لا ملك وحينئذ فلو كان الثمن فيه كليا لا شيئا معينا لم تشتغل الذمة به ، فلا تصح الحوالة حقيقة به وعليه ، ولا ضمانه ولا الصلح به وعليه ، ولا يحصل به التقاص قهرا ، ولا غير ذلك مما يعتبر فيه شغل الذمة المتوقف على ملك‌

٢٨٩

الكلى للمستحق ، والفرض عدم حصوله قبل القبض ، لكن في القواعد والتذكرة انه لو احاله بالثمن فقبضه البائع من المحال عليه في المجلس فالأقوى الصحة ، ونحوه ما في الدروس من انه لو أحال بالثمن فقبضه البائع قبل التفرق صح والا فلا على الأقرب فيهما ، وزاد لو أحال البائع على المشتري اشترط قبض المحتال في المجلس على الأصح ، قال : ووجه الجواز ان الإحالة كالقبض ثم قال : ولو صالح البائع عن الثمن على مال فالأقرب الصحة واشتراط قبض مال الصلح ، بل في التذكرة احتمال الصحة في الأول ، وان لم يقبض البائع في المجلس و، لعله المتجه بناء على كونها حوالة حقيقة ، إذ هي كالقبض ، ودعوى انها هنا ليست كذلك كما ترى.

وفي الدروس والمسالك انه يقع التقاص قهرا لو كان للمسلم في ذمة المسلم اليه مماثل الثمن الكلى جنسا ووصفا قال في الأخير : والا توقف على التراضي ، وفي التذكرة لو كان الثمن عبدا فأعتقه البائع قبل القبض صح ، وفيها أيضا لو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على مال فالأقرب عندي الصحة ، الى غير ذلك مما ينافي ما ذكرنا ، وتجشم دفعه ـ بأن عقد السلم وان كان تأثيره الملك موقوفا على القبض ، الا انه يوجب الإقباض على المشتري والقبض على البائع للأمر بالوفاء بالعقد وحيث يكون الثمن عينا يتصور انفكاك وجوب الدفع عن كونها ملكا للمدفوع ، إذ لا مانع من وجوب دفعها اليه ، وان لم تكن ملكا له ، واما إذا كان كليا فليس وجوب دفعه إلا شغل الذمة به فيترتب عليه ما سمعت.

ـ يدفعه ـ مع انه لا يتم في العتق والصلح ـ انه يمكن تصور انفكاكه في الكلي أيضا ، ضرورة تصور وجوب الدفع تعبدا من غير شغل للذمة ، بحيث لو مات لم يخرج من تركته ، بل لعله كذلك بناء على ما عرفت فلا تلازم بين وجوب الدفع وبين عدم حصول الملك للكلي على المسلم الذي هو معنى شغل الذمة به ، كما ان تجشم‌

٢٩٠

دفعه ـ بان المراد كونه شرطا كاشفا فيصح الصلح والعتق والحوالة مع تعقب القبض ـ يبطله أو لا انه خلاف المنساق من إطلاق الشرطية ، وثانيا عدم تقييد ما سمعته في التذكرة من صحة الصلح والعتق بالقبض وثالثا انه لا يتم معه ما سمعته من الشهيدين من المقاصة قهرا. نعم قد يقال : ان المراد من الصحة التي هو شرطها اللزوم فالملك حينئذ يحصل بالعقد ويستقر بالقبض ، فمتى افترقا قبله بطل من حينه ، ولعله يومي اليه ما في التذكرة فإنه بعد ان ذكر نحو عبارة الأصحاب من انه يشترط في السلم قبض الثمن في المجلس ، وخص معقد إجماعه بالبطلان مع التفرق قبله.

قال : مسألة ولا يشترط استمرار قبض الثمن فلو سلمه المشتري الى البائع ثم رده البائع اليه ودفعه اليه قبل التفرق جاز ، ولو رده عليه بدين كان له عليه قبل التفرق صح ، لانه ملكه بالعقد واستقر ملكه بالقبض ، وهو كالصريح فيما قلناه خصوصا مع ما سمعته سابقا من الفروع التي لا تتجه الا عليه ، فلا بد حينئذ من التزام ذلك أو رفع اليد عن جميع الفروع السابقة ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، هذا. وقد تقدم في باب الصرف وخيار المجلس ما يغني عن اعادة كثير من المباحث السابقة المتصورة في المقام ، كما انه قد تقدم في باب القبض ما يعلم منه المقدار الذي يجتزى به هنا ، والظاهر صدق تسليم المنفعة لو وقعت ثمنا مثلا بتسليم العين في نحو العبد والدار ، اما عمل الحر فلا يكفى تسليم عينه فيه والله اعلم ،

وكيف كان ف لو قبض بعض الثمن قبل التفرق دون بعض صح في المقبوض لوجود المقتضى من العقد والقبض وبطل في الباقي لحصول الافتراق قبله الذي قد عرفت الإجماع على حصول البطلان به نعم صرح غير واحد بأن للبائع الخيار في الفسخ إذا لم يكن بتقصيره للتبعيض الذي قد عرفت سابقا التسلط به على الخيار ، الا ان الظاهر عدم الفرق في ذلك بين البائع والمشتري ، ولعل اقتصارهم على الأول هنا لان الغالب كون التقصير في عدم القبض من المشتري فيسقط‌

٢٩١

خياره ، أما لو فرض عدمه مع حصول التبعيض فلا ريب في تسلطه على الخيار لذلك كما هو واضح.

وعلى كل حال فما نحن فيه ليس كعوض المتلفات ونحوها من الديون في عدم جواز امتناع الديان من قبض البعض ، ضرورة عدم الصفقة فيه ، مضافا الى تطرق الانفساخ ، بل لعل التعيب بالتبعض كاف ، ومن هنا قال في جامع المقاصد : « يجب تقييد ذلك بما إذا لم يكن الدين مبيعا ، أما إذا كان مبيعا جاز للمشترى الامتناع من قبض البعض الى تسليم الجميع ، للتعيب بالتبعيض ، وليس لقائل أن يقول : ان المقتضى لعدم وجوب قبض البعض هنا ليس هو التعيب بالتشقيص فقط ، بل هو مع تطرق انفساخ العقد في الباقي للتفرق قبل قبضه ، لأنا نقول : ان التبعيض وحده كاف في ثبوت العيب وان قارنه الأمر الأخر ، فيجب ان يثبت الحكم في الموضع الذي ذكرناه ، وقد اقتصر في التذكرة على التعليل به ، وان كان قد يناقش فيه في المقام فضلا عن غيره بأن تسلم البعض لا ينافي التسلط على الخيار مع التعيب بعده بالتبعيض ، فحينئذ يجب عليه تسليم المدفوع وهو على خياره لو تبعض بعد ذلك ، فتأمل جيدا.

ولو أسلم مأة في حنطة ومثلها في شعير في عقد واحد ، ثم دفعهما قبل التفرق ووجد بعضها زيوفا من غير الجنس وزع بالنسبة ، وبطل من كل جنس بنسبة حصة من الزيوف كما في القواعد وغيرها ، لعدم الأولوية ، ولو كان الثمن كليا فدفع المعيب من غير الجنس أبد له إذا لم يتفرق المجلس والا بطل العقد ، وقد تقدم في الصرف تمام البحث في نحو ذلك ، بل تقدم هناك ما يعلم منه حكم ما لو كان العيب من الجنس في المعين وغيره قبل التفرق وبعده ، وجواز أخذ الأرش بعده وعدمه فلاحظ وتأمل.

ولو شرط المسلم اليه أن يكون الثمن من دين عليه بمعنى أنه يسلمه ما له في ذمته في كذا حنطة مثلا قيل والقائل الأكثر في المسالك والأشهر‌

٢٩٢

في الرياض ، والمشهور في الحدائق يبطل لانه بيع دين بمثله فيشمله‌ خبر طلحة بن زيد (١) عن الصادق عليه‌السلام « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين » ‌مضافا الى‌ الصحيح (٢) على ما في بعض الكتب « عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك فاتى الطالب المطلوب يبتاع منه شيئا؟ فقال : لا يبعه نسيئا ، وأما نقدا فليبعه بما شاء » ‌بناء على أن المراد شراء الطالب منه شيئا بما له في ذمته ، فليس النسي‌ء حينئذ هنا الا السلم ، ولكن الموجود في نسخ التهذيب المعتبرة « فأتى المطلوب الطالب » واستدل به في الرياض على المطلوب على هذا التقدير ، ولعله حمله على أن المراد إتيان المطلوب الطالب ليشترى الطالب منه بما له في ذمته ، فيتحد حينئذ مع الأول ، ولكنه خلاف الظاهر. أو أن المراد الاستدلال بفحواه ، بناء على ظهوره في عكس المسألة وهو مبنى على ثبوت الحكم في الأصل وهو ممنوع.

وعلى كل حال فقد يناقش في ذلك كله بمنع تناول النهي عن بيع الدين بمثله لما صار دينا في العقد ، بل المراد منه ما كان دينا قبله ، والمسلم فيه من الأول ، لا الثاني الذي هو كبيع ما له في ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو ونحوه مما كان دينا قبل العقد ، وإطلاق البيع بالدين عرفا على النسيئة محمول على ضرب من التجوز وبمعارضة الصحيح على تقدير دلالته بخبر إسماعيل بن عمر (٣) « قال انه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاما إلى أجل مسمى ، فأمر إسماعيل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٨ وفيه أتى المطلوب الطالب كما نقله المصنف عن نسخ التهذيب المعتبرة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف الحديث ـ ١.

٢٩٣

من يسأله عن ذلك فقال : لا بأس بذلك ، قال : ثم عاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك وقال انى كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت : لا بأس ، فقال : ما يقول فيها من عندكم ، قلت : يقولون فاسد ، قال : لا يفعله فإني أوهمت » ‌الذي لا يقدح ما في ذيله بعد معلومية كون ذلك منه تقية ، بل منه ينقدح الوجه في حمل الصحيح المزبور على ذلك ، مضافا الى‌ المروي عن قرب الاسناد (١) عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام « قال : سألته عن السلم في الدين قال : إذا قال اشتريت منك كذا وكذا بكذا وكذا فلا بأس » ‌بناء على أن المراد بكذا وكذا مما له في ذمته ، لا أن المراد كلى ثم يحاسبه بعد ذلك على ما في ذمته.

ومن هنا قيل انه يصح ولكن يكره خروجا عن شبهة الخلاف والنهي في الصحيح المزبور وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده عند المصنف وتلميذه الابى والفاضل في التحرير والمقداد والقطيفي على ما حكى عن بعضهم ، ولا يحتاج الى قبض ، لان ما في الذمة مقبوض لمن عليه ، ولكن مع ذلك لا ريب أن الأول أحوط خصوصا بعد ما قيل من صدق بيع الدين على المؤجل ولو بالعقد ، ولذا منع بيع الكالي بالكالي ، إذ ليس في نصوصنا هذا اللفظ ، انما الموجود فيها ما عرفت من بيع الدين بالدين ، وقد ادعى غير واحد منهم ثاني الشهيدين في المقام الوضوح في صدق بيع الدين على المسلم فيه وان كان قد صار دينا بالعقد. واما الثمن فالفرض أنه كان دينا سابقا ، وحلوله لا ينافي صدق اسم الدين عليه.

نعم قد يمنع صدقه على الثمن الكلى الحال المقطوع بجواز اسلافه ، وأنه ليس من بيع الدين بالدين ، ومن هنا قالوا في المقام أنه إذا أراد التخلص من شبهة بيع الدين أسلمه كليا في ذمته ، ثم حاسبه به بما له في ذمته بعد العقد ، فيكون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف ـ الحديث ـ ٣.

٢٩٤

حينئذ استيفاء لا ثمن سلم ، بل في الدروس والمسالك وغيرهما أنه يحتاج إلى المحاسبة إذا اختلفا في الجنس أو الوصف ، والا وقع التقاص قهرا ، وان كان قد يشكل بأنه يلزم منه كون مورد العقد دينا بدين ، وبأنه معاوضة على ثمن السلم قبل قبضه ، فتكون فاسدة ، ويدفع بأن الثمن أمر كلي ، وتعينه في شخصي لا يقتضي كونه الثمن الذي جرى عليه العقد ، ومثل هذا التقاص والتحاسب استيفاء لا معاوضة.

نعم يشكل أصل اشتغال الذمة بالكلي بمجرد عقد السلم الذي قد عرفت كون القبض شرطا في صحته ، وقد تقدم البحث فيه سابقا ، فتأمل جيدا ، فان ذلك كله محل للنظر ، لاحتمال اعتبار سبق الدينية في صدق بيع الدين بالدين ، وصدقه على السلم انما هو بعد تمامه لا قبله ، والمنع من بيع الكالي بالكالي وان لم يكن موجودا في طرقنا ، وانما هو من طرق العامة (١) ـ ولكن قد عمل به الأصحاب ، وقد ذكروا في تفسيره ما يشمل ما كان منه بالعقد فيختص به حينئذ ، أما غيره مما لم يكن سابق الدينية ولا هو من بيع الكالي بالكالي فباق على مقتضى العمومات ، ومنه المسألة وعكسها ، ولكن الانصاف عدم خلو المسألة عن البحث ، ولعلك تسمع فيما يأتي في مسألة بيع الدين التحقيق إنشاء الله تعالى ، والله أعلم.

ولو شرط تأجيل الثمن بطل ، بلا خلاف أجده لا لان التقابض شرط ، إذ يمكن فرضه فيما لا ينافيه لقصر الأجل ونحوه ، بل لانه من بيع الدين بالدين كما ستعرف تحقيقه في محله ، بل والكالي بالكالي ، وهو مؤيد لما قلناه سابقا من صدقه على ذلك وان كان دينا في العقد ، والحاصل ان الحالين أو أحدهما بالعقد لا سابقا لا يصدق عليه بيع الدين بالدين ، بخلاف المؤجلين ، فإنه يصدق عليه ولو بالعقد كالحالين قبل العقد. أو أحدهما حال قبله ، والأخر مؤجل كذلك ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الجامع الصغير ج ٢ ص ١٩٢ طبع عبد الحميد احمد حنفي.

٢٩٥

ولو شرط التأجيل في بعض الثمن بطل فيه قطعا ، وفي القواعد والتذكرة والدروس وغيرها بطل في الجميع ، لجهالة ما يوازي المقبوض ، ولعله لأن الأجل ليس له قيمة معلومة ، وليس هذا كبطلان البعض في مثمن النسيئة في بعض الثمن ، ضرورة اقتضائه التوزيع في الحال والمؤجل ، فلا جهالة. نعم قد يقال ان أهل العرف كما أنهم علموا التفاوت فيما بين الحال والمؤجل كذلك يعلمون مقداره ، فإذا بان عندهم أن الحال يقابل الثلثين ، والمؤجل ثلثا بطل في الثلث وصح في الثلثين وهكذا ، ومن هنا احتمل في الدروس الصحة في المقام والتقسيط فيما بعد ، كبيع سلعتين فيستحق إحداهما فتأمل جيدا ، فإنه يمكن ان يكون البطلان في الجميع باعتبار ان الشرط في السلم استحقاق القبض في جميع الثمن في المجلس من حين العقد مع فعلية القبض ، والأول لا تبعيض فيه بخلاف الثاني ، فيبطل حينئذ ، ولو في البعض لفوات الشرط الأول والله العالم.

الشرط الرابع من الشرائط تقدير المسلم فيه بالكيل أو الوزن العامين

في المقابلة بلا خلاف أجده إذا كان من المكيل والموزون ، بل ولا إشكال ضرورة توقف المعلومية فيهما عليهما في المشاهد ، فضلا عن الغائب وحينئذ ف لو عولا على صخرة مجهولة عند العامة أو مكيال مجهول كذلك لم يصح ولو كان كل منهما معينا عندهما لعدم ارتفاع الجهالة شرعا بل وعرفا بذلك ، ولانه قد تهلك الصخرة والمكيال فيتعذر معرفة المسلم فيه ، ولو عينا مكيالا معينا أو صبخة كذلك من العامين ففي القواعد والتذكرة لغى الشرط لعدم الفائدة وصح العقد وفيه انه يمكن فرضه مفيدا.

نعم قد يقال ان المانع ما تسمعه من عدم الطمأنينة ببقائهما إلى وقت الأداء فيحصل النزاع والغرر ، لكن ستعرف المناقشة فيه ، ثم ان المستفاد من النص والفتوى ارادة الكيل‌

٢٩٦

في المكيلات ، والوزن في الموزونات خصوصا ما عبر فيها بأو ، لا أن المراد الجمع بينهما بل ربما ادى الجمع بينهما كان تقول مثلا مأة صاع وزنها كذا أو بالعكس في بعض الموضوعات الى عزة الوجود ، فيبطل كما هو واضح ، وفي قيام كل منهما مقام الأخر وعدمه أو الوزن خاصة البحث السابق ، هذا كله في المكيل والموزون عادة.

أما إذا لم يكن من المكيل أو الموزون في المشاهدة بل كان يباع جزافا فقد صرح غير واحد بوجوب تقديره في السلم بهما ، لعدم المشاهدة الرافعة للغرر فيه وهو جيد ، لكن قد يناقش في اعتبار الكيل والوزن العامين فيه ، ضرورة كون المدار فيه على ما يقوم مقام المشاهدة في رفع الغرر فيه ، وهو حاصل بهما وبغيرهما مما يتفقان عليه مما لا يتعارف المعاملة بهما ، واعتبار الكيل والوزن في المسلم فيه في النصوص مبنى على الغالب مما يعتبر فيه ذلك ، أو ما لا ينضبط الا بهما ، إذ احتمال اعتبار ذلك في السلم تعبدا وان ارتفع الغرر بغيرهما بعيد ، وان اقتضاه ظاهر إطلاق بعض الفتاوى ، ودعوى ـ ان التقدير بغير العامين لا يؤمن معه تلفهما فيتعذر معرفة المسلم فيه ويحصل النزاع ، بل بذلك يتحقق الغرر والخطر ـ يدفعها منع صلاحية مثل ذلك مانعا من الصحة ، مع أنه يمكن فرضه فيما يقطع فيه بعدم التلف. لقصر الأجل ونحوه ، أو لضبطه في صنف يؤمن معه ذلك ، كما هو واضح ، والله اعلم.

وكذا الكلام في الذراع ف يجوز الإسلاف في الثوب أذرعا متعارفة أو ليست متعارفة ، إذا كان المسلم فيه تكفى فيه المشاهدة لو كان موجودا ، وانما المراد بالذرع ضبطه بحيث يقوم مقام المشاهدة ، وحينئذ فلا يختص المعتاد بل يجوز الإسلاف بالأشبار ونحوها مما يضبط بها ويقوم مقام المشاهدة ، وكذا الكلام في كل مذروع بل قد سمعت من الشيخ في الجلود ما يمكن السلم معه من دون ذلك كله إذا كان المسلم فيه من جملة مشاهدة ، وان كان لم يحك عنه اعتباره في المقام‌

٢٩٧

فلاحظ وتأمل.

وهل يجوز الإسلاف في المعدود عددا الوجه عند المصنف والشيخ في المبسوط وابني زهرة وإدريس والفاضل في التذكرة أنه لا يجوز ، لعدم ارتفاع الغرر به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر والصغر وغيرهما ، والاكتفاء به في المشاهدة لارتفاع الغرر بها ، لا به ، وعليه بنى المنع في محكي الخلاف في الجوز والبيض الا وزنا ، خلافا لأبي حنيفة ، قال : وأما البطيخ فلا يجوز إجماعا ، وعن المبسوط بعد نفى الجواز في المعدود عددا قال : كلما أنبتته الأرض لا يجوز السلم فيه الا وزنا ، ثم نص على المنع في اللوز والفستق والبندق.

قلت : التحقيق الجواز فيما لا يكثر فيه التفاوت بل كان التفاوت فيه يتسامح فيه بالعادة ، وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين وغيرهما ، لعدم الغرر فتشمله الإطلاقات ، بل الوجه الجواز أيضا فيما يكثر فيه التفاوت إذا أمكن ضبط صنف منه بالوصف الذي لا يؤدى الى عزة الوجود لذلك أيضا ، ومن هنا قال : في المسالك هنا « الضابط للصحة الانضباط الرافع لاختلاف المثمن ، ولعل فيه إيماء الى ما ذكرناه سابقا ، ودعوى ـ أن المعدود جميعه متفاوت تفاوتا لا يتسامح فيه ، ولا يمكن ضبط صنف منه بالوصف الرافع للجهالة ، ولا يؤدى الى عزة الوجود. فليس الا الكيل والوزن العامان الذي لا عبرة بالعدد معهما ـ واضحة المنع من وجوه.

وعلى كل حال ف لا يجوز الإسلاف في القصب أطنانا ولا في الحطب حزما ، ولا في المجزور جزا ولا في الماء قربا للاختلاف الذي لا يرفعه العد كما أومى إليه الصحيح السارق في الأخير ، ومنه يعلم وجه الصحة إذا فرض إمكان الضبط على وجه يرتفع به الاختلاف المزبور ، ويقوم مقام المشاهدة في ذلك ، من غير فرق بين الكيل والوزن العامين وغيرهما. نعم قد يتوقف كما سمعت في خصوص ما لو كان الضابط شيئا معينا لا يؤمن بقاؤه إلى حين الوفاء ، فيؤدي إلى التنازع ،

٢٩٨

والى الغرر الذي هو بمعنى الخطر ، أما إذا كان الضابط مما يؤمن عليه ذلك لكثرة صنفه أو غير ذلك اتجه الجواز : لإطلاق الأدلة ، فتأمل جيدا. ثم انه من المعلوم جواز ضبط ذلك كله بالوزن بل وبالكيل فيما يمكن أن يكال منه على وجه لا يتجافى في المكيال كما هو واضح. والله اعلم.

وكذا لا بد أن يكون رأس المال مقدارا بالكيل العام أو الوزن كذلك إذا كان مما يعتبر فيه ذلك ، ولا يجوز الاقتصار في ذلك على مشاهدته للغرر المنفي (١) في البيع الشامل للسلم وغيره ، وحينئذ ف لا يكفى دفعه مجهولا كقبضة من دراهم وقبة من طعام ونحو ذلك. خلافا للمرتضى فجوزه مكتفيا بالمشاهدة « ولا دليل يعتد به له ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، خصوصا ما اعتبر المعلومية في الثمن من النصوص التي لا تحصل قطعا في نحو ذلك لا بهما. نعم يتجه الاكتفاء بالمشاهدة فيما لا يعتبر في بيعة غيرها ، ضرورة عدم الفرق بين ثمن السلم وغيره في ذلك ، فإطلاق المصنف حينئذ غير جيد ان لم ينزل عليه ، كما هو واضح.

الشرط الخامس تعيين الأجل.

أي الأجل المتعين ، ضرورة عدم اختصاص السلم بكون الأجل متعينا ف انه لو ذكر أجلا مجهولا فيه أو غيره من العقود التي يشترط فيها المعلومية كأن يقول متى أردت أو أجلا يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج أو نحو ذلك مما يؤدى الى الجهالة كالدياس والحصاد كان باطلا بلا خلاف أحده بيننا بل عن نهج الحق والغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما دل على نفى الغرر والنبوي (٢) في المقام كالنصوص المستفيضة (٣) التي لا يقدح فيها أحصيه مواردها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ٣ الدعائم ج ٢ ص ١٩.

(٢) الجامع الصغير ج ٢ ص ١٦٤ طبع عبد الحميد احمد حنفي.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السلف.

٢٩٩

لعدم القائل بالفرق فلا بد حينئذ ان يكون المراد اشتراط أصل الأجل أو يكون هو ممن لا يشترط فيه ، وحينئذ فالسلم عنده أعم من المؤجل والحال ، كما عساه يومي اليه قوله.

ولو اشتراه سلما حالا فإنه قيل يبطل لعدم الشرط المستفاد من إجماع الغنية والمحكي عن الشيخ وظاهر التذكرة ، والمحكي عن مجمع البرهان والكفاية ، والنسبة إلى الإمامية فيما عن نهج الحق و‌النبوي (١) « من أسلف فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم » ‌و‌خبر سماعة (٢) « سألت عن السلم ، وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه قال : نعم إذا كان الى أجل معلوم » ‌وغيره بل قد اشتملت أكثر النصوص على ذكر الأجل وان لم يكن في سياق اشتراطه الا انه لا ينكر ظهورها في ان المعروف من السلم المؤجل ، بل لا ينكر انسياق التأخير فيه منه ، خصوصا بعد ملاحظة أن مشروعيته للإرفاق بالمحتاجين ، فيكون حقيقة في المؤجل مجازا في غيره ، كما صرح به في التذكرة.

وقيل يصح سلما للأصل ، بعد منع اعتبار الأجل في مفهومه ، كما يومي اليه جعله شرطا عند من اعتبره فيه ، والانسياق المزبور انما هو للغلبة لا لمجازية وغيره ، والا لم يتم في الذي أجله يوم أو نصف يوم ونحوهما مما هو سلم حقيقة قطعا ، إذ التحقيق عندنا عدم اعتبار كون الأجل له وقع في الثمن ، للأصل والإطلاق وغيرهما ، خلافا لأحمد والأوزاعي وأبى على فاعتبروه واقله ثلاثة ولا دليل عليه كما انه لا دليل على تحديده في الكثرة ، فمنع من الثلاث سنين للنهى (٣) عن بيعه سنين : المحمول على الكراهة عندنا ، وعلى كل حال‌

__________________

(١) الجامع الصغير ج ٢ ص ١٦٤ طبع عبد الحميد احمد حنفي.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السلف ـ الحديث ـ ٤.

(٣) الجامع الصغير ج ٢ ص ١٩٢ طبع عبد الحميد احمد حنفي.

٣٠٠