جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

له ، أي البائع أيضا لتضرره بذلك ، مع اختيار المشتري الشركة » وفيه إشكال ينشأ من عدم مراعاة حاله قبل القبض ، وإنما هي مختصة بالمشتري ، ولذا لو تعيب من قبل الله في يده ، تسلط المشتري خاصة على الخيار ، وفي الأرش ما عرفت ، على إن المتجه بناء على ما ذكره ، ثبوت الخيار له مطلقا ، لا في خصوص الاختلاط بالأجود ، لأن الشركة مطلقا ضرر عليه أيضا. فتأمل. وحكم الاختلاط بغير مال البائع ، حكم الاختلاط بماله. ثم إنه حيث تفتقر القسمة إلى مؤنة فهي على البائع ، لأن هذا العيب مضمون عليه ، والتخليص واجب عليه ، لوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.

المسألة الثالثة : لو باع جملة فتلف بعضها بآفة سماوية فإن كان للتالف قسط من الثمن ، لانه لا يبقى مع فواته أصل المبيع ، بل بعضه ، وضابطه ما كان صالحا للبيع منفردا ، انفسخ العقد فيه ، ورجع ما يخصه من الثمن ، لصدق تلف المبيع قبل قبضه ، وكون الثمن موزعا عليه ، وكان للمشتري فسخ العقد في الباقي ، لتبعض الصفقة وله الرضا بحصة الموجود من الثمن كبيع عبدين ، أو نخلة وفيها ثمرة لم تؤبر ، وإن لم يكن له قسط من الثمن لبقاء أصل المبيع بفواته ، كان للمشتري الرد لما تقدم أو أخذه بجملة الثمن ، كما إذا قطعت يد العبد وظاهره هنا الجزم بعدم الأرش ، مع أنه تردد فيه سابقا ، واحتمال تغاير موضوع المسألتين في غاية السقوط ، ووجهه ما سمعته من عدم مقابلة الثمن للاجزاء ، حتى يفوت ما يخصها منه بفواتها ، فليس إلا الخيار ، كما لو فات الوصف الذي صرح في القواعد وجامع المقاصد والمسالك بعدم الأرش فيه ، قالا في الأخيرين : « فلو كان العبد كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض ، فللمشتري الرد خاصة ؛ فإن الفائت ليس بعضا من المبيع ، ومن ثم لو شرط كونه كاتبا ، فظهر بخلافه لم يستحق سوى الرد » لكنهما فرقا بينه وبين الجزء الفائت ، كاليد ونحوها ، وجزما بعد التردد بالأرش فيه ، معللين له بأن القيمة تزيد بوجوده ، وتنقص بعدمه ، وفواته من أظهر العيوب وأبينها ، وللقطع بأن المبيع‌

١٦١

هو مجموع بدن العبد ، وقد فات بعضه ، بل صرح في الأخير منهما أن الخيار فيه تبعض الصفقة ، وأنه كفوات ماله قسط من الثمن من أحد العبدين ونحوه.

وقد عرفت سابقا قوة القول بعدم الأرش في الجزء ، فضلا عن الوصف لو كان الفوات من قبل الله ، أما لو كان من أجنبي فلا ريب في ضمان الجناية ، وأن الأقوى كون المضمون تفاوت القيمتين من غير ملاحظة الثمن ، بل وكذا البائع ، وعليه فقد يقوى عدم الفرق بين فوات الجزء والوصف ، ضرورة تفاوت القيم بتفاوت الوصف ، بل يمكن التزام مقابلته بالثمن ، بناء على مقابلته الاجزاء. فتأمل جيدا. والله أعلم.

المسألة الرابعة : يجب تسليم المبيع مفرغا من أمتعة البائع وغيرها مما لم يدخل في البيع بمعنى وجوب التسليم والتفريغ فلو كان فيه متاع وجب نقله ، أو زرع قد أحصد ، وجب إزالته وإن لم يكن قد أحصد ، وجب الصبر إلى أوانه إن اختاره البائع ، ولا أجرة عليه على الظاهر. نعم للمشتري الخيار إذا لم يكن عالما به للضرر. ولو كان للزرع عروق تضر بالانتفاع كالقطن والذرة ، أو كان في الأرض حجارة مدفونة ، أو غير ذلك مما يمنع الانتفاع أو كماله وجب على البائع إزالته ، وتسوية الحفر في الأرض لوجوب تسليم المبيع إليه متمكنا من الانتفاع به وكذا لو كان فيها دابة ، أو شي‌ء لا يخرج ، إلا بتغير شي‌ء من الابنية ؛ وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم وفي القواعد وجامع المقاصد والمسالك والروضة ، وجب الأرش ويمكن رجوعهما إلى معنى واحد ، وإن أريد بالأرش رجوع جزء من الثمن ، كان فيه بحث يعرف مما تقدم ؛ وله الفسخ مع الجهل بالحال ، كما صرح به في الجامع والمسالك. ثم إن التفريق وإن كان واجبا ، إلا ان القبض لا يتوقف عليه ، فلو رضي المشتري بتسلمه مشغولا ، تم القبض ، ويجب تفريغه بعده ، وفي جواز الامتناع عن القبض قبله وجه.

المسألة الخامسة : لو باع شيئا فغصب من يد البائع قبل القبض فإن أمكن استعادته في الزمان اليسير وجبت ولم يكن للمشتري الفسخ ، للأصل السالم‌

١٦٢

وإلا يمكن ذلك أصلا ، أو بعد الزمان الكثير كان له ذلك للضرر ، وله حينئذ الانتفاع بما لا يتوقف على القبض ، كعتق العبد ونحوه ، وتلفه في هذه المدة من مال البائع ، وإن كان قد رضي المشتري بالصبر ، واحتمال أن هذا الرضا قبض ضعيف ، بل لو تصرف في المبيع ، بنظر أو لمس أو نحوه ، وهو في يد الغاصب لم يكن قبضا عرفا ، بل الرضا بالبقاء في يد البائع ، ليس قبضا ، فضلا عن الغاصب ، كما صرح به خبر عقبة بن خالد (١) المتقدم. نعم قد يقال : بعدم الانفساخ قهرا بالتلف السماوي في يد الغاصب بكونه مضمونا عليه للمشتري ، فهو حينئذ كما لو ضمنه الأجنبي بالإتلاف في يد البائع ، خصوصا مع كون الانفساخ على خلاف القواعد ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو فيما إذا كان غير مضمون للمشترى ، كما إذا كان في يد البائع ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق ، لكن لا يحضرني في الآن من احتمله.

وكيف كان فـ ( لا يلزم البائع أجرة المدة على الأظهر ) لأن المضمون عليه إنما هو العين وما كان من توابعها الداخلة في البيع ، وليست المنفعة من هذا القبيل وانما هي نماء المبيع فلا تكون مضمونة ، ولذا قال! في جامع المقاصد : « لا ريب في ضعف احتمال الضمان ، وقد سبق من قريب فله النماء. غير مضمون ، والمنفعة نماء. نعم قد يقال : إن النماء المتصل محل تردد ، فان المبيع لو سمن في يد البائع ، ثم هزل جاء فيه الوجهان ، إلا إذا كان السمن موجودا وقت العقد ، فإنه مضمون قطعا » قلت : يمكن دعوى كون المنفعة فيه من قبيل النماء المتصل ، فيكون الاحتمال حينئذ في محله ، لأن فواتها حينئذ بمنزلة النقص قبل القبض.

نعم يضعف الاحتمال المزبور ما عرفته سابقا من أن النقص الداخل على المبيع من أجنبي ، ضمانه ـ مع اختيار المشتري اللزوم ـ على الأجنبي لا على البائع ، فيختص حينئذ الغاصب بالرجوع عليه ، على أن التحقيق عدم دخول المنافع في المبيع ، وإنما هي نماء.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الخيار الحديث ١.

١٦٣

فأما لو منعه البائع عن التسليم ، ثم سلم بعد مدة ، كان له الأجرة لأنه غاصب إذا لم يكن امتناعه بحق ، كقبض الثمن ، بل في جامع المقاصد احتمال الضمان أيضا ، لأن جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة ، ولا يلزم من ثبوت الأول الثاني وإن كان الأقوى الأول. ثم إن الظاهر جريان حكم الغاصب عليه في صورة عدم كون الحبس بحق ، ينافيه الاحتمال السابق ، في عدم الانفساخ قهرا لو تلف في يده بآفة سماوية.

ولو طلب المشتري الانتفاع بالمبيع في يد البائع بنفسه وبغيره إلى حين تسليم الثمن ففي جامع المقاصد الظاهر أن للبائع المنع ، وفيه نظر ، وكيف كان فالنفقة في مدة الحبس على المشتري ، لأن العين ملكه ، فان امتنع منها رفع البائع أمره إلى الحاكم ، فان تعذر أنفق بنية الرجوع ورجع بها كما في نظائره. لكن في جامع المقاصد ما أشبه هذه المسألة ، بمثل منع الزوجة نفسها قبل الدخول إلى أن تقبض المهر ، فان في استحقاقها النفقة تردد ، قال : ويحتمل الفرق بين المؤسر والمعسر ، وفيه أنه يمكن الفرق بين المقامين. والله أعلم.

ويلحق بهذا اى النظر الثالث بيع ما لم يقبض وفيه مسائل‌ الأولى : من ابتاع متاعا ولم يقبضه ثم أراد بيعه جاز إن لم يكن مكيلا أو موزونا إجماعا بقسميه ونصوصا (١) ولا يشمله‌ النهي عن بيع ما ليس عنده (٢) قطعا ، كما أنه لم يثبت‌ حديث النهي عن بيع مطلق ما لم يقبض (٣) كما اعترف به في الروضة ، ولئن ثبت كان حمله على الكراهة بالنسبة إلى ذلك متعينا ، فما حكاه في التذكرة عن بعضهم من القول بالمنع ـ مع أنا لم نتحقق القائل به ـ فاسد قطعا نعم كره له ذلك مطلقا كما عن بعضهم ، للمرسل المزبور (٤) وإشعار بعض النصوص (٥) أو إن كان المبيع مما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦ سنن البيهقي ج ٥ ص ٣١٣.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦ سنن البيهقي ج ٥ ص ٣١٣.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ و ٩ و ١٨.

١٦٤

يكال أو يوزن وفاقا للمفيد والنهاية ومحكي القاضي ، بل هو المشهور بين متأخري الأصحاب ، نقلا وتحصيلا ، لأصالة الجواز وعموماته ، وإطلاقاته ، سيما التعليل في نحو‌ الصحيحين اللذين في أحدهما (١) « في رجل أمر رجلا يشترى متاعا ، فيشتريه منه ، قال : لا بأس بذلك ، إنما البيع بعد ما اشتريته » وفي ثانيهما (٢) « لا بأس إنما تشتري. بعد ما اشتريته ».

وخصوص‌ خبر الكرجى (٣) قال للصادق عليه‌السلام : « أشتري الطعام إلى أجل مسمى ، فيطلبه التجار منى بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه ، فقال : لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت ، وليس لك أن تدفع قبل أن تقبض ، قلت : فإذا قبضته جعلت فداك ، فلي أن أدفعه بكيله؟ قال : لا بأس بذلك إذا رضوا » وزاد فيما رواه عنه‌ في الفقيه ، (٤) قال : « وقلت له : اشتري الطعام من الرجل ، وأبيعه من رجل آخر قبل أن اكتاله ، فأقول : ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته؟ قال : لا بأس » والمراد أجل الثمن ، والبيع مرابحة ، ولذا قيد الامام عليه‌السلام نفى البأس بما سمعت.

وخبر جميل بن دراج (٥) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « في رجل اشترى الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس ، ويوكل الرجل المشتري منه بكيله وقبضه؟ قال : لا بأس » وخبر أبى بصير (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦ وفيه بعد ما يشتريه : بدل ما أشتريه.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٨ وفيه انما يشتريه منه بعد ما يملكه.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٩.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ١٣١ الطبع الحديث النجف.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٦ مع نقصان يسير فيه.

١٦٥

قبل أن يكيله؟ قال : لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا ، قبل أن يكيله أو يزنه ، إلا أن يوليه كما اشتراه ، فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع ، وما كان من شي‌ء عنده ليس بكيل ولا وزن ، فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه » وصحيحي (١) محمد بن مسلم الواردين في بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها ، بناء على شمولها للمكيل والموزون منها ، لا أنه لخصوص ما كان على الشجر والنخل.

وخبر إسحاق المدائني (٢) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم يدخلون السفينة ، يشترون الطعام ، فيتاومون بها ، ثم يشتريه رجل منهم ، فيسألونه فيعطيهم ما يريدون من الطعام ، فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم ، ويقبض الثمن؟ قال : لا بأس ما أراهم إلا وقد شركوه‌ ، مضافا إلى النصوص (٣) الدالة على جواز بيع السلم بعد حلوله وقبل قبضه ، بل لا خلاف أجده فيه هناك إلا من بعضهم إذا كان البيع بجنس الثمن مع الزيادة ، بناء على أن المسألتين من واد واحد ، كما صرح به في الروضة والمسالك واختار فيهما معا الحرمة ، إلا أن النصوص شاهدة بخلافه ، ولذا فر المحدث البحراني من القول بالحرمة فيها من قوله بها في المقام. نعم يمكن حمل تلك النصوص على غير صورة البيع ، وأنه كان وفاء بصلح ونحوه. فلاحظ وتأمل.

وقيل؟ كما عن العماني : لا يجوز ، ومال إليه ثاني الشهيدين والمحدث البحراني وقيل كما عن المبسوط والخلاف والغنية والصدوق والقاضي في أحد كتابيه أنه إن كان طعاما لم يجز بل في الثلاثة الأول الإجماع عليه ، وإن كان موهونا بمصير بعض من تقدمه ، ومعظم من تأخره إلى خلافه ، بل قد سمعت أن خيرته في النهاية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب بيع الثمار الحديث ٣ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العقود وباب ١١ من أبواب السلف.

١٦٦

الكراهة ، فلا ريب في قصوره عن معارضة أدلة الجواز ، كالنصوص (١) التي ما بين قاصرة الدلالة ، أو السند ، ومشتمل على ما لا يقول به المعظم منهم من الفرق بين التولية وغيرها ، وناه عن البيع قبل الكيل والوزن الذي لا يدل على المقام ، بناء على التحقيق من عدم توقف القبض عليه ، على أن مقتضى عدم التعارض بينهما ما اختاره العماني ، وهو شاذ ، فمفاد النصوص لا قائل به إلا نادر ، وما قالوه من خصوص الطعام غير مفادها.

وحينئذ فلا ريب أن الأول أشبه وعليه يحمل لفظ لا يصلح في‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « في الرجل يبتاع الطعام ، ثم يبيعه قبل أن يكال؟ قال : لا يصلح له ذلك » ومثله خبر البصري (٣) وأبى صالح (٤) مع زيادة « لا تبعه حتى تكيله » وخبر على بن جعفر (٥) « سأل أخاه عليه‌السلام عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وإن كان تولية فلا بأس » خصوصا بملاحظة خبر أبي بصير (٦) المتقدم الظاهر في الكراهة. بل هو القرينة على إرادتها من النهي في الزيادة المزبورة.

كالنهي في‌ صحيح منصور بن حازم (٧) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن ، فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن توليه ، فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه » وخبر محمد بن قيس (٨) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من احتكر طعاما أو علفا ، أو ابتاعه بغير حكرة ، وأراد أن يبيعه ، فلا يبعه حتى يقبضه ويكتاله » وخبر حزام المروي عن مجالس الطوسي (٩) قال : « ابتعت طعاما من طعام الصدقة ، فأربحت فيه قبل أن أقبضه ، فأردت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٤.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٤.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٩.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٦.

(٧) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٨) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٧.

(٩) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢١.

١٦٧

بيعه ، فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : لا تبعه حتى تقبضه » مع أنه استثنى في الثاني : التولية ، كما أن الأول لا يدل على المطلوب ؛ إلا بناء على إرادة القبض من الكيل ، وفيه منع.

وأولى من ذلك في احتمال إرادة الكراهة ، صحيح الحلبي (١) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا ولم يقتسموه ، أيصلح لأحد منهم بيع بزة قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس به ، وقال : إن هذا ليس بمنزلة الطعام ، إن الطعام يكال » الذي أقصى مفهوم التعليل فيه ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة. كخبر منصور (٢) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل ولا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يكن كيل ولا وزن فإن هو قبضه فهو إبراء لنفسه » إلى غير ذلك من النصوص ـ التي هي مع قطع النظر عما ذكرناه من أدلة الجواز ـ ظاهرة في الكراهة.

وقد عرفت أن مقتضاها ـ خصوصا مع ملاحظة التعليل في صحيح الحلبي ـ تعميم الحكم في كل مكيل وموزون ، لا خصوص الطعام ، وهو خلاف المعروف بين القائلين بالحرمة ، كما أن المعروف بينهم ، عدم الفرق في ذلك بين التولية وغيرها ، ولذا نسبه المصنف إلى الرواية ، فقال وفي رواية يختص التحريم بمن يبيعه بربح ، فأما التولية فلا بل عن المهذب البارع ، أنه لم يقف على عامل بها ، وإن كان فيه أنه قال : به بعض من تقدمه كالفاضل في التحرير والقواعد وتبعه الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، للنصوص المزبورة التي ظهر لك أن الأولى الجمع بينها بالقول بالكراهة في مطلق ما لم يقبض للمرسل ، (٣) وتشتد في خصوص المكيل والموزون ، وتشتد في خصوص الطعام منه ، وتشتد في خصوص بيعه مرابحة ؛

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٨.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

١٦٨

وفي إلحاق الوضيعة بها ؛ أو بالتولية ، وجهان ـ من لزوم الاقتصار فيما خالف إطلاق المنع على ما تضمنه الروايات ـ ومن مفهوم الصحيح إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، واحتمال ورود الإطلاقات ، واستثناء التولية خاصة مورد الغلبة ، لكون المعاملة بالوضيعة نادرة ، إلا أنه وارد في مفهوم الصحيح ، ومع ذلك يؤيد الأول ، ذيل خبر أبى بصير (١) السابق ، بناء على عطف يضع فيه على لفظ يربح ، لكن قد يقوى في النفس خفة الكراهة فيها بالنسبة إلى التولية ، إذ الظاهر أن المراد من النصوص أنه مع البيع مرابحة ينبغي الكيل والوزن ، وعدم الاكتفاء بالإخبار كما هو المناسب لأخذ الربح ودفعه ، أما إذا لم يكن له فيه ربح ، فاللائق أخذه منه كما اشتراه بالاخبار ونحوه ، ولا ينبغي مداقته لعدم حصول ربح له ، فلا ريب في أولوية المواضعة حينئذ ، فلاحظ النصوص وتأمل ما ذكرناه تجده واضحا.

كما أنك تجد أوضح من ذلك ، ما أومأنا إليه سابقا من أنه على المختار من عدم توقف القبض على الكيل والوزن ، ينبغي جعل موضع الكراهة ، بيع ما لم يكل أو يوزن وإن كان مقبوضا ، بل الاولى تحرير محل النزاع كذلك ، لما عرفت من الاختلاف في تحقق القبض ، واحتمال عدم البأس كراهة وحرمة في بيع الطعام فضلا عن غيره إذا كان قد قبضه بنقل أو وضع يد أو نحوهما وإن لم يكن قد كاله ووزنه ـ ينافيه ظاهر النصوص ، ضرورة وضوحها في أن المدار على عدم كيله ووزنه. نعم عبر في بعضها عن ذلك بعدم القبض لغلبة حصول الكيل والوزن معه ، واحتمال العكس ضعيف بالنسبة إلى ذلك فيها ، وإن كان يؤيده ظاهر تحرير محل النزاع في كلام الأصحاب فلاحظ وتأمل.

وكيف كان ، فالظاهر البطلان على القول بالحرمة ، كما عن العماني التصريح به ، وتبعه بعض المتأخرين ، لما تحقق في الأصول من اقتضائه الفساد عرفا ، إذا تعلق بالمعاملة ، فما في المختلف من أنه يأثم خاصة ، بناء على عدم اقتضاء النهي الفساد في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ١٦.

١٦٩

المعاملة ، قد تبين ضعفه في الأصول ، هذا كله إذا أراد بيع ما انتقل إليه بالبيع قبل قبضه.

وأما لو ملك ما يريد بيعه بغير بيع ، كالميراث ، والصداق للمرأة والخلع ، جاز وإن لم يقبضه بلا خلاف أجده ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، لعموم الأدلة وإطلاقها السالمين عن المعارض ، حتى لو كان انتقاله إلى المورث والمصدق والمختلعة ببيع لا قبض معه ، كما هو مقتضى إطلاق المتن وغيره وصريح بعض ، ضرورة ظهور أدلة المنع فيما لا واسطة بين الابتياع والبيع ، وفي الفرض قد تخلل الإرث والإصداق وعوض الخلع بين الابتياع والبيع ، فما عن بعضهم من تقييد الإطلاق بذلك في غير محله.

وكذا لا إشكال في جواز نقل ما ابتاعه ولم يقبضه بغير البيع حتى الصلح ، بناء على ما هو التحقيق من كونه عقدا مستقلا ، للعموم والإطلاق السابقين (١) فالمنع حينئذ من الإجارة بناء على أنها ضرب من البيع ، فيه منع واضح ، ومن الكتابة لأنها بيع للعبد من نفسه ، وهو أوضح منعا ، فصار المنع والكراهة فيما لم يقبض مشروطة بشرطين ، أحدهما ـ انتقاله إليه بالبيع ، والثاني ـ نقله بلا واسطة مبيع ، والظاهر اختصاص الحكم بالمبيع كما صرح به بعضهم ، دون ثمنه ، فيجوز نقله ببيع وغيره وإن لم يكن مقبوضا ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن. والله أعلم. ومما ذكرنا يظهر لك.

أن المسألة الثانية التي ذكرها المصنف وغيره ، وهي أنه لو كان له على غيره طعام من سلم ، وعليه مثل ذلك ، فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر ليست مما نحن فيه ، إذ هي إما حوالة أو وكالة ؛ وعلى كل حال ليست من بيع المبيع قبل قبضه فلا يأتي فيها البحث السابق فما ( فـ ) ى المتن وغيره ـ من أنه على ما قلناه في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود.

١٧٠

المسألة السابقة يكره ، وعلى ما قالوه فيها يحرم معللا ( لـ ) ـه بـ ( أنه قبضه عوضا عماله قبل أن يقبضه صاحبه ) في غير محله ، كالتعليل الذي من الواضح عدم اقتضائه كونه بيعا قبل قبضه ، إذ المعاوضة أعم من البيع ، ودعوى أن الحوالة قسم من البيع كما ترى ، بل هي قسم مستقل برأسه ، ومن هنا قال في المحكي عن الخلاف : « يجوز الإحالة ، سواء كان الطعامان قرضين ، أو أحدهما قرضا والآخر سلما بلا خلاف أو كانا سلمين عندنا ، لأن الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل ».

ومن ذلك يعلم أن ما حكاه في المسالك عن الخلاف في غير محله ، نعم حكى ذلك عن المبسوط والقاضي وظاهر المتن وبعض ، موافقته على بناء هذه المسألة ، على المسألة السابقة ، بل نفى الخلاف عنه في المبسوط ؛ قال : « وإن كانا سلمين لا يجوز بلا خلاف لأن بيع السلم لا يجوز قبل القبض إجماعا لا لعلة » لكن قد عرفت ما فيه ، على أنه قد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح (١) في بعض‌ والموثق في آخر ، عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر ، فقال للرجل : انطلق فاستوف كرك ، قال : لا بأس به ».

وكيف كان فقد ظهر لك أن بناء هذه المسألة على ما تقدم لا وجه له. وما عن الشهيد في بعض تحقيقاته ـ وأنه من لطائف الفقه ، وربما كان التعليل في المتن وغيره موميا إليه ـ « من أن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة ، منطبقة على أفراد لا نهاية لها ، فأي فرد عينه المسلم إليه ، تشخص ذلك الفرد ، وانصب العقد عليه ، فكأنه لما قال له الغريم : اكتل من غريمي فلان ، قد جعل عقد السلم معه. واردا على ما في ذمة غريمه المستسلف منه ؛ ولما يقبضه بعد ، ولا ريب أنه مملوك له بالبيع ، فإذا جعل مورد السلم الذي هو بيع ، يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان ، ويلحق بالباب » ـ لو سلم فإنما هو في الفرد الذي يتشخص بالدفع والقبض ، أما الذي تشخص‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

١٧١

بعقد الحوالة كما في المقام ، فقد يمنع صدق اسم المسلم عليه ، إذ هي عقد مستقل يحصل به ملك ما في الذمة ، ولا ينصب عقد السلم عليه ، ولو فرض موضوع البحث وكالة في القبض ، زال الإشكال من هذه الحيثية قطعا.

نعم يبقى إشكال تولى الواحد طرفي القبض إذا أراد قبضه لنفسه ، بعد القبض عن موكله كما تسمعه في المسألة الآتية ، ولعل ما ذكرناه أولى مما في المسالك من مناقشة الشهيد « بان مورد السلم ونظائره من الحقوق الثابتة في الذمة ، لما كان أمرا كليا ، كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلى ، وما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة وغيرها ليس هو نفس المبيع ، وإن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة ، فإنها ليست عينه ، ومن ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا رجع الحق إلى الذمة ، والمبيع المعين ليس كذلك ، ونظير ذلك ما حققه الأصوليون من ان الأمر بالكلي ليس أمرا بشي‌ء من جزئياته الخاصة ، وإن كان لا يتحقق إلا بها ، وحينئذ فانصباب العقد على ما قبض وكونه حينئذ مبيعا غير واضح ، فالقول بالتحريم عند القائل به في غيره غير متوجه ، نعم لا بأس حينئذ بالكراهة ، خروجا من خلاف الشيخ وجماعة ، وتحرزا مما هو مظنة التحريم ».

إذ فيه أن ما ذكره من ظهور الاستحقاق والعيب ، يقتضي الفرق بين المبيع المعين وغير المعين لا أنه يقتضي كونه غير مبيع ، ولم يدع الشهيد ولا غيره ، أنه عين المبيع أولا وبالذات ، بل صار بعد التعيين مبيعا ، ولا ينبغي إنكار صدق وصف الكلى على الشخصي المدفوع عنه في البيع والإجارة وغيرهما ، وقد صرح به الأصحاب في غير المقام ، كالإجارة والصرف ، والعرف شاهد عليه.

نعم قد يتوقف في نحو الدفع بالحوالة كما ذكرناه : والأمر سهل بعد أن كان الحكم الكراهة المتسامح فيها عندنا في أصل المسألة ، إذ ما نحن فيه إن لم يكن من البيع قبل القبض ، فهو شبيهه كما عبر به في الدروس ثم على التحريم فلا ريب في البطلان كما‌

١٧٢

قلناه في المسألة السابقة ، وحينئذ لا يبر أذمة كل من المحول والمحول عليه بقبض المحتال ، وما عن التذكرة ـ من أن براءة ذمة الدافع ، أصح الوجهين ضعيف ، ضرورة كون الدفع والقبض بعنوان صحة العقد ، والفرض فساده ، نعم هو صحيح على المختار وتبرأ ذمة كل منهما.

وكذا يصح الشراء قطعا لو دفع إليه مالا ، وقال : اشتر به طعاما لي فإن قال : اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح الشراء والقبض عن الموكل قطعا ، بل عن غاية المرام نفى الخلاف فيه دون القبض له عند الشيخ والقاضي فيما حكي عنهما لانه لا يجوز أن يتولى الواحد طرفي القبض ولأن‌ الحلبي (١) سأل الصادق عليه‌السلام في الصحيح « عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه ، بعث إلى بدارهم ، فقال اشتر لنفسك طعاما واستوف حقك؟ فقال : أرى أن يولى ذلك غيرك ، وتقوم معه حتى تقبض الذي لك ، ولا تتول أنت شرائه » وسأله أيضا عبد الرحمن البصري (٢) في المرسل « عن الرجل أسلف دراهم في طعام ، فحل الذي له ، فأرسل إليه بدارهم ، فقال اشتر طعاما واستوف حقك هل ترى به بأسا؟ قال : يكون معه غيره يوفيه ذلك ».

ومن هنا قال المصنف كظاهر غيره وفيه تردد لكن لا ريب أن الأقوى الجواز للأصل ، فيكفي المغايرة الاعتبارية في القابض والمقبوض منه ، كما تقدم في تولي طرفي العقد ، ولأن‌ يعقوب بن شعيب (٣) سأل الصادق عليه‌السلام في الصحيح « عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب وتمر فبعث إليه بدنانير فيقول : اشتر بهذه واستوف منه الذي لك؟ فقال : لا بأس إذا ائتمنه ».

ومنه يعلم أن المراد بالخبرين الأولين الإرشاد إلى رفع التهمة ، ومن هنا جزم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب السلف الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب السلف الحديث ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٢ الحديث ١٨٠ الطبع الحديث.

١٧٣

الفاضل في بعض كتبه والشهيد ان والمحقق الثاني بصحة القبض له ، على أن إقباضه لا يزيد على إذنه وقد حصلت ، فهو كما لو أذن لغريمه في قبض مال مخصوص له ، عوضا عما له عليه.

بل الظاهر الصحة أيضا لو دفع له دراهم ، وقال : اشتر لي بها طعاما ، ثم اقبضه لنفسك ، وإن لم يقل اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك. بل صحيح شعيب (١) أدل علي صحة ذلك من الأول ، ولا يحتاج إلى أن يقبض أولا بنية أنه لذي الدراهم ، ثم بقبض بعد ذلك بل يكفى قبضه لما اشتراه إذا كان مشخصا بنية أنه وفاء عما له في ذمته ، وأقصاه أنه يكون استيفاء مما لم يقبضه بإذنه ، بل لو كان ما اشتراه كليا ، يمكن الإكتفاء بقبض الغريم عوضا عما له في ذمته ، عن القبض أولا بعنوان أنه لذي الدراهم ، وإطلاق الخبر المزبور شاهد عليه ، ولو دفع اليه دراهم وقال : خذها بدل الطعام جاز ، لأنه استيفاء من غير جنس ؛ بل لو قلنا أنه بيع للطعام على من هو عليه قبل قبضه جاز أيضا بناء على المختار من كراهة ذلك ، لكن عن المبسوط أنه لم يجز لأنه بيع المسلم فيه قبل قبضه ، وهو غير جائز ، وفيه أن الدفع بدله أعم من البيع ولو سلم فقد عرفت التحقيق.

ولو دفع اليه دراهم وقال : اشتر لنفسك لم يصح الشراء وحينئذ فـ ( لا يتعين له بالقبض ) بلا خلاف أجده فيه ، لامتناع الشراء بمال الغير لغيره ما دام على ملك الغير ولو باذنه ، اقتصارا على المتيقن من إطلاق أدلة البيع ، فيبقى أصالة عدم النقل بحالها ، إلا ان الانصاف عدم خلو ذلك عن البحث إن لم يكن إجماعا ، ولو علم بقرينة ـ إرادة قرض الدراهم من ذلك ، أو القضاء لما عليه من الطعام بجنس الدراهم أو الاستيفاء بعد الشراء والقبض له ، ويكون التعبير المزبور باعتبار ما يئول إليه ، أو لأنه السبب في هذا الشراء ـ خرج عن موضوع البحث. والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب السلف لكن عن الحلبي في ذيل حديث الأول.

١٧٤

المسألة الثالثة : لو كان المالان قرضا ، أو المال المحال به قرضا ، صح ذلك قطعا بل في التحرير قولا واحدا ، للأصل بعد انتفاء شرطي المنع في الأول الذي نفي الخلاف عن الصحة فيه في المحكي عن المبسوط والخلاف ، وانتفاء تحقق بيع ما لم يقبض في الثاني ، لكن لا وجه لتخصيص القرض بالمحال به ، كما في الكتاب والقواعد والتحرير ؛ بل متى كان أحدهما قرضا صح كما نص عليه في المبسوط والتذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك على ما حكى عن بعضها ، إذ التحقيق ان الحوالة ليست بيعا ، وربما وجه تخصيص ذلك بأن المحال يشبه المبيع ، من حيث تخيل كونه مقابلا بالاخر ، وفيه ان شبهه بالثمن أظهر لمكان الباء.

نعم قد يقال : ان الغرض : من التخصيص الرد على ما عن الشافعية في أحد الوجهين من عدم صحة الحوالة إذا كان المحال به قرضا ، بل ربما استظهر من التذكرة احتماله أيضا حيث انه حكاه ساكتا عليه. موجها له بأنه بيع سلم بدين. والأمر سهل بعد ما عرفت.

المسألة الرابعة : إذا قبض المشتري المبيع مثلا ( ثم ادعى نقصانه. فإن لم يحضر كيله ولا وزنه )فلا خلاف أجده إلا ما ستعرف ) (فـ ) ي أن القول قوله فيما وصل إليه مع يمينه ، إذا لم يكن للبائع بينة بل في الرياض قولا واحدا لأصالة عدم وصول حقه إليه ، السالمة عن معارضته ، الظاهر وغيره ، كما صرح به غير واحد فيكون منكرا ؛ والبائع مدع ، « والبينة على المدعي ، واليمين على من أنكر » (١) من غير فرق بين دعوى كثرة النقصان وقلته هنا ، واحتمال أن القول قول البائع بيمينه ـ إن ادعى المشتري نقصانا كثيرا لا يخفى مثله على القابض ، بخلاف القليل الذي يمكن خفائه ، نحو ما تسمعه من التحرير في صورة الحضور ناشأ من ملاحظة معارضة الظاهر ، للأصل في الأول ، بخلاف الثاني ـ يدفعه منع الظهور‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ٣.

١٧٥

مطلقا ، مع عدم الحضور أولا ، ومنع حجيته ـ بحيث يعارض الأصل ـ ثانيا ، ودعوى ـ أنه به يكون البائع منكرا ، بناء على أنه ما وافق الظاهر ، فيقدم حينئذ بيمينه يدفعها ـ مضافا إلى ما عرفت ـ منع تسليم كون المنكر ذلك ، بل القول بأنه ما وافق قوله الأصل أقوى منه.

نعم لو فرض قرائن تشهد بكذب المدعي على وجه يحصل العلم للحاكم ؛ لم تسمع دعواه لذلك ، كما لو ادعى قبض حقه بعنوان أنها وزنة وكان من أهل الخبرة هذا. ولكن قد يقال : إن الأقوى منهما إيكال المدعي والمنكر إلى العرف ، ولعل صدقه على ما لو ترك ، لترك أتم ، ولا ريب في أن المشتري هنا يصدق عليه ذلك ، فيكون مدعيا وعليه البينة ، وعلى البائع اليمين ، وقد يؤيده أصالة الصحة في دفع المسلم وقبضه ، إذ الفرض أنه قبض على أنه تمام الحق ، وصحة كل شي‌ء بحسبه ، ونحو ذلك بل أظهر منه ، لو ادعى المشتري عيب المقبوض.

ولذا حكي عن التذكرة أنه فصل فقال : « يقدم قول مدعي التمام ، إن اقتضى النقص بطلان العقد ، كالصرف بعد التفرق والسلم ، وإلا فمدعي النقص » واحتمله في الدروس ولعله لاندراج الأول في مدعى الصحة والفساد ، بخلاف الثاني وإن كان قد يناقش بمنع كون الأول كذلك ، بعد فرض عدم اعترافه بما يقتضي الحكم عليه بالصحة ، كما لو قال : قبضته بإخبار البائع أنه تام ، والفرض تسليم البائع ذلك ، فإن مجرد ذلك لا يقتضي الحكم عليه بصحة العقد المشترط فيه التقابض الذي مقتضى الأصل عدم حصوله ، وإن كان قد وقع العقد بمعنى الإيجاب والقبول ، إذ ذلك بمجرده لا يقتضي حصول الشرط المتأخر ، كما هو واضح ، خصوصا بعد ملاحظة نظائره مما يشترط في صحته القبض كالرهن والهبة ونحوهما ، ولعله لذا أطلق الأصحاب الحكم في المقام.

ولكن يرد عليه ما ذكرناه ، ويمكن دفعه بعدم قبضه بعنوان الإذعان بالتمامية ، على وجه يكون كالاعتراف ، بل المفروض أنه قبضه على إخبار البائع مثلا ،

١٧٦

ولعل فرق الأصحاب بين الحضور وعدمه لذلك ، على معنى ، أن الحاضر منفصل بعنوان وصول تمام حقه إليه ، على وجه يكون كالمعترف فعلا ، بخلاف غير الحاضر ولذا كان القول قول البائع مع الحضور والمشتري مع عدمه ، ولعل هذا تحقيق المسألة إن لم يكن إجماعا على غيره.

وكيف كان فمما ذكرنا ينقدح الوجه فيما ذكره غير واحد ، بل هو المشهور ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في الرياض نفى الخلاف ، وأنه هو الحجة من أنه إن كان المشتري قد حضر الكيل والوزن فالقول قول البائع مع يمينه ، والبينة على المشتري خصوصا مع اعتضاد قول البائع هنا بظهور الحضور ، في تمامية المقبوض ، واحتمال السهو والغلط ونحوهما لا ينافي الظهور المزبور ، بل قبضه مع حضوره ، بمنزلة اعترافه بتمامية الفعل ، فلا يسمع منه دعوى النقصان من دون ذكر وجه معتد به لما وقع منه ، نحو ما إذا وقع الاعتراف منه بذلك ، والأصل براءة ذمة البائع بعد حصول ذلك منه ، فيتفق حينئذ الأصل والظاهر ، والترك لو ترك في المقام ، ولا فرق في ذلك بين دعوى كثرة النقصان وقلته.

ولكن في التحرير وإن حضر فالقول البائع إن ادعى نقصانا كثيرا ، والوجه قبول قوله في قليل يمكن وقوعه في الكيل ، وكأنه لحظ عدم الظهور في الأخير ، بخلاف الأول ، وفيه منع ؛ مع أن العمدة ما عرفت ، ومنه يعلم أنه لا وجه لتوقف بعضهم في الحكم المزبور ، وأنه لا دليل على اعتبار الظهور ورجحانه على الأصل أولا ، ومنع الظهور ثانيا ، لاحتمال الغلط والسهو وغيرهما ، فان لم ينعقد إجماع كان الوجه تقديم قول المشتري على كل حال ؛ إذ قد عرفت أن الوجه ما ذكرناه ، ولا يرد مثله في الأول ، لأن المفروض عدم حضوره ، بل كان قبضه مبنيا على إخبار البائع ، بل لو اعترف كان المراد من اعترافه البناء على ظاهر الإخبار. هذا كله إذا أبرز الدعوى بما ذكرنا.

أما لو ادعى المشتري عدم قبض جميع حقه كان القول قوله وإن كان حاضرا ،

١٧٧

للأصل السالم عن معارضة غيره ؛ وحضوره أعم من قبض جميع حقه كما هو واضح ، وهذه من الحيل التي يترتب عليها الحكم الشرعي الذي هو مبني على القواعد الظاهرة ، والظاهر اتحاد الحكم المزبور في المعدود ، ولو مزروعا كالمكيل والموزون وان اقتصر بعضهم على الثاني ، وحضور الوكيل كحضور الموكل في وجه ، وكذا حضوره الكيل لغيره ، خصوصا إذا كان هو المباشر له ، وإن كان ظاهر بعض العبارات حضور الكيل للنفس ، والمدار في الظاهر الذي يترتب عليه الحكم هو ما كان متحققا في غالب الأفراد ، لا ما اتفق باعتبار فرد خاص قد انضمت إليه بعض القرائن الحالية أو المقالية. فتأمل جيدا. والله أعلم.

المسألة الخامسة : إذا أسلفه في طعام بالعراق مثلا وقلنا بانصراف إطلاق العقد إلى بلده ثم طالبه بالمدينة مثلا لم يجب عليه دفعه بلا خلاف أجده فيه ، للأصل ، وكون الانصراف كالشرط الذي قد جعل الله المؤمن عنده (١) من غير فرق بين تساوى القيمة وتفاوتها ، كما أنه لو دفعه إليه لم يجب على ذي الحق قبوله لذلك أيضا نعم لو تراضيا عليه لا بأس به قطعا وأما لو طالبه بقيمته قيل والقائل الشيخ وجماعة لم يجز لأن دفعها عوضا ع نه من بيع الطعام على من هو عليه قبل قبضه وقد عرفت أن مذهبهم فيه الحرمة ، بل البطلان وفيه أولا أن المتجه على ما قلناه نحن هناك أنه يكره هنا ، وثانيا منع كون ذلك منه ، إذ هو وفاء للحق بغير جنسه ، لا بيع ، وأقصى ما يسلم أنه معاوضة أعم من البيع ، على أن‌ ابن فضال (٢) قد كتب إلى أبى الحسن عليه‌السلام « في الرجل يسلفني في الطعام ، يجي‌ء الوقت وليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته دراهم؟ قال : نعم » وأرسل ابن أبان (٣) عن بعض أصحابنا « عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل ، فيحل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ٥ لكن عن ابان بن عثمان مع اختلاف يسير.

١٧٨

الطعام ، فيقول : ليس عندي طعام ، ولكن انظر ما قيمته فخذ منى؟ قال : لا بأس بذلك ».

ولا ينافيهما‌ صحيح العيص بن القاسم (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة ، حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ، ووجد عنده دوابا ورقيقا ومتاعا أيحل له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال : نعم يسمى كذا وكذا ، بكذا وكذا صاعا » إذ المراد منه أنه حيث كانت القيمة عروضا ، لا دراهم ؛ فلا بد من تشخيصها في مقابلة الطلب الذي له ، ليحصل بذلك استيفاء حقه ، فلا ينبغي التوقف حينئذ في الجواز مع التراضي.

إنما البحث في أن له حينئذ جبره على القيمة في بلد السلم؟ المشهور نقلا العدم للأصل ، ولأن القيمة فرع استحقاق ذيها ، لأنها لم يجر عليها عقد ، ولا دل دليل على استحقاقها ، وعن التذكرة أن له ذلك لأن الطعام الذي يلزم دفعه معدوم ، فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه ، وفيه منع ظاهر ، ولأن الطعام قد حل ، والتقصير من المسلم إليه ، حيث أنه لم يحضره في مكان التسليم عند الحلول ، ولا مانع من التسليم إلا كونه ليس في مكان التسليم الذي هو حق عليه ، فإذا أسقطنا حق المسلم من المطالبة بالطعام ، ارتفاقا بحال المسلم إليه ، انتقل حق المسلم له إلى القيمة في مكان التسليم ، جمعا بين الحقين ، وفيه أن الحلول أعم من ذلك ، والتقصير مع إمكان فرض عدمه ، هو أعم منه أيضا ولا تعارض بين الحقين ، حتى يجمع بينهما بذلك ؛ على أن الله قد جمع بينهما « بأن‌ المؤمنين عند شروطهم » (٢) قال : « ولأن فيه من الضرر ما لا يخفى إن لم يكن له ذلك ، إذ ربما لا يريد العود الى بلد السلف وربما احتاج في عوده إلى أضعاف السلم ، وربما كان المسلم إليه لا يوثق بعوده إليه والظفر به هناك ، بل ربما يكون هرب من السلف ، فيكون منعه من مطالبته مفضيا إلى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

١٧٩

ذهاب حقه أبدا ، وطريقا إلى مدافعة الغريم عن الحق الحال عليه » وفيه أن الضرر لا يدفع بالضرر ؛ على أنه يمكن فرضه خاليا عن ذلك كله ، ولا نقول أنه ليس له مطالبته أصلا ، بل له المطالبة في المدينة بإلزامه بالتأدية في العراق ، والاحتمالات المزبورة بعد أن كانت اتفاقية الحصول ، اتجه الرجوع فيها بعد ثبوتها إلى الحاكم ليلزمه بوجه تخلو عنه.

ومن ذلك يعلم ما في جامع المقاصد من أن التحقيق أن يقال : له المطالبة بالطعام مع المساواة لبلد السلم أو النقصان ، وإلا فله المطالبة بقيمة بلد السلم ، لتعذر المثل ، بل قال : ولو أتاه برهن أو ضمين وتهيأ للمسير معه مع أول رفقة ، فالظاهر عدم وجوب الصبر ، لما فيه من الضرر وتأخير الدين الحال ، إذ لا يخفى أن المساواة أو النقصان ، لا تسوغ له المطالبة في غير البلد الذي انصرف اليه العقد الذي بمنزلة الشرط ، على أن المسلم إليه قد يكون تحصيل عين الحق في تلك البلد سهلا عليه ، بخلاف غيره ، كما أن حلول الدين لا يسوغ خلاف الشرط ، والفرض انصراف العقد إلى البلد المخصوص ، بل لو قلنا أنه يجب عليه في ذلك اليوم التسليم في العراق ، وهو متعذر فالمتجه فيه السقوط ، لقبح التكليف بما لا يطاق ، ومنع خطاب الوضع وهو ثبوت لا أنه ينتقل إلى القيمة قياسا على تقدير المسلم فيه في بلد السلم ، بعد بطلان القياس عندنا ، والله أعلم.

ولو فرض أنه كان ما في الذمة من الطعام مثلا قرضا في العراق لا سلما جاز أخذ العوض أي القيمة بسعر العراق قولا واحدا ، لعدم كونه بيعا لما اشتراه قبل القبض. إنما الكلام في أن له المطالبة بالمثل؟ الأظهر العدم ، وفاقا للفاضل وثاني الشهيدين ، للأصل بعد انصراف عقد القرض إلى بلده فليس له المطالبة بالأداء في غيره ، كما أنه لو دفع إليه فيه ، لم يجب قبوله ، فإذا لم يكن له ذلك ، لم يكن له‌

١٨٠