جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ذلك نعم ليس له أن يقول أديت أو نحوه وربما احتمل ذلك أيضا في قام على ونحوه والله اعلم. المسئلة الرابعة من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة بل ومواضعة وتولية تماثلث أو اختلفت وسواء قومها أو بسط الثمن عليها بالسوية بلا تقويم وسواء باع خيارها بالأقل أو لا الا بعد أن يخبر بذلك وكذا في عدم الجواز لو اشترى دابة مثلا حاملا فولدت وأراد بيعها منفردة عن الولد كل ذلك على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه بل يمكن تحصيله في مختلفة بل وفي غيرها إذ لم يحك الخلاف فيها الا من الإسكافي والقاضي فجوزاه فيما لا تفاضل فيه كالمعدود المتساوي وهما غير قاد حين في الإجماع ، بمعنى القطع بالحكم المخالف لما ذكراه خصوصا بعد تفاوت القيم والأغراض وكون التوزيع لثمن خرص وتخمين يتطرق إليه الخطأ غالبا وخصوصا بعد أن‌ سأل أبو حمزة أبا جعفر عليه‌السلام (١) « عن الرجل يشترى المتاع جميعا بالثمن ثم يتقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس المال جميعا أيبيعه مرابحة فقال له : لا حتى يبين له أنه انما قومه » ونحوه صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليه‌السلام.

نعم ظاهرهما جواز البيع مرابحة إذا أخبر بذلك كما هو مقتضى قوله في المتن الا بعد أن يخبر بذلك ، بل وأكثر عبارات الأصحاب ، بل زاد في التذكرة بعد أن حكى خلاف الشافعي في انه يجوز البيع مرابحة بالتقسيط وان لم يخبر به ، قال : اما لو أخبر بالحال فقال اشتريت المجموع بكذا ، وقومته مع نفسي فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا فإنه يجوز إجماعا لكن عن ابن إدريس انه حكى الاستثناء المزبور الظاهر في جواز البيع مرابحة بعد الاخبار ، واعترضه بأنه ليس بيع المرابحة لأن وضعه في الشرع ان يخبر بالثمن الذي اشترى وهذا ليس كذلك.

ورده في المختلف « بان هذه المنازعة لفظية كما قال في النافع انه لو أخبر جاز لكن يخرج عن وضع المرابحة » وفي جامع المقاصد والمسالك وغيرهما ان إطلاق المرابحة عليها مجاز للمشاكلة في الصورة قلت قد يناقش في ذلك بمنع حصر المرابحة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب أحكام العقود الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

٣٢١

فيما لا يدخل فيه التقويم ، ضرورة صدق اسم رأس المال والقيام عليه به ونحوهما. نعم لا يصدق اشتريته ونحوه عليه ، وقد تقدم صحة المرابحة فيما لو عمل فيه عمل قد ذكره بكذا وفيما لو رجع بأرش العيب ، كما أن من الواضح صحتها فيما لو تلف بعض الصفقة قبل القبض ، ورجع بحصته من الثمن ورضى بالبيع في الباقي ، وفيما إذا ظهر مستحقا ، وفي التذكرة « لو اشترى عبدا بثوب قيمته عشرون وأراد بيعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ، ذكر انه اشتراه بثوب قيمته كذا ولا يقتصر على ذكر القيمة ، لأن البائع بالثوب يشدد أكثر مما يشدد البائع بالنقد ولو كان قد اشترى الثوب بعشرين ثم اشترى به العبد ، جاز أن يقول قام على بعشرين ، ولا يقول اشتريته بعشرين ، بل قال فيها أيضا « لو انتقل اليه بغير عوض كالهبة لم يجز بيعه مرابحة ، سواء قومها بثمن مساو أو أزيد أو أنقص الا أن يبين الحال في ذلك ، ولا يكفى بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال » الى أن قال « ولو آجر داره بعبد أو نكحت المرأة رجلا على عبد أو خالع زوجته عليه ، أو صالح عن الدم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ، ولو أخبر بالحال جاز بما قام علي ويذكر في الإجارة مثل اجرة مثل الدار ، وفي النكاح والخلع مهر المثل ، وفي الصلح عن الدم الدية ومقتضاه التوسعة في المرابحة بأزيد من محل البحث وإن كان لا يخلو من نظر.

وفي القواعد ولو اشتريا ثوبا بعشرين ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد وعشرين » قلت مع أن نصيبه كان بعشرة بالتقسيط الى غير ذلك مما لا إشكال في جواز البيع مرابحة مع التقويم والتقسيط ، ومنه ما لو تعدد المشتري والمبيع واتحد الثمن ، بل في جملة من النصوص ظهور إن لم يكن تصريح بجواز البيع مرابحة مع التقويم ، مضافا الى النصوص السابقة ، وكيف كان فحيث لا تجوز المرابحة لو باعا بقصدها ولو للجهل منهما أو من أحدهما ، أمكن القول بالصحة بيعا للأصل ، وخروج وصف المرابحة عن حقيقة البيع ، وقد يحتمل البطلان لأنها صنف خاص منه ، ولتبعية العقود للقصود ،

٣٢٢

فلو صح غيرها وقع ما لم يقصد ، وما قصد لم يقع ، والأول أقوى ، وربما يشهد له ما سمعته هنا من الجواز ممن عرفت لو أخبر بالحال وان لم يكن مرابحة مما ظاهره ذلك ، وان قصد المتعاملان المرابحة ولو للجهل منهما بموضوعهما ، بل منه يظهر الوجه فيما ذكرناه سابقا من ثبوت الخيار لو كذب البائع في رأس المال إذا لم يكن له رأس مال بل كان موروثا أو متهبا ، ضرورة ابتنائه على صحة البيع ، وربما انقدح منه ثبوت الخيار في كل ما فعل بعنوان المرابحة فبان عدم موضوعها ، إذ لعل له غرضا بذلك كوفاء نذر أو إنفاذ وصية ونحو ذلك فتأمل جيدا والله أعلم.

المسألة الخامسة إذا قوم التاجر على الدلال متاعا وربح عليه أو لم يربح ولم يواجبه البيع لم يجز للدلال بيعه مرابحة على ما قوم عليه بلا خلاف أجده فيه ، لأن الغرض عدم الشراء ، ول‌ ما رواه في الكافي عن الكناني والفقيه عنه وعن سماعة والتهذيب عن الكناني وعمرو بن عيسى عن سماعة (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يحمل المتاع لأهل السوق وقد قوموا عليه قيمة فيقولون بع فما ازددت فلك؟ قال : لا بأس بذلك ، ولكن لا يبعهم مرابحة » ونحوه ذلك صحيح زرارة (٢) الاتى ، وحينئذ فإن فعل كان آثما ، بل يمكن فساد بيعه الا بعد الاخبار بالصورة قبل البيع ، فإنه يصح بيعه حينئذ وإن لم يكن مرابحة حقيقة ، لعدم الشراء من البائع ، إلا أنها بصورة المرابحة ، لكن لا يبعد جريان الخيار فيها لو فرض كذب الدلال فيما ذكره من التقويم الذي هو بمنزلة رأس المال ، لفحوى ما عرفت وعلى كل حال لا يجب على التاجر الوفاء لو قال له بعه بذلك والزائد لك ، للأصل إذ ليس هو إلا وعدا ، ولا يجب الوفاء به ، ضرورة فساد كونه إجارة وجعالة للجهالة ، وعدم ملك الزيادة حال القول ، ولأنها ببيع الدلال انتقلت إلى التاجر باعتبار كونها عوض ملكه ، ولا مقتضى للانتقال عنه إلا القول الأول الذي لم يثبت كونه ناقلا لمثلها ، كما انه لم يثبت كونه مقتضيا لانتقالها إلى الدلال من أول الأمر بل الثابت من قاعدة تبعية ملك الثمن للمثمن خلافه ، فلا شي‌ء حينئذ للدلال بل الربح جميعه له أي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٢ لكن ليس فيه ولكن لا يبيعهم مرابحة.

٣٢٣

التاجر ولكن للدلال أجرة المثل لاحترام عمله سواء كان التاجر دعاه الي البيع المزبور أو الدلال ابتدأه لاشتراكهما في جميع ما ذكرنا كما هو واضح.

لكن في المقنعة « وإذا قوم على الواسطة المتاع بدراهم معلومة ، ثم قال له : بعه بما تيسر لك فوق هذه القيمة وهو لك ، والقيمة لي جاز ، ولم يكن بين التاجر والواسطة بيع مقطوع فان باعه بدونها ، كان عليه تمام القيمة لصاحبه وان لم يبعه كان له رده ولم يكن للتاجر الامتناع من قبوله ، ولو هلك المتاع في يد الواسطة ، من غير تفريط له فيه كان من مال التاجر ولم يكن على الواسطة فيه ضمان ، فان قبض الواسطة من التاجر المتاع على ما وصفنا ، لم يجز ان يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.

وإذا قال الواسطة للتاجر خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي فيه شيئا لا بيعه ففعل التاجر ذلك وباعه الواسطة بزيادة على رأس المال والربح كان ذلك للتاجر دون الواسطة ، إلا أن يضمنه الواسطة ويوجبه على نفسه ، فان فعل ذلك جاز له أخذ الفضل على الربح ، ولم يكن للتاجر إلا ما تقرر بينه وبينه فيه » ونحو ذلك في النهاية إلا أنه قال : « في الصورة الثانية للدلال أجرة المثل لا أكثر من ذلك ، وكان نظرهما إلى الخبر المزبور ، وصحيح محمد بن مسلم (١) المروي عن الكافي والتهذيب عن الصادق عليه‌السلام « أنه قال في رجل قال لرجل : بع لي ثوبا لي بعشرة فما فضل فهو لك لبس به بأس » وصحيح زرارة (٢) المروي عن الكتب الثلاثة « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في رجل يعطى المتاع فيقول : ما ازددت علي كذا وكذا فهو لك؟ فقال : لا بأس بذلك ، ولكن لا بيعه مرابحة » وموثقته (٣) عن ابى جعفر عليه‌السلام « سألته من الرجل يعطى المتاع فيقال له ما ازددت علي كذا وكذا فهو لك قال لا بأس »

لكن عن ابن إدريس بعد أن حكى ذلك عن الشيخ قال : إنه غير واضح وأنه لا يستقيم على أصول مذهبنا ، إذ هو ليس بيع مرابحة ولا إجارة ولا جعالة محققة » الى أن قال : « وانما أورد أخبار الآحاد في هذا الكتاب إيرادا لا اعتقاد أعلى ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

٣٢٤

فاسدة على ما ذكره واعتذر به في خطبة مبسوطة ، ورده في المختلف بأن كلام الشيخ محمول على الجعالة على التقدير الأول ، لكن يبقى الإشكال في الجعالة إذ انضمنت عوضا مجهولا ، ويحتمل أن يقال هنا بالصحة ، لأنا إنما منعنا جهالة مال الجعالة لأدائه إلى التنازع وهو منتف هنا ، إذا الواسطة إن زاد في الثمن مهما كانت الزيادة له ، وإلا فلا شي‌ء له ، لأنهما إنما تراضيا على ذلك ، بخلاف الجعالة المجهولة المؤدية إلى التنازع ، وهذا القول لا بأس به عملا بالأحاديث الصحيحة ، أما الصورة الثانية ، فإنه لا جعالة هناك فلهذا أو جبنا على التاجر أجرة المثل ، وتبعه في الدروس قال بعد أن حكى عن الشيخين أن الزيادة للدلال إذا قوم التاجر عليه : « ولو بدء الدلال بطلب التقويم ، فله الأجرة لا غير ، وسوى الحليون بين الأمرين في الأجرة ، والأول اثبت ، لأنه جعالة مشروعة ، وجهالة العوض غير ضائرة ، لعدم إفضائه إلى التنازع ، وروى ابن راشد (١) « في من اشترى جواري وجعل للبائع نصف ربحها بعد تقويمها أنه يجوز. فإن أحبل المالك إحداهما سقط حق البائع ».

ونحوه في جامع المقاصد الا انه زيد فيه « عدم شي‌ء للدلال على التاجر إذا لم يشترط له شيئا فينبغي أن لا يكون له أجرة المثل أيضا لمثل ذلك » ثم قال « إن ظاهر العبارة قد يشعر بتخيل فرق بين أن يبتدأ الدلال التاجر ، وان يبتدئ التاجر الدلال ، وبه صرح في الدروس وهو غير واضح ، فان الابتداء وعدمه مع حصول التراضي سواء في الحكم ، فان من قال لمن ذهب عبده أرد عبدك ، على أن لي نصفه ابتداء منه ، فقال مولى العبد نعم لك ذلك يستحق ما عين له ، إن جوزنا كون العوض مجهولا ، وأجرة المثل إن لم نجوزه فلا يفترقان.

والظاهر أن الشيخ إنما حكم بعدم شي‌ء في الثانية ، لأن التاجر لم يلتزم بشي‌ء أصلا ، ولا يستحق الدلال اجرة عليه ، والروايات لا دلالة فيها على الفرق بين الابتداء أولا والرضا آخرا ، والذي يقتضيه النظر أنهما إذا تراضيا على ذلك سواء تقدم بالقول الدلال أم التاجر ، إذا وقع ما يدل على الرضا من الأخر فإنه يكون جعالة ، فيصح ، ولو أبطلنا أو جبنا أجرة المثل في الموضعين ، ولو ان التاجر لم يصرح بشي‌ء لم يكن للدلال شي‌ء إلا أن يأمره‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٦.

٣٢٥

بذلك ويكون له في العادة على مثل هذا اجرة ».

وتبعه في كثير من ذلك في المسالك ، وفي الجميع ما عرفت من عدم صحة الجعالة فضلا عن الإجارة ، لعدم شمول الربح للمالك حين الجعل ، والمضاربة شرعت لدليلها ، مع أن العامل يملك جزاء ، من المال بظهور الربح فيه ، بل لو جاز في الجعالة نحو ذلك لكانت المضاربة قسما منها على أنه ليس في الجعالة عموم يشمل الفرض بناء على انها ليس من العقود كي تندرج في عمومها ؛ إذا قلنا انها عبارة عن الإيجاب والقبول ، لما ستعرفه في محله إنشاء الله من قوة القول بأن الجعالة من قسم الإيقاع ، والمتيقن مما جاء فيها كتابا وسنة كون الجعل مملوكا ذمة أو خارجا ، بل هو المناسب لإنشاء تمليكه ، وإن كان لا يملكه إلا بعد تمام العمل ، وحينئذ فلا فرق في عدم جواز الربح جعلا بين كونه لعمل آخر كرد عبد ونحوه وبين كونه لذلك العمل نفسه كما لو قال بعه بالزيادة وهي لك وغير ذلك.

وما تسمعه إنشاء الله في باب الجعالة من التوسعة فيها انما هي في أمر أخر لا ما يشمل المقام فلاحظ وتأمل بل الالتزام بمضمون النصوص المزبورة وإن كان مخالفا للقواعد اولى من ذلك وينبغي حينئذ الجمود على ما فيها من ابتداء التاجر الدلال أما العكس فلا دلالة في النصوص حينئذ ؛ فيبقى على القواعد من استحقاق اجرة المثل ولعله لذلك فرق الشيخان فيهما وان أبيت من ذلك فحمل النصوص حينئذ وكلام الشيخين على توكيل التاجر الدلال علي قبول المتاع بما فرضه من القيمة على نفسه عند ارادة البيع فيكون بيع المتاع حينئذ له والزيادة له أولى ، فهو أشبه شي‌ء بقول المالك أذنت لك ببيع مالي لك وعليك قيمته فإذا باعه تعلقت قيمته ، في ذمته بل في عبارتي المقنعة والنهاية ما يشهد له.

ولا فرق في ذلك بين ابتداء التاجر بذلك أو الدلال ، وليس في كلام الشيخين ظهور في الفرق المزبور الذي لا يكاد يحصل له وجه معتد به كما أوضحه فيما سمعته من جامع المقاصد. نعم الظاهر ان منشأ الفرق فيما ذكره من الصورتين عدم تعرض الدلال والتاجر للزيادة ، وانما طلب الدلال الاخبار بالثمن ومقدار الربح كي إذا باعه به فصاعدا يستحق‌

٣٢٦

أجرة عمله ، ولا يكون للتاجر طريق عليه بأنك لم تبعه على ما أريد ومن هنا صرح الشيخ في هذه الصورة بالرجوع بأجرة المثل كما سمعت ، وبذلك يظهر لك وجه النظر فيما سمعته من جامع المقاصد وبعض من تأخر عنه ، كما انه لا يخفى عليك مما ذكرنا ان الأقوى ما ذكره المصنف والفاضل في جملة من كتبه من وجوب أجرة المثل في المفروض المسألة لما عرفت من بطلان ذلك اجارة وجعالة ، والنصوص وان كثرت وصح جملة منها وتعاضدت إلا ان اعراض المعظم عنها مع ذكرهم لها يذهب الوثوق بها والعامل بها بظن أنها جعالة ليس عملا بها حقيقة ، بل هو توهم أن مفروضها كذلك ، وقد عرفت فساده ، بل لعل الشيخين بعد ما عرفت من عدم فرقهما بين ابتداء التاجر والدلال لذلك أيضا ، بل هي أجمع غير صريحة في لزوم ذلك ، بل ولا ظاهرة ظهورا يعتد به ، إذ من المحتمل كون المراد نفي الباس عما وقع بينهما مستمرا عليه التراضي منهما ، نحو نفى الباس‌ في صحيح عبد الرحمن (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السمسار يشتري بالأجر فندفع إليه الورق ونشترط عليه إنك إن تأتي بما تشترى فما شئت أخذته ، وما شئت تركته ، فيذهب ويشتري ويأتي بالمتاع فيقول خذ ما رضيت ، ودع ما كرهت؟ قال : لا بأس » والله العالم.

( وأما التولية )

التي قد تضمنتها جملة من النصوص كصحيح منصور بن حازم (٢) وخبر على بن جعفر (٣) وخبر معاوية بن وهب (٤) وخبر سماعة (٥) وخبر أبى بصير (٦) وغيرها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٢ ـ.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ ـ ١٢.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٥.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٦.

٣٢٧

وكثير من عبارات الأصحاب كالشيخ وغيره ، فهي أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة وقد يقوى جريان جميع ما سمعته في المرابحة مما يدخل قيمته في رأس المال من الأعمال وغيرها ، لكن في التذكرة « لا بد من كون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذله ، فلو اشتراه بعرض لم تجز التولية ، مع أنه ؛ قد ذكر جواز نحو ذلك في المرابحة ، وفيه أنه لا ريب في جوازه إذا انتقل ذلك العرض الى من يراد توليته كما أنه يقوى جوازها بقيمة العرض بعد الإخبار بذلك ؛ نحو ما سمعته في المرابحة ؛ واحتمال الفرق بينهما بدخول التقويم في الجملة في المرابحة بخلافها باعتبار ظهور مادتها في إرادة العقد ، بمعنى إعطاء البيع بنفس ما وقع في ذلك العقد ممنوع وإلا لجرى مثله في المرابحة والمواضعة.

وعلى كل حال فيقول إذا أراد عقدها وليتك أو بعتك أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على النقل الذي هو بيع. نعم في جامع المقاصد والمسالك « إنه إن كان العقد بغير لفظ وليتك وجب ذكر الثمن ، وإن كان بها لم يحتج ، كما أنه فيها وفي غيرها أنه يجعل مفعوله العقد لو كان اللفظ وليتك.

ولذا قال في الدروس والمسالك : « إنه يحتمل الاجزاء لو قال وليتك السلعة » قلت : لعل الاستغناء عن الثمن فيما سمعته لصراحة لفظ التولية في البيع برأس المال ، فيغني ذكره قبل العقد عنه فيه ، بل أصل المعنى في وليتك العقد إعطاء السابق ، بمعنى تمليك المولى البيع بما ملكه المولى في العقد السابق ، لكن لا يبعد الاجتزاء بجعل المفعول السلعة ، بل في كثير من نصوصها وقعت مفعولا للتولية ، وإن لم تكن في صورة العقد ، بل لا إشعار في شي‌ء من النصوص بجعل المفعول العقد ، فجعل المفعول السلعة إن لم يكن أولى من كون المفعول العقد في الاستغناء عن الثمن ، فلا ريب في مساواته له ، بل لا يبعد الاستغناء عنه لو قال بعتك السلعة تولية ، بل قد يظهر من القواعد والتذكرة وغيرهما الاجتزاء بلفظ بعتك مع قصد التولية ، وإن لم يذكر لفظها ، كما أن ظاهرهما الاجتزاء بهما وان لم يذكر لهما مفعولا من السلعة والعقد ، اكتفاء بما قدماه على العقد ، وكل ذلك غير بعيد.

٣٢٨

إنما الكلام في أصل العقد بهذا اللفظ أي التولية ، ولا يبعد جوازه لاندراجه في عموم الآية (١) بعد أن ذكر جماعة من الأصحاب العقد به ، بل ذلك قرينة إلى إرادة العقد بهذا اللفظ في النصوص المشتملة عليها ، لا أن المراد البيع برأس المال الواقع بألفاظه الخاصة ؛ ولا يشكل ذلك بعدم جواز العقد بلفظ المرابحة والوضيعة ، للفرق بذكر بعض الأصحاب العقد باللفظ الأول دونهما ، وبناء على أن المراد في الآية العقود المتداولة لا طريق إلى معرفة ذلك إلا ذكر الأصحاب ، مضافا إلى أن التولية ليس إلا البيع برأس المال ، بخلاف المرابحة والمواضعة التي لهما أفراد متعددة ، لتعدد أفراد الربح والنقصان ، وإلى أن كلا من لفظهما لا دلالة في أصله على النقل ، بخلاف التولية التي من مشتقاتها الولي بمعنى المالك المتصرف ، وهي بمعنى الإعطاء ، ونحوه مما يناسب إرادة النقل ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فهي بيع يلحقها أحكامه من الشفعة والقدرة على التسليم وغيرهما ، كما أنه يلحقها الخيار المزبور في المرابحة ، لو كذب برأس المال على ما صرح به في التذكرة ، لاتحاد الطريق ، والزوائد المنفصلة قبل التولية للمولي وبعدها للمولى ، بالفتح خلافا لأحد قولي الشافعية والحط من الثمن بعد التولية وقبلها للمولي بالكسر ، وفي القواعد » لو باع تولية فحط البائع الأول عنه البعض فله الجميع ، وإن كان الحط قبل التولية فله الباقي إن كان بما أدى » وهو جيد إن صدق عليها اسم التولية التي هي كما عرفت البيع برأس المال ، ولا ريب في أنه الجميع ، ولا ينافيه الحط إذ هو إبراء وحينئذ فالبيع بما أدى وضيعة لا تولية ، والمراد بالبيع بما أدى الإخبار بمقداره قبل ؛ ثم البيع به ، لا أنه يناط البيع به ثم يعلم بعد ذلك ، ضرورة كونه حينئذ مجهولا فيفسد كما يفسد البيع بذلك ، والله أعلم.

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

٣٢٩

( وأما المواضعة )

فإنها مفاعلة من الوضع بمعنى الحط إذ هي النقصان قدرا من رأس المال ؛ ولا ريب في جوازها إذ هي كالمرابحة ، إلا أنه قيل بكراهة النسبة إلى رأس المال ، نحو ما سمعته في المرابحة ، والتسامح فيها يقضي بالتسامح في البحث عنها ، والأمر سهل ، وحينئذ فإذا قال بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون إذ لا ريب في ظهور العبارة في أن الموضوع بعض كل عشرة ، لا أن المراد به معنى الوضع لكل عشرة ، حتى يكون الموضوع خارجا عنها ، كما لو عبر بهذه العبارة التي لا ريب في ظهورها في كون الموضوع للعشرة غيرها ، ولذا لم يخالف فيه أحد ، فيكون الثمن أحد وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم ، وإلا لكان المتجه حينئذ عدم كون الثمن فيما فيما أو قال : من كل أحد عشر درهما ما ذكره المصنف وغيره ، بل لا خلاف أجده فيه من أنه أحد وتسعون إلا جزءا من أحد عشر جزء ، ولا ريب في أنه خلاف الظاهر ، ومحتاج إلى القرينة ، فاحتمال جماعة له كما قيل : إن أريد به بحيث يساوى ذلك له ، فهو كما ترى ، فضلا عن دعوى ظهور العبارة فيه ، كما هو واضح ، وفي الدروس « ولو قال : بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة ، فالثمن تسعون ، ولو قال لكل عشرة زاد عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ، وضابطه إضافة الوضيعة إلى الأصل ، ونسبتها إلى المجموع ثم إسقاطها ، فالباقي الثمن.

ولو قال وضيعة العشرة درهم ، احتمل الأمرين نظرا إلى معنى الإضافة من اللام ومن ، وإن أثبتا الإضافة الظرفية ، فهي كالتبعيضية ، والشيخ طرد الحكم بالضابط في وضع درهم من كل عشرة ، كأنه يجعل من لابتداء الغاية ، ويجعل العشرة سالمة للبائع ، وكذا في كون الثمن تسعين لو قال بعتك بمائة بمواضعة الشعرة درهم ؛

٣٣٠

وفاقا للمحكي عن الشيخ لأن المنساق إلى الذهن كون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، فيساوي حينئذ بوضيعة درهم من كل عشرة.

لكن في المسالك « تبعا لما عن الميسية أن الإضافة بمعنى من ، لا تكون إلا في من البيانية لا التبعيضية ، نحو خاتم فضة ، وباب ساج ، وهو منتف هنا ، لاشتراطها بصحة إطلاق المجرور بها على المبين ، كما في قوله تعالى (١) ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) وقد صرح بذلك المحقق الرضى وابن هشام وتاهيك بهما ، وحينئذ فينتفي القول بحمل الإضافة في المسألة على معنى من رأسا ، لأن الموضوع المضاف بعض العشرة ولا يصح الاخبار بها عنه فتعين كونها بمعنى اللام ، قلت : فيكون الثمن حينئذ أحد وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا نحو المثال الآتي وفيه مضافا إلى ما تسمعه من المناقشة في المثال المساوي له ، منع اعتبار ذلك في الإضافة ؛ قال الزمخشري فيما حكي من كشافه في تفسير قوله تعالى (٢) ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) أنه يجوز الإضافة بمعنى من التبعيضية كأنه قيل ومن الناس من يشترى بعض الحديث الذي هو اللهو منه.

وعن السيد الشريف أنه نص في بيان معنى فاتحة الكتاب ؛ أن الإضافة بمعنى من قد تكون في من التبعيضية ، ونقله عن بعضهم وعن صاحب الكشاف ، ومن ذلك ينقدح قوة جواز الإضافة بمعنى التبعيض الذي هو أعم من البيانية التي ذكرها ، وأنه لا يعتبر صحة الحمل ولعل التبعيض بالمعنى المزبور حاصل حتى فيما ذكره من المثالين ، خصوصا وقد ذكر هذا الاحتمال جماعة من المحققين ، كالشيخ والمصنف والفاضل والشهيد وفخر الإسلام والمحقق الثاني وغيرهم ، حتى أن جماعة توقفوا في الترجيح بينه وبين كون الإضافة بمعنى اللام ، بل صرح بعضهم بالبطلان مع عدم القرينة لتكافؤ الاحتمالين ، وكل ذلك دليل على صحته ، وإن كان الأقوى ترجيحه على اللام بالتبادر في عرفنا الآن ، وترجيح ذلك عليه بالقياس على المرابحة ؛ فإنه إذا قال : رأس مالي مثلا عشرون ، وبعتك برأس مالي مع مواضعة العشرة درهمين ونصف ، فلو فرض أن ذلك كان بصيغة‌

__________________

(١) سورة الحج الآية ـ ٣٠.

(٢) سورة لقمان الآية ـ ٦.

٣٣١

المرابحة صار المجتمع خمسة وعشرين ، ونسبة الخمسة إليها الخمس ، فينبغي سقوط الخمس من الثمن ، لو كان بصيغة المواضعة وهو أربعة فيكون الثمن ستة عشر درهما ، ليس بأولى من القول بملاحظة نسبة الوضيعة إلى رأس المال ، وأنه يسقط بقدرها ، فيكون الثمن خمسة عشر ، لأن نسبة الخمسة إلى العشرين الربع.

وحينئذ ففي المثال تنسب العشرة إلى الماءة وتسقط من الثمن فيبقى تسعون ، ضرورة أن نسبتها العشر ، لا أنه تنسب العشرة إلى القدر المجتمع منها ومن رأس المال ، فيكون الساقط جزءا من أحد عشر فتأمل جيدا ولو قال : بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل أحد عشرة ، كان الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم بلا خلاف أجده فيه هنا ، لكن قد يشكل بأن الظاهر الوضع لكل عشرة درهم ، فبعد حذف التسعة عن المائة ، لا ينبغي وضع شي‌ء آخر عن الواحد ، لعدم كونه عشرة ، فيكون الثمن حينئذ أحدا وتسعين ، مضافا إلى أصالة عدم الوضع ؛ فلو ادعى البائع هذا المعنى حمل عليه ، ولو مات ولم يفسر حمل عليه أيضا ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد الحط لكل عشرة أجزاء ، جزء من خارج درهما كان أو عشرة ، ملاحظة لجانب المشتري ، لأن الأصل عدم الزيادة ، ولعله على ذلك مبنى كلام الأصحاب ، ولا بأس به مع مساعدة العرف عليه ، وأما التشريك فقد تقدم سابقا بعض الكلام فيه وفي الدروس هنا هو أن يجعل له فيه نصيبا برأس ماله ، وهو بيع أيضا ولو أتى بلفظ التشريك ، فالظاهر الجواز ، فيقول شركتك في هذا المتاع نصفه بنصف ثمنه ، انتهى وفيما ذكره أخيرا بحث.

( الفصل السابع في الربا )

المحرم كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا من المؤمنين بل المسلمين ، بل لا يبعد كونه من ضروريات الدين ، فيدخل مستحلة في سلك الكافرين ، كما يومي إليه‌ ما رواه‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٧٤ وسورة آل عمران الآية ١٢٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الربا.

٣٣٢

ابن بكير (١) « قال : إنه بلغ أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبأ ، فقال لئن أمكننى الله منه لأضربن عنقه » ونحوه غيره‌ « والدرهم من الربا يمحق الدين ويورث الفقر ان تاب » (٢) « بل هو عند الله أشد من عشرين زنية » (٣) « بل ثلاثين » (٤) « بل سبعين كلها بذات محرم في بيت الله الحرام » (٥) « بل للربا سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه في الكعبة » (٦) « ولذا كان أخبث المكاسب وشرها ، (٧) ومن أكله ملاء الله بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل » ، (٨) ومن اكتسب منه ما لا لم يقبل الله منه شيئا من عمله ، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده قيراط واحد » (٩) وقد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اسرى به إلى السماء أقواما يريد أحدهم أن يقوم ، فلا يقدر من عظم بطنه ، فسأل جبرئيل عنهم ، فقال له : هم الذين يأكلون الربا » (١٠) « فلعن الله آكله ومشتريه وبايعه وكاتبه وشاهديه والزائد والمستزيد في النار » (١١).

لكن في الدروس ولو اضطر الدافع ولا مندوحة فالأقرب ارتفاع التحريم في حقه ، وهو جيد في بعض أفراد الضرورة ، « وإنما حرمه الله لئلا يترك الناس فعل المعروف من القرض وغيره‌ (١٢) بل لتركوا التجارات أيضا (١٣) بل هو في نحو شراء الدرهم بالدرهمين من السفه المفسد للمال كما أومى إليه‌ الرضا عليه‌السلام (١٤) في جواب السؤال عن علة تحريمه « قال : لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشتري الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال ، على المشتري ، والبائع ، فحرم الله عز جل على العباد الربا ، لعلة فساد الأموال ، كما حظر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الربا ـ الحديث ـ ١ ـ.

(٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) الوسائل الباب ـ ١ من أبواب الربا الحديث ـ ٧.

(٩) (١٠) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب الربا الحديث ١٥.

(١١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الربا الحديث ١ ـ ٥.

(١٢) (١٣) (١٤) الوسائل الباب ١ من أبواب الربا الحديث ٤.

٣٣٣

على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده ، حتى يونس منه رشد ، فلهذه العلة حرم الله عز وجل الربا وبيع الربا بيع الدرهم بالدرهمين ».

ومنه كغيره يعلم أن ليس المراد من الربا المحرم مطلق الزيادة ، كما هو معناه لغة ؛ بل المراد به كما في المسالك وغيرها « بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع عليه‌السلام أو في العادة مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة ، وإن لم يكونا مقدرين بها إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا ، ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده. ولا زوجا مع زوجته » وإن كان تعريفه بذلك لا يخلو من نظر ، من وجوه إلا أنه يسهل الخطب عدم إرادة تعريف الحقيقي ، بل قد يقال : إن المراد به شرعا المعنى اللغوي ؛ لكن في خصوص النسيئة والبيع أو مطلق المعاوضة ، بناء على تعميمه بالشرائط التي تسمعها إنشاء الله ، وبيع الربا هو البيع المشتمل على الزيادة كما أومى إليه الرضا عليه‌السلام بما سمعت ، وعن حواشي الشهيد وآيات المقداد وجامع المقاصد أنه شرعا زيادة أحد العوضين إلى آخر ما سمعته من المسالك ، وعن فقه القرآن للراوندى أصل الربا الزيادة والربا هو الزيادة على رأس المال من جنسه أو مماثله إلى غير ذلك ، مما يرجع إلى ما ذكرنا من النصوص وغيرها ، فضلا عن التبادر.

ومن هنا ربما قيل بأن المتجه بحسب القواعد صحة المعاملة المشتملة عليه ؛ واختصاص الفساد بالزيادة ، لأنها هي محل النهي فبيع المثلين حينئذ بالمثل كبيع ما يجوز بيعه ، وما لا يجوز بيعه ، في عقد واحد الذي يصح في الأول ، ويبطل في الثاني.

نعم لا يبعد التسلط على الخيار مع الجهل وحينئذ فلا بد من الاستدلال على الفساد بدليل خاص غير تحريم الربا لكن لا يخفى أن ظاهر الأصحاب بل وجملة من النصوص تحريم نفس المعاملة وما يحصل بها ، فما يأخذه من الغريم من رأس المال والزيادة حرام ، وكذا ما يعطيه ، وعن مجمع البيان معنى أحل الله البيع وحرم الربا : أحل البيع الذي لا ربا فيه ؛ وحرم البيع الذي فيه الربا ، فيمكن كون النهي هنا كالنهي عن بيع الملامسة و‌

٣٣٤

المنابذة مما لا إشكال عندنا في اقتضائه الفساد ، وأنه ليس كالنهي عن البيع وقت النداء أو يرجع إلى النهي عن نفس العوض والمعوض عنه ، وهو لا ريب في اقتضائه الفساد.

بل يمكن استناد الفساد إلى قاعدة تبعية العقود ، للقصود ، ضرورة أن البائع أو المشتري إنما بذل المثل في مقابلة المثلين ، فان لم يتم له بطل العقد ، وليس هو كبيع الشاة والخنزير التي يبطل من الثمن ما قابلها ، فيبقى الأخر بما قابله منه ، لان البطلان في الزيادة هنا بلا مقابل وهو أمر غير مقصود ، للمتعاملين ، فلو صح العقد وقع ما لم يقصد ، وما قصد لم يقع كما هو واضح.

نعم قد يقال بصحة المعاملة إذا كانت الزيادة خارجة عن أحد العوضين ، كما إذا كانت شرطا ونحوه بناء على أن بطلان الشرط لا يقضى ببطلان العقد ، مع احتمال القول بالفساد هنا ، وإن لم نقل به هناك ، لظهور النص والفتوى في أن الربا متي دخل المعاملة أفسدها على أي وجه كان دخوله ، فيختص النزاع السابق حينئذ بما إذا لم يكن فساد الشرط لانه ربا ، ومن هنا كان اشتراط الأجل في أحد المتماثلين ربا ، وفي خبر خالد بن الحجاج (١) « سألته عن رجل كانت لي عليه ماءة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا ، قال : لا بأس ما لم تشارط ؛ قال : وقال : جاء الربا من قبل الشرط. وإنما تفسده الشروط » فالأقوى البطلان حينئذ وإن كان الربا شرطا ، ولا ينافي ذلك ما تسمعه إنشاء الله من النصوص والفتاوي في وجوب رد الزيادة في حالي العلم والجهل وعدمه ، كما ستعرف.

وقد تلخص مما ذكرنا فساد المعاوضة الربوية على كل حال سواء قلنا بكون النهي عنها ، أو قلنا بأن النهي عن الزيادة ، وأما الأول فواضح ، وأما الثاني فلان المراد من النهي عن الزيادة معاملة المثل بالمثلين مثلا ، وهي مباينة لمعاملة المثل بالمثل على وجه لا تتحقق الثانية في ضمن الأولى ، كي يكون النهي متعلقا بالزيادة نحو شراء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ـ ١.

٣٣٥

الشاة والخنزير ، فإنهما معا يحصلان بعقد واحد ؛ فيصح بالمحلل ويبطل بالمحرم ، وليس ما نحن فيه كذلك قطعا ؛ ضرورة عدم حصول معاملة المثل بالمثل في ضمن معاملة المثل بالمثلين ، مع زيادة لما عرفت من مباينتهما على وجه لا يجتمعان ، فإنه متى تحقق أحدهما خرج عن موضوع الأخر.

نعم لو فرض عقد واحد اشتمل علي معاملة المثل بالمثل وعلى معاملة المثل بالمثلين أمكن حينئذ التزام كونه كالشاة والخنزير وليس المقام من هذا القبيل قطعا ، فليس حينئذ معاملة المثل بالمثلين الا من العنوان المحرم ، لا أنه اجتمع فيه المحلل والمحرم وكيف يتصور اجتماعهما بعد اعتبار الشارع في المثل بالمثل عدم الزيادة فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

وكيف كان ف ( هو ) أي الربا يثبت في البيع بلا خلاف بين المسلمين بل هو كالضروري من الدين ، لكن مع وصفين أحدهما اتحاد الثمن والمثمن في الجنسية والثاني كونهما مما يعتبران بالكيل والوزن وكذا ثبوته في القرض فيتحقق فيه مع اشتراط النفع بالعين أو الصفة من غير فرق فيه بين المكيل والموزون ، وغيرهما فهو أعم موضوعا من الأول فلا بد للفقيه حينئذ من البحث في حكم كل منهما وشرائطه ـ ولذا قال المصنف أما الثاني أي ربا القرض فسيأتي البحث فيه ، في بابه.

وأما الأول فيقف بيانه على أمور أربعة لكن ينبغي أن يعلم أولا أن الظاهر ما صرح به المصنف في باب الغصب من ثبوت الرياء في كل معاوضة ، وفاقا للمحكي عن السيد والشيخ والقاضي وابن المتوج وفخر المحققين والشهيدين وابن العباس والقطيفي والعليين والأردبيلي وغيرهم ، بل نسبته الأخير في آيات أحكامه إلى الأكثر ، لإطلاق ما دل على حرمته من الكتاب والسنة. إذ هو الزيادة المتحقق صدقها في البيع وغيره.

٣٣٦

ودعوى ـ أنه البيع والقرض مع وصف الزيادة كما يومي إليه تعريف بعضهم له بذلك أو أنه الزيادة فيهما خاصة لغة أو شرعا ـ لا شاهد لها ، بل الشواهد جميعا على خلافها حتى ما ورد (١) في وجه تحريمه من تعطيل المعاش ، (٢) واصطناع الناس المعروف ونحوهما. بل والصحاح المستفيضة التي سيمر عليك كثير منها ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابى نصر (٣) « الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الأخر إلى أن قال : والدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به » وفي آخر (٤) كان علي عليه‌السلام « يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن علي عليه‌السلام يكره الحلال » وقال عبد الرحمن (٥) للصادق عليه‌السلام أيضا « أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز إلا مثلا بمثل » كقوله أيضا في صحيح الحلبي (٦) « الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيها زيادة ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار » وسأل محمد أبا جعفر عليه‌السلام (٧) عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر رطلا دقيقا فقال : لا قلت : الرجل يدفع السمسم إلى العصار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة ، قال : لا » بل قيل إنه صريح في المطلوب إلى غير ذلك من النصوص ، الظاهرة بسبب الإطلاق أو ترك الاستفصال في حصول الربا بالزيادة في مطلق المعاوضة ، المعتضدة مع ذلك كله بالاحتياط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ من أبواب الربا الحديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ من أبواب الربا الحديث ٣.

(٣) الوسائل ذكر صدره في باب ٨ من أبواب الربا عن أبى بصير الحديث ٣ وذكر ذيله عن زرارة في باب ٩ الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الربا الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٢.

(٦) الوسائل الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ـ ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الربا الحديث ـ ٣ ـ.

٣٣٧

خلافا للحلي والفاضل فخصاه بالبيع ، والقرض ، للأصل ، بعد دعوى أن الربا الزيادة فيهما ، أو أن المنساق من الأدلة ذلك ، سيما بعد أصالة البيع في المعاوضة ، ولو لانه الكثير الشائع ، فنصوص الاستدلال ونحوها تنصرف اليه ، وفيه ما عرفت ، وحينئذ فينقطع الأصل بما سمعته ، مؤيدا بالشهرة العظيمة ، بل قيل إن الفاضل قد رجع عنه في كتاب الصلح من القواعد ، فينحصر الخلاف حينئذ بالحلي ، واقتصار المصنف هنا على البيع مع تصريحه في الغصب بالعموم ، لا يعد خلافا كتعريف بعضهم له بذلك مع تصريحه في غير المقام بالتعميم ، الكاشف عن عدم إرادة الاختصاص بذلك ، وأنه ذكره لكون البيع محل البحث ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( الأول ) من الأمور في بيان الجنس الذي قد عرفت اعتبار اتحاده في المنع من الربا كما ستعرف دليله ؛ نعم قد صرح غير واحد أن المراد به في النص والفتوى الحقيقة النوعية المسماة في المنطق بالنوع ، وفي اللغة بالجنس ، لكن اعترف في جامع المقاصد بأن ذلك يعسر الوقوف عليه ، بل عن مجمع البرهان أنه متعسر ، بل قيل إنه متعذر ، وهو كذلك ، ضرورة صعوبة الوصول إلى معرفة الذاتيات ، بحيث يفرق فيها بين الجنس والنوع ، والصنف والفرد ، على وجه يطمئن به ولعله لذا جعل ضابطه في السرائر والتذكرة والتحرير والدروس واللمعة وغيرها كل شيئين مثلا يتناولهما لفظ خاص كالحنطة مثلا بمثلها والأرز بمثله ولعله لان الاتفاق في ذلك كاشف عن الاتحاد في الحقيقة النوعية. كما يومي اليه الجمع ـ في المحكي عن الكافية ـ بينهما ؛ فقال : إن المراد بالجنس الواحد الحقيقة النوعية ، وضابطه أن يتناولها لفظ خاص ، وكان وجه ذلك معلومية إرادة كون التناول للاشتراك في القدر المشترك بين الأفراد الذي لا قدر غيره أخص منه ، فلا أثر للتناول بالاشتراك اللفظي ، ولا للتناول بالاشتراك في الجنس الذي تحته قدر أخص منه ، لافراد خاصة من ذلك الجنس ولا أقل من أن يكون ذلك قاعدة مطردة حتى يعلم خلافها ، كاطراد قاعدة اقتضاء اختلاف اللفظ الخاص اختلاف الحقيقة حتى يعلم ، فلا يرد‌

٣٣٨

حينئذ تناول لفظ الطعام والحب ونحوهما مما هي أسماء أجناس تحتها إقدار مشتركة أخص منها ، كما لا يرد الاتحاد هنا في الشعير والحنطة مع اختلاف اللفظين ، مع إمكان التخلص عن الأخير بطريق آخر ، هو ما أشارت إليه النصوص ، من أن الاتحاد في باب الربا بينهما باعتبار كون الشعير من الحنطة ، وأنها هي أصله ، لا باعتبار اتحادهما في الحقيقة ، الآن ومثله حينئذ كاف في تحقق الربا ، وإن اختلفت الحقيقة ، وكان إطلاق الأصحاب في أول البحث الاكتفاء باتحاد الجنس ، مع جريان الربا في المختلف إذا كان أحدهما أصلا والأخر فرعا ، اتكالا على ما يذكرونه بعد ذلك ، أو يريدون اتحاد الجنس ولو بالأصل.

نعم الظاهر الاكتفاء بذلك إذا كانت الحقيقة الفرعية متخذة من ذلك الأصل لا غير كالشعير من الحنطة. والتمر من الطلع مثلا ، فلا يرد حينئذ معلومية عدم الربا بين التمر والملح الذي يفرض استحالته ، لأن حقيقة الملح ليست متخذة منه ، بل هو استحالة لخصوص فرد فتأمل جيدا. فإنه دقيق نافع. وتسمع له فيما يأتي تتمة إنشاء الله.

وبذلك كله يظهر لك ارتفاع الاشكال عن المسألة وإن التبس الأمر على بعض المحققين ؛ من متأخري المتأخرين ، ولو فرض حصول فرد مشتبه بين كونه متحد الجنس ومختلفه ، فظاهر اعتبار الأصحاب اتحاد الجنس في الحرمة الحل لأن الشك في الشرط شك في المشروط ، والفرض كون المحرم مشروطا دون الجائز الباقي على مقتضى العموم.

نعم قد يقال إن ظاهر النصوص الاشتراط في كل منهما ، لقوله فيما تسمع (١) « إذا اختلف الجنسان أو الشيئان فبيعوا كيف شئتم » ونحوه غيره ، وقوله (٢) « كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٨٠.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الربا الحديث ٣.

٣٣٩

مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد » فيكون كل من الجائز والمحرم مشروطا بشرط ، فمع فرض الشك يتجه الفساد ، لأصالة عدم ترتب الأثر ، وعدم النقل والانتقال ، ونصوص (١) « كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام » في غير الفرض ، كما يشهد له اتفاقهم على عدم جريانها في المشتبهة من النساء بين الأجنبية والنسبية ، وليس إلا لاشتراط كل من الحل والحرمة بشرط فرض الشك فيه ، فيبقى أصل عدم ترتب الأثر بحاله ، كبقاء مقتضى قاعدة المقدمة.

نعم قد يقال بالحلية في المشكوك في حصول سبب التحريم ، نحو ما أشارت إليه‌ النصوص (٢) بأن جارية تحتك ولعلها أختك » وللسيرة والطريقة وغيرهما ، وبذلك ظهر لك أن مقتضى النصوص في المقام الفساد ، إلا أنه بملاحظة اقتصار الأصحاب الشرطية في المحرم دون غيره ، يحكم بالحل في المشتبه فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فيجوز بيع المتجانس بمثله وزنا بوزن نقدا بلا خلاف ولا إشكال نصا (٣) وفتوى عموما وخصوصا كما أنه لا يجوز مع الزيادة الجنسية لذلك. نعم في المسالك. « هذا إذا كان أصلهما الوزن ، اما لو كان أصلهما الكيل ففي الإكتفاء بتساويهما وزنا خاصة نظر ، من كون الوزن أضبط ، حتى قيل إنه أصل للكيل ، ومن ورود الشرع والعرف بالكيل ، فلا يعتبر بغيره ، وظاهر كلام المصنف اختيار الأول ، وهو متجه ، بل نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده عليه‌السلام قلت : ستسمع تحقيق المسألة في الفرع الأول والله أعلم.

وأما إذا كانت الزيادة حكمية ، كالأجل فلا خلاف محقق معتد به في عدم الجواز فـ ( لا يجوز ) حينئذ إسلاف أحدهما في الآخر ، لكن قال المصنف هنا على الأظهر ولعله أشار به إلى ما حكاه في المختلف عن الخلاف من كراهة بيع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٨ ـ ٩ من أبواب الربا.

٣٤٠