جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الصادقة وملكة الطاعة ، بل لا بد من هذا التقييد على تقدير اعتبار الاعتياد أيضا ، ثم إن الظاهر من المتن أنه بذلك يكون عيبا يجري عليه حكمه من الرد والأرش ، لا أن له الرد خاصة على كل حال ، كما عساه يوهمه الاقتصار عليه ، كما أن ظاهر خبر محمد بن قيس (١) صحة اشتراط عدم الإباق ولعله لا بأس به إذا كان شرطا للخيار في مدة مخصوصة كاشتراطه برد الثمن ونحوه فتأمل.

المسألة الرابعة المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ، ومثلها تحيض فيها كان ذلك عيبا لانه لا يكون إلا لعارض غير طبيعي وهو المدار في ثبوته عرفا ، بل لا خلاف أجده فيه إلا من العجلي ؛ ولا ريب في ضعفه ، للصدق عرفا ولانه من نقص الصفات ، ول‌ صحيح داود بن فرقد (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر ، وليس بها حمل ، فقال : إن كان مثلها تحيض ، ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد به » بل في المسالك « إن في دلالته على اعتبار الستة أشهر نظرا لأنه إنما علق الحكم على حيض مثلها ، وأراد به نفى الصغر والياس وإن كان ذلك مستفادا من إثبات الإدراك ، ونفى كونه عن كبر فان من المعلوم أن مثلها تحيض في تلك المدة وأقل منها ، والسؤال وقع عن تأخير الحيض ستة أشهر ، والجواب لم يتقيد به ؛ وحينئذ فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد كان حسنا ».

قلت : وهو جيد بل هو مقتضى ما سمعت من التعليل ويمكن تنزيل عبارات الأصحاب على ما لا ينافيه ، ومنه ينقدح أنه لا ينبغي أن يكون مجرد بلوغ تسع سنين والتأخر ستة أشهر موجبا لذلك ، لانه قد عرف بالتجارب التأخر عن عشر سنين ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٣ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١ ـ.

٢٨١

بل عن أزيد من ذلك ، فالمتجه حينئذ النظر إلى أمثالها سنا مع الاتفاق في البلد والمزاج في الجملة ، فإن وجد فيها دونها يكون عيبا.

ثم إنه لا بد من تنزيل الخبر وعبارات الأصحاب على إرادة علم سبق ذلك عند البائع ، وإلا فمع احتمال عروض العارض عند المشتري لا رد ولا أرش ، كما أنه يجب تقييد الرد بما إذا لم يتصرف في هذه المدة ، وإلا كان له الأرش كغيره من العيوب ، إذ احتمال استثناء ذلك منها بأن التصرف لا يسقطه لإطلاق الرد في الصحيح المزبور (١) مع استبعاد عدم التصرف في هذه المدة مخالف لظاهر الفتاوى وللأدلة السابقة على تعين الأرش معه المرجحة بها عليه ، وإن كان التعارض من وجه ، كما هو واضح ،

المسألة الخامسة من اشترى زيتا أو بزرا بفتح الباء وكسرها ولعله أفصح زيت الكتان وأصله محذوف المضاف أى دهن البزر فوجد فيه ثفلا بالضم ما استقر تحت الشي‌ء من كدرة فإن كان مما جرت العادة بمثله لم يكن له رد ولا أرش لأنه ليس عيبا أو لأن جريان العادة يجعله كعلم المشتري به أو إسقاط البائع له وكذا لو كان كثيرا وقد علم المشتري به قبل العقد ، لما عرفت من أن ذلك رضاء منه به فلا رد ولا أرش ، ولا يشكل صحة البيع بالجهل بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر وإن شوهد لعدم الاكتفاء بها ، لما عرفته مكررا بأن العلم بالجملة كاف في رفع ذلك.

أما إذا لم يكن عالما بكثرة الثفل فظاهر المصنف وغيره أن له حكم العيب بل لا أجد فيه خلافا لكونه عيبا عرفا ، ولكونه على غير أصل الخلقة ، وقال ميسر بن عبد العزيز (٢) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل يشترى زق زيت فيجد فيه درديا؟ فقال : إن كان يعلم ان الدردي يكون في الزيت فليس عليه ان يرده ، وإن لم يكن يعلم فله أن يرده » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١ باختلاف يسير.

٢٨٢

وعبر بمضمونه في التحرير ، بل قيل والنهاية والسرائر وجامع الشرائع ، ولعل المراد من الجميع ما في المتن وغيره بجعل جريان العادة بمنزلة العلم ، كما انه يحتمل العكس ؛ بحمل ما في المتن على ارادة العلم بجريان العادة ، بل لعله أولى عند التأمل ، إلا أن يكون شيئا يسيرا لا يعد مثله عيبا في العادة ؛ فإنه لا خيار حينئذ وان لم يعلم

وكيف كان فلا دلالة في الخبر على أنه مع عدم العلم عيب يستحق به أرشا لو أراده أو مع التصرف ، أو الرد فيه أعم من ذلك ومن كونه من تبعض الصفقة ، باعتبار خروج بعضه درديا غير سمن ، وقد يشهد له‌ الصحيح (١) عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى على عليه‌السلام فقال له على عليه‌السلام لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل : إنما بعته منك حكرة ، فقال له عليه‌السلام : إنما اشترى منك سمنا ، ولم يشتر منك ربا ، » إلا أنه يجب حمله بعد أن كان المبيع شخصيا لا كليا على إرادة أن له من الثمن بقدر ما يقابل الرب من السمن ، ومنه يعلم حينئذ صحة البيع في نحو ذلك بعنوان أنه سمن وإن بان الخلاف ، بل يثبت الخيار للتبعض ، مضافا إلى عدم الجهالة بعد العلم بالجملة ، وكونها المبيع ولو بزعم العنوان خطأ.

والتحقيق التفصيل بين ما يعد بمزجه عيبا في الممزوج معه وعدمه في العرف ، وهو مختلف بالنظر إلى الكم والكيف ، ولعله لذا قال في التحرير « الدردي في الزيت والبزر عيب موجب للرد أو الأرش مع عدم علم المشتري به » وقال أيضا « لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره ، تخير بين الرد وأخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن ، ولا يلزم البائع ان يعطيه سمنا بإزاء الناقص ، وإن كان سمانا » ومن ذلك يعلم انه قد يجتمع للمشتري خياران من التبعض والعيب إذا فرض انه يثبت بالخلط أيضا.

المسألة السادسة لا إشكال بل ولا خلاف في ان كلا من تحمير الوجه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٣.

٢٨٣

ووصل الشعر وما شابهه يثبت به الخيار إذا شرط فبان الخلاف ، بل في المسالك الإجماع عليه لما عرفته سابقا مما دل على ذلك ، إلا أنه بين الرد والإمساك مجانا ضرورة عدم كونه عيبا ، فلم يبق إلا جهة الشرطية.

نعم لو كان المشترط مما يكون فقده عيبا اتجه ذلك كما هو واضح ، أما إذا لم يشترط واشتراها محمرة ذات شعر فبان أنها ليست كذلك ، فالمشهور بين الأصحاب أنه تدليس ، فيثبت به الخيار بين الرد والإمساك مجانا ، من دون الأرش إذا لم يكن قد بان عيب فيها كغيره من أنواع التدليس الذي لم أجد خلافا في ثبوت الخيار به ، بل قد سمعت الإجماع بقسميه على ثبوته بالتصرية التي هي فرد منه ، مضافا إلى خبر الضرار (١).

وقيل كما عن الخلاف انه لا يثبت به الخيار ذكر ذلك في الجعد والتحمير والتبييض ، ولعل وصل الشعر مثلها عنده ، بل قيل إنه ظاهر التحرير والإرشاد والدروس ، وإن كان قد يناقش فيه باحتمال نفيه من حيث العيب ، ردا على ما يفهم مما عن المبسوط ، بل لعله ظاهرها أو ظاهر بعضها لا من حيث التدليس ، بل لعل ما في الخلاف كذلك ، لكن لم يحضرني فيرتفع الخلاف حينئذ من أصله.

وعلى تقديره فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، إذ لا مجال لاحتمال كونه غير تدليس ، كما أنه لا مجال لعدم ثبوت الخيار به على تقديره ، بل لا يبعد ثبوت الخيار وإن لم يكن من فعل المولى : لحصول الضرر على المشتري بذلك دون البائع ، لعدم وجود الصفة في مبيعه في الواقع ، والله أعلم.

بقي القول في لواحق هذا الفصل ، وفيه مسائل ، الأولى : إذا قال البائع بعتك بالبراءة من العيوب وأنكر المبتاع ، فالقول قوله مع يمينه ، إذا لم يكن للبائع بينة بلا خلاف يعرف ، كما اعترف به بعضهم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) البينة على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ـ ٣.

٢٨٤

المدعى واليمين على من أنكر » إذ هو مدع حتى لو قلنا أنه الذي « يترك لو ترك » لأن المراد به بالنسبة إلى تلك الدعوى نفسها وهو هنا كذلك ، فلا ينافيه الفسخ حينئذ من المشتري ، على أنه لا يتوقف على عدم دعوى البائع البراءة ، بل هو يحصل بموجبه ، فإذا ثبت البراءة ينكشف فساد الفسخ ولو كان مورد النزاع في حال العقد الواقع ، أمكن التحالف كما تقدم في نظائره.

ولو كان كيفية الدعوى استحقاق المشتري الفسخ ، والبائع ينكره من غير ذكر سبب خاص أمكن القول حينئذ بكون البائع المنكر ، ولعله عليه ينزل ما عن المبسوط ـ « من أنه قد يكون البائع منكرا كان يدعي المشتري ابتياعه السلعة وبه عيب ، فيقول البائع : بعته بريئا من هذا العيب فله أن يحلفه والله لا يستحق رده على ، لأنه قد يبيعه وبه العيب ، ثم يسقط الرد بالرضا بالعيب » ، بناء على إرادة البراءة من استحقاق الرد بقرينة آخر كلامه ، لا أن المراد نفى الاستحقاق باشتراط البراءة من العيوب وإلا كان من المسألة المفروضة في المتن التي عرفت عدم الخلاف فيها ، وأنه لا إشكال للخبر المزبور الذي لا يصلح لمعارضته مكاتبة جعفر بن عيسى (١) لأبي الحسن عليه‌السلام المتقدمة في المسقطات من وجوه ، منها أن المفهوم من سياقه أن إنكار المشتري لسماع البراءة وقع مدالسة ، لعدم رغبته فيه وإلا فهو عالم بتبري البائع ، ولذلك ألزمه الإمام عليه‌السلام بالثمن.

وكيف كان فعن الشهيد في حواشيه أن يمين المشتري هنا على نفى العلم ، ولعله لأنها على نفى فعل الغير مضافا إلى إيماء قوله في خبر جعفر (٢) لم أسمع إليه.

وفيه ان مرجعه إلى ما وقع عليه العقد إذ لا أثر للبراءة التي لم يسمعها المشتري ومن هنا قال في المحكي عن النهاية والسرائر يحلف انه لم يبرأ إليه من العيوب وباعه مطلقا أو على الصحة ، والأمر سهل ، وكدعوى التبري دعوى العلم بالعيب أو الرضاء به بعد العقد أو نحو ذلك ، وعن التذكرة أن مثلها أيضا دعوى التقصير في الرد ، وفي المسالك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

٢٨٥

« أنه يتم في الخيار الفوري لا في خيار العيب » ، قلت لعله فرعه على القول بأن خيار العيب فوري كما صرح به في الغنية على ما ستعرف إنشاء الله والله أعلم.

المسألة الثانية إذا قال المشتري : هذا العيب كان عند البائع أو قبل القبض مثلا فلي رده ، وأنكر البائع ، فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف أجد فيه لأن المشتري هنا هو المدعى باعتبار مخالفة دعواه أصالة اللزوم و « يترك لو ترك » فيكون البائع منكرا يقبل قوله مع يمينه ، لكن إذا لم يكن للمشترى بينة وإلا وجب الأخذ بها ولا شاهد حال يشهد له يفيد القطع للحاكم بصدق دعواه ، مثل أن يكون العيب إصبعا زائدا أو قطع إصبع قد اندمل موضعه ، وقد اشتراه من يومه أو أمسه ، وإلا كان القول قوله بلا يمين ، كما أنه لو كان كذلك بالنسبة إلى إنكار البائع كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع ، قبل قوله بلا يمين.

أما إذا لم يفد القطع فظاهر الدروس وغيرها ممن قيد القرينة بإفادة القطع عدم اعتباره ، واستحسنه ثاني المحققين ، لأن القرائن المثمرة للظن الذي لم يثبت من قبل الشارع اعتباره يبعد المصير إليها ، قال : ويستفاد من ذلك التعويل على ما أثمر القطع واليقين في كل موضع كالشياع إذا بلغ مرتبة التواتر ، فأثمر اليقين ، قلت ، قد يظهر من إطلاق المتن والنافع والقواعد والإرشاد الاكتفاء بما يفيد الظن أيضا ، إلا أنه لا بد من اليمين معه ، لأن أقصاه لو كان مع المشتري انقلاب البائع مدعيا باعتبار مخالفته للظاهر ، والمشتري منكرا لموافقته إياه ، فيقبل قوله مع اليمين ، ولا ثمرة له حينئذ لو كان مع البائع ، لأن القول قوله بيمينه بدونه.

وعن حواشي الشهيد إن كان شاهد الحال للبائع لا بد من اليمين ، لانه منكر ، وإن كان للمشترى فلا يحتاج إلى يمين ، لان الحال تشهد له بسبق العيب على العقد ، كالبينة التي تشهد له بسبق العيب ، وفيه ما لا يخفى سواء أراد الظني منه أو القطعي.

وكيف كان فيمين البائع على نفى العيب إذا كان مختبرا للمبيع مطلعا على‌

٢٨٦

خفاياه قبل البيع ، لا على نفى العلم بلا خلاف أجده بل في الرياض قولا واحدا ، ومقتضاه عدم الاكتفاء به لو حلف كذلك ، وهو لا يخلو من إشكال ، سيما إذا كان جوابه به ، أما إذا لم يكن قد اختبره فقد يقال : إن له الحلف على القطع عملا بأصالة العدم ، بناء على ظاهر السلامة ، كما يحلف على عدم النجاسة في الماء استنادا إلى أصالتها.

وعن التذكرة والميسية وغيرهما الاكتفاء حينئذ بنفي العلم : وفي المسالك « وهو حسن لاعتضاده بأصالة عدم التقدم فيحتاج المشتري إلى إثباته ، » قيل ومعناه أن هذا الحلف لا يسقط الدعوى بالكلية ، بل لو ظفر بعد ذلك ببينة أقامها ، وسمعت وهذا أحد الاحتمالين أو القولين في مثل المسألة ، ولعل الأقرب أنه لا يكتفى بذلك منه ، فيرد الحاكم اليمين على المشتري ، فيحلف فيرد أو يأخذ الأرش ، قلت : وهو متجه بناء على عدم الإكتفاء بالحلف على نفى العلم في الصورة الأولى ، إذ لا أثر للاختيار وعدمه ، في كون حق المدعى اليمين على نفى العلم ، فالمتجه اتحادهما في الحكم ؛ وأنه يكفى فيهما معا اليمين على نفى العلم حتى إذا كان الجواب نفي العيب ، ويكفى ذلك في نفى استحقاق المشتري الرد الذي يشترط فيه معلومية السبق ولو بطريق شرعي ، فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو بعد من نظر ، وقد أشبعنا الكلام فيها في كتاب القضاء فلاحظ ، هذا كله إذا كان الجواب بنفي العيب.

أما إذا كان الجواب بلا يستحق الرد علي بهذا العيب فهو جواب صحيح يجب على الحاكم استماعه وإحلافه على ذلك ، كما عن المبسوط من غير حاجة إلى نفى العيب أو العلم به ، وما عن النهاية والسرائر من إطلاق أنه كان على البائع اليمين بالله أنه باعه صحيحا ، لا عيب فيه ، منزل على غير ذلك ، كما أن ما عن أبى على من أنه إن ادعى البائع أنه حدث عند المشتري أحلف المشتري إن كان منكرا ، منزل على المقام أيضا فتأمل جيدا.

٢٨٧

ولو باع الوكيل فالمشتري يرد بالعيب على الموكل ولو أنكر سبق العيب لم يقبل إقرار الوكيل عليه ، وكان للمشتري الرد على الوكيل إذا كان جاهلا بالوكالة ولم يتمكن الوكيل من إقامة البينة على وكالته وإقرار الموكل بها لا يجدى في جواز الرد عليه.

نعم كان للوكيل تحليف الموكل على نفى العيب دفعا للظلامة عن نفسه ، ولو أنكر الوكيل المجهولة وكالته سبق العيب حلف على النفي دفعا للغرامة عن نفسه ، فان نكل رد عليه ، وفي جواز رده حينئذ على الموكل وجهان مبنيان على أن اليمين المردودة كالإقرار فلا يرد ، أو كالبينة فيرد ، وربما أشكل بناء الوجهين على ذلك ، بأن البينة على سبق العيب غير مسموعة من الوكيل على الموكل ، بعد إنكاره السبق ، لانه معترف بكون المشتري ظالما ، وقد يدفع بأن المراد كونها كالبينة من الراد ، لا من الناكل فهي حاكمة عليها ، لكن في اقتضاء ذلك جواز الرد من الوكيل نظر.

نعم للمشتري الرد بها بعد اعتراف البائع بالوكالة ، أو يقال بأن إنكاره لسبق العيب على وجه الاستناد إلى الأصل بحيث لا ينافي ثبوته ولا دعوى ثبوته كأن يقول في الجواب لا حق لك على من جهة هذه الدعوى ، إذ ليس في المبيع عيب لك على الرد به ، فلا يمتنع حينئذ تخريج المسألة على القولين والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا أراد المشتري أخذ الأرش حيث يكون له ، فطريق معرفته أنه يقوم المبيع صحيحا ومعيبا وينظر في نسبة النقيصة من القيمة فيؤخذ من الثمن بنسبتها أى ما بين القيمتين ، لأنه هو الذي فات عليه بسبب العيب ، لا أنه يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين ، وإن أطلق في النصوص وعبارات بعض القدماء ذلك ، الا أنه يجب تنزيله على كون الثمن قيمة المثل لا مطلقا والا جمع في بعض الأحوال بين العوض والمعوض وقد نهى عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يجمع بين‌

٢٨٨

العوض والمعوض لواحد » على أن المراد جبر ما فات عليه بسبب العيب لا غيره ، مما أقدم عليه أو غبن فيه أو غير ذلك ، والذي فات عليه بسبه ما ذكرناه مضافا الى ما سمعته من‌ الصحيح أو الحسن (١) السابق المراد من قوله فيه « ويرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك » ما سمعته قطعا ، والا لم يكن وجه للتقييد بالثمن كما هو واضح ، وحينئذ فما عن بعض الجمهور من أن الأرش نقص قيمة المعيب من الأغلاط.

نعم هو متجه في الأرش بالنسبة إلى الغاصب ونحوه ، بل والى البائع حيث يفسخ بخياره مثلا ، وكان قد تعيب في يد المشتري عيبا مضمونا ، فإنه يأخذ حينئذ تفاوت ما بين القيمتين ، لا من الثمن بالنسبة مع احتماله ، لإقدامه على الضمان بالثمن ، إلا أن الأول أقوى ، وعن الشهيد في الحواشي أن الأرش يطلق بالاشتراك اللفظي على معان آخر ، منها ـ نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر الشرعي ومنها ـ ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية ، كقطع يد العبد ، ومنها ـ أكثر الأمرين من المقدر الشرعي والأرش ، وهو ما تلف بجناية الغاصب ،

ثم ان الظاهر مراعاة القيمة حال العقد لان الثمن يومئذ قابل المبيع ، وهو وقت دخوله في ملكه ، ووقت استحقاقه الأرش ، لا يوم القبض باعتبار أنه يوم دخول المبيع في ضمانه ، ويوم استقرار الملك ، لانه لا دخل لذلك في اعتبار القيمة ، ومنه يعلم ضعف احتمال أقل الأمرين من يوم العقد الى يوم القبض ، لأن القيمة ان كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري ، ولان يوم البيع وقت الاستحقاق ، وان كان يوم القبض ، أقل فالنقص من ضمان البائع ، لأنه وقت الاستقرار ، ولعل احتمال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

٢٨٩

كون المدار على القيمة حال استحقاق الأرش باختياره أو بحصول المانع من الرد أولى منهما ، لان ذلك الوقت هو وقت استحقاق الأرش إذ قبله كان البائع مخيرا بين الرد والأرش ، فهو غير مستحق على التعين ، ولذا لا تشتغل به ذمة البائع حينئذ بخصوصه الا مع أحد الأمرين ، ولو كان العيب الذي يراد أرشه حادثا في زمن الخيار مثلا بناء على استحقاق الأرش ، فالمتجه ملاحظة القيمة حين حدوثه أو حال تعين استحقاقه بالاختبار أو التصرف مثلا فتأمل جيدا.

ويعتبر في المقوم العدالة والمعرفة والتعدد والذكورة وارتفاع التهمة ، كما نص عليه في الدروس وغيرها ، الا انه مع ابتنائه على أن التقويم من باب الشهادة لا يخلو بعضها عن نظر ، خصوصا مع تعذرها وانحصار المقومين في فاقديها ، وعلى تقدير الاشتراط ، فالمتجه حينئذ عند التعذر الرجوع إلى الصلح بما يراه الحاكم ، كما أن المتجه هنا سؤال الحاكم ممن يتمكن من المقومين وإن لم يجمعوا الشرائط ليكون على بصيرة في حكمه ، وأما احتمال التعطيل حتى يحصل مقومون جامعون للشرائط ، ففيه تعطيل الحق عن مستحقه ؛ كما أن احتمال الاقتصار على المتيقن ونفى الزائد بأصالة البراءة فيه ضرر على من له الأرش ، فالأولى ما ذكرنا.

كما أنه يمكن أن يقال إن اختلف أهل الخبرة في التقويم أو اختلف القيم ، لأفراد ذلك النوع المساوية للمبيع ، فان ذلك قد يتفق ولو نادرا ، يتعين الصلح أيضا إذ الاقتصار على الأقل ونفى الزائد بأصل البراءة والرجوع إلى القرعة أو التخيير للحاكم أو نحو ذلك ، مما يظهر بعضه مما ذكروه في تعارض الامارات ، لكن المفيد والمصنف والفاضل والشهيدين والعليين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم على أنه يعمل على الأوسط الذي هو هنا عبارة عن قيمة منتزعة من مجموع القيم ، نسبتها إليه كنسبة الواحد الى عدد تلك القيم من القيمتين نصف مجموعهما ومن الثلاثة ثلثه و‌

٢٩٠

هكذا حتى تكون عملا بالجميع في الجملة ، وذلك لانتفاء الترجيح لقيمة على أخرى ، فالمراد من الوسط حينئذ القيمة المتوسطة بين الجميع بحيث لا تكون إلى واحدة أقرب منها إلى أخرى ، لا الوسط بالمعنى المنساق ، ضرورة انتفاؤه في نحو القيمتين ، والأربعة ونحوها مما لا وسط لها.

وحاصله مراعاة نقيصة كل قيمة وزيادتها ، فلو قوم صحيحا مثلا باثني عشر ومعيبا بعشرة وقومه آخر صحيحا بثمانية ، وخمسة معيبا كان تفاوت قيمتيه صحيحا أربعة ، فتقسم بالنصف إعمالا لكل من البينتين ، فيكون قيمته صحيحا عشرة وتفاوت قيمتيه معيبا مثلا خمسة فتقسم أيضا بالنصف إعمالا لهما ، فيكون قيمته معيبا سبعة ونصفا ، فالتفاوت حينئذ بين قيمة الصحيح والمعيب المنتزعين الربع ، فيؤخذ ذلك من الثمن ، وهذا معنى قولنا يؤخذ من القيمتين نصف مجموعهما ، ومن الثلث ثلثها ، محافظة على ذلك.

وكذا قول بعضهم في طريق ذلك ، بوجه أسهل من الأول ، إنه تجمع القيم الصحيحة ، والقيم المعيبة ، ثم تنسب ويؤخذ بنسبتها من الثمن ، بل هو بعينه الرجوع إلى نصف مجموع القيمتين ، ضرورة كون النسبة بين المجموعين هي النسبة بين أجزائهما مع اتحاد الاجزاء في الاسم كالنصف مثلا ، فالنسبة بين العشرين والخمسة عشر مثلا هي النسبة بين العشرة والسبعة ونصف ، وبالنسبة بين الستة والثمانية ، كالنسبة بين نصفيهما كما هو واضح ، ومرجع الجميع إلى ما ذكرنا.

نعم يحكى عن الشهيد طريق آخر للجمع بين القيم ، بل عن إيضاح النافع أنه الحق ، وهو أن ينتسب معيب كل قيمة إلى صحيحها ويجمع قدر النسبة ويؤخذ من المجتمع بنسبة القيم كنصفه إن كانتا اثنتين وثلثة لو كانت ثلاثة وهكذا ، وهو قد يتحد‌

٢٩١

مع الطريق الأول ، وقد يختلف ، وكشف الحال يحصل بصور ، الأولى أن يختلف المقومون فيها معا بأن قالت إحدى البينتين إن قيمته اثني عشر صحيحا وعشرة معيبا والأخرى ثمانية صحيحا وخمسة معيبا ، فالتفاوت بين مجموع الصحيحتين ومجموع المعيبتين الربع ، فيرجع ربع الثمن فلو كان اثني عشر فالأرش ثلاثة وكذا إذا أخذت نصف مجموع الصحيحتين وهو عشرة ونصف مجموع المعيبتين وهو سبعة ونصف ، يكون التفاوت ربعا أيضا وعلى ما ذكره الشهيد يؤخذ تفاوت الأولى وهو السدس ، والثانية وهو ثلاثة أثمان ثم يقسم ذلك بالنصف لأن الفرض أنهما قيمتان ، فيكون نصف سدس وثمن ونصف ثمن ثم يسقط ذلك من الثمن فإذا كان هو اثنى عشر سقط منه ثلثة وربعه التي هي نصف السدس وثلاثة أثمان أى ستة ونصف ، ولو كانت القيم ثلاثة إحداها كالأولى والثانية عشرة صحيحا وثمانية معيبا والثالثة ثمانية صحيحا وستة معيبا فعلى الأول يكون التفاوت الخمس ، لأن مجموع القيم الصحيحة ثلاثون ، والمعيبة أربعة وعشرون ، فالتفاوت ستة هي خمس ، فيرجع بخمس الثمن وهو اثنان وخمسان ، من الاثنى عشر ، وعلى الثاني يجمع سدس الثمن وهو اثنان من الاثنى عشر ، وخمسه وهو اثنان وخمسان ، وربعه وهو ثلاثة ، فيكون المجموع سبعة وخمسين ، فيسقط من الثمن ثلثها وهو اثنان خمسان وثلث الخمس ، وبه يزيد على الأول وقد يتحدان كما لو كانت إحدى القيمتين اثني عشر صحيحا وأربعة معيبا ، والأخرى ستة صحيحا واثنان معيبا فإن التفاوت الثلثان على كل منهما ، وكذا لو كانت الأولى ستة معيبا والثانية ثلاثة ، معيبا ، فان التفاوت النصف على كل منهما أو كانت الأولى ثمانية معيبا والثانية أربعة ، فإن التفاوت الثلث على كل منهما.

وهكذا الصورة الثانية : إن تتفق قيمة الصحيحة وتختلف المعيبة فلو كانت قيمته اثني عشر صحيحا عند الجميع وقيمته معيبا بعشرة عند قوم ، وستة عند آخرين.

والطريق على الاولى تنصيف مجموع قيمتي المعيبة ونسبته ، إلى الصحيحة ويسقط من الثمن بالنسبة ، وهو الثلث هنا أو تضعف الصحيحة وينسب المجموع الى المجموع ؛ وهو هنا الثلث أيضا ، وعلى ما ذكره الشهيد يجمع السدس والنصف من الثمن ، ويسقط نصفه وهو الثلث‌

٢٩٢

هنا أيضا ، وكذا لو كانت القيم في المعيب ثلاثة بأن قالت الثالثة إن قيمته ثمانية معيبا ، فإنك إن كررت الصحيحة ، أو أخذت ثلث مجموع قيم المعيبة ونسبته إلى الصحيحة ، أو جمعت السدس والنصف والثلث وأسقطت ثلثة من الثمن ، كان التفاوت الثلث أيضا.

الصورة الثالثة : ان تتفق قيم المعيبة دون الصحيحة ، بأن كانت قيمته ستة معيبا عند الجميع وثمانية صحيحا عند قوم ، وعشرة عند آخرين ، والتفاوت الثلث إن ضعفت المعيبة ، ونسبتها إلى مجموع القيمتين أو أخذت نصف الصحيحتين ، ونسبته إلى المعيبة ، وعلى ما ذكره الشهيد يجمع التفاوت وهو الربع والخمسان وهي من الاثنى عشر المفروض كونه ثمنا ، أربعة وأربعة أخماس ، ثم يسقط نصفهما من الثمن وهو ثلاثة ونصف وخمسان ، وبه يحصل الاختلاف بين الطريقين ، ولو كانت القيم ثلاثة بأن كانت الثالثة اثني عشر صحيحا صار التفاوت خمسين ، سواء أخذت ثلث مجموع الصحيحة وهو عشرة ، ونسبته إلى المعيبة أو ضعفت المعيبة ثلاثا فتكون ثمانية عشر وتفاوتها مع الثلاثين خمسان.

أما على ما ذكره الشهيد يجمع الربع وهو ثلاثة من الاثنى عشر والخمسين وهو أربعة وأربعة أخماس والنصف وهو ستة فيكون المجموع ثلاثة عشر وأربعة أخماس فيسقط ثلثها من الثمن وهو أربعة وثلث وخمس وثلث الخمس ، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا. نعم قد يشكل ذلك كله بأنه لا دليل عليه ، وقاعدة الجمع بين البينات يمكن منعها فالمتجه حينئذ ما ذكرنا من القرعة ، أو الاقتصار على الأقل ، أو نحو ذلك مما سمعت الذي لا يخلو القول بالقرعة فيه من قوة ، ومع تلك القاعدة ، فالأولى ما ذكره الشهيد من إعمال كل من البينتين ببعض ما قامت عليه من التفاوت على وجه لا يفصل أحدهما عن الأخر ، ضرورة كونه هو الذي اختلفت البينات فيه ، والتقويم مقدمة له ، لا أنه ينتزع قيمة جديدة خارجة عن المجموع كما هو مقتضى الطريق‌

٢٩٣

الأول ، إذ هو ليس جمعا فيما اختلفت فيه البينات من التفاوت الذي هو مقتضى أحدها الثلث مثلا ، ومقتضى الأخرى الربع مثلا ، بل اللائق بعد القطع بانحصار التفاوت في أحد الأمرين ، ولم يعلم به على الخصوص تنصيف مقتضى كل من البينتين والحكم بكونه الأرش إعمالا لكل منهما في النصف فتأمل جيدا.

اللهم إلا أن يقال انهم أخذوا ذلك مضافا إلى ما سمعت من‌ خبر عبد الله بن عمر (١) الوارد في الأضاحي قال : « كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ، ثم ، لم توجد بقليل ولا كثير فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن عليه‌السلام فأخبره بما اشترينا وانا لم نجد ، فوقع عليه‌السلام انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث فأجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه » وقد عمل به الأصحاب في محله بل قالوا الضابط أن تجمع القيمتان أو القيم ويتصدق بقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية ، فمن الثلاث الثلث ، ومن الأربعة الربع ، وهكذا واقتصار بعض على الثلث تبعا للرواية وإلا فالمراد ذلك ، وهو قريب إلى ما قلنا به ، بل لعل اختلاف البينات هو تعدد القيم باعتبار تفاوت الرغبات فيكون كالشي‌ء الواحد الذي له قيم متعددة ومقتضى العدل الجامع بين حقي المشتري والبائع هو ما ذكره الأصحاب ، وتضمنه الخبر المزبور ، فليست المسألة حينئذ من تعارض البينات كي يجرى فيها حكمه.

ولو كان الثمن عروضا استحق المشتري قيمة نسبة التفاوت منه كما أنه لو كان نقدا لم يستحق الأرش في خصوص ما دفعه منه ، لان التحقيق كون الأرش من الغرامات فالثمن حينئذ ملك البائع على كل حال ، ولو كان العيب في الثمن وكان عروضا استحق البائع على المشتري قيمة نسبة التفاوت من المبيع فمع فرض كون التفاوت النصف استحق عليه قيمة نصف المبيع.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب الذبح الحديث ـ ١.

٢٩٤

وقد يحتمل أنه يستحق عليه تفاوت ما بين الصحة والعيب ، ولا جمع هنا بين العوض والمعوض عنه بحال ، لان الغابن إن كان هو المشتري فالأمر واضح ، وان كان هو المغبون ، فليكن كذلك في الثمن وأرشه ، ضرورة أن الأرش ليس هو إلا جابرا للمعيب ، بحيث يصيره صحيحا ؛ وهو الغبن الأول الذي قد أقدم عليه ، وفيه أن مثله يأتي في عيب المبيع مع أنك قد عرفت انه يرجع على الثمن بنسبة التفاوت ودعوى ـ الفرق بينهما يكون الثمن قيمة للمبيع ، بعد أن تراضيا عليه ، فيكون التفاوت بالنسبة وملاحظة القيمة الواقعية إنما هو لمعرفة قدر التفاوت ـ يدفعها أنه كما أن الثمن قيمة للمبيع بالتراضي كذلك المبيع قيمة الثمن لذلك أيضا ، فالأولى ملاحظة النسبة في كل منهما ، فتأمل جيدا.

المسألة الرابعة إذا علم بالعيب بعد العقد ولم يرد لم يبطل خياره ولو تطاول إلا أن يصرح بإسقاطه أو يحصل ما يقتضيه مما عرفته فيما تقدم ، إذ هو على التراخي على المشهور بل ربما ظهر من بعضهم الاتفاق عليه فضلا عن عدم الخلاف فيه ، وفي المسالك « أنه المعروف في المذهب ولا نعلم فيه خلافا » نعم فجعله في التذكرة أقرب وهو يشعر بخلافه ، لكن لا نعلم قائله وإنما خالف فيه الشافعي جعله علي الفور وهو محتمل إن لم يثبت الإجماع بتقريب الدليل السابق في نظائره » قلت الاستصحاب وإطلاق الأدلة بل ظهور بعضها إن لم يكن صريحة ينفي الاحتمال المزبور ، فضلا عن الإجماع المذكور ، وإن كان هو قول ابني زهرة وحمزة في الغنية والوسيلة بل نفى الخلاف عنه أولهما ، إلا أنه غريب فلا ريب حينئذ في التراخي كما أنه لا ريب في أن له فسخ العقد بالعيب سواء كان غريمه حاضرا أو غائبا خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من اشتراط الحضور.

المسألة الخامسة إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشترى‌

٢٩٥

رده قطعا وفي الأرش تردد وخلاف قد تقدم الكلام فيه سابقا في التسليم ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي حدث العيب كان الحكم كذلك فيما لم يقبض لأنه مضمون على البائع واتحاد الصفقة يلحق المقبوض به في ذلك بل لا يجوز له الاقتصار على رد غير المقبوض لما عرفته مفصلا في المعيب بعيب سابق إذ المسألة من واد واحد.

لكن في المسالك هنا « أنه ربما قيل بجواز الاقتصار على رد المعيب خاصة نظرا إلى أن سبب الرد هو العيب الحادث في البعض وقد حدث حين كان ذلك البعض مضمونا وحده فيتعلق به جواز الرد دون المقبوض ، » وفيه أن حدوث العيب في غير المقبوض مقتض لجوار رده في الجملة لا رده وحده ، لأن كون المقبوض غير مضمون لا يمنع رده كما لا يقتضيه ، فيبقى مقتضى اتحاد الصفقة الذي هو عدم جواز تبعيضها إلا بالتراضي بحاله من غير معارض ، بل لو أراد المشتري رد الجميع ولم يرض البائع إلا برد المعيب وحده لم يكن له ذلك ، لأن المعيب يرد بعينه الحادث في وقت كونه مضمونا ، والباقي حذرا من تبعيض الصفقة كما هو واضح.

وأما ما يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة لأنه مضمون على البائع فيها ، فلا ينافي الخيار الثابت فيها كما أنه لا يمنع الرد بالعيب السابق ولو فيما بعدها ، لما عرفت من أن ثبوت الخيار به على التراخي والحادث لا يصلح مانعا له ، بعد أن كان مضمونا على البائع نعم ظاهر العبارة أنه هو لا يوجب خيارا كما حكاه أول الشهيدين عنه في الدروس قال : « وهو ينافي حكمه في الشرائع بأن الحدث في الثلاثة من مال البائع مع حكمه بعدم الأرش فيه » وكأنه يريد أنه إذا كان مضمونا على البائع كالجملة لزمه الحكم بالأرش ، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا الا ثبوت أرشه ، لأن الأرش عوض الجزء الفائت أو التخيير بينه وبين الرد ، كما أن ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها وهو الثمن.

٢٩٦

ومن هنا كان خيرة الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم أن له الرد بالعيب الحادث بل صرح بعضهم بان له الأرش إن اختاره ، إذ هو باعتبار ضمانه على البائع كالعيب السابق ، وهو المنقول عن شيخ المصنف نجيب الدين ابن نما فيكون له في الثلاثة حينئذ الخيار في الرد من جهتين ، ولا مانع ، لأن علل الشرع معرفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد ، كما في خيار المجلس والحيوان والشرط والغبن إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرق ، وتظهر الفائدة في المقام في الإسقاط وفي ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة ، ولعدم تقيد خيار العيب بها ، وإن اشترط حصوله في الثلاثة فما قبلها وقد تقدم في العيب قبل القبض ما يظهر منه المطلوب هنا ، لاتحاد هما في كيفية الدليل ، فيأتي في الأرش والرد حينئذ ما سمعته سابقا.

وقد ينتصر للمصنف بأن الأصل اللزوم ولا معارض له سوى ما دل على أن التلف في الثلاثة من مال البائع ، وهو ظاهر في الانفساخ وألحق به العيب ، إلا أن الإجماع على عدم الانفساخ به ، فيمكن أن يكون المراد بكونه من مال البائع أنه إذا فسخ المشتري بخياره الذي هو الثلاثة تستقر غرامة العيب على البائع ، لا أنه يرد به ، أو أن له الأرش للأصل السالم عن المعارض ، ولا ينتقض ذلك بالعيب قبل القبض لأنه لا أرش له عنده أيضا ، وأما الرد به فلعله للإجماع ونحوه ، وبذلك يرتفع التنافي عن كلام المصنف والله أعلم بحقيقة الحال.

المسألة السادسة : روى إسماعيل أبو همام بن همام في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام (١) قال : سمعته يقول « يرد المملوك من أحداث السنة : من الجنون والجذام والبرص‌ فقلت : كيف يرد من أحداث السنة قال : هذا أول السنة ، فإذا اشتريت مملوكا به شي‌ء من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة فرده‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٢ ـ.

٢٩٧

على صاحبه » وفي رواية على بن أسباط عنه عليه‌السلام أيضا (١) « وأحداث السنة ترد بعد السنة قلت وما‌ أحداث السنة قال الجنون والجذام والبرص والقرن فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه » وفي معناه رواية محمد بن على لذي احتمل فيه أنه الحلبي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا‌ قال « سمعته يقول يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص والقرن قال : قلت : كيف يرد من أحداث السنة فقال : هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددت علي صاحبه » وفي خبر ابن فضال (٣) « ترد الجارية من أربع خصال من الجنون والجذام والبرص والقرن والحدبة » وعن الكافي (٤) « والقرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج الصدر » وفي موثقه (٥) عن أبى الحسن عليه‌السلام « في أربعة أشياء خيار سنة الجنون والجذام والبرص والقرن » وفي حسنة عبد الله بن سنان (٦) « وعهدته السنة من الجنون فما كان بعد السنة فليس بشي‌ء » وروى الوشاء (٧) « أن العهدة في الجنون وحده إلى سنة » ولا محيص عن العمل بما تضمنه الصحيح الأول بعد اعتضاده بما سمعت ، وبالإجماع في الغنية ومحكي السرائر الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب فإني لم أجد خلافا في الرد بها إلى سنة كما عن التذكرة الاعتراف به في الجنون ، بل قيل إن ظاهرها الإجماع فيه وفي الأخيرين فما عن الأردبيلي من التوقف في خصوص البرص منها لما‌ في حسنة عبد الله بن سنان (٨) « من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل الباب ٢ ـ من أبواب أحكام العيوب وفي ذيل الحديث ٢ ـ.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١ ـ.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب ـ وفي ذيله ٢.

(٥) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب ـ ٦٣٧.

(٦) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب ـ ٦٣٧.

(٧) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب ـ ٦٣٧.

(٨) الوسائل الباب ٣ ـ من أبواب الخيار الحديث ٧.

٢٩٨

أن العهدة فيه ثلاثة أيام » في غير محله ، ضرورة قصورها عن معارضة ما سمعت من وجوه خصوصا بعد احتمال تصحيف المرض فيها بالبرص ، للتقارب في النقش ، كما أن الاشكال ـ في المسالك في الجذام بأنه يوجب العتق على المالك قهرا ، وحينئذ فإن كان حدوثه في السنة دليلا على تقدمه على البيع ، لما قبل في تعليل الرد بهذه الأحداث ؛ من أن وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل البيع ، لأنها تكمن في البدن سنة لم تخرج ، فيكون عتقه على البائع ، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع فلا يتجه الخيار ؛ وإن عمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشتري موجبا لعتقه قبل أن يختار الفسخ إذ ليس له اختياره ، حتى يتحققه ، ومتى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ ، فيشكل جوازه بعد العتق ـ في غير محله.

وإن قال : ويمكن حله بأن الحكم بعتقه بالجذام مشروط بظهوره بالفعل ، كما هو ظاهر النص ، ولا يكتفى بوجوده في نفس الأمر ، فلا يعتق على البائع قبل بيعه لعدم ظهوره ولا بعده قبل الفسخ ، لعدم ملكه ، وعتقه على المشتري موقوف أيضا على ظهوره ، وهو متأخر عن سبب الخيار فيكون السابق مقدما فيتخير ، فإن فسخ عتق على البائع بعده ، وان اختار الإمضاء عتق على المشتري بعده ، فينبغي تأمل ذلك ، قلت : فيه أولا أنه لا إشعار في شي‌ء من النصوص بأن الفسخ بهذه العيوب لمكان ظهور سبقها عند البائع ، حتى يتجه القول بسبق الخيار ، قال : ابن إدريس الذي هو الأصل في الاشكال المزبور ؛ فيما حكي من سرائره أن الدليل على ذلك الإجماع ؛ وما بنا حاجة إلى ما قاله شيخنا في مقنعته ، من أن أصول هذه الأمراض يتقدم ظهورها سنة ، ولا يتقدمها بأكثر من ذلك ، لأن هذا يؤدى إلى بطلان البيع ، لأن البائع باع ما لا يملك ، لأن الرقيق ينعتق بالجذام من غير اختيار مالكه ، وإنما الشارع حكم بأن الرقيق يرد من هذه العيوب ما لم يتصرف فيه ما بين شرائه من سنة ، وثانيا أنه يمكن القول كما في‌

٢٩٩

الحدائق بأن الانعتاق بالجذام ونحوه إنما هو في الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار ولا فسخ ، بخلاف ما نحن فيه الذي هو مراعى بمضي السنة ، فلا بأس حينئذ بتنزيل خبر السكوني (١) الدال على الانعتاق به على غير الفرض ، خصوصا مع قصوره عن معارضة هذه النصوص من وجوه ، فلا وجه حينئذ للتفصيل بين فسخه ، فينعتق على البائع وعدمه ، فينعتق على المشتري ، لوضوح بعده عن هذه النصوص ، وإن كان قد يناقش فيه بأن التعارض بينها وبين خبر السكوني إنما هو في غير هذا الحال ، فيترجح عليه ، أما غيره فيبقى بلا معارض.

نعم قد يقال أنه لا تنافي بين انعتاقه وبين استحقاق المشتري الرجوع على البائع ، إلا انه يمكن أن يكون انفساخا للعقد لأنه قد تلف بعيب مضمون على البائع ، فهو كما لو عمى في الثلاثة ، فالمراد بالرد حينئذ في النصوص هنا الأعم منه ومن الرد بالخيار ؛ ويحتمل أن لا يكون انفساخا فله الخيار حينئذ بين فسخ العقد والرجوع بالثمن ، وبين الإمضاء والمطالبة بالأرش ، لكن يجب حينئذ عدم ملاحظة الحرية فيقوم عبدا صحيحا وعبدا مجذوما ، إذ على تقدير ملاحظتها لا تبقى له قيمة ، فلا جهة للأرش ، بل يتعين كونه انفساخا ، كما في كل عيب مذهب للمالية ، ولعل ذلك لازم على ما ذكره في المسالك أيضا فيما لو منع من رده من حدوث عيب ونحوه ؛ ثم أجذم فإنه لا محيص له حينئذ عما ذكرنا من القول بالانفساخ قهرا واختيار الأرش على الطريق الذي ذكرناه ، هذا كله في العيوب الثلاثة.

وأما القرن فقد ألحقه في الدروس ومحكي جامع الشرائع والإسكافي فيما حكي عنه ، لكن في المسالك نسبته إلى الشهرة ، ولم نتحققها بل لم نعرف القول به لغير من عرفت ، فالقول به لا يخلو من تأمل ، وإن تضمنه الأخبار المزبورة المحتاج بعضها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العتق الحديث ـ ٢.

٣٠٠