جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

تمليك السيد ، خصوصا بعد‌ المروي في دعائم الإسلام (١) عن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام « أنهم قالوا العبد لا يملك شيئا إلا ما ملكه مولاه ، ولا يجوز له أن يعتق ولا يتصدق مما في يده إلا أن يكون المولى أباح له ذلك أو أقطعه ملا من ماله أباح فعله أو جعل عليه ضريبة يؤديها إليه وأباح له ما أصاب بعد ذلك ، هذا معنى ما رويناه عنهم عليهم‌السلام وإن اختلف لفظهم فيه » ‌بل هو من أدلة المسألة كالمروي فيها أيضا عنه (٢) عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل باع عبدا فوجد المشتري مع العبد مالا قال : المال رد على البائع إلا أن يكون قد اشترطته المشتري ؛ لأنه باع نفسه ولم يبلع ماله » ‌الحديث.

و‌صحيح زرارة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أعتق عبدا وللعبد مال ، لمن المال؟ فقال : إن كان يعلم أن له ما لا تبعه ماله ، وإلا فهو له » ‌و‌صحيحه الأخر (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن السيد استثنى المال حين أعتقه ؛ فهو للعبد » ‌ونحوهما صحيح عبد الرحمن (٥)

والنصوص جميعها يمكن الجواب عنها بالتزام ما في بعضها ، وإن كان مخالفا لقواعد الملك كما قلناه في الحجر ، وجواز الانتزاع وتخير الأمة بعد العتق بالبقاء على التزويج وعدمه ، وغير ذلك مما قيل به للأدلة ، وبحمل الآخر على إرادة الحجر وجواز الانتزاع ، فملكه في الحقيقة ليس ملكا ، أما قابليته للملك كقابليته لسيار التصرفات إذ هو انسان عاقل ، وربما فاق الكثير من الأحرار ، فلا يقاس على البهائم فلا دلالة فيها على نفيه.

نعم سلطان المولى عليه ؛ وعلى ما في يده كسلطان الله على العباد وما في أيديهم‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٥.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العتق الحديث ٢ ـ.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ١ ـ ٦

١٨١

على وجه لا ينافي الملك الذي أناطه الله تعالى بأسبابه لا جراء بعض الاحكام عليه ، ولعل في الآية الثانية (١) إشعارا بذلك ، ضرورة كون المراد نفي شركة العبد مع المولى كنفي شركة العباد مع الله تعالى شأنه.

ويؤيد ذلك إضافة المال إلى العبد في النصوص الكثيرة المتفرقة في الأبواب الذي لا يسع الفقيه حصرها ، على وجه يقطع بعدم إرادة الأدنى ملابسة منها الذي هو ضرب من المجاز فيها ، ولا يناسبه هذه الكثرة المجردة عن القرينة ، وما تقدم في باب الربا من نفيه بين السيد والعبد ؛ كالولد والوالد الظاهر في ثبوت الملك له أيضا.

وقوله تعالى (٢) ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) الآية بناء على أن الضمير في قوله يكونوا راجع إلى المذكورين سابقا ومن جملتهم العبيد والإماء ، فيدل الجزاء على توقع الغناء وإمكانه في حقهم ؛ وهو يدل على الملك إذ لا غناء بمال مملوك ، ودعوى أن المراد من الغناء رغد العيش وسعته ولو بالإباحة ، فلا ينافي ثبوته للعبيد ، فإن حالهم في ذلك تابع لحال الموالي غالبا واضحة المنع.

نعم قد يقال أن المراد من الضمير غير العبيد ، إذ لو أريد الأعم لم يكن عدمه في حق المماليك مانعا لهم من التزويج ، لثبوت المهر والنفقة على المولى إذا كان النكاح بإذنه ، ولا وجوده مرغبا ، لتحقق الحجر المانع من التصرف وإن حصل الملك ، وهو خلاف ما يقتضيه سياق الآية ، و‌الصحيح عن أبى جرير (٣) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قال لمملوك له أنت حر ولي مالك ، قال : لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول لي : مالك وأنت حر برضاء المملوك ».

والمناقشة في سنده ـ باشتراك أبى جرير ، وبالاضطراب لأن ثاني الشهيدين‌

__________________

(١) سورة الروم الآية ـ ٣٨.

(٢) سورة النور الآية ٣٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ٥.

١٨٢

رواها في موضعين عن جرير أحدهما عن أبى الحسن عليه‌السلام ، والأخر عن الصادق عليه‌السلام.مع أن عن بعضهم نفى روايته عن الأول بلا واسطة ، وفي روايته عن الثاني كذلك الكلام المشهور ؛ وعن النجاشي عن يونس أنه لم يسمع من الصادق عليه‌السلام الا حديثين ـ لا تقدح بعد الانجبار والاعتضاد بما عرفت ، كالمناقشة في متنه ـ بأن الإضافة على التوسع ، واعتبار رضا المملوك على الندب ، كما يشهد له وقوع الأمر باعتباره في حيز النهي عن تقديم العتق على ذكر المال ، المعلوم أنه ليس على التحريم ، ـ إذ هي كما ترى تكلف بلا داع ولا شاهد.

و‌الصحيح عن الفضيل بن يسار (١) قال : « قال : لي عبد مسلم عارف أعتقه رجل فدخل به على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : من هذا السندي فقال : رجل عارف وأعتقه فلان فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليت إنى كنت أعتقته ، فقال السندي لأبي عبد الله عليه‌السلام إني قلت لمولاي : بعني بسبعمائة درهم ، وأنا أعطيك ثلاثمائة درهم ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إن كان يوم اشترطت لك مال فعليك أن تعطيه ، وإن لم يكن لك يومئذ مال فليس عليك شي‌ء ».

والمناقشة في سنده ـ بأن الراوي فيها العبد الذي لم يظهر من الرواية إلا كونه مسلما عارفا ، ولا يكفي ذلك في التوثيق ، وفي المتن بأن الإضافة بأدنى ملابسة ، وإيجاب الدفع عليه بكون المال ملكا للبائع ، وإنما جوز له بتعيينه المقدار تصرفه فيما عداه فيبقى المنع فيه ثابتا ، فلا يكون دالا على الملك ـ كما ترى خصوصا الثانية ، و‌موثق إسحاق بن عمار (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام ، « أن عليا عليه‌السلام أعتق عبدا له فقال إن ملكك لي ولك وقد تركته لك ».

والمناقشة فيه ـ بأنه ؛ غير دال على ملك العبد بوجه ، لان الخلاف في ملك العبد للمال ، ومقتضى الرواية ملك الرقبة مجازا بناء على أن له في نفسه حقا وليس ذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ٧ ـ.

١٨٣

من محل النزاع في شي‌ء ، وحمل الملك هنا على ملك المال مع مخالفته لظاهر اللفظ لا وجه له ، لانتفاء الشركة فيه على القولين ، فإن ما يكتسبه العبد لنفسه إما أن يكون له بأسره ، أو ينتفي عنه بأسره ؛ فالتفصيل خلاف الإجماع ، وحمل الشركة على المجاز يقتضي سقوط الاستدلال ـ يدفعها انسياق إرادة الأخير منها على أن للمولى انتزاع ما في يد العبد وتملكه فهو له حينئذ من هذه الجهة ، وللعبد باعتبار ملكيته لنفس المال على الوجه المزبور بل لا ريب في صلاحية ذلك وجها للجمع بين ما يقتضي ملك السيد وما يقتضي ملك العبد متمما نفيه عنه بإرادة الحجر عليه فيه ، بل هو اولى من الجمع بحمل الأول على الحقيقة ؛ والثاني على إباحة التصرف باذن المولى ، وأن الإضافة لأدنى ملابسة ، ونحو ذلك مما لا يخفى على المتأمل عدم قابلية مجموع الأدلة له ، فظهر من ذلك كله قوة ما استحسنه المصنف ، وما يقال ـ من منع المكافاة لما دل على نفي الملك لكثرته ، ووضوح سند أكثره ؛ واعتضاده بالشهرة ، كما عن التذكرة وموافقة ظاهر الآيتين المتقدمتين ، ومطابقة الأصول والقواعد ، ومناسبة الأحكام الكثيرة المتفرقة في مسائل الفقه وأبواب الحديث ، كما سبقت إليه الإشارة ، فيجب تأويل ما دل على الملك ، أو حمله على التقية ، لموافقته لمذهب كثير من العامة ، فقد نقلوا القول بالملك عن مالك والشافعي في القديم وأهل الظاهر وأحمد بن حنبل.

ـ قد عرفت اندفاع كثير منه وربما كان حمل ما دل على نفي الملك على التقية أولى ، لأنه مذهب أبي حنيفة المعلوم شدة التقية منه ، والثوري وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، والشافعي في الجديد ، وأيضا قد يقال ، إن المراد من النصوص الدالة على أن ماله لمولاه إذا بيع أو أعتق أو مات هو بقاء سلطنة البائع عليه التي ثبتت على المال حال العبودية ، ولا دليل على زوالها بزوال الملك ، بل ظاهر قوله عليه‌السلام إنما باع نفسه ولم يبع ماله » خلافه ، ودعوى الإجماع على الانتقال إلى ملك المولى ممنوعة أشد المنع ، ولو سلمت ثبت المطلوب ، ضرورة اقتضاء الانتقال كون المال ملكا للعبد حتى يتجه انتقاله.

١٨٤

نعم المسلم منه ومن النصوص بقاء السلطنة التي كانت للمولى قبل البيع والعتق والموت ، فلا يبعد التزام كون الرقية باقية على حكم مال العبد ؛ وإن كان سلطان التصرف للمولى ولا يعارضه سلطان المولى الثاني أو حرية العبد نفسه ، بعد تعلق حق المولى الأول على وجه لا شركة معه ، وبذلك ينكشف الاشكال عن الحكم في النصوص المزبورة ، كما أنه يظهر منه عدم كون ذلك من الإرث في حال الموت ؛ بل هو شي‌ء ثابت للسيد حال الحياة هذا.

ومن مجموع ما ذكرنا يظهر لك وجوه المركبات ، ولعل القول السادس الذي هو ملك غير تام يرجع إلى ما قلناه كما يومي إليه ما ذكر مستندا له ، من أنه مقتضى الجمع بين ما دل على سلطان المولى على منعه من التصرف ، بل عدم جواز تصرفه إلا باذنه ، وبين ما دل على ملك العبد ، بالحمل على الملك الغير التام ؛ وأما السابع فقد قيل : إن مستنده قيام الإجماع وشهادة الأخبار بأن المولى إذا أذن لعبده في التصرف جاز للعبد ذلك ، وهو ملك التصرف ، ففيه أن الفرق بين ملك التصرف وإباحته غير واضح ، والقياس على النكاح والتحليل يدفعه أن للبضع حكما آخر ؛ ولذلك لا يدخله صلح ولا معاوضة بوجه من الوجوه والله أعلم.

وعلى كل حال فلو كان في يد العبد المسلم عبد مسلم ، ومولاه كافر ففي شرح الأستاذ بيع على جميع الأقوال ، ولو انعكس بأن كان المولى مسلما والعبد كافرا ، وكان في يده عبد بيع على القول بملكية العبد ، أو تملكه المولى بناء على أن له الانتزاع الشامل للملك ، دون القول بعدم ملكيته ، ولو وطئ العبد جاريته من دون اذنه ، حد على القول بعدم ملكه حد الزاني ، وعزر على القول بالملك ؛ ولا يجوز للمولى وطئ من تحت يد مملوكه من دون إذنه على القول بملكه إلا أن يقصد الملك.

وفي شرح الأستاد لا يبعد جعل التصرف مملكا ، وفيه بحث ، ولا يصح له نكاحها إلا على القول بملكية العبد ، ولو وهب كل من السيدين عبده لعبده الأخر دفعة بطل على القول بالملك : إذ لا يكون السيد ملكا لعبده ؛ وكذا مع جهل التاريخ ، ومع‌

١٨٥

العلم به يملك السابق اللاحق دون العكس ، ولو علم تاريخ أحدهما ففي الحكم بتأخير المجهول عنه إشكال ذكرناه غير مرة ، إلى غير ذلك من الأحكام المتفرعة على القولين من الاستطاعة ووجوب وفاء الدين ، والإنفاق ونحو ذلك كما هو واضح وليس منه على الظاهر.

المسألة الثانية التي هي من اشترى عبدا له مال كان ماله لمولاه ، إلا أن يشترطه المشتري أو تكون قرينة على التبعية لثبوت الحكم المزبور على القولين ، أما على القول بأن الملك للسيد فواضح ؛ ضرورة عدم اندراج المال في اسم العبد ؛ بل إضافته إليه إنما هي لأدنى ملابسة ؛ وأما على القول بأن الملك للعبد ، فلانتقاله عنه بالبيع إجماعا محكيا في شرح الأستاد بل فيه الاستدلال عليه به ، وبظاهر الاخبار على تقدير الملك ، لكن ستسمع في المسألة الثالثة عبارة عن المبسوط تنافي ذلك ، للحكم فيها بالبقاء على ملك العبد.

وعلى كل حال فهما إن تم أولهما الحجة في ذلك ، كما أن الاخبار الحجة على انتقاله إلى البائع دون المشتري ، قال محمد بن مسلم (١) « سألت أحدهما عليه‌السلام عن رجل باع مملوكا ، فوجد له مال ، فقال : المال للبائع ، إنما باع نفسه ؛ إلا أن يكون شرط عليه أن ما كان له من متاع فهو له » ،و‌في خبر يحيى وأبى العلاء (٢) « عن أبى عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : من باع عبدا وكان للعبد مال فالمال للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك » ‌إلى غير ذلك من النصوص ، ولا استبعاد في ذلك ، لجواز اشتراط ملكه ببقائه في يد مولاه ، ويكون خروجه بمنزلة موته الناقل لما له إليه ، أي على حسب انتقال مال الوصية إلى الموصى له ؛ لا انتقال ارث ، لما عرفت من عدم التوارث بين العبد والحر ، وتغير الحكم بالانتقال غير عزيز ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٤ ـ لكن عن يحيى بن أبى العلاء مع اختلاف يسير.

١٨٦

كما في رجوع أمر نكاح العبد إلى مشتريه وإلى زوجته إذا أعتقت.

ومن ذلك يظهر لك ما في المسالك من إشكال الحكم بكونه للبائع على تقدير الملكية ، بأن ملك مالك لا ينتقل عنه إلا برضاه ، والحال أن العبد لا مدخل له في هذا النقل ، ثم أنه بعد أن اعترف بأن هذه المسألة ذكرها من ملكه ومن أحاله ؛ قال : « ولا يندفع الإشكال إلا إذا قلنا بأن المراد بملكية العبد تسلطه على الانتفاع بما قيل تملكه له ، لا ملك الرقبة كما نقله في الدروس عن بعض القائلين بالملك ، فيكون الملك على هذا الوجه غير مناف لملك البائع ، لرقبته على وجه يتوجه به نقله إلى المشتري أو بقاؤه على ملكه ، وفيه ما عرفت مضافا إلى ما تقدم سابقا من عدم وضوح الفرق بين ملك التصرف وإباحته فتأمل جيدا.

على أنه لا يتم على ظاهر المصنف فإنه مال إلى ملك العبد مطلقا مع حكمه بذلك ، وهو صريح في إرادة ملك الرقبة كما اعترف هو به بعد ذلك ، وقال اللهم إلا أن يحمل على ظاهر النص الدال على هذا الحكم ، فيرد حينئذ بأنه دال على عدم ملك العبد لئلا ينافض الحكم المتفق عليه من عدم ملكية شخص مال غيره إلا برضاه وهو كما ترى لا يخلو من تناقض ، وما ذكره من الاتفاق بحيث يشمل ملك العبد المخالف لأحوال الملك بالحجر وبجواز الانتزاع وبغيرهما واضح المنع ، فتأمل.

وكذا يظهر ما في المصابيح من الاستدلال بهذه النصوص على عدم الملكية ، قال : « لانه لو كان ما في يد العبد له ، لاستمر ملكه له عليه بعد البيع ، ولم يكن شي‌ء من ذلك للمشترى ، ولا البائع ، لانتفاء الناقل عنه ، ولا كان للسيد بيع المال معه ، لعدم مالكيته له ، وهو ظاهر ، بل تعجب من الأصحاب حيث استدلوا بهذه على مالكية العبد ، استناد إلى إضافة المال إليه فيها ؛ والظاهر منها الملك وهو ضعيف جدا لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة وظهورها في الملك مع تسليمه مدفوع بقيام القرينة الصارفة ».

قلت : قد عرفت عدم صرفها وأنه لا مانع عن القول بملكه ثم الانتقال عنه بالبيع للبائع كالموت ، على أنه لو سلم كون مثل ذلك قرينة صارفة أمكن حمل هذه النصوص‌

١٨٧

على أن المراد من مال العبد فيها ما كان للمولى ، وأضيف إليه ككسوته وفراشه ونحوهما ، لا أن العبد لا يصلح للملك أصلا ، فلا يستدل بها عليه كما هو واضح ولولا الإجماع المدعى على الانتقال عن العبد على القول بملكه ؛ لكان وجها جيدا لهذه النصوص.

وربما يقال استثناء الاشتراط في هذه النصوص إنما يتجه على القول بالملكية ، إذ معناه حينئذ أن مال العبد إذا بيع للبائع ، إلا إذا اشتراط المشتري بقاؤه للعبد ، لعموم‌

قوله عليه‌السلام (١) « المؤمنون عند شروطهم » ‌أما على القول بأنه ملك للبائع فقد يشكل اشتراطه للعبد بعدم قابليته للملك فلا يصح الاشتراط ، وحمله على إرادة إبقاء الإباحة خلاف الظاهر بل معلوم البطلان لظهور النصوص في خروجه بذلك عن كونه ملكا للبائع ، وأما اشتراطه للمشترى ؛ فيشكل أيضا بأن المعلوم من الشرط في الأعيان تمليكها بأسبابها من بيع أو هبة أو نحو ذلك ؛ لا أنه هو بنفسه مملكا لها ، بل أقصاه الإلزام بما يقتضي تمليكها من الأسباب ، ولو سلم أعمية الشرط من ذلك ؛ أمكن منع جريان حكم المبيع عليه من القبض في المجلس لو كان صرفا ، وعدم جواز التفاضل لو كان ربويا ، والجهل وغيرها ، مع أن ظاهر الأصحاب جريان جميع ذلك عليه لو اشترط.

اللهم إلا أن يلتزم إلحاق ذلك بالمبيع ، أو يراد بالشرط المذكور في كلامهم الذي أجروا عليه الأحكام المزبورة بشرط التبعية في البيع للعبد ، على معنى كونه مع ماله مبيعا فهو حينئذ ولو كان بالشرط كالمسألة الاتية التي ليست بصورة الشرط ؛ بل قد يوجه الشرطية للمشتري على القول بالملكية أيضا على وجه يكون مبيعا أيضا ، بأن للمولى التصرف بمال عبده قهرا عليه ، ومنه حينئذ بيعه فله اشتراطه حينئذ على وجه يكون مبيعا وإن لم يكن مالكا ، وعدم البيع إلا في ملك مخصوص بذلك حينئذ ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار الحديث ـ ٢ وباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

١٨٨

أو يقال إن هذا التصرف بنفسه مملكا ، نحو ما سمعته في وطئ المولى جارية عبده ، وان كان فيه ما لا يخفى.

نعم قد يشكل على الأول جريان أحكام الربا ونحوه على مثل هذا البيع لإمكان دعوى ظهور أدلته في البيع للمالك ، لا لنحو المقام الذي فرضنا المالك فيه العبد ، والبيع للمولى ، لكن ظاهر الأصحاب هنا جريان أحكام البيع بأسرها على تقدير الملك وعدمه كما يوضحه ما ذكروه في المسألة الاتية ولعله لإطلاق الأدلة أو عمومها.

نعم في شرح الأستاد أنه هل يلحق مال العبد بالتوابع كالشرب والطريق والحريم ونحوهما ، فيسوغ فيه ما لا يسوغ فيما يدخل في المبيع أصالة أولا؟ بل يجرى فيه حكم الأصالة وجهان ، قلت : لار ريب في قوة الثاني منهما ، لعدم التبعية المحققة في المقام ، فليس هو إلا بيعا أصليا ، بل لا فرق في المشهور هنا بين جعله شطرا أو شرطا لما عرفت من رجوع الثاني هنا عند التأمل إلى الأول ، لكن في شرح الأستاد الأقوى أنه يجرى في الثاني من المسامحة ما لا يجري في سابقه ؛ فتأمل جيدا ، هذا.

وفي المختلف بعد أن حكى عن ابن حمزة صحة البيع بغير جنس ما عند البيع إذا لم يعرف مقدار ما معه ، وفساده إذا باع بالجنس لجواز تطرق الربا ، قال : « لكن يبقى فيه إشكال من حيث أنه باع مجهولا ، إلا أن يقال إن المال تابع فجهالته لا تمنع صحة البيع ، وهو مؤيد لما احتمله الأستاد في شرحه ، ولا ريب في ضعفه إذا كان المراد كل ما كان للعبد ، لا مثل ثيابه ونحوها ؛ والله أعلم.

وعلى كل حال فما قيل : في أصل المسألة كما عن ابن البراج من التفصيل بأنه إن لم يعلم به البائع أي بمال العبد فهو له وإن علم فهو للمشترى لحسن زرارة (١) « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يشترى المملوك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٢ ـ.

١٨٩

وله مال : لمن ماله؟ قال : إن كان علم البائع أن له مالا فهو للمشترى ؛ وإن لم يكن علم فهو للبائع » ‌فواضح الضعف إذ الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من دون صيغة ؛ والخبر المزبور قاصر عن مقاومة ما تقدم ، المعتضد بما سمعت ، وبأصالة بقاء ملك المولى بناء على ملكه ، وبقاء سلطانه بناء على عدمه ، وحيث سمعت الإجماع على الخروج عن العبيد بقي سلطان مولاه بلا معارض ، إذ لا دليل يدل على دخوله في ملك المشتري بعد فرض خروجه عن ملك العبد الذي ثبت سلطنة مولاه على ما هو مملوك له كما هو واضح ولذا كان الأول مع كونه أظهر أشهر فيمكن حل الخبر المزبور حينئذ على اشتراط البائع للمشتري ذلك ، أو على أن ذلك قرينة عليه والله أعلم.

ولو قال المملوك للمشترى مثلا اشترني ولك على كذا لم يصح فلا يلزمه ما جعل له ، وإن اشتراه أما على عدم الملك فواضح ، وأما على الملك فللحجر عليه ؛ فيتوقف على إجازة المولى كما في المسالك وغيرها ، لكن في شرح الأستاد « لا يصح ولا تشتغل ذمة العبد له بشي‌ء لو أتى بالعمل ، سواء كان للعبد مال أولا ، ملكناه أو لا ، أذن السيد أولا إلا أن يعود إلى السيد فتشتغل ذمته دون العبد كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة تفيد الإجماع ، لأن كل من ذكر هذا الفرع حكم بذلك ، والساكت بعد أن مهد قاعدة لا أهلية له لتملك عين ولا منفعة ، يستفاد منه امتناع أن يملك في ذمة المجعول له عملا ، لا بعد العمل ولا قبله ، وأنه لا قابلية له في المعاملة الشاغلة للذمة ، وعموم نفي قدرته في الكتاب أبين شاهد في هذا الباب ».

وفيه أنه لا وجه للمنع على القول بالملك مع الإذن من المولى في التصرف له فيما عنده من المال ، سواء كان الجعل عينا أو في الذمة ، ودعوى الشهرة التي يستفاد منها الإجماع على ذلك ممنوعة أشد المنع ، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم ،

١٩٠

خصوصا ما ذكروه فيما لو جعل للمولى ذلك على بيعه ، الذي رواه الفضيل (١) عن الغلام السندي عن الصادق عليه‌السلام ، المتقدم سابقا فإنهم قد صرحوا بالصحة حينئذ لحصول الاذن من المولى بسبب كون المعاملة معه ؛ قال في الدروس : « ‌روى فضيل « أنه لو قال لمولاه : بعني بسبعمائة ولك علي ثلاثمائة لزمه إن كان له مال » ‌وأطلق‌ في صحيح الحلبي (٢) « لزوم الجعالة البائعة » ‌وقال الشيخ وأتباعه : « ولو قال لأجنبي اشترني ولك على كذا لزمه إن كان له مال حينئذ » وهذا غير المروي ، وأنكر ابن إدريس ومن تبعه اللزوم وان كان له مال ، بناء على أن العبد لا يملك ، والأقرب ذلك في صورة الرواية فلا مانع منها على القولين ، أما على أنه يملك فظاهر ، وأما على عدمه فأظهر ، ونحوه غيره وهو جيد جدا.

ومنه يعلم النظر فيما ذكره الأستاد أيضا بعد ذلك « من أنه لو قال العبد لسيده :

بعني أو ملكني من معين أو مطلقا ولك على كذا ؛ فكما إذا قال للمشترى لما ذكر هناك ، ولانه لا يكون لصاحب المال على ماله مال وما في بعض الاخبار مما ينافيه مطرح أو مأول بإرادة الوعد ونحوه ، لقوة المعارض ولأنه في الصورتين يلزم على القول بالصحة أما اشتغال ذمته بالدفع قبل انتقاله ، فذلك استحقاق قبل العمل ؛ مع أنه لا تصرف له بشي‌ء ملكناه أولا وإن كان بعده كان ما في يده للبائع أو للمشتري فلا شي‌ء له في الحالين حتى على القول بملكه ، لزواله بانتقاله ، فالاستحقاق عليه بعد انتقاله الملزوم لذهاب ماله واستحقاق المطالبة بعد العتق لا تصحح معاملته ، لأن الاقدام عليه سفه ، ولو جاز ذلك لصحت إجارته وجعالاته وباقي معاملاته ».

وهو كما ترى فيه نظر من وجوه حتى في نفي الذمة للعبد على وجه المزبور ، وقاعدة عدم استحقاق المال على المال يمنع شمولها لنحو المقام ، وأقصى ما يسلم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١ ـ ٢

١٩١

منها في جناية العبد على المولى مثلا ، فتأمل جيدا وقيل في مفروض المتن والقائل الشيخ وأتباعه كما سمعته من الدروس إن كان له مال حين قال له لزم وإلا فلا وهو غير المروي لما عرفت من مضمون خبري الفضيل (١) والحلبي (٢) في الجعل للمولى ، فلا ريب حينئذ في ضعفه على القول بالملك وعدمه لما سمعت والله أعلم.

ولو قال للمولى أعتقني فلك علي كذا ففي شرح الأستاد « توقف شغل ذمة المولى بالإعتاق على شغل ذمة العبد الموقوف على الملك للعمل في ذمة المولى الموقوف على الإعتاق وأما الكتابة فحكم خاص » وفيه نظر يعرف مما تقدم أيضا والله أعلم.

المسألة الثالثة : قد تقدم ما يدل على أن مولى المملوك مثلا إذا ابتاعه وماله بناء على أنهما معا ملك له ، فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقا وكذا يجوز بجنسه إذا لم يكن ربويا أو كان الربا بينهما منفيا ، ولو كان ربويا وبيع بجنسه على من يثبت الربا معه فلا بد من زيادة عن ماله تقابل المملوك تخلصا من الربا كما هو واضح ، وفي‌ الدعائم (٣) عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « فإن باعه بماله وكان المال عروضا وباعه بعين فالبيع جائز كان المال ما كان ، وكذلك إن كان المال عينا وباعه بعروض ، وإن كان المال عينا وباعه بعين مثله لم يجز إلا أن يكون الثمن أكثر من المال ، فيكون رقبة العبد بالفاضل ، إلا أن يكون المال ورقا والبيع بتبر أو المال تبرا والبيع بورق فلا بأس بالتفاضل ، لانه من نوعين » ‌أما لو قلنا بملكه حقيقة لم يشترط في الثمن ما ذكر لان ماله حينئذ ليس جزء من المبيع ، فلا يقابل بالثمن.

قلت : قد عرفت فيما تقدم أنه كذلك لو اشترط المشتري إبقاء مال العبد له ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١ ـ ٢

(٣) الدعائم ج ٢ ص ٥٤.

١٩٢

أما لو كان الشرط كون المال للمشترى ، فقد سمعت قرة جريان الربا فيه أيضا ، بناء على جواز هذا التصرف للسيد ، فلاحظ وتأمل جيدا هذا. ولكن في الدروس « ولو اشتراه وماله صح ولم يشترط عمله ولا التفصي من الربا إن قلنا يملك وإن أحلناه اشترطناه ، ورواية زرارة مصرحة بإطلاق جواز زيادة ماله على ثمنه ».

قلت : هي‌ قول زرارة في الصحيح (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام « الرجل يشترى المملوك وما له فقال : لا بأس به ؛ قلت : فيكون مال المملوك أكثر مما اشتراه به قال : لا بأس به» ‌وظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية والمحكي عن سلار الفتوى بمضمونه بل هو مقتضى إطلاق المحكي عن ابن البراج وأبي الصلاح ، ومقتضاه حينئذ عدم الربا في ذلك للصحيح المزبور.

والقدح في سنده في المختلف إنما يتم على طريق الشيخ ؛ اما على طريق الصدوق فهو صحيح كما ذكرنا ، ويكون حينئذ مستثنى من حكم الربا أو يكون ذلك بعنوان الشرط الخارج عن اسم البيع ، بناء عي اختصاصه فيما لا يشمل ذلك ، أو يكون هذا الصحيح مؤيدا للقول بالملك ، فإنه لا ربا عليه إذا كان المراد بقاء المال على الملك العبد ؛ قال : في المحكي عن المبسوط إذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمأة صح البيع على قول من يقول أنه يملك ، ولو باع ألفا بخمسمأة لم يصح لانه ربا ، والفرق بينهما أنه إذا باع العبد فإنما يبع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه ؛ فصح ذلك ، ولم يصح بيع الالف بخمسمأة أو يكون ذلك مؤيدا لما قلناه من أنه على تقدير الملك ، وأن للسيد البيع ، وإن كان ملكا للعبد يمكن نفى الربا لما قد عرفت سابقا أو غير ذلك فلاحظ وتأمل جيدا والله أعلم.

المسألة الرابعة لا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أنه يجب على المالك أو وكيله أو وليه أن يستبرء الأمة قبل بيعها مثلا على الأصح في لحوق غير البيع به كما ستعرف ، إن كان وطأها أي المالك وما في المقنعة من التعبير عن ذلك بلفظ ينبغي مما يشعر بالخلاف ؛ يصرفه ما في باب لحوق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

١٩٣

الأولاد منها من التعبير عنه بلا يجوز ، و‌صحيح على بن جعفر عن أخيه المروي عن قرب الاسناد (١) « سألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أيصلح بيعها من الغد ، قال : لا بأس » ‌محمول على إرادة صحة البيع منه ، أو على التي يسقط اشتراؤها باليأس ونحوه أو غير ذلك لمخالفته الفتوى ، بل النصوص.

قال الصادق عليه‌السلام في صحيح حفص (٢) في حديث « في رجل يبيع الأمة من رجل ، عليه أن يستبرئ من قبل أن يبيع » ‌و‌سأله أيضا ربيع بن القاسم (٣) « عن الجارية التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل؟ قال : يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمسة وأربعين ليلة ، والذي يشتريها بخمسة وأربعين ليلة » ‌وقال أيضا‌في الموثق (٤) « الاستبراء واجب على الذي يريد أن يبيع الجارية ان كان يطأها ، وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا » ‌الى غير ذلك ، ولعله لذا وغير نسب الوجوب المزبور إلى ظاهر روايات أصحابنا.

نعم صرح غير واحد بأنه لو باعها من غير استبراء أثم وصح البيع ، لرجوع النهي إلى أمر خارج ولا بأس به ، وإن كان لا يخلو من بحث إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، وعليه فالمتجه حينئذ تعين تسليمها إلى المشتري إذا طلبها ، لأنها قد صارت ملكا من أملاكه.

نعم في المسالك احتمال بقاء وجوب الاستبراء قبله ، ولو بالوضع على يد عدل لوجوبه قبل البيع فيستصحب ، قال : « وأما بقاؤها عند البائع فلا يجب قطعا ؛ لأنها صارت أجنبية منه » بل في جامع المقاصد « أنه لا وجه لسقوط الاستبراء عنه ؛ فان قيل بعد وقوع البيع صارت حقا للمشتري ، فلا يجوز منعه منها قلنا : قد ثبت وجوب الاستبراء سابقا على البائع فلا يسقط ، غاية ما في الباب أن للمشتري إذا جهل الحال الفسخ ، فان قيل : الاستبراء حق لله ، والمبيع حق للادمي ، وحق الله لا يعارض حق‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٧ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤

١٩٤

الآدمي ، قلنا : الاستبراء حق للبائع فلا يكون حقا لله محضا الى أن قال : والتحقيق أن يقال : إنه لو باع قبل الاستبراء يكون البيع مراعى ، فإن ظهر حمل تبين بطلانه ، لانه من المولى حيث كانت فراشا له ، وإلا ثبتت الصحة ، فلا يكون ملكا للمشترى ، فلا يتعين التسليم إليه ، بل ولا يجوز استصحابا لبقاء وجوب الاستبراء ».

وهذا واضح لا شبهة فيه ، وقد يشكل بأن الحكم في الظاهر كونها ملكا للمشترى لوجود المقتضي وعدم المانع ولو بالأصل ، فلا ريب في جريان حكم الملك عليه ، ومنه وجوب التسليم إليه مع الطلب ، إلا أن الظاهر عدم سقوط الاستبراء عنه ، للأصل ووجود حكمة الاستبراء وعدم إرادة الوصف المفوت للمأمور به من قوله عليه‌السلام « قبل البيع » وإنما هو لتمكين البائع من الاستبراء.

ومنه ينقدح أنه مع البيع ترتفع سلطنته على العين ، فليس له حبسها للاستبراء بدون رضا المشتري ، فإن كان عامدا في البيع قبله ولم يتمكن من أرضاه المشتري بالاستبراء ، كان آثما وإن تعذر عليه إلا أنه بسوء اختياره ، وطن لم يكن عامدا وجب عليه الاستبراء ، كان آثما وإن تعذر عليه إلا أنه بسوء اختياره ، وإن لم يكن عامدا وجب عليه الاستبراء مما يحصل به رضا المشتري ؛ فإن لم يتمكن سقط عنه ولا إثم عليه ، كما هو مقتضى الضوابط ، ومن ذلك يعلم أنه لا يجب الوضع عند عدل أو الإبقاء في يد البائع في استبراء المشتري قطعا ، للأصل وظاهر الأدلة ، سواء كانت جميلة أو قبيحة ، خلافا لمالك فلم يوجب تسليم الجميلة ؛ وإنما توضع على يد عدل إلى تمام مدة الاستبراء للحقوق التهمة فيها ، ولا ريب في فساده لمخافته لأصول المذهب وقواعده ، ولو جامعها المالك بعد العقد قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض ، فعليه الاستبراء قبل الإقباض ؛ وكذا لو عادت إليه بفسخ عبد الوطء أو كان قد وطأها قبل تملكها والله أعلم. هذا.

والمراد باستبراء البائع ـ من الوطء في ذلك الطهر بحيضة أو خمسة أو أربعين يوما إن كانت مثلها تحيض ولم تحض هو انتظار حيضتها المتعقب لذلك الطهر ان كانت ممن تحيض ؛ وترك الوطء قبلا ودبرا خمسة وأربعين يوما ان كان مثله تحيض ولم تحض ، ولا يجب عليه ترك الوطء فضلا عن باقي الاستمتاعات في الأول إذ لا ثمرة له بعد اشتراط تعقب الحيض.

نعم لو وطأها بعد تمام الحيض احتاج في جواز البيع إلى انتظار حيض آخر ؛

١٩٥

للاستبراء من الوطء المتجدد كما هو واضح ، فما في الرياض وشرح الأستاد من اعتبار ترك الوطء دون باقي الاستمتاعات في استبراء البائع لا وجه له ، نعم هو كذلك في استبراء المشتري ، بل عن المبسوط اعتبار ترك باقي الاستمتاعات فيه أيضا ، بل في التحرير ـ ما يوافقه ـ : « من اشترى جارية حرم عليه وطؤها قبلا وغيره ، وتقبيلها ولمسها بشهوة حتى يستبرئها » وعن حواشي الشهيد أنه حرم في الدروس القبلة خاصة ، وإن كانت النصوص المعتضدة بالفتاوي والأصل وانتفاء وجه الحكمة والمحكي عن الخلاف من إجماع الفرقة وأخبارهم على خلافهما ، ففي صحيح محمد بن إسماعيل (١) « قلت أيحل للمشترى ملامستها؟ قال : نعم ، ولا يقرب فرجها » ‌و‌الموثق (٢) « فيحل له أن يأتيها فيما دون فرجها؟ قال : نعم قبل أن يستبرئها » وخبر « محمد عن أبى عبد الله » عليه‌السلام (٣) « لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها وإن صبرت فهو خير لك » ‌مع أنه لم نقف على معارض لذلك ؛ سوى ما قيل من قياس الاستبراء على العدة الذي هو مع كونه مع الفارق لا يجوز العمل به في مذهبنا و‌ما في الموثق (٤) « عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها قال : لا قلت : فدون الفرج؟ قال : لا يقربها » ‌وهو مع أنه في الحبلى التي لا استبراء فيها يتجه حمله على الكراهة كما أومى إليه الخبر الأخير ، فظهر من ذلك الفرق بين استبراء البائع والمشتري في ذات الحيض ، بل ظني أن الخلاف المزبور في ضم باقي الاستمتاعات إلى الوطء إنما هو في استبراء ، المشتري دون البائع ؛ وإن كان يوهمه عبارة التحرير.

نعم قد يتوقف في اعتبار ترك الوطء دبرا في الاستبراء ، بل وفي الاستبراء منه ، للأصل بعد اختصاص الموجب من النص بحكم التبادر وإن كان فيه لفظ الفرج بمحل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١ لكن عن عبد الله بن محمد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٥.

١٩٦

الفرض فلا يجوز التعدي إلى الغير ، بل مال إليه في الرياض ، فإنه بعد أن حكى عن بعض المحققين الخلاف في تعميم الوطء للدبر ، فخصه بالقبل ، وأنه هو الظاهر من الحلي حيث أوجب الاستبراء بتركه خاصة للمشتري ، قال : « ولا يخلو من قرب إن لم يحصل بوطئ الدبر خوف سبق الماء في القبل ، الموجب لخشية الحبل ، بل حصل القطع بعدمه بالعزل نحوه.

ومنه يظهر وجه الإشكال في التعميم الوطء له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل من هذا الوطء ولا فرق فيه بين القبل والدبر ، قلت : لا أجد خلافا في اعتبار ترك الوطء في القبل من الاستبراء ، ولو مع العزل كما لا أجده في اعتبار الاستبراء منه ، إذا كان كذلك أيضا ، لإطلاق النص والفتوى ، ولعله لعدم القطع بعدم الحبل منه ، ولذا يلحق به الولد معه ، ضرورة إمكان سبق الماء من غير شعور ، وغير ذلك.

ومنه يتجه حينئذ ما عند الأصحاب من اعتبار ترك الوطء فيهما خصوصا بناء على إمكان تحقق الحبل بالوطي في الدبر لوجود المسلك منه إلى الفرج فلا يجدي حينئذ العزل كما لا يجدى لو كان في الفرج ، وفرض حصول القطع بعدم الحبل من الوطء نادر ، لا تنزل عليه النصوص والفتاوى ، مضافا إلى أن ذلك هو الموافق للاحتياط المؤكد طلبه في الأنساب.

هذا كله مع‌ ما في الصحيح (١) عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام « قال : سألته عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها ، هل عليه منها استبراء قال : نعم » ‌وأيضا ظاهر النهي في النصوص وغيرها التعبد إذ ليس في شي‌ء منها ما يقتضي كون ذلك من جهة الحبل على وجه يكون عليه المدار ودعوى أن المنساق منها ذلك واضحة المنع ، خصوصا صحيح العزل الذي لا حمل معه غالبا ، ثم إنه لا خلاف أيضا في حصول الاستبراء بحيضة ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ؛ وبه نطقت النصوص أيضا ، فما‌ في الصحيح (٢) « عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٥.

١٩٧

جارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أيجزي ذلك أم لا بد من استبرائها؟ قال : يستبرئها بحيضتين » ‌و‌الصحيح (١) عن الرضا عليه‌السلام « قال : سألته عن أدنى ما يجزي من الاستبراء للمشتري والبائع قال : أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان جعفر عليه‌السلام يقول حيضتان » ‌فشاذ مردود بصريح النصوص والفتاوى ، وفحوى ما دل على الاكتفاء بتام الحيضة أو محمول على الندب ، كما يومي إليه في الجملة‌ موثق سماعة (٢) « سألته عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو يكفيه هذه الحيضة ، قال لا بل تكفيه هذه الحيضة ، فإن استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل » ‌ولعل العامة في المدينة كانوا ينكرون استحباب الحيضتين ، وأما المدة فلا خلاف نصا وفتوى في الاكتفاء بها ، إلا من المفيد في المقنعة في المقام فجعلها ثلاثة أشهر ، وهو مع أنه مخالف لأصالة عدم الزائد في وجه ، ـ ولا مستند له سوى القياس على الحرة المطلقة ، المردود بأن مقتضاه القياس على الأمة المطلقة ؛ وعدتها إذا لم تكن مستقيمة الحيض خمسة وأربعون يوما بالإجماع والاخبار ـ قد وافق الأصحاب في باب لحوق الأولاد من المقنعة ، ولو شك في انتهاء المدة وعدمه ، فالأصل مع الثاني وهو غير أصالة عدم الزائد المتقدمة ومن‌ خبر عبد الله بن سنان (٣) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض فقال : يعتزلها شهرا إن كانت قد مست » ‌المحمول في الوسائل على الغالب من حصول الحيضة في الشهر وإن كان بعيدا ، ويمكن حمله على مجهولة البلوغ بإرادة الندب من الاعتزال المزبور احتياطا هذا.

وقد اتفق ما عثرنا عليه من الفتاوى على التعبير باليوم كبعض النصوص لكن في آخر ليلة ، ويمكن إرادته منها ، والظاهر دخول المنكسر بعد التلفيق ، كما في غيره ، وفي شرح الأستاد أنه تدخل في الخمسة وأربعين الليالي المتوسطة دون الاولى ، والآخرة‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١ ـ ٢

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٤.

١٩٨

والمنكسر لا يحسب يوما مستقلا ، ويقوى احتسابه بالإكمال ، وهو جيد والله أعلم.

وكذلك يجب على المشتري استبراء الأمة بما عرفت إذا جهل حالها بالنسبة إلى وطئ المالك الذي لم يستبرئها منه وعدمه ، فضلا عما إذا علم حالها أنها كذلك ، من غير خلاف يعرف فيه ؛ بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن النصوص كادت تكون متواترة فيه ، بل‌ في بعضها (١) « إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤوهن فأولئك الزناة بأموالهم » ‌أما إذا علم العدم ففي الرياض « لا يجب اتفاقا نصا وفتوى » والمراد العلم بعدم وطئ خصوص المالك ؛ وإن قام احتمال وطئ غيره ، وهو كذلك ، للأصل السالم عن المعارض بعد الاقتصار في النصوص على المتيقن.

نعم قد يشكل الحال فيما إذا علم وطئ غير المالك لها بغير زنا ، فان سقوط الاستبراء فيه والعدة كما يقتضيه ظاهر بعض الفتاوى هنا في غاية الإشكال ، بل جزم الأستاد في شرحه بوجوب الاستبراء فيه ، وهو ظاهر كلامهم في باب النكاح ، بل هو متقضى كونه وطئا محرما ، وقد علم من وضع العدد والاستبراء ونحوهما عدم إرادة الشارع اختلاط الأنساب ، بل يمكن دعوى كون ذلك مجمعا عليه بينهم ؛ على أن ذلك هو مقتضى إطلاق أدلة الاستبراء ، و‌في صحيح الحلبي (٢) عن الصادق (ع) « في رجل اشترى جارية لم يكن صاحبها يطأها أيستبرئ رحمها؟ قال : نعم » ‌اللهم إلا أن يحمل على اخبار صاحبها بذلك ولم يكن ثقة مأمونا.

نعم قد يتوقف في أن الواجب العدة أو الاستبراء ، وهو مبني على تحقيق كون أيهما الأصل في الإماء ومع فرض عدم ثبوت ذلك يتجه مراعاة الأصول في مقتضى كل منهما ؛ فلا يجوز الوطء حتى تمضي مدة العدة ، للأصل ، ولكن لا يجرى حكم العقد في العدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٥ ـ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

١٩٩

وهكذا ، ومقتضى خبر الحسن بن صالح (١) الاكتفاء بالحيضة وإن سبق النكاح ، وقد ذكرنا في كتاب نكاح الإماء ما له مدخلية في المقام فلاحظ وتأمل.

ولا يجب على البائع الاستبراء من احتمال وطئ غيره ، للأصل ، أما مع العلم بالمحترم منه فقد يحتمل القول بالاستبراء فيه ، لكن مقتضى الأصل وظاهر المتن وغيره بل صريح بعضهم خلافه ؛ فصار الفرق بين البائع والمشتري أن الأول إنما يجب الاستبراء عليه من وطئه خاصة إذا أراد البيع دون وطئ غيره المعلوم ، فضلا عن المحتمل ؛ وأما المشتري فيجب عليه من وطئ المالك المعلوم أو المحتمل ، ومن وطى الغير إذا كان معلوما محترما دون المحتمل ، لكن تحصيل تمام هذا التفصيل من النصوص لا يخلو من إشكال ، وإن كان الحكم في البائع موافقا للأصل ، كموافقة عدم وجوب الاستبراء على المشتري من احتمال وطئ الغير ؛ لكن إطلاق النصوص لا ينطبق على ذلك ، اللهم إلا أن تنزل عليه بمعونة الفتاوى فتأمل.

ثم إن المشهور نقلا وتحصيلا عدم اختصاص الاستبراء بالبيع بل كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك من بيع أو هبة أو إرث أو صلح أو استرقاق أو غير ذلك وجب عليه قبل وطئها الاستبراء ، وعن الخلاف الإجماع عليه ، بل قيل : إنه إي الإجماع قد يظهر من الغنية أيضا ، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فخصه بالبائع والمشتري ، للأصل لكن المحكي عنه في باب السراسرى موافقة الأصحاب ، فتكون المسألة حينئذ إجماعية ، ولذلك يتأيد فهم التعدية من النصوص وأن ذكر البيع فيها مثال.

خصوصا في نحو صحيح الحلبي (٢) وخبر عبد الله بن عمر (٣) وغيرهما مضافا إلى‌ خبر الحسن بن صالح (٤) عن الصادق عليه‌السلام « نادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم‌

__________________

(١) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ١ ـ ٨

٢٠٠