جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نهايته خبر واحد لا يصلح ولا يجوز العمل به ، لانه مخالف لما عليه الإمامة بأسرها ، مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاواهم وتصانيفهم وإجماعهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، وقوله يقبض نصف الثمن ، ويكون العبد الآبق الذي وقع عليه البيع فهو من مال مشتريه ، والثمن بكماله لبائعه ، وإن كان الآبق غير متوقع عليه البيع فالباقي إذا وقع عليه البيع ، فلأي شي‌ء يرده ، وإنما أورد شيخنا هذا الخبر على ما جاء إيرادا لا اعتقادا ؛ لأنه رجع عنه في مسائل خلافه ، في كتاب السلم » وهو جيد.

وإن كان قد يوهم ظاهره عدم جواز بيعه كليا موصوفا بصفات ترفع الجهالة ، وهو واضح المنع.

ولعله إليه أو غيره أشار في اللمعة بقوله « ويجوز شراء العبد موصوفا سلما ، والأقرب جوازه حالا ، إلا ان ظاهره كون غير الأقرب التفصيل بين السلم وغيره ، وهو أوضح من الأول فسادا لتساويهما في المعنى المصحح للبيع ، وعلى كل حال فما أبعد هذا القول من القول بجواز بيع أحد العبدين مطلقا ؛ كما عساه يظهر في باب البيع من الخلاف ناسبا له إلى رواية الأصحاب وإجماعهم. أو بشرط تساويهما من كل وجه حتى يكون كالصاع من الصبرة ، كما سمعته من الفاضل في المختلف ، وإن كان هو في غاية الضعف. بل الشيخ كما قيل قد رجع عنه في باب السلم فقال « إذا قال اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا ، أو أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز لان هذا غرر يسير ، وأما في الأربعة فما زاد فلا يجوز ، دليلنا أن هذا بيع مجهول فلا يجب أن يصح بيعه‌

٢٤١

ولانه بيع غرر لاختلاف قيمة العبدين ، فان قلنا به تبعنا فيه الرواية ، ولم نقس عليها غيرها والإجماع الذي ادعاه مظنة العكس ، كما سمعته من الحلي » والرواية التي أشار إليه هي الخبر المزبور على الظاهر ، وهو مع عدم تعين تنزيله على ذلك ، قد عرفت مخالفته للأصول والقواعد ، والاستدلال بالإطلاقات والعمومات يدفعه ما دل على المنع من بيع الغرر الذي هذا منعه قطعا ، كما أنه يدفع الثاني منع التساوي على وجه يحلق بالمثلي على أنك قد عرفت ما في تنزيل الخبر عليه.

وكيف كان فلا ريب في ضعف ذلك كله فالأولى الرجوع إلى ما تقتضيه الضوابط وهو ما عرفت وعليه لا فرق بين العبدين والأكثر ، ولا بين العبيد والإماء ، بل ولا بين الثياب ونحوها ولا بين إباق العبد وموته ، أما بناء على العمل بالخبر ففي انسحابه في الزيادة على اثنين تردد ؛ من صدق العبدين في الجملة وعدم ظهور تأثير الزيادة مع كون محل التخيير زائدا على الحق ؛ ومن الخروج عن المنصوص المخالف لأصل ، فان سحبنا الحكم وكانوا ثلاثة فأبق واحد فات ثلث المبيع وارتجع ثلث الثمن إلى آخر ما سمعت ، وو قد يحتمل بقاء التخيير وعدم فوات شي‌ء ، سواء حكمنا بضمان الآبق أم لا ، لبقاء محل التخيير الزائد عن الحق ، وكذا التردد لو كان المبيع غير تعبد ، كأمه فدفع إليه أمتين أو إماء وان قطع في الدروس بثبوت الحكم هنا ، بل في أية عين كانت ؛ كثوب وكتاب من المشاركة في العلة للحكم ، وبطلان القياس ، ولعله أقوى كما أن الأقوى عدم إلحاق الهلاك بالإباق ، وإن جعله بعضهم أحد الوجهين لأولويته منه ، لكن قد يفرق بينهما بتنجيز التنصيف معه من غير رجاء لعود التخيير بخلاف الإباق والله أعلم.

المسألة العاشرة إذا وطئ أحد الشريكين أو الشركاء الوطي الذي تدور عليه الاحكام مملوكة بينهما أو بينهم يسقط الحد مع الشبهة بلا خلاف بل الإجماع‌

٢٤٢

بقسميه عليه لدرء الحدود بها ، وإن استحق التعزير بالعصيان بترك السؤال ويثبت مع مع انتفائها إذا لم يكن الشريك ولدا له إجماعا أيضا بقسميه ، ونصوصا مستفيضة جدا ؛ مضافا إلى ما قيل من تناول ما دل في الزنا له الشامل للمقام بالصدق من جهة الشريك أو مطلقا فيلزم تمام الحد ؛ لولا قيام الدليل عي خلافه ؛ وبعد خروج الخارج يبقى الباقي على حاله ، وإن كان لا يخلو من نظر ، ولكن يسقط منه أى الحد بقدر نصيب الواطئ للنص والإجماع المحكي ، إن لم يكن المحصل ، وما قيل من عدم كونه زانيا من جهته ، ولا هاتكا للحرمة كذلك ، ولحصول معنى الشبهة باستحقاقه ولقاعدة تبعض الاحكام بتبعض الأسباب كما يظهر بعد التتبع التام ، ولا سيما في تبعيض المماليك وإن كان فيه ما فيه ، وأولى منه تعليله بعد النص عليه أن أمر الحدود مبنى على التخفيفى ؛ ولذا سقط بالشبهة ونحوها ، وإلا فالعمدة النص.

قال عبد الله بن سنان (١) « سألت الصادق عليه‌السلام عن رجال اشتركوا في أمة ، فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده ، فوطأها؟ فقال : يدرأ عنه من الحد بقدر ماله من النقد ، ويضرب بقدر ما ليس له فيها ، وتقوم الأمة عليه بقيمة يلتزمها ، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الجارية ، ألزم ثمنها الأول ؛ وإن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن وهو صاغر ، لأنها استفرشها ، قلت : فإن أراد بعض الشركاء شراؤها دون الرجل قال : ذلك له ، وليس له أن يشتريها حتى تستبرأ ، وليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة ».

ونحوه آخر (٢) بتفاوت يسير ، قال فيه : « قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ـ ٤.

٢٤٣

بعضهم وجعلوا الجارية عنده فوطئها قال عليه الحد ويدرأ عنه من الحد قدر ماله فيها ، وتقوم الجارية ويغرم ثمنها للشركاء ؛ فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطئ أقل مما اشتريت به ، فإنه يلزم أكثر الثمن لا أنه قد أفسد على شركائه ، وإن كان القيمة في اليوم الذي وطئ أكثر مما اشتريت به يلزم الأكثر » ‌و‌في خبر إسماعيل الجعفي (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام « في رجلي اشتركا في جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه ، فقال : يضرب نصف الحد ، ويغرم نصف القيمة إذا حبلت » ‌و‌في المرسل (٢) في الفقيه المسند عن عدة أصحابنا في الكافي عن الصادق عليه‌السلام « سئل عن رجل أصاب من الفي‌ء فوطئها قبل أن تقسم؟ فقال : تقوم الجارية ، وتدفع إليه بالقيمة ؛ ويحط له منها ما يصيبه من الفي‌ء ، ويجلد الحد ، تدفع إليه بالقيمة دون غيره ، فقال : لأنه وطأها ولا يؤمن أن يكون ثمة حبل ».

و‌في الصحيح (٣) « سمعت عباد البصري يقول كان جعفر عليه‌السلام يقول : يدرأ عنه من الحد بقدر حصته منها ويضرب ما سوى ذلك ، يعني في الرجل إذا وقع على جارية له فيها حصة » ‌و‌في الخبر (٤) « في جرية بين رجلين وطأها أحدهما دون الأخر فأحبلها فقال : يضرب نصف الحد ويغرم نصف القيمة » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب ، حتى‌ الصحيح (٥) « في رجلين أعتق أحدهما نصيبه منها ، فلما راى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع عليها؟ قال : فقال : بجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد الزناء الحديث ٦.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ٣ ـ ٧ ـ ١

٢٤٤

ويطرح عنه خمسون جلدة ، ويكون نصفها حرا ، ويطرح عنها من النصف الباقي الذي لم يعتق إن كانت بكرا عشر قيمتها ، وإن كانت غير بكر نصف عشر قيمتها وتستسعى هي في الباقي » ‌ونحوه خبر آخر (١) وكان بعض مشايخنا لم يقف إلا عي خبر واحد ، فاستدل به جابرا له بالشهرة بل الإجماع.

وأغرب منه ما في نكاح المسالك من نفى الحد على الواطئ ، لانه ليس زانيا وو إن كان عاصيا يستحق التعزير ، ويمكن أن يكون مراده نفى حد الزنا ، لان الظاهر ترتبه على غير محل الفرض لا أقل من الشك. والأصل البراءة ، وحينئذ فما في النصوص من جلد المقدار المخصوص أمر آخر ليس حدا من حيث الزنا ، وربما يؤيد ذلك إطلاق النصوص في المقام عدا النادر الحكم المزبور من غير فرق بين المحصن وغيره ، وإلحاق الولد به أيضا فتأمل.

ثم إن الظاهر جريان الحكم المزبور على الأمة أيضا فيدرأ عنها ما درء عن الواطئ وتضرب قدر ما ضرب وكيف كان فالحكم مما لا إشكال فيه نعم قد يستشكل فيما إذا كان استحقاقه كسر بالنسبة إلى كيفية ما يسقط في مقابلته من الحد فقيل إنه يعتبر بالسوط فيأخذ بنصفه إن كان نصفا وبثلثه إن كان ثلثا ؛ كما تضمنه (٢) صحيح هشام بن سالم عن أبى عبد الله عليه‌السلام « قال : في نصف الجلدة وثلثها يؤخذ بنصف السوط وثلثه» ‌وعن بعض المحققين أنه يحصل باعتبار مقدار السوط ؛ وكيفية الضرب ، وفي الحدائق قوة الضرب وضعفه مع قبض السوط على المعتاد أو دقة السوط وغلظة لم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها الحديث ـ ١.

٢٤٥

يكن بعيدا »

قلت : هو كذلك لولا مخالفة لظاهر النص ، الله إلا أن يحمل عليه لكنه كما ترى ، بالنسبة إلى الدقة والغلط.

نعم هو لا يخلو من قوة بالنسبة إلى الأول ضرورة أنه يمكن أن يكون الكسر بحي لا يمكن تحقق مسمى الجلد به لو قبض على مقداره من السوط المعتاد ، بل يمكن دعوى لدى الأقرب إلى الحقيقة ذلك بعد انتفائها فتأمل جيدا. ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى تعين كون الحد هنا الجلد وإن كان الواطئ هنا محصنا لعدم تصور السقوط في القتل والرجم ، و‌ما في بعض المعتبرة (١) « عن رجل وقع على مكاتبة فقال : قال إن كان أدت الربع جلد ، وإن كان محصنا رجم ، وإن لم تكن أدت شيئا فليس عليه شي‌ء » ‌بعد الإغضاء عما فيه من التقييد بالربع ، معارض بما سمعت خصوصا ما ورد في المبعضة ، وحمل نصوص التبعيض جميعها على ما إذا كان الحد قابلا له ، كما إذا كان الواطئ غير محصن مع عدم مقاومة المعارض ، مخالف لأصول المذهب وقواعده ، كما هو واضح ، بل على ما ذكرنا سابق لا يحتاج إلى دليل في عدم ثبوت حد المحصن عليه لأن التحقيق عدم اندراجه فيما دل عليه في الزاني فيقى الأصل حينئذ سالما عن المعارض ، ولو وطئ الشريك قبل تمام ملكه ، كما لو كان موهوبا ولم يقبض حد تمام الحد مع عدم الشبهة ، وكذا الفضولي على القول بالنقل ، وعلى الكشف ففي البدار أو الانتظار أو العدم مطلقا وجوه ؛ أقواها عند الأستاد الأخير ، لكنه يعزر لعصيانه ، وهو جيد مع حصول الإجازة ، ولو ادعى في حصته الزيادة على شريكه ولم يعلم بکذبه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ـ ٢.

٢٤٦

بكذبه ولا قامت بينة بصدقه ودرأ عنه بنسبتها من الحد على الأقوى ، لاندراج مثله في الشبهة المسقطة للحد.

وكيف كان فلا ريب نصا وفتوى في لحوق أحكام الولد في الجملة لهذه الجارية لو حملت من الواطئ وإن كان عاصيا بالنسبة إليه بل وإلى شركائه بالنسبة إلى غير الواطئ ، فليس لهم بيعها بل ولا نقله بأحد النواقل إلى غيره ، ولكن تقوم عليه إنما البحث في أنها تقوم عليه بنفس الوطء وإن لم يظهر حملها أو ينتظر الحمل فعند المصنف تبعا للحلي وعليه استقر رأي المتأخرين أنها لا تقوم عليه نفس الوطء لكن قال هنا على الأصح مشيرا به إلى ما في النهاية من التقويم بنفس الوطء قال : « إذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرءوا عنه من الحد بقدر ماله من الثمن ويضرب بمقدار ما لغيره ، وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها ، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الزم ثمنها ، وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها ألزم ذلك الأكثر ، وإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها ، ولا يلزمه إلا ثمنها الذي يسوى في الحال ، الذي هو مضمون ما سمعته من خبر عبد الله بن سنان (١) المتقدم لكن قد عرفت أن فيه وليس له أي الشريك أن يشتريها حتى تستبرئ.

ومنه ينقدح إشكال في الخبر المزبور ، وهو أن الشريك إذ كان ليس له شراؤها إلا بعد الاستبراء فهو والواطئ على حد سواء في عدم الإلزام إلا بالثمن إذا ظهر كونها بريئة من الحمل ، إذ احتمال التقويم على الواطئ وإن لم يتعقبه حمل في غاية البعد ، وإن توهم من إطلاقه النهاية والخبر ، بل هو الذي فهمه ابن إدريس وغيره ، ممن تأخر عنه منه ، حتى أنه فرع عليه بعض مشايخنا فقال : هل يفرق بين الفرج والدبر والتقاء الختانين والانزال وخلافهما أولا ، وجهان ، أقواهما عدم الفرق في الطريفين دون الواسطة إلا أنه والانزال وخلافهما أولا ، وجهان ، أقواهما عدم الفرق في الطرفين دون الواسطة إلا أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

٢٤٧

في غاية البعد ، بل التعليل في خبر العدة الصريح في كون التقويم بالوطي كالصريح بخلافه ، بل التعليل في خبر ابن سنان بنفسه ظاهر في ذلك ، ضرورة كون المراد منه أنه صيرها بالوطي فراشا له بحيث يلحق به الولد ، وإلا فلو أريد منه بمجرد الوطء وإن كانت آيسة مثلا ، لم يكن للتعليل به وجه ، كالتعليل بالإفساد في الخبر الأخر ، إذ لا وجه للإفساد بمجرد الوطء ، خصوصا في الثيب ، بل وبالكسر بعد غرامة أرش البكارة ، إذ ليس هو حينئذ أسوء حالا من الأجنبي بالنسبة إلى ذلك فليس المراد من الإفساد حينئذ إلا احتمال الحمل الذي يلحق به ، ويمتنع على الشركاء بسببه نقلها بسائر النواقل ، وإن لم يتكن أم ولد بالنسبة إليهم ، فتنفق حينئذ النصوص الثلاثة على معنى واحد ، ويكون المراد حينئذ مما في خبر عبد الله بن سنان أنه للشريك شراؤها بعد الاستبراء والعلم بخلوها عن الحمل ولا يجب عليه التقوم على الواطئ بمجرد وطئه ، وكذا المراد أنه ليس على غير الواطى من الشركاء فضلا عن غيرهم في سائر الأحوال إلا بالقيمة التي تسوى في الحال بخلاف الواطئ فان عليه الإلزام بأكثر الأمرين لو اراده الشريك قبل الاستبراء أو بعد ظهور الحمل ، أو يحمل على ما إذا نقصت القيمة المساوية للثمن الذي اشتريت به بالوطي فإنه يجب عليه تمام الثمن لحصول النقصان بفعله.

وعلى كل حال فبما ذكرنا يندفع ما في التذكرة من أن هذا الخبر غير دال على وجوب التقويم بنفس الوطء ، لانه يسوغ لغيره من الشركاء شراؤها فلو وجب التقويم لم يجز ذلك ، ونحوه يرد على عبارة الشيخ لأنها كما سمعت مثل الحبر فلا بد حينئذ من حملها على ما ذكرناه أو يدعى أن الشيخ ، يوجب التقويم بنفس الوطء إرفاقا للشركاء فإذا أسقطوا حقهم كان لهم شراؤها منه برضاه ، إلا أنك قد عرفته أنه ليس للشركاء الشراء من الواطئ إلا بعد الاستبراء بل لا يبعد القول بأنه ليس للشريك الذي لم يطأ بيع نصيبه إلا بعد الاستبراء ، وإن قلنا ان البائع لا يجب عليه الاستبراء من وطئ غيره ، لكن في المقام قد يقال بوجوبه ، باعتبار أن الحمل ولو من‌

٢٤٨

الشريك الواطئ يمنع الأخر من نقلها إلى غيره ، فهي حينئذ كأم الولد بالنسبة إليه ، وكان وطئ الشريك كوطئ نفسه بالنسبة إلى ذلك. فيتجه حينئذ عدم جواز البيع له إلا بعد الاستبراء فتأمل جيدا ، فإنه في غاية الجودة ، وبه يتم ما قلناه حينئذ من التقويم عليه بنفس الوطء الذي يخشى منه الحمل ، لانه قد عضل مال الشركاء عليهم. فإذا لم يقوموها عليه حتى استبرأت وعلم عدم حملها كان حال الواطئ حينئذ كحالهم لا يستحقون عليه تقويما ولا غيره ؛ إلا العقر يعد إسقاط نصيبه.

ومن الغريب ما في مختلف الفاضل من حمل الخبر ، وما في النهاية على صورة الحمل مع أنه ليس في شي‌ء عنهما ما يومي إليه بل ما في الذيل من جواز البيع على الشركاء صريح في خلافه ، لعدم جواز بيعها مع الحمل قطعا وإجماعا ؛ بل قوله فيه لا يجوز أن يشتريها حتى تستبرئ صريح أيضا في عدم كونها حاملا ، وتقييد الصدر بالحامل بخلاف الذيل تفكيك في الخبر يقطع بفساده وأوضح منه فسادا المناقشة في خبر العدة بأنه ظاهر في أن سبب التقويم الحمل فلا يتحقق بل تحققه ، إذ هو كما سمعت صريح في أنه علة التقويم الوطء لانه لا يؤمن مع الحبل كما هو واضح.

كل ذلك مع عدم المعارض عد المفهوم في خبر الجعفي إذ الحبل في غيره في السؤال دون الجواب ، فلا دلالة فيه ؛ وهو مع أنه مفهوم لا يعارض المنطوق ، يمكن أن يكون المراد منه نفى الغرم مع عدم الحبل ، ونحن لا ننكره. ضرورة أنه إذا تأخر الشريك عن التقويم حال الوطء فبان عدم حبلها لم يكن على الواطئ غرم ، كما أنه يغرم؟ قطعا القيمة بالحبل كما هو واضح والحاصل أن القول بأن للشركاء التقويم على الشريك الواطئ الذي يخاف من وطئه الحبل وأنه لا يجوز لهم نقل الجارية إلى غيره قبل الاستبراء إذا لم يريدوا التقويم عليه ، لعدم وجوبه عليهم للأصل. ولان مشروعيته للإرفاق بهم لا يخلو من قوة ، فإذا اشتريت حينئذ كان لهم نقلها من كل أحد ؛ كما أنه بناء على التقويم بالحمل إذا أخروا‌

٢٤٩

التقويم فاتفق سقوط الحمل قبله تعود على الحال الأول ، ولا يلزم الواطئ بالتقويم ، ويمكن حمل كلام الشيخ وغيره ممن قال بالتقويم بالوطي على ذلك لا مطلق الوطء وإن بان عدم تعقبه للحمل.

ولكن الذي استقر عليه رأي المتأخرين أنها لو حملت قومت عليه حصص الشركاء ولا تقويم عليه قبل الحبل ، بل في شرح الأستاد دعوى تحصيل الإجماع عليه ، لان المخالف مسبوق ملحوق به ، وإن كان فيه ما لا يخفى نعم هو مقتضى الأصل والمفهوم في الخبر السابق المنجبر بالشهرة المتأخرة ، بل لعلها أنه ما ذكرنا تعرف ما في جميع ذلك ، ومنه يعلم أن الاحتياط لا ينبغي تركه في المقام.

ثم طنه عليه فهل العبرة بالقيمة وقت الإجماع كما اختاره شيخنا في شرحه أو من يوم الوطء كما في التحرير ، وقواه الشهيد في حواشيه ، أوقت التقويم كما عن بعضهم ، أو أكثر الأمرين من يوم الوطء إلى الاحبال كما مال إليه ثاني الشهيدين في المسالك أو أكثرهما من حين الإحبال إلى وقت التقويم كما في المختلف ، أو أكثر الأمرين من الثمن والقيمة وقت التقويم ، كما سمعته في الخبر ، أو أكثرهما من يوم الوطء كما يقضى به الخبر الأخر ، وجوه ؛ بل أقوال ؛ وزاد في شرح الأستاد احتمال القيمة زمان الانتقال ؛ وأعلى القيم من زمان الحمل إلى زمان الانتقال ، ومن زمان التقويم إلى زمان الانتقال ، ومن زمان الوطء إلى زمان الحمل ، والى زمان التقويم والأعلى من زمان الانعقاد إلى حين الولادة ، وما يختاره المظلوم من الشريكين ، بل قال : إن لكل وجها ، وهو مع أنه مبني على مغايرة زمان التقويم لزمان الانتقال في غاية الضعف بالنسبة إلى البعض ، إن لم يكن الجميع ، ولعل الأقوى مراعاة حال التقويم الذي‌

٢٥٠

هو بمعنى الدفع إليه بالقيمة ، لأصالة براءة الذمة من ضمان الزائد ؛ ولانه هو وقت المعاملة ، ووقت دفع الجارية إليه بالقيمة ، سيما إذا كان النقص الداخل على الشريك بالتأخير في التقويم من قبله ، إذ الظاهر أنه لا يجوز للواطي الامتناع من قبول التقويم عند طلب الشريك له ؛ فإذا امتنع جبره الحاكم بل له القبول عنه ، أما إذا طلبه الواطئ فقد يقوى عدم وجوب الإجابة عليه ما لم يستلزم تعطيلا للمال.

لكن في شرح الأستاد إن التقويم قهري بالنسبة إلى الواطئ والشركاء فحالها كحال أمهات الأولاد ، وليس فوريا لكن لا يسوغ الإهمال الباعث على التعليل ، ومتى طلبه أحدهما أجابه الأخر ، ولو امتنع أحد الطرفين عن التقويم جبره الحاكم عليه ؛ فان لم يتمكن منه قام مقامه.

وفيه ان الظاهر من النصوص كون التقويم إرفاقا بحال الشريك ، فهو حينئذ حق له لا يجبر عليه إلا إذا أدى إلى الإصرار بالاخر فتأمل جيدا فإنه يمكن الفرق بين ما ذكرناه سابقا من التقويم بالوطي وبين ما هنا من التقويم بالحمل بالنسبة إلى القهرية وعدمها ، ضرورة تحقق كونها أم ولد بالانعقاد بخلاف الأول.

وكيف كان فلا تدخل في ملك الواطئ ابتداء كما صرح به غير واحد ، بل قيل إنه إجماع للأصل بل والنص ، ضرورة إرادة النقل بالقيمة من التقويم عليه ؛ فحق الشريك في المنافع ثابت حينئذ ، كما أن الظاهر عدم إغناء التقويم عن الصيغة إذا أريد ما رتب الشارع عليها من الاحكام ، بل الظاهر عدم كون التقويم من النواقل المستقلة وإنما المراد ما عرفت من النقل بالنواقل المعهودة ؛ إلا أنه بالقيمة على الواطئ لكن في شرح الأستاد أنه يغني التقويم عن الصيغة كما هو ظاهر كلام المعظم ، وظاهر الاخبار ويكون كاستحقاق العوض بالتلف إلى أن قال : ولا تجري عليه أحكام البيع ، فلا خيار‌

٢٥١

مجلس أو حيوان ونحوهما ويتعين عليه أخذ الأرش وعوض النقص ونحوه ، ولا يجوز له الرد.

وفيه ما عرفت وخلو النصوص عن الصيغة لتعارف المعاطاة في ذلك الزمان كما خلت عنها أكثر النصوص في أكثر المقامات بل التأمل في ذيل خبر ابن سنان (١) يورث القطع بإرادة ما ذكرنا من التقويم على الواطئ فلاحظ وتأمل ؛ وكذا فيه أيضا أنه لو فسخها بخيار من الخيارات كان عليه تقويم الجميع ، وفيه أن جواز الفسخ له محل بحث كالبحث في لزوم التقويم عليه بعد الجواز فتأمل جيدا.

ولو اشترك شريكان في الإجمال أقرع بينهما ، للنصوص التي منها‌ الصحيح (٢) « إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت ودعوه جميعا أقرع الوالي بينهم ، فمن خرج كان الولد ولده ، ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية » ‌ونحوه غيره على أن الاشتراك في الولد بينهم على حسب الغرامة غير معهود بالشرع في غير المماليك.

ثم إن الظاهر لزوم العقر العشر أو نصفه مع القيمة ، لأنه عوض الانتفاع بالبضع. بل لعل ما دل عليه في غير المقام كالأمة المدلسة نفسها وغيرها لا يخلو من ظهور في الجميع ـ خصوصا خبر الجارية (٣) التي أعتق نصفها المتقدم آنفا الذي يراد منه إسقاط ما يخصها بنصيب الحرية من العقر من نصيب الواطئ ، فما قيل من الاكتفاء بالقيمة عن ذلك في غير محله ، وخلو النصوص هنا عن التعرض له أعم من عدمه ، بل قيل أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام حدود الزنا الحديث ـ ١.

٢٥٢

يلزم مع ذلك أرش البكارة ؛ لكن فيه ما عرفت سابقا من ظهور النصوص في أن الزيادة في عقر البكر عوض عن أرش البكارة.

نعم الظاهر عدم الفرق بين اتحاد الوطء وتعدده إذا كان منشؤه واحدة ، ولم يتخلل الغرم أما لو وطأها أو لا للشركة ، ثم وطأها ثانيا بزعم أنها صارت له خالصة ، وثالثا أنها زوجته ، فقل يحتمل التعدد كما في شرح الأستاد والله أعلم.

وعلى كل حال ف ينعقد الولد حرا لأصالة الحرية والتبعية ، والنصوص المتقدمة الإمرة بالتقويم فيها ، لمكان الحمل الذي تصير به أم ولد بالنسبة إليه ، بل هي كالصريحة في فرض الوطء فيها بغير الشبهة ، لاشتمالها على الحد المعلوم درؤه بها فحينئذ لا فرق في انعقاده حرا بين كون الوطء لشبهة أو لا كما هو صريح جماعة بل لا أجد خلافا فيه بينهم ، ولعل الحكمة انه ليس زنا محصنا بسبب الملك للبعض الموجب لحصول الفراش ، كما أومئ إليه بعض النصوص المتقدمة.

ومنه ينقدح حينئذ أن الوجه في الحرية انعتاق مقدار نصيبه عليه ؛ ثم يسرى إلى غيره ؛ الا أنه لما كان هو السبب في ذلك أغرمه الشارع قيمة حصص الشركاء منه نحو ما سمعته في غرامته جميع القيمة عن ولده من الأمة التي ظهر استحقاقها للغير الذي اشتملت عليه النصوص السابقة ، مضافا إلى بعض النصوص المتقدمة في المسألة.

بل الظاهر مما دل على التقويم بالحبل عدم توقف الحرية على الولادة وإلا لم يلزم تقويمها بالحبل ، وإلى ذلك أشار المصنف وغيره ؛ بل لم يعرف خلاف فيه بينهم ، بل ربما ادعى الإجماع عليه بالتعبير بالانعقاد حرا المتحقق بانعقاد النطفة أو العلقة ، بل ظاهر النصوص والفتاوى عدم الفرق في ذلك بين دفع القيمة وعدمها ، وإن كانت هي مستحقة على الوالد فما عساه يتوهم من بعض نصوص الأمة المستحقة‌

٢٥٣

من التوقف على دفع القيمة لا بد من تأويله وطرحه ، مع أنه لا صراحة فيه ، بل ولا ظهور في توقف الحرية ، بل قد صرح فيه بعدم ملك ولد الحر بل أقصاه توقف دفع الولد على دفع القيمة ، وهو مع أنه غير ما نحن فيه مطرح أو مأول.

وعلى كل حال فاحتمال كونه رقا إلى حين الولادة أو حين التقويم لا يلتفت اليه ، وتظهر الثمرة في الوصية به وله في الجناية عليه ، وفي عزل نصيبه من الإرث فضلا عن نمائه ، وفي غير ذلك مما لا يخفى.

وكيف كان ف على أبيه قيمة حصصهم يوم ولد وإن تأخر التقويم عنه إن تقوم حاملا وإلا دخلت قيمة الولد معها كما صرح به ثاني الشهيدين ، ويعص من تأخر عنه ، كفاضل الرياض وشيخنا في شرحه نعم ظاهر الأخير اعتبار التراضي منهم بذلك ، قال « فان اختلفا فالمدار على حين الولادة ، إلا إذا خرج ناقصا فيعين اعتبار قيمة الحمل إن زادت على قيمته حين الولادة ، مع احتمال تقويمه تاما ومع الخروج ميتا يفرض حيا سليما ويقوم ، والام باقية على حالها ، ويقوى اعتبار أعلى القيم من حين الحمل إلى حين الولادة أو إلى حين التقويم ، ثم قال ، بعد ذلك ويغني مجرد التقويم من دون عقد ، لظاهر الإطلاق في الاخبار وكلام الأصحاب ، ولذلك يصلح تقويمه ميتا ، ولو خرج مريضا بجناية قوم صحيحا ».

قلت : لا أجد خلافا في النص والفتوى في عدم اعتبار زمان التقويم المتأخر عن زمن الولادة ، بل هو صرح قبل ذلك بأنه لو تأخر وقت التقويم عن يوم الولادة لوحظ الحال السابق بل ستسمع نسبة الخلاف إلى أبى حنيفة في نظير المقام من الفاضل ، وهو مشعر بالإجماع على أن الأصل براءة ذمة الأب من الزائد لو فرض علو القيمة كما هو الغالب ، وبراءة ذمة غيره من وجوب الالتزام بالناقص لو فرض حصوله بالتأخر.

٢٥٤

مضافا إلى أن المتيقن من النصوص يوم الولادة ، لأنه هو أول يوم تحقق اسم الولد فيه ، بل المعتبر حال الخروج إلى الدنيا ، بل منها مضافا إلى الأصل يستفاد عدم اعتبار أعلى القيم ، خصوصا إذا كان الشريك هو الذي طلب التأخير إلى يوم الولادة ، ضرورة أنه باختياره ذهب الزائد عليه ، بل وإن كان الطالب الواطئ ، لعدم الالتزام بالتقويم حملا إذ النصوص أوجبت قيمة الولد ، على أن الحمل لا طريق إلى تقويمه كما صرح به الفاضل وغيره لكن قد يقال إنه يمكن تقويم الحمل على احتمالاته.

نعم لا يقوم ولدا تاما حيا وهو حمل لعدم العلم بحاله ، ولعل ذلك هو المراد بعدم إمكان تقويمه حملا إلا أن يلحظ تبعا فتقوم الحامل حينئذ باعتباره ، فالزيادة التي تفرض على كونها حائلا بسببه بمنزلة القيمة له. وفيه أنه ربما تنقص قيمته الجارية بحملها ، لقلة الانتفاع بها ، ومخافة الحادث عليها بالطلق ونحوه ومن هنا اعتبر في النصوص الواردة هنا وفي الأمة المستحقة للغير وفي المدلسة نفسها وغير ذلك قيمة الولد ، وليس في شي‌ء منها تقويمه حملا ولو بالتبعية للأم ؛ كما أن أكثر الفتاوى على غرامة قيمة الولد يوم ولد حيا اللهم الا ان يدعى ظهور بعض نصوص المقام الذي اشتمل على التقويم إذا أحبلها في ذلك وفيه منع.

نعم قد يقال : إن المراد بدخوله في قيمة الحامل أنه يضاف إلى قيمتها ما يكون قيمة له ، فتكون القيمة التي لها عوضا عنه وعنها ، لا أنه قيمة للحمل ، ولذا اعتبر التراضي بينهما على ذلك فليس لأحدهما اقتراحه على الأخر هذا.

وفي الرياض في شرح عبارة النافع التي هي يجب على الواطئ قيمة حصص الشركاء منه عند الولادة قال : « والسقوط حيا ان قومت حائلا ،

٢٥٥

وإلا دخلت قيمة الولد معها كما ذكره جماعة من الأصحاب والظرف يتعلق بالقيمة ، أي القيمة عند الولادة بلا خلاف ، توفية لحق الشركاء من النماء والتفاتا إلى فحوى المعتبرة الواردة في وطئ الشركاء للأمة المشتركة » ثم ذكر الصحيح المتقدم المشتمل على القرعة ، وربما يتوهم منه اعتبار القيمة المزبورة ولو حال الحمل للتوفية وللنصوص المشتملة على قيمة الولد ، فيكون وقت الضمان وقت انعقاد الحمل باعتبار أنه كوقت التلف ، والمضمون حينئذ قيمة ولد ، للنصوص ، ولعله على ذلك بنى شيخنا فيما سمعته من شرحه ضمانه لو خرج ميتا بأن يفرض حيا ، ومريضا بأن يفرض صحيحا ، بل قد سمعت احتمال تقديره تاما لو خرج ناقصا.

لكن فيه أن المنساق من عبارات الأصحاب اشتراط الحياة في ضمانه فلو خرج ميتا لم يكن عليه شي‌ء أصلا ، حتى قيمته حملا ، كما يقوم يوم خروجه حيا على أى الأحوال كان من الصحة والمرض والتمام والنقصان والذكورة والأنوثة والمسخ والخنوثة ، بل هو كصريح الدروس في الأمة المستحقة التي لم يظهر لنا فرق بينها وبين المقام بالنسبة إلى ضمان قيمة الولد فقال : وعليه قيمة الولد إن سقط حيا كما أنه قال : في المقام وعليه قيمة نصيب الشريك يوم وضع حيا ، بل قال الفاضل في القواعد في المقبوض بالبيع الفاسد لفساد الشرط إذا كان جارية ولو وطأها لم يحد أى مع عدم علم الفساد ، وعليه المهر وأرش البكارة والولد حر وعلى أبيه قيمته يوم سقط حيا ولا شي‌ء لو سقط ميتا وأرش ما نقص بالولادة.

وفي التحرير في أحكام البيع الفاسد أيضا لو كان المبيع أمة ، انعقد الولد حرا لا ولاء عليه ويلحق به ، ويجب على الواطئ قيمته يوم سقط لا يوم المحاكمة ،

٢٥٦

ولا تجبر قيمة الولد النقصان وان ساواه في القيمة ولو سقط ميتا لم يضمنه اما لو ضرب أجنبي بطنها فألقته ميتا تاما وجب على الضارب مأة دينار وللسيد منها أقل الأمرين من دية الجنين أو قيمته حين سقوطه ، وباقي الدية لورثته ، الى ان قال : ولو كان الضارب الواطئ فألقته ميتا فعليه دية الجنين يأخذ السيد منها أقل الأمرين ، والباقي لورثته غير الواطى. ( وقال ) : « في الأمة المستحقة وينعقد الولد حرا وعلى الأب قيمته يوم ولد ، وفي وطى الشريك يغرم ثمن ولدها يوم سقوطه حيا » والظاهر عدم الفرق في الحكم بين الجميع فيكون المراد الضمان بشرط الحيوة :

وأصرح من الجميع ما في التذكرة قال في البيع الفاسد منها : « ويجب على الواطئ قيمة الولد للبائع : لأنه نماء ملكه وقد حال بينه وبينه بالحرية فكان عليه ولقول الصادق عليه‌السلام (١) « في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال : يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده بالقيمة » ‌( الى ان قال ) تعتبر قيمة الولد يوم سقوطه حيا ، لانه وقت للحيلولة بينه وبين صاحبه ، ولو سقط ميتا فلا شي‌ء لأنه لا قيمة له حينئذ ، ولا يقوم قبل سقوطه لانه لا قيمة له حينئذ ، فإذا لم يكن له قيمة حين سقط لم يضمن ، وهو قبل ذلك لا قيمة له ، لا يقال لو ضربه أجنبي فسقط ميتا وجب عليه الضمان وكان للسيد من ديته أقل الأمرين من دية الجنين ومن قيمته يوم سقط ، لأنا نقول الواطئ يضمنه بالحيلولة بينه وبين سيده ، ووقت الحيلولة حين السقوط وكان ميتا فلم يجب ضمانه ، وضمان الضارب قائم مقام خروجه حيا ، فلهذا ضمنه البائع وانما ضمن الأقل ، لأن دية الجنين ان كانت أقل لم يضمن أكثر من ذلك ، وان كانت القيمة أقل كان الباقي لورثته ويطالب المالك من شاء من البائع والمشتري ، وقال أبو حنيفة يغرم قيمة الولد يوم المحاكمة » الى آخره.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٥ الحديث ١٠ الطبع الحديث.

٢٥٧

وقال في المقام « وعلى أبيه قيمة حصة الشريك منه يوم الولادة ، لأنه وقت الحيلولة وأول أوقات التقويم » وقال في الأمة المستحقة الولد حر وعلى أبيه قيمته لمولاه يوم سقط حيا وبه قال الشافعي لأنه أتلف على مولاه رفيقا باعتقاد أنه ملكه ، ولا يقوم حملا لعدم إمكان تقويم الحمل ، فيقوم في أول حالة انفصاله لأنها أول حالة إمكان تقويمه ولان ذلك هو وقت الحيلولة بينه وبين سيده » الى آخره والجميع كما ترى ما بين صريح فيما قلنا وظاهر.

بل قال شيخنا في شرحه في ظهور استحقاق الأمة وعلى الأب قيمته للمولى يوم سقوطه بل حين سقوطه ان سقط حيا مستقرا لحياة على نحو يكون مقوما لأنه أول أزمنة التقويم ، للإجماع والاخبار بأن يقوم على ما هو عليه من نقص عضو أو صفة ، مع ملاحظة بقاء الرقية دون الأول إلى الحرية ، ولو خرج ميتا لا قيمة له فليس على الأب شي‌ء ، وقوى بعضهم تغريمه دية جنين امة ، وليس بقوي ، ويقوى مراعاة التفاوت بين القيمتين ، ولو اشتبه الحال ، فالأقوى عدم التغريم ويحتمل ثبوته عملا بالأصل ، وهو مناف لما سمعته سابقا منه هذا.

ولكن في الكتاب في باب الغصب ، فيما لو كان المغصوب جارية فوطئها جاهلين بالتحريم قال : « ولو أحبلها لحق به الولد ، وعليه قيمته يوم سقط حيا وأرش ما ينقص من الأمة بالولادة ، ولو سقط ميتا قال الشيخ رحمه‌الله عليه لا يضمنه ، لعدم العلم بحياته وفيه إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي ، وفرق الشيخ بين وقوعه بالجناية ووقوعه بغير جناية ، ولو ضربها أجنبي فسقط ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر وضمن الغاصب للمالك دية جنين امة » وظاهره التوقف في عدم الضمان لو خرج ميتا.

كالفاضل في القواعد في هذا الباب أيضا حيث قال : « ولو سقط ميتا فإشكال ينشأ من عدم العلم بحياته ومن تضمين الأجنبي ، بل في المسالك في هذا الباب‌

٢٥٨

« ان الوجه ضمان الغاصب دية جنين امة سواء سقط بجناية أم لا ، لكن على تقدير كونه بجناية ، للمالك دية جنين أمة ، وباقي دية جنين الحرة للإمام لأن القاتل لا يرث والأمة رقيقة لا ترث الى غير ذلك من كلماتهم التي بملاحظتها جميعا يحصل الشك في المسألة ، ولعل مقتضى الأصل معه عدم الضمان ، لعدم صدق تلف المال بانعقاد الحرية ، بل أقصاه انه لو لم يكن مشتبها لكان الولد رقا ، ومثله ليس سبب ضمان ، والضمان ولدا للنصوص ، واما ضمان الجنين بجناية جان فلانه كالخروج حيا كما سمعته من الفاضل ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة من المشكلات ، هذا وقد يفرق بين المقام وبين الغصب والمقبوض بالبيع الفاسد وغيرهما مما تكون للعبد فيه يد ضمان ، باقتضاء عموم‌ « على اليد» (١) الضمان في الثاني دون الأول ، بل ينبغي الجزم به فيما لو طرء الفساد عليه ضرورة كونه كموت المغصوب في يد الغاصب حتف انفه ولعله لذا جعل الوجه في المسالك الضمان مطلقا.

نعم قد يقال بعدم الضمان فيما لو علم الفساد بأصل النمائية على وجه لم يتحقق نمائيته بحيث يكون مالا متقوما كما في الفرض فإنه مع فرض سقوطه لفساد في أصل تكونه لا يكون مالا ، بخلاف طلع النخل المغصوب مثلا إذا فرض فساده في يد الغاصب فإنه مال متقوم فيضمن على حاله ، لا انه يفرض كونه تمرا كل ذا والمسألة بعد محتاجة إلى تنقيح.

واما ضمان أقل الأمرين فلان المملوك لا يضمن بأزيد من دية الحر ولعل إطلاق المسالك منزل عليه كما ان قوله ينتقل الى الامام مبنى على عدم وارث غير الأب والام ،والا انتقل اليه ، وقد عرفت مما قدمنا ان الاعتبار بالقيمة حين الولادة لا حين‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧.

٢٥٩

التقويم الذي هو بمعنى المحاكمة كما قال أبو حنيفة والله أعلم.

المسألة الحادية عشرة المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كل واحد منهما صاحبه من مولاه له بناء على ملك العبد حكم بعقد السابق وبطلان اللاحق ، لعدم صحة تملكه سيده فان اتفقا في وقت واحد اى اتحد الزمان للجزء الأخير من قبولهما بطل العقدان لعدم صحة ترتب اثر كل منهما ، وترجيح أحدهما على الأخر ترجيح بلا مرجح ، واحتمال الرجحان في الواقع فيستخرج بالقرعة معارض باحتمال عدمه ، على ان التكليف منوط بالأسباب الظاهرة والإلزام التكليف بالمحال ، وليس كالقرعة في عتق العبيد ، لأن الوصية بالعتق ، بل نفس العتق قابل للإبهام ، بخلاف البيع وسائر المعاوضات.

ومرسلة الكافي الاتية التي أشار إليها المصنف بقوله وفي رواية يقرع بينهما (١) قد عمل بها الشيخ وغيره ، مع انها ليست حجة في نفسها معارضة. بخبر ابى خديجة الاتى نعم إذا علم السبق ولم يتعين السابق اتجه إخراجه بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل » (٢) من موضوعات الاحكام ، وهذا منه ، بل يقوى لذلك أيضا جريانها فيما لو اشتبه السبق والاقتران ، فلم يعلم أيهما الذي وقع ، وجواز الاقتران مع عدم معلومية السبق المصحح للبيع ، فلا يجوز الحكم بالمسبب مع الجهل بالسبب لا يصلح مخصصا ، ولا فرق بين علم تاريخ أحدهما وجهله على الأصح.

نعم قيل يحتاج في الصورة الاولى الى رقعتين يكتب في أحدهما السابق ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٢ ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ١١ باختلاف يسير.

٢٦٠