جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المتجانسين متماثلا نسيئة ، والمبسوط من أن الأحوط أن يكون يدا بيد.

وفي الدروس « إنه أول كلامه ، بإرادة التحريم لأن المسألة إجماعية ، » قلت : لأنه نفسه منع من بيع الثياب بالثياب والحيوان بالحيوان نسيئة ، فضلا عما نحن فيه ، فمثله حينئذ لا يعد خلافا بعد الإجماع بقسميه ، وظهور النصوص في تحقق الربا بذلك ، بل ستعرف القول بتحققه بذلك مع اختلاف الجنس ، فضلا عن متحده.

وحيث يجوز بيع المتجانسين لا يشترط في صحته التقابض قبل التفرق عندنا ، كما عن التذكرة لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، ضرورة عدم الربا بعد أن كانا حالين ، وإن قبض أحدهما وبقي الأخر فاليد باليد ، إن كان في الأدلة يراد به نفي النسيئة ، كما هو معلوم ، إلا في الصرف فيجب التقابض فيه حتى مع اختلاف الجنس ، للأدلة التي ستسمعها في محلها ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، إلا من ابن زهرة في الغنية فأوجب التقابض قبل الافتراق في بيع المتجانسين ، وهو غريب ، لم أجد من وافقه عليه.

وأغرب منه دعواه نفى الخلاف عنه في الظاهر ، ولو اختلف الجنسان في الربويين جاز التماثل والتفاضل نقدا ، بلا خلاف كما اعترف به بعضهم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للإطلاق والنبوي (١) المجمع عليه كما في السرائر « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » وقول أبى جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٢) « إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد » كقول الصادق عليه‌السلام (٣) في موثق سماعة : « المختلف مثلان بمثل‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٠.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ـ ٩.

٣٤١

يدا بيد لا بأس به » وفي موثقه الآخر (١) « سألته عن الطعام والتمر والزبيب قال : لا يصلح منها اثنان بواحد إلا أن تصرفه إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر من ذلك ».

وفي صحيح الحلبي أو حسنته عن الصادق عليه‌السلام (٢) « ويكره قفيز لوز بقفيزين ولكن صاع حنطة بصاعين من تمر أو بصاعين من زبيب » وسأله أيضا في صحيحه الأخر (٣) « عن الزيت بالسمن اثنين بواحد قال يدا بيد لا بأس به » وفي الموثق (٤) « كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد » وغير ذلك من النصوص مفهوما ومنطوقا بل إليه يومئ نصوص الجواز فيما يعمل من جنسين المعلوم بناء الجواز فيها على صرف كل إلى ما يخالفه كما هو واضح ، هذا كله في النقد.

واما في النسيئة فإن كان كل من العوضين من الأثمان فهو صرف لا تجوز فيه كما تعرفه في محله ، وإن كان أحدهما منها والآخر من العروض فلا خلاف أجده في جواز التماثل والتفاضل بل الإجماع بقسميه عليه ، إذ هو إما نسيئة أو سلم ، وكل منهما مجمع على جوازه ، بل لعله من الضروريات المستغني عن الاستناد إلى إطلاق الأدلة ونحوه ، وإن لم يكن كذلك بل كان عرضا بعرض ففيه تردد وخلاف فعن ابني أبي عقيل والجنيد والمفيد وسلار وابن البراج عدم الجواز ، والمشهور نقلا وتحصيلا بل لعل عليه عامة المتأخرين الجواز ،

ولا ريب في أن الأحوط المنع وإن كان الأقوى خلافه ، لإطلاق الأدلة الذي يقصر معارضه عن تقييده ، سندا في البعض ، ودلالة في الجميع ، إذ هو إما البأس في المفهوم الذي هو أعم من الحرمة ، كلفظ لا يصلح الذي ادعي ظهورها في الكراهة ، ولو للشهرة ، والتعبير بلفظها في مضمر على ابن إبراهيم الطويل وغير ذلك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ٥ ـ مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ٣ ـ مع اختلاف يسير.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ٧ ـ مع اختلاف يسير.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الربا الحديث ٣.

٣٤٢

ولذا صرح بها هنا غير واحد من الأصحاب ، بل في الغنية الإجماع عليها ، وهو دليل آخر على المطلوب ، فالإستدلال ـ بصحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) الذي رواه محمد بن سنان عنه أيضا « قال : ما كان من طعام مختلف أو متاع شي‌ء من الأشياء متفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فإما نظرة فلا يصلح ».

ونحوه‌ خبر زياد بن ابى غياث (٢) إلا أنه قال : « فأما النسيئة فلا يصلح » ـ لا يخفي عليك ما فيه خصوصا ، بعد معلومية ما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا إن أريد بعدم الجواز هنا للربا ، كما هو الظاهر استبعادا لإرادة التعبدية دون الربوية ، ولأنه الظاهر مما ذكر دليلا لهم أيضا ، وهو الحديث المشهور (٣) ، « إنما الربا في النسيئة » الممنوع ارادة الشمول لما نحن فيه منه ، الموهون بمتروكية الحصر فيه ، على ان من المعلوم عدم إرادة مطلق الزيادة من الربا فيه ، بل المراد بالشرائط المعتبرة ، ومن جملتها عند علمائنا كما في المختلف اتحاد الجنس الذي صرحت به الصحيحة المتقدمة كل ذا ، مع احتمال وروده كالنصوص السابقة مورد التقية ، لكون المنع مذهب العامة ، كما يلوح من الغنية ، ويؤيده مصير الإسكافي ، وقد ظهر لك من ذلك كله وجه ما ذكر المصنف من الاحتياط ، وغيره من الكراهة ، ولو من جهة الشبهة الناشئة من أدلة المنع المزبور سيما مع صحة بعضها ، واحتمال إرادة الحرمة من نفى الصلاحية ، إما من حيث الصيغة كما ادعاه بعض الناس ، أو من حيث غلبة التعبير به وبلفظ الكراهة عن الحرمة في باب الربا مؤيدا ذلك بفتوى من عرفت.

لكن في الرياض « أن المستفاد من النصوص المزبورة المنع في خصوص الزيادة العينية ، لا الحاصلة بمجرد النسيئة ونحوها من الزيادات الحكمية ، فالفتوى بانسحاب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الربا الحديث ١٤.

(٣) كنوز الحقائق في هامش جامع الصغير ص ٧٥ الطبع عبد الحميد احمد.

٣٤٣

المنع فيها لا وجه له مطلقا ، حرمة كان أو كراهة ، إلا أن المصير إلى الأخير بناء على المسامحة غير بعيد ؛ » قلت : لعل الوجه في المنع ما عرفت من دعوى أن ذلك من الربا الذي يتحقق بكل من الزيادتين ، فلاحظ وتأمل. والأمر سهل ؛ بعد ما سمعت من صفته على كل حال والله اعلم.

والحنطة والشعير جنس واحد في حكم الربا على الأظهر الأشهر بل المشهور نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة ، خصوصا بين المتأخرين ، بل عليه عامتهم ، عدا ابن إدريس بل كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الغنية ، ومحكي خلاف الشيخ لا لتناول اسم الطعام لهما إذ قد عرفت أنه غير مجد بعد الاختلاف في الاسم الخاص الظاهر في اختلاف الحقيقة لا اختلاف صنف ؛ بل للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابى بصير (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة « الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الأخر » وفي صحيح الحلبي أو حسنه (٢) المروي في الكافي والتهذيب « لا يباع مختومان من الشعير ، بمختوم من الحنطة ولا يباع ، إلا مثلا بمثل والثمرة أيضا مثل ذلك ، قال : وسئل عن الرجل يشتري الحنطة ولا يجد عند صاحبها إلا شعيرا ، أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : لا إنما أصلهما واحد » وزاد‌ في الكافي « وكان علي عليه‌السلام يعد الشعير بالحنطة » أى ويعدهما واحدا وقال سماعة في الموثق (٣) « سألته عن الحنطة والشعير فقال : إذا كانا سواء فلا بأس » وقال البصري (٤) قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام « أيجوز قفيز من الحنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز إلا مثلا بمثل ، ثم قال : إن الشعير من الحنطة » وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة ومحمد (٥) « الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق مثلا بمثل ، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به ، » وفي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ من أبواب الربا الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ٩ من أبواب الربا الحديث ٢.

٣٤٤

خبر محمد بن قيس (١) « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لا تبع الحنطة بالشعير إلا يدا بيد ، ولا تبع قفيز من حنطة بقفيزين من شعير » كقول الصادق عليه‌السلام في مرسل صفوان (٢) « الحنطة والشعير لا بأس به رأسا برأس » وسأله أبو بصير (٣) « عن الحنطة بالشعير والحنطة بالدقيق؟ قال : إذا كان سواء فلا بأس ؛ وإلا فلا » وقال هشام بن سالم في الصحيح (٤) « سئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه ، فيقول له : خذ مني مكان كل قفيز قفيزين من شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل ، قال : لا يصلح لأن أصل الشعير من الحنطة ، ولكن يرد عليه من الدراهم بحساب ما نقص من الكيل » إلى غير ذلك من النصوص ، وكأنه أشار عليه السلم بالأصالة المزبورة إلى‌ ما رواه الصدوق (٥) بإسناده « أن على بن أبى طالب عليه‌السلام سئل مما خلق الله الشعير ، فقال : إن الله تبارك وتعالى أمر آدم أن ازرع مما اخترت لنفسك وجائه جبرئيل عليه‌السلام بقبضة من الحنطة فقبض آدم عليه‌السلام على قبضته وقبضت حوا على أخرى ، فقال آدم لحواء : لا تزرعي أنت فلم تقبل أمر آدم فكلما زرع آدم جاء حنطة ، وكلما زرعت حوا جاء شعيرا ».

ومن الغريب بعد ذلك كله اختيار ابن إدريس العدم ، وأغرب منه دعواه أنه لا خلاف بين المسلمين ، العامة والخاصة ، ولا بين أهل اللغة واللسان في أنهما جنسان ، وأنه لم يذهب إلى الاتحاد غير شيخنا أبي جعفر والمفيد ومن قلده في مقالته ، وتبعه في تصنيفه ، وإلا فجل أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا المصنفين الماضين ، لم يتعرضوا لذلك ، بل أفتوا بأنه إذا اختلف الجنس فلا بأس ببيع الواحد بالاثنين ، مثل شيخنا ابن بابويه ، والسيد المرتضى ، وعلى ابن بابويه وغيرهم ؛ بل أبو على بن الجنيد من كبار فقهاء أصحابنا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٣) ذكر صدره الوسائل في الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٣ وذيله في الباب ٩ الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ١.

(٥) المستدرك ج ٢ ص ٤٨١.

٣٤٥

ذكر المسألة وحققها وأوضحها في كتابه الأحمدي ، وقال لا بأس بالتفاضل بين الحنطة والشعير لأنهما جنسان مختلفان.

وكذلك ابن أبى عقيل من كبار مصنفي أصحابنا قال : « وإذا اختلف الجنسان فلا بأس ببيع الواحد بأكثر منه وقد قيل : لا يجوز بيع الحنطة والشعير إلا مثلا بمثل سواء ، لأنهما من جنس واحد ، وبذلك جاءت بعض الأخبار ، والقول والعمل على الأول ، وأطنب في المقال ، وكان فيما قال : إن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا واستدل أيضا بقوله عليه‌السلام (١) « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » قال : وقد اختلف الجنس في الحنطة والشعير صورة ، وشكلا ، ولونا ، وطعما ، ونطقا ، وإدراكا ، وحسا ، ونحو ذلك مما هو غير خفي على أصاغر الطلبة ، فضلا عن أجلاء الأصحاب » ومع ذلك فيه أولا أنه مبني على أصل فاسد كما حرر في الأصول ، بل أساء الأدب معه في الحدائق هنا ، فقال الواجب عليه مع رده هذه الأخبار ونحوها من أخبار الشريعة هو الخروج من هذا الدين إلى دين آخر ، وثانيا منع كونها آحادا بل هي إن لم تكن متواترة ، فمضمونها بسبب اعتضاد بعضها ببعض ، والعمل بها والإجماع ونحو ذلك قطعي ، وثالثا إن خلاف القد يمين ، لا يقدح في سبق الإجماع ولا في لحوقه وابن بابويه قد روى نصوص الاتحاد وظاهره العمل بها.

ومن الغريب أن الفاضل في التحرير قد اغتر بنقله ، فقال : « قال الشيخ : الحنطة والشعير جنس واحد وقال ابن ابى عقيل وباقي علمائنا : أنهما جنسان » إذ لم نعرف من عني بالباقي غير ابني الجنيد وإدريس ، وقد ظهر لك بحمد الله سقوط القول بالاختلاف المقتضى لجواز التفاضل فيهما والخبر العامي (٢) « بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر كيف شئتم يدا بيد » لا ينبغي التعويل عليه خصوصا بعد ما قيل من القصور في دلالته أيضا ،

نعم صرح غير واحد من الأصحاب باختصاص ذلك في باب الربا وإلا ففي الزكاة و‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٠.

(٢) سنن بيهقي ج ٥ ص ٢٨٢.

٣٤٦

غيرها جنسان ، ولذا لم يكمل نصاب أحدهما بالآخر ، وقاعدة اشتراط اتحاد الجنس في الربا تخص بالأدلة المزبورة ، قلت : قد يقال : إن النصوص إنما دلت على أن الشعير من الحنطة لا أنهما الآن حقيقة واحدة ، لكن الربا يكفي فيه اتحاد الحقيقة فيه سابقا ، كما يومي اليه التعليل في النصوص المزبورة ، وإن اختلفت لا حقا ؛ ولذا الحقوا كل فرع بأصله في ذلك ، بخلاف الزكاة فإنه لا دليل على ذلك فيها ، فيبقى اقتضاء اختلاف الحقيقة اللاحق بحاله فيها ، بخلافه في الربا ، بل لا تخصيص بقاعدة اشتراط الاتحاد ، ضرورة حصوله سابقا وليس المراد منه الاتحاد في سائر الأحوال.

فالنصوص حينئذ إنما كشفت عن الاتحاد السابق ؛ وليس هو مما يستبعد إثبات مثله بها ، ولا ينبغي معارضتها بمعلومية الاختلاف بين العامة والخاصة في الصورة والطعم وغيرهما ، إذ ليس في شي‌ء منها منافاة لذلك ، فتأمل جيدا والله أعلم. والعلس والسلت على القول بأنهما من أفراد الحنطة والشعير فدخولهما فيها ظاهر ، وإن اختصا باسم آخر ، وإلا فمقتضى الاسم عدم الإلحاق.

وثمرة النخل جنس واحد وان اختلفت أنواعه وكان رديا بلا خلاف أجده فيه ، فلا يجوز التفاضل بين ردي الدقل وجيد البرني مثلا ، وقد سمعت إطلاق كون الثمرة ، كالشعير والحنطة ، في صحيح الحلبي (١) كإطلاق‌ موثق سماعة (٢) « لا يصلح شي‌ء من الطعام والتمر والزبيب اثنان بواحد ، إلا أن تصرفه إلى نوع آخر » إلى آخره ، بل في التذكرة أن الطلع كالثمرة وإن اختلفت أصولها ، وطلع الفحل كطلع الإناث وإن كان لا يخلو من تأمل إن لم ينعقد إجماع عليه ، ولعل إدراجه في قاعدة لحقوق الفرع بالأصل أولى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الربا الحديث ـ ٥.

٣٤٧

وعلى كل حال لا ينافي ما ذكرنا ما‌ في خبر ابن سنان (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر خيبر بوسقين من تمر المدينة ، لأن تمر المدينة أدونهما » ومثله خبر ابن مسكان (٢) لكن بدون تعليل ، إذا الظاهر إرادة الحرمة من الكراهة هنا ، خصوصا بعد‌ خبر سيف التمار ، (٣)

قال : « قلت : لأبي بصير أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر مشقق قال : فسأله أبو بصير عن ذلك فقال : هذا مكروه ، فقال : أبو بصير ولم يكره ، فقال : كان على بن ابى طالب عليه‌السلام يكره ان يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن على عليه‌السلام يكره الحلال » وفي الكافي قبل قوله ولم يكن « لان تمر المدينة أدونهما » والصواب أجودها مكان أدونهما ، كما‌ في خبر محمد بن قيس (٤) سمعت أبا جعفر عليه‌السلام « يكره وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأن تمر المدينة أجودهما » الحديث أو مبادلة كل من المدينة وخيبر بالآخر ، كما سمعته في خبري ابن سنان ومسكان والله أعلم.

وكيف كان فقد ظهر أن ثمرة النخل بجميع أفرادها جنس واحد وكذا ثمرة الكرم على اختلافها في الشكل والطعم وغيرهما.

وفي موثق سماعة (٥) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن العنب بالزبيب؟ فقال : لا يصلح إلا مثلا بمثل » مع أنه لا خلاف أجده أيضا فيه ، وفي القاعدة المعروفة بين الأصحاب قديما وحديثا وهي أن كل ما يعمل من جنس واحد يحرم التفاضل فيه وإن اختص هو باسم كالحنطة بدقيقها ، والشعير بسويقه ، والدبس المعمول من التمر بالتمر ، وكذا ما يعمل من العنب بالعنب إلحاقا للفرع بأصله في حكم الربا ، للمعتبرة المستفيضة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الربا الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الربا الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٣.

٣٤٨

التي منها‌ صحيح زرارة (١) ومحمد (٢) « المتضمن لنفي البأس عن الحنطة بالدقيق إذا كانا مثلا بمثل » كصحيحه الأخر (٣) عن الباقر عليه‌السلام أيضا « الدقيق بالحنطة ، والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به ».

وموثق سماعة (٤) « سألته عن الحنطة والدقيق؟ فقال : إذا كانا سواء فلا بأس » وقال أبو الربيع للصادق عليه‌السلام (٥) : « ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا بأس. قلت : فالبختج والعصير مثلا بمثل؟ قال : لا بأس » وفي الوافي البختج : العصير المطبوخ معرب مي پخته » وسأل محمد بن مسلم (٦) أبا جعفر عليه‌السلام « عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام ، فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر رطلا دقيقا ، فقال : لا قلت : الرجل يدفع السمسم إلى العصار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة؟ فقال : لا » وسأله أيضا في صحيحه الآخر (٧) « عن البر بالسويق؟ فقال : مثلا بمثل لا بأس به. قلت : إنه يكون له ريع ، « أى نماء » أو يكون فيه فضل فقال : أليس له مؤنة؟ قلت : بلى قال : هذا بهذا ، وقال : إذا اختلف الشيئان فلا بأس مثلين بمثل » إلى غير ذلك من النصوص المتمم دلالتها بعدم القول بالفصل بين مواردها وبين غيرها مضافا إلى التعليل السابق في نصوص الحنطة والشعير الظاهر في التعدية إلى كل فرع بالنسبة إلى أصله كما حقق في الأصول ، بل‌ في مرسل على بن إبراهيم (٨) المضمر « وما كيل أو وزن مما أصله واحد ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من أبواب الربا الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ١.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ١٢.

٣٤٩

فليس لبعضه فضل على بعض ، كيلا بكيل ، أو وزنا بوزن ، فإذا اختلف أصل ما يكال ، فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ؛ ويكره نسيئة » إلى أن قال : « وما كان أصله واحد أو كان يكال أو يوزن فخرج منه شي‌ء لا يكال ولا يوزن ، فلا بأس به يدا بيد ، ويكره نسيئة ، وذلك كالقطن والكتان ، فأصله يوزن ، وغزله يوزن ، وثيابه لا توزن ، فليس للقطن فضل على الغزل ، وأصله واحد فلا يصلح إلا مثلا بمثل ، فإذا صنع منه الثياب صلح يدا بيد ، والثياب لا بأس الثوبان بالثوب » ولا يقدح إرساله وإضماره بعد الانجبار بالشهرة العظيمة ، بل قيل إنها إجماع.

وفي التذكرة « الأصل مع كل فرع له واحد ، وكذا فروع كل أصل واحد ، وذلك كاللبن الحليب مع الزبد ، والسمن والمخيض واللبأ والمصل والأقط والجبن والترحين والكشك والكامخ والسمسم مع الشيرج والكسب والراشي ، وبزر الكتان مع حبة ، والحنطة مع الدقيق ، والخبز على اختلاف أصنافه من الرقاق والفرن وغيرهما ، ومع الهريسة ، والشعير مع السويق ، والتمر مع السيلان والدبس والخل منه والعصير منه ، والعنب مع دبسه وخله ، والعسل مع خله ، والزيت مع الزيتون ، وغير ذلك عند علمائنا أجمع ، فلا يجوز التفاضل بين اللبن والزبد ، والسمن والمخيض : واللبأ واللاقط ، وغير ذلك مما تقدم ، بل يجب التماثل نقدا ، ولا يجوز نسيئة لا متماثلا ولا متفاضلا ، ولا فرق في ذلك بين الأصل مع فرعه ، أو بعض فرعه مع البعض » إلى آخره مؤيدا ذلك كله بعدم العثور على خلاف في شي‌ء من القاعدة المزبورة وفروعها ، إلا ما عن الأردبيلي من التأمل في ذلك ، وأنه غير منضبط على القوانين من حيث عدم صدق الاسم الخاص على الجميع ، وعدم الاتحاد في الحقيقة.

ولهذا لو حلف أن لا يأكل أحدهما لم يحنث بأكل الأخر : فيحتمل كونهما جنسين يجوز التفاضل فيهما ، والشرط في النصوص للكراهة مع عدمه ، كما مر في سائر المختلفات‌

٣٥٠

قال : « ويمكن أن يكون الضابط أحد أمرين ؛ إما الاتفاق في الحقيقة أو الاتحاد في الاسم ، وهنا الأول متحقق وإن لم يتحقق الثاني ، وفيه تأمل ».

قلت : كان وجه التأمل عدم تمامية ذلك أيضا ضرورة أنه قد يتخلف الاسم والحقيقة ، كالتمر والخل والزبد والمخيض كما اعترف هو به في أول كلامه ، ورده بعض الأفاضل ، بأن مرجع المناقشة المزبورة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتحاده في الربا بين الربويين ، هل هو الحقيقة الأصلية خاصة وإن اختلفت أسماء أفرادها ، أو أنه لا بد من الاتحاد في الاسم ، بناء على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة ، ولا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدمناه من الأدلة الدالة على إرادة المعنى الأول بلا شبهة ، وتكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية كما سلمه هو في مسألة الحنطة والشعير للنصوص الجارية هنا بمقتضى العلة المنصوصة ، ولذا إن الحلي المصر على إرادة المعنى الثاني في مسألة الحنطة والشعير وافق الأصحاب في المسألة ، مدعيا في جملة من مواردها إجماع الطائفة.

وبذلك يظهر لك الفرق بين المقام وبين ما ذكره فانا لا ننكر دوران الأحكام مدار الأسماء في غير ما نحن فيه ، كما هو واضح ، وهو جيد لو كانت المناقشة من حيث اختلاف الإسلام خاصة ، وإلا فحقيقة الأصل والفرع متحدة.

اما إذا كانت في مختلف الحقيقة من الفرع مع الأصل الذي هو فرد من إطلاق القاعدة المزبورة ، ومن مقتضيات العلة في نصوص الحنطة والشعير ، فمن الواضح عدم توجه بعض ما في الرد عليها من هذه الحيثية ، ضرورة إمكان منع دلالة النصوص وغيرها على نحو ذلك أولا ، ومنع تسليمه ثانيا ، لمعارضته بما دل « على البيع كيف شئتم مع اختلاف الجنس ، » وإن كان من وجه ، وبما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا ، وباستلزامه حصول الربا في المستحيل إلى حقيقة أخرى لو بيع بأصله ، كالتمر المستحيل إلى الملح مثلا والتزامه في غاية الصعوبة ، لعدم الدليل الصالح لإثباته عدا إطلاق معقد الإجماع على‌

٣٥١

القاعدة المعارض ، بإطلاق معقد جواز البيع ، مع اختلاف الجنس كيف شاء ، وعدا منصوص العلة في نصوص (١) الحنطة والشعير الذي لا جابر له في الفرض ، لقلة من استند في هذه القاعدة إليه ، بل قد يقال : أنه من الحكمة لا من العلة خصوصا مع ملاحظة خبر (٢) زرع حوا ، وستسمع التصريح في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد بجواز بيع اللبن باللحم لاختلاف الماهية ، بل كثير من أفراد ذلك غير محتاج إلى التصريح هذا.

لكن الإنصاف أنه لا مناص عن التزامه ، أو القول به في المستحيل إلى حقيقة أخرى هي فرع لذلك الأصل ، كالشعير بالنسبة إلى الحنطة ، لا إذا لم تكن واستحال إليها فرد من ذلك الجنس ، كالمثال المزبور أو القول بتنزيل إطلاقهم على الفرع الذي لم ينتقل إلى حقيقة أخرى ، وإن تغير الاسم كالدقيق بالنسبة إلى الحنطة ونحوه ، لكن ينافي ذلك بعض أمثلتهم للقاعدة ، منها ما سمعته من معقد إجماع التذكرة الشامل لبيع الفرع بالفرع أيضا وإن اختلفا في الحقيقة بعد اتفاقهما في الأصل ، ومن هنا كانت المسألة من المشكلات ومحتاجة إلى التأمل التام ، وقد تقدم لنا سابقا بعض الكلام في ذلك فلاحظ وتأمل.

بل قد يناقش فيها من جهة أخرى وهي أن الفرع إن كان بسبب العمل ومخالطة غير الربوي له كالخل الذي يتخذ من التمر والماء الذي هو من أمثلة القاعدة المزبورة ، قد يمنع لحوقه بالربوي من جزئي أصله ، ضرورة كونه ترجيحا من غير مرجح بعد فرض عدم كون الجزء الآخر من المستهلكات ، فإطلاق أدلة البيع وغيره يقتضي جواز التفاضل فيه لو بيع بالتمر مثلا ، اللهم الا أن يدعى أن الماء صار من اجزاء التمر كالمعتصر منه ، لكنه كما ترى.

وفي التذكرة في المقام « أن مخالطة الملح والماء والأنفحة وبعض الأجزاء اليسيرة لا توجب اختلافا. لأنها أجزاء يسيرة لا اعتبار بها ، فإن كانت كثيرة توجب اختلافا جاء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الربا.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٨١.

٣٥٢

حكم المختلفين » فتأمل جيدا ، فإنه يمكن القول باعتبار ما كان فرعا لأصل نحو الحنطة والدقيق ، والشعير والسويق ، ونحو الدهن من السمسم مما سمعته في النصوص المزبورة ، لا كل فرع لكل أصل وإن كان بعيد الا يعرفه إلا خواص الناس ، نحو طلع الفحل ، ونحو اتخاذ القند من الشوندر ، وغير ذلك مما يستخرج من بعض الأجسام على وجه لا يدركه إلا أو حدي الناس لا أقل من الشك والأصل الجواز ، بناء على ما سمعت ، وإجماع التذكرة لا وثوق به في ذلك وشبهه.

وأما المناقشة فيها بما حكاه في الرياض عن الفاضل المزبور أيضا ، منها ـ أنه لا شك في أن الحنطة إذا جعلت دقيقا تزيد كما هو ظاهر ، ودلت عليه صحيحة محمد بن مسلم (١) المتقدمة ، وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمل ، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالاخر متساويا أيضا للزيادة كما في اليابس من جنس بآخر رطبا مثل الرطب بالتمر ، والعنب بالزبيب ، فكيف لا ينبغي النظر إلى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل وتغيير ، مع أنه معتبر عندهم في الرطب والتمر ؛ فقد أجاب عنها في الرياض باغتفار هذه الزيادة اتفاقا فتوى ورواية.

ولعل الوجه فيه ما أشير إليه وإلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه ، وحاصلها أن اغتفار الزيادة إنما هو لأجل الطحن ، وليس بيع الرطب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة ، إذ لا مئونة في يبس التمر وهو فرق واضح لا يشوبه شوب المناقشة.

قلت لا إشكال في منع الزيادة سواء كان في مقابلها عمل له مئونة أولا ؛ كما صرحوا به في بيع الخاتم بالفضة وغيره ، كما أن الظاهر عدم الفرق بين الزيادة الحسية والحكمية ، والفعلية والتقديرية ، بناء على العمل بالعلة المستفادة من‌ قوله عليه‌السلام « أينقص إذا جف » (٢) كما ستعرف ، الكلام فيه مفصلا إنشاء الله ، فلا يبعد حينئذ أن يكون وقوع التعليل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ١ ـ ٣.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٢٨٠.

٣٥٣

في الصحيح إقناعيا لرفع استبعاد المخالفين ، وإلا فمثل هذه الزيادة غير قادحة ، للنص والإجماع هذا. وفي الوافي في بيان وجه هذه الزيادة : « لعل مراد السائل أن البر له ريع ، فيه فضل لأنه يزيد إذا خبز ، بخلاف السويق » انتهى وقد يكون المراد أنه إذا بيع أحدهما بالآخر كيلا ، لأنهما من المكيلات ، فإن الحنطة تكون أثقل والسويق أخف ، فيحصل الريع والزيادة في الحنطة ، بل لو بيعا بالوزن يحصل التفاوت في الكيل ، وستعرف البحث في ذلك ، وأنه هل المعتبر التساوي فيهما ، أو يكفي فيه أحدهما وإن تفاوتا في الأخر وكيف كان فلا مجال لهذه المناقشة بعد النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات كما هو واضح والله اعلم.

وما يعمل من جنسين يجوز بيعه بغيرهما وبهما مع التفاضل وعدمه وبكل واحد منهما لكن بشرط أن يكون في الثمن زيادة عن مجانسه بحيث تصلح لمقابلة الأخر مع الانفراد كما في المسالك ، أو ولو مع الانضمام كما يقتضيه إطلاق غيره ، والأول أحوط ، وإن كان الثاني لا يخلو من قوة.

وعلى كل حال فلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه ، كما ستعرف ذلك كله وغيره في « المسألة السادسة » إذ هي مع ما نحن فيه من واد واحد كما اعترف به في المسالك ضرورة عدم الفرق بين المعمول من جنسين وبين بيع الجنسين صفقة من غير عمل يقتضي تركيبهما في ذلك نعم عن السيد العميد أن كل مركب من شيئين أو أشياء كالزلابية والأشربة إذا لم يمكن انفصال أجزائه بعضها عن بعض ، فهو كالشي‌ء الواحد ، لا يجوز التفاضل فيه وهو غريب ، إذا فرض عدم الخروج بالتركيب إلى حقيقة أخرى خارجة عن الجنسين ، بل وإن كان كذلك ، بناء على الاحتمال الذي ذكرناه سابقا في مسئلة لحوق الفرع بالأصل ، إذ الظاهر عليه هنا لحوقه بأصلهما ، فلا يجوز بيعه بجنس أحدهما ، مع عدم الزيادة المقابلة ، ويجوز معها وبهما معا مطلقا ، ومنه المركب مثله ، فتأمل جيدا ، فإنه يمكن المنع من اللحوق هنا وإن قلنا به بالنسبة إلى جريان الربا ، إلا أن الغرض منه التخلص من الربا ،

٣٥٤

وحينئذ فلا يجوز بيعه بمثله متفاضلا.

وعلى كل حال فلا يعتبر معرفة مقدار كل من الجنسين في صحة البيع اكتفاء بمعرفة المجموع حتى في صورة البيع بجنس أحدهما ، إذ يمكن فرض العلم بزيادة الثمن عما قابله من جنسه ، وإن لم يعلم خصوص المقدار من ذي الجنسين بان يعلم مثلا ان المجانس لا يبلغ النصف ، فيبيعه بقدر ثلثي المجموع مثلا ، كما هو واضح. والله أعلم.

واللحوم مختلفة في الجنس بحسب اختلاف أسماء الحيوان بلا خلاف بل في التذكرة الإجماع عليه ، والاشتراك في اسم اللحم لا يقتضي الاتحاد ، كالاشتراك في اسم الحيوان.

نعم لحم البقر والجاموس جنس واحد إجماعا في المحكي عن الغنية والتذكرة مؤيدا بما تقدم لهم في باب الزكاة ولدخولهما تحت لفظ البقر لغة فالاختلاف حينئذ في العرف اختلاف أفراد لا حقيقة ، وإن اختص كل منهما باسم فيه ، فتوقف فاضل الرياض فيه لذلك قال « وإن تجانسا لغة كما حكي في غير محله ، بل لا وجه لما فرضه من اتحاد الجنس في اللغة واختلافه في العرف » ولحم الضأن والمعز جنس واحد. بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع في محكي الكتابين عليه ، لدخولهما تحت لفظ الغنم الظاهر في أنه اسم للنوع الذي لا يقدح في اتحاد الحقيقة فيه مثل هذا الاختلاف كالإنسان ، بل في حواشي الشهيد « اللحم والكبد والقلب والكرش كله واحد » وفيها أيضا « يجوز بيع اللبن باللحم ، واللحم بالبيض لاختلاف المهية ، بخلاف الدبس بالخل للاختلاف بالصفة لا غير واللحم والشحم مختلفان ، أما الألية والشحم ، فالظاهر اتحادهما كما في الدروس ».

ولحم الإبل عرابها وبخاتيها جنس واحد بلا خلاف أيضا ، والإجماع في محكي الكتابين عليه ، لنحو ما عرفت ، والبخاتي : بفتح الباء وتشديد الياء المثناة من تحت جمع بختي ـ بضم الباء وتشديد الياء أيضا : الإبل الخراسانية قال الشاعر : « لبن البخت في‌

٣٥٥

قصاع الخليج » ويخفف ويثقل ، وربما قيل انه معرب ، والطيور أجناس مختلفة لغة وعرفا ، لاختصاص كل منهما باسم ، وإن جمع الجميع اسم الطير بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك.

نعم في خصوص الحمام منه خلاف فقيل إنه جنس واحد كما هو خيرة الفاضل في التذكرة وغيرها ، والشهيد في الدروس والمحقق الثاني في جامعه ، للاشتراك في الاسم ، ولأنه أقرب إلى الاحتياط وقيل وهو الذي يقوى عند المصنف أن كل ما يختص باسم منه ، فهو جنس على انفراده كالفخاتي والورشان وهو ظاهر التحرير أو صريحه ، ومنشأ الخلاف الشك في أن مقولية الحمام على ما تحته مقولية النوع على الأصناف ، أو الجنس على الأنواع ، فعلى الأول يحرم بيع بعضها ببعض مطلقا ، وعلى الثاني يختص كل نوع بحكمه ، ولما كان الوقوف على ذاتيات الحقائق عزيز جدا ، ولم يكن من جهة الشرع قاطع بشي‌ء حصل الخلاف ، لكنك خبير أن الإطلاقات تقتضي الجواز مع الشك ، مضافا إلى عدم مساعدة العرف بصدق الحمام على كثير مما ذكر أنه فرد له ، إذ المعروف عند معظم الفقهاء كما قيل أن الحمام كل طائر يعب الماء أو يهدر ، فيدخل فيه القماري والدباسي والفواخت ، سواء كانت مطوقة أو لا ، ألفه أو وحشية ، بل عن الكركي أنه عرف عند أهل اللغة أيضا ، لكن فيه أن المحكي عن أكثر كتب اللغة كالصحاح وفقه اللغة وشمس العلوم والسامي وغيرها أنه كل مطوق ، وحكاه الأزهري عن أبي عبيدة عن الأصمعي.

وعن مصباح المنير : الحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت والقماري وساق حرا والقطار والدواجن والوراشين وأشباه ذلك إلى أن قال : والعامة تخص الحمام بالدواجن ، وكان الكسائي يقول الحمام هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت ، والظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف.

وعلى كل حال فالعرف لا يوافق شيئا مما سمعته عند أهل اللغة فلا ريب حينئذ في أن‌

٣٥٦

الأحوط الاتحاد خصوصا بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال » بناء على شموله لمثل المقام وإن كان الذي يقوى التعدد بتعدد الأسماء ، والله أعلم ، بل ظاهر قول المصنف وكذا السموك أنه أيضا أجناس متعددة بتعدد اسم كل واحد ، بل هو صريح التحرير ، ولكن يظهر من بعض مشايخنا أن المعروف كونه جنسا واحدا ، لشمول الاسم للجميع ، والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف بالحقيقة ، ويمكن إرادة ذلك من الإشارة في المتن وهو لا يخلو من قوة ، لكن لا ريب في أنه جنس مخالف لغيره من اللحم ، كما أن الجراد جنس مخالف لسائر اللحوم البرية والبحرية.

وعلى كل حال ففي المسالك « الطير إنما يتصور الربا فيه إذا بيع لحمه وزنا ، أما لو بيع جزافا فلا ، ولو بيع عددا كما هو الغالب ففي ثبوت الربا فيه خلاف يأتي ، والأقوى عدمه » قلت : ستعرف أنه لا يكفي في الربا أيضا مطلق البيع وزنا وإن كان المتعارف في الزمن السابق بيعه جزافا وكيف كان فـ ( الوحشي ) من كل جنس مخالف لأهليه كما نص عليه ؛ بل عن الغنية وجامع المقاصد وظاهر التذكرة وغيرهما الإجماع عليه ، بل عن موضع آخر من التذكرة ما هو كالصريح في ذلك ، ولولا هذا الاتفاق لأمكن المناقشة في ذلك كما اعترف به في الرياض هذا وعن الخلاف والمبسوط أن ليس في الإبل وحشي.

والألبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة الإجماع عليه ، فلبن الإبل جنس ولبن البقر جنس آخر كذي اللبن وقد يحتمل اتحاد الجنس في بعضها ، وإن اختلف اللحمان ، بل عن بعض العامة أنها جميعا جنس واحد. والله أعلم.

هذا وقد عرفت سابقا أنه لا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من اللبن وبينه كزبد البقر مثلا ، بحليبه ومخيضه وأقطه لأنه فرعه بل لا يجوز التفاضل في الفروع نفسها‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

٣٥٧

فضلا عن الفرع وأصله فلاحظ وتأمل. والأدهان تتبع ما تستخرج منه ، فدهن السمسم جنس ، وكذا ما يضاف إليه كدهن البنفسج والنيلوفر لأن إضافته إليه لا تخرجه عن أفراد أنواع الدهن ، فإنه ليس مركبا منه ومما يضاف إليه بل هو عين الدهن يكتسب باختلاطه به مدة خاصة ثم ينزع منه ودهن البزر جنس آخر كدهن اللوز ودهن الجوز وغيرها من الأدهان كما هو واضح ، ضرورة أن الاشتراك في الدهنية لا يقتضي الاتحاد في الحقيقة المعلوم اختلافها وكذا الخلول فإنها تتبع ما يعمل منه فخل العنب مخالف لخل الدبس وإن اشتركا معا في الخلية ويجوز التفاضل بينهما نقدا كغيرها من المختلف وأما في النسيئة ففيه تردد وخلاف تقدم تحقيق الحال فيه سابقا إذا المقام فرد من افراد مختلف الجنس والله أعلم.

الثاني من الأمور ( اعتبار الكيل والوزن فـ ) إذا كان المبيع والثمن كذلك مع اتحاد الجنس حرم الربا فيهما إجماعا بقسميه ، وسنة وكتابا ، بل كاد يكون ضروريا ، إنما الكلام في اشتراط ذلك فيه وقد عرفت سابقا اشتراط الجنسية ، أما التقدير بهما على معنى أنه لا ربا إلا في مكيل أو موزون فهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل عن الخلاف ومجمع البيان والتذكرة وظاهر الغنية والسرائر الإجماع على عدم الربا في المقدر بالعدد ؛ وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني منها ، إلا أن الأصل والعمومات كافية في الجواز.

مضافا إلى النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة‌ كالصحيح (١) المروي في الكتب الثلاثة « لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا أو وزنا » والخبر (٢) المنجبر بما سمعت « أن ما عد عدا ولم يكل ولم يوزن فلا بأس به ، اثنان بواحد يدا بيد ، ويكره نسيئة » وموثق منصور بن حازم (٣) سال الصادق عليه‌السلام « عن البيضة بالبيضتين؟ قال : لا بأس ، والثوب بالثوبين؟ قال لا بأس والفرس بالفرسين؟ قال : لا بأس به ، ثم قال : كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٣.

٣٥٨

إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد » وخبره الأخر (١) « سألته عن الشاة بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين؟ قال : لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا » وكذا (٢) سأله داود بن الحصين فأجابه بذلك أيضا.

والخبر الذي قيل فيه أنه مروي في الكتب الثلاثة أيضا بستة طرق ، منها‌ الصحيح (٣) عن عبيد بن زرارة تارة ، وعن زرارة أخرى عن الصادق عليه‌السلام « لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن » وصحيح زرارة أيضا (٤) عن الباقر عليه‌السلام « البعير بالبعيرين ، والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس ، وقال : لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا وصفتهما » وسأل البصري (٥) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة والغزل أكثر وزنا من الثياب؟ فقال لا بأس » وسأله (٦) أيضا « عن العبد بالعبدين والعبد بالعبد والدراهم؟ قال : لا بأس بالحيوان كله بدا بيد ونسيئة » وسأله (٧) سعيد بن يسار أيضا « عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال : نعم لا بأس إذا سميت الأسنان جذعين ، أو ثنيين ، ثم أمرني فخططت على النسيئة لأن الناس يقولون لا » وموثق سماعة (٨) « سألته عن بيع الحيوان اثنين بواحد؟ فقال : إذا سميت الثمن فلا بأس » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب.

فما في المقنعة وعن ابى علي وسلار من ان حكم المعدود حكم المكيل والموزون ، فلا يجوز التفاضل في المتجانسين مطلقا نقدا ونسيئة واضح الضعف ، وإن كان قد يحتج له بعد إطلاق حرمة الربا بصحيح (٩) محمد « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع ، والبعير بالبعيرين والدابة بالدابتين؟ فقال كره ذلك علي عليه‌السلام فنحن نكرهه ، إلا ان يختلف الصنفان قال : وسألته عن الإبل والبقر والغنم أو أحدهن في هذا الباب؟ فقال : نعم فإنا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ١ ـ.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الربا الحديث ١.

(٦) (٧) (٨) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٦.

(٩) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا الحديث ٧.

٣٥٩

نكرهه » وصحيح ابن مسكان (١) المروي في الفقيه مرسلا مقطوعا قال : « سئل الصادق (ع) عن الرجل يقول عاوضني بفرسي وفرسك وأزيدك؟ قال : فلا يصلح ، ولكن يقول أعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا وكذا » لكن فيه بعد تقييد الإطلاق بما عرفت ، عدم صدق اعتبار العد في ذلك ، فيكون حينئذ ما في الخبرين مع معارضته بما سمعت ، مخالفا للإجماع ، ولعله لذا نفى الخلاف في المختلف عن بيع الثوب بالثوبين نقدا ، فلا بد ـ من عدم إرادة الحرمة من الكراهة ؛ ونفي الصلاحية ، أو على إرادة خصوص النسيئة منه ، لما في المقنعة لا بأس ببيع ما لا يكال ولا يوزن ، واحد باثنين وأكثر من ذلك نقلا ، ولا يجوز نسيئة كثوب بثوبين ، وبعير ببعيرين ، وشاة بشاتين ودار بدارين ، ونخلة بنخلتين يدا بيد نقدا ، وإن باع ذلك نسيئة كان البيع باطلا ، ونحو عن المراسم.

وفي النهاية « واما ما لا يكال ولا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه ، والجنس واحد نقدا ، ولا يجوز ذلك نسيئة ، مثل ثوب بثوبين ، ودابة بدابتين ، ودار بدارين ، وعبد بعبدين ، وما أشبه ذلك. ، إلى ان قال في آخر المبحث. وما يباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ؛ والجنس واحد ؛ ولا يجوز ذلك نسيئة ، مثل البيضة بالبيضتين ، والجوزة بالجوزتين ، والحلة بالحلتين ، وما أشبه ذلك ». ونحوه في المحكي عن العماني وابن الجنيد والخلاف في عدم جريان الربا في المعدود ، والمنع نسيئة في نحو ما عرفت.

وفي الوسيلة « السادس أي بيع المعدود بالمعدود ، ويجوز التبايع فيه متماثلا ومتفاضلا ، نقدا لا نسيئة ، إذا كانا من جنس واحد ، مثل بيع بيضة ببيضتين ، وجوزة بجوزتين ، وحلة بحلتين » وفي الغنية « ويجوز بيع الحيوان بالحيوان مثماثلا أو متفاضلا ، سواء كان صحيحا أو كسيرا نقدا ؛ ولا يجوز ذلك نسيئة ، في الظاهر من روايات أصحابنا وطريقة الاحتياط تقتضي المنع منه. » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ١٦.

٣٦٠