جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قال : فذهبت تقوم في بعض حوائجها ، فقالت : يا أماه فقال لها أبو عبد الله عليه‌السلام : ألك أم؟ قالت : نعم فأمر بها فردت ، فقال : ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره » ‌و‌خبر عمرو بن أبى نصر (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجارية الصغيرة يشتريها الرجل فقال : ان كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس » ‌و‌صحيح ابن سنان (٢) « عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يشتري الغلام والجارية وله أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار؟ قال : لا يخرجه إلى مصر آخر إن كان صغيرا ولا تشتره ، وإن كان له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت » ‌و‌النبوي (٣) « من فرق بين والدة وولدها ، فرق بينه وبين أحبته ».

ضرورة أنه لا يخفى على الفقيه العارف بلسانهم عليهم‌السلام ، إرادة الكراهة من أمثال هذه الخطابات ، خصوصا مع عدم تقييد الموثق بالاستغناء ، واشتماله على الأخوين ؛ ولم أجد من أفتى به عدا بعض المتأخرين كثاني المحققين والشهيدين ؛ وما تسمعه من المحكي عن الإسكافي ، بل الفاضل في التذكرة مع قوله بالتحريم في الطفل والام صرح بالكراهة فيهما ، بل غيره صرح بالجواز فيهما من غير تعرض لها ، بل قد يستفاد ذلك أيضا من اقتصار الأكثر على الطفل وأمه.

فما في الرياض ـ من أن الأصح التعدية لغير الام من الأرحام المشاركة لها في الاستيناس كالأب والأخ والعمة والخالة ، وفاقا للإسكافي وجماعة ، لتصريح الصحيح والموثق بمن عدا الأخيرين ، وظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق ـ في غير محله بناء على الحرمة ، خصوصا بعد المحكي عن المبسوط من التصريح بجواز التفريق بين الولد والوالد ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه ، وفي جهاد التحرير قال الشيخ : « يجوز التفرقة بين الولد والوالد ، وبينه وبين الجدة أم الأم ، وبين الأخوين والأختين ، وبين من خرج من عمود الأبوين من فوق وأسفل مثل الاخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٥ ـ ١

(٣) ـ المستدرك ج ٢ ص ٤٨٦.

٢٢١

وسائر الأقارب ولا خلاف في جواز التفريق بينه ، وبين الرحم غير المحرم ، وبينه وبين الام من الرضاعة والأخت منها ، » وفي جواز التفرقة بينهما في العتق ؛ بل في باب البيع منه الوجه عدم كراهية التفريق بين الولد والأب ؛ أو بين غيره من ذوي الأرحام وبينه سواء قرب أو بعد ، ذكرا كان أو أنثى.

والمحكي عن أبي علي أنه طرد الحكم فيمن يقوم مقام الأم في الشفقة ، وتبعه عليه غيره ، فلعله لا يريد الأخوين ، على أنه يمكن أن يكون بناه على ما ذهب إليه من حجية العلة المستنبطة المعلوم بطلانها عندنا ، كل ذلك مع إطلاق التفريق فيه الشامل للبيع وغيره ، مع أنك قد عرفت نفى الخلاف في التحرير عنه في العتق ، وعن التذكرة النص على نفى الباس عنه في السفر ، بل وفي الوصية معللا له بإمكان كون الموت بعد انقضاء زمان التحريم ، لكن قال : فان اتفق قبله فإشكال ، ونص أيضا على أنه لو كانت الام مملوكة والولد حرا أو بالعكس لم يمتنع بيع الرقيق ، على أن القول بضم من سمعت من الأرحام إلى الأم يقتضي عدم جواز بيع الطفل ولو مع أمه إذا كان له استيناس ببعض أرحامها ، فلا يجوز للمالك إلا بيع الجميع وإن كثر العدد ، وهو مما لا يلتزمه فقيه ، خصوصا إذا قلنا بعدم اعتبار اتحاد المالك كما يقتضيه إطلاق بعض النصوص ، فيعتبر حينئذ في صحة البيع اتفاق الملاك أجمع ، وإلا فلا يجوز لكل واحد منهم منفردا إلى غير ذلك مما هو منكر في مذاق الشرع ، وأما الصحيح فظاهر في استغناء البنت التي قامت في بعض حوائجها ؛ فلا بد من حمله على الكراهة خصوصا بعد كون المشتري مثل هشام الذي يبعد عدم معرفته بهذا الحكم ، بل التعليل فيه وتصديقها بمجرد دعواها كالصريح في ذلك ، وخبر عمرو إنما يدل على ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة ، وصحيح ابن سنان قد اشتمل على غير الام وولدها ممن عرفت الحال فيه ، والنبوي لا يخلو من إشعار بالكراهة كما لا يخفى على من مارس كثيرا من خطاباتها.

ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه في التفرقة بالبيع ، بل وغيره من النواقل‌

٢٢٢

كالهبة وغيرها ، المصرح بمساواتها للبيع ، كما قيل في التحرير والتنقيح وجامع المقاصد وإيضاح النافع والميسية والمسالك والروضة وغيرها ، وإن كان ينبغي تقييده بالاختيارية والا فلا ، ومنه ما لو ظهر استحقاق أحدها بوجه شرعي فانتزعه المستحق ، فإن الظاهر عدم المنع ، أما الرد بالعيب مثلا ففي التذكرة إشكال أقربه المنع.

وعلى كل حال فالظاهر عدم المنع مع الرضا منهما بالتفرقة ، للموثق المزبور ، بل يمكن القول بعدم الكرهة معه أيضا. نعم في التحرير لا تزول الكراهية برضا الام ، ولعله لمراعاة حق الولد خصوصا بعد التعليق في الموثق على إرادتهما ، وفي آخر على طيب نفسهما ، فينبغي مراعاتهما معا لا الأم خاصة ، مع فرض كون الولد ممن يتأذى بفراقها هذا وفي المحكي عن التذكرة أنه إن لم تحصل التفرقة الحسية فالأقوى جواز البيع كمن يبيع الولد ويشترط استخدامه مدة البيع ، وهو جيد اقتصارا على المتيقن.

ثم إن الظاهر بناء على المنع فساد البيع كما صرح به جماعة ، بل في التذكرة ما يشعر بدعوى الإجماع عليه لظاهر النصوص السابقة المشتملة على غير النهي من رد الثمن ونحوه ، لكن عن جهاد المبسوط أنه جائز على الظاهر من المذهب ، بل عنه في الخلاف أنه قواه كالسرائر ، إلا أنك قد عرفت أنه ممن يقول بالكراهة هذا ، وصرح جماعة أن الخلاف في الحرمة والكراهة بعد سقي اللبأ ، أما قبله فلا يجوز لانه سبب لهلاك الولد ، وهو جيد إن كان كذلك ، لكن في الحدائق أنه روى كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك ، بأن يشرب من لبن غير أمه بعد الولادة ، وربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض ونحوه بعد الولادة مدة ، بل قيل إنه قد لا يوجد اللبأ في كثير من النساء.

نعم محل الخلاف كما عرفت قبل الاستغناء أما بعده فلا إشكال في الجواز نصا وفتوى ، بل في التنقيح نفي الخلاف عنه ، بل عن إيضاح النافع الإجماع عليه. نعم في الأول في فرع ذكره قال : ظاهر الأصحاب أن التفرقة بعد الاستغناء مباحة وقيل يكره ،

٢٢٣

ويقرب التفصيل وهو أنه مع التمييز وإصلاح القيام بالضروريات لا كراهة ، وإلا فالكراهة وهو ليس خلافا في أصل الجواز وأمر الكراهة سهل.

وعلى كل حال فالمشهور كما في التذكرة أن الاستغناء يحصل ببلوغ سبع من غير فرق بين الذكر والأنثى ، وقيل : يكفي استغناؤه عن الرضاع ولعل ذلك مقتضى إطلاق المحكي عن المقنعة والنهاية والمراسم الاستغناء ، بل قيل إن الشيخ والجماعة كذلك في باب الجهاد والأول أظهر عند المصنف استصحابا للحكم ، ولغلبة الأذية قبلها ، إلا أن الأظهر منه جعل المدار على تحقق الاستغناء عرفا ، وهو مختلف باختلاف الأطفال والأمهات ، لإطلاق الدليل السالم عما يقتضي تقييده بالسبع أو غيره ، واحتمال نظر الأصحاب في المقام إلى الحضانة يدفعه ما عرفت من شهرة السبع هنا من غير فرق بين الذكر والأنثى ، والمعروف فيها هناك كذلك.

ومن ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد وإن تبعه عليه في الروضة والمسالك والرياض ومحكي الميسية. قال : « الذي يقتضيه صحيح النظر الفرق بين الذكر والأنثى ، لأن الفرق في حضانة الحرة قد وقع ، فجوز التفرقة بعد سنتين في الذكر وبعد سبع في الأنثى على المشهور بين المتأخرين ، فينجر ذلك في الأمة ، لأن حقها لا يزيد على حق الحرة ؛ ولان الناس مسلطون على أموالهم ، على أموالهم ، خروج منه ما دل الدليل على منع التفرقة بين مطلقات الأمهات والأولاد ، فيبقى الباقي على الأصل ولأن الأخبار الدالة على عدم جواز التفريق لأحد فيها فيحمل إطلاقها على المدة المحرمة ، بمقتضى الحضانة ، لأن ذلك هو الحق المقرر للام ، وكون الولد معها في نظر الشارع وإطلاق الأصحاب يحتمل أمرين ، إما الحوالة على ما هناك ، أو عدم الظفر بما يعين المراد ، وقد صرح بعض الأصحاب وهو الشيخ أحمد بن فهد بأن المسألة هنا مبنية على القول في الحضانة فكان شاهدا بما قلناه ، وهذا هو الصواب الذي ينبغي المصير اليه ».

٢٢٤

وفيه أن ملاحظة كلامهم في المقامين تقضي بالقطع بعدم بناء هذه المسألة عندهم على تلك المسألة التي فصل المشهور فيها بين الذكر والأنثى ، بخلاف هذه ، كما أن الأولوية واضحة المنع ، لان المراد هنا التفرقة بالبيع ونحوه ، بخلافه في الحرة ، وقد عرفت تصريح الفاضل بجواز التفريق بينهما ببيع الرقيق منهما لو كان أحدهما حرا من غير ملاحظة للحضانة ، بل قد عرفت غير ذلك مما لا ينطبق عليها ، فأحسن شي‌ء حمل كلام المشهور هنا على إرادة حصول الاستغناء غالبا بالسبع ، وإلا فالمدار ما قلناه خصوصا بعد ما عن التذكرة من تعليل كون الغاية السبع بكونها سن التمييز ، فيستغني عن التعهد والحضانة.

وأقرب منه إرادة من أطلق التحديد بالاستغناء كالمقنعة والنهاية والمراسم ما ذكرنا من الإيكال إلى العرف ، ومن ذلك يعلم جودة ما عن إيضاح النافع حيث أنه بعد أن حكى عن ابن فهد ما عرفت ، قال : إنه ليس بشي‌ء إذ هو كذلك ، وليس في شي‌ء من كلام الأصحاب ما يشعر بذلك ، سوى ما عن مبسوط الشيخ من تعليله إلحاق الجدة بالأم ، بمنزلتها في الحضانة ، ويمكن عدم ارادة دوران الحكم على ذلك والله أعلم. هذا كله في الأناس ، أما البهائم فقد صرح غير واحد بجواز التفرقة فيها بينها قبل الاستغناء عن اللبن وبعده ، نعم قيده بما إذا كان مما يقع عليه الذكاة أو كان له ما ينمو به من غير لبن أمه ، ولعله لعدم جواز إتلاف المال أو خصوص الحيوان منه بغير الطريق ـ الشرعي كالذبح ، ولتحقيق ذلك محل آخر والله أعلم.

المسألة السادسة من أولد جارية قد اشتراها مثلا جاهلا ثم ظهر أنها مستحقة للغير ببينة شرعية أو نحوها انتزعها المالك منه بلا خلاف ولا إشكال والمشهور نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة ، بل عن الخلاف الإجماع ، أنه يجب على الواطئ عشر قيمتها بدخول أرش الجناية على الأقوى إن كانت بكرا أى لم يمسها رجل ولم تذهب عذرتها ، وقد يقوى الاكتفاء بالثاني وفي شرح الأستاد أن الاكتفاء بالأول‌

٢٢٥

أقوى ونصف العشر إن كانت ثيبا لصحيح الوليد بن صبيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها؟ فقال : تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها؟ فقال : إن كان الذي زوجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال : إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه وإن لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها وإن كان الذي ... زوجه إياها ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : وإن جائت منه بولد قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى » ‌و‌الصحيح الأخر (٢) « أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضها فقال لا ينبغي له ذلك قلت : فإن فعل يكون زانيا؟ قال : لا ويكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن تكن بكرا فنصف عشر قيمتها » ‌وغيرهما ، ومغايرة المورد للمقام يدفعه اتحاد طريق المسألتين ، واشعار الأول بالعموم بالتعقيب بما هو كالتعليل من استحلال الفرج المحقق هنا بل عن بعض أصحابنا الاستدلال به بالفحوى ، كل ذلك مع أن عبارة المصنف كما سمعت غير خاصة بالبيع ؛ ونحوها عبارة القواعد ، بل في شرح الأستاد جعل موضوع المسألة ظهور استحقاق الأمة الموطوءة بزنا أو غيره من نكاح أو تحليل أو ملك أو شبهة بأحدها ، لعدم مالكية المالك أو ظهور فساد العقد له ولعله كذلك.

قيل والقائل الشيخ في المحكي من غصب المبسوط وابن إدريس يجب مهر أمثالها الذي هو عوض منفعة البضع شرعا مع عدم التسمية من غير فرق بين الحرة والأمة ، بل عن بعضهم إتمام ذلك بأن الرواية (٣) إنما وردت فيمن اشترى جارية ووطأها وكانت حاملا من سحق أو غيره وأراد ردها فلا يقاس عليه ، ولكن قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٤.

٢٢٦

عرفت أن الأول مع كونه مشهورا شهرة عظيمة بل قد سمعت دعوى الإجماع عليه مروي في الصحيحين وغيرهما مضافا إلى المرسل المزبور المتمم على تقديره بعدم القول بالفصل ؛ فلا مناص حينئذ عن القول الأول بل في شرح الأستاد أن الأقوى التوزيع في المبعضة ، فضلا عن مفروض المقام ، لا الرجوع إلى مهر المثل.

وكيف كان فالظاهر عدم الفرق بين علم الأمة بالحال وعدمه على القولين ، بل صحيح صبيح ظاهر في الأول ونفي المهر للبغي إنما هو في الحرة كما يشعر به اللام الظاهرة في الاستحقاق ، بل لعل لفظ المهر كذلك ، ولذا يطلق على الحرة المهيرة فما في الدروس هنا من نفي المهر لها مع العلم وعدم الإكراه واضح الضعف ؛ وإن حكى عن جماعة المحقق الثاني وغيره اختياره في باب الغصب.

ولو اختلفا في البكارة وعدمها قدم قول الواطئ ، ويحتمل تقديم قول المالك عملا بالأصل ، وفي الممسوسة في القبل من دون فض البكارة أو في الدبر وجهان أقواهما عند الأستاد إجراء حكم البكارة فيها ، والأظهر خلافه ؛ كما أن الظاهر اجراء حكم الواحد على تكرر الوطء في الوقت الواحد قبل الغرمة ، أما إذا كان بعد الغرامة فالظاهر التعدد بل قيل إن مثله اختلاف الوقت ، وفيه منع ، ضرورة ظهور النص والفتوى في أن الغرم ذلك ولو استعمر الاشتباه إلى الولادة ؛ والغالب التعدد مع ذلك.

وعلى كل حال ف الولد حر للأصل والتبعية لأشرف الأبوين وصحيح الوليد (١) السابق وغيره ، ومحكي الإجماع عن المبسوط والخلاف وغيرهما ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما عن المقنعة من رقية الولد إلا أن يرضيه الأب عنه بشي‌ء ؛ بل قيل : إن مثلها النهاية إلا أنه قال : « وقبض ولدها » إلى آخره ، ولعله لما‌ في موثق سماعة (٢)

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢

٢٢٧

من « أن ولده مملوك إلا أن يقيم البينة ، أنه شهد له شاهدان أنها حرة ، فلا يملك ولده ويكونون أحرارا » وخبر زرارة (١) إلا أنهما مع عدم شهادتهما بتمام المدعى. وإمكان حملهما على صورة الزنا وغير ذلك ، معارضان بما هوى أقوى سندا وأكثر عددا من النصوص المعمول بها بين الأصحاب ، وحينئذ فلا ريب في ضعف القول المزبور.

نعم على أبيه قيمته يوم ولد حيا لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل جميل (٢) « ويأخذ الرجل ولده بقيمته » ‌و‌في موثقه (٣) « ويدفع المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية ، وقيمة الولد التي أخذت منه » ‌إلى غير ذلك من النصوص المراد منها وجوب القيمة تعبدا لا شرطية الحرية بها ، وقد عرفت تصريح الموثق أنه يرجع المشتري على البائع بالثمن ، وبما اغترمه من قيمة الولد لمكان الغرور ، وتعرف إنشاء الله في المسألة العاشرة تمام الكلام في كثير مما له تعلق في المقام كقيمة الولد وغيرها.

وهل يرجع المشتري على البائع بما اغترمه من مهر وأجرة ونحو هما قيل : نعم لأن البائع أباحه من غير عوض فهو مغرور متضرر برجوع المالك عليه بذلك ، ونحوه الذي صرح به‌ في خبر زرارة (٤) « قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاد ؛ ثم إنه أتاها من يزعم أنها له ، وأقام على ذلك البينة ، قال : يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ؛ ويعوضه قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها » ‌وربما كان في الرجوع بقيمة الولد إشارة إليه في الجملة ، وقيل لا لحصول عوض في مقابلته وقد تقدم تحقيق ذلك في بحث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣ ـ ٥

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٤.

٢٢٨

الفضولي والبيع الفاسد فلاحظ وتأمل.

المسألة السابعة : ما يؤخذ من دار الحرب أو من أهلها في غيرها بغير إذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام القائم مقامه عليه‌السلام من أموال وأعراض وأراضي وأشجار وسرايا أو نحو ذلك بسرقة أو خيانة أو خدعة أو أسر أو قرة من غير جيش أو جيش من غير قهر أو غير ذلك ، فهو لأخذه ، كالمأخوذ بإذنه لإطلاق ما دل من كتاب وسنة وإجماع على جواز اغتنام مال الكفار وسبيهم ، بل ظاهرهما كونهم وما في أيديهم من المباحات التي يملكها من يجوزها ، ويستولي عليها ، وإنما يلزم فيه الخمس كسائر الغنامى ، كما أومئ إليه عليه‌السلام‌ في قوله (١) « خذ مال الناصب حيث وجدته ، وادفع إلينا الخمس ».

فما في الحدائق ـ من التوقف في الحكم من أصله لعدم الوقوف على نص يدل عليه ، وأخبار النصاب لا دلالة فيها على التعميم ـ واضح الضعف ، بل في شرح الأستاد أن تملك الإمام بحيازة الغير هنا مخالف للأصل وللإجماع والاخبار ، قلت : مضافا إلى خصوص بعض النصوص (٢) الدالة على جواز شراء الكفار بعضهم من بعض ، وقد تقدم سابقا بعض منها.

نعم ما يأخذ بغير إذن الامام بقهر جيش أو سرية ، كله للإمام عليه‌السلام خاصة ، لا للغانمين ، ولا لغيرهم بلا خلاف أجده فيه ، بل عن بعضهم الإجماع عليه. و‌في خبر الوراق (٣) « عن رجل سماعه عن الصادق عليه‌السلام إذا غزى قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام عليه‌السلام وإن غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمص » و‌الحسن كالصحيح (٤) « قلت للصادق عليه‌السلام السرية ببعثها الامام عليه‌السلام فيصيبوا غنائم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ـ ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بيع الحيوان.

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال الحديث ١٦ ـ ٣

٢٢٩

كيف تقسم؟ قال إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام أخرج منه الخمس لله تعالى والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقسم بينهم ثلاثة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام عليه‌السلام يجعله حيث أحب » ‌وما فيه من قسمة الخمس ثلاثة أخماس مما هو شاذ لا قائل به ، غير قادح في الدلالة على المطلوب.

نعم قد تقدم في كتاب الخمس أن المصنف توقف في النافع في ذلك ، بل في المنتهى « قوة قول الشافعي الذي هو المساواة في الفرض للمأذون فيه » بل في المدارك إنه جيد لإطلاق الأدلة الواجب تقييده بما سمعت مع أنها من خطاب المشافهة ولخصوص‌ حسن الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة ، فقال : يؤدى خمسا ويطيب له » ‌مؤيدا بما‌ في صحيح ابن مهزيار (٢) المشتمل على ذكر ما يجب فيه الخمس إلى أن قال : « ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ما له » ‌ولما يظهر من بعض أخبار التحليل (٣) من كون الإباحة لنصيبهم في الفي‌ء لا إباحة جميعه ، ولا نصيب لهم إلا الخمس.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في المروي عن العسكري عليه‌السلام (٤) « يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد علمت أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولى على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه ، ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك منه شيئا من شيعتي » ‌إلى آخره ، ونحوه غيره ، إلا أن ذلك كله يجب الخروج عنه ، وحمله على ما لا ينافي المطلوب لما عرفت من المفروغية من الحكم ، والله العالم.

والظاهر عدم تأثير الإجازة اللاحقة وإن كان لم يستبعده شيخنا في شرحه إلحاقا له بمسألة الفضولي ؛ ولو اختطف الآخذون بالاذن وعدمه لحق كلا حكمه كما أنهم إذا أخذ بعض الجيش غيلة وبعض قهر الحق أيضا كلا حكمه.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٨ ـ ٥

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ٢٠.

٢٣٠

وكيف كان فالأصول والضوابط تقتضي حرمة التصرف فيما كان للإمام عليه‌السلام ضرورة كونه من العدوان وأكل ما بالباطل ؛ ولكن يجوز لخصوص الشيعة تملكه في حال الغيبة رخصة منهم عليهم‌السلام في ذلك إجماعا بقسميه والنصوص (١) نعم الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار قصد التملك أو عقده بل في شرح الأستاد اعتبار ذلك ، وأنه بدونه يبقى أمانة له عليه‌السلام ويجرى عليه حكم التحجير ؛ ولا استبعاد في خصوص الملك للتملك بعد إذنه عليه‌السلام في ماله ، أو فيما له الولاية عليه ؛ بل لا استبعاد في دعوى الملك لخصوص الشيعة بمجرد الاستيلاء وأنهم أباحوا لهم أموالهم إباحة صيرتها لهم كالمباحات الأصلية ، ضرورة رجوع ذلك كله إلى الشرع الذي لا ينبغي الاستبعاد معه كما هو واضح.

وعلى كل حال متى ملكه الشيعي جاز تملكه لغيره منه ولو كان الغانم غير شيعي جاز الشراء منه والاتهاب ونحوهما من العقود المملكة ، استنقاذا لا شراء حقيقيا.

ومن هنا يقدح جواز الأخذ منهم قهرا مع عدم منافاة التقية ، وفي شرح الأستاد أن جواز ذلك وجه وجيه.

وعلى كل حال فله أى الشيعي وطئ الأمة المغتنمة إذا تملكها باغتنام أو شراء من المغتنم إذا لم يكن استنقاذا والا فبالاستيلاء المزبور ، ومن هنا يظهر لك وجه خبث ولادة غير الشيعة الذين لم يرخص لهم ، فان وطأهم للإماء المملوكة لغيرهم زنا ، نعم يمكن اجراء حكم الشبهة على أولادهم على اشكال في بعض الافراد.

وكيف كان ف يستوي في ذلك الحكم الذي ذكرناه ما يسبيه المسلم وغيره الا أن الرخصة المزبورة خاصة للشيعة وان كان فيها حق للإمام مثل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال.

٢٣١

القسم الأول أو كانت كلها للإمام عليه‌السلام مثل القسم الثاني إلا أن الظاهر قصر الرخصة في الأول على خصوص المناكح والمساكن والمتاجر ، ويحتمل أن يكون الترديد إشارة لما سمعته من القولين في الغنيمة بجيش وأمير من دون أذان الإمام ، من أنها أجمع للإمام ، أو الخمس كما عرفت الكلام فيه ، وقد تقدم في باب الخمس تمام الكلام في ذلك فلاحظ وتأمل. ومنه تعرف نوع إجمال في عبارة المتن وغيره ، و ـ الله أعلم.

المسألة الثامنة : إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري به نسمة ويعتقها ويحج عنه بالباقي فاشترى أباه ودفع إليه بقيمة المال فحج به ؛ ثم اختلف مولاه ، وورثة الأمر ومولى الأب ، وكل يقول اشترى بعين مالي فقيل والقائل الشيخ في النهاية والقاضي على ما حكي عنه يرد إلى مولاه رقا ، ثم يحكم به لمن أقام البينة على رواية ابن أشيم‌ عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) المشهورة كما في الدروس ، ولعله يريد رواية لا فتوى قال : له « عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال : اشتر بها نسمة وأعتقها عني وحج عني بالباقي ثم مات صاحب الالف فانطلق العبد فاشترى أباه وأعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي ليحج عن الميت فحج عنه ، وبلغ ذلك موالي أبيه ، ومواليه وورثه الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك بما لنا ، وقال الورثة : إنما اشتريت أباك بما لنا ، وقال : موالي العبد إنما اشتريت أباك بما لنا؟ فقال : أبو جعفر عليه‌السلام أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد ، وأما المعتق فهو رد في الرق لموالي أبيه ، وأي الفريقين بعد أقاموا البينة ، على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا. » ‌

وهو أى القول ضعيف كضعف الخبر لجهالة الراوي أو غلوه وسبق بعض أصحاب الإجماع عليه غير مجد على الأصح ؛ ولمخالفته أصول المذهب وقواعده باعتبار اشتماله على الأمر برد العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه ودعواه الفساد التي يقدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

٢٣٢

مدعى الصحة عليها ، وعلى مضي الحجة ، مع أن ظاهر الأمر حجة بنفسه ، وعلى مضي الحج مع العود إلى الرق المقتضى لوقوع حجه بغير إذن سيده.

بل في شرح الأستاد أن ظاهر الخبر الاذن في التجارة للمولى ، فكيف تصح المعاملة حتى يترتب عليها صحة الحج ، كما أن ظاهره أيضا الوكالة عن الدافع فتنفسخ بموت الموكل فيبطل البيع والعتق والحج ، وبعد تسليم أنها وصاية فليست هي من التجارة فلا تصح ، ولا يصح ما تفرع عليها من الثلاثة بل الإحجاج لا يدخل في التجارة لسيده ولا لغيره ، فكيف يمكن شراء مال شخص بمال منه.

وإن كان قد يناقش بمنع ظهور الخبر في الأول ولو بقرينة عدم دعوى مولى ـ المأذون بذلك بل والثاني ، ضرورة ظهور عبارة الدافع في فعل ذلك بعد موته ، الظاهر في كونه وصاية ، وعدم إنكار مولى المأذون ذلك على العبد قرينة على إرادة الأعم من الاذن في التجارة ، فالإحجاج بعد تسليم أنه ليس من التجارة لغير سيده من المأذون فيه حينئذ كالعتق والغقلة ونحوها عن شراء مال شخص بمال منه غير مستنكرة ، فانحصرت المخالفة حينئذ فيما ذكرناه أولا ، ولها وللضعف مع عدم الجابر طرح الخبر المزبور.

وقيل أنه يرد العبد إلى مولى المأذون ما لم يكن هناك بينة ، وهو أشبه عند المصنف والعجلي وتبعهما الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم ، بل نسب إلى الأكثر ، لأن يد السيد على العبد وما في يده ، ولا يقبل إقراره عليه وإن كان وكيلا ، بخلاف الحر ، كما لا يقبل بعد حدوث يد المأذون دعوى الملكية من ـ مولى الأب بلا بينة ، فضلا عن دعوى الفساد ، وكذا دعوى ورثة الدافع ، بل قد لا يتصور دعواهم بعد اعترافهم بأمر مورثهم بذلك كله.

نعم إن أنكروه كلا أو بعضا اتجه لهم الدعوى ؛ بل من الواضح أنه على هذا‌

٢٣٣

القول لا فرق بين كون العبد الذي أعتقه المأذون أبا له ، أو لا ، وإن كانت الرواية تضمنت الأول ، لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد ، ولا بين دعوى مولى الأب شراؤه من ماله ، بأن يكون قد دفع للمأذون مالا ليتجر به ، فاشترى أباه من سيده بماله وعدمه ، لانه على التقدير الأول يدعي فساد البيع ، ومدعي صحته مقدم ، وعلى الثاني إما أن يدعيه أيضا بان يدعى سرقة عين الثمن منه مثلا ، أو ينكره فيكون خارجا لمعارضة يده القديمة يد المأذون الحادثة فتقدم ، والرواية تضمنت الأول ، كذا في الرياض وفيه نظر ، ولا بين استيجاره على حج وعدمه ، لعدم مدخلية ذلك في الترجيح ، وإن كانت الرواية تضمنت الأول كما هو واضح.

وفيه منع عدم قبول الإقرار من العبد على السيد بعد فرض كونه مأذونا في ـ التجارة وغيرها وللسيد وغيره ، ضرورة كونه حينئذ كالحر في الأمانة فتشمله الأدلة كما أنه ليس لورثة الدافع الدعوى بعد تسليم الوصاية من مورثهم بذلك ، وعدم ما يمنع من إنفاذها فتنحصر الدعوى حينئذ في مولى الأب الذي هو مدعى الفساد فلا يسمع قوله بلا بينة.

ومن هنا قال المصنف في النافع إن الذي يناسب الأصل في المسألة الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه ، وقواه في الدروس مع الإقرار بذلك والذي يقوى في النظر بعد طرح الخبر المزبور ملاحظة موضوع المسألة ، إذ المأذون إن قصرت إذنه على التجارة لمولاه فهو عاد في فعله ، باطل عمله ، ولا يدله حتى يصدق في قوله ، إنما اليد لمولاه ، وهو مصدق فيما ادعاه فيبطل العقد ويرجع المال إلى المولى وإن عمت إذنه في التجارة له ولغيره وكان الشراء بالوكالة مع حياة الدافع صح الشراء ، وكان القول قول المأذون في أنه للدافع وورثته مع اليمين ، وتسقط دعوى مولاه ودعوى مولى الأب بعد الإقرار ببيعه ويحكم بفساد العتق والحج ، وإن كانت عامة للتجارة وغيرها له ولغيره كان القول قول ـ المأذون كما عرفت ، ولو سلم ورثة الدافع الأذن في الشراء فقط ؛ كان الملك ولا عتق ،

٢٣٤

ولا حج ؛ فيرجع الباقي إليهم ، وإن اعترفوا بالعتق دون الحج ، صح العتق وطولب بما بقي للحج وإن أنكروا الجميع كانت الالف لهم ، إلى غير ذلك مما لا يخفى انطباقه على الضوابط لو فرض.

هذا كله بعد طرح الخبر المزبور ؛ وقد يحتمل العمل وتدفع المخالفة الثانية بأن المراد حصول الحج ولو بغيره ، خصوصا والخطاب مع المأذون فيتبع فهمه من خطابه والفرض أنه فهم منه ذلك ، والثالثة بأن صحة الحج أمر أخروي لا يجرى على الحكم الظاهري فقد يحكم بصحة الحج لعلم الوصي مثلا ، وإن لم يثبت ظاهرا بل يمكن ابتناء صحته على الإذن لاب المأذون في الحج تبرعا عن الميت أو مطلقا ـ وليس في الرواية ما يفيد استحقاق العبد شيئا من المال. أو على أنه قد استعمل في ذلك مع عدم العلم بالفساد فحجه حينئذ صحيح ، وإن استحق أجرة المثل ، وليس في الرواية ما ينفيها أو على غير ذلك.

وأما المخالفة الأولى ففي القواعد دفعها بأن المراد إنكار مولى الأب البيع من أصله ، وفيه أنه مخالف لصريح الرواية اللهم إلا أن يكون ما أقر به ليس بيعا لغة لعدم المبادلة فيه ، أو يكون المراد إنكار البيع للآخرين ؛ ولا ينافيه دعوى البيع بما له. إذ هي أمر زائد على الإنكار وبذلك يخرج عن قاعدة تقديم مدعي الصحة على مدعى الفساد ، إذ هي في الدعوى المتحدة ، لا في مثل الفرض الذي ضم إلى الإنكار دعوى الفساد بشراء عين لا يصح شراؤها كما لو قال : بعتك الدار فأنكر المدعى عليه ثم قال : بعتني خنزيرا ، وتقديم الأصحاب مدعى الصحة في مسألة الخل والخمر. والشاة والخنزير ، إنما هو فيها إذا اتفقا على تعين المبيع ، واختلفا في كونه خلا أو خمرا أو شاة أو خنزيرا لا في نحو الفرض الذي لا دليل على تشخيص أصل الصحة فيه موضوع البيع الذي هو لإثبات الوصف بها دون غيره ، ولعل هذا أولى مما تسمعه من الشهيد ، لما تسمعه من المناقشة ، ولانه لا يتم مع‌

٢٣٥

مع فرض الدعوى من الورثة أو المولى خاصة ، ضرورة عدم التصادم ، وظاهر النص تقديم دعوى مولى الأب ، وإن لم يكن المدعي الا أحدهما ، للحكم فيه باحتياج كل منهما إلى البينة ، ثم لا يخفى عليك الداخل والخارج على هذا التقدير ، كما لا يخفى عليك ترجيح أى البينتين بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب القضاء فلاحظ وتأمل جيدا ؛ وفي الدروس بأنه قد يقال أن المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على يد مالكه ولا يعارض فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد ، لان دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فيتساقطان وهذا واضح لا غبار عليه ، وقد يناقش بمنع تكافؤ الدعاوي بعد تسليم أن بيده ما لا للجميع لأن من عدا مولاه خارج والداخل مقدم فسقط مولى الأب وورثة الأمر فلم يتم الرجوع إلى أصل بقاء الملك على مالكه ، وبذلك يظهر فساد دعوى اشتراك الصحة بين متكافئين فان الخارجة لا تكافئ الداخلة ، فإذا قدمت لم يبق لرد الدعوى المشتملة على فساد البيع مانع إذ لم ينقدح توجهها إلا بسبب تساقط تلك الدعويين ولم يتم ، وقد تدفع بمنع كون المولى داخلا بعد فرض استناده الى السبب الخاص وبعد فرض كون العبد مأذونا مطلقا وبيده مال للجميع ، نعم المتجه بناء على ما ذكرنا نفوذ إقراره على السيد وغيره ممن وكله فلم تتصادم الدعاوي المتكافئة كما أنه قد يمنع اعتبار عدم تصادم دعوى الصحة في التقديم على دعوى الفساد ، بل يقدمان عليها ثم ينظر في الترجيح بينهما ، فان لم يكن فالقسمة أو القرعة أو نحوهما فتأمل جيدا.

هذا كله مع عدم البينة ومعها تقدم إن كانت لواحد ، وإن كانت لاثنين أو للجميع وقلنا بأن مولى المأذون منهم داخل وما عداه خارج ، وأن بينة الداخل مقدمة على الخارج عند التعارض ، كان الترجيح لبينة مولى المأذون حينئذ بلا يمين حينئذ وإن لم يكن له بينة أو كانت وقلنا بترجيح بينة غيره عليه ؛ لانه خارج تعارض الخارجان حينئذ ؛ ولعل الأقوى وفاقا لجماعة تقديم بينة الدافع عملا بمقتضى الصحة ، مع احتمال تقديم بينة‌

٢٣٦

مولى الأب لادعائه ما ينافي الأصل ، وهو الفساد فمولى الأب بالنسبة إلى ورثة الدافع مدع خارج ، فتقدم بينته لانه مدع بأحد تفاسير المدعي لانه يدعي ما ينافي الأصل ويضعف بأنه مدع وخارج بالإضافة إلى المولى المأذون كما ان الأخر أيضا مدع وخارج بالإضافة إليه ، ولا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل ودعوى الأخر تخالفه أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الأخر مدعيا وخارجا فترجح بينته ، وتقديم بينة مدعي الفساد إنما يكون حيث لا يقطع بكون الأخر مدعيا ؛ فأما إذا قطع به وأقاما بينتين ؛ فلا بد من الترجيح وهو ثابت في جانب مدعي الصحة ، ومن ذلك يعلم الحال بناء على خروج مولى المأذون أيضا واقام بينة فترجح حينئذ على بينة ذي الفساد بأصالة الصحة مع احتمال تقدمي مدعى الفساد هنا لكونه مدعيا حينئذ بالنسبة إليهما ، وعلى الأول يبقى الترجيح بين دعوى مولى المأذون وورثة الدافع. والله أعلم.

المسألة التاسعة روى ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « في الضعيف أنه إذا اشترى رجل من رجل عبدا أي موصوفا في الذمة وكان عنده عبدان ف دفع البائع إليه عبدين وقال : للمشتري اذهب بهما فصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختر أحدهما ورد الآخر ، وقد قبض المال فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده ، فقال عليه‌السلام ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما أعطى من المبيع ؛ ويذهب في طلب الغلام ؛ فان وجده اختار أيهما شاء ، ورد النصف الذي أخذ وإن لم يجده كان العبد بينهما ، نصف للبائع ، ونصف للمبتاع » وقد عمل بها الشيخ في نهايته وابن البراج بل في الروضة نسبة العمل إلى أتباعه ، بل في الدروس نسبته إلى الأكثر وإليه أشار المصنف بقوله قيل يكون التالف بينهما ويرتجع نصف الثمن فإن وجده اختار وإلا كان الموجود لهما وهو بناء على انحصار حقه فيهما وزاد في الدروس وعلى تساويهما في القيمة ومطابقتهما للوصف ؛ وعدم ضمان المشتري هنا ؛ لانه لا يزيد على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

٢٣٧

المبيع المعين الهالك في مدة الخيار فإنه من ضمان البائع ، وقد يشكل الأولين بأن المبيع أمر كلي لا يتشخص بتشخيص البائع ، ودفعه الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا وإن حصر الأمر فيهما ، لأصالة بقاء الحق في الذمة ، إلا أن يثبت شرعا كون ذلك كافيا كما لو حصره في عشرة فصاعدا ، وقد يدفع بأنه يكفي فيه دفع البائع ذلك بعنوان كون الحق فيه ورضا المشتري بذلك ، فقبضه على هذا ؛ فهو في الحقيقة كدفع المتحد وقبضه ؛ إلا أنه لما كان التحقيق الذي قد مر في المسألة الصاع من الصبرة ، أن الأصل عدم ملك الكلى المعين في غير الذمة ، وجب حينئذ تنزيل الكلي فيهما حينئذ على الإشاعة تخلصا من ذلك ، فملك المشتري حينئذ نصفا من كل منهما ، إلا أن له الخيرة في تعيين النصفين بواحد ، بل للبائع إلزامه بذلك ، باعتبار أنه هو الذي وقع عليه العقد ، فإذا أحدهما قبل التعيين كان مقتضى قاعدة الشركة كونهما منهما ، إلا أنهم حكموا بارتجاع النصف ، لعدم ضمان المشتري هنا ، لانه لا يزيد على المبيع المعين الهالك في مدة الخيار ، فلا أقل من أن يكون هذا الخيار كذلك ، أو ينزل على كون الإباق في الثلاثة ، بناء على إلحاق المدفوع مصداقا بما وقع عليه البيع من الحيوان ، أو لأنه باعتبار بقاء الخيار فيه كان كالمقبوض بالسوم بناء على أنه غير مضمون ، أو أنه وإن قلنا بضمانه الا انه فرق بينه وبين المقام كما ستعرف.

نعم قد يقال المتجه بناء على ذلك عدم الفرق بين التساوي في القيمة وعدمه ، وبين التطابق وعدمه ، بعد فرض الرضا منهما جميعا بانحصار الحق في المدفوع ، وإن كان ظاهر موضوع الخبر ذلك ، لكن الإنصاف أن جميع ذلك دعوى مخالفة لأصول المذهب وقواعده بلا شاهد معتبر حتى الخبر المزبور ، لعدم الجابر له ، وإذا لاكثرية لم نتحققها ، بل المتحقق خلافها فطرحه خير من تنزيله على ذلك ، أو على تساوى العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الاجزاء ؛ كما عن المختلف فجوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من الصبرة ، وينزل على الإشاعة إذ فيه أولا وضوح الفرق بين العبد والصاع‌

٢٣٨

لعدم إمكان تساويهما من كل وجه ؛ ولذا كان ضمانه لو تلف بقيمته لا مثله ، وثانيا منع التنزيل على الإشاعة في الصاع من المصبرة كما عرفت البحث في محله ؛ وثالثا أنه يحتاج أيضا في عدم ضمان المشتري فيه على هذا التقدير إلى ما عرفت مما هو محل للنظر بل المنع.

مضافا إلى إمكان دعوى صراحة الخبر المزبور في عدمه خصوصا ما في ذيله ، ومن هنا طرح الخبر غير واحد ، بل هو الذي استقر عليه رأي المتأخرين عدا النادر ؛ لعدم انطباقه على القواعد ، إذ المبيع إن فرض كليا موصوفا بوصف يرفع الجهالة مطبقا على كل من العبدين كما هو الظاهر ، ففي شرح الأستاد أن الحكم فيه بقاء التخيير بين قبول التالف ورد الباقي ، وبين قبول الباقي وغرامة قيمة التالف ، ثم احتمل قويا تارة ولم يستبعده أخرى إلزامه بالتالف ، لحصو التقاص قهرا وقد يناقش بأن الحق فيه مختلف ؛ لأن البائع مستحق عليه المشترى نفس العبد الموصوف ، وهو يستحق عليه قيمة العبد التالف ، فلم يحصل شرط التقاص القهري ، ومنه ينقدح حينئذ أن خياره بين قوبل التالف بمعنى رضاه بما للبائع من القيمة عوض ما يستحقه عليه من العلة لا أن المتجه اعتبار رضاهما معا بذلك ضرورة كونها معاملة جديدة فليس للبائع الاستقلال بذلك ولأعلى المشتري إجابته إليه وبالعكس كما هو واضح ، فالموافق للضوابط الذي صرح به غير واحد من الأصحاب ضمان المشتري واستحقاقه المبيع واليه أشار المصنف بقوله.

ولو قيل التالف مضمون بقيمته وله المطالبة بالعبد والثابت في الذمة كان حسنا نعم قد يناقش في الضمان لأن الأصل البراءة ، إذ الظاهر كونه في يده أمانة فلا يستعقب ضمان ، والقياس على المقبوض بالسوم بعد تسليم الحكم في المقيس عليه غير جائز في مذهبنا بل قد يفرق بينهما ، بأن المقبوض بالسوم مبيع بالقوة أو مجازا بما يول اليه وصحيح البيت وفاسده مضمون ، بخلاف صورة الفرض لان المقبوض ليس كذلك‌

٢٣٩

لوقوع البيع سابقا ، وإنما هو محض استيفاء حق.

وتدفع بمنع كون ذلك قياسا بل اتحاد طريق المسألتين وهو إطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) « على اليد » ‌المشترك بينهما ، ولا خصوصية له ، على أن المبيع لما كان أمرا كليا وكان كل من المدفوع صالحا لكونه فردا له كان في قوة المبيع ، بل دفعهما للتخير حصر له فيهما فيكون بمنزلة المبيع. حيث أنه منحصر فيهما ؛ فالحكم بالضمان هنا أولى كما هو واضح ، وإن فرض انطباقه على أحدهما فقط ، فان كان الموجود صح له أخذه وغرم قيمة التالف ، إلا مع التراضي مع الدافع بالمعاوضة ودفع الباقي إليهن وإن كان التالف ضمنه وطالب الدافع بالكلي ، بل قد يقال بتعينه حقا له لانه قد قبضه بعنوان الاستيفاء ، إلا أنه لم يكن متعينا باعتبار وجود الفرد الأخر ، فمع فرض انتفائه تعين هو للحق ، فتأمل جيدا.

وفي شرح الأستاذ جاز للدافع احتسابه عليه وأخذ الباقي ، بل لا يبعد لزوم ذلك بالتقاص القهري ، وللمدفوع إليه احتسابه على نفسه لجعل الاختيار إليه ، وفيه ما عرفت ، وإن فرض عدم انطباقهما معا ضمن قيمة التالف ودفع الباقي ، وطالب بما له الا مع التراضي المزبور ، وإن كان المبيع نصفا من العبدين مشاعا فيهما فالتالف مضمون نصفه عليه ، وعليه رد نصف الباقي ، فلا ينطبق الخبر حينئذ على شي‌ء من ذلك إلا على ما سمعته من التكلفات السابقة ، التي يرجح الطرح عليها ، وتنزيل الخبر على كون المبيع مجهولا لتردده بين العبدين المدفوعين يقضى بضمان التالف بالقيمة ، أو المسمى ورد الباقي ، لبطلان العقد حينئذ كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ؛ بل هي كذلك ، وإليه أشار المصنف بقوله.

وأما لو اشترى عبدا من عبدين لم يصح العقد وفيه قول موهوم وفي السرائر بعد أن حكى ما في النهاية الذي هو مضمون الخبر السابق ، قال : ما ذكره شيخنا في‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ كنز العمال ج ٥ ص ٥٢٧.

٢٤٠