جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والوصية ، فضلا عن البيع ، والاستناد إلى الأصل ـ المستفاد من العموم في جنس العقود وأنواعها ، واندفاع الغرر بتميز الثنيا ومعرفة الحدود ـ كما ترى ؛ خصوصا مع وضوح رجوع هذا الاستثناء إلى بيع الأجزاء المعينة من الحيوان الذي قد ادعي الإجماع على بطلانه ، بل يمكن تحصيله في الحيوان الذي لم يقصد به الذبح بل كان المقصود منه البقاء للركوب ونحوه.

وأما القول بالتفصيل بين المذبوح وغيره كما في القواعد ، فيصح الاستثناء في الأول دون الثاني ، فهو متحد مع ما قلناه في الأول ، وما في شرح الأستاد من إشكاله ـ بعدم ارتفاع الغرر بالذبح حتى بعد إتمام السلخ قبل الوزن مع اتصالهما وانفصالهما ، أو فصل أحدهما ـ يدفعه ما عرفت سابقا من منع اعتبار الوزنية في المذبوح قبل السلخ ، بل يمكن منعه أيضا في المسلوخ قبل التفريق كما جرت به السيرة في زماننا ، على أن المانع حينئذ على هذا التقدير الجهالة التي يمكن الاحتيال في رفعها ، لا كون المستثنى جزء معينا كما هو واضح ، وأما منعه في غير المذبوح فهو متجه في الذي لم يرد ذبحه.

وأما ما أريد ذبحه ، فهو على مقتضى الأصل والعمومات وخصوص الروايات ومحكي الإجماع وغيره ، ومن هنا جزم بالصحة فيهما ثاني الشهيدين ، بل والفاضل في المختلف ، الا أنه ينبغي اعتبار ما سمعت فيما لو عدل من إرادة الذبح وأريد البيع مثلا ، كما عرفته مفصلا.

وأما ما حكاه في التنقيح ـ عن بعض فضلاء المتأخرين « من أنه إن كان المستثنى الجلد أو ما منه الجلد فهو باطل لجهالة ، لان الجلد يتفاوت ثمنه بتفاوته في الثخن والرقة ، لكن لا يبطل البيع لأن جهالة المستثنى في هذه الصورة لا يستلزم جهالة المبيع ، فيكون البائع شريكا بنسبة قيمة المستثنى كما دلت عليه الرواية ؛ وإن كان المستثنى هو الرأس والقوائم فهو صحيح ، لانه استثناء معلوم من معلوم ، والضرر في ذلك معارض باستثناء الجزء المشاع ، فإنه جائز اتفاقا ، مع أن الضرر المدعى حاصل فيه » ـ فهو‌

١٦١

من غرائب الكلام ، وكالاجتهاد في مقابل النص ، بل اجتهاد من غير وجه ؛ وجيه ، ومن الغريب حكمه بجهالة المستثنى لجهالة قيمته مع حكمه بالشركة بمقدارها وقياسه الجزء المشاع على المعين.

ومن هنا احتمل بعض مشايخنا عكس ما ذكره ، فأبطل استثناء الرأس لجهالة حده فلا يؤل إلى علم بخلاف الجلد ، والتحقيق خلافهما معا كغيرهما من الاحتمالات المذكورة في المقام ، منها ـ الجمود على مدلول الروايتين ، اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل ، ومنها ـ تخصيص المنع بالمذبوح لدخوله تحت الموزون الذي لا يدفع غرر جهالته وزنه مع الجلد والرأس ، ومنها الاقتصار في المنع على المسلوخ مع بقاء الرأس ، ومع عدمه بشرط عدم الوزن ، لدخوله تحت الموزون ، ومنها ـ قصر المنع على ما لا يؤكل لحمه ، إذ الجميع كما ترى ، بل قيل أن مرجع الأخير منها على الظاهر إلى القول بالجواز المطلق ، لأنه إنما يعقل في المأكول.

قلت قد عرفت في أول البحث أن النزاع فيما يقبل التذكية ، بل يظهر من بعضهم ذلك في المأكول منه خاصة بل قد يقال أن محل النزاع في الذي أريد ذبحه للأكل منه وإن أطلق الأصحاب ، وتحقيق الحال ما عرفت ، والله أعلم.

بل يزيد ذلك تأكيدا ما ذكره المصنف وغيره من قوله وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة حيوانا وشرط أحدهما لنفسه الرأس والجلد ، كان شريكا بنسبة ماله‌ لصحيح الغنوي (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع ، فاشتراه رجل بعشرة دراهم ، وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضى أن البعير بري‌ء ، فبلغ ثمنه ثمانية دنانير قال : فقال : لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فان قال : أريد الرأس والجلد ، فليس له ذلك ، هذا الضرار ، وقد أعطى حقه إذا أعطى الخمس » ‌وقد أفتى بمضمونه من أبطل الاستثناء المزبور في المسألة السابقة كالفاضل وغيره.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

١٦٢

وأشكله بذلك في جامع المقاصد وقال : « لا جواب له إلا بأحد أمرين ، إما أن يكون الحكم في مسألة الشريك مجمعا عليه ، فعمله بالإجماع في موضعه ، أو أن رواية هارون صحيحة بخلاف رواية السكوني ، والذي يقتضيه النظر البطلان مطلقا إن لم يلزم من ذلك مخالفة الإجماع » وفي الرياض بعد ان ذكر الصحيح المذكور قال : « ويأتي فيه ما مر مع ظهوره كما سبق فيما يقصد ذبحه لا مطلقا ، فلا وجه للتعميم على تقدير العمل بهما بعد القول بالفصل بين مورده ، فالجواز وغيره فالمنع كما مضى ؛ إلا أنى لم أقف على مخالف هنا عدا شيخنا الشهيد الثاني ولعله وجه الفرق بينهما في العبارة وغيرها من التردد في الأول والجزم بالحكم هنا وهو حسن إن تم ، وإلا فمجرد صحة السند على تقديرها غير كاف في الخروج عن مقتضى القواعد المتقدمة مع إمكان تأويلها إلى ما يلائمها ».

قلت : لا يخفى عدم الفرق في الحكم بين مورد الصحيح وغيره ، بل مورد الأول بيع الرأس والجلد فضلا عن استثنائهما ؛ ولكن المراد من الجميع ما ذكرناه سابقا من الحيوان المقصود بالذبح للأكل كما اعترف به هنا الفاضل المزبور فيصح استثناؤهما ، وما تضمنه الصحيح المزبور من بيعهما على الوجه المذكور ؛ وأنه ينتقل إلى الشركة على حسب قيمة الرأس والجلد ، ولا ينافيه ملاحظة الثمن في الصحيح المزبور فإنه يمكن رجوعها إليه كما هو واضح.

فقد ظهر أن الصحيح المزبور المفتي به من الجماعة حتى احتمل أنه إجماع ؛ بل لعله الظاهر مؤيد لما ذكرناه سابقا ، كما أنه ظهر أن عبارات الأصحاب ليست منطبقة على المراد من الصحيح المذكور الذي هو المستند لها على الظاهر ، وتحقيق الحال‌

١٦٣

ما عرفت ؛ والمراد بالمال في المتن وغيره قيمة الرأس والجلد كما هو صريح التحرير والإرشاد وغيرهما لا الثمن كائنا ما كانعلى أن يكون المراد لغو الشرط والرجوع إلى الشركة بمقدار الثمن ، ضرورة عدم استفادة ذلك من الصحيح وعدم انطباقه على ما تقدم من اقتضاء فساد الشرط فساد العقد المشترط فيه.

وما في الدروس هنا « من أنه لو اشتركوا في الحيوان بالاجزاء المعينة لغي الشرط ، وكان بينهم على نسبة الثمن » غير ما فرضه الأصحاب من المسألة التي مستندها الصحيح المزبور ، ويمكن أن يكون مراده من الشرط التواطي في غير العقد على وجه لا يلتزم به شرعا مع كون الشراء على جهة الشركة بسبب مزج الثمن ونحوه ، ولعله اليه يرجع ما في حواشيه على قوله في القواعد ولو اشتركا في الشراء واشترط أحدهما الرأس والجلد لم يصح ، وكان له مقدار ماله » قال : « أي تصح الشركة ويبطل الشرط ، وإن كان في بيع بطل ، لتوقف العقد على الشرط الفاسد » هذا.

ولكن في النهاية التي هي متون أخبار قال : « وإذا اشتركا نفسان في شراء إبل أو بقر أو غنم ، ووزنا المال ، وقال أحدهما أن لي الرأس والجلد بمالي من الثمن كان ذلك باطلا ، ويقسم ما اشترياه على أصل المال بالسوية » وظاهره أن المراد بالصحيح ذلك وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت والى أنه خلاف فهم الأصحاب ـ أن الصحيح خال عن ذكر الاشتراط ، وإنما هو ظاهر في شراء الرأس والجلد من البائع وشراء الأخر ما عداهما ، أو أن المشتري باع الرأس والجلد من الأخر الذي أراد شركته ؛ اللهم إلا أن يدعى أن المراد منه أنهما اشتركا في الدراهم المجعولة ثمنا للبعيد على أن يكون الرأس والجلد لواحد منهما عوض حصته في الثمن ، لكنه كما ترى.

والحاصل أن عبارات جملة من الأصحاب غير منطبقة على ما في الصحيح ، إذا الاشتراط المذكور فيها إما أن يكون على البائع ، ومرجعه حينئذ إلى شراء أحدهما مستثنى منه نصفهما وشراء الأخر ، النصف الأخر مع تمامها ؛ ويكون حينئذ شبه شراء الكل مع استثنائهما ، وإما أن يكون الشراء لأحدهما ثم باع النصف الأخر‌

١٦٤

مستثنيا منه الرأس والجلد ، فيكون من قبيل استثناء الكل منهما في بيع الكل ، أو بالعكس بأن يشترطهما للمشتري فيكون من بيع الأعضاء ، لأنه باعه النصف المشتمل على تمام الرأس والجلد.

وعلى كل حال هو خلاف ظاهر الصحيح ، على أن مقتضى ما ذكره الفاضل وغيره من بطلان الشرط بطلان العقد ، بل لو بني على القول بعدم التلازم بينهما لا وجه للشركة المزبورة ، ودعوى ـ أنه لما امتنع تنزيله على الصحة مع البقاء على ظاهره نزل على الإشاعة ، ويكون الصحيح مستندا لذلك ـ واضحة الفساد ، لاقتضاء مخالفة الأصول الشرعية والقواعد المرعية بالغا ظاهر العقد ، وعد متبعيته للقصد ، وحصول الضرر التام غالبا إما على البائع أو المشتري.

بل لا يبعد أن يكون العمل بالرواية على هذا الوجه تهجما على الشرع ، وخروجا عن مذاق الفقه ، فلا محيص عن تنزيلها على ما ذكرنا ، بل هو الظاهر منها عند التأمل ، والمناقشة فيها ـ باحتمال إرادة الاشتراك بنسبة الدرهمين ثم طلب منه الرأس والجلد ، أو إنما اشترك لأجل الرأس والجلد ، معللا لا مشترطا كما عساه يومي إليه قوله ، « وقد أعطى حقه » إلى آخره أو أنه سبق الوعد بإعطائه ومطالبته من جهته ، لا من جهة الاستحقاق ونحو ذلك ـ كما ترى ، وكل ذلك ناش عن عدم الوصول إلى ما ذكرنا ببركة الله ومحمد وأهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعم الاتصاف أن الأصحاب لم يحسنوا التأدية بمضمون الخبر وأحسن ما وقفت عليه من كلماتهم في أصل المسألة ما سمعته من الدروس والله أعلم.

ولو قال شخص لآخر اشتر حيوانا مثلا بشركتي صح ويثبت البيع لهما ، وعلى كل واحد منهما نصف الثمن بلا خلاف ولا إشكال لأنه توكيل في شراء النصف المنساق من لفظ الشركة ؛ إلا إذا أراد الأقل أو الأكثر ، فإنه يتبع حينئذ مع التصريح ؛ ولو تنازعا في القدر ففي الدروس أنه إن كان في الإرادة حلف الآمر وإن كان في نية الوكيل حلف الوكيل إن نقص عما يدعيه الموكل ، وإن زعم الموكل‌

١٦٥

أنه اشترى له الثلث فقال : النصف ، احتمل ذلك ، لأنه أعرف ، وتقديم الموكل ، لان الوكيل يدعي زيادة ، والأصل عدمها ، وفيه مع كون الواقع من الأمر العبارة المزبورة ما لا يخفى ، بل فيه منافاة لقاعدة تصديق الوكيل ، كما هو واضح.

ولو أذن أحدهما لصاحبه أن ينقد عنه ما عليه من الثمن صح قطعا وتلف الحيوان الذي اشتري على وجه المزبور كان بينهما لما عرفت من كونه مشتركا بينهما وكان له الرجوع على الآمر بما نقد عنه باذنه الظاهر في إرادة الدقع عنه ، والرجوع به عليه ، فهو كالوكيل عنه في القرض ، واحتمال أن الأمر بالدفع عنه أعم من ذلك واضح الفساد ؛ إنما البحث في الدفع عنه بمجرد الأمر بالشراء على الشركة ، والأقوى عدم الرجوع إلا لم يكن قرينة تقتضي الدفع عنه ، كالشراء من مكان بعيد ، لا يدفع المبيع حتى يدفع الثمن ، وظاهر ابن إدريس أن قضية الأمر الاذن في النقد ، وإلا لم تتحقق الشركة ، وفيه منع ظاهر ، وإن أطال فيه في المختلف.

نعم قد يشهد له‌ موثق إسحاق (١) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام الرجل يدل الرجل على السلعة ، فيقول : اشترها ولي نصفها ، فيشتريها الرجل ، وينقد من ماله ، قال : له نصف الربح ، قلت : فان وضع يلحقه من الوضيعة شي‌ء؟ قال : نعم عليه من الوضيعة كما أخذ من الربح » ‌لكن مع أنه لم يذكر فيه الرجوع عليه بما نقد ؛ يمكن وجود قرائن حالية تدل على الاذن بالنقد عنه فتأمل جيدا.

ولو قال له : اشتر حيوانا مثلا بالشركة والربح لنا جميعا ولا خسران عليك لو خسر ف فيه تردد ينشأ من عموم‌ « المؤمنون » (٢) ‌و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) » (٣) و‌صحيح رفاعة (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل شارك آخر في جارية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

(٣) سورة النساء الآية ٢٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١ ـ.

١٦٦

له ، وقال : إن ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن كانت وضيعة فليس عليك شي‌ء؟ فقال : لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية » ‌و‌خبر أبى الربيع (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل شارك رجلا آخر في جارية له فقال له : إن ربحت فلك نصفه ، وإن وضعت فليس عليك شي‌ء فقال : لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل ».

وإلى ذلك أشار المصنف بقوله والمروي الجواز وظاهره الميل اليه ؛ بل إليه ذهب جماعة كالشيخ والفاضل في المختلف والشهيد في الدروس ، ومن أنه مخالف لما دل على تبعية والخسران لرأس المال فيكون مخالفا للسنة التي بمخالفتها يكون مخالفا للكتاب أيضا ، وبه جزم الحلي في السرائر ، قال بعد أن حكى ذلك عن الشيخ « أنه غير واضح ولا مستقيم ، لانه مخالف لأصول المذهب ؛ لان الخسران على رؤس الأحوال بغير خلاف ، فإذا اشترطه أحدهما على الأخر كان مخالفا للكتاب والسنة؟ ورده في الدروس بأنه لا نسلم لزوم تبعية المال لمطلق الشركة ، بل للشركة المطلقة ، ومن هنا قال : إن الأقرب تعدى الحكم إلى غير الجارية ، بل للشركة المطلقة ومن هنا قال : إن الأقرب تعدي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات ، ضرورة عدم كون المستند خصوص الخبرين ، بل هما مؤكدان لمقتضى العموم.

وفيه ـ مضافا إلى ما في التنقيح من الإجماع على عدم أراد الحكم في غير هذه الصورة ـ منع شمول العمومات لمثل ذلك ، الذي لم يعلم شرعيته نفسه ، كي يكون الشرط ملزما له ، وأما الخبران فغير صريحين في المطلوب ، مع أن موردهما الجارية ، وكون المشارك هو المالك ، واحتمال الصحيح منهما طيب النفس بعد ظهور الخسران من باب الإحسان ، ولذا قال في التنقيح : « إنا نقول بموجب الأول منهما » إذ معناه أنه إذا شرط عدم الخسران عليه جاز له أن يفي بقوله ، وهو صحيح ، إذ‌« الناس مسلطون على أموالهم ، » ‌فإذا ترك ماله فلا حرج عليه ، وأما لزوم الشرط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٢.

١٦٧

فلا دلالة للرواية عليه ، ولذلك أردف نفي الباس بقوله « إذا طاب نفس صاحب الجارية» ولعل‌ قوله عليه‌السلام في ذيل الخبر الآخر « إذا كانت الجارية للقائل » ‌مشعر بنحو ذلك.

ويقوى في النفس أن ذلك كانت مقاولة بين المالك وغيره ؛ ليساعده على البيع ، أو نحو ذلك ، لا أنها شركة حقيقة ، وبالجملة هما غير صالحين لإثبات الحكم المزبور ؛ مع فرض مخالفته ، وعدم اقتضاء العمومات صحته ، كما هو الأقوى ، وفاقا لجماعة منهم الفاضل في القواعد وغيره في بطلان العقد الذي وقع عليه هذا الشرط في ضمنه ، كما لو باع أحدهما صاحبه بهذا الشرط البحث السابق.

وتسمع إنشاء الله في كتاب الصلح البحث فيما لو صلاح أحد الشريكين الأخر على أن يكون له رأس ماله ، والبقي لشريكه زاد أو نقص ، وفي كتاب الشركة البحث في شرط التفاوت في الربح في عقد الشركة مع تساوى المالين ، والتساوي فيه مع تفاوت المالين ، مع زيادة العمل من أحدهما وبدونه ؛ فلاحظ ، فإن له دخلا في المقام ، ومنه يعلم التنافي بين ما في الدروس في المقامين.

وكيف كان ف يجوز النظر من دون إذن المولى إلى وجه المملوكة ومحاسنها التي هي محال الزينة منها كالكفين والرجلين ونحوهما إذا أراد شراءها لنفسه أو لغيره بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك في باب النكاح أن جواز النظر إلى الوجه والكفين والمحاسن والشعر موضع وفاق ؛ وإن لم يكن بإذن المولى صريحا ، لأن عرضها للبيع قرينة الإذن في ذلك ، ولأن‌ أبا بصير (١) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ فقال : لا بأس أن ينظر إلى محاسنها ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه » ‌وقال له أيضا‌ حبيب بن المعلى الخثعمي (٢) « إني اعترضت جواري المدينة فأمذيت ؛ فقال : أما لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكره » وقال هو أيضا لعمران‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١ ـ ٢

١٦٨

به حارث الجعفري (١) « لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها ».

وفي‌ المروي عن قرب الاسناد (٢) « مسند إلى جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام أنه كان إذا أراد أن يشترى الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها » ‌بل قد يستفاد من هذه النصوص ما في تذكرة الفاضل من جواز النظر إلى ما دون العورة ، وما إليه في الحدائق وإن استبعده كثير ممن تأخر عنه ، وتردد فيه في الدروس ، بل وفي العورة ثم استقرب مراعاة التحليل من المولى ، بل قد يستفاد من خبر حبيب جوازه مع التلذذ ، بل قد يدعى لزومه للإباحة غالبا إذا كانت المنظورة من الجوار الحسان.

لكن صرح في السرائر وغيرها بالحرمة حينئذ ، ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في جواز النظر بين المزوجة وغيرها ، وفي إلحاق نظر المرأة إلى المملوك إذا أرادت شراؤه بالرجل المريد شراء الأمة وجه قوي ، خصوصا مع ملاحظة‌ ما ورد في باب النكاح في التعليل جواز النظر لشعر الامرأة التي يريد تزويجها (٣) « بأنه إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن » وفي آخر (٤) « تعليل النظر إلى المحاسن بأنه مستام » ‌الظاهر في أن الوجه في النظر رفع الغرر والضرر الناشئ من عدم الرؤية هذا.

والأحوط الاقتصار في جواز النظر على إرادة الشراء لا أن المراد النظر أولا ، ثم الشراء هذا وقد سمعت اشتمال بعض النصوص السابقة على جواز اللمس ، واستحسنه في نكاح المسالك مع توقف الغرض عليه ، ولا ريب أن تركه أحوط ؛ ثم إن الحكم مختص بالمشتري ، فلا يجوز للأمة النظر إليه زيادة على ما يجوز للأجنبي ، وفي نكاح المسالك بخلاف الزوجة ، والفرق أن في الشراء لا اختيار لها ؛ بخلاف التزويج.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٣ ـ ٤

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه الحديث ١ ـ ٧ ـ ٨ ـ ١٢

١٦٩

ويستحب لمن اشترى مملوكا أن يغير اسمه عند الشراء‌ قال : زرارة (١) « كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل ومعه ابن له فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام ما تجارة ابنك؟ فقال التنجس فقال : له أبو عبد الله عليه‌السلام لا تشتر شيئا ولا عيبا فإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان ؛ فما من رأس يرى ثمنه في كفة الميزان فأفلح فاذا اشتريت رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا ملكته ؛ وتصدق عنه بأربعة دراهم ».

ومنه يعلم استحباب أن يطعمه شيئا من الحلاوة وأن يتصدق عنه بشي‌ء وان لم يكن المقدار المعلوم ، لظهور عدم ارادة الاشتراط فيه ، وفي الدروس أن الأقرب استحباب تغيير الاسم في الملك الحادث ، قال : « وروي « كراهة التسمية بمبارك وميمون وشبهه » وفي شرح الأستاد استحباب الثلاثة في كل تملك ؛ واختيار الأسماء الشريفة كعبد الله وعبد النبي وعبد علي ، وبما يسمى به عبيدهم كقنبر وبلا وفضة ونحوها ، وأما التسمية بأسماء الأنبياء والأئمة فالأولى تركه ، لخوف إهانة الاسم باستخدامه ، والأمر سهل.

ويكره وطئ من ولدت من الزنا من الأبوين ، وأحدهما في وجه بالملك والعقد ولو تحليلا على الأظهر للفضاضة وفوات النجابة ولخوف العار وللنصوص كحسنة الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قال : سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زنا هل عليه جناح أن يطأها قال : لا وإن تنزه عن ذلك فهو أحب إلى » ‌وهي وغيرها الحجة على ابن إدريس المحرم ذلك بناء منه على كفر ولد الزنا ، وتحريم الكافرة ، وفي المقدمتين منع ؛ وفي الدروس أن العقد أشد كراهية من الملك ، وفي شرح الأستاذ إنه تشتد الكراهة بطلب النسل ، لترتب معظم الفساد عليه ، قلت : ولعله لذا قال في القواعد إنه إن فعل فلا يطلب الولد منها ، أى إن وطئ غير مبال بالكراهة فلا يطلب النسل منها بأن يترك الإمناء أو يعزل أو يطأ في غير القبل أو اليائس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٣.

١٧٠

أو الصغير أو نحو ذلك ».

وفي الدروس أيضا « ويكره الحج والتزويج من ثمن الزانية » وعن أبي خديجة لا يطلب ولد من امرأة أمهرت ما لا حراما أو اشتريت به إلى سبعة آباء ، والأمر في ذلك كله سهل وقد ظهر لك من خبر زرارة السابق كراهة أن يرى المملوك ثمنه في كفة الميزان و‌في خبر قيس (١) « عن الصادق عليه‌السلام من نظر إلى ثمنه وهو يوزن لم يفلح » ‌وربما قيل بهما مطلقا ولو لم يكن في الميزان حملا للنص على المتعارف من وضع الثمن في كفة الميزان عند الشراء ، وفي الرياض أنه حسن لو قام دليل على الكراهة مطلقا وهو غير واضح ؛ قلت : قد يقال يكفى فيها خروج القيد عن ارادة التقييد نعم في تعدية الحكم إلى مطلق العوض والى اللمس اشكال سيما الأخير والأمر سهل والله العالم.

( الثالث : في لواحق هذا الباب )

( وهي مسائل )

الأولى الأمة والعبد قنا أو مدبرا أو أم ولد إلى غير ذلك من أحواله التي لا تخرجه عن الرقية عدا المكاتب الذي ستسمع الكلام فيه محله ، وظاهرهم هناك الملك كما ستعرف إنشاء الله لا يملك عينا ولا منفعة مستقرا ولا متزلزلا من غير فرق بين ما ملكه المولى ، وفاضل الضريبة وأرش الجناية وبين غيرها عند أكثر علمائنا كما في التذكرة بل في السرائر عندنا مشعرا بالإجماع عليه ، كالمحكي عن الانتصار وكفارات المبسوط ، بل في زكاة الخلاف ونهج الحق عليه بل الأول منهما صريح في نفى الملك لما ملكه مولاه ؛ بل في شرح الأستاد أنه المشهور غاية الاشتهار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٢.

١٧١

بين المقدمين والمتأخرين المدعى عليه الإجماع معبرا عنه بلفظه الصريح من جماعة وبما يفيده بظاهره بعبارات مختلفة من نقلة متعددين ، كمذهب الإمامية ومذهب أصحابنا وعندنا.

وفي الرياض أنه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا ، وهو الظاهر من تتبع كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك الا نادرا للأصل في كثير من الموارد مؤيدا بأنه مملوك ، فلا يكون مالكا ، لان مالكيته لغيره فرع مالكيته لنفسه وبأن ما يكتسبه العبد من فوائد ملك المولى ، فيكون تابعا له بل قيل أنه لا يعقل ملك المملوك على وجه يختص به دون مولاه ، لان نفسه وبدنه وصفاته التي من جملتها سلطانه ملموكة فسلطان السلطان غالب عليه ؛ وإليه يرجع ما عن المختلف من أنه لو ملك لما جاز للمولى أخذه منه قهرا ، والتالي باطل إجماعا ولما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح (١) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن رجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو متاع أيجوز ذلك؟ قال : نعم إذا كانت أم ولده ».

وفي شرح الأستاد « أنه يجوز للسيد أن يأخذ ما في يد العبد قهرا بالإجماع محصلا ومنقولا » بل ظاهر في مقام آخر أن المراد بالأخذ ما يشمل التمليك ، فضلا عن التصرف ، وبغير ذلك ولقوله تعالى (٢) ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ) فإن وصف العبد بعدم القدرة بمنزلة الحكم عليه بذلك ، لأن الصفة كاشفة بقرينة السياق والمقام ، وإن كان الأصل فيها التخصيص ؛ بل قيل أن قصد التقييد لا يبقى للمملوكية خصوصية ؛ على عدم القدرة.

هذا كله مضافا إلى‌ صحيح زرارة (٣) عن أبى جعفر عليه‌السلام المستفاد منه المراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستيلاد الحديث ـ ٢.

(٢) سورة النحل الآية ٧٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث ١.

١٧٢

من الآية قال : « المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده ، قلت فان السيد كان زوجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً ) إلى آخره أفشي‌ء الطلاق » ‌و‌موثق شعيب (١) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن طلاق العبد؟

فقال : ليس له طلاق ولا نكاح أما تسمع قوله عبدا مملوكا » ‌الحديث إلى آخره.

وحينئذ فالحكم على العبد بعدم القدرة على شي‌ء يقتضي نفي القدرة له على الملك الحاصل بواسطة الأسباب الاختيارية ، لأن الشي‌ء نكرة في سياق النفي فيكون للعموم ، ولدلالة الاخبار على ارادته منه ، فيتناول ما ذكرناه ، ومتى ثبت امتناع الملك الاختياري للعبد ثبت امتناع الملك القهري له أيضا للإجماع كما في مصابيح العلامة الطباطبائي على نفي التفصيل بهذا الوجه ، ولقوله تعالى (٢) ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ ، فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) فإن الاستفهام فيه إنكاري تقتضي امتناع الشركة بين الأحرار والمماليك بوجه ، ولو صح ملك العبد لأمكن ذلك قطعا ، والمراد من الموصول في قوله فيما رزقناكم جنس الأموال التي رزق عباده لا خصوص الأعيان التي رزقها الأحرار ، إذ لا دلالة في ذلك حينئذ على رفعة شأن الموالي وضعة المماليك ونقصهم لأن التساوي بهذا الوجه منفي في حق الأحرار أيضا.

وعلى كل حال ففي الآيتين إشارة إلى تقرير الامتناع العقلي في تملك المماليك وللنصوص التي تسمعها في المسألة الثانية الدالة على أن العبد إذا بيع كان ما في يده قبل البيع لسيده ؛ إلا أن يدخل في المبيع أو يشترطه المشتري ، ولو كان العبد مالكا لاستمر ملكه له بعد البيع ، ولم يكن شي‌ء من ذلك للبائع ولا للمشتري لانتفاء الناقل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

(٢) سورة الروم الآية ـ ٢٨.

١٧٣

عنه ، ولا كان للسيد بيع المال معه ، لعدم مالكيته له وهو ظاهر.

ومن ذلك يعلم وجه دلالة النصوص المتضمنة أن العبد إذا أعتق كان ما في يده قبل العتق لمولاه ، إلا إذا أقره في يده ، فهي دليل آخر على المطلوب أيضا ، ولان العبد إذا مات وترك مالا كان في يده ، فإنه لمالكه بالإجماع والنصوص المستفيضة ، ولو صح ملك العبد لزم أن يكون المال ميراثا للمولى ، لانه مال انتقل اليه بموت مالكه ؛ ولا نعني بالميراث إلا ذلك والتالي باطل للإجماع كما في المصابيح على أن الحر لا يرث عبدا و‌في الصحيح المروي (١) عن ابى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام بطرق متعددة « أنه لا يتوارث الحر والعبد » ‌فالمقدم اعني مالكية العبد مثله ، ولا يلزم ذلك على القول بانتفاء الملك ، لان ما في يدا العبد ملك للمولى قبل موته فلا يكون منتقلا إليه بعده حتى يكون ميراثا.

وللصحيح (٢) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال : في المملوك ما دام عبدا فإنه وماله لأهله لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصية إلا أن يشاء سيده » ‌بل عن المصابيح أنه صريح في المطلوب ، و‌قوله « الا أن يشاء سيده » ‌إنما يدل على جواز تصرف العبد باذن مولاه ، ولا دلالة فيه على الملك بوجه والمراد من الوصية أن يوصي بما له لغيره ، فإنه جائز مع اذن المولى ؛ لا أن يوصى له ، حتى يدل على الملك ، مع أن في دلالته عليه نظر فتأمل.

ولصحيح محمد بن مسلم (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول « ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) فليس للعبد شي‌ء من الأمر » فإن قوله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ١ الى ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٨.

١٧٤

فليس للعبد شي‌ء من الأمر بعمومه يشمل التصرف والملك ؛ فيدل على عدم الملك ولصحيح عبد الله بن سنان (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : مملوك في يده مال أعليه زكاة؟ قال : لا قلت : ولا على سيده قال : لا لانه لم يصل إليه وليس هو للمملوك ».

إذ حكمه بنفي الملك عن العبد لما في يده يدل على استحالة ملكه ، وإلا أمكن أن يكون له قطعا ، فلا يصح الحكم بأنه ليس له مطلقا ، ولا يتم التعليل بانتفاء الملك في عدم الزكاة ، وللنصوص الواردة في الوصية وغيرها على اختلاف في الدلالة في الظهور ،كالصحيح (٢) « في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية فقال : أهل الميراث لا تجيز وصيتها أنه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه ؛ ويجوز له الوصية بحساب ما أعتق منه ، وقضى في مكاتب أوصى له بوصية وقد قضى نصف ما عليه ، فأجاز نصف الوصية » ‌الحديث الدال على المطلوب من وجوه.

أقواها تعليل الورثة عدم الإجازة بأنه عبد مملوك لم يعتق ، ضرورة ظهوره في اشتهار عدم ملكه للوصية بالعبودية في تلك الأزمنة ؛ وكالأخبار المتواترة (٣) المجمع عليها الدالة على نفي الموارثة بالرقية ، بل جعل بعضهم ذلك دليلا مستقلا ، فقال : إنه لو ملك لدخل المال في ملكه ، بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار ، كالميراث وشبهه ، والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم ، وإن كان قد يناقش في الملازمة بعدم الدليل عليها ، فيحتمل المنع تعبدا ، كالقاتل المعلوم صلاحيته للملك إجماعا ، وكالنصوص (٤) الواردة في وصية المولى لمملوكه بثلث ماله ، وأنه يعتق بحسابه ، ومن هنا قيل : إن تتبع المقامات المتفرقة في الفقه ، المسلمة بين الجميع ، كعدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ٨٠ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب أحكام الوصايا.

١٧٥

الزكاة بل استحبابها ؛ مع ثبوتها في مال الطفل والخمس والحج والكفارات ونفقة القريب ، ومن في يده من العبيد ، ومنعه من التصرفات وإن لم يكن مولاه قابلا للولاية ، وعدم إبقاء ما في يده مع بيعه وإعتاقه ، وعدم ضمانه لمتلفاته إلا بعد عتقه ، وعدم استحقاقه للإرث إلا بعد عتقه ؛ وانتقال ماله بموته للمولى ، وعدم جواز الوصية له ، والوقف عليه ، وعدم حرمة التصرف بضروبه حتى التملك على مولاه ، مع حرمة التصرف بأموال الناس ، وتملك المولى ما كان من فوائد البدن كالحمل واللبن وعوض البضع ونحوه مما لا ريب في أولوية الخارج منه ، وصرف الوصية له من المالك إلى عتقه ، كصرف الوصية لأم الولد إلى عتقها من الثلث ثم إعطاء الوصية وغير ذلك ـ مما يورث الفقيه القطع بعدم قابليته للملك ، فلا تقدح المناقشة في كل واحد منها.

مضافا إلى أن القول بملكه يستلزم جواز تملك كل من العبدين صاحبه في بعض الصور ؛ اللهم إلا أن يمنع الملازمة ؛ فإن القابلية للملك أعم من اقتضائها ذلك كيف كان ، إذ الحر يملك ولا يملك أبويه ، وقد يناقش بأن الحر يملك إلا أنهما ينعتقان عليه قهرا ، فالملك حاصل زمانا ما قبل العتق ، أو متقدم عليه ذاتا كتقدم العلة على المعلول فتأمل جيدا والله أعلم.

هذا كله في القول بعدم الملك وقيل يملك فاضل الضريبة خاصة التي يضربها عليه مولاه ، الا انى لم أعرف القائل به بالخصوص وان نسب الى الشيخ في النهاية والقاضي الا ان الذي عثرت عليه في الأول مع عدم اختصاصه بفاضل الضريبة ، صريح في إرادة ملك التصرف كما حكاه عنه في الدروس لا الرقبة ، قال « المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا ، فان ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه بجميع ما يريده ، وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها اليه ، وما يفضل بعد ذلك يكون له جاز ذلك ، فإذا أدى الى مولاه ضريبة كان له التصرف فيما بقي من المال ، وكذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك ، وحل له التصرف فيه ، وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه.

١٧٦

ونحوه عن القاضي ولذا نسبه إليهما في المحكي عن المهذب نعم قيل إن القول بذلك محكي عن الصدوق والإسكافي حيث قالا : يملك العين لكن لا مستقرا ؛ وفيه أنه أيضا غير خاص بفاضل الضريبة.

وعلى كل حال ف هو المروي صحيحا‌ قال عمر بن يزيد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له ، وقد كان مولاه يأخذ ضريبة ضربها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته ما لا سوى ما كان يأخذ مولاه من الضريبة قال : فقال : إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه ، فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض ، فإذا أدوها إليه لم يسألهم عما سواها ، قلت : للملوك أن يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق؟ قال : فقال : يذهب فيتولى إلى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه ووارثه ، قلت : أليس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا » ‌

مضافا إلى ما في كشف الأستاد من أن عقد الكتابة يقتضي عدم استحقاق المولى سوى ما فرضه لنفسه ، فلو لم يكن الفاضل للعبد ، بقي بلا مالك ؛ ونوقش في الأول بأنه ـ مع قصوره عن معارضة غيره مما عرفت من وجوه ولو كان بالإطلاق أو العموم ومنافاته لما دل على الحجر عن التصرف على تقدير الملك ـ قابل للحمل على إرادة إباحة التصرف له باذن المالك لا لأجل الملك ، بعدم اختصاص اللام به لغة ، والحكم فيها بصحة العتق والتصدق عن العبد يمكن أن يكون كذلك أيضا ، لأن توقفهما على الملك ليس بمعنى عدم صحتها من غير المالك مطلقا ، بل مع عدم الاذن منه في التصرف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١ ـ باختلاف يسير.

١٧٧

والاذن هنا متحقق بالفرض ، وأما اختصاص الأجر به فلان العبد هو المباشر للعتق والسبب التام فيه ، لان المالك لم يقصد شيئا منها بعينه ، بل لم يطلب من العبد التصرف بأسرها ، وإن لم يكن فيها أجر ، وفي الثاني بأنه لا منافاة بين كونه مالا للمولى وكونه محجورا عليه يملكه بعد تمام عتقه أو بعد وفاء بعضه فتأمل جيدا. فإنك تسمع إنشاء الله في كتاب المكاتب المفروغية من ملك العبد فلاحظ وتأمل.

ويملك أرش الجناية خاصة أو مع فاضل الضريبة خاصة على قول آخر لم أعرف القائل بكل منهما ، كالقول بأنه يملك ما ملكه مولاه خاصة ، أو مع أرش الجناية خاصة أو مع فاضل الضريبة فقط أو الثلاثة وإن حكى جميع ذلك شيخنا في شرحه ، بل وغيرها ، فإنه قال بعد أن اختار عدم الملك ، واستدل عليه : « فلا وجه للقول بأنه يملك مطلقا ، ونسب إلى الأكثر في رواية ، وإلى ظاهر الأكثر في أخرى ، أو يملك فاضل الضريبة فقط ، أو أرش الجناية كذلك ونسبا إلى الشيخ وأتباعه ، أو ما ملكه مولاه وربما عد منه فاضل الضريبة ، وما أذن له في ملكه أو المركب منها على اختلاف أقسامه ، أو يملك ملكا غير تام أو التصرف خاصة » ويمكن أن يكون المراد من ذلك الأعم من القول والاحتمال.

وعلى كل حال فلم أجد ما يشهد للقول بملك أرش الجناية سوى ما قيل من أن المولى إنما يملك خدمته والانتفاع به ، وأما النفس فنفسه ، وأما البدن فبدنة ، وأرشهما له ، ولم تتعلق التكاليف بهما ، وفيه ما لا يخفى.

وسوى‌ موثق إسحاق بن عمار (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم ؛ أو أقل أو أكثر فيقول : حللني من ضربي إياك ، ومن كل ما كان مني إليك ، ومما أخفتك وأرهبتك ، ويحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثم إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٣ مع اختلا يسير.

١٧٨

المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد المولى إحلال هي له؟ قال : فقال : لا تحل له لأنه افتدى بها نفسه من العبد ، مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة ، قال : فقلت له : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال : لا إلا أن يعمل له فيها ؛ ولا يعطي من الزكاة شيئا » ‌

وفيه ـ مع أنه ليس من أرش الجناية. اللهم الا أن يدعى أولويته مما الذي هو ليس عوض جناية ، مع أنه من المولى ، فالجناية من الغير حينئذ أولى ، ويناقش بمنع الأولوية ، ومنع القول بما في مضمونه ، حتى تكون الأولوية معتبرة.

ـ أنه قاصر عن معارضة غيره سندا بل ومتنا ، خصوصا مع اشتماله على ما حكي الإجماع على خلافه ، من منع المولى انتزاع ما في يد العبد ، وثبوت الزكاة على العبد وخصوصا مع ظهور ذيله في موافقة العامة هذا. وتسمع إنشاء الله في كتاب القصاص والديات المفروغية من ملك السيد أرش جناية العبد الذي هو مملوك له ، والأرش جبر تفاوت ما مضى من ملكه.

وعلى كل حال فقد ظهر لك ضعف القول بملك ذلك خاصة ، وقوة القول بعدم ملكه ولكن مع ذلك ما المصنف إلى القول بالملك مطلقا ، فقال ولو قيل يملك مطلقا لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى للآية (١) والإجماع بقسميه كالإجماع الذي سمعته سابقا على أن للمولى انتزاع ما في يد العبد قهرا عليه كان حسنا بل ظاهر الشهيد في حواشي اختياره ، وقد سمعت أن الأستاد حكى نسبته إلى الأكثر في رواية ، وإلى ظاهر الأكثر في أخرى ، لكن الذي عثرت عليه من ذلك ما في الدروس والمسالك ؛ ففي الأول « اختلف في كون العبد يملك ، فظاهر الأكثر ذلك » وفي النهاية « يملك ما ملكه مولاه » إلى آخره وفي المسالك « القول بالملك في الجملة للأكثر » وهما معا ليس في الملك مطلقا.

وكيف كان فيدل على ذلك ـ مضافا إلى أنه يحصل به الجمع بين ما يتقضى.

__________________

(١) سورة النحل الآية ـ ٧٥.

١٧٩

الملك ، وبين ما يقضي عدمه ، بحمل الثاني على الحجر وجواز الانتزاع فكان ملكه غير ملك ، لانتفاء هذين اللازمين اللذين هما كالركن في الملكية ـ إطلاق ما دل على خصوص الملك بتحقق أسبابه ، وفإنه يشمل الحر والمملوك ودعوى الانصراف إلى الأول ـ ولو بسبب معلومية حجر العبد ، وعدم جواز تصرفه ، ـ ممنوعة خصوصا في نحو الحيازات للمباحات ، إذ دعوى عدم ملكه لها ـ وإن وقع منه الحيازة كدعوى ملك المولى لها ، بمجرد حيازة العبد لها بغير إذنه ـ لا تخلو من نظر اللهم إلا أن يدعى أن مثل ذلك نماء الملك فيتبعه فيه ، لان نماء كل شي‌ء بحسب حاله ، فتأمل جيدا.

وما يستفاد من تضاعيف الأدلة من قابلية العبد للملك في الجملة ، منها ما سبق ، ومنها ما تسمعه ، فلا مانع حينئذ لأن يعمل السبب مقتضاه ، وليس في الأدلة ما يصلح للتقييد والتخصيص ، كما أنه ليس فيها ما هو صريح في نفي قابلية الملك ، إذا المنساق من الآية الأولى (١) إرادة الحجر في التصرفات ، خصوصا بعد قوله ( وَمَنْ رَزَقْناهُ ) إلى آخره ، لا أن المراد عدم قابلية الملك أصلا حتى مع إذن المولى.

والنصوص المتضمنة لتفسير الآية ـ مع أنه جيب تقييدها بما إذا كان متزوجا أمة المولى بما تعرفه في باب النكاح من أن المشهور كما قيل كون طلاق غيرها بيده ـ كالصريحة في إرادة عدم القدرة بدون الاذن خصوصا مثل‌ صحيح العقرقوفي (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام : « قال : سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد؟ قال : ليس له طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله يقول ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) قال : لا يقدر على نكاح ولا طلاق إلا بإذن مولاه ».

هذا كله بعد الإغضاء عن دعوى كون الوصف كاشفا غير مخصص ، ومن الآية الثانية (٣) إرادة عدم الاشتراك من حيث العبودية ، لا ما يحصل بالأسباب الأخر التي منها‌

__________________

(١) سورة النحل الآية ـ ٧٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٢.

(٣) سورة الروم الآية ـ ٢٨.

١٨٠