جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

هي السلب المطلق ، فلا فرق فيه بين المتعدد والمتحد ، بل لو أريد منه الملكة أي عدم الافتراق عمن شأنه ذلك ، أمكن حينئذ القول بأنه لا يقتضي تخصيص مورد الخيار به ، بل أقصاه السقوط بذلك فيما يحصل به من افراده ، فلا ينافي ما دل بإطلاقه على ثبوت الخيار للبائع مثلا ، من الخبر المزبور ، بعد ما ذكرناه فيه وغيره كقول الرضا عليه‌السلام (١) في خبر ابن أسباط « الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري وفي غير الحيوان ان يفترقا » أي الخيار ثابت في غير الحيوان إلى أن يفترقا إن كان لطرفيه عاقدان بل قيل : انه قد يتمسك للمطلق بعموم النص ، بدعوى إرادة الحقيقة من النفي والحمل للتثنية على عموم المجاز ، كما ينبه عليه سوق النصوص (٢) والاقتران بخيار الحيوان في أكثرها ، والعموم فيه معلوم بالنصوص ، منها صحيح الفضيل (٣) المتقدم سابقا ، وفي الصحيح (٤) « ما الشرط في الحيوان؟ فقال : ثلاثة أيام للمشتري ، قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » الذي هو مع تضمنه لما ذكرنا عم المتحد سؤالا ، فينبغي ان يعمه جوابا وتعليلا ، ينشأ من التنبيه على علة السقوط بالافتراق ، فيعمه حكما.

كل ذلك مضافا الى معلومية بدلية المتحد عن الاثنين في سائر الأحكام الثابتة للمتبايعين ، والى استبعاد ثبوته لو وكل الولي عن أحد الطفلين ثم عقد معه إذ دعوى السقوط فيه أيضا كما ترى ، فلا مناص بعد ذلك بل بعضه عما عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب الخيار الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب الخيار.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٤) الاستبصار ج ٣ ص ٧٢.

٢١

الأصحاب ، كما انه لا مناص بعد القول بثبوته ، عن القول بعدم سقوطه في التأخر عن مجلس العقد ، للاستصحاب وعدم ما يدل على تنزيله منزلة افتراقهما كما هو المشهور بين الأصحاب بل لم يظهر فيه خلاف بينهم.

نعم عن المبسوط كالمتن حكايته ، واحتمله العلامة ، ويحتمله عبارة الدروس على بعد ، وعن الصيمري اعتماده ، نظرا إلى ان خيار المجلس يسقط بمفارقته من غير اصطحاب ولا مصاحبة بين الشخص ونفسه ، وفيه ان افتراقهما أيضا مستحيل ، والمسقط هو الافتراق ، وربما انتصر له بلزوم الضرر ، ومخالفة الفرع للأصل ، وبإطلاق ما دل على جواز بيع الوكيل ماله من موكله ، ومال موكله من نفسه ، ولو دام الخيار مع الاتحاد وجب التفصيل ، والضرر يندفع بالاشتراط ، والفسخ والمخالفة مقلوبة ؛ ضرورة عدم اللزوم بمفارقة المجلس خاصة في المتبايعين ، بل لا بد من افتراق البدنين ، وتصرف الوكيل منوط بالمصلحة مطلقا ، فان وجدت مع استمرار الخيار ، وإلا بطل لهذا الاعتبار.

هذا ولعل اقتصار المصنف على هذين المسقطين ، لعدم ذكره التصرف أما غيره ممن ذكره ولم يذكره هنا ، فمقتضاه انه لا يحصل به في المقام باعتبار اشتراك المتصرف ، إلا أن يضم إليه قصد التصرف عن أحدهما ، ولو جاءا مصطحبين فقال أحدهما : تفرقنا ولزم البيع ، وأنكر الأخر ، فعلى المدعى البينة ، إن لم يطل الوقت ، للأصل ، بل وإن طال ترجيحا له على الظاهر ، ويحتمل العكس ، بل قواه في جامع المقاصد ، نظرا إلى شدة استبعاد بقاء الشخصين مجتمعين مدة طويلة ، مع كون الاصطحاب منسوبا إليهما معا ، حتى لو أراد أحدهما المفارقة احتيج في منعه الى الالتزام والقبض ، وذلك من الأمور النادرة ، قال : « ولكن هذا الظاهر يتفاوت قوة وضعفا بإفراط طول‌

٢٢

المدة وعدمه » قلت : هو ان لم يصل في القوة إلى صلاحية قطع الأصل ، يشكل تقديمه عليه ، ولو اتفقا علي التفرق ، واختلفا في الفسخ ، فالقول قول منكره بيمينه.

وفي القواعد « احتمال تقديم مدعيه ، لأنه أعرف بنيته » وهو كما ترى ، ولعله يريد ما لو اختلفا في فعل مدعي الفسخ ، مع أن ظاهر جامع المقاصد تقديم قول المنكر فيه ، ولو قال أحدهما : تفرقنا قبل الفسخ ، وقال الآخر : فسخنا قبل التفرق ، احتمل تقديم الأول ، لأصالة بقاء العقد ، وتقديم الثاني ، لأنه يوافقه عليه ويدعي فساده ، والأصل صحته ، لأن الفسخ فعله ، وأصالة تأخر كل منهما عن الآخر مع جهل التاريخ يقتضي الاقتران ، وهو ـ مع انه خلاف الظاهر ، بل والأصل ، كما حقق في محله ولذا لم يعتبره أحد من الأصحاب يقتضي ترجيح الأخير ، لاستصحاب الخيار حتى يتحقق الافتراق فتأمل والله اعلم.

القسم الثاني ـ خيار الحيوان

خيار الحيوان الذي هو في الجملة إجماعي. بل ضروري عند علماء المذهب والشرط فيه أي الخيار في الحيوان كله إنسية وغيره ثلاثة أيام على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في ظاهر الانتصار والتذكرة والمحكي عن الخلاف والتحرير وصريح السرائر الإجماع عليه ، لإطلاق النصوص‌

٢٣

بل العموم في بعض الصحاح منها ؛ وخصوص صحيح ابن رئاب (١) وغيره ، مما تسمعه خلافا للحلبيين على ما حكي عن أبي الصلاح منهما ، وربما يوافقهما ظاهر الشيخين ، والمحكي عن الديلمي ، حيث حكموا بضمان البائع مدة الاستبراء ، وليس إلا لأنها مدة الخيار المضمون ما يحدث فيها على البائع. لأنه لا خيار له ، والحمل على عدم القبض بعيد. بل المفروض في المقنعة والنهاية. وضع المشتري إياها عند غيره ، وهو قبض وإيداع ، بل فيهما ، والوسيلة ومحكي المراسم والجامع ان نفقة تلك المدة على البائع ، قيل : وهو يؤذن بذلك ، وإلا لوجبت على المشتري بالملك قبل انقضائها.

قلت : يمكن القول بالضمان والنفقة مع انقضاء مدة الخيار ، للأدلة كما هو مقتضى الجمع بين إطلاقهم الثلاثة في خيار الحيوان ، وذكرهم ذلك ، وعلى كل حال فلا نعرف له مستندا صالحا لمعارضة إطلاق الأدلة وعمومها فضلا عن خصوصها ، إذ إجماع الغنية ـ بعد معارضته بمثله ، ورجحانه عليه من وجوه ـ غير صالح لذلك قطعا كما هو واضح.

وكيف كان فهذا الخيار للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر الأشهر فتوى ورواية. بل المشهور شهرة عظيمة فيها ، بل في الغنية وظاهر الدروس أو صريحها الإجماع عليه ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من المرتضى في انتصاره ، والمحكي عن ابن طاوس ، بل لم نعرف النسبة إلا لاولهما ، لقاعدة اللزوم المستفادة من الآية (٢) والرواية ، وخصوص‌ صحيح ابن رئاب (٣) المروي عن قرب الاسناد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) سورة المائدة الآية ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٩ وذيله في الباب ٤ منها الحديث ٣.

٢٤

« سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية ، لمن الخيار للمشتري أو البائع أو لهما كليهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ، ثلاثة أيام نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء ، قلت له : أرأيت إن قبلها المشتري أو لا مس فقال : إذا قبل أو لا مس أو نظر فيها الى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته » الحديث. بل وصحيح الفضيل (١) قال للصادق عليه‌السلام : « ما الشرط في الحيوان؟ فقال : ثلاثة أيام للمشتري ، قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ فقال : البيعان بالخيار ما لم يفترقا » الحديث ، الذي يقرب منه في الصراحة بالعدول بالجواب في غير الحيوان ، والاقتران باللام المفيدة للاختصاص ، وظهور ارادة القيد من الوقوع في بيان السؤال ، فهو بمنزلة ما يذكر في الحدود والحصر بتعريف المبتدأ بناء على أن للمشتري خبرا ، أو كالخبر بالنسبة إلى ذلك ونحو‌ خبر ابن أسباط (٢) « سمع الرضا عليه‌السلام يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، وفي غير الحيوان ان يفترقا » وإن لم يجتمع فيه جميع ما ذكرنا ، كصحيح الحلبي (٣) « عن الصادق عليه‌السلام في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري ، وهو بالخيار فيها ان شرط فيها أو لم يشترط » ، وصحيح ابن رئاب (٤) « عن الصادق عليه‌السلام الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، اشترط فيها أو لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه ، فلا شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : إن لا مس أو قبل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء » وسمع الحسن بن علي بن فضال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١.

٢٥

في الموثق (١) « أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام ».

فمن الغريب ما في المسالك من الاقتصار في الاستدلال له على صحيح الحلبي (٢) وقال : « انه لا يدل على نفيه عن البائع إلا من حيث المفهوم المخالف وهو ضعيف ، فالقول بما عليه المرتضى في غاية القوة ، إن لم يثبت الإجماع علي خلافه » وتبعه في هذا الميل الكاشاني وهو كما ترى ، مع انه لم نقف له على دليل سوى ما ادعاه من الإجماع الموهون بالتتبع لفتاوي من تقدمه كالمفيد والصدوقين ، ومن تأخر عنه المعارض بمثله صريحا وظاهرا ، وسوى‌ صحيح محمد بن مسلم (٣) عن الصادق عليه‌السلام « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا » وصحيحه الآخر (٤) « عنه أيضا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيعان بالخيار حتي يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام » كصحيح زرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام مع أن المراد بصاحب الحيوان في الأخيرين المشتري ، بقرينة موثق ابن فضال (٦) الذي هو إن أريد منه بيان الموضوع أو التخصيص في الحكم كان كافيا في المطلوب ، ونافيا لأصل الدلالة فيهما على الأول ، الذي يمكن دعوى انه المنساق المتبادر ، إذ هو الصاحب فعلا ، على أنه لو أريد به الأعم ثبت لكل منهما الخيار ، متى كان أحد العوضين.

وهو مما لم يقل به أحد ، لان من صوره كون الثمن للدار مثلا حيوانا ولا خيار للمشتري قطعا ، كما ان العدول في الجواب فيهما صريح أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ ـ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٣ ـ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٣ ـ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٢.

٢٦

كالصريح في إرادة أحدهما من الصاحب ، وتخصيصه بالبائع فيما إذا كان المبيع حيوانا مما لم يقل به احد ، فوجب ارادة المشتري منه ، فانحصر الدليل في الصحيح الأول (١) القاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه ، بل ربما احتمل فيه بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه للصحيح الذي بعده ، انه نقل من الراوي بالمعنى ، بزعم الموافقة ؛ واحتمل فيه أيضا إرادة الخيار لمجموعهما الصادق بالمشتري خاصة ، أو أن الخيار للمشتري وعلى البائع فهو لهما أو نحو ذلك من الاحتمالات البعيدة التي لا بأس بها بعد القصور عن المعارضة ، وانها أولى من الطرح.

نعم احتمل الفاضل تنزيله على ما إذا كان كل من الثمن والمثمن حيوانا ، وكأنه علق قوله في الحيوان فيه بالمبتدأ ، وهو مبنى على ثبوت الخيار لهما في هذه الصورة ، وعده في جامع المقاصد ثالث الأقوال ، ونفى عنه البعد لما فيه من الجمع ، بل عن جماعة منهم الصيمري اختياره لذلك ، ولاتحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشترى ، وهي خفاء حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذه المدة ، وفيه بعد اعتبار التكافؤ في الجمع ، انه لا شاهد عليه في اللفظ ولا من خارج ، وقاعدة أولويته من الطرح غير ثابتة كما تحرر في الأصول ، والحكمة ما لم يكن منصوص علة أو تنقيح مناط لا يجوز اطرادها عندنا.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف ما احتمله الفاضل أيضا من ثبوته لذي الحيوان مطلقا ، فيشتركان فيه مع كون العوضين حيوانين ، ويختص به المشتري في بيع الحيوان بغيره ، ويختص به البائع في بيع غيره به ، وإن مال إليه أو توقف فيه في الرياض ، وقواه في الروضة ، واختاره في المسالك ، ومجمع البرهان و‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٣.

٢٧

الحدائق ، وعن غيرها ، إلا انه لا مستند له سوى الصحيح المزبور بعد التنزيل المذكور ، وإطلاق صاحب الحيوان في الصحيحين ، بناء على ارادة المنتقل اليه منه ، لا ما كان صاحبه ، والاشتراك في وجه الحكمة ، وفي الجميع ما عرفت خصوصا بعد غلبة كون الحيوان مقابل بغيره ، فصاحبه المشتري ، سيما ولا عموم معتد به في هذه الإضافة إذ ليست من إضافة المصدر. فتأمل جيدا.

ثم إن ابتداء الخيار من تمام العقد ، كما صرح به جماعة وهو ظاهر الباقين ، لا من حين التفرق ، لتبادر الاتصال من النصوص (١) وانه كخيار المجلس ، بل هو متعين الإرادة في كثير منها ، لعدم سبق غيره ، وبه ينقطع الاستصحاب والتأسيس مع انه خلاف وضع العقد غير لازم ؛ والخيار واحد بالذات مختلف بالاعتبار ، فلا يجتمع المثلان وفائدته البقاء بأحد الاعتبارين مع سقوط الأخر ، فلا يتداخل السببان والأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، فلا استحالة في اجتماعهما كما اجتمعت في المجلس والعيب ، وخيار الرؤية باعتراف الخصم ، والبيع يتم بالإيجاب والقبول على الأصح ، فلا يمتنع الخيار قبل التفرق ، وارتفاع الخيار المخصوص لا يقتضي اللزوم مطلقا ، بل اللزوم اللازم من رفعه ، فيصح تعلقه بالجائز ، ولو قيل بالسببية في المجموع ، دون الجميع اندفع أكثر ذلك إلا انه خلاف الظاهر نصا وفتوى ، ويلزمه سقوط الأثر بالكلية مع استمرار المجلس طول المدة ، وهو بعيد.

كما أن احتمال سقوط خيار المجلس في الحيوان ، لظهور بعض النصوص الجامعة بينهما في اختلاف موضوعهما بعيد أيضا ، لظهور الفتاوى وجملة من النصوص في خلافه ، ويلزمه عدم الخيار بعد الثلاثة لو زاد المجلس عليها ، والبحث في ثبوته للوكيل نحو ما سمعته في خيار المجلس ، لكن من المعلوم هنا اختصاصه بالمالك ومن يوكله فيه ، كما ان من المعلوم ابتداؤه في الفضولي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار.

٢٨

من حين الإجازة بناء على النقل ، أما على الكشف فان كانت بعد الثلاثة سقط ، وإلا ثبت فيما بقي منها والله أعلم.

وكيف كان فـ ( يسقط باشتراط سقوطه في العقد وبالتزامه بعده ) لما تقدم في خيار المجلس وبإحداثه فيه حدثا ، كوطي الأمة وقطع الثوب وبتصرفه فيه سواء كان تصرفا لازما كالبيع أو لم يكن كالهبة قبل القبض والوصية لصحيحي ابن رئاب السابقين (١) ومكاتبة الصفار (٢) إلى أبي محمد عليه‌السلام « في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، إله أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها؟ فوقع عليه‌السلام إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء الله » وصرح جماعة بل لا خلاف فيه يعرف بينهم أنه لا فرق بين الناقل وغيره ، لصدق اسم الحدث ، وذكر بعض أفراد العام أو المطلق للتمثيل لا يقضي بالتخصيص والتقييد لهما ؛ سيما إذا كان في كلام السائل كالمكاتبة ، والمناقشة بظهور صحيحي ابن رئاب في اختصاص الحدث بما لا يشمل التصرف الناقل إذ المثال إنما هو لما ماثله ضعيفة ، ضرورة أن ذلك وإن لم يكن من صنف المذكور ، ولكنه أولى قطعا ؛ نعم قد يظهر من بعض النصوص الاتية في خيار الشرط (٣) عدم دلالة مثل ذلك على الرضا ولذا اشترط على المتصرف الذي له الخيار أن يستوجب البيع أولا ، لكن لم أجد عاملا بها ، فهي بالنسبة إلى ذلك شاذة.

وعلى كل حال فقد قيل أن الظاهر من صحيح الرضا (٤) الذي هو كالتعليل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢.

(٤) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١.

٢٩

كون المناط حصول الرضا بسببه ، فلو علم انتفاؤه وان قصده بالحدث اختباره أو غيره ، بقي خياره ، ولعله لذا قيده بعض الأفاضل بما إذا لم يكن للاختبار ونحوه ويؤيده الأصل ، والإطلاقات وبعض النصوص ، كالخبرين أحدهما‌ الصحيح (١) « عن رجل اشتري شاة ، فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال : إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها ، ورد معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء » لكن عن بعضهم سقوط الخيار به أيضا بل مال إليه في المسالك ، ولعله للإطلاق وارادة التنزيل منزلة الرضا في السقوط شرعا ، لا أنه كاشف عنه ، وإلا لم يتم في مشكوك الحال فضلا عن معلوم العدم ، اللهم إلا أن يقال أن الشرع كاشف عن العرف ، فيتبع فيما لم يعلم عدمه ، بل ذلك هو الموافق لأصلي الخيار واللزوم ؛ وستسمع إنشاء الله تمام البحث فيه من الاحكام.

ويسقط أيضا بانقضاء المدة وهي ثلاثة أيام كما عرفت قال ، بعض الأفاضل : بلياليها تحقيقا ، لأنه الأصل في التحديد ، والظاهر دخول الليلتين أصالة ، فتدخل الثالثة ، وإلا اختلف معنى الآحاد في استعمال واحد ، وفيه نظر ، لان الظاهر دخول الليلتين المتوسطتين في الحكم ، دون الاسم ، إذ ليس اليوم لغة وشرعا وعرفا إلا البياض المقابل لليل ، الا أنه لما فهم اتصال الخيار بالعقد في جميع أزمنة وقوعه ليلا أو نهارا إلى أن تحقق مصداق مضي ثلاثة أيام ، دخل الليلتان وغيرهما ، بل الظاهر دخول المنكسر من اليوم كذلك أيضا. فإذا وقع العقد مثلا ظهر يوم الخميس ، فالخيار متصل إلى أن يتحقق مصداق مضى ثلاثة أيام ، ولا يكون ذلك إلا بانتهاء يوم الأحد ، وهو غروب الشمس منه ، ولو وقع في أول ليلة الخميس مثلا ، فالخيار فيه إلى مضى الثلاثة ، فتدخل الليلة في الحكم لا في اسم اليوم.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ١.

٣٠

بل هذا كاد يكون صريح‌ قوله عليه‌السلام في صحيح ابن رئاب (١) « فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب البيع » إذ مفهومه ان العقد على الخيار إن لم تمض ، فالمنكسر في النهار والليل حينئذ داخلان في حكم البقاء على الخيار إلى حصول الغاية ، لا في مفهوم الأيام المنافي للغة والشرع والعرف ، كدعوى صدق اليوم على الملفق من يوم آخر أو من الليل المنافية للثلاثة أيضا ، وحينئذ فالخيار في الزيادة على الأيام الثلاثة مستفاد من دليل الخيار بالتقريب الذي ذكرناه ـ فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في كثير من المقامات لم أجد من تنبه له ، مع أنه بالتأمل في المقام وغيره يمكن القطع به لمن رزقه الله تعالى اعتدال الذهن.

نعم لا إشكال في ثبوت مشروعية التلفيق في الجملة ، ضرورة أن الكسر كما يكون في الأيام ، يكون في الشهور والسنين ، وفي غير واحد من النصوص (٢) في قوله تعالى (٣) ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) الى قوله ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) » قال : فهذه أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الأخر وهو كالصريح في التلفيق في الأشهر ، بل وانه يجبر الأولين من الأخر وان ذلك كله مصداق أربعة أشهر فتأمل جيدا والله العالم ، ولا يسقط هذا الخيار بالتبري من العيوب ، وإن كان الحكمة في شرعه خفاء العيب غالبا ، إلا أنه لا يجب انعكاسها.

ويعم هذا الخيار كل حيوان الصامت والناطق من لا ينعتق عليه ، على ما سمعته في خيار المجلس ، وفي اشتراط استقرار الحياة في صحة البيع وثبوت الخيار وجهان ، أشبههما العدم ، ويثبت في حيوان البحر وان اخرج من الماء واشترطنا إمكان البقاء ، لا مكان عوده إلى ما يعيش فيه ، فلو تركه المشتري على الجدد حتى مات فلا ضمان على البائع ، لأنه هو الذي أتلفه ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٩.

(٢) تفسير برهان جلد ٢ ص ١٠١ الطبع الحديث.

(٣) سورة البراءة الآية ـ ١.

٣١

القسم الثالث خيار الشرط

بالضرورة بين علماء المذهب ، والكتاب والسنة عموما ، وخصوصا في بعض أفراده ، ولا يقدح منافاته لمقتضى إطلاق العقد ، كما في كل شرط ؛ ودعوى أن اللزوم من مقتضياته ، لا مقتضى إطلاقه ـ يدفعها مشروعيته بأسبابه ، ولو أنه كذلك لم يشرع أصلا كالملك بالنسبة إلى البيع كما هو واضح ، وحينئذ فـ ( هو ) عندنا بحسب ما يشترطانه أو أحدهما لا يتقدر بمدة مخصوصة ، خلافا للشافعي وابى حنيفة ، فلم يجوز اشتراط أزيد من ثلاثة ، ولا يعتبر فيها الاتصال بالعقد ، كما هو صريح بعض وظاهر إطلاق آخرين ؛ للعموم ، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه ، واحتمله الفاضل تفاديا من انقلاب اللازم جائزا ؛ وفيه انه جائز وواقع في خيار التأخير وغيره ، ومتي جاز الانفصال جاز التعاقب لعموم المقتضى ، لكن في المسالك احتمال العدم بعد قطعه بجواز الانفصال ، ولعله لاستظهار الاتحاد من الإطلاق ، وفيه منع واضح. ولو شرط الخيار شهرا يوما ، ويوما لا ، صح بناء على إرادة خمسة عشر من الشهر العددي ، كما عساه المنساق من العبارة ، ومع التصريح بذلك لا إشكال في الصحة ، واليوم المتصل بالعقد أول الأيام ، فظهر أن المدار على الشرط.

لكن يجب أن يكون ما يشترطانه من مدة الخيار مدة مضبوطة ولذا لا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج ونحوه قولا واحدا ، للغرر حتى في الثمن لأن له قسطا منه ، فيدخل فيما نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) فاشتراطه مخالف للسنة ، وما دل على وجوب اتباعها من الكتاب (٢) علي أن مشروعية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣ الدعائم ج ٢ ص ١٩.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٥.

٣٢

العقود لقطع الاختلاف فلا تناط بما هو مثاره.

ولو شرط كذلك بطل البيع أيضا لا الشرط خاصة ، كما ستسمعه فيما يأتي إنشاء الله تعالى محررا ، أما لو أطلق اشتراط الخيار من غير ذكر مدة أصلا ، فالمشهور بين المتقدمين الصحة ، والانصراف إلى الثلاثة ، بل في الانتصار والغنية ومحكي الجواهر والخلاف الإجماع عليه ، بل في الأخير نسبته الى أخبار الفرقة أيضا ، وإن كنا لم نقف على شي‌ء منها فيما وصل إلينا من النصوص ، سوى ما قيل من فحوى‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح السابق (١) « الشرط في الحيوان ثلاثة للمشتري اشترط أو لم يشترط » فإنه يدل بالفحوى على أن الشرط في غيره ثلاثة مع اشتراط الخيار ، لا اشتراطها ، لعدم اختصاصه بها إذ ضرورة صحة اشتراط أي عدد ، فالمختص بها حينئذ إطلاق اشتراط الخيار وفيه ما فيه ،

و‌النبويين (٢) « الخيار ثلاث » قال : « لا خلا به ولك الخيار ثلاثا » وهما ـ مع انهما من غير طرقنا ـ لا دلالة فيها ، لما في التذكرة من أن قول لا خلا به عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا فإطلاقها مع العلم بمعناها كالتصريح ، الا أن إرسال الشيخ الأخبار المزبورة لا تقصر عن المراسيل في كتب الحديث التي من المعلوم عدم بنائها على الاستقصاء التام ، فعدم الوجود فيها غير دال على العدم ، فهي حينئذ مع الإجماعات المزبورة كافية في إثبات المطلوب ، سيما مع عدم الموهن لها بين المتأخرين فضلا عن غيرهم ، إذ لم نعرف مصرحا بالبطلان بعد الشيخ في أحد قوليه الا الفاضل وثاني الشهيدين والصيمري فيما حكي عنه.

نعم نسب الى المرتضى وظاهر الديلمي ، والمعلوم من الأول خلافه ، وعبارة المتن كاللمعة والنافع والوسيلة ومحكي التحرير لا دلالة فيها ، لأن اشتراط التعيين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٧٣.

٣٣

في المدة غير اشتراط المدة المعينة ، ولذا لم يشر في شي‌ء منها الى الخلاف ، مع أن الغالب في بعضها الإشارة إلى شواذ الأقوال فضلا عن مثل هذا.

فمن الغريب ما في بعض المصنفات من حكاية القول المزبور على وجه يكون به من الشواذ ، علي أنه ليس في الأدلة ما ينافيه ، إذا الغرر مندفع بتحديد الشرع وإن لم يعلم به المتعاقدان ، كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته من الزمان ، ومن ذلك يعلم ما في دعوى أولويته بالمنع ، من ذي المدة الغير المعينة ، كالتعليل بأنه لو صح فاء ما أن يدوم الخيار وهو باطل بالإجماع أو يخص من غير مخصص ، إذ قد عرفت أن التخصيص بالثلاثة إما لانصراف الإطلاق عرفا ، لكونها أقل مدة يتروى بها في مثله والشرع كاشف ، أو لتعيين الشارع ، والشرط سبب لا مناط كالوصايا المبهمة ، ولذلك كله مال إليه في الدروس بل جزم به العلامة الطباطبائي في مصابيحه وهو لا يخلوا من قوة.

وكيف كان فـ ( لكل منهما أن يشترط الخيار لنفسه ) في الكل والبعض المعين ولأجنبي متحدا أو متعددا مع التعيين ، وإلا لم يجز للغرر ، كالتعيين في المخير فيه ، فلا يكفي في شي‌ء منهما أحدهما ونحوه وله مع الأجنبي كذلك بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه للعموم ، لكن إن اتحد ذو الخيار فالأمر اليه ، والأقدم الفاسخ ولو أجنبيا ، لعدم معارضة اختيار اللزوم له كما هو واضح. فما في الوسيلة ـ من أن الخيار إن كان لهما واجتمعا على فسخ وإمضاء نفذ ، وإن لم يجتمعا بطل ، وإن كان لغيرهما ورضي نفذ البيع ، فان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء ـ لا وجه له.

كما أن ما في الدروس ـ من أنه يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا ولا اعتراض عليه ومعهما أو مع أحدهما ، ولو خولف أمكن اعتبار فعله ، وإلا لم يكن لذكره فائدة ـ في غير محله ، بل ينبغي الجزم بتقديم الفاسخ ولو الأجنبي كما ذكرناه ، واشتراط‌

٣٤

الخيار للأجنبي خاصة تحكيم لا توكيل وليس له الفسخ دونه ، الا أن الظاهر وجوب اعتماد المصلحة لأنه أمين ، فلو بان الخلاف لم يمض الفسخ ، بل قد يقال : إن المنساق عرفا من مثل ذلك ما يشبه التوكيل ، فيمكن احتمال مراعاة الأصلح لذلك ، بناء على اعتباره فيها ، كما أنه يعتبر فيه أيضا غير ذلك مما يعتبر فيها من البلوغ والعقل ونحوهما ،

وكذا يجوز لكل منهما اشتراط المؤامرة اى الاستيمار بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للعموم ، خلافا للشافعي (١) في أحد قوليه فيلزم العقد بإمضاء المستأمر وسكوته إذا كان المراد منها اشتراط الخيار له بأمره لانتفاء المشروط حينئذ بانتفاء شرطه ، والأصل في العقد اللزوم ، أما لو أمر بالفسخ فلا يتعين عليه امتثال أمره به قطعا.

نعم له العمل به على ما هو مقتضى الشرط ، وليس له الفسخ قبل أمره به ، لعدم حصول الشرط فما عن التحرير ـ كما عن أحد قولي الشافعية من جواز الرد من غير أن يستأمر لأنه ذكر الاستيمار احتياطا ـ واضح البطلان ، بل عن الأول التصريح فيه بعد ذلك بالمنع من الرد قبله ، ولذا حمله بعض الأفاضل على ما إذا حصل الأمر بالفسخ قبل الاستيمار ، خلافا لظاهر المبسوط والخلاف والتذكرة وكنز الفوائد وتعليق الإرشاد والمسالك على ما حكى عن بعضها ، فينتفى لانتفاء الشرط ، لكن يمكن تنزيل عباراتهم على الغالب من ترتب الأمر على الاستيمار ولا بأس به ، ولا بد من ضبط مدة الاستيمار ، كما هو صريح جماعة ؛ وظاهر آخرين تحرزا من الغرر ، خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف وأحد قولي الشافعي ، فيثبت على التأبيد مع انتفاء التحديد وهو كما ترى.

ولا ينصرف الإطلاق هنا إلى الثلاثة التي خيارها ، متصل بالعقد ، بخلاف خيار‌

__________________

(١) التذكرة ج ١ ص ٥٢١.

٣٥

المؤامرة الذي لا يحصل إلا بعد الأمر ، وصرف إطلاق الخيار إليها لا يقتضي كونها ظرفا لشرائط الخيار قطعا ، إذ لا تزيد على خيار الحيوان ولا يشترط تعيين المستأمر لعدم الغرر فيه ، بخلاف الخيار للأجنبي ، وبذلك ـ وعدم الخيار للمستأمر بالفتح وإنما له الأمر به ـ افترقت المؤامرة عن اشتراط الخيار للأجنبي ، فيصح إناطة الأول بأمر أحد الرجلين دون الثاني ، ومع الاختلاف يقدم الفاسخ ، وفي المتحد إذا اختلف رأيه في المدة يحتمل ذلك مطلقا أو بشرط التأخر ، والأخذ بالمقدم مطلقا والمؤخر كذلك ، وقد اختار بعض الأساطين الثاني. هذا كله بناء على معلومية إرادة ما عرفت من اشتراط الاستيمار ، أما إذا أريد منه غير ذلك من المشاورة. وإجالة الرأي معه ، لا اتباع أمره أو نحو ذلك ، اتبع عملا بالشرط ، ولعل إطلاق اشتراط الاستيمار ظاهر فيما ذكره الأصحاب ، والأمر سهل بعد وضوح المأخذ ، لعدم خروج المؤامرة بنص مخصوص ، فالمرجع في المراد منها الى ما يرجع إليه في غيرها من العرف واللغة ، بل استقصاء البحث فيها ليس من وظائف الفقيه.

وكذا يجوز اشتراط الخيار مدة معينة ـ لا مجهولة ولا مطلقة ، بل إطلاق الخيار هنا لا ينصرف إلى الثلاثة كما سمعته في المؤامرة. نعم لا يعتبر فيها الاتصال وان انصرفت اليه عند الإطلاق ـ وإن كان الخيار فيها بشرط أن يرد البائع فيها بالثمن ويرتجع بالمبيع إنشاء مطلقا أو موزعا عليها نجوما ، متساوية أو مختلفة مع اشتراط الخيار بنسبة الرد وبدونه ، وإن كان إذا أطلق توقف على رد الجميع إجماعا في أصل المسئلة بقسميه.

ونصوصا عموما وخصوصا (١) فيه الصحيح وغيره ولا يقدح لفظ الوعد في سؤال الأول بعد أن كان الجواب أرى أنه لك إن لم يفعل ، اي يرد الثمن ، وان جاء بالمال للوقت فرد عليه‌ قال فيه : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام. (٢) انا نخالط أناسا من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب الخيار الحديث ١.

٣٦

أهل السواد وغيرهم فنبيعهم فنربح عليهم العشرة باثني عشر أو العشرة بثلاثة عشر ، ونوجب ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، فيكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك الذي فيه الفضل الذي أخذ منا بشراء وقد باع وقبض الثمن منه ، فبعده إن هو جاء بالمال الى وقت بيننا وبينه أن نرد عليه الشراء ، فان جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ، فما ترى في الشراء ، فقال : أرى أنه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال للوقت فرده عليه »

وفي موثق إسحاق بن عمار (١) « حدثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام قال : سأله رجل وأنا عنده فقال له : رجل مسلم احتاج الى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال : أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحب إلى من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردها على؟ قال : لا بأس بهذا ، إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه ، قلت : فإنها كانت فيها نخل كثير فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال : الغلة للمشتري ، ألا ترى لو احترقت كانت من ماله » إلى غير ذلك من النصوص ، ونحوه اشتراط المشتري رد الثمن برد المبيع في مدة معلومة ، لعموم المقتضي ، فلكل منهما حينئذ ذلك ؛ اتحدت المدة أو اختلفت ، كما ان لكل منهما اشتراط الرجوع في الكل برد الكل أو البعض ، وفي البعض برد البعض الخاص وما دونه ، ولو اشترط الكل أو أطلق الرد لم يتخير برد البعض وإن قل الباقي ، ولو اشترط البعض تخير برده كملا دون البعض منه ، واللزوم من أحدهما لا ينافيه الجواز للآخر.

لكن قد يظهر من النصوص وجملة من العبارات عدم احتياج الانفساخ إلى أزيد من الرد ، وهو إما لانه المشروط ، أو لأن به يحصل اختيار الفسخ ، وفي الأول أن القدرة إنما تتعلق بالفسخ دون الانفساخ. فلا يصلح اشتراطه الا بواسطته ، اللهم الا أن يستند في الجواز الى ظاهر صحيح سعيد بن يسار (٢) وخبر معاوية بن ميسرة (٣) وموثق إسحاق (٤) مؤيدا بعموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » (٥) القاضي بصحة ما لم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٧ من الخيار الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

٣٧

يعلم فساده من الشرائط ، وأن الشرط بنفسه من المؤثرات لذلك ، ونحوه مما يؤثر غيره إلا أن يعلم العدم ، كالنكاح والطلاق ونحوهما ، بل هو لا يزيد على اشتراط انتقال عين مخصوصة من غير ناقل عداه.

نعم هو مبني على أن المشروط هو الانفساخ لا الخيار ، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب إذ هذا القسم المسمى عندهم ببيع الشرط ، وهو عندهم ما اشترط فيه الخيار بعد الرد ـ فالذي يحصل به حينئذ التسلط على الفسخ ، لا الانفساخ. نعم قد يقال : بعد معلومية عدم توقف الفسخ على لفظ مخصوص بل يكفى فيه كل ما دل عليه من فعل أو قول ـ أنه دال عليه ويحصل به ، والغالب دلالته عليه فيحصل به الفسخ ، وعلى هذا ينزل إطلاق النصوص وبعض الفتاوى ؛ وفيه منع دلالته عليه ، وإنما هو دال على ارادة الفسخ والعزم عليه لا إنشاء الفسخ به خصوصا إذا حصل الرد تدريجا ، والذي يؤثر الفسخ الثاني لا الأول.

ومن هنا صرح بعضهم بعدم الانقطاع البيع بمجرد رد الثمن ، بل قيل : انه ظاهر كلام الباقين ، وإطلاق النصوص وبعض الفتاوى يمكن تنزيله على الغالب من تعقيب الرد بالفسخ ، لا على ذلك ، الا أن الانصاف عدم خلوه عن النظر بعد ، إذ من المحتمل كون المراد من اشتراط الخيار بالرد أن له الفسخ في هذه المدة بهذا الطريق منه ، والا كان ابتداء الخيار مجهولا فيكفي حينئذ في حصول الفسخ نفس الرد فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالظاهر أنه لا فرق في الاحتياج إلى الفسخ بين القول بانتقال المبيع بنفس العقد ، والقول بانتقاله بمضي الخيار معه ، بناء على شمول كلامهم لمثل هذا الخيار المسبوق باللزوم ، إذا العقد عندهم وإن لم يكن ناقلا من حينه ، الا أنه يفيد الملك إذا انقضى زمن الخيار فمع عدم فسخه لا يستقر ملك ذي الخيار عليه ، فهو لا بد منه على القولين وان افترقا بكونه على الأول لعود الملك و، على الثاني لاستقراره ، نعم قد يتوقف في اندراج هذا الخيار في كلامهم بمسبوقيته باللزوم. وانتقاله‌

٣٨

بمجرد جهة الرد عن المشتري الى البائع وإن لم يحصل به الفسخ ، وإنما حصل به الخيار خاصة من غير ناقل شرعا ـ لا يخلوا من اشكال ، ومن هنا أمكن أن يقال : بأن النماء هنا للمشتري إلى حين الفسخ مطلقا على القولين ، لانه ملكه. والتزام ـ عوده إلى البائع بالخيار على الثاني ، وعدم انتقال خصوص النماء للمشترى ما بين الرد الى حين الفسخ وإن لم ينتقل الأصل إلى البائع إلا به ـ كما ترى.

وكما أن النماء له فالتلف منه بلا خلاف أجده فيه ، للصحيح (١) والموثق (٢) بل هو كذلك وان كان بعد الرد الا انه مضمون عليه ، لانه وقع في زمن خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرجوع عليه بالمثل أو القيمة ، بخلاف التلف قبل الرد الذي هو ليس زمان خيار ، كي يستحق الرجوع به عليه بعد الفسخ ، بل المتجه فيه سقوط الخيار ؛ الا ان يشترط عليه الرجوع به عينا أو قيمة ، فيلزم بناء على صحة هذا الشرط ، وبدونه لا يلتزم حتى لو تصرف فيه باختياره تصرفا ناقلا ، فضلا عن التلف السماوي ، للأصل ، وظاهر الصحيح والموثق.

وكيف كان فمورد النص نماء المبيع وتلفه إذا كان الخيار للبائع ، لكن يعلم منه حكم نماء الثمن وتلفه في هذه الصورة ، وحكم نماء العوضين وتلفهما إذا كان للمشترى ويسقط هذا الخيار بانقضاء المدة ولما يحصل الرد والإيجاب من ذي الخيار ، والتصرف والاذن فيه كما في مطلق خيار الشرط على ما ستعرف إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف ، فإنه نوع منه ، وإنما يغايره في زيادة قيد الرد ، فلا يخالفه الا فيما يقتضيه القيد وقد يستظهر عدم سقوط هذا القسم من خيار الشرط بالتصرف ، لان المدار عليه في هذا الخيار ، ولانه شرع لانتفاع البائع بالثمن ، والمشتري بالمبيع فلو سقط به سقطت الفائدة في وضعه.

وللموثق (٣) المفروض في بيع الدار لاحتياج البائع إلى الثمن المصرح فيه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١ بطريقين.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١ بطريقين.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١.

٣٩

بكون الغلة للمشترى ورد بأنه ـ مع مخالفته لإطلاق النصوص السقوط بالتصرف لان المدار عليه ـ ان التصرف المسقط ما كان في زمن الخيار وهو لا يحصل هنا الا بعد الرد ولا ينافي شي‌ء مما ذكر لزومه به بعده ، لان ذلك. زمنه لا قبله. وإن كان قادرا على إيجاد سببه فيه ، إذ المدار على الفعل لا القوة ، على انها لا تتم فيما اشترط فيه الرد في وقت منفصل عن العقد ، كيوم بعد سنة.

ولا فرق على الظاهر في التصرف في المردود بين كونه عين مال المشتري مثلا ، وبين كونه مثله أو قيمته ، لصدق الرد ودلالة التصرف فيه بعده على الالتزام شرعا أو عرفا على الوجهين السابقين ، وقد يحتمل في الأخيرين العدم ، لعدم صدق التصرف فيه ، ضرورة تغاير البدل للأصل ، الا أن الأول أقوى ، هذا.

ولكن قد يناقش في دعوى أن زمن الخيار بعد الرد ، باقتضائها جهالة الابتداء حينئذ أولا ، وبصدق زمن الخيار عليها جميعها عرفا ، ثانيا ، وبمنافاتها لما تسمعه منهم في غير مرة من جعل هذه المدة زمن خيار ، ثالثا ، منها ـ ما اعتمدوه في رد قول الشيخ بالملك بعد انقضاء الخيار ، بهذه النصوص (١) المصرحة بأن المبيع ملك المشتري والثمن ملك البائع قبل انقضاء مدة الخيار ، فلو لا انها مدة خيار ما اتجه لهم ذلك الا على تكلف بعيد ؛ فلاحظ وتأمل.

ثم ان المعتبر في رد المبيع رد العين مع الإطلاق ، بخلاف الثمن الذي مبنى هذا النوع على التصرف فيه غالبا ، فيكفي فيه المثل ، بل قد يحتمل ذلك في المبيع إذا كان مثليا لصدق الرد عرفا ، ولا اعتبار بالقيمة في ذوات الأمثال ، نعم قد يحتمل الاكتفاء بها مطلقا في خصوص الثمن ، لكن يقوى اعتبار رد العين نفسها الا أن تقوم قرينة معتبرة على إرادة الأعم فتتبع ، هذا.

واعلم أن جميع ما ذكرناه في خيار المؤامرة والخيار برد الثمن جريا على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار.

٤٠