جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالرشيد في الخبر المزبور لا شاهد له بل ظاهره إرادة كونه بالغا عاقلا ، هذا وتسمع تمام البحث في أطراف المقام إنشاء الله تعالى.

ويصح أن يملك الرجل كل أحد لعموم الأدلة أو إطلاقها عد أحد عشر فلا يستقر ملك الرجل عليهم ، بل ينعتقون عليه قهرا وهم الإباء والأمهات والأجداد والجدات لهما أو لأحدهما وإن علو أو الأولاد وأولادهم ذكورا وأناثا وخناثا وإن سفلوا والأخوات والعمات والخالات وإن علتا ، لا عمة العمة ولا خالة الخالة ولا عمة الخالة ولا خالة العمة إذا لم تكن عمة وخالة وبنات الأخ وبنات الأخت بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، إذ اقتصار البعض على ذكر البعض ليس خلافا في المقام قطعا كما لا يخفى على من لا حظ بل الإجماع بقسميه على ذلك.

نعم قيل بل نسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر أن المراد من نحو ما في المتن عدم استقرار الملك ؛ فيدخل في الملك آنا ما بعد الشراء مثلا ؛ ثم ينعتق ولعله للجمع بين قاعدة « لا عتق إلا في ملك » وقاعدة « ترتب الملك على أسبابه » وبين ما دل على الانعتاق هنا قهرا ، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المقام في حصول الملك بالشراء ثم العتق ، كقوله « إذا ملك الرجل والدية أو أخته أو عمته عتقوا « وقوله « إذا ملكهن عتقهن » ونحو ذلك ، فالجمع بين ذلك وبين التبعض الآخر الدال على عدم الملك بإرادة المستقر من الثاني وغيره من الأول هذا.

وقد يقال أن ظاهر جملة من النصوص ترتب العتق على نفس الشراء مثلا ، فيمكن أن يكون تقدم الملك على العتق تقدما ذاتيا لا زمانيا ، ومثله كاف في مثل « لا عتق إلا في ملك » ضرورة أنه على تقدير إرادة الزمان يستلزم تخلف المعلول عن العلة ، وهو ممتنع عقلا من غير فرق بين قصر الزمان وطوله ، فالشراء مثلا سبب لحصول الملك والعتق معا ، إلا أنه لما كان الأول سببا في الثاني كان متقدما عليه في الذات لا الزمان كتقدم الشراء على الملك وغيره من العلل والمعلولات ، وحينئذ فيمكن الجمع بين ـ

١٤١

النصوص بذلك ، بل هو أقرب من الأول إلى الضوابط ، فتأمل جيدا ، والله اعلم هذا. وستسمع الحكم في الصبي والصبية والخنثى المشكل.

وعلى كل حال ف هل يملك الرجل هؤلاء من الرضاع قيل : والقائل القديمان والمفيد والديلمي وابن إدريس ، بل نسبه الأخير إلى المحصلين من الأصحاب نعم ؛ وقيل والقائل الشيخ وابنا البراج وحمزة وغيرهم لا ؛ وهو الأشهر بل المشهور بين المتأخرين ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير وأبى العباس وعبيد (١) الذي رواه الصدوق بأسانيد متعددة ، « ولا يملك ( أي الرجل ) أمه من الرضاع ولا ابنته ولا عمته ولا خالته ، فإنهن إذا ملكن عتقن ، وقال : ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع مثل ذلك ، وقال : يملك الذكور ما خلا والدا وولدا ، ولا يملك من النساء ذات رحم محرم ، قلت : يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال : نعم يجري في الرضاع مثل ذلك » ‌ونحوه‌ خبر أبى بصير الأخر (٢) وزاد « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».

و‌صحيح الحلبي وابن سنان (٣) « في امرأة أرضعت ابن جاريتها؟ فقال : » تعتقه » ‌عن المقنع أنه رواه مرسلا ، و‌في صحيح عبيد (٤) « ولا يملك أمه من الرضاعة » ‌و‌سأله ابن سنان (٥) أيضا « عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتي تفطمه ؛ يحل لها بيعه؟ قال : لا ، حرم عليها ثمنه ، ثم قال : أليس قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، قد صار ابنها ، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس مثل هذا يكتب » ‌ونحوه‌ صحيحه الآخر (٦) إلا أن فيه « أنه سئل وأنا حاضر ، » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العتق الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العتق الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ـ ١ ـ.

١٤٢

و‌عن المقنع (١) أنه « روي في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها أنه لا يحل بيعها » ، و‌خبر على بن جعفر المروي عن كتابه (٢) « سأل أخاه عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟ قال : إذا أرضعته عتق ».

و‌صحيح عبد الرحمن (٣) عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال « سألته عن المرأة ترضع عبدها ، أتتخذه عبدا. قال : تعتقه وهي كارهة » قيل و‌رواه الشيخ بسند آخر مثله ، إلا أن فيه « ويعتقونه وهم له كارهون » ‌والظاهر إرادة الانعتاق قهرا ، ومنه يعلم المراد من صحيح الحلبي وابن سنان السابق ، كما أن الظاهر عدم إرادة الاقتصار على الام من صحيح عبيد ؛ للإجماع المركب على خلافه ، ولظهور النصوص في أن العلة علقة الرضاع ، فهذه النصوص مع صحة السند وكثرة العدد وشهرة العمل والمخالفة للعامة لا محيص عن العمل وقطع الأصول بها ، بل ربما ظهر من بعضهم تأييدها بدعوى اندراج ذي العلقة الرضاعية في اسم الأسماء فتزداد حينئذ النصوص الدالة على المطلوب.

لكن لا يخفى ما فيه إلا أنافي غنية عنه بما عرفت مما لا يصلح لمعارضته‌ خبر ابن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع » ‌و‌صحيح الحلبي (٥) عنه أيضا ، في بيع الام من الرضاع؟ « قال : لا بأس بذلك إذا احتاج ».

و‌خبر أبي عيينة (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : غلام بينى وبينه رضاع يحل لي بيعه ، قال إنما هو مملوك ، إن شئت بعته ، وإن شئت أمسكته ، ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران » ‌مع أن الأخير منهما ظاهر في الأخ ، وقد عرفت صحة ملكه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ـ ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العتق الحديث ٢.

(٤) و (٥) التهذيب ج ٨ ص ٢٤٥ الحديث ١١٨ ـ ١١٩ الطبع الحديث.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٤.

١٤٣

في النسب فضلا عن الرضاع ، بل الاستدراك فيه ظاهر في إرادة الأبوين من الرضاع فهو شاهد على المطلوب حينئذ.

ويمكن إرادة بيع الام من الرضاع لأبي الغلام من الثاني الذي قيد البيع فيه بالاحتياج ؛ والمعروف بين المخالف عدمه ؛ أو يحمل الرضاع فيه على غير المحرم أو نحو ذلك كالأول المشتمل على ما يخالف الإجماع وباقي النصوص من عدم حرية الأخ ، بل ربما احتمل كون ( أو ) فيه بمعنى الواو ، إلا أنه لا يخفى عليك بعده ، لكن لا بأس به جمعا بعد ظهور المرجوحية في السند والعدد والعمل ، وإن كان الاولى الحمل على التقية فيما عليه اتفاق العامة كما قيل ، وربما كان في صحيح ابن سنان (١) السابق إشارة إليه إن لم يحمل الإنكار فيه على ارادة الظهور والوضوح والله اعلم

وكيف كان فلا خلاف في ملك الرجل غير من عرفت من الذكور ، وقد سمعت‌

قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح الأول (٢) وفيه أيضا ، « ويملك ابن أخيه وعمه وخاله » ‌كقوله في صحيح عبيد (٣) بعد ذكر العمودين والإناث المحارم ، « ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته من الرجال » ‌و‌سأل عبد الرحمن (٤) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يتخذ أباه وأمه وأخاه وأخته عبيدا؟ فقال : أما الأخت فقد عتقت حين يملكها وأما الأخ فيسترقه ؛ وأما الأبوان فقد عتقا حين يملكها ، » ‌و‌قال أيضا في خبر كليب الأسدي (٥) : « إذا ملك الأبوين ، فقد عتقا ، وقد يملك إخوته فيكونون مماليك ولا ينعتقون ».

لكن‌ في خبر عبيد (٦) « لا يملك الرجل أخاه من النسب ويملك ابن أخيه » ‌وفي موثق سماعة (٧) « عن الصادق عليه‌السلام في رجل يملك ذا رحمه ؛ هل يصلح له أن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العتق الحديث ٣.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العتق الحديث ١ ـ ٤

(٤) و (٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العتق الحديث ٥ ـ ٨ ـ ٦

(٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٦.

١٤٤

بيعه أو يستعبده قال : لا يصلح بيعه ولا يتخذه عبدا ، وهو مولاه وأخوه في الدين ، وأيهما مات ورث صاحبه إلا ان يكون له وارث أقرب منه » ‌و‌سأله أيضا في موثقه الآخر (١) عن ذلك « فقال : لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه وأخوه في الدين ، فإذا مات ورثه دون ولده ؛ وليس له أن يبيعه ولا يستعبده » ‌وحملها على الكراهة متجه ، ولذا قال : المصنف :

ويكره أن يملك ما عدا هؤلاء من ذوي قرابته ، كالأخ والعم والخال وأولادهم وإن كان في استفادة تمام ذلك من النصوص السابقة إشكال ، إذ حاصله كراهة ما يملكه مختار ، وكراهة الإبقاء على الملك في القهرى ولكن أمر الكراهة سهل ، ويكفى فيها الفتوى مع‌

قوله « لا يملك الرجل أخاه » ‌وعدم القول بالفصل والظاهر حمل الفرق فيه بين الأخ وولده على الشدة والضعف ، كل ذلك مع المنافاة لصلة الأرحام والإخلال بالاحترام فلا ينبغي البيع ولا غيره من النوافل ولا الاستبعاد ؛ بل قيل أنه لا ينبغي ذلك في المحترم شرعا لفضيلة علم أو صلاح أو شيخوخة أو علقة بنسب شريف كالهاشمي على اختلاف مراتبها ، وكذا من كان له حق لصداقة أو إحسان أو تأديب أو تعليم ونحو ذلك.

وكيف كان ف تملك المرأة كل أحد عدا الإباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا نسبا بلا خالف أجده فيه نصا وفتوى في المستثنى ، وقد‌ سأل أبو حمزة الثمالي (٢) الصادق عليه‌السلام « عن المرأة ما تملك من قرابتها ، قال : كل أحد إلا خمسة ، أباها وأمها وابنها وابنتها وزوجها » ‌وأما المستثنى منه ، فللأصل والعمومات السالمة عن المعارض فلكن في المقنعة لا يصح استرقاق المرأة أبويها ولا أولادها ، ولا أخاه ولا عمها ولا خالها من جهة النسب وتملكهم من جهة الرضاع ، ولتمام البحث معه محل آخر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب العتق الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب العتق الحديث ـ ١.

١٤٥

وفي العمودين والأولاد لها من الرضاع تردد يظهر وجهه مما عرفت والمنع أشبه وأشهر لما تقدم من أنه يحرم منه ما يحرم بالنسب ، وقرابة الشبهة في المرأة والرجل بحكم الصحيح ، بخلاف قرابة الزنا على إشكال ، أقواه عند الشهيدين ذلك ، لان الحكم الشرعي يتبع الشرع لا اللغة ؛ وفيه ما لا يخفى ، بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه ، وعدم قرينة على المراد الشرعي ، اللهم إلا أن يقال : باستفادة عدم النسب شرعا بالزنا من غير المقام ، ك‍ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة (١) في النهج التي تعرض فيها لانتفاء زياد عن أبى سفيان ، بل لعل‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ‌دال عليه ، بناء ، على كون المراد من الأول أنه لا ولد شرعا إلا للفراش ، لا أنه خاص في التعارض بينه وبين الزنا ؛ بل قد يستفاد ذلك من مقامات كثيرة ، بل كأنه من المعلوم في مقامات متفرقة ، وحينئذ فثبوت أحكام النسب فيه كحرمة نكاح البنت منه مثلا ، للدليل الخاص ولو الإجماع إن لم تكن الضرورة هذا.

وفي الروضة قد يفهم من إطلاق المصنف كغيره الرجل والمرأة ، أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم ذلك لو ملكوه إلى أن يبلغوا. والاخبار مطلقة في الرجل والمرأة كذلك ، ويعضده أصالة البراءة ، وفيه أن ظاهر النصوص والفتاوى كون ذلك من خطاب الوضع الذي لا يخص المكلف ، وقد سمعت ما في صحيح أبى بصير (٣) السابق من ظهور كون السبب الملك خصوصا بعد ملاحظة التعليل في بعض النسخ بل في نصوص أم الولد (٤) وانعتاقها من نصيب ولدها ، إيماء إلى ذلك أيضا ؛ فلا ريب في أن الأقوى عدم الفرق ، بل في شرح الأستاد الإجماع على ذلك ، أما الخنثى‌

__________________

(١) النهج الجزء الثالث طبعة مصر ص ٧٦ الكتب ٤٤ من كتاب له عليه‌السلام الى زياد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الاستيلاد.

١٤٦

المشكل ففي إلحاقها إذا كانت مالكة بالرجل أو المرأة نظر ، من الشك في الذكورية التي هي سبب عتق غير العمودين والأولاد ، فيوجب الشك في عتقهم ، والتمسك بأصالة بقاء الملك ، ومن إمكانها ؛ فينعتقون لبنائه على التغليب ، وكذا الإشكال لو كان مملوكا ، ولعل الأقوى إلحاقها بالأنثى في الأول ، والذكر في الثاني ، تمسكا بالأصل فيهما ، وتوقف في الدروس في الثاني منهما ، واستقرب في الأول ما ذكرنا ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا بين الملك القهري والاختياري ولا بين الكل والبعض ؛ فيقوم عليه باقيه ان كان مختارا. والله أعلم.

وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه بشراء أو اتهاب أو نحوهما استقر الملك كما هو مقتضى العمومات ولم تستقر الزوجية المنافية للملك فلا تجمع معه بل تبطل إجماعا بقسميه ، لظهور التفصيل في قطع الشركة بين الأسباب المسوغة للوطء ، بل قيل إنه إجماع فضلا عن ظهور الكتاب والسنة ؛ ولعله لاختلاف اللوازم والتوابع لكل من الأسباب ، لكن قضية الاستصحاب بطلان اللاحق وبقاء السابق ، وهو كذلك فيما عدا لحوق النكاح للتحليلى فإن الظاهر بطلانه به ، لقوته عليه نحو ما نحن فيه من بطلان النكاح بالملك لمثل ذلك ؛ ولا يترجح بقاء الزوجية على ما يقتضي الملك من العمومات وغيرها.

قال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح محمد بن قيس (١) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها فأنكحها عبده ثم توفي سيدها وأعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه ، ثم توفي ولدها فورتثت زوجها من ولدها فجاءا مختلفين ، يقول الرجل لا أطلقها ، وتقول المرأة عبدي لا يجامعني ، فقالت المرأة يا أمير المؤمنين إن سيدي شراني ، فأولدني ولد اثم اعتزلني ، فأنكحني من عبده هذا ، فلما حضرت سيدي الوفاة فأعتقني عند موته ، وأما زوجي هذا فإنه صار مملوكا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ ـ.

١٤٧

لولدي الذي ولدته من سيدي ، وإن ولدي مات فورثته ، فهل يصلح له أن يطأني؟ فقال لها : هل جامعك منذ صار عبدك وأنت طائعة؟ قالت : لا يا أمير المؤمنين ، قال : لو كنت فعلت لرجمتك اذهبي ، فإنه عبدك ليس له عليك سبيل ، إن شئت أن تبيعه وإن شئت أن تعتقيه ».

و‌سمع عبد الله بن سنان (١) أبا عبد الله في الصحيح « يقول في رجل زوج أم ـ ولد له مملوكا ثم مات الرجل فورثه ابنه ، فصار له نصيب من زوج أمه ، ثم مات الولد أترثه أمه فقال : نعم ، قال : فإذا أورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال : تفارقه وليس له عليها سبيل وهو عبد » ‌وقال أيضا‌ في موثق إسحاق بن عمار (٢) « في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته؟ قال : ليس بينهما نكاح ».

و‌سأله أيضا سعيد بن يسار (٣) « عن امرأة تكون تحت المملوك فتشتريه ، هل يبطل نكاحه؟ قال : نعم لانه عبد مملوك لا يقدر على شي‌ء » ‌وهذه النصوص و. ان كانت خاصة في إحدى الصورتين إلا أني لم أجد قائلا بالفصل بينهما.

مضافا إلى ما عرفت وعلل مع ذلك ؛ بأن بقاء الزوجية يستلزم اجتماع علتين على معلول واحد شخصي ، وفيه أن علل الشرع معرفات ، وبأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ، وفيه بعد تسليم عدم الاختلاف هنا ، منع اعتبار ذلك فيها بعد كونها معرفات ، ولو فرض أن لكل منها لازما يناقض الأخر ، فأقصاه التعارض بين اللوازم بعد الاتفاق على الحل ، فيرجع فيه إلى الترجيح إن كان ؛ وإلا فالتخيير ، أو غير ذلك مما يقتضيه الضوابط.

هذا بعد فرض ذلك ، وإلا فالمقام لا تناقض بين أحكامه غالبا ، فإن عدم القسم للمملوكة مثلا من حيث الملك ، لا من حيث الزوجية وهكذا ؛ فالأولى الاستدلال بما عرفت ، والظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين ملك الكل والبعض ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٤ ـ ٢

١٤٨

إذ البضع لا يتبعض ، وقد عرفت انقطاع الشركة بالتفصيل ؛ كما أنك سمعت ما يستفاد منه حكم ملك البعض من النصوص ، بل قيل إنه إجماع.

وكذا لا فرق بين الدائم والمنقطع والتحليل ، لاتحاد المدرك ، ولو ملك فزال الملك لفسخ بخيار ونحوه ، لم يعد النكاح ، والحكم في المعاطاة وزمن الخيار وقبل القبض يتبع الملك وعدمه ، ولا فسخ في الفضولي قبل الإجازة على القول بالنقل ، ولا يمنع عن الوطء ، وعلى الكشف ففي شرح الأستاد يمنع عنه إن كانت الزوجة هي المشترية ويتوقف العلم بحصول الفسخ من حين العقد عليها.

وفيه أن أصالة عدم حصول الإجازة تكفي في ذلك ، اللهم إلا أن يفرق بين الوطء وغيره ، والموقوف عليه خاصا مالك دون العام ، فلا ينفسخ به النكاح على الأقوى ، كما صرح به شيخنا في شرحه ، قال : وكذا الحال في المشتري من مال الزكاة ونحوها مما يملكه الفقراء أو مما يدخل في ملك المسلمين ؛ مع دخول الأخر في المالكين وهو جيد ؛ ولو أريد العقد على الجارية المفروض كونها من ذلك ابتداء تولاه الحاكم القائم مقام المسلمين ، فتأمل جيدا. والله اعلم.

ولو أسلم العبد الكافر وهو في ملك مثله في الكفر أجبر المولى على بيعه من مسلم ولمولاه ثمنه كما تقدم سابقا لعدم السبيل ، و‌قال الصادق عليه‌السلام في المرفوع إلى حماد ابن عيسى (١) « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بعبد لذمي قد أسلم ، فقال : اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ؛ ولا تقروه عنده » ‌وهو ظاهر في بيع غيره له ، وإن لم يتعذر جبره على البيع ولا بأس به ولتحقيق البحث في ذلك كله وفروعه مقام آخر ، ومنها أن بحكم إسلامه إسلام أحد أبويه صغيرا أو أحد أجداده بناء على ثبوت حكم الإسلام له ، فينتفى سبيل الكافر عليه ، والله أعلم.

ويحكم برق من أقر على نفسه بالعبودية إذا كان مكلفا رشيدا غير مشهور بالحرية ولا معلوم الانتساب ولو شرعا إلى ما يستلزمها ، بلا خلاف أجده ، لعموم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ١.

١٤٩

« إقرار العقلاء » (١) ‌ولصحيح عبد الله بن سلام (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله يقول :كان على بن أبى طالب عليه‌السلام يقول : الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة » ‌و‌في خبر زكريا بن آدم (٣) « إني سألت الرضا عليه‌السلام عن سبى الديلم؟ ويسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمين عليهم بلا إمام ، أيحل شراؤهم؟ قال : إذا أقر بالعبودية فلا بأس بشرائهم » ‌إلى غير ذلك.

وخلاف ابن إدريس في اللقيط خاصة للنصوص السابقة ؛ وأصالة الحرية لا تعارض الإقرار الذي هو بمنزلة البينة بالنسبة إلى ذلك ، بل قد يظهر من المصنف وغيره عدم اعتبار الرشد في ذلك ، وفيه البحث السابق ، ودعوى توقف صحة الإقرار على الحرية حتى لا يكون إقرارا في حق الغير واضحة الفساد بالنسبة إلى الإقرار على النفس. نعم إنما يمضي الإقرار في حق المقر ، فإقرار المرأة تحت الزوج لا يسمع في حقه ، وكذا إقرار من عقد عقدا لازما أو عمل متبرعا أو أباح شيئا فتلف إلى غير ذلك مما يمضي على تقدير الحرية ، إلا إذا كان الغير مصدقا ولو استلزم رفع حد أو تخفيفه أو رفع وجوب نفقة أو نحوها فيما له ، لا فيما عليه إلا في خصوص الحد وشبهه ، للشبهة.

وكيف كان ف لا يلتفت إلى رجوعه عن الإقرار السابق الذي لم يذكر له تأويلا محتملا وإن أقام بينة على ما رجع إليه من دعوى الحرية ، لأنه كذبها بإقراره السابق فلم يثبت حجيتها في هذا الحال ، أما لو ذكر تأويلا محتملا كان يقول كنت أرى أن رقية أحد الوالدين تقتضي برقية الولد ، أو لم أعلم بانعتاق أحد أبوي حال الانعقاد ، أو نحو ذلك ، أمكن قبول البينة ، كما صرح به جماعة في المقام وغيره ، لعموم دليل حجيتها ، وارتفاع معارضة الإقرار لها بذكر الاحتمال المزبور الذي به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإقرار الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العتق الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٢.

١٥٠

ترجح قبولها عليه كما أنه أرجح منها إذا لم يذكر ، ومجرد الاحتمال إن لم يذكر غير مجد على الظاهر مع احتماله ، كاحتمال عدم قبول البينة كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره ، وان ذكر الاحتمال المزبور ، لانه مجرد دعوى لا يرتفع بها ظهور تكذيب البينة المسقط لها عن القبول ، والمسألة محتاجة إلى التأمل التام ، وربما يأتي لها مزيد تحقيق إنشاء الله تعالى.

ولو كان إقراره لمعين فأنكره وجب عليه إيصال نفسه إليه ، بإدخاله في ماله سرا وبنحو الهدية وغير ذلك ، لان الإقرار حجة ، وافقه المقر له أولا ، على أصح القولين والوجهين ؛ عملا بعموم ما دل على صحة الشامل للصورتين ودعوى اعتبار الموافقة في مفهومه أو في حجيته واضحة المنع ولو علم الحاكم بالحال ، ففي شرح الأستاد « أخذه قهرا مع تجويز صدقهما وأجرى عليه حكم مجهول المالك ، كما كان الإقرار بمبهم ، وامتنع عن التصريح » ولعله لما عرفت من حجية الإقرار ؛ فهو به حينئذ صار مالا ، وقد امتنع عن المقر له شرعا بإنكاره ، فيبقى بلا مالك ظاهرا فيجري عليه حكم مجهول المالك ، ومثله المال المقر به لشخص فأنكره ، وفيه مناقشة بعد علم المقر بالمالك وكان تكليفه الدس ونحوه ، اللهم إلا أن يدعى أن للحاكم إجراء الحكم ظاهرا وإن كان للمقر إمضاء ما هو مكلف فيه ، وقد ذكر المصنف في باب الإقرار في نحو ذلك أن للحاكم الانتزاع من يد المقر ، وله الإبقاء فلاحظ وتأمل.

ولو رجع المقر له إلى التصديق قوى قبوله إن لم يسنده إلى مالك آخر ، لعدم المعارض ، وإنكاره السابق غير صالح لمعارضة ما دل على قبول دعوى المسلم التي لا معارض لها ، مع احتمال العدم ، لأن إنكاره يؤل إلى إقرار في حقه فلا يسمع ؛ وفرق واضح بين المقام ؛ وبين إنكار كون المال الذي في يده مثلا لزيد ، ثم الإقرار به الذي لا إشكال في سماع الإقرار به حينئذ فتأمل.

ولو رجع المقر بعد إنكار المقر له إلى دعوى الحرية أمكن قبولها أيضا ، كما صرح به بعضهم لعدم المعارض ، والإقرار السابق إنما يفيد التزامه به بالنسبة إلى المقر له‌

١٥١

ومثله لو أقر بالرقية لغير معين ثم ادعى الحرية ، مع احتمال طلب الحاكم اليمين منه ، بل قد يحتمل عدم قبوله مطلقا ، لانه قد صار ما لا ينبغي للحاكم إيصاله إلى صاحبه ولو بالصدقة ، لكن ضفعه واضح.

وكذا البحث في المال المقر به لشخص معين فأنكره ؛ ثم ادعاه المقر أو أقر به لشخص ما ، ثم ادعاه ، ولعل وجه قبول دعواه فيه أن إقراره إنما هو رفع حكم يده الظاهرة في الملك عنه ، فيبقى هو حينئذ كغيره مما إذا ادعى حكم بكونه له ؛ لعدم المعارض ، لا أن الإقرار أخرجه عن صلاحية الدخول ولو بالدعوى المستأنفة ، وإن كان هو كما ترى ، مع عدم احتمال تجدد الملك ؛ وقد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الإقرار فلاحظ.

ولو رجع المقر له إلى التصديق بعد رجوع المقر الى الدعوى الحرية أو إلى دعوى المملوكية لشخص آخر قد صدقه لم يؤثر رجوعه ، كما لم يؤثر رجوع المقر بعد رجوع المقر له إلى التصديق للإقرار المفروض استمراره إليه ، ولو اقترن رجوع كل منهما ، أمكن اعتبار رجوع المقر دون المقر له فتأمل جيدا ، ولو فرض تعدد الإقرار بالرقية لشخصين أمكن العمل بكل منهما لكن لا على وجه الفردية ؛ بل على معنى أنه إذا اتفق تحريره ممن هو له في الظاهر استرقه الآخر ؛ علما بإقراره كما أوضحنا نظير ذلك في كتاب الإقرار فلاحظ وتأمل.

وكيف كان يقبل إقراره بالرقية وو لو كان المقر له كافرا لأنه إخبار عن ملك لا تمليك مبتدا ، فيخبر حينئذ على بينة لو كان مسلما كما هو واضح وكذا في الحكم بالرقية لو اشترى عبدا مثلا صغيرا أو ساكتا حين الشراء والتعريض للبيع فادعى الحرية بعد ذلك لأصالة صحة فعل المسلم لكن هذا يقبل دعواه مع البينة لعدم تكذيبه إياها بالسابق ، بل لا فيقبل دعواه بدونها إذا كان معرضا في الأسواق مشهورا في الرقية أولا صغيرا أو كبيرا مجنونا أو عاقلا ساكتا أو مقرا حملا للتعريض الذي هو فعل مسلم على الصحة ، فلا تقبل دعوى الحرية منه ولو كان قبل‌

١٥٢

الشراء ، وعليه يحمل‌ خبر حمزة بن حمران (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أدخل السوق فأريد أن اشترى الجارية فتقول : إني حرة؟ فقال : اشترها ، إلا أن يكون لها بينة » ‌أو على الجارية المعلوم سبق مملوكيتها إلا تدعى حصول التحرير لها بعد ذلك.

وبالجملة متى كان للمسلم على آخر يد وتصرف ملك أخذ به حتى تقوم البينة على خلافه ، وأصالة الحرية لا تعارض يد المسلم وتصرفه ؛ لكن في التذكرة « العبد الذي يوجد في الأسواق يباع ويشترى يجوز شراؤه وإن ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا بالبينة ، وكذا الجارية ، إلى أن قال ، أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يشاهد شراؤه له ولا بيعه إياه ، فان صدقه حكم عليه بمقتضى إقراره ؛ وإن كذبه لم تقبل دعواه الرقية إلا بالبينة ، عملا بأصالة الحرية ، وإن سكت من غير تصديق ولا تكذيب ، فالوجه أن حكمه حكم التكذيب إذ قد يكون لأمر غير الرضا ، وإن كان صغيرا إشكال ؛ أقر به الحرية فيه ».

وهو كما ترى يقتضي عدم جواز شراء الأطفال من ذوي الأيدي عليهم الذي من المعلوم ضرورة خلافه ، بل صرح غير واحد أنه لا تقبل دعوى الكبير الحرية مع شهرة الرقية إلا بالبينة ، وطن لم تجر عليه أحكام الرقية من قبل ولا حصل عليه يد ظاهر في الملك بل في شرح الأستاد « سواء بلغت الشهرة حد الشياع وعدمه على أصح الوجهين » وإن كان لا يخلوا الأخير من البحث. نعم قد يقال : إن مدعى رقية الصغير لا تسقط دعوى الصغير الحرية بعد البلوغ ، بل الظاهر كون القول قوله ؛ حتى يقيم المدعى البينة وإن كان قد أثبت يده وتصرف فيه بتلك الدعوى على معنى أنه قد علم استنادهما إلى الدعوى المزبورة ، إلا أن الاتصاف عدم خلو ذلك عن الإشكال أيضا والله العالم.

وأما (الثاني) وهو النظر (في أحكام الابتياع)

فقد تقدم في المباحث السابقة جملة منها ، كالبحث فيما إذا حدث في الحيوان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٢.

١٥٣

عيب بعد العقد وقبل القبض وقد قلنا هناك أنه إذا كان ذلك ف المشتري بالخيار بين رده وإمساكه ، وفي الأرش تردد عند المصنف تقدم وجهه ، والترجيح فيه وكذا تقدم البحث فيما لو قبضه ثم تلف أو أحدث فيه حدث في الثلاثة وقد قلنا هناك أنه إذا كان ذلك فهو من مال البائع ما لم يحدث فيه المشتري حدثا وكذا تقدم البحث فيما وحدث فيه عيب من غير جهة المشتري وأنه لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد بأصل الخيار ، وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردد عند المصنف ، كالتردد فيما تقدم ولكن قال هنا الظاهر لا وأما لو حدث العيب بعد الثلاثة ، منع الرد بالعيب السابق كما عرفت الكلام فيه مفصلا فلاحظ وتأمل والله أعلم.

وإذا باع الحامل من الإنسان أو الحيوان ولم يكن عرف بالتبعية فالولد للبائع وإن لم يشترطه على الأظهر الأشهر بل المشهور ، بل ربما ادعي عدم الخلاف فيه ؛ بل في السرائر الإجماع عليه ، للأصل بعد عدم دخول الحمل في متعلق البيع ، إذ دعوى الجزئية الحقيقة التي هي بعض المبيع واضحة المنع ، سيما بعد ثبوت الأحكام الشرعية له مستقلا ، كالتحرير والتدبير والوصية والعتق والإرث وغيرها و‌خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « في رجل أعتق أمة وهي حبلى ، فاستثنى ما في بطنها ، قال : الأمة حرة وما في بطنها حر ، لأن ما في بطنها منها » ‌مع ضعف سنده وإعراض المشهور عنه في ذلك الباب أيضا معارض بغيره‌ كالموثق (٢) « سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام ؛ عن امرأة دبرت جارية لها ، فولدت الجارية ، جارية نفيسة فلم ترد المرأة حال المولودة هي مدبرة أم غير مدبرة ؛ فقال متى كان الحمل بالمدبرة؟ أقبل ما دبرت ، أم بعد ما دبرت؟ فقلت : لست أدرى ، ولكن أجبني فيهما جيمعا ، فقال : إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها ، فالجارية مدبرة والولد رق ، وإن كان طنما حدث الحمل بعد التدبير ، فالولد مدبر في تدبير أمه » ‌و‌رواه الصدوق مرسلا (٣) وزاد « لان الحمل إنما حدث بعد التدبير » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب العتق الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ٢.

١٥٤

ولو حدث الحمل عند المشتري كان له بلا خلاف أجده هنا ، لانه نماء ملكه ، بل لو شك في زمان حدوثه كان له أيضا ، وقال بعض مشايخنا : إلا أن يعلم تاريخ الحمل ويجهل تاريخ العقد ففيه إشكال ، قلت : منشأه أصالة تأخر المجهول عن المعلوم ، وفيها بحث ذكرناه في محله وحينئذ يكون كمجهولي التاريخ الذي ينفى الاقتران فيه الأصل ، والظاهر كونه هنا للمشترى ؛ لكونه نماء ملكه في الظاهر ، فلا يخرج عنه إلا بالعلم بسبقه على ملك المشتري فتأمل جيدا.

فإنه قد يمنع الظهور المزبور ، بعد عدم الدليل عليه ، لا من أصل ولا قاعدة ، فيتجه حينئذ الرجوع إلى القرعة أو القسمة بينهما مع فرض دعوى كل منهما ، اللهم إلا أن يكون دليله ما تسمعه أنشأ الله تعالى فيما يأتي من الحكم بالملكية لما يوجد في الصندوق مثلا إذا لم يكن عليه يد غيره. ولما يوجد في داره ونحو ذلك ، وإن لم يكن صاحب الدار والصندوق عالما أنه له ، فإنه يمكن أن يقال هنا بعد أن صار ذو النماء ملكا له ؛ يملكه لما يوجد من النماء تبعا لأصله ؛ ما لم يعلم سبقه ، ولو حدث بين العقد والإجازة ، كان للناقل على النقل : لعدم حصول الملك قبلها ؛ ونحوه غيره مما حصل قبل تمام شروط الملك ، أما على الكشف فهو للآخر ، كما هو واضح ، ولو حدث بعد العقد ، ثم فسخ المشتري ببعض أسباب الخيار كان له كغيره من النماء ، والمرجع في تحقق الحمل العرف ؛ وفي شرح الأستاد « أنه يتحقق بالتكون علقة فما بعدها ، وفي انعقاد النطفة بحث ».

وكيف كان فهو للبائع مع الشرط ، أو الإطلاق إلا أن يشترطه المشتري فإنه يكون له بلا خلاف ، للأصل والعمومات ، بل قد ظهر لك ضعف الخلاف في الأولين ، وإن حكي عن المبسوط والقاضي في المهذب والجواهر ؛ فقالا إنه للمشترى مع الإطلاق للجزئية ، بل مقتضاه عدم جواز استثناء البائع له بناء على عدم جواز استثنائه ؛ كما تسمعه في الجلد والرأس.

بل في السرائر « عن المبسوط والجواهر التصريح بأنه لا يجوز له أن يشترط‌

١٥٥

الحمل ، لانه كعضو من أعضاء الحامل ؛ ثم قال : وبينا أن هذا مذهب الشافعي ، لا اعتقاد شيخنا أبي جعفر ، لانه يذكر في كتابه المشار إليه مذهبنا ومذهب غيرنا ، فابن البراج ظن أنه اعتقاد شيخنا أبى جعفر ومذهبه ، فقلده ونقله وضمنه كتابه جواهر الفقه ، وإنما قلنا ذلك ، لان إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم منعقد على أنه بمجرد العقد يكون الحمل للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع ؛ وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في جميع تصنيفاته وكتبه ، عدا ما ذكرناه واعتذرنا له به من ذكره مذهب المخالف لنا » وهو إن كان جيدا موافقا للمختار ، إلا أنه لا يخلو بعض ما ذكره من منع.

وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت من عدم دخوله في ملك المشتري حتى يشترطه فيثبت له معه حينئذ ؛ بل قيل على حسب شرطه وحدة ، وتعددا ، ذكورة وضدها ، كما أنه قيل أيضا في جواز اشتراطه مع جهلهما أو جهل إحداهما بوجوده ؛ أو في سنة منفصلة عن العقد أو جمل سوى الموجود ـ وجهان ، وفيهما معا بحث وإن اقتضاهما عموم (١) ‌« المؤمنون عند شروطهم » ‌ولا تقدح جهالة المشترط بعد أن لم تكن راجعة إلى الثمن والمثمن ، وعدم الاكتراث فيهما عرفا للتبعية ، بل الظاهر لها جواز الضم على جعل الحمل بعض المبيع ، كان يقول بعتك الدابة وحملها بكذا ، خلافا للتذكرة فلم يجز لجهالة بعض المبيع ، وفيه منع قدحها هنا مع إرادة الضم ، للسيرة المستمرة وغيرها ، بل في شرح الأستاد أن القول بجواز بيعه معها بدون قصد الضم قوي.

نعم لو بيع الحمل منفردا فلا بد من اعتبار الشرائط في البيع المستقل ؛ ومثله لو جعل له ثمن مستقل في ذلك العقد ، إذ المتيقن من السيرة بيع الحمل مع الحامل بثمن واحد بقصد الانضمام أو بدونه ، لا مع قصد عدم الانضمام ؛ والفرق بين أخذه شرطا وشطرا في عموم ظهور العدم ، فان له الإبقاء مجانا والرد على الأول ، ويضاف إليها على الثاني استرداد ما قابل الحمل من الثمن مع الإبقاء ، ولو انكشف موته حين العقد ، تبعضت الصفقة على الثاني ، وعلى الأول وجهان.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

١٥٦

ولعل قول المصنف ولو اشتراهما فسقط الولد بآفة سماوية مثلا قبل القبض رجع المشتري بحصة الولد من الثمن يوافق التبعيض ، لعدم ذكره الدخول في غير صورة الشرط وكيف كان ف طريق ذلك أن تقوم الأمة مثلا حاملا ومجهضا لا حائلا ويرجع بنسبة التفاوت من الثمن ولو جني عليه إعابته أخذ منه أرش يوم الجناية إن شاء مع اختيار البقاء ؛ ولو لوحظ نفس الحمل لا صفة الحاملية اعتبرت قيمته لا تفاوت الصفتين في وجه ؛ ولو اختلفا ففي شرح الأستاذ قدم قول مدعى اعتبار الصفة دون عين الحمل ، قال : « وفي الشرطية وعدمها يقدم قول الثاني وفيها وفي الشرطية يقدم مدعى الشرطية ، ويحتمل التداعي ، وفي اتحاد الحمل وتعدده يقدم قول مدعى الاتحاد فتأمل جيدا والله أعلم.

ويجوز ابتياع بعض الحيوان الحي مأكول اللحم أو غيره مشاعا إذا كان معينا على وجه يعلم نسبته إلى الجملة كالنصف والربع ونحوهما بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى العمومات وغيرها أما المذبوح فقد جزم بعض مشايخنا بعدم جواز بيع البعض المشاع منه ، وأولى منه المسلوخ ، وهو مبنى على أنه بالذبح يكون موزونا وفيه بحث ، وأما بيع جزء معين من الحي كيده ورجله ، أو نصفه الذي فيه رأسه ، أو الأخر الذي فيه ذنبه ، أو نحوهما فغير جائز إجماعا بقسميه على ما في شرح الأستاد ، وظاهر المختلف وغيره أنه من المسلمات ، بل في الأول « أنه فيما لا يؤكل لحمه أو إذا لم يكن المراد منه اللحم ، بل الركوب والحمل نحوهما من الواضحات التي لا تحتاج إلى شاهد ».

وهو جيد ، إلا أنه قد يشكل الفرق بين الأول : أي ما أريد ذبحه للأكل ، وبين ما تسمعه من الخلاف في استثناء ؛ الرؤوس والجلد ، بل الصحيح الغنوي (١) أو حسنه الذي ستعرف عمل الأصحاب به صريح في بيع الرأس والجلد ، واحتمال اختصاصهما بالحكم المزبور بيعا أو استثناء ؛ مناف لتصريح البعض بعدم الفرق بينهما وبين غيرهما في حكم الاستثناء ، ولما تعرفه من الاتحاد في المدرك ، والجهالة الناشئة من عدم تعيين موضع القطع كالتشاجر إذا اختلفا في إرادة بقاء الحيوان وذبحه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

١٥٧

المترتب على كل منهما تعطيل مال شخص وضرر الأخر ـ مشترك بين الجميع.

فالعمدة في الفرق حينئذ ليس إلا الإجماع إن تم ، وفي التحرير « إن في استثناء الشحم إشكالا » ثم جزم بالبطلان في التذكرة « في الحي والمذبوح » وأما بيع مقدار معين منه بالوزن ، فلا ريب في بطلانه مع الجهالة للاختلاف ؛ بل ظاهر شرح الأستاد أن الإجماع بقسميه عليه ، ولعله كذلك ، اللهم الا أن يدعى انسحاب خلاف سلار في جواز استثناء ذلك إليه قال كما في المختلف : « وكل شرط شرطه البائع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها وحدها أو بعضها بالوزن جائز » ولا ريب في ضعفه.

وكيف كان ف لو باع واستثنى البائع لمأكول اللحم كما في التحرير وظاهر النهاية ، أو ما تقع عليه التذكية كما في حواشي الشهيد ، وعلى كل حال فظاهرهم أن محل الخلاف في ذلك ، ولعل الأول أوفق بخبري الباب ، وإن أمكن بالتنقيح التعدية إلى ما تقع عليه التذكية ، فلو كان الاستثناء من غيرهما بطل ، بل الظاهر أن محل النزاع في صحة الاستثناء من الحيوان المراد ذبحه ، فليس له الاستثناء من الحيوان المراد بقاؤه ، لما عرفت سابقا ؛ ولانه لم يعهد ملكية الحيوان المزبور كذلك.

أما إذا كان مأكول اللحم وأريد ذبحه فباعه واستثنى الرأس والجلد أو ـ أحدهما صح.

ولكن يكون شريكا مع المشتري في الحيوان بقدر قيمة ثنياه على رواية السكوني (١) ‌عن الصادق عليه‌السلام « قال : اختصم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلان اشترى أحدهما من الأخر بعير أو استثنى البيع الرأس والجلد ثم بدا للمشترى أن يبيعه؟ فقال : للمشترى هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد » ‌و‌ما رواه الصدوق (٢) في المحكي العيون بسنده إلى الرضا عن آبائه عن الحسين بن على ـ عليهم‌السلام « أنه قال : اختصم إلى علي عليه‌السلام رجلان أحدهما باع الأخر بعيرا فاستثنى‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ٢ ـ ٣

١٥٨

الرأس والجلد ، ثم بدا له أن ينحره ، قال : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد» ‌بناء على أن المراد البداية له في أن لا ينحره ؛ بقرينة الخبر السابق وبهما أفتى في النهاية والإرشاد ، ومحكي الخلاف والمبسوط والقاضي ، وتعجب منه الشهيد في حواشيه حيث أنه منع من بيع الحامل مستثنى حملها ، لانه كالجزء ؛ وجوز استثناء الرأس والجلد ، مع أنه جزء حقيقة.

وفيه أنه يمكن دعوى خصوصيتهما للنص الذي يصلح فارقا بين المقامين ، ومنه اتجه الحكم بالشركة المزبورة ، وإلا كان المتجه على تقدير الصحة اعتبار خصوص ما استثناه ، ولذا أنكر غير واحد على الشيخ بأن ما اختاره مناف لتبعية العقد للقصد في حق كلا المتعاقدين ، وقاعدة تسلط الناس على أموالهم (١) وأنه‌ لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه (٢) ‌وتوقف الأكل حلالا على التجارة بالتراض (٣) ودعوى أن المراد من الاستثناء المزبور الشركة المذكورة أوضح فسادا كل ذا مع عدم الجابر للخبرين بل الشهرة بسيطة أو مركبة على خلافهما ، قلت : لكن لا يخفى أنه لا يسع الفقيه المنتقد طرح الخبرين المزبورين المعمول بهما في الجملة ، المؤيدين بما تسمعه من صحيح الشركة الآتي (٤) ذالمخالفين للعامة.

نعم تحقيق الحال هو أن الحاصل من التأمل في أخبار المقام صحة الاستثناء بل البيع للرأس والجلد من الحيوان المشتري للذبح ، لأنه حينئذ بمنزلة شرائهما منفصلين فإن حصل الذبح كان للبائع ما استثناه ، وإن بدا لهما أو للمشتري خاصة بيعه مثلا وعدم الذبح فليس إلا الشركة في الحيوان بمقدار قيمة الرأس والجلد ، ضرورة أنهما بالاستثناء المزبور على الفرض المذكور ملك للبائع ، فبيع الحيوان جملة بيع لمملوكين لمالكين بثمن واحد إلا ان زيادة القيمة الحاصلة للحيوان بالبقاء تلحقها‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب مكان المصلى الحديث ـ ١ ـ ٣.

(٣) سورة النساء الآية ـ ٢٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ـ ١.

١٥٩

أيضا لتوقف حياة الحيوان أو بقائه عليهما ، فما حصل من الاجتماع ملك لهما ، وهذا هو المراد بالشركة في الحيوان بمقدار قيمة الرأس والجلد وحينئذ فلا مخالفة للقواعد في هذه الشركة ، ولا يتجه الرد على مضمون النصوص ، بأنه مخالف لقاعدة تبعية العقد للقصد إذا لم تكن الشركة مقصودة لكل من المتعاقدين ، ضرورة انك قد عرفت كون المراد بالشركة ما سمعت الذي لا يرد عليه نحو ذلك ، ويؤيده أيضا في الجملة ما قيل أيضا من أن تعذر أخذ العين يوجب الشركة بحسب القيمة إذ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (١) ‌و « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٢) ‌و « إذا أمرتكم » (٣) ‌ولعله إلى ذلك كله أو بعضه أومئ في الدروس بقوله : « ولو استثنى الرأس والجلد فالمروي الصحة ، فإن ذبحه فذاك وإلا كان البائع شريكا بنسبة القيمة ، » إذ مرجعه بعد التأمل إلى ما ذكرنا ، كما ان قوله أيضا « ولو شرط ذبحه فالأقرب جواز الشرط إذا كان مما يقصد بالذبح ، فان امتنع فالأقرب تخير البائع بين الفسخ وبين الشركة بالقيمة » منطبق عليه أيضا إذ الفسخ لعدم الشرط ، والشركة لما عرفت ، فإن أراد من أفتى بمضمون النصوص ما ذكرناه ، فذاك ، وإلا كان في غاية الإشكال ؛ ضرورة عدم ظهور النصوص في أن الاستثناء المزبور يوجب الشركة المذكورة في الحيوان على كل حال ، سواء ذبح أولا ، بل لو سلم ظهورها في ذلك لم يكن ليجبر بها على هذا الحكم المخالف للقواعد العظيمة أي مخالفة ، بل لا نظير له في الشريعة كما هو واضح.

وأما القول بالصحة كما عن المرتضى والإسكافي والتقى والحلي ، بل نسبه بعض إلى جميع من المتقدمين والمتأخرين ؛ بل في الانتصار أنه مما انعقد عليه إجماع الإمامية ، فإن أريد بها على الوجه الذي ذكرنا فمرحبا بالوفاق ، وإن أريد بها مطلقا أى سواء كان القصد ذبح الحيوان أولا ، وسواء ذبح أولا ، فهو في غاية الإشكال ، بل يمكن دعوى ضرورة الشرع على خلافه فيها هو أوسع دائرة من العقود المملكة كالصلح‌

__________________

(١) و (٢) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٣) سنن البيهقي ج ـ ١ ص ٢١٥.

١٦٠