جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الحقوق المالية بزيادة فيها لأنه ربا محرم كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا ، فلا يجوز سواء وقع على جهة البيع ، أو الصلح ، أو الجعالة ، أو غيرها ، ولو اشترط في عقد آخر فسد وأفسد ، إذ هو لا يحلل الحرام.

نعم لا بأس بجعل الزيادة المبذولة في ثمن مبيع آخر ، لا في مقابلها ، مع اشتراط التأخير في الدين الحال إلى الأجل المسمى ، كما صرحت به النصوص والفتاوى‌ قال محمد بن إسحاق بن عمار (٣) للرضا عليه‌السلام : « الرجل يكون له المال ، فدخل على صاحبه ، يبيعه لؤلؤة بألف درهم ، تساوى ماءة درهم ويؤخر عليه المال إلى وقت؟ فأجابه لا بأس قد أمرني أبي ففعلت ذلك » وقال لأبي الحسن عليه‌السلام (٤) : « يكون لي على الرجل دراهم ، فيقول : أخرني بها وأنا أربحك ، فأبيعه جبة تقوم على بألف درهم ، بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرين ألف وأؤخره بالمال؟ قال : لا بأس » وقال عبد الملك (٥) : « سألته عن الرجل أريد أن أعينه المال ويكون لي عليه مال قبل ذلك ، فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي لي عليه ، أيستقيم أن أزيده مالا وأبيعه لؤلؤة ، تساوي ماءة درهم بألف درهم ، فأقول أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخر بثمنها وبمالي عليك بكذا وكذا شهرا؟ فقال : لا بأس » إلى غير ذلك مما هو صريح في الجواز على الوجه المزبور وظاهر في عدمه مع جعل الزيادة في مقابل التأخير ، ولا يقدح في ذلك كونها حيلة للتخلص من الربا ، بعد أن وردت بها النصوص وأفتى به الأصحاب ، بل هي على مقتضى الضوابط الشرعية ، ونعم الحيلة ، ما يفر بها من الباطل إلى الحق.

وكذا يجوز تعجيلها أى سائر الحقوق المالية المؤجلة بنقصان منها‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٨٨.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الربا.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ٩ من أبواب أحكام العقود الحديث ٥.

١٢١

بلا خلاف أجده فيه على جهة الصلح ، وهو المسمى بالحطيطة أو الإبراء من كل منهما ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ مرسل أبان (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين ، فيقول له قبل أن يحل الأجل : عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أيحل ذلك لو احد منهما؟ قال : نعم » وقال ابن أبى عمير (٢) : « سئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى ، فيأتيه غريمه ، فيقول له : انقدني كذا وكذا ، وأضع عنك بقيته ، أو يقول : انقدنى بعضه وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك؟ فقال : لا ارى به بأسا ، إنه لم يزد على رأس ماله ، قال الله جل ثنائه (٣) ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )‌ ونحوه صحيح محمد بن مسلم (٤) ومنهما يعلم جواز الصلح عن التأخير بغير الزيادة ، لعدم تحقق الربا فيه هنا. فتأمل جيدا وستسمع في باب القرض تمام البحث في هذا المسألة. إنشاء الله تعالى والله أعلم.

ومن ابتاع شيئا بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة أي بالزيادة على رأس المال بما يتراضيان به ، كما أن التولية ، البيع بما يساويه ، والوضيعة بالأنقص ، والمساومة بما يقع الرضا به من غير اعتبار لرأس المال ، والواجب في الأول الإخبار بقدر الثمن وجنسه ووصفه ، فمع فرض أنه مؤجل فليذكر الأجل لأن له قسطا من الثمن فإن باع حالا أو إلى أجل دون أجله ولم يذكره صح البيع بلا خلاف ، بل الإجماع بقسيمه عليه للعموم وخصوص النصوص (٥) ووجود المقتضى ، مع عدم ما يصلح للمانعية ، سوى التدليس المزبور الذي هو كالداعي إلى تعلق الرضا والقصد إلى البيع المخصوص.

نعم كان المشتري بالخيار بين رده ، وإمساكه بما وقع عليه العقد للتدليس ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب الصلح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب الصلح الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٨.

(٤) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب الدين الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب أحكام العقود.

١٢٢

ولفوات ما هو كالشرط والوصف ، ولحديث الضرار (١) المنجبر هنا بفتوى كثير ، بل في تعليق الإرشاد الأكثر ، بل في الرياض أنه الأشهر بين الطائفة ، سيما متأخريهم بل ظاهرهم الاتفاق عليه كافة ، إلا من الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة ، بل في موضع آخر منه أنه المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا من متأخري الطائفة ، مع رجوع الشيخ في الخلاف والمبسوط عما في النهاية مؤيدا ذلك كله بثبوته فيما هو مثله في المعنى ، من الكذب والخطاء بمقدار الثمن من غير خلاف يعرف فيه بينهم الا من المحكي عن الإسكافي ، فله الأخذ بحط الزيادة وربحها والمبسوط حيث يظهر غلطه وعن الخلاف أنه قواه مع أنه لا دلالة في كلام الإسكافي على سقوط الخيار ، ولعله يثبته له مع ذلك.

ولكن المروي هنا أنه يصح البيع ويكون للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع ففي صحيح هشام (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يشترى المتاع إلى أجل فقال : ليس له ان يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه فان باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل : مثل ذلك » وخبر أبى محمد الوابشى (٣) الذي لا تقدح جهالته بعد ان كان الراوي عنه ابن محبوب في وجه في معقد الإجماع على تصحيح ما يصح عنه قال : « سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير إلى سنة ، ثم باعه من رجل آخر مرابحة ، إله أن يأخذ منه ثمنه حالا والربح؟ قال : ليس عليه إلا مثل الذي اشترى ، إن كان نقد شيئا فله مثل ما نقد ، وإن لم يكن نقد شيئا فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه »

وخبر ميسر بياع الزطي (٤) الذي هو كالصحيح في الوجه المزبور ، لأن في السند صفوان قال لأبي عبد الله عليه‌السلام. « إنا نشتري المتاع بنظرة ، فيجي‌ء الرجل ، فيقول :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٤.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٢٣

بكم يقوم عليكم ؛ فأقول : بكذا وكذا فأبيعه بربح؟ فقال : إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل مالك قال : فاسترجعت وقلت : هلكنا » الحديث والمراد منه بقرينة الخبرين السابقين ، أنه إذا باعه مرابحة ولم يذكر الأجل ، لا أن المراد بيان وجوب الاخبار خاصة فهو واضح الدلالة كالسابقين.

وأما السند فقد عرفت حاله في جميعها فالعمل بها متجه خصوصا بعد ان لم تكن مهجورة ، بل عمل بها الإسكافي والشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة ، والمحدث البحراني على ما حكي عن بعضهم ، ومال إليه الأردبيلي ، أو قال به في المحكي عنه ، ولم يعلم حال من لم يتعرض لذلك منهم ، كالصدوق والمفيد ، وأبى يعلى ، وعلم الهدى والراوندي على ما قيل ، وعن صاحب الرموز التوقف ، كالشهيد في غاية المراد ، وظاهر الدروس والمحقق الثاني في تعليق الإرشاد ، بل قيل أن التوقف ظاهر شرح الإرشاد لفخر الإسلام. والتنقيح والمقتصر ، والتوقف من جهتها ، كالعمل بها في الخروج عن الشذوذ والهجر ، بل عمل بها في المختلف في الجملة قال بعد ان ذكرها دليلا للشيخ. « والجواب انها محمولة على ما إذا باعه بمثل ما اشتراه وأخفى عنه النسيئة ولم يشترط النقد ، فإنه والحال هذه ، يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع على إشكال ».

وإن كان قد يناقش فيه بأنه ـ مع كونه إحداث قول في المسألة ـ لا فرق في ظاهرها بين التصريح بالنقد وعدمه ، بعد أن كان الإطلاق منصرفا إليه ، خصوصا بعد ما عرفت من تصريحهم بأنه مؤكد ، على أن الظاهر اتحاد محل النزاع في كلام الأصحاب مع مضمون النصوص ، والظاهر أن مراد المختلف بقوله باعه بمثل ما أشتريه ، التصريح بتعيين الثمن ، وأنه هو الذي اشتراه به وأخفى النسيئة ، لا أنه عقد البيع كذلك ، ضرورة بطلانه حينئذ ، فضلا أن يكون له من الأجل مثله.

لكن في حاشية الإرشاد للكركي « ظاهر الاخبار يقتضي ثبوت مثل الأجل ؛

١٢٤

لكن ليس فيها تصريح بكون البائع عين الثمن وأهمل الأجل ، أو باع بمثل ما اشتراه ولم يعين شيئا ، والمصنف في المختلف حمل الروايات على المعنى الثاني وأشكله ، وأكثر الأصحاب على أنه يلزم المشتري الثمن حالا » ثم قال : « وأقول : إذا عين البائع الثمن وأهمل ذكر الأجل وجرى العقد على ذلك ينبغي الجزم بالصحة من غير أجل إذ ليس في الاخبار ولا غيرها ما ينافي ذلك ، غاية ما في الباب ثبوت الخيار للمشترى للتدليس ، فإن للأجل قسطا من الثمن ، وإذا باع بمثل ما اشتراه ولم يعين شيئا وكان مؤجلا استحق مثل الأجل إن صححنا البيع ، وهذه مدلول الروايات ، لكن نحن في صحته من المتوقفين ؛ لما فيه من الغرر » وهو كما ترى ، بل الخبر الثالث كالصريح في خلافه.

وكيف كان فالعمل بالنصوص متوجه ، سيما مع عدم شدة مخالفتها للقواعد ، إذ ليس إلا اقتضاء إطلاق العقد الحلول وقد يمنع في مثل المقام ، المبنى على البيع مرابحة ؛ بل لو صرح فيه بذلك ، بزعم أن رأس المال كذلك أمكن عدم الالتفات اليه.

نعم يمكن القول بثبوت الخيار مع ذلك ، إن لم ينعقد الإجماع على خلافه إذ ربما يكون مقصوده الشراء حالا ، لعدم المنافاة بينها وبين ما دل عليه ، والظاهر إرادة ثبوت مقدار أجل البائع للمشتري من النصوص المزبورة ، لا ما بقي من أجل البائع ، إذ قد يبيعه بعد حلول أجله عليه ، كما أن الظاهر مساواة هذا الأجل للأجل المذكور في العقد في جميع الأحكام المذكورة ، من الحلول بالموت ، وعدم وجوب القبض على البائع ، لو دفعه إليه المشتري قبل الحلول ونحو ذلك ، ولا يسقط هذا الخيار بناء عليه ببذل البائع الأجل ، ولا بتلف المبيع من المشتري ، ولا بتصرفه فيه قبل العلم به ، بل يفسخ ويرد القيمة أو المثل نحو ما سمعته في خيار الغبن ، وفي القواعد النظر في السقوط بالأخيرين وقد مر في الغبن وفي بحث تلف المبيع مدة الخيار ما يعلم منه الحال هنا ، فلا نعيده فلاحظ وتأمل.

ولو باعه وضيعة أو تولية ولم يخبره ففي تعدية المبحث المزبور قوة كالقوة‌

١٢٥

فيما لو باعه مؤجلا دون الأجل الذي اشترى به ، ولو باعه مؤجلا مرابحة بمقداره لكن لا على أن رأس المال كذلك ، ففي تسلط المشتري على الخيار وجه أيضا والله اعلم.

( النظر الثاني )

من الستة فيما يدخل في المبيع والمعروف بينهم أن الضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ. لغة أو عرفا لكن قال ثاني الشهيدين منهم : « المراد بالعرف ما يشمل الخاص الذي منه الشرعي ، بل هو مقدم عليهما إذا لم تتفق ، ثم العرفي ، ثم اللغوي » وتبعه في الحدائق ، فقال « إن الأظهر أن يقال إن الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية إن وجدت ، وإلا فعلى عرفهم عليهم‌السلام ، لانه يقدم على عرف الناس ، وإلا فعلى ما هو المتعارف في ألسن المخاطبين ، والمتبادر في محاوراتهم ، وإن اختلفت في ذلك الأصقاع والبلدان ، ثم مع تعذر ذلك فاللغة ، وربما قدم بعضهم اللغة على العرف ».

وهو من غرائب الكلام ، إذ فيه ما لا يخفى إذا أراد تقديم الشرعي على العرف الخاص للمتعاقدين ، ضرورة تبعية عقد هما لقصدهما ، بل لو قصدا غيره مع الجهل به بطل ولو الشرعي ، نعم لو علماه وقصداه صح وإن كان غير عرفهما ، من غير فرق بين الشرعي والعرفي ، بل وفيه أيضا فيما إذا لم يكن لهما عرف خاص ، بل كان للعرف العام الشامل لهما معنى مغاير للشرعي ـ أن الظاهر إرادة ذلك من لفظهما ، لا الحقيقة الشرعية التي يحمل عليها لفظ الشارع ومن تبعه في الاستعمال ، وبعض‌

١٢٦

النصوص الواردة في بعض الألفاظ في النذور الوقف والوصية ، مع أنها وأرده في موارد خاصة ، بل قيل إنها في الألفاظ التي لم يعلم لها معان معينة في العرف واللغة ، وإنما هي مجملة ، أو مبهمة غير متفق عليها بين الطائفة في موردها ، فضلا عن غيره ، والبحث في تقديم العرفية على اللغوية ، أو العكس إنما هو في الاستعمال الذي لم يعلم حصوله قبل هجر اللغة أو بعده ، لا في مثل المقام الذي فرض ذلك فيه نادر. وظني أن الاشتباه نشأ من ذكر هذا الترتيب في الألفاظ الواردة في خطاب الشارع فزعموا أن المقام مثله والفرق بينهما في غاية الوضوح.

نعم قد يقال : بتقدم الحكم الشرعي على ما هو مقتضى العرف كما تسمعه في دخول ثمرة النخل قبل التأبير في ملك المشتري وإن لم يكن هو على مقتضى العرف ، بل وإن كان العرف على خلافه ، وهو ـ مع أن فيه من الإشكال ما تسمعه ـ غير محل البحث لكن قد يريده الشهيد أو نحوه مما لا يكون به مخالفا.

ثم ينبغي أن يعلم أن ما يدخل في المبيع قد يكون من جهة تناول اللفظ ، وقد يكون من جهة غيره ، وكلام معظم الأصحاب هنا في بيان الأول ، وإن شمل بعض كلماتهم ولو من حيث تعلق البيع التوابع في المبيع التي يقطع بعدم تناول لفظ المبيع لها ، كطريق الدار ، وثياب العبد ، إلا أن الأمر سهل. بعد أن كان المرجع في حكم التبعية الشرع ، أو العرف إذ الفرض عدم ذكر ما يدل عليها في العقد الناقل ، وقد لا تكون حاضرة في ذهن المتعاقدين ، ودعوى أن الدلالة التزامية ، يدفعها منع اللزوم بينها ، وبين متعلق البيع مع أن المحكي عن قطب الدين الرازي ، أن المراد بتناول اللفظ بالدلالة المطابقية والتضمنية لا الالتزامية. فلا يدخل الحائط لو باع السقف واستحسنه في المسالك.

لكن في الحدائق بعد أن حكى ما سمعت عن القطب ، حكى عن الأردبيلي أن المراد بالمعاني ما يفهم منها بحسب التخاطب إرادة اللافظ ذلك مطابقا ، أو تضمنا ، أو‌

١٢٧

التزاما ، ثم قال : « وهو الأظهر بالنظر إلى ما قد منا نقله عنهم من الحوالة على العرف ، قلت : الدلالة الالتزامية المصطلحة هي الانتقال من اللفظ الدال على الملزوم إلى اللازم ، بواسطة اللزوم بينهما عقلا أو عرفا ، أراده اللافظ أو لم يرده ، فتعليق صيغة البيع باللفظ الدال على الأول ، لا يقتضي إرادة نقل الثاني قطعا ، وإن دل عليه اى صار سببا لحضوره في ذهن السامع عند ذكر الدال على الملزوم ، وبينهما بون بعيد ، وفرضه لازما للإرادة بمعنى إن قصد نقل أحدهما يلزمه قصد نقل الأخر في الدلالة الالتزامية المصطلحة يمكن منع تصوره ، فلم يبق في مثل التوابع المزبورة إلا التبعية شرعا أو عرفا ، لنقل ذلك المبيع ، لا أنه قصد بالعقد نقلها ، وأنه هو الذي أثر انتقالها كالمتبوع ، وحيث كان الناقل في الفرض لفظ صيغة البيع ، أمكن اندراجه حينئذ في الضابط المزبور بهذا الاعتبار ، بناء على إرادة ما يشمل ذلك من اللفظ فيه ، وإلا فهي تابعة للنقل ، ولو كان بالفعل بناء على حصوله بالمعاطاة ، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

ثم إن الظاهر كون محل البحث في اللفظ الذي صار موردا للعقد حال غفلة المتعاقدين عما شك في دخوله فيه ، وعما اختلف فيه ، إذ مع تنبههما لذلك ولم يتعرضا للدخول والخروج ، ولا كان العرف عندهما منقحا ، يقوى بطلان البيع للجهالة ، إذ إناطة البيع بمعنى اللفظ ؛ مع فرض عدم معرفته لا ريب في كونه منها ، بخلاف ما إذا كانا غافلين واكتفيا في علم المبيع بمعظم أجزائه ، ولم يتنبها لاستحضار تمامها ، فإن الصحة فيه واضحة ويتجه حينئذ نزاعهما في دخول بعض الأشياء وخروجها ، والمرافعة للحاكم ، فيحكم بينهما بحسب ما يراه من الدخول والخروج ولو من جهة الشك ، وقد يقال : بالصحة في الأول أيضا ، بناء على عدم قدح مثل هذه الجهالة في أمثال ذلك في الصحة بعد ان كان معظم المراد من اللفظ معلوما ، فتأمل جيدا.

كما أنه يمكن القول بالبطلان فيهما ، هذا كله مع الجهل في أجزاء مسمى مورد العقد ، أما الجهل بالتوابع فغير قادح ، إذ قد عرفت أن مرجعها إلى الشرع ، لا إلى‌

١٢٨

ألفاظ المتعاملين ، والمسألة غير منقحة في كلام الأصحاب ، وظن المجتهد الذي يترافعان إليه في الدخول والخروج كاف ، لأنه من ظن الموضوع ، بل لا يبعد الاكتفاء به في ظن التبعية.

وكيف كان فقد تعارف بين الأصحاب البحث في ألفاظ مخصوصة لكثرة دورانها ، فمنها لفظ البستان والباغ فمن باع بستانا دخل فيه الشجر والنخل والأرض بلا خلاف ولا إشكال ، من غير فرق بين ما قصد منه الثمر من الشجر وغيره ، بل الظاهر دخول الميت من النخل فيها ، إذا لم تكن مقطوعة ، فضلا عن المشرف ، وكذا الشجر على إشكال فيه ، والسعف اليابس في النخلة ، والأغصان اليابسة في الشجرة ، لكن في القواعد « لا يدخل الغصن اليابس ، ولا السعف اليابس على إشكال ، وفي ورق التوت نظر » إلا أن ضعفه واضح ، والقطع عادة لا يخرجه عن الجزئية.

وأما الأبنية فلا ريب في دخول سورها فيه كما نص عليه في جامع المقاصد ومحكي التذكرة ، وكذا غيره مما يعد من توابعها ومرافقها ، ويدخل في نحو إطلاق باع فلان بستانه ، ولكن في القواعد الإشكال فيه وفي المسالك وجهان ، من ذلك ، ومن عدم دخوله في مسماه لغة ، ولذا يسمى بستانا وإن لم يكن فيه بناء ، بخلاف ما إذا لم يكن فيه شجر ، فتنتفي دلالة المطابقة والتضمن ، وأما انتفاء دلالة الالتزام فلعدم كونه لازما بحيث يلزم من تصوره تصوره ، وفيه أنه يمكن كونه جزء من الفرد المبيع ، لا من مفهوم البستان الصادق مع عدمه ، كصدقه مع قطع بعض الأشجار منه ، ولعل الأقوى : الرجوع فيه إلى العادة المختلفة باختلاف الأمكنة ، وأوضاع البناء وغيرهما ، وإليه أومى في الدروس بقوله يدخل فيه الجدار والبناء الذي جرت العادة بكونه فيه دون غيره ، لكن في التذكرة « عندنا لا يدخل » ولا ريب في تبعية المجاز ، لأنه من ضرورات الانتفاع بها ، بل والشرب أيضا لذلك ، كما جزم به في الدروس وجامع المقاصد ، لكن في القواعد والتذكرة الإشكال فيهما ،

١٢٩

ولا وجه معتد به للأول ، بل والثاني مع الانحصار ، لامتناع الانتفاع المطلوب من البستان بدونه كما هو واضح.

واحتمال كون الإشكال من حيث المفهوم ـ وإن كان داخلا بوجه آخر ـ فيه ما لا يخفى ، كاحتمال كونه مع التمكن من مجاز وشرب أعزلها ، وكذا يتبعها العريش الذي يوضع عليه الغضبان إذا كان ثابتا دائما أو غالبا ، دون المنقول دائما أو غالبا ، مع أن في الدروس وجها في الدخول ، وأطلق في القواعد الدخول على إشكال ، كإطلاقه في التذكرة أن الأقرب عدم الدخول ، وليس لفظ الكرم كالبستان قطعا ، خلافا للمحكي في التذكرة عن الشافعية قال : وليس جيدا ، فإن العادة والعرف والاستعمال يقتضي عدم دخول الحائط في مسمى الكرم ، ودخوله في البستان ، وفي المسالك أن المرجع في دخول الأرض والعريش والطريق والشرب والبناء ، لو باعه بلفظ الكرم العرف ، فإن أفاد دخولها في مسماه دخل ، وإلا فلا ، ولو أفاد دخول بعضها خاصة اختص به وكذا القول في باقي الأشجار الثابتة معه ، ومع الشك في تناول العرف لها لا تدخل. وأوضح من ذلك ما في الدروس « ولو باعه بلفظ الكرم تناول العنب لا غير إلا مع القرينة ».

ومنها الدار التي أشار إليها المصنف بقوله وكذا من باع دارا دخل فيها الأرض والأبنية الأعلى والأسفل بلا خلاف ولا إشكال إلا أن يكون الأعلى مستقلا بما تشهد العادة بخروجه مثل أن يكون مساكن منفردة لها طريق مخصوص ونحوه ، كما في بعض البلدان ، والظاهر اشتراك السقف حينئذ بينهما ، وعليه يحمل إطلاق‌ المكاتبة الصحيحة (١) « في رجل اشترى من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه ، وفوقه بيت آخر ، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع عليه‌السلام ليس له إلا ما اشتراه باسمه وموضعه إنشاء الله » مع أنها في البيت لا في الدار.

وكذا لا خلاف ولا إشكال في أنه تدخل الأبواب المنصوبة ، والحلق ، والمغالق ، والسلاسل ، والعتبات والأغلاق المنصوبة عليها في بيع الدار وإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٣٠

لم يسمها بل الظاهر دخولها فيها لا في بيعها خاصة ، كما هو ظاهر العبارة وكذا الأخشاب المستدخلة في البناء بل والأوتاد المثبتة فيه ، والسلم المثبت في الأبنية على حذو الدرج بل والحمام المعد لها والحوض والخوابي المثبتة في الأرض والحيطان بحيث تصير من أجزائها وتوابعها ، خلافا للفاضل في التذكرة كما حكاه في المسالك ، فنفى دخول السلالم المسمرة ، والرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير سمر ، والأوتاد المثبتة ، لخروجها عن اسم الدار ، وفي أكثر كتبه كما حكاه في المسالك أيضا الخوابي مطلقا ، وقد يحمل على ما لا تعد من أجزائها.

قال في التذكرة : « ما أثبت في الدار لا على وجه الدوام والبقاء فيها كالرفوف والدنان والإجانات المثبتة والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة في الأرض والجدران والتحتاني من حجري الرحا ، وخشب القصار ومعجن الخباز ، الأقرب عدم دخوله ، لأنها ليست من أجزاء الدار ، وإنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا يتزعزع ويتحرك عند الاستعمال » وقال في الدروس : « لا يدخل فيها ما بها من آلة ولو كانت مدفونة » ثم بعد أن حكى عن الشيخ دخولها ، لأنها كالخزائن قال : « نعم لو كانت الخابية مثبتة في الجدران ، قرب دخولها » وفي المسالك « لو كان السلم غير مثبت لم يدخل قطعا » قلت : قد يناقش فيه على إطلاقه.

وكيف كان فلا يدخل فيها الكنوز المذخورة ، والأحجار المدفونة ، وما ليس بمتصل كالفرش ، والستور ، والحبل ، والدلو ، والبكرة ، والقفل ، ونحو ذلك ، ويقوى دخول ألواح الدكاكين ، كما في المسالك ، واستشكل فيه في القواعد ، وفي التذكرة « أن الأقرب الدخول ، لأنها أبواب لها ؛ فأشبه الباب المثبت ، ويحتمل عدم الدخول ، لأنها تنقل وتحول فكانت كالفرش » قلت : لا ريب في دخول الألواح التي هي أبواب لها وإن لم تكن ثابتة لسهولة الارتفاق بسعة الباب ، أما الألواح المسماة بالخوان ، في عرفنا ، فالظاهر عدم الدخول ، لأنها من الآلات فتأمل جيدا.

١٣١

وفي دخول المفاتيح للأغلاق المنصوبة تردد ، ودخولها أشبه لأنها من التوابع للأغلاق التي عرفت دخولها ولا تدخل الرحى المنصوبة قطعا إلا مع الشرط خلافا للمحكي عن المبسوط ، وضعفه واضح ، وإثباتها لسهولة الانتفاع بها ، لا لإدخالها في الدار ، ويدخل في بيع الدار المجاز ، ولو قال بحقوقها وتعدد دخل الجميع ، ولو لم يقل ، ففي القواعد إشكال ، قال : « فإن قلنا بدخول الجميع فلا بحث ، وإلا وجب التعيين » وكذا يدخل فيه البئر ، بل والماء الذي فيه ، كما نص عليه في التذكرة ولا تقدح جهالته بعد أن كان من التوابع ، خلافا للمحكي عن المبسوط ، فلم يدخله لان له مادة مجهولة تمنع من صحة بيعه ، فتمنع من دخوله ، وتبعه القاضي كما في الدروس والله أعلم.

ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في الدار ولا في المبيع بلا خلاف كما عن التنقيح الاعتراف به في بيع الأرض التي هي كالدار في ذلك ؛ وفي التذكرة « لو كان وسطها أشجار لم تدخل عندنا » فإن قال بحقوقها قيل والقائل الشيخ كما في المسالك يدخل بل فيها أنه يفهم منه الدخول وإن لم يقل بحقوقها ، محتجا بأنه من حقوقها ، وفي الدروس عن المبسوط دخول الشجر والنخل في بيع الدار ، وضعفه المصنف فقال : ولا أرى هذا شيئا ، بل لو قال وما دار عليه حائطها أو ما شاكله ، لزم دخوله ، والذي حكاه الفاضل وغيره عن الشيخ ، الدخول في بيع الأرض إذا قال ذلك ، لا الدار ، بل قيل إنه وافقه عليه القاضي وابن حمزة وابن زهرة اللهم إلا أن لا يفرق بينهما.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف الدخول ، سيما مع كونه على خلاف الأصل ، ودعوى كونه من الحقوق ممنوعة في الغالب ؛ بل لو فرض ذلك في بعض الأشجار والزرع المقصود منها نزهة الدار وحسنها كان خارجا عن محل النزاع ، ويكون من قبيل الدخول بالقرائن ، بل لا يحتاج فيه إلى التصريح بالحقوق.

ومكاتبة الصفار (١) في الصحيح إلى أبى محمد عليه‌السلام « في رجل اشترى من رجل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٣٢

أرضا بحدودها الأربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها ؛ والخارجة منها ، أيدخل النخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع عليه‌السلام ، إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها ، فله جميع ما فيها إنشاء الله » أوضح دلالة على العدم منها على الدخول ، من حيث تعليق الدخول فيها على ذكر ما أغلق عليه بابها ، الدال بالمفهوم على العدم ، مع عدم ذكره ، والمنطوق لا خلاف فيه نقلا وتحصيلا لدلالة العرف.

وإذا استثنى نخلة مثلا فله الممر إليها والمخرج منها ومدى جرائدها وعروقها من الأرض وليس للمشترى منع شي‌ء من ذلك ، لانه من حقوقها التابعة لها ، كما أنه للبائع ذلك لو انعكس الأمر.

نعم لا يدخل نفس الأرض في بيع النخل أو الشجر ، للأصل ، لكن يستحق من منفعتها ما يتوقف الانتفاع بالشجرة وثمرتها من الحرث والسقي وجمع الثمرة ونحو ذلك من حقوقها. قال الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجل باع نخلا واستثنى نخلة ، بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها » كخبر عقبة بن خالد (٢) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى في هرائر النخل ان تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط آخر ، فيختلفون في حقوق ذلك ، فقضى أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين يعدها ».

ولعل الأصل في الخبر حريم النخل ، ثم اعتراه التصحيف ، وعلى كل حال فالمراد واضح ؛ وليس أنه يملك مقدار ذلك من الأرض ، بل المراد كون ذلك من الحقوق ؛ فليس للمالك حينئذ أن يثنى الجرائد ، أو يقطع العروق ، بل ليس له العمل في الأرض بما يضر بالعروق ، أو النخلة ، أما إذا لم يضر فالظاهر جوازه ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام إحياء الموات الحديث ١.

١٣٣

المسالك « أن في الجواز احتمالا وجيها ، لانه مالك الأرض ، وإنما استحق مالك الشجرة ما يحتاج إليه بطريق الاستتباع لتوقف الانتفاع عليه ، لا الملك ، فيقتصر فيه على موضع اليقين » ثم قال : « وكذا لا يجوز لمالك الشجرة الانتفاع بما يخرج عن متعلقاتها ، من الزرع تحتها ، والإقامة عندها زيادة على المعتاد في أمثالها ، مع احتماله أيضا » قلت : لا وجه للاحتمال المزبور إذا لم يتوقف عليه مصلحة النخلة.

وكيف كان فلا ينبغي التأمل فيما ذكرناه من الأحكام المزبورة ، لكن‌ قال محمد بن الحسن الصفار (١) « كتبت إليه في رجل باع بستانا له فيه شجر وكرم ، واستثنى منها شجرة ، هل يمر إلى البستان إلى موضع شجرته التي استثناها ، وكم لهذه الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها ، بقدر أغصانها ، أو بقدر موضعها التي هي ثابتة فيه فوقع عليه‌السلام ، له من ذلك على حسب ما باع ، فلا يتعدى الحق في ذلك ، إنشاء الله » ولعل مراده نفى الملكية ، لا الاستحقاق بالمعنى الذي ذكرناه والله أعلم.

وقد ظهر لك مما ذكرنا أو لا أنه لو باع أرضا وفيها نخل أو شجر ، كان الحكم كذلك الذي سمعته أى لا يدخل ما لم يأت بالعبارة السابقة ونحوها مما تدل على الشمول وكذا لو كان فيها زرع لم يدخل أيضا في بيع الأرض ، ولو كان بذرا لما عرفت سواء كانت له أصول تستخلف أو لم يكن ، لكن يجب تبقيته في الأرض حتى يحصد لانه أو انه الذي ينتظر ، والمراد باستخلاف الأصول ، أنه يجز مرة بعد أخرى ، ويجب تبقيته حينئذ إلى أن تنتهي جزاته ، ويستقلع ، والجميع للبائع ، للأصل ، لكن في الدروس « عن الشيخ والقاضي أنه ان كان مجزوزا فهو للمشترى ، وإلا فالجزة الأولى للبائع ، والباقي للمشترى » ولا ريب في ضعفه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٣٤

نعم لو شرطه المشتري ، أو دلت القرينة ، دخل كغيره من الزروع سنبلا ، وقطنا مفتحا وغيره كان أو غيرهما ، خلافا للمحكي عن المبسوط فلا يصح في السنبل والقطن ، للجهالة له ؛ مع أنه جوز بيع السنبل والبذر مع الأرض ، وعن المختلف إن كان البذر تابعا دخل بالشرط ، وإن كان أصلا ، بطل ، قلت : الصحة مطلقا لا تخلو من قوة ، بل في الدروس انه الوجه ، ومنها النخل والشجر ، ويدخل فيه ولو بالتبعية ، الكبيرة ، والصغيرة ، والعروق ، والمجاز ، والشرب ، على حسب ما عرفته سابقا في بيع البستان ، ولا تدخل الأرض كما سمعته حينئذ أيضا ؛ بل ولا الإفراخ المتجددة ، وإن كانت هي ملكا للمشتري ؛ باعتبار كونها نماء ملكه ، وتظهر الثمرة في عدم وجوب إبقاؤها على البائع كالأصول ، بل له الإزالة ، لأن البيع إنما اقتضى إبقاء الشجرة وما يعد من أجزائها ، وليس الفروخ شيئا منهما.

نعم قد يقال إن الإزالة عند صلاحية الأخذ ، وإمكان الانتفاع كما في الزرع والثمرة إذا اشتراهما ، بل في جامع المقاصد « أنه لا يستحق أجرة على ذلك ، لان البقاء إلى أو ان الانتفاع من مقتضيات العقد ، وربما أشكل أصل الحكم ، بأنه إن شملهما اسم الشجر وجب الإبقاء دائما ، كالشجرة وإن لم يشمله لم يجب إبقاؤه وقتاما ، كما لو نبت حب الغير في أرض آخر ، وأجيب بأن اسم الشجرة لا يتناوله فلا يجب إبقاؤه دائما ، لكن لا يجوز إزالته حالا ، لانه من نماء الشجرة فهو كثمرتها التي لم تدخل في مسماها ، لكن يجب إبقاؤها إلى أو ان البلوغ عرفا ، ثم تسوغ الإزالة » قلت : قد يحتمل وجوب بذل الأجرة ، جمعا بين الحقين ولو شرط البقاء فلا بحث في الوجوب.

هذا وفي الدروس « قيل : ولا تدخل الإفراخ إلا بالشرط » وهو مشعر بتردده ، ولعله نظر الى الجزئية باعتبار حصولها من أصول الشجر ، وفيه أنه وإن نمت من أصوله ، إلا أن العرف اقتضى خروجها عن الجزئية ؛ وعدها شجرا آخر ، لكن في جامع‌

١٣٥

المقاصد » هذا ، إذا لم يكن نابتة في نفس المغرس ، أما إذا أنبتت فيه فإشكال ».

وكيف كان فلا ريب في استحقاقه البقاء في الأصول ، ولو انقلعت سقط حقه ، وليس له غرس غيرها فيه ، كما أنه ليس له الإبقاء في المغرس مثبتة ، لأنها حطب حينئذ لا شجرة ، بل الظاهر عدم وجوب بقاء أصلها ، لرجاء أن ينبت ، لان استبقاء الأصول إنما كان بالتبعية لها وقد زالت ، وربما احتمل الوجوب ، لوجوب إبقاء المجموع ، فلا يسقط بزوال بعضه ، ولا ريب في ضعفه ، بل الظاهر كون الحكم كذلك وإن اشترط بقاء الإفراخ إذا لم يكن فرخ حال الموت نعم لو كان موجودا. وبقاء الأصل له مدخلية في بقائه ، اتجه حينئذ وجوب الإبقاء والله أعلم.

ولو باع نخلا قد أبر ثمرها أى لقح بذر طلع الفحل من النخل في طلع الإناث بعد تشقيقه ، فهو للبائع للأصل والإجماع المحكي إن لم يكن المحصل لان اسم النخلة لا يتناوله ، ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (١) عن الصادق عليه‌السلام « من باع نخلا قد أبره فثمرته للبائع الا أن يشترط المبتاع » أي المشتري‌ « ثم قال : قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كقول الصادق عليه‌السلام في خبر يحيى بن ابى العلاء (٢) : « من باع نخلا قد لقح ، فالثمرة للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك » وقال أيضا‌ في خبر عقبة بن خالد (٣) : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ثمرة النخل للذي أبرها ، إلا أن يشترط المبتاع » فما عن ابن حمزة من أنها للمشتري مع عدم بدو الصلاح ، شاذ لا مستند له ، ولكن يجب على المشتري تبقيته إلى أوان بلوغه من غير أجرة ، نظرا إلى العرف وكذا لو اشترى ثمرة كان للمشتري تبقيتها على الأصول ؛ نظرا إلى العادة بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه إذ هو من مقتضيات العقد عرفا ، فكأنه مشترط ، ويأتي في باب الخيار له تتمة إنشاء الله.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٣٦

ومن المفهوم من النصوص المزبورة علم أنه إن باع النخل ولم يكن مؤبرا ، فهو للمشتري على ما أفتى به الأصحاب بل في المختلف والتذكرة ومحكي الخلاف الإجماع عليه ؛ بل هو مقتضى ما تسمعه من عبارة المصنف ، فضلا عن نسبته هنا إلى الأصحاب ، الظاهر في الإجماع أيضا ، كظاهر الصيمري والمحكي عن المقداد ، وبه يخرج عن مقتضى الأصل ، لكن قد يشكل العمل بذلك ، إذا فرض كون العرف على الخروج عن المشتري ، كالإشكال في الأول ، إذا فرض تعارف الدخول في ملك المشتري ، ضرورة أنه معه يكون كالمصرح به ، ودعوى شمول النصوص لذلك ، يمكن منعها خصوصا في الأول الذي دليله المفهوم.

وعلى كل حال فـ ( لو انتقل النخل بغير البيع ، فالثمرة للناقل سواء كانت مؤبرة أو لم تكن ) عند علمائنا كما في التذكرة وسواء انتقلت بعقد معاوضة كوقوعه ثمنا للإجارة ومهرا في النكاح أو بغير عوض كالهبة وشبهها بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل في ظاهر التذكرة أنه من معقد إجماعه ، للأصل السالم عن معارضة النصوص والإجماعات السابقة ؛ ودعوى التنقيح ممنوعة على مدعيها ، كدعوى أن النصوص السابقة ، إنما كشفت عن العرف في التبعية ، خصوصا بعد ما صرح بما ذكرنا ، غير واحد من الأصحاب ، بل عن بعضهم الإجماع عليه ، خلافا للمحكي عن المبسوط والقاضي فعمما الحكم ، وعن السرائر أنه لا دليل لهما سوى القياس ، ولو ظنها المشتري غير مؤبرة ، فظهرت مؤبرة فعن الشيخ أن له الفسخ ، لفوات بعض المبيع في ظنه ، وعن الفاضل عدمه ، لعدم العيب وتفريطه ، وهو قوى ، لكن في الدروس « أن الوجه الأول ، لأن فوات بعض المبيع أبلغ من العيب ، ولا تفريط ، لانه بنى على الأصل » وفيه منع الفوات ، ومنع كون البناء على الأصل عذرا يسلط على الخيار ، ولو ظن البائع التأبير فظهر خلافه ، ففي الدروس « أن له الفسخ إذا تصادقا على الظن » وفيه نظر يعلم مما عرفت ، وعليه فلو ادعى أحدهما على صاحبه علم الحال ، فأنكر ، احتمل كما في الدروس إحلاف المنكر ، ويقضى‌

١٣٧

بما ظنه ولعله الظاهر. والله اعلم.

وكيف كان فـ ( الابار ) الذي عليه المدار يحصل ولو تشققت من نفسها فأبرتها للواقح لإطلاق الخبرين الأولين ، ومعاقد الإجماعات ، ولا ينافيه خبر عقبة (١) بل في المسالك « أن العادة الاكتفاء بتأبير البعض ، والباقي يتشقق بنفسه ، وينشب ريح الذكور إليه ، وقد لا يؤبر شي‌ء ، ويتشقق الكل بتابر الرياح ، خصوصا إذا كانت الذكور في ناحية الصبا ، فهب الصبا وقت التأبير » ونحوه في التذكرة وهو معتبر في الإناث ، ولا يعتبر في فحول النخل لما عرفت من أن مسماه ذلك. فثمرتها على كل حال للبائع ، للأصل السالم عن معارضة المفهوم الظاهر في الذي عادة صنفه التأبير.

وكذا لا يعتبر هو أو شبهه في غير النخل من أنواع الشجر ، اقتصارا على موضع الوفاق ، فلو باع شجرة فالثمرة للبائع على كل حال إلا أن يكون عرف يقتضي الخروج ، للأصل السالم عن المعارض بعد حرمة القياس ، ولعل ما في النهاية غير مناف لذلك قال : « إذا باع نخلا قد أبر ولقح ، فثمرته للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع الثمرة ، فإن شرط كان على ما شرط ، وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه » ونحوه قال المفيد وعن ابن إدريس أنه ما قصد الشيخ من ذلك إلا أن الثمرة للبائع ، لأنه ما ذكر إلا ما يختص بالبائع ، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا في النخل ، فأما ما عداه متى باع الأصول وفيها ثمرة فهي للبائع ، إلا أن يشترطها المشتري ، سواء لقحت أو لم تلقح ، وهو كما ذكر ، وإلا كان ضعيفا لا شاهد عليه.

ثم إن المدار على التأبير فعلا ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، لا وقته كما عن الشافعي ، فلو باعه النخل بعد صلاح الثمرة ، لكنها لم تكن مؤبرة ؛ كانت للمشترى للصدق ، إلا أن يكون هناك عرف يقتضي الخروج ، فإن فيه الإشكال المزبور حينئذ.

وعلى كل حال فـ ( في جميع ذلك له تبقية الثمرة حتى تبلغ أو ان أخذها ) و‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٣٨

هو مختلف كما تسمعه في الفروع وليس للمشتري إزالتها إذا كانت قد ظهرت ، سواء كانت ثمرتها في كمام كالقطن والجوز ، أو لم تكن ، إلا أن يشترطها المشتري على البائع « فإن‌ المؤمنين عند شروطهم » وكذا لو كان المقصود من الشجر ورده ، فهو للبائع تفتح أو لم يتفتح بلا إشكال ولا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، إلا من المحكي عن المبسوط وبعض أتباعه ، فقال : « إذا باع القطن وخرج جوزه ، فان كان تشقق فالقطن للبائع ، إلا أن يشترطه المشتري ، وإن لم يكن تشقق فهو للمشتري » ثم قال : « وما عدا النخل والقطن فعلى أقسام أحدها ـ ما يكون ثمرته بارزة ، لا في كمام ولا ورد كالعنب والتين وما أشبه ذلك ، فان باع أصلها ، فإن كانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع ، وإن لم يكن قد خرجت فهي للمشتري. الثاني ـ أن تخرج الثمرة في ورد ، فإن باع الأصل بعد خروج وردها ، فان تناثر الورد وظهرت الثمرة فهي للبائع ، وإن لم يتناثر وردها ولم يظهر الثمرة ، ولا بعضها فهي للمشتري. الثالث ـ أن تخرج في كمام كالجوز واللوز ، مما دونه قشر يواريه إذا ظهر ثمرته فالثمرة للبائع ـ الرابع ما يقصد ورده كشجر الورد والياسمين ، فإذا بيع الأصل ، فإن كان ورده قد تفتح فهو للبائع ، وإن لم يكن تفتح فهو للمشترى.

ونحوه عن ابن البراج ، ولم أعرف له شاهدا صالحا لقطع الأصل في الورد والقطن ، بل ظاهر التذكرة أن المخالف في الثاني الشافعي ، قال؟ فيها : « القطن ضربان ، أحدهما له ساق ويبقى سنين ، ويثمر كل سنة ، وهو قطن الحجاز والشام والبصرة. والثاني ـ ما لا يبقى أكثر من سنة واحدة ، وكلاهما لا يدخل الجواز الظاهر في بيع الأصل ، سواء تفتح أولا ، خلافا للشافعي ، ثم حكى قوله في القسمين » والتحقيق عدم الخروج عن مقتضى الأصل إلا في النخل كما عرفت ، بل في الدروس أنه لا يدخل في ملك المشتري ورد الثمار فضلا عن الجنبذ. والله أعلم.

ومنها ـ القرية ، والدسكرة ، والضيعة في عرف أهل الشام ، ويدخل فيه دورها‌

١٣٩

وساحاتها وطرقها ، وفي دخول الأشجار الثابتة وسطها إشكال ، كما في القواعد ، وجزم في الدروس بالخروج الا مع الشرط ، أو القرينة كالمزارع التي حولها ، فإنه لا ريب في خروجها ، بل في القواعد وان قال بحقوقها ، ومنها ـ لفظ الكتاب ويدخل فيه أجزائه وجلده وخيوطه ، وما به من الأصول والحواشي والأوراق المثبتة فيه ، ولا يدخل فيه كيسه ولا ما به من أوراق منفردة لا تتعلق به ، الا إذا كان عرف يقتضيه ، وفي دخول ما يعلم به من الأوراق نظر كما في الدروس. ومنها ـ لفظ الحمام ويدخل فيه بيوته ، وموقده ، وخزانة مائه ، وحياضه ، ومسلخه ، وبئره وماؤها ، بل في الدروس أنه لو كان ينتزع من مباح دخلت الساقية فيه ، والأقرب دخول قدره المثبت فيه ، ولا يدخل فيه سطله ، ولا أقدامه ، ووقوده ومأزره ، وعلى البائع تسليمه مفرغا من الرماد وكثير الغمامة.

ومنها ـ لفظ العبد والأمة ولا يبعد اقتضاء العرف دخول ثيابهما الساترة للعورة في بيعهما ، كما نص عليه في الدروس ، ويأتي الكلام في غيرها في بيع الحيوان ، ومنها ـ لفظ الدابة ويدخل فيه النعل ، دون المقود والرحل إلا مع الشرط كما في الدروس ، ولعل العرف الان على خلافه ، خصوصا في المقود. إلى غير ذلك من الألفاظ التي لا فائدة في التعرض لتفصيلها ، بعد أن كان الضابط ما سمعته أولا. والله أعلم.

فروع‌ الأول : إذا باع النخل المؤبر وغيره صفقة كان المؤبر للبائع والآخر للمشتري بلا خلاف فيه بيننا ، اتحدت البستان أو تعددت واتحد نوع المؤبر أو اختلف ، خلافا للشافعي وكذا لو باع المؤبر لواحد ، وغير المؤبر لاخر بل لو باع نخلة واحدة أبر بعضها دون الأخر ، كان لكل حكمه ، لأن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، فيدور الحكم مدارها وجودا وعدما ، خلافا للتذكرة فالجميع للبائع ، لصدق بيع نخل قد أبر ، واقتصارا فيما خالف الأصل ـ عن دخول غير المؤبر في ملك المشتري ـ على المتيقن ، ولعسر التميز إذا أبر المشتري ما انتقل إليه ، والمشقة‌

١٤٠