جواهر الكلام - ج ٢٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ثلاثة أحدها بيع الزرع بحب من جنسه ، الثاني بيع السنبل بحب من جنسه ، الثالث بيع سنبل الحنطة والشعير بحب منهما ، والأول لا دليل له الا الموثق المنزل على ما عرفت ولو بملاحظة الخبرين الأخيرين المنافيين له من حيث التفسير ؛ بناء على أن الحرمة فيه من جهة المحاقلة لا تعبدا ؛ للإجماع على كون المنع هنا لذلك ؛ والتعليل فيه إن أمكن إرادة الإشارة به إليها فذاك ؛ وإلا فلا وجه له ظاهرا ضرورة انتفاء الربا هنا بعد انتفاء شرطية الكيل والوزن ، وأما الثاني فلا دليل له إلا الموثق أيضا المنزل على الخبرين لما عرفت ، فتعين حينئذ المختار. وفي التحرير « بيع المحاقلة حرام وهي بيع الزرع بحنطة أو شعير » وهو عين ما قلناه ، بل لعله يرجع إليه غيره وعن ابن المتوج التصريح به أما غير الحنطة والشعير فلا محاقلة فيه حينئذ كما لا تحريم سواء بيع بالجنس أو بغيره وبالرطب وغيره ، لما عرفت من عدم جريان الربا فيه ، ولا تعليل النقصان بعد الجفاف كما مضي بالبحث فيه سابقا.

المسألة الرابعة لا خلاف بيننا بل وبين سائر المسلمين عدا أبي حنيفة في انه يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه في أعلى مراتب الاستفاضة إن لم يكن متواترا ، بل في المسالك « انه أجمع أهل العلم عدا أبي حنيفة على أنه مستثنى من تحريم المزابنة » وهو شاهد على أن المزابنة ما ذكرنا لما ستعرف من عدم جواز بيع العرية بخرصها تمرا منها ، لأنه إن لم تكن المزابنة ذلك لم يكن للاستثناء وجه معتبر ضرورة اتحاد الجميع في المنع إذا كان منها ، والجواز إذا لم يكن. فمن الغريب ما في الحدائق من انه لا وجه لهذا الاستثناء إلا اشتهار المنع ، وإلا فالحكم في الجميع متحد ، وفيه مضافا إلى ما سمعت ظهور نصوص العرية في الاستثناء ففي خبر السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرايا أن تشتري بخرصها تمرا ، قال : والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في دار آخر فيجوز له بيعها بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك في غيره» ‌و‌في خبر أبي القاسم بن سلام (٢) المروي عن كتاب معاني الأخبار بإسناد متصل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه رخص عليه‌السلام في العرايا واحدتها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء أن يبتاع‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

١٠١

تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته ، قال وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بعث الخراص قال : خففوا الخرص فإن في المال العرية والوصية ».

وفي مفتاح الكرامة إن الذي وجدته في الكتاب المزبور ذلك إلى قوله والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها ، يقول رخص لرب النخل أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته وعلى كل حال فهما دالان على ما ذكرنا ؛ ومن أولهما سواء قلنا أن التفسير من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الراوي يظهر ما ذكره المصنف وغيره من أن العرية هي النخلة تكون في دار الإنسان بل لا أجد فيه خلافا بينهم إلا من المحكي عن المبسوط ومهذب ابن البراج من أنها النخلة لرجل في بستان غيره ، يشق عليه الدخول إليها ، مع أن المحكي عن خلاف أولهما أنها النخلة تكون في بستان الإنسان أو غيره ، وكامل ثانيهما نخلة تكون في دار الإنسان لغيره فلا ينبغي التأمل في صدق العرية عليها سيما بعد كونها معقد إجماع جماعة.

بل صرح الفاضل والشهيد وغيرهما بأنه قال ، أهل اللغة : أو بستانه وهو حسن خصوصا بعد ما سمعت من خبر ابن سلام ، الظاهر في ذلك ، فالجمع بين الخبرين يقتضي الجمع بينهما ، كما هو المحكي عن أهل اللغة وفي الغنية « ورخص عليه‌السلام في بيع العرايا ، وهو جمع عرية وهي النخلة تكون لإنسان في بستان غيره أو في داره يشق عليه دخوله إليها ، فيبتاعها منه بخرصها تمرا ، بدليل الإجماع من الطائفة على هذا التفسير ، وقد فسر أبو عبيدة العرية بما قلناه ، بل عن المهذب البارع تعدية الحكم إلى المعصرة والخان والبزارة والدباسة ، وتبعه في الرياض ، قال : « وظاهر إطلاق خبر ابن سلام مضافا إلى التعليل فيه ينادى بالعموم للبستان وغيره أيضا كالخان ونحوه ؛ والسند وإن قصر إلا أنه بالشهرة منجبر ».

وفيه أنه لا شهرة على التعميم ؛ بل هي على العكس متحققة ؛ والظاهر أن المذكور‌

١٠٢

منه ليس علة حقيقة ؛ وإلا لدار الحكم معها حيث دارت ، فلا يجوز مع عدم الحاجة ، ويجوز معها وإن كانت في داره ، ومن المعلوم خلافه ، والظاهر إرادة حاجة المعرا بالفتح باعتبار حاجته إلى التمر لا المعري بالكسر ؛ فإنه لا حاجة تدعوه إلى شرائها بالتمر ضرورة اندفاع الهجوم على داره وبستانه بشراء ثمرتها ولو بغير التمر ، اللهم إلا أن يكون المراد أنه لمكان حاجته في عدم الهجوم على داره شرع له شراؤها بتمر إذ قد يمتنع صاحبها من بيعها إلا بذلك ، وفي جملة من العبارات ما يظهر منه أن المشقة على البائع الدخول الى ملك غيره.

وعلى كل حال فليست هي علة يدور الحكم مدارها ؛ ومنه يظهر النظر فيما ذكره أيضا من الاستناد إلى التعليل المزبور في التعدية إلى مستعير الدار ومستأجرها ، المصرح به في كلام الفاضل والشهيدين وغيرهما ؛ قال : « وليس في الرواية الأولى كبعض العبارات من حيث التقييد فيها بصاحب الدار ، منافاة لذلك ، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة » لما عرفت من أن ذلك حكمة لا علة والإضافة بأدنى ملابسة من المجاز الذي لا يحمل عليه إطلاق اللفظ.

وفي التذكرة « ظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع من بيع العرية علي غير مالك الدار والبستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان على إشكال » ونحوه في القواعد ، وعن الإيضاح أن وجهي الإشكال التضرر بتطرق الغير في ملكه ، والعموم ، وفي جامع المقاصد « إن ظاهر الشارحين كون الإشكال في مشتري الثمرة ، والتحقيق أن القول في شرح العرية غير منضبط ، لان كلام أهل اللغة فيه مختلف ، فينبغي أن يقال : ما ثبت القول بجوازه عند الأصحاب يجوز فيه ، اعتضادا بعمومات صحة البيع ، ونظرا إلى مشاركة العلة ، ولصدق إضافة الدار والبستان إلى المالك والمستأجر ومشتري الثمرة وفي الدروس ذهب إلى إلحاق المستعير بالمالك ؛ وللنظر في هذا البحث مجال فإن الإضافة فيما ذكر إنما هو على وجه المجاز ، إلا أن يقال المشقة معتبرة في مفهوم العرية.

١٠٣

حيث قال الشيخ « العرايا جمع عرية وهي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها فيكون المناط فيها المشقة على الغير في الدخول الى بستانه إما لمكان أهله أو لغير ذلك ، فحينئذ يجوز البيع لدفع هذه المشقة فعلى هذا حيث تثبت هذه المشقة في النخلة الواحدة على الغير تثبت الرخصة.

قلت : لم يعد هذا التحقيق إلى حاصل يعول عليه كما أن ما ذكره أخيرا مقطوع بعدمها في كلمات الأصحاب إذ لم يذكر أحد منهم المشقة في مفهوم العرية ولا في شرائط صحة البيع لكن قال بعض مشايخنا : ظاهر المبسوط والخلاف والغنية والتذكرة والمختلف والمهذب البارع والتنقيح أن المشقة معتبرة في مفهومها ، وأنها مناط الحكم إلى أن قال : وبذلك صرح في التحرير والمسالك وغيرهما ، وظاهر الغنية بل صريحها الإجماع عليه ؛ نعم أنكره في كشف الرموز فقال : وشرط الشيخ أن يشق على البائع الدخول ، وشرط التقابض وتابعه المتأخر وصاحب الوسيلة وليس في ، الرواية ذلك.

قلت : الذي يظهر بعد إمعان النظر في كلمات الأصحاب حتى من حكي عنهم ظاهرا وصريحا أن مرادهم من ذلك بيان وجه المشروعية ، وربما يذكرونه بصورة الدليل تأييدا للتعدي المدعى ، ولو باعتبار حصول الظن منه بذلك كما في المختلف في ترجيح تعميم العرية للدار والبستان بنص أهل اللغة ، وباشتراك الموضعين في الحاجة الداعية إلى المشروعية ونحوه غيره ، ولذلك اختلفت كلماتهم في وجهها فربما قررت بالمشقة على صاحب الدار والبستان وربما قررت بالمشقة على مالك النخلة ، وربما قررت بغيرهما ، والحاصل لا يخفى على من تأمل عدم إرادة العلية المصطلحة من ذلك ، والا لاختل كثير من الأحكام المسلمة عندهم فالمرجع حينئذ فيها على المستفاد من اللغة والدليل ، ولو بمعونة شهرة الأصحاب ونحوها ، وما شك فيه يبقى على عموم التحريم والله اعلم.

وكيف كان ف هل يجوز بيعها بخرصها تمرا من تمرها الأظهر‌

١٠٤

بل الأشهر كما عن إيضاح النافع والأكثر كما في الرياض لا بل هو المشهور المحكي عن ظاهرا المبسوط وغيره وصريح الوسيلة والكتاب وما تأخر عنهما ؛ بل لم أجد مصرحا به ممن يعتد بقوله ، نعم احتمله في المختلف لإطلاق الرخصة المنصرف إلى غير ذلك الذي من الواضح اقتضاء قاعدة تغاير الثمن والمثمن هنا في الملك خلافه ، بل في التنقيح أن الدليل عقلي على مغايرة الثمن للمثمن وبه يقيد إطلاق الرخصة ، و‌قوله في صحيح الحلبي (١). السابق « البسر والتمر من نخلة واحدة لا بأس به ، « الى أن قال : « وكذا العنب والزبيب » ‌قد عرفت عدم القائل به في غير العرية ولذا نسبه في الدروس إلى الندرة ، اللهم إلا أن يكون القول به هنا لازما لتفسير المزابنة ببيع ثمرة النخل بتمر منه ، باعتبار معلومية استثناء العرية من ذلك ، فيقتضي جوازه فيها ، لكن لم ينقله أحد عنهم ، وليس في عبارة النهاية التي هي أصل الخلاف في ذلك إشارة اليه.

لكن في الدروس والرياض وغيرهما قيل بالجواز ، وزاد في الثاني أنه فصل بعض بين صورتي اشتراط كون التمر منها ، فالأول والا فالثاني ان صبر عليه حتى يصير تمرا والا فالعقد يجب ان يكون حالا للزوم بيع الكالي بالكالي بدونه جدا وفيه ـ مع ما سمعت من عدم معروفية القائل بذلك صريحا ـ أن التفصيل خارج عما نحن فيه ، إذا الظاهر ارادته ما عن المهذب قال في المحكي عنه : « أنه إذا شرطه أى كون الثمن منها في العقد لم يجز ، وإن أطلق جاز أن يدفع اليه من ثمرتها إن صبر عليه حتى يصير تمر أو إلا فالعقد يجب أن يكون حالا » وأقصاه جواز الدفع منها إن لم يشترط ، وهو مما لا خلاف فيه على الظاهر ، ومراده بوجوب حلول العقد ما تسمعه من اشتراط التعجيل في ثمن العرية وأنه لا يجوز أن يكون مؤجلا فتعليله بلزوم بيع الكالي بالكالي بدونه مما لا وجه له هنا.

فمن الغريب وقوعها منه زيادة في كلام المهذب وكأنه نظر الى أنه لو أجل ثمن العرية والفرض أنها حال البيع غير تمر كان من بيع الكالي بالكالي ، وهو كما ترى ، وإلا لاقتضى البطلان في بيع ثمرة النخل قبل صيرورته تمرا بثمن مؤجل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

١٠٥

ولو كان دراهم ، وهو واضح الفساد.

وعلى كل حال ف لا يجوز بيع ما زاد على الواحدة نعم لو كان له في كل دار واحدة جاز كما في القواعد قال : « ولا يجوز ما زاد على الواحدة اتحاد مع المكان ، ويجوز مع تعدده ، بل قال بعض شراحها : أنى لم أجد مخالفا منا في هذين الحكمين ، وبه صرح في المبسوط والسرائر التذكرة وشرح الإرشاد للفخر والمهذب البارع والتنقيح وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد والمسالك ، وهو قضية كلام الباقين حيث حيث يقيدون النخلة بكونها واحدة ويطلقون البستان والدار ، وهو مقتضى الأصل والمتبادر من النص.

وفي المسالك « إنه يشترط في بيعها أمور منها الوحدة ، فلا يجوز في دار أو بستان أزيد من واحدة فلو كان لمالك اثنتان لم يجز بيع ثمرتها ولا ثمرة إحداهما ، لانتفاء العرية فيهما ، نعم لو تعدد البستان والدار جاز تعددها من الواحد ، وجعل ما في المتن إشارة إلى ذلك ، نحو ما في جامع المقاصد ، بل في التنقيح لم ينسب الخلاف في ذلك إلا للشافعي وظاهره عدم الخلاف فيه منا.

وفي التحرير ولا يجوز أن يبيع جميع تمر حائطه عرايا من رجل واحد ، ومن رجال في عقود متكررة ، نعم لو كان له عدة نخلات في عدة مواضع جاز بيعها عرايا من رجل واحد أو رجال في عقود متكررة ، إلى غير ذلك من عباراتهم وتنقيح المقام يتوقف على أمرين ، الأول أن الوحدة في الدار أو البستان مثلا مأخوذة في مفهوم العرية فمتى تعددت فيه لا عرية في شي‌ء منها ظاهر المسالك أو صريحها ذلك بل ربما كان ظاهر كل من أخذ الوحدة في تفسيرها ، بناء على عدم إرادة وحدة الأخر إذ التي لم يتعارف التصريح بها في تفسيره ، فمع انتفائها حينئذ ينتفي مفهوم العرية.

لكن فيه أولا أنه ينبغي تقييده مع ذلك باتحاد المالك ، أما مع تعدده فالظاهر صدق العرية على كل منهما كما انه ينبغي تقييده أيضا بحصول الثمرة فيهما ، أما لو فرض‌

١٠٦

حصولها في إحداهما دون الأخرى ، فالظاهر صدق العرية فيها دونها ، ولو فرض كون النخلتين مثلا مشتركتين بين اثنين أمكن صدق العرية عليهما باعتبار أن لكل واحد منهما نخلة ؛ إلى غير ذلك مما يتصور تفريعه على هذا التقدير ، وثانيا أن النص وجملة من عبارات الأصحاب خلت عن ذكر الوحدة في تفسير العرية ، بل اقتصرت على أنها واحدة عرايا وأنها هي النخلة في دار الغير مثلا ، ومقتضاه صدق العرايا على المتعددة وان اتحد المكان كما هو مقتضى الجمع ، لا أن مصداقه النخلات في الأمكنة المتعددة أو مع تعدد المالك.

ومن الغريب ما في الدروس من أن العرية نخلة واحدة في دار الغير في رواية السكوني (١) وقال الجمهور واللغويون أو بستانه ، إذ قد عرفت خلو خبر السكوني عن قيد الوحدة ، ويمكن أن يريد بما في خبر السكوني الدار بقرينة ما نقله عن الجمهور ، أو لا يريد الوحدة الداخلة في المفهوم بل هي وحدة الافراد ، بل يمكن أن يريد غيره ، ممن ذكر الوحدة ذلك أيضا وبالجملة دعوى اعتبار الوحدة المزبورة على حسب ما سمعت في غاية الصعوبة إثباتها من اللغة وكلمات الفقهاء التي منها ما سمعت ومنها ما في السرائر « ويجوز بيع العرايا وهي جمع عرية بفتح العين وكسر ـ الراء وتشديد الياء ، وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول إليها أو في داره ، إلى أن قال : وإن كان له نخل متفرق في كل بستان نخلة جاز أن يبيع كل ذلك واحدة واحدة بخرصها تمرا بيع العرايا ، إلى أن قال : وقد قيل في تفسير العرايا أقوال كثيرة فقال قوم : « العرايا النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمرته ولا يدخلها في البيع ، ولكنه يبقيها لنفسه ، فتلك الثنيا لا تخرص عليه ، لانه قد عفي لهم عما يأكلون ، وسميت عرايا ؛ لأنها أعريت من أن تباع أو تخرص في الصدقة ، فرخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ـ ١.

١٠٧

لأهل الحاجة والمسكنة الذين لا ورق لهم ولا ذهب وهم يقدرون علي التمر أن يبتاعوا بتمرهم من أثمار هذه العرايا بخرصها ؛ فعل ذلك بهم رفقا بأهل الحاجة الذين لا يقدرون على الرطبة ؛ ولم يرخص لهم أن يبتاعوا منه ما يكون للتجارة والذخائر ».

وقال آخرون : « هي النخلة يهب الرجل تمرتها للمحتاج ويعريها إياه ؛ فيأتي المعرا وهو الموهوب له إلى نخلته تلك ليجتنيها فيشق ذلك على المعري الذي هو الواهب لمكان أهله في النخل ، فرخص للواهب خاصة أن يشترى ثمرة تلك النخلة من الموهوب له بخرصها ».

وقال آخرون : « شكى رجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انهم محتاجون إلى الرطب يأتي ولا يكون بأيديهم ما يبتاعون به ، فيأكلونه مع الناس وعندهم التمر ، فرخص صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم أن يبتاعوا لهم العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم » وقال آخرون : « الإعراء أن يهب له ثمرة نخلة أو نخلتين أو نخلات ، ومنه الحديث أنه رخص صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيع العرايا بخرصها تمرا ، وذلك ان يمنح الرجل النخلة فيبيع تمرها بالتمر ، وهذا لا يجوز في غير العرايا وإنما سميت عرية لان من جعلت له يعريها من حملها ، وأنشد الفراء :

ليست بسنهاء ولا رجبية

ولكن عرايا في السنين الجوائح

معنى سنهاء أى مرت عليها السنون المجدية ، وقوله رجبية نخلة مرجبة وهي التي يبنى حولها البناء لئلا تسقط وهو كالتكريم لها ».

وقال الهروي صاحب الغريبين : العرايا : هي أن من لا نخل له من ذوي اللمحة والحاجة ؛ ويفضل له من قوته التمر ويدرك الرطب ولا نقد بيده يشترى الطب لعياله ولا يحتل له ، فيجي‌ء إلى صاحب النخل فيقول : بعني ثمرة نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر ، فيعطيه ذلك الفضل من التمر بتمر تلك النخلات ليصيب من أرطابها مع الناس ، فرخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة ما حرم من المزابنة » ثم قال هذا ما وقفت عليه في ـ التفسير العرايا ، وأشده تحقيقا قول الهروي ».

١٠٨

قلت قد حكى جملة مما ذكر ابن فارس في المجمل فقال : النخلة العرية وهي التي إذا عرض النخل على بيع ثمرة عريت منه نخلة : أى عزلت عن المساومة ، والجمع العرايا ، وقال قوم : العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، فيجعل له ثمرة عامها رخص لرب النخل أن يبتاع تمر تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته ، هذا تفسير الذي جاء في الحديث من الرخصة فيه ، وقال آخرون : العرية النخلة تكون لرجل وسط نخل كثير لرجل آخر فيتأذى صاحب النخل الكثير بعد خول صاحب النخلة الواحدة فرخص له أن يشترى ثمرة نخلته بتمر. وأبو عبيدة يختار الأول لقول الشاعر ، وأنشد البيت السابق » واقتصر ابن الأثير في نهايته بعد أن ذكر أنه اختلف في تفسير العرية على ما ذكره الهروي الذي ظهر من ابن إدريس اختياره ؛ وهو الذي حكاه عنه في الدروس ، فإنه بعد أن ذكر جواز بيع العرية ، وأنها النخلة في دار الغير أو بستانه : قال : « ولو أعرى محتاجا نخلة أى جعل لها تمرها عامها ، ثم اشترى المعرا تمرها منه بتمرها جاز على الأقرب ، ولو فضل مع الفقير تمر فاشترى به تمرة نخلة ليأكله رطبا فالأقرب جوازه ، ولو اشترى أزيد من نخلة ، فالأجود المنع ، ويظهر من ابن إدريس جوازه » ولعله إليه أشار في التحرير بقوله أيضا لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها ؛ وتمنع اشتقاقها من الإعراء ؛ وهو أن يجعل الرجل لغيره ثمرة نخلته عامها ذلك ، بل سميت عرية لتعريها من غيرها ، وإفرادها بالبيع ، وتبعه الشهيد في حواشيه في أن وجه التسمية ذلك ؛ لكن قد سمعت خبر ابن ـ سلام (١) الذي أفتى الشهيد في الدروس به ، بل قد سمعت ما ذكره أخيرا الذي لم نعثر على نص من طرقنا به.

نعم‌ روى العامة ذلك بعدة طرق ، منها (٢) « أن محمود بن لبيد قال : قلت لزيد بن ثابت ما عرايا كم هذه فسمى رجالا محتاجين من الأنصار : شكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس ، وعندهم فضول من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ٢.

(٢) المغني للشربينى ج ٢ ص ٩٤.

١٠٩

قوتهم من التمر فرخص أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر في أيديهم يأكلونه رطبا » ‌لكن القول به لا يخلو من قوة ؛ جمعا بين ما قيل في تفسير العرية.

وعلى كل حال فدعوى اعتبار الوحدة في المكان في مفهوم العرية مما يظهر انطباق كثير من الكلمات عليه ؛ كدعوى اشتراط صحة البيع به وإن لم يكن ذلك في مفهومها ، وهو الأمر الثاني اقتصارا في الرخصة على المتقين ، ولان‌ قوله عليه‌السلام في خبر السكوني « فيجوز بيعها » (١) ‌إلى آخره ظاهر في أن المرخص به ذلك ، إذ يدفعها إطلاق رخصته عليه‌السلام في العرايا لو تعددت ؛ لا أن التعدد مانع من أصل البيع ، وربما كان المراد من عبارة المتن والقواعد السابقة ذلك ، إن لم نقل أنه الظاهر منها.

وأظهر منها ما في التذكرة « لا يجوز بيع أكثر من النخلة الواحدة عرية ؛ لعموم المنع من المزابنة خرج عنه العرية في النخلة الواحدة ، وبه قال أحمد للحاجة ، فيبقى الباقي على المنع ، سواء اتحد العقد أو تعدد ، أما لو تعدد المشتري فالوجه الجواز ، ثم قال : فروع لو باع في صفقة واحدة من رجلين ، كل واحد منهما نخلة معينة جاز ؛ وكذا لو باعها نخلتين مشاعا بينهما ، ولو باع رجلان من واحد صفقة واحدة نخلتين عرية جاز وهو أحد وجهي الشافعية ، لأن تعدد الصفقتين بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشتري ، ولو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة ، احتمل جواز أربع نخلات ، وتنزيل ذلك كله منه على المتحدة ، ولو في المكان المتعدد » ـ كما ترى خصوصا أول المسألة بل مقتضاه حينئذ عدم جواز بيع العرايا في الأمكنة المتعددة بعقد واحد ، وهو مع أنه لم يعرف خلافه فيه لم تساعد عليه الأدلة.

ودعوى ظهور ذيل خبر السكوني فيه ممنوعة ، فالظاهر إرادته ما ذكرناه أولا ولا ينافيه قوله سابقا : العرايا جمع عرية ، والعرية النخلة في دار الإنسان أو بستانه ، فيبتاع ثمرتها رطبا بخرصها تمرا كيلا ، فلا يجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقد واحد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الثمار ـ ١.

١١٠

إلى أن قال : فإذا تقرر هذا فإن العرية عندنا إنما تكون في النخلة الواحدة تكون في دار الإنسان فلا يجوز فيما زاد على النخلة الواحدة ؛ عملا بالعموم واقتصارا في الرخصة على موردها ، ثم قال : قد بينا أن الضابط في التسويغ انما هو النخلة الواحدة في الدار الواحدة والبستان الواحد ، ولو كان له عدة دور في كل واحدة نخلة جاز بيعها عرايا ، إذ يمكن حمل الجميع على إرادة بيع نخلة واحدة وإن كان لا يخلو من بعد

نعم يتجه البحث معهم على هذا التقدير بأنه لا دليل على اعتبار الوحدة في البيع بل ما ذكروه في وجه المشروعية من المشقة ونحوها يقتضي التعميم ، كاقتضاء إطلاق رخصته عليه‌السلام في بيع العرايا الذي عبر بمضمونه غير واحد ، منهم ابنا زهرة وحمزة وغيرهما ؛ والذيل المنساق لبيان حكم الواحدة ليعرف حكم الجمع لا دلالة فيه على تقييد ذلك كما هو واضح هذا كله ، إلا أن الوقوف على ما سمعته أولا هو الموافق للاحتياط والله أعلم بحقيقة الحال.

ولا يشترط في بيعها أى العرايا بالتمر التقابض قبل التفرق خلافا ـ للوسيلة ومحكي المبسوط ، بل في الدروس « أنه طرد الحكم ثانيهما بوجوب التقابض في المجلس في الربويات تخلصا من الربا ، وفيه منع واضح ولذا أطبق المتأخرون على خلافه في المقام وغيره ، عدا الصرف منه فأوجبوه فيه مع اختلاف الجنس ، لظهور أدلة فيه ، لا للتخلص من الربا ، ضرورة صدق بيع المثل بالمثل في الربوي وإن لم يتقابضا في المجلس ، وما في بعض النصوص من إيجاب البيع يدا بيد على اتفاق الجنس ، يراد منه منع النسيئة في أحد المتجانسين ، للزوم الربا حينئذ معه.

ومن هنا قال المصنف بعد نفى اعتبار التقابض هنا بل يشترط التعجيل فيهما حتى لا يجوز إسلاف أحدهما في الأخر بل لم يعرف فيه خلاف بينهم إلا أنه قد يناقش في اعتبار حلول الثمن بما سمعته سابقا من أن الثمرة على النخل لا يجرى فيها الربا لانتفاء الموزونية فيها ، كما أنه لا ظهور في دليل الرخصة بذلك أيضا. اللهم إلا أن يكون وجهه الاقتصار على المتقين ، سيما بعد ما سمعت من عدم الخلاف فيه بين الأصحاب ؛ فيشكل التمسك بالإطلاق المزبور المحتاج الى جابر في العمل به ، لضعف سنده خصوصا‌

١١١

بعد معارضة ما دل على حرمة المزابنة لكن ومع ذلك فالإنصاف أن اتفاقهم هنا على اشتراط الحلول يؤيد القول بجريان حكم الربا على الثمرة وإن كانت على الأشجار ، اكتفاء بالوزن التقديري عن الفعلي ، كقولهم هنا أيضا بعدم جواز التفاضل حال العقد بين ثمنها وبين الثمرة المخروصة تمرا ، بل حكى الاتفاق عليه بعضهم وإن كان لا يجب أن يتماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها عملا بظاهر الخبر المعتضد بالفتوى ، إذ مبنى الخرص على الزيادة والنقيصة ، فلا يقدح حينئذ لو ظهر بعد ذلك زيادة الثمن أو نقيصته.

لكن يمكن أن يكون مستند الأول ظهور قوله عليه‌السلام « بخرصها تمرا » في وجوب المطابقة بين الثمن المبذول وبين الثمرة المخروصة ، معتضدا بالاقتصار على المتيقن مما خرج عن حرمة المزابنة ، وهو المراد بالمماثلة من طريق الخرص المشترطة في الوسيلة ومحكي المبسوط وغيره ، لا أن مستنده حرمة الربا ، فيكون الحاصل حينئذ إنه يجب خرص الثمرة على النخلة بتقدير حال كونها تمرا فتباع بتمر على حسب ذلك الخرص ، فلو لم يطابق الخرص الواقع بأن كانت حال التمرية المقدرة أزيد أو انقص لم يكن ذلك قادحا ، لإطلاق الخبر السابق المعتضد بعدم الخلاف فيما أجد إلا ما حكاه في المسالك عن بعضهم وإن كنت لم أتحققه ، من اعتبار المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان البيع.

وهو مع ظهور ضعفه مقتض لعدم جواز التصرف فيها قبل صيرورتها تمرا حتى يتمكن من اعتبارها ، مع أن الأصل وإطلاق الدليل وظاهر الفتاوى ، يقتضي عدم وجوب إبقائها إلى حال التمر ؛ وعدم اعتبارها لو أبقاها ، مضافا إلى ما عرفت من عدم تحقق القائل بذلك ؛ وربما توهم ذلك من عبارة المبسوط والوسيلة التي قد سمعت المراد منها فيتجه حينئذ دعوى الاتفاق على ما ذكرنا إلا ما عساه يظهر من التذكرة ، من وجوب اعتبار التماثل بين التمر المدفوع ثمنا وبين الثمرة حال كونها رطبا ـ

١١٢

قال : « إذا تبايعا العرية وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة ويحرز ذلك رطبا فيتبايعاه بمثله تمرا ولا يشترط التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها ، ولا يجوز التفاضل عند العقد ، ولا يكفي مشاهدة الثمن على الأرض ولا الحرز فيه بل لا بد من معرفة مقداره بالكيل أو الوزن ( الى أن قال ) وإن كنا قد منعنا من بيع الرطب بالتمر إلا أن هذا مستثنى للرخصة » وفيه أولا أن ظاهر دليل الرخصة المعتضد بفتوى الأصحاب ما ذكرنا من اعتبار خرصها تمرا ثم شراؤها بمقدار ذلك المخروص ، بل لا يمكن عند التأمل تنزيل الخبر على ما ذكره ؛ وثانيا ما عرفت سابقا من أن منع بيع الرطب بالتمر لعلة النقصان بعد الجفاف إنما هو في المقدر بأحد الأمرين لا في مثل الثمرة على أصلها.

نعم ما ذكره من وجوب علم مقدار الثمن وعدم الاكتفاء بمشاهدته متجه ، بل لا أجد فيه خلافا في المقام ، لظهور قوله عليه‌السلام « بخرصها تمرا » فيه ، بل مقتضاه أنه لا يجزي جعل الثمن تمرا على رأس نخلة أخرى ، وإن كان قد خرص بما يساوى المثمن ، لعدم صدق البيع بخرصها تمرا ، وبذلك افترقت عن غيرها ، فما في المسالك من أن العرية كغيرها بالنسبة إلى هذا الشرط في غير محله ، ضرورة أنه ليس المانع الجهالة حتى تكون كغيرها ؛ بل هو ظهور دليل الرخصة فيما ذكرنا فلا يجزي مشاهدة الثمن فيها وإن أجزي في غيرها إذا كان مما تكفي فيه المشاهدة كما هو واضح.

لكن في حواشي الشهيد « أنه لو كان لرجلين عريتان في مكانين وخرصاهما فبلغت كل واحدة مثلا خمسمائة رطل ؛ جاز بيع كل واحدة بخرص الأخرى » وكأنه أخذه مما في التذكرة ، وقد صرح في التحرير بعدم جوازه قال فيها : « لو باع الرطب على رؤوس النخل بالرطب على رؤوس النخل خرصا ؛ أو باع الرطب على رؤوس النخل بالرطب على وجه الأرض كيلا فالأقوى الجواز ، للأصل السالم عن معارضة الربا ، لانتفائه بانتفاء شرطه » وفيه انه في غير العرية مزابنة بناء على تحققها بالرطب ، بل وفيها لعدم معلومية الثمن إذا كان على رأس النخلة كما عرفت ، أما إذا كان على الأرض وقد علم بالكيل ؛ فقد يمنع أيضا باعتبار ظهور دليل الرخصة في كون الثمن تمرا ، فلا‌

١١٣

يجزى الرطب ولا البسر ولا غيرهما فتأمل جيدا ؛ فإنه يمكن أن يكون الجواز لانتفاء المزابنة ، باعتبار عدم كون الثمن تمرا كما ذكرنا سابقا.

نعم لولا الاتفاق ظاهرا لأمكن القول بعدم وجوب اعتبار المساواة بين ثمرتها وبين الثمن لعدم الربا ، وما في الخبر من البيع بخرصها تمرا منزل على الغالب ، لكن كفانا مؤنة ذلك ما عرفت معتضدا بعموم دليل حرمة المزابنة ، ولو كانت الثمرة مما تقطع بسرا أو رطبا ففي الاكتفاء بخرصها كذلك وجه ، مع احتمال العدم اقتصارا على المتيقن ؛ بل قد يحتمل وإن كان ضعيفا عدم ثبوت العرية في ذلك خصوصا إذا فرض عدم حالة تمر لها فتأمل جيدا.

ثم إنه قد تحصل من ذلك كله أنه لا بد من خرصها ، إما من البائع والمشتري أو من غيرهما بحيث يغلب على ظنهما المقدار الحاصل منها تمرا عند الجفاف ، وهل يشترط لو كان الخارص غيرهما أن يكون عدلا؟ في جامع المقاصد « لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب ، وامتناع الرجوع إلى خبر الفاسق قد يقتضي الاشتراط » وفيه إن الرجوع إلى ظنه غير الرجوع إلى خبره. نعم لو فرض الشك في الاخبار بظنه ، أمكن ذلك ، وهو غير ما نحن فيه ، ومن هنا قال : الظاهر العدم لكن يشترط كونه من أهل المعرفة وهو جيد.

وعلى كل حال ف لا عرية في غير النخل لغة وشرعا سواء قلنا بحرمة المزابنة ، فيه أولا أما على الأول فواضح ، واما على الثاني فالجواز شامل لها ولغيرها فلا يحتاج إلى شروط العرية وأحكامها كما هو واضح ، هذا والظاهر عدم اعتبار اتحاد المالك للنخلة في العرية ولا الدار ، لكن هل يجوز بيع استحقاق أحدهما خاصة عرية إشكال كالإشكال مع اتحاد المالك في بيع البعض ، وطريق الاحتياط غير خفي وإن كان الذي يقوى الجواز بناء على عدم اعتبار المشقة.

١١٤

فرع

لو قال : بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء بسواء لم يصح ؛ ولو تساويا عند الاعتبار بالكيل والوزن إلا أن يكونا عارفين بقدرهما وقت الابتياع لحصول الجهالة المانعة من صحة البيع عندنا حال العقد وقيل والقائل الشيخ في المبسوط يجوز وإن لم يعلما فان تساويا عند الاعتبار صح وإلا بطل للربا ولو كانتا من جنسين جاز إن تساويا أو تفاوتا ولم يتمانعا ؛ بأن بذل صاحب الزيادة ، أو قنع صاحب النقيصة وإلا فسخ البيع قال في المحكي عن مبسوطة « إذا باع صبرة من طعام بصبرة ، فإن كانا من جنس واحد نظر ، فإن كانا اكتالا وعرفا تساويهما في المقدار جاز البيع ، وإن جهلا مقدارهما ولم يشترطا التساوي لم يجز ، لأن ما يجرى فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض جزافا ، وإن قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال : اشتريت فإنهما يكالان فإن خرجتا سواء جاز البيع ، وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى ، فإن البيع باطل ، لأنه ربا ؛ وأما إذا كانتا من جنسين مختلفين ، فإن لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء فإن البيع باطل ، لأنه ربا ؛ وأما إذا كانتا من جنسين مختلفين فان لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء فإن البيع صحيح ، لان التفاضل جائز في الجنسين ، فإن اشترطا أن تكونا كيلا بكيل سواء بسواء فإن خرجتا متساويتين في الكيل جاز البيع ، وإن خرجتا متفاضلتين فان تبرع صاحب الصبرة الزائد بالزيادة جاز البيع ، وإن امتنع من ذلك ورضي صاحب الصبرة الناقصة بأن يأخذ بقدرها من الصبرة الزائدة جاز البيع ، وإن تمانعا فسخ البيع بينهما ، لا لأجل الربا ، لكن لان كل واحد منهما باع جميع صبرته بجميع صبرة صاحبه ، وعلى أنهما سواء في المقدار ، فإذا تفاضلا وتمانعا وجب فسخ البيع بينهما ».

١١٥

وجعل في الدروس ذلك منه من باب الاكتفاء بالمشاهدة وحيث قد علم في محله عدم الاكتفاء في مثل ذلك كان الأشبه بأصول المذهب أنه لا يجوز مطلقا على تقدير الجهالة وقت الابتياع نعم يمكن جريان ما يقرب من ذلك على مذهبنا فيما لو فرض مكيل وموزون في زمن الشرع تجدد وتعارف بيعه جزافا بناء على صحته ، فان المتجه حينئذ فيه صحة بيعه صبرة بصبرة ، الا أنه يجب اختباره بعد ذلك تخلصا من الربا ، فان تساويا أو بيع الجنسان وزنا صح البيع ، لعدم ثبوت اشتراط سبق معلومية التساوي في الصحة ، والأمر ببيعه مثلا بمثل لا يقتضي أزيد من التساوي واقعا بل الظاهر ذلك في أكثر شرائط المعاملة.

لكن مقتضى ذلك عدم الحكم بالبطلان فيما لو باع السيوف المحلاة ونحوها بأحد النقدين بجنس أحدهما إذا لم يعلم زيادته ، بل لا بد حينئذ من الاختبار ، وينافيه ظاهر كلامهم ، ويمكن حمله على ما إذا لم يمكن الاعتبار وحينئذ يتجه البطلان ظاهرا لا لترك الاحتياط الواجب ، إذ هو لا يقتضي بالبطلان قطعا ، بل لان الشك في الشرط شك في المشروط والأصل عدم النقل والانتقال ، فلو فرض العلم بالمساواة بعد ذلك انكشف الصحة من أول الأمر لحصول الشرط واقعا ، ونحوه لو أقدما على الربا فبانت المساواة ، كما أن المتجه الفساد لو أقدما على المساواة جهلا منهما ثم بان التفاوت لانتفائه واقعا حينئذ فتأمل جيدا ؛ فإنه قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك في الحواشي فلاحظ ، وأما اشتراط المساواة في مختلف الجنس إذا فرض الاكتفاء فيه بالمشاهدة فالمتجه صحته عملا بعموم‌ « المؤمنون » (١) ‌فإذا بان عدمه تسلط على الخيار والزيادة بل والنقيصة في بعض الأحوال والله أعلم.

المسألة الخامسة : يجوز بيع الزرع قصيلا أى مشروطا قطعه بلا خلاف أجده فيه ؛ للعمومات وغيرها ، سواء كان قد بلغ أو ان قصله أو لم يبلغ ، وعين مدة لبقائه ثم قطعه بعدها أو أطلق فله الإبقاء حتى يصل إلى أوان قصله ، و‌خبر معلى بن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

١١٦

خنيس (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشتري الزرع قال : إذا كان قدر شبر » ‌

محمول على الندب أو غيره مما لا يخالف المجمع عليه ظاهرا في الجواز بعد ظهوره بلغ أو ان القصل أو لم يبلغ » نعم ليس له شراؤه بذرا للغرر وفي الصلح وجه كالوجه لو شراه تبعا للأرض.

وكيف كان ف ان لم يقطعه الذي شرط القطع عليه ففي المتن وغيره بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بينهم أن للبائع قطعه بعد استيذان الحاكم أو بدونه على اختلاف القولين ، لانه لاحق لعرق ظالم ، ولنفي الضرر والضرار وغير ذلك وله تركه والمطالبة بأجرة أرضه مدة بقائه وعدم قطع البائع له مع التمكن منه لا يقضى بسقوط الأجرة التي يكفي فيها بقاء ارض المالك مشغولة بها ؛ بل لا يرتفع بذلك الغصبية التي تسلطه على أرش النقصان لو حصل بسبب البقاء الذي يستحق أخذ أجرته منه ، إذ ليس ذلك رضا منه بالبقاء بالأجرة كما هو واضح.

لكن في السرائر « إنه إن لم يقطعه كان البائع بالخيار إن شاء قطعه ، فان لم يقطعه وبلغ ، كانت الزكاة إن بلغ النصاب على المشتري ، وعليه أيضا أجرة مثل تلك ، هذا إذا كانت الأرض عشرية ، فإن كانت خراجية كان على المبتاع خراجه » ثم إنه حكى عن نهاية الشيخ أنه قال : « لا بأس بأن يبيع الزرع قصيلا وعلى المبتاع قطعه قبل ان يسنبل ، فان لم يقطعه كان البائع بالخيار ؛ إن شاء قطعه وان شاء تركه ، وكان على المبتاع خراجه » ثم قال ومراده بالخراج طسق الأرض قد قبل به السلطان دون الزكاة ، لأن الأرض خراجية ، وهي المفتحة عنوة دون أن تكون عشرية ، لأنها إن كانت عشرية كانت عليه الزكاة فحسب والخراجية عليها الخراج الذي هو السهم الذي قد تقبلها به ، فان فضل بعده ما فيه الزكاة ، يجب عليه الزكاة ، وإن لم يفضل ما يجب فيه ذلك لا زكاة عليه فيه.

قلت : قد ذكر الخراج في المقنعة ومحكي المراسم بل في الوسيلة كان عليه خراجه وأجرته ، ومراد الجميع على الظاهر ما صرح به المتأخرون من أجرة الأرض‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ٤.

١١٧

لعدم الدليل على ثبوت غيرها ، والمتجه ـ في موثق سماعة (١) « سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة وقد اشتراه من أصله على أن ما يلقاه من خراج فهو على العلج ؛ فقال : إن كان اشترط عليه حين اشتراه ، إنشاء قطعه قصيلا ، وإن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلا ، وإلا فلا ينبغي أن يتركه حتى يكون سنبلا ، فان فعل فإن عليه طسقه ونفقته وله ما خرج منه » ‌ـ حمل لا ينبغي فيه على الكراهة ، لما هو معلوم من النص والفتوى أن له الإبقاء إذا لم يكن قد اشترط عليه القطع ، ولا كان عادة أو نحوها مما يقوم مقام الشرط ، قال زرارة للصادق عليه‌السلام (٢) « أيحل شراء الزرع الأخضر ، قال : نعم لا بأس به وقال : لا بأس بأن تشتري الزرع والقصيل أخضر ثم تتركه إن شئت يسنبل ثم تحصده ، وإن شئت تعلف دابتك قصيلا فلا بأس به قبل أن يسنبل » ‌الحديث ونحوه غيره وحينئذ لا وجه لكون الطسق عليه مع فرض اشتراطه على العلج الذي هو عبارة عن الزراع بل لا يقوله الخصم ، فلا بد من حمله على ضرب من الندب أيضا.

وكيف كان فقد أشار بقوله فيه « من أصله إلى أنه إذا لم يكن قد اشتراه كذلك » يمكن منع كون الحاصل للمشتري إذا فرض أنه يتولد مما بقي في الأرض للبائع ، أو كان منه كذلك ، أو كان الحاصل يتولد منهما معا ، ولعله لذا قال في التذكرة :

« لو اشترى الزرع قصيلا من أصوله صح ، فان قطعه فنبت فهو له ، فإن شرط صاحب الأرض قطعه فلم يقطعه كان عليه أجرة الأرض ولو لم يشترط المشتري الأصل فهو لصاحبه ، فإذا قصله المشتري ونبت كان للبائع ولو لم يقصله كان شريكا للبائع ويحكم بالصلح.

قلت : ولا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب أن على مشتري القصيل الأجرة لو أبقاه وله الحاصل لانه يمكن حمله على ما إذا كان مشتريا للزرع من أصله وأن اشترط عليه القصل‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ٧ ـ ٣

١١٨

كل ما يخرج فتأمل جيدا. وعلى كل حال فظاهر الأصحاب هنا أن ليس للبائع الفسخ لعدم الوفاء بالشرط ، ولعله لانه متمكن من استيفاء شرطه ، وفيه أنه قد يتعذر عليه ذلك وقد يحتاج إلى مؤنة مع أنه قد يمنع توقف ثبوت الخيار على عدم التمكن من الاستيفاء كما عرفت البحث فيه مفصلا سابقا. نعم يمكن أن يكون مستند المقام ظاهر بعض النصوص كما أنه يمكن ان يكون ترك الأصحاب ذكر الخيار في المقام مبنيا على ما تقدم سابقا ولا ينافيه نصهم هنا على الأجرة والقلع.

وكذا لو اشترى نخلا بشرط القطع أجذاعا فتركه المشتري فإنه يأتي فيه جميع ما تقدم نعم لا ريب هنا في أن الحمل للمشتري ؛ لأنه نماء ملكه‌ روى هارون بن حمزة الغنوي (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري النخل يقطعه للجذوع فيغيب الرجل فيدع النخل كهيئته لم يقطع ، فيقدم الرجل وقد حمل النخل فقال : له الحمل يصنع به ما شاء إلا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه » ‌ونحوه غيره والظاهر ارادة استحقاق أجرة المثل من الاستثناء المزبور إلا أنه ينبغي تقييده كما في السرائر وغيرها بما إذا كان بإذن مالك النخل ، وإن أطلق في النهاية والمحكي عن الصدوق وابني الجنيد والبراج كالنص ، اللهم إلا أن يدعى عدم الحاجة هنا إلى الاذن ، باعتبار احتياج صاحب الأرض السقي لبستانه والفرض تضرره بشرب النخل المزبور الماء فتأمل جيدا ، والأمر سهل ، هذا كله في شراء الزرع قصيلا.

أما شراؤه بشرط التبقية إلى أو ان بلوغه أو مطلقا فلا إشكال أيضا في جوازه ، للأصل والعمومات وخصوص المعتبرة المستفيضة (٢) في المقام التي مر بعضها ، بل ولا خلاف إلا ما يحكى عن المزارعة المقنع من منع بيع الزرع الا بشرط القصل لعدم الأمن من الآفة ولخبر أبى بصير (٣) « سألت الصادق عليه‌السلام عن الحنطة والشعير اشترى زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش قال : لا إلا أن تشتريه لقصيل تعلفه الدواب ثم تتركه حتى يسنبل» ‌و‌موثق ابن عمار (٤) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا تشتر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ١.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ١١ من أبواب بيع الثمار الحديث ٣ ـ ١٠ ـ ٥

١١٩

الزرع ما لم يسنبل فإن كنت تشتري أصله فلا بأس » ‌وفيه أن عدم الأمن من الآفة لا يؤثر منعا لجواز بيع الموجود وخبر ابى بصير ـ مع ضعفه لا جابر بل موهن بفتوى الأصحاب بخلافه ـ يمكن حمله على الندب أو على إرادة شراء الحاصل منه الذي قد عرفت منعه فيما تقدم ، كالموثق الظاهر في ذلك ، وفي عدم البأس مع شراء الأصل ، على كل إنهما قاصران عن معارضة غيرهما من وجوه كما هو واضح ، وحينئذ قد ظهر أنه لا بأس بشراء نفس الزرع في جميع أحواله حتى إذا كان محصودا اكتفاء بالمشاهدة في مثله والله أعلم.

المسألة السادسة يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزياد عما ابتاعه به أو نقصان ؛ قبل قبضه أو بعده بلا خلاف ولا إشكال للأصل ، و‌صحيح لحلبى (١) سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها؟ قال : لا بأس به ، إذا وجد ربحا فليبع» ‌و‌صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « أنه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها قال : لا بأس » ‌مضافا الى العمومات ومحكي الإجماع إن لم يكن محصله فلا يتوهم جريان ما تقدم سابقا من منع البيع قبل القبض في المقام ؛ ضرورة اختصاصه في المكيل والموزون ، أو خصوص الطعام منهما ، لكن في النافع هنا الجواز على كراهة ، ولا وجه له إلا إطلاق بعض الاخبار والفتاوى منع بيع المبيع قبل قبضه ، وهو سابقا لم يجعل ذلك سببا للكراهية مطلقا بل خصها بالمقدار بأحدهما ، كما في كثير من النصوص والفتوى ، لكن أمر الكراهة سهل.

المسألة السابعة إذا كان بين اثنين مثلا نخل أو شجر أو زرع فتقبل أحدهما بحصة صاحبه بعد خرص المجموع بشي‌ء معلوم على حسب الخرص المزبور كان جائزا لصحيح يعقوب بن شعيب (٣) الذي رواه المشايخ الثلاثة « سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى ، وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، وإما أن آخذه أنا بذلك وأرده عليك؟ قال لا بأس بذلك » ‌و‌صحيح الحلبي (٤)

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ٢ ـ ٣

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الثمار الحديث ١ ـ ٢

١٢٠