جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أوطاس استبرؤا سباياكم بحيضة » ‌متمما بعدم القول بالفصل وكذا بالنسبة إلى البائع فيلحق به حينئذ الواهب والمصالح وغيرهما ، ولو كان العقد موقوفا على الإجازة تعلق الحكم بها فيتوقف إيقاعها عليه ، قيل : ويختلف حال الكشف والنقل هنا ، في بعض الأحوال.

وعلى كل حال فلو وطأها قبل الاستبراء عامدا أو غافلا لحق به الولد على ما صرح به غير واحد ، لأنها فراشه حينئذ ، وقد يحتمل بقاء فراش الأول تمام مدة الاستبراء كما يومي إليه الحكم بكون المالك زانيا فيما سمعته سابقا من النص ، وعليه ينجه عدم سقوط وجوب الاستبراء عنه بعد الوطء بل احتمل وجوبه على الأول : لإطلاق الأدلة ، وفيه أنه لا فائدة له حينئذ ، ويمكن منع شمول الإطلاق له ، فتأمل.

وفي شرح الأستاد « أنه يقوى عدم السقوط مع العزل وعدم الامناء أو الوطء قبل البلوغ فبلغ قبل انقضاء المدة » وهو جيد ، وفيه أيضا « انه لو وطئ أحد الشريكين لم يبعد سقوط الاستبراء في منقوص الوطء لو اشترى حصة شريكه ولعله للحوق الولد به ؛ فاستبراء عليه من احتمال وطئ الشريك ؛ ولو أراد الشريك شراء حصة الواطئ فقد يقال : إن المتجه عدم الاستبراء إذا كان زنا ، وإن لحق به الولد وإلا اتجه الاستبراء لكن التصريح في النص بعدم جواز الشراء حتى يحصل الاستبراء فلاحظ. وتأمل هذا.

وقد ينزل على ما سمعته في أصل المسألة‌ خبر الصيقل (١) قال : « سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : وقد سئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها قال : بئس ما صنع يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإن باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ، ولا استبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام الولد للفراش وللعاهر الحجر » ‌فإن أرادته الأخير هذا ، والذي يقتضيه أصول المذهب وقواعده عدم الفرق بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

٢٠١

الجارية مدة الاستبراء وغيرها ، في كون التلف من البائع إذا لم يقبضها المشتري وإلا كان منه إذا لم يكن مختصا بالخيار ، فما عن المفيد والنهاية من إطلاق كون التلف من البائع إذا تلفت معزولة عند انسان للاستبراء في غير محله ، إلا أن ينزل على عدم وكالة الإنسان عن المشتري في القبض ، وكذا مع عنهما وابن حمزة والفاضل في بعض كتبه من أن النفقة مدة الاستبراء على البائع ، إذ المعهود منها تبعيتها للملك ، فالمتجه كونها على المشتري حتى لو وضعت على ذي عدل ؛ خلافا للمحكي عن الفاضل فجعلها على البائع معه والله أعلم.

وكيف كان ف يسقط استبراؤها بالعلم ببراءة الرحم ، بل لا موضوع له حينئذ وإذا أخبر الثقة أنه استبرأها أو لم يطأها على المشهور ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، للمعتبرة المستفيضة المحمول مطلقها ـ كقول العبد الصالح عليه‌السلام في خبر محمد بن حكيم (١) « إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها » ‌ـ على مقيدة بالوثاقة ، كحسن حفص البختري (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول إنى لم أطأها فقال : إن وثق به فلا بأس أن يأتيها » ‌وكصحيح أبى بصير (٣) « قلت للصادق عليه‌السلام الرجل يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها أنه لم يسمها منذ حاضت؟ فقال : إن ائتمنه فليسمها » ‌

كقوله عليه‌السلام في خبر ابن سنان (٤) « إن كان عندك أمينا فسمها » ‌و‌في المقنعة روي (٥) « أنه لا بأس للإنسان أن يطأ الجارية من غير استبراء لها إذا كان بائعها قد أخبره باستبرائها وكان صادقا في ظاهره مأمونا » ‌لكن‌ قال : ابن سنان (٦) للصادق عليه‌السلام « أفرأيت ان ابتاع الجارية وهي طاهر وزعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت؟ فقال : إن كان عدلا أمينا فسمها ، وقال : إن ذا الأمر شديد‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ ـ ١ ـ ٤ ـ ٢ ـ ٦ ـ ٢

٢٠٢

فإن كنت لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها » ‌وعن بعضهم أنه حمله على كونه أمينا بحسب الظاهر ، لا المعاشرة ، ولعل حمله على الندب أولى.

وعلى كل حال فظاهر النص والفتوى اعتبار كون المخبر ، البائع مع ذلك ، لكن في شرح الأستاد أنه يسقط الاستبراء بشهادة عدلين وبإخبار ولي المشتري أو لكن في شرح الأستاد أنه يسقط الاستبراء بشهادة عدلين وبإخبار ولي المشتري أو وكيله وإن لم يكونا ثقتين ، وكذا لو أخبر الثقة ذكرا كان أولا ، مالكا كان أولا ، بالاستبراء كما ينسب إلى الأكثر ، ويظهر نقل الإجماع فيه للأصل الجاري على بعض الوجوه وللأخبار وهو كما ترى ، وعليه فرع أنه لو تعارض خبر الثقتين وأحدهما مالك احتمل ترجيحه ، وترجيح خبر المثبت أو النافي ، ثم قال : ولو اختلف الشركاء فيها أخذنا بالترجيح ، كما لو اختلف الخارجون ومع التساوي يلزم الاستبراء هذا.

وفي أكثر العبارات الثقة كالمتن ، وفي بعض منها العدل ، وفي جامع المقاصد أنه المراد من الثقة. لأن غير العدل لا يعد ثقة ، وفي الأخبار اعتبار وثوق المشتري ، ولا ريب أنه لا يتحقق الوثوق غالبا بدون العدالة ، واحتمل ثاني الشهيدين الاكتفاء بمن تسكن إليه النفس ، وتثق بخبره ، بل جزم به بعض متأخري المتأخرين لخلو النصوص عن اعتبار الثقة بمعنى العدل ، سوى ما‌ عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (١) الذي لم تثبت حجيته ، قال : « إن كان البائع ثقة وذكر أنه استبرأها جاز نكاحها من وقته ، وإن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة ».

وفيه أنه يمكن أن يكون ما في النصوص من الموثوق ولأمانه إشارة إليه ، مضافا إلى ما سمعته من خبر ابن سنان ، وظاهر الأستاد في شرحه الفرق بين الوثاقة والعدالة فقال : « وفي الاكتفاء بمجرد الوثاقة كما في ظاهر الأكثر ويظهر من أكثر الأخبار للتعبير بلفظها في بعضها ، وبالأمانة منفردة أو مع قيد الصدق في بعض آخر منها وجه قريب ، واعتبارها بشرط العدالة كما صرح به بعض ، لان الظاهر‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٦.

٢٠٣

من إطلاق الوثاقة دخول العدالة فيها أقرب ، وأما الاكتفاء بمجرد العدالة كما يظهر من إطلاق آخرين فبعيد ، ويمكن إرادة الوثاقة منها والاجتزاء بذكرها عنها » وفيه ما قد عرفت من أن ظاهر الفتاوى اتحاد المراد منهما ؛ وأما النصوص فتحتمل ذلك ؛ وتحتمل إرادة من تسكن إليه النفس ، والأول أولى فاحتمال إرادة أمر زائد على العدالة بعيد عن النص والفتوى.

وعلى كل حال ففيه أيضا أنه لو أخبر عدل وفسق قبل الوطء عول عليه ، بخلاف العكس ، إلا أن يعيد الخبر ولو وطئ اعتمادا على الخبر فعدل أو خرج عن العدالة فلا استبراء ، ولو كذب في دعوى الاستبراء ثم ظهر الحمل منه ردت إليه ورجع المشتري بالثمن وكل غرامة غرمها ، أما لو علم بكذبه فأقدم رجع بالثمن مع بقائه وفي الرجوع به مع التلف وبالغرامة وجهان ، ومع العلم بفسقه وعدم المعذورية شرعا يضعف احتمال عدم الرجوع وإن عصى في وطئه ، وفي اعتبار خبر الأمة مع الوثاقة وجهان ، أقواهما القبول ، وهو جيد في البعض ، لا يخلو من نظر في الأخر.

وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك ضعف ما عن ابن إدريس وفخر الدين من وجوب الاستبراء وإن أخبر الثقة ، لنصوص ما بين قاصرة السند أو ضعيفة الدلالة ، أو مخالفة للمجمع عليه في الظاهر ، كصحيح الحيضتين (١) المتقدم سابقا وكصحيح الحلبي (٢) المحمول كما عرفت على عدم أمانة المخبر أو على الاستبراء من وطئ غير المالك ، وأما‌ الخبر (٣) « أشترى الجارية من الرجل المأمون فيخبر في أنه لم يمسها منذ طمثت عنده وطهرت؟ فقال : ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة » ‌فيجب حمله على الندب الذي أشعرت به بعض النصوص السابقة بل أو يطرح لقصوره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٥.

٢٠٤

عن المعارضة من وجوه لاتخفى ، كما أنه قد ظهر لك أيضا مما ذكرنا من النصوص أنه لا فرق في الاخبار بين كونه بعدم الوطء الموافق للأصل وبالاستبراء المخالف له ، لا انها تضمنت الأول خاصة ، والحق الثاني به ، حتى يتجه ما يقال من وضوح الفرق بينهما ، والله أعلم.

وكذا يسقط استبراؤها عن المشتري لو كانت الجارية لامرأة على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة ، للأصل والمعتبرة المستفيضة منها‌ الصحيح (١) « عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس أن يطأها من قبل أن يستبرأها » ‌ونحوه الموثق كالصحيح بل قيل أنه صحيح ، و‌في صحيح زرارة (٢) « اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد فوقعت عليها ولم استبرئها ، فسألت عن ذلك أبا جعفر عليه‌السلام فقال : هو ذا ، أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود ».

نعم في الرياض أنه ربما يستشعر منه أشراط الحكم هنا بعدم معلومية وطئ في ملك الامرأة بتحليل ونحوه بل مطلقا ومقتضاه وجوب الاستبراء عند عدم الشرط ولعله كذلك ويعضده انسحاب وجه الحكمة هنا أيضا إلا أن مقتضاه الاكتفاء باحتمال الوطء لا اشتراط العلم به ، ولا ريب أنه أحوط إذا لم تخير بعدم الوطء بل مطلقا كما عن الحلي وفخر المحققين ، وإن كان في تعيينه نظر لإطلاق الصحيحين الأولين المعتضدين بالأصلين ، وبإطلاق الفتاوى فيقيد بهما الحكمة إن عمت ، مع أن عمومها محل نظر ، لاحتمال الخوف الذي هو الأصل فيها الغالب في الشراء من الرجل ، لا مطلقه ، وينبغي القطع باشتراط عدم المعلومية التقاتا إلى الحكمة ، وعليه ينزل الإطلاقات ويفرق حينئذ بين الشراء منها ومن الرجل بوجوب الاستبراء في الثاني مطلقا إلا مع أعلم ، أو ما في حكمه بعدم الوطء أصلا ، وعدمه‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١ ـ ٢

٢٠٥

في الأول كذلك إلا مع العلم بدخول المحترم أو المطلق ، وهو الأقوى ».

قلت لا بأس بتنزيل إطلاق النص والفتوى على ذلك ، لخوف لزوم الفساد باختلاط الأنساب الذي هو الحكمة في وضع العدد والاستبراء ؛ كما استفيد من تتبع الاخبار وكلام الأصحاب في تضاعيف الأبواب ، لكن قد يقال أن المتيقن من تقيدهما إذا علم حصول وطئ محترم لم يتعقبه حيض ، وإلا فالعلم بالتزويج أو التحليل أو نحو ذلك أعم منه ، والأصل براءة الذمة من الاستبراء ، مضافا إلى إطلاق النص وليس في صحيح زرارة ما يصلح للتقييد.

نعم قد يقال بملاحظة كلامهم في باب النكاح أنه من المعلوم وجوب العدة أو الاستبراء لكل سبب مزيل للنكاح ، وإن كان باختيار المشتري الفسخ فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فيلحق بها كل من لا قابلية له للوطء لصغر أو كبر أوجب أو عنن أو عروض مرض ، لا للقياس الباطل في مذهبنا ، بل لما عرفت من اشتراط الاستبراء بالعلم بوطئ المالك ، أو احتماله أو العلم بوطئ محترم من غيره لم يتعقبه حيض مثلا ولو بالاستصحاب ، فما في المسالك « من أن المناسب للأصول الشرعية عدم الإلحاق » في غير محله ، خصوصا بعد قوله فيها : « وليس من مواضع الاشكال ما لو باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ ، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا ، للعلم بعدم وطئ البائع ثم قال : وقد يحتال لسقوط الاستبراء ببيعها لامرأة ثم شراؤها منها ، لاندراجها حينئذ في أمة المرأة نظرا إلى إطلاق النص من غير تعليل ، وكذا لو باعها لرجل ثم اشتراها منه قبل وطئه لها ، حيث يجوز ذلك ».

وقد تبع في بعض ذلك الكركي في مجامعة فإنه قال : « وقد يحتال لإسقاط وجوب الاستبراء في غير حديث ، ومنها ـ بيعها من امرأة ثم شراؤها منها ـ لاندراجها في أمة المرأة ، ولو ألحقنا بالمرأة غيرها كالطفل أمكن ذلك. ولو باعها لرجل ثم اشتراها‌

٢٠٦

منه حيث يجوز ، أمكن الحكم بالسقوط أيضا ، ومنها ـ ما لو زوجها فطلقها الزوج قبل الدخول فإنها مطلقة غير مدخول بها ، فلا عدة ولا استبراء عليها ، وما كان واجبا قبل ذلك فقد سقط بالعقد عليها ، مع احتمال بقاء الوجوب هنا ، نعم لو باعها لغيره ثم تزوجها منه أو ألحه وطأها فإنه لا استبراء هنا ، لان النكاح لا يجب الاستبراء قبله ، إلا أن يعلم الوطء ، ولهذا لو أعتقها جاز أن يتزوجها في الحال ، فلو شراها حينئذ فلا استبراء ، لما عرفت من أن السابق قد سقط ، واللاحق لا يقتضي وجوب الاستبراء حينئذ ، وهذا وجه قوي ، ويكون هذا من المواضع التي يسقط فيها الاستبراء »

قلت : ولكن يبغى أن يعلم أولا أن ذلك كله إلا لم يعلم بالوطي المحترم الذي يجب الاستبراء منه ، وإلا فلا حيلة لإسقاطه على الظاهر ، كما أومى إليه الفاضل المزبور في حيلة التزويج ، وإن كان مقتضى بعض إطلاقات الحيل المزبورة سقوطه ، إلا أنه لا بد من تقييده ، لما عرفت من اختلاط الأنساب ، كما أنه يبغى أن يعلم أن الاستبراء الواجب على المشتري ولو باحتمال وطئ المالك إنما هو للوطء ، أما البيع ونحوه فلا يجب الاستبراء له عليه ، فيجوز له حينئذ بيعها قبله ، فإذا باعها من الامرأة أو الرجل ثم شراها منه في المجلس مثلا سقط الاستبراء الاحتمالى عنه ، لاحتياج عود وجوبه عليه إلى دليل.

لكن ومع ذلك ففي النفس منه شي‌ء خصوصا في أمر الفروج المأمور بشدة الاحتياط فيها ، مخافة اختلاط الأنساب ، بل قد يقال : إن السقوط من جهة صدق كونها جارية امرأة لا ينافي الثبوت من حيثية أخرى ، وهي أنها جارية قد اشتريت ممن يجب استبراؤها منه لاحتمال الوطء ، بل نحو ذلك يجري أيضا في باقي الحيل ، وإن اختلف قوة وضعفا ، بل ربما كان في بعضها من تعارض العموم من وجه فتأمل جيدا. وطريق الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة غير خفي ، وتسمع إنشاء الله في كتاب النكاح جملة من الكلام في ذلك ، والله أعلم.

وبالجملة يسقط استبراؤها بذلك أو كانت في سن من لا تحيض لصغر‌

٢٠٧

فلم تبلغ التسع أول كبر بلغت حد اليأس ، بلا خلاف أجده في شي‌ء منهما ، وقد‌ سأل عبد الرحمن (١) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ حد الحيض أو لم تحض؟ فقال : لا عدة عليها » ‌الحديث ، و‌قال له أيضا عبد الله بن عمر (٢) « الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك ، أو قد يئست من المحيض؟ فقال : لا بأس بها أن لا يستبرأها » ‌ونحوه رواه الصدوق (٣) مرسلا عن الباقر عليه‌السلام ؛ وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (٤) « في رجل ابتاع جارية لم تطمث إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحمل فليس عليها عدة فليطأها ؛ إن شاء » ‌وقال أيضا‌ في خبر ابن أبى يعفور (٥) « في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحمل ان اشتراها الرجل ليس عليها عدة يقع عليها » ‌والمراد من التي لم تبلغ الحيض ويخاف عليها‌ في خبري ربيع ابن القاسم (٦) ومنصور بن حازم (٧) « الذي أمر فيهما بالاستبراء بالمدة من بلغت تسعا ، ولكن لم تبلغ المعتاد من زمن الحيض ، فان مثلها تستبرئ بالمدة » ‌كما في الخبرين المزبورين ، إذ المراد بالصغيرة عندنا من لم تبلغ ذلك خلافا لبعض متأخري المتأخرين فمن لم تبلغ الحيض عادة ، والنص والفتوى بخلافه ، كما تسمعه في باب العدد وغيرها من محاله ، كما أن المراد ممن لم تخص أو قعدت عن الحيض‌ في خبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٨) عن الصادق عليه‌السلام ، « من كانت في سن من تحيض ولم تحض ، قال : فيه « في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها قال : خمس وأربعون ليلة » ‌وإن كان المراد في خبره السابق الصغيرة واليائسة ، فلا تنافي حينئذ بين النصوص ، بناء على ما ذكرنا.

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٤ ـ ٨

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١٠ ـ ١

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣ ـ ٧

(٧) و (٨) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢ ـ ٦

٢٠٨

نعم قد يستشكل في النصوص السابقة بظهورها في جواز وطئ الصغيرة وهو معلوم البطلان ، بناء على تفسير الصغيرة بما ذكرنا ، ويدفع بمنع ظهورها في ذلك ، بل يمكن حملها على إرادة أنها صغيرة عند البائع ثم بلغت عند المشتري ، ولا مانع من حيث الاستبراء ، أو يراد لا استبراء عليها ، وإن وطأها البائع محرما أو غير ذلك ، مما يمكن تنزيلها عليه ، كما أنه قد يستشكل في خصوص مضمر سماعة (١) الذي هو ما‌ في صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في جارية لم تحض قال أمرها شديد ، غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى تستبين له إن كان بها حبل ، قلت : وفي كم تستبين له حبل؟ قال : في خمسة وأربعين ليلة » ‌؛ لأن قوله فيهما « لم تحض » إما أن يراد به الكتابة عن الصغيرة ، أو البالغة ولكن لم تحض فعلا ، والأولى لا يجوز وطؤها ولو مع عدم الإنزال ، كالثانية قبل الاستبراء بالمدة.

ويمكن دفعه بأن المراد عدم الوطء في الفرج من عدم الانزال ، وشدة الأمر حينئذ باعتبار عسر الصبر في هذه المدة ، أو بما في الحدائق من أن المراد أنه اشترى الجارية بعد افتضاضها وزوال بكارتها ولكن في ظنه أنها لم تبلغ سيما مع عدم طمثها فقال عليه‌السلام : « إن هذه باعتبار عدم معلومية البلوغ وعدمه محل إشكال ، وأمرها شديد » سيما إذا كانت مثلها ومن هي في قدر جثتها وصورتها يحصل له الحمل ، فالواجب الاستبراء كما أومى إليه قال : خبر منصور وغيره في التي لم تبلغ الحيض ولكن يخاف عليها إذا كانت بهذه الكيفية ، فيكون المراد من قوله لم تحض عدم العلم بالبلوغ بالحيض ، وإن كانت للبلوغ بالسن محتملة ، وشدة الأمر حينئذ من حيث أصالة عدم البلوغ ، ومن حيث خوف الحمل فالذي ينبغي حينئذ استبراؤها ، فإن أتاها فالذي ينبغي له العزل عنها ، لكنه كما ترى فيه ما فيه ، ويمكن أن يراد ممن لم تحض فيه البالغة عددا لكنها لم تبلغ الحيض ؛ وشدة أمرها باعتبار عدم الحيض ؛ وهذه وإن كان الواجب استبراؤها بالمدة ، إلا أنه لو أثم وأتاها ينبغي أن يعزل عنها مخافة اختلاط الأنساب فتأمل جيدا والله أعلم.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١ وذيله.

٢٠٩

أو كانت الأمة المشتراة مثلا حائضا فإنه يسقط استبراؤها فيجوز له وطؤها إلا زمان حيضها على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا شهرة عظيمة فيكتفى في جواز وطئها بإتمام حيضها ؛ كما عن الخلاف الإجماع عليه ، لا لان ذلك استبراؤها ، بل لعدم جواز الوطء حال الحيض ؛ و‌في موثق سماعة (١) « سألته عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة فقال : بل تكفيه هذه الحيضة ، فإن استبرأها بحيضة أخرى فلا بأس هي بمنزل فضل » ‌و‌في صحيح الحلبي (٢) « سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية وهي حائض فقال إذا طهرت فليسمها إن شاء ».

خلافا لابن إدريس فلم يكتف بإتمام الحيضة ، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص بل والاعتبار ، ضرورة أنه إذا كان الاستبراء يحصل بالحيضة فمع فرض أنه اشتراها حائضا قد علم بذلك براءة رحمها ، فهي كالجارية التي علم أن البائع قد استبرأها أو لم بطأها كما هو واضح ، هذا وفي النافع يجب على البائع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة ومزجها في الرياض فقال واحدة إن لم تبع في أثنائها وإلا فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى.

وفيه أن خلاف ابن إدريس في المشتري على الظاهر ، ولعل قوله على الأشهر الأقوى راجع الى الاتحاد ، فان المحكي عنه اعتبار التعدد ، فلاحظ وتأمل.

نعم قد يستشكل في الاكتفاء بإتمام الحيضة إذا وقع الوطء من المالك في أثناء الحيض عصيانا ، اللهم إلا أن يقال : إن إطلاق ما دل على الاكتفاء وإن كان منصرفا إلى غير الفرض ، لكن قد يمنع شمول ما دل على الاستبراء لنحوه أيضا ، فيبقى على أصل البراءة فتأمل والاحتياط لا ينبغي تركه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

٢١٠

أو حاملا أي وكذا يسقط استبراؤها إذا كانت حاملا ، ضرورة معلومية مشغوليتها بالحمل ، ولا فائدة للاستبراء المفسر بترك الوطء حتى يتبين حالها. نعم لو فسر بترك الوطء حتى يبرء رحمها مما اشتغل به من ماء أو حمل ، أمكن القول بأن ترك الوطء للحامل حينئذ حتى تضع أو إلى مضي المدة كما ستعرف الخلاف فيه للاستبراء بهذا المعنى ، ولعل مراد المصنف وغيره ممن أسقطه عنها بالاستبراء ما ذكرناه أولا ولذا قال :

نعم لا يجوز وطئ الجارية الحامل قبلا بما يسمى وطيا فيه عرفا ، إلا أن يكون من الافراد النادرة الي لا ينصرف إليها الإطلاق بل لولا ظهور الفتاوى في الإطلاق لأمكن دعوى إرادة المشتمل منه على الامناء من النصوص ، ولا فرق في الحامل بين أن يكون حملها بحر أو مملوك أو مبعض ، قبل أن يمضي لحملها أربعة أشهر وعشرة أيام وفاقا للمقنعة والنهاية والوسيلة والكافي والمنافع والمفاتيح والغنية إلا بشرط العزل ، والإرشاد والتحرير والإيضاح وإيضاح النافع والمفاتيح والغنية إلا بشرط العزل ، والإرشاد ولتحرير وو الإيضاح وإيضاح النافع والمسالك في الجملة على ما حكي عن بعضها ، وإن اختلفت في التقييد وفي القبل وعدمه.

فترك في السنة الأول ، ولعله مراد له وفي زيادة العشرة وعدمها ، فتركت في الأول والرابع والخامس والسابع ، بل في الدروس المشهور أنه يستبرئها بأربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا عن القبل لا غير ، وفي ظاهر الغنية الإجماع على ما فيها وفي الرياض لا ريب في الحمرة قبل انقضاء هذه المدة ، للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة المعتضدة بالشهر العظيمة ، بل ظاهر المصنف والأكثر ، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين الزنا وغيره بل لا أجد خلافا في التحريم فيها إلا من الشيخ في الخلاف عليها ، ومن الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما في خصوص الحمل من الزنا ، فالكراهة فيها أيضا ، وربما الحق المجهول به لكن ليس في شي‌ء مما وصل‌

٢١١

إلينا من نصوص المسألة إشارة إلى الفرق بين لا زنا وغيره ، فضال معن المجهول ، بل ربما كان ظاهرها خلافه ، خصوصا ترك الاستفصال مع انصراف الحمل إلى النكاح الصحيح كما في سائر أفعال المسلمين ، وعدم الحرمة لمائه انما هو بالنسبة إلى إلحاق الولد الصحيح كما في سائر أفعال المسلمين ، وعدم الحرمة لمائه انما هو بالنسبة إلى إلحاق الولد وعدمه.لا بالنسبة إلى وطئ من علم حملها منه ، المعلل بتغذية الولد ونحوه ، ودعوى أن المعهود من الشرع إلغاء اعتبار الزنا في العدة والاستبراء يمكن تسليمها في غير المقام وغيره ممن نفى الاستبراء عن الحمل بل منع في الحدائق عدم العدة والاستبراء للزنا محتاج بخبر حريز (١) « قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يفجر بالامرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور ، فله أن يتزوجها وانما يجوز له تزويجها بعد الوقوف على توبتها » ‌و‌ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (٢) فقال : « يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إن لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت معه ، ثم يتزوج بها إذا أراد ، فإن مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا » ‌وإطلاق ما دل على وجوب العدة والغسل والمهر والرجم بالدخول ، وأن العدة من الماء وإن كان هو كما ترى ، بل ينبغي الجزم بإرادة لندب من الخبر الأول ؛ إذ لا استبراء عليه من ماء بل والخبر الثاني خصوصا بعد استفاضة النصوص بإطلاق جواز تزويج الزانية.

نعم قد يقال في خصوص المقام بحرمة الوطء وإن كان الحمل من زنا ، لا للعدة والاستبراء ، بل لا طلاق النصوص ، وعدم إشعار شي‌ء منها به ، كما أنه قد يقال إن ظاهرها مجهولة حال الحمل على وجه لم يعلم كونها من ذات العدة بالوضع ، كالمطلقة ونحوها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصهرة ونحوها الحديث ـ ٤.

(٢) تحف العقول ص ٣٣٨ المطبوع بالنجف الأشرف سنة ١٣٨٥.

٢١٢

أو من غيرها كالحامل من زنا ؛ بناء على عدم العدة له بذلك ، والمساحقة ونحوها ، إذ المعلوم عدم كونها من ذوات العدد بالوضع وإنما هي من ذوات الاستبراء المفروض سقوطه بالحمل ، بل لعل ذلك هو الغالب في الإماء ، وحينئذ يتجه جريان الأقوال المزبورة للنصوص ، وأما إذا علم حال حملها وكونه عن وطئ صحيح تعقبه طلاق أو فسخ أو نحو ذلك ، أو غير صحيح كالزنا مثلا وقلنا بعدم الحرمة لمائه ، فهو على حكمه بالنسبة إلى كل فرد ، لا أن المراد من النصوص الإطلاق الشامل للمطلقة مثلا ونحوها مما كان عدتها الوضع ، ضرورة إمكان تحصيل الإجماع على خلاف ذلك ، كما يظهر لك الحال بأدنى ملاحظة لكلامهم في العدد ، مضافا إلى إطلاق الآية والنصوص فلاحظ وتأمل جيدا ، فان هذا هو التحقيق في المسألة.

وهذا الحكم مختص ـ بالأمة المشتراة التي كان حكمها الاستبراء ، وسقط بالحمل ، كما عساه الظاهر من المصنف وغيره مع إلحاق غير الشراء من أسباب الملك الاختيارية والقهرية ، كما هو مقتضى كلامهم في أصل موضوع المسألة ، وعدمه جمودا على مقتضى النص المفصل ـ أو انه شامل لكل جارية حامل مجهولة الحال أو معلوم أنها من غير ذات العدة بالوضع ، فيندرج فيه أمة السيد لو حملت كذلك ، كما عساه يظهر من إطلاق العنوان في بعض العبارات وجهان ، من أصالة الجواز بعد عدم معلومية سبب التحريم ، ومن إطلاق النهي عن وطئ الحلبي حتى تضع ، لا يخلو أولهما من قوة ، فحمل صحيح رفاعة ـ (١) المقيد فيه بالأربعة أشهر وعشرة أيام عليه مرادا من النهي فيه في المدة الكراهة ، وبعدها لا كراهة ، أو مرادا منه الحرمة وبعدها لا حرمة ؛ بخلاف الحمل من غيره فإنه محرم إلى حال الوضع ـ لا شاهد له سوى دعوى معلومية عدم احترام ماء الزاني.

وفيه أن المقام يمكن أن لا يكون من الاحترام ، على أن مثله يرد بناء على إرادة الحرمة من النهي في الصحيح المزبور ، فلا ريب حينئذ في ضعف القولين معا كضعف القول بحرمة الوطء إلى حال الوضع مطلقا ، تمسكا بإطلاق النصوص كموثق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣.

٢١٣

إسحاق بن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى أيقع عليها؟ قال : لا » ‌و‌قوله عليه‌السلام أيضا في موثق مسعدة (٢) « يحرم من الإماء عشر ، لا تجمع بين الام والبنت ، ولا بين الأختين ، ولا أمتك وهي حبلى من غيرك حتى تضع » ‌كقوله أيضا‌ في خبر مسمع بن كردين (٣) « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عشر لا يحل نكاحهن ولا غشيانهن ، أمتك وأمها ، إلى أن قال ، وأمتك إن وطئت حتى تستبرئ بحيضة ، وأمتك وهي حبلى من غيرك » الحديث.

و‌في المروي عن العيون مسندا إلى الرضا عن آبائه عليهم‌السلام (٤) « قال : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن وطئ الحبلى حتى يضعن » ‌و‌عن قرب الاسناد عن إبراهيم بن عبد الحميد (٥) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها قال : لا ، قلت : من دون الفرج؟ قال : لا يقربها » وفي‌ خبر محمد بن قيس (٦) « عن أبى جعفر عليه‌السلام في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى؟ قال : لا يقربها حتى تضع ولدها » ‌و‌خبر ابى بصير (٧) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يشتري الجارية وهي حامل ما يحل له منها؟ قال : ما دون الفرج » ‌إلى غير ذلك من النصوص المطلقة والمقيدة بالوضع مضافا إلى آية (٨) « أولي ( الْأَحْمالِ ) » المرجحة على آية الملك (٩) في‌ صحيح رفاعة (١٠) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الأمة الحبلى يشتريها الرجل فقال : سئل أبي عن ذلك فقال : أحلتها آية وحرمتها آية أخرى ، فأنا ناه عنها نفسي وولدي ، فقال الرجل : أنا أرجو أن انتهى إذا نهيت نفسك وولدك » ‌إذ النهي حقيقة في التحريم ، وكان الذي دعاه إلى هذا التعبير والنسبة إلى أبيه التقية كما قيل ؛ فإنهم كانوا يرون الجواز فلم يمكنه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٦ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٧ ـ ٨ ـ ١

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٣.

(٨) سورة الطلاق الآية ـ ٣.

(٩) سورة المؤمنون الآية ـ ٦.

(١٠) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

٢١٤

التعبير عنه صريحا.

وإلى الإجماع المحكي عن شرح الإرشاد للفخر على ذلك في غير الزنا ، بل ظاهر غيره أن ذلك من المفروغ منه ، وأنه من المسلمات التي لا يعتريها الشك ، وأنه لذلك حمل صحيح المدة (١) على الزنا ، لعدم إمكان الحمل في غيره ، وإلى معلومية حرمة وطئ الحامل في غير المقام ، في طلاق ووفاة وغيرهما مما يكشف أن لذي الحمل تعلقا بالرحم ما دام مشغولا بالحمل ، ومن هنا لم يجعل أجلا دونه إلى غير ذلك.

إذ فيه أنه مستلزم لطرح صحيح رفاعة المعمول به بين الأصحاب في الجملة كما اعترف به فخر المحققين وغيره بلا مقتض ، أو تأويله من دون شاهد ، قال على‌ ما رواه في التهذيب (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : أشترى الجارية فتمكث عندي الأشهر لا تطمث ، وليس ذلك عن كبر فأريها النساء فيقلن ليس بها حمل ، فلي أن أنكحها في فرجها؟ فقال : إن الطمث قد يحبسه الريح من غير حبل ، فلا بأس أن تمسها في الفرج قلت : فان كانت حبلى فما لي منها؟ فقال : لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج. قلت : إن المغيرة وأصحابه يقولون لا ينبغي للرجل أن ينكح امرأته وهي حامل وقد استبان حملها حتى تضع فتغذو ولده قال : فقال : هذا من أفعال اليهود » ‌فلا بأس بتأييد الإطلاق المتقدم به ؛ كما أنه لا بأس بالجمع بينه وبين نصوص الوضع ، بجعل الغاية أحدهما ، كما هو متقضى الأمر بهما. واعتضاد نصوص الوضع بالأصل وإطلاق النهي السابق ، وبظاهر صحيح رفاعة السابق (٣) من حيث دلالته على انحصار الأمر بين الإباحة المطلقة ؛ كما دلت عليه الآية الأولى ، أي آية الملك ، (٤) أو الحرمة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٨ الحديث ١٨٧٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

(٤) سورة المؤمنون الآية ـ ٤.

٢١٥

كذلك ، كما صرحت به الثانية (١).

وحيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلة السابقة تعين ترجيح الآية وهي في الحرمة إلى الوضع صريحة ، ولا آية هنا تدل على التفصيل بين المدتين ، بالبديهة لا يمنع من الجمع المزبور بعد الإغضاء عن جريان الأصل المعلوم قطعه بآية الملك ؛ والصحيح ظاهر في ترجيح آية الملك ، وأن المراد من النهي الكراهة ، بل يمكن دعوى ظهور آية الحمل في غير المقام من ذوات العدد ، فلا ريب حينئذ في أن مقتضى أصول المذهب الجمع بين النصوص بما عرفت ، وأن المطلق منها يقيد بذلك.

وما يقال ـ من أن التقييد فرع المقاومة ، وليس لقصوره عددا عن ذلك ، مع بعد التقييد فإن أظهر أفراد الحبلى من استبان حملها ، وليس إلا بعد انقضاء المدة المزبورة ـ مدفوع بأن كثرة عدد المطلق لا تنافي تقييده بالمتحد المعمول به بين الأصحاب ، ويمنع كون الأظهر ذلك بحيث ينصرف إليه الإطلاق ، وخلو الصحيح ـ عن زيادة التقييد بالأربعة وعشر في الكافي ـ غير قادح ، كما أن اختلاف عبارات الأصحاب من حيث التقييد بالعشر وعدمه كذلك ، ضرورة كون الصحيح المزبور حجة على تارك التقييد فلا ريب في رجحان هذا القول على غيره.

نعم لو لا الشهرة العظيمة والإجماع المحكي لكان القول بالكراهة كما سمعته من الشيخ وابن إدريس في غاية القوة لظهور صحيح رفاعة (٢) السابق فيها و‌الخبر (٣) « ما أحب للرجل المسلم أن يأتي الجارية الحبلى قد حبلت من غيره » ‌الى آخره وترك النهي عنه‌ في خبر السكوني (٤) عن الصادق عليه‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على رجل من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف فسأل عنها ، فقال : اشتريتها يا رسول الله‌

__________________

(١) سورة الطلاق الآية ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء في ذيل الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣.

٢١٦

و بها هذا الحبل ، قال : أقربتها؟ قال : نعم قال : أعتق ما في بطنها ، قال : يا رسول الله وبما استحق العتق؟ قال : لان نطفتك أغذت سمعه وبصره ولحمه ودمه » ‌بل التعليل فيه ظاهر في الكراهة ، وأن المراد من النهي في غيره للإرشاد ، لانه بالوطي يرجح له أو يتعين عليه عتق الولد ، بل‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث (١) « من جامع أمة حبلى من غيره فعليه أن يعتق ولدها ولا يسترق ، لانه شارك فيه الماء تمام الولد » ‌لا يخلو من إشعار بجواز الجماع ، إلى غير ذلك مما يشهد للجواز من إطلاق أدلة الملك وغيره ، فلو لا ما عرفت لكان القول به في غاية القوة ، فحيث انتفى لذلك كان القول بما في المتن أقوى من غيره قطعا ، لما عرفته من دليل الحرمة في المدة وغيرها ، للأصل والصحيح أيضا ، وجواز التصرف في ملك اليمين والأمن من اختلاط الأنساب في غيرها.

ومن ذلك كله بان لك الوجه في جميع الأقوال على اختلافها في الوطء بعد مضي المدة وقبله وأن الأقوى منها قبله الحرمة ويكره بعده الذي في الدروس وغيرها أنه المشهور ، ولعل حكم المصنف بكراهته لقوله عليه‌السلام « لا أحب » وتنزيل صحيح رفاعة المشتمل على نهيه عليه‌السلام لنفسه وولده عليه ، وللتخلص من شبهة الخلاف ومن احتمال إرادة النهي من المطلقات إلى حال الوضع ؛ ومن نحو ذلك مما يصلح دليلا للكراهة ، فتأمل جيدا.

فإن المسألة من المشكلات وقد اضطرب فيها كلام الأساطين ، حتى ان العلامة منهم قال هنا في القواعد : « ويحرم وطئ الحامل قبلا قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام.

ويكره بعده إن كان عن زنا وفي غيره إشكال » وقال في النكاح منها : « ولو اشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل ، لأصالة عدم إذن المولى ، وإن علم إباحته بعقد أو تحليل حرم حتى تضع ، وإن علم كونه عن زنا فلا بأس » وقال في الطلاق منها « كل من ملك جارية موطوءة ببيع أو غيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب كان لم يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء ، فان كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطئ شبهة لم ينقض الاستبراء إلا بوضعه ، أو مضي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

٢١٧

أربعة أشهر وعشرة أيام ، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل ذلك ؛ ويجوز في غير القبل ، ويكره بعدها ، وهو كما ترى غير الأولين ، هذا كله في الوطء في القبل.

أما الدبر فقد يمنع الحرمة فيه تنزيلا لإطلاق النصوص بل والفتاوى على المتعارف حتى قوله عليه‌السلام « لا يقربها » خصوصا بعد ما في النصوص من أنه « يعتق الولد مع الوطء لانه غذاه بنطفته » وفرضه في الدبر بعيد جدا ، خلافا للكركي ومن تبعه فحرمه أيضا لصدق اسم الفرج ، ولقوله عليه‌السلام « لا تقربها » الذي لا ينافيه خروج ما عدا الوطء منه بالدليل ، وفيه ما عرفت ؛ بل الظاهر عدم استحباب العزل عن الوطء فيه.

وكيف كان ف لو وطأها مثلا حيث يجوز على ما عرفت من الخلاف فيه عزل عنها استحبابا بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، إلا من ظاهر المحكي عن التقي وابن زهرة فأوجباه في الوطء بالأربعة بناء على جوازه ، ولا ريب في ضعفه ، ضرورة عدم وجوبه مطلقا حيث يجوز ، للأصل السالم عن المعارض ، بل لولا التسامح في السنن لأمكن الإشكال في ثبوت استحبابه ، اللهم إلا أن يدعى إشعار‌ الموثق به (١) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان حملها؟ فقال : بئس ما صنع ، قلت : فما تقول فيه قال : أعزل عنها أم لا؟ فقلت : أجنبي على الوجهين ، قال : إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود ، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ، ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به ، لانه غذاه بنطفته » ‌وهو كما ترى ضرورة أنه لو تم إشعاره لا تقضى ثبوت الاستحباب حيث يحرم الوطء وهو بعيد.

وعلى كل حال ف لو لم يعزل كره له بيع ولدها وفاقا لجماعة ، تنزيلا للنهي عنه في الموثق المزبور عليها ، لكن فيه أنه لا قرينة على ذلك ، اللهم إلا أن يدعى ظهور التعليل فيها ضرورة كون المنصرف منه أنه يكون بذلك كالولد فلا يملكه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

٢١٨

لكن قد يمنع بل ظاهر المحكي عن الشيخين والحليين والطوسي والديلمي حرمة البيع ، بل ظاهر ابن زهرة منهم أو صريحه الإجماع عليه ، ومن هنا جزم به بعض متأخري المتأخرين بل جزم بوجوب عتقه ، وجعل شي‌ء له من ماله يعيش به ، للأمر بهما فيما سمعته من النصوص ، بل هو ظاهر النهاية والوسيلة والغنية مدعيا عليه الإجماع في الأخير هذا.

ولكن في المتن وغيره أنه استحب له أن يعزل له من ميراثه قسطا وإن كنت لم أجده في شي‌ء مما وصل إلى من نصوص المسألة بل الموجود فيها عتقه ، وجعل شي‌ء له من المال يعيش به ، فبناء على إرادة الندب من هذا الأمر كان المتجه جعل المستحب ذلك. نعم بقي شي‌ء وهو أنه لا فرق في ثبوت ذلك بين الوطء في المدة وبعدها أو هو مختص به بعدها ، ظاهر المقنعة الأول ، قال : « فإن وطأها قبل مضي الأربعة أشهر أو بعد ذلك ولم يعزل عنها لم يحل بيع الولد ، لانه غذاه وأنماه بنطفته ، وينبغي أن يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا يعزله في حياته ، ولا ينسب إليه بالنبوة » وفي الوسيلة « فإن مر عليها أربعة أشهر وعشرة أيام جاز له وطؤها ولم يجز له وطؤها قبل ذلك فإن وطأها لم يجز له بيع ولدها ، لانه غذاه بنطفته ؛ وعليه أن يعتقه ويعطيه شيئا من ماله » وفي الغنية « فإن كانت حاملا لم يجز له بيع الولد ، ولا أن يعترف به ولدا ؛ بل يجعل له قسطا من الماء ، فإن لم يعزل له يجز له بيع الولد ، ولا أن يعترف به ولدا ؛ بل يجعل له قسطا من ما له لانه غذاه بنطفته ، بدليل إجماع الطائفة وعن التقي « لا يحل وطئ الحامل من غيره حتى يمضي لها أربعة أشهر إلا دون الفرج ، وفيه بشرط عزل الماء ؛ واجتنابها حتى تضع أولى ، وإذا وطأ الحامل لم يحل له بيع ولدها ، ولا الاعتراف به ولدا » وفرق في النهاية فقال : « إذا اشترى جارية حبلى فوطأها قبل أن يمضي عليها أربعة أشهر وعشرة ، فلا يبيع ذلك الولد لانه غذاه بنطفته ، وكان عليه أن يعزل له من ماله شيئا ويعتقه ؛ وإن كان وطؤه لها بعد انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام ، جاز له بيع الولد على كل حال ، وكذلك إذا كان الوطء قبل انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام ، إلا أن يكون قد عزل ، جاز له‌

٢١٩

بيع ولدها على كل حال ، وأما النصوص فليس فيها تصريح بالفرق بالنسبة إلى ذلك. نعم قيل إن ظاهر الموثق المزبور كون الوطء بعد الشراء وبعد المدة المذكورة لأن استبانة الحمل لا تكون إلا بعد المدة المذكورة ، والأمر سهل بناء على المختار والله أعلم.

المسألة الخامسة التفرقة بين الأطفال المماليك وان لم يكونوا رشدة وأمهاتهم كذلك قبل استغنائهم عنهن محرمة عند الكاتب والشيخين والتقي والقاضي وابن حمزة والفاضل في التذكرة وظاهر القواعد والمقداد في التنقيح العليين والثاني الشهيدين وغير هم على ما حكي عن بعضهم ، بل هو مشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه وقيل : والقائل الشيخ في باب العتق من النهاية والحلي والفاضل في جملة من كتبه ، وأول الشهيدين وابن فهد في المقتصر مكروهة وهو الأظهر.

جمعا بين ما دل على الجواز من الأصل ، وعموم تسلط الناس على أموالهم (١) وعلى خصوص العقود عليها وغيرهما ؛ وما دل على المنع كصحيح معاوية بن عمار في الصحيح (٢) « قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع بكاؤها فقال : ما هذا البكاء فقالوا يا رسول الله احتجنا نفقة فبعنا ابنتها ؛ فبعث بثمنها فأتى بها ، وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا » ‌و‌موثق سماعة المرسل في الفقيه (٣) « عنه عن الصادق عليه‌السلام عن أخوين مملوكين هل يفرق بينهما؟ وعن المرأة وولدها هل يفرق بينهما؟ فقال : لا هو حرام إلا أن يريدوا ذلك » ‌و‌صحيح هشام ابن الحكم (٤) « قال : اشتريت للصادق عليه‌السلام جارية من الكوفة‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ر ٢٧٢ الطبع الحديث.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٢ ـ ٤ ـ ٣

٢٢٠