جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الثمن ، لأن الأجل له قسط منه ، بل يظهر ـ من الدروس وغيرها ـ اعتبار معرفة المتعاقدين تعيين المدة ، فلو أجل بالنيروز ـ والمهر جان الذي هو عيد الفرس ، والفضيح عيد النصارى ، والفطير عيد اليهود ؛ بناء على أنه يوم معين مضبوط عندهم ولم يعلمه المتعاقدان أو أحدهما لم يصح أيضا ، للجهالة أيضا ، وقد يناقش فيه باحتمال الاكتفاء فيه بانضباطه في نفسه كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق ، فله شراء وزنة مثلا بعيار بلد مخصوص ، وإن لم يعرف مقدارها ، الا أن للنظر فيه مجالا ، وربما ظهر من التذكرة الاكتفاء به.

ولو أجل بالمشترك بين أمرين ـ أو أمور كالنفر من مني ، أو ربيع أو جمادى ـ بطل كما نص عليه غير واحد ، للجهالة ، لكن في اللمعة « قيل : يصح » ويحمل على الأول ، ولم نظفر بقائله ، وعلله في الروضة ـ بعد أن ساوى في الحكم بينه ، وبين التأجيل بيوم من الأسبوع ـ بأنه علقه على اسم معين ، وهو يتحقق بالأول ، قال : « لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد ، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط ، فلا يكفى ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به ، ومع القصد لا إشكال في الصحة ، وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه ، ويحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك ، قصداه أم لا ، نظر إلى كون الأجل الذي عيناه مضبوطا في نفسه شرعا ، وإطلاق اللفظ منزل على الحقيقة الشرعية » وفيه أولا انه من الواضح عدم حمل اللفظ من غير الشارع واتباعه في الاستعمال على الحقيقة الشرعية ، وتخصيص محل البحث بما إذا قصد المتعاملان ما يراد من الإطلاق عند الشارع ـ بعد فرض علمهما انه منصرف عنده الى زمان معين وعدمه ـ موقوف على الاكتفاء بمثل ذلك ، والظاهر عدمه ، لوضوح الجهالة فيه.

وثانيا انه لا حقيقة شرعية في المقام ، ضرورة أن الشارع هنا لو حكم بالانصراف إلى أولهما ، فليس الا لاقتضاء العرف فيه ذلك ، وحينئذ فمع الانصراف عرفا متجه ، كما اعترف به في التذكرة نعم قال فيها : « لو قال إلى الجمعة حمل على الأقرب‌

١٠١

في الجمع وكذا في غيره من الأيام ، قضية للعرف المتداول بين الناس ، بخلاف جمادى وربيع » ولعله كذلك اما المكسر من أيام الأسبوع فقد يمنع فهم العرف منه الأول ، بخلاف المتواطى من أسماء الشهور كرجب وشعبان ، فإنه لا ريب في فهم شهر سنة العقد منه ، فجعل المعيار العرف هو المتجه والله اعلم ولو باع بثمن حال ، وبأزيد منه الى أجل بأن قال : بعتك هذا بدرهم نقدا وبدرهمين الى شهرين قيل والقائل الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر يبطل وتبعهما الفخر وأبو العباس ، والمقداد والآبي ، والفاضل ، والشهيدان في اللمعة والروضة وجماعة من متأخري المتأخرين ، للغرر والإبهام الناشي من الترديد ، القاضي بعدم وقوع الملك حال العقد على أحدهما بالخصوص ، وهو مناف لمقتضى سببية العقد وإنشائيته وللنهى‌ « عن البيعين في بيع واحد » (١) المفسر بذلك أو بما يشمله.

وذيل خبر محمد بن قيس الآتي (٢) ولكن المروي‌ عن علي عليه‌السلام ، بطريق حسن ، بإبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن قيس الثقة ، بقرينة عاصم بن حميد ، عن ابى جعفر عليه‌السلام ـ انه يكون للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين‌ قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من باع سلعته فقال : إن ثمنها كذا وكذا ، يدا بيد وثمنها كذا وكذا نظرة ، فخذها بأي ثمن شئت ، وجعل صفقتها واحدة ، فليس له الا أقلهما وإن كانت نظرة » وزاد في الكافي « قال : وقال عليه‌السلام : من ساوم بثمنين أحدهما عاجل والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة » والمناقشة بأن غايتها الدلالة على وقوع الإيجاب بها خاصة ـ وبأن الذي فهما الجماعة كما ستعرف ، ترتب الحكم المذكور فيها على فساد المعاملة ، وبمنافاة الزيادة المزبورة لها ، بناء على أن الظاهر منها عدم جواز الترديد ، بل لا بد من تعيين أحدهما قبل العقد وإيقاعه عليه ، لا تعيين مقدار الثمنين ، اى الثمن والأجل ـ مدفوعة بظهورها في إرادة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤ ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ و ٢.

١٠٢

تمام البيع ، لا إيجابه خاصة ، ومنع ترتب الحكم فيها على الفساد كما ستعرف ، وعدم انحصار الجمع بين الصدر والزيادة بذلك ، على أنه لم يعلم كونها رواية واحدة.

وفي‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين بالنقد كذا وبالنسيئة كذا فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال : هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين » يقول : ليس له الا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة وظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما في الجملة ، ففي المقنعة « لا يجوز البيع بأجلين على التخيير ، كقولهم المتاع بدرهم نقدا ، وبدرهمين الى شهر أو سنة أو بدرهم الى شهر وباثنين الى شهرين ، فان ابتاع إنسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين » وفي المحكي عن ناصريات المرتضى المكروه ان يبيع الشي‌ء بثمنين ، بقليل إن كان الثمن نقدا وبأكثر منه نسيئة وعن الإسكافي روى‌ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) أنه قال : « لا تحل صفقتان في واحدة » وذلك أن تقول : إن كان بالنقد فبكذا وإن كان بالنسيئة فبكذا وكذا ، ولو عقد البائع للمشتري كذلك وجعل الخيار اليه ، لم اختر للمشترى أن يقوم على ذلك ، فان فعل واستهلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل الثمنين ، لإجازته البيع به ، وكان للمشترى الخيار في تأخير الثمن الأقل إلى المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفر من غير زيادة على الثمن الأقل.

وفي النهاية « فإن ذكر المتاع بأجلين ، ونقدين مختلفين ، بأن يقول ثمن هذا المتاع كذا عاجلا ؛ وكذا أجلا ، ثم امضى البيع كان له أقل الثمنين وأبعد الأجلين » وعن القاضي من باع شيئا بأجلين على التخيير مثل أن يقول بعتك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا ؛ أو بدينارين أو درهمين الى شهر ، أو شهور ، أو سنة ، أو سنتين ، كان البيع باطلا ، فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين.

وفي موضع من الغنية « وللجهالة بالثمن والأجل أيضا نهي عن بيعتين في بيعة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ ـ ٤.

١٠٣

نحو أن يقول بعتك كذا بدينار الى شهر ، وبدينارين إلى ثلاثة أشهر ؛ فيقول المشتري قد قبلت به » وفي آخر « وقد قدمنا أن تعلق البيع بأجلين وثمنين كقوله بعت إلى مدة كذا بكذا ، وإلى ما زاد عليها بكذا يفسده ، فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين ، بدليل إجماع الطائفة »

وعن صاحب البشري أنه قال : « لو عملنا برواية السكوني كان قريبا » وعن الراوندي « أن على المشتري الثمن الأقل في الأجل الأول ، لأنه رضي بالأقل في الزمن الأقل ؛ فإن لم يؤد المشتري فليس له في ذمته إلا الأقل سواء أداه عاجلا ، أو آجلا » وكأنه يرجع الى ما تسمعه من المختلف ، أو ما في الدروس فإنه بعد ان ذكر الخلاف في الصورتين قال : « والأقرب الصحة ولزوم الأقل ، ويكون التأخير جائزا من جهة المشتري ، لازما من طرف البائع لرضائه بالأقل ، فالزيادة ربا ، ولأجلها ورد النهي وهو غير مانع من صحة البيع ».

وكأنه أخذه مما احتمله الفاضل في المختلف جوابا عما يقال : من أن وجوب الأقل إلى الأبعد ليس تجارة عن تراض ، قال : « ويمكن ان يقال : أنه رضى بالأقل فليس له الأكثر في البعيد ، وإلا لزم الربا ، إذ تبقى الزيادة في مقابلة تأخير الثمن لا غير ، فان صبر الى البعيد لم يجب له أكثر من الأقل » لكنه لا إلزام فيه للبائع بالأجل البعيد ، كما سمعته من الدروس الذي هو واضح الضعف ، إذ الأجل قد وقع في مقابلة الزيادة الفاسدة فلا يلتزم به البائع ، فلا ريب في أن ما ذكره في المختلف أولى منه ، بل يمكن تنزيل الخبرين المزبورين حتى الثاني منهما عليه بمعنى كان على المشتري في آخر الأجلين أقل الثمنين ، لا أن له إلزام البائع بذلك ، ضرورة كون الثمن فيه الأقل بلا أجل على هذا التقدير ، وأن الزيادة في مقابلة التأخير إلى المدة قد وقعت على نحو الشرطية ، فتختص حينئذ هي مع الأجل بالنهي والفساد ، كما ذهب إليه أبو حنيفة في أصل بيع الربا ، وإن كان هو واضح الضعف ، مع عدم تشخيص الثمن أما معه ، فان لم يذكر شرطا في العقد ، فلا ريب في الصحة‌

١٠٤

وإن ذكر فيه كما هو في محل البحث أمكن القول هنا باختصاص الفساد بالشرط دون العقد ، لهذه النصوص وإن قلنا بفسادهما معا في غيره ، وتقل مخالفتهما حينئذ للقواعد ، وربما احتمل تنزيلهما على ما لا ريب في صحته من ذكر الزيادة بعد العقد ، إلا أنه بعيد عن ظاهر الخبرين.

فما ذكرناه أولى حينئذ ، بل يمكن حمل عبارة المقنعة وما ضاهاها عليه ، بل وعبارة النهاية ، وبه يجمع بين هذين الخبرين ، وبين ما دل على النهي عن البيعين في بيع ، كموثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رجلا إلى أهل مكة ، وأمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع » وقال هو أيضا في‌ خبر سليمان بن صالح (٢) « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك » الحديث. وفي‌ خبر الحسين بن زيد (٣) عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ونهى عن بيعين في بيع » بناء على أن المراد منه ذلك ؛ أو ما يشمله ، بحمل النهي علي حرمة الشرط وقبوله ، لا على ما يقتضي فساد العقد بل قد يؤيد ذلك أنه مقتضى الجمع بين ذيل خبر محمد بن قيس (٤) الذي زاده في الكافي ، وصدره

وأما طرح الخبرين ـ مع اعتبار سند الأول منهما لانه حسن كالصحيح ، بل هو صحيح بناء على المختار من الظنون الاجتهادية ، والعمل بهما معا ممن عرفت ، ـ فغير لائق بصناعة الفقه ، خصوصا مع قلة مخالفتهما للقواعد على ما سمعت ، بل لعلهما لا يخالفان شيئا ، علي القول بعدم فساد العقد بفساد الشرط فتأمل. ويحتمل الجمع بالخرمة مع الصحة كما أومى إليه الحر ، في وسائله ، وربما تقبله عبارة المقنعة ، وما شابهها ، وإن كان فيه ما فيه ؛ إلا أنه أولى مما في الرياض قطعا ، فإنه بعد أن جزم بالفساد ـ واقتصر على خبر السكوني وأورد عليه بوجوه ، منها ضعف السند ، وعدم المكافاة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٠٥

وشذوذ القائل به وهو الطوسي في نهايته ، مع رجوعه عنها في مبسوطة ـ قال : « ثم على المختار هل لهذا البيع حكم البيع الفاسد ، فيرجع مع تلف المبيع الى المثل أو القيمة ، أم لا؟ بل يرجع البائع معه الى ما في هذه الرواية ، من أقل الثمنين. إلى أبعد الأجلين ، قولان ، أشهرهما بين المتأخرين ، الأول عملا بالأصل في البيع الفاسد ، وبين المتقدمين ، المتقدم ذكر جمع منهم كالمفيد والمرتضى والإسكافي والقاضي وابن زهرة في الغنية ، مدعيا عليه الإجماع ، الثاني ، ولعله لصحيح محمد بن قيس ، ولا بأس به لاعتضاد صحة سنده بمصير كثير من القدماء الى العمل به ».

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام ، بل لم نعرف أحدا ممن تقدم عليه عنون هذا الخلاف ، كما أنه ليس في شي‌ء من الخبرين الإشارة إلى تخصيص الحكم بتلف السلعة مع أن مخالفتهما للقواعد أشد حينئذ مما فر منه ، ومن العجيب نقله عن الجماعة ما عرفت ، مع أنه ليس في كلام احد منهم ، عدا الإسكافي الإيماء إلى تخصيص الحكم بالتلف ، بل لعل ظاهر قول الإسكافي ، لم اختر الصحة على التقديرين ، وأنه يكره للمشتري القيام على هذا البيع نحو ما سمعته عن المرتضى ، بناء على ارادة المعنى المصطلح من الكراهة في كلامه.

وكيف كان فمن ذلك كله ظهر لك ضعف ما استدل به للبطلان ، بناء على تنزيل القول بالصحة على ما عرفت ، إذ لا غرر فيه ولا جهالة بعد تعيين ثمنه ، وأن الزيادة وقعت في مقابلة التأخير ، على جهة الشرطية ، فتفسد ، بل عن الأردبيلي إنكار اندراج مثل ذلك في الغرر والجهالة ، المنفيين بالشرع ، على تقدير كونهما ثمنين ، فضلا عن الثمن والشرط ، قال : « لان الاختيار اليه ، وعلى كل من التقديرين ، فالثمن معلوم.

وربما يؤيده الحكم بالصحة من غير واحد ، فيما لو قال للخياط ، خط هذا الثوب اليوم أو فارسيا بدرهم ، وبأقل منه أو أكثر إن خطته في غد أو روميا ، مع اشتراك الإجارة والبيع في اعتبار عدم الغرر والجهالة ، لكن قد يمنع الصحة فيها أيضا أو يلتزم تصحيح ذلك على أنه جعالة ، لا اجارة لعدم اعتبار المعلومية فيها أو يفرق بين الإجارة والبيع ، بأن العمل الذي‌

١٠٦

يستحق به الأجرة ، لا يمكن وقوعه الا على احد الصفتين ، فتعين الأجرة المسماة عوضا له ، فلا يقتضي التنازع بخلاف البيع. إلا أن الجميع كما ترى.

نعم قد يقال انه وإن كان لا جهالة في صفة الثمن ، ولكنها متحققة في أصل الثمنية ، بمعنى أنه لم يعلم بعد قبول المشتري ذلك ما صار ثمنا للجميع ، وهو مناف لسببية العقد أيضا ، لا أقل من الشك في تأثيره على هذا الحال ، ودعوى تعيينه حينئذ باختيار المشتري ينافي إنشائية العقد ، وسببيته المقتضية ترتب الأثر عليه بالفراغ منه ، ودعوى الكشف حينئذ ـ مع أنه لا شاهد عليها ـ لا تجدي في رفع الجهالة حين العقد ، ولا فرق في ذلك بين البيع والإجارة وغيرهما من عقود المعاوضة ؛ ومن ذلك يظهر أن محل النزاع فيما لو قبله المشتري على تخيير البائع آت كما هو ظاهر الإيجاب ، وظاهر قوله خذه بأيهما شئت في صحيح محمد بن قيس (١) فحينئذ على القول بالصحة ، إن اختار ألزم باختياره ، ولو قبله على الترديد ولم يعين كان عليه أقل الثمنين في أبعد الأجلين للخبرين ، واحتمال أن ذلك عليه ـ وإن اختار عملا بإطلاقهما ـ ممكن لانه بتمام العقد صار حكمه شرعا ذلك ، فلا أثر لاختياره حينئذ ، بل ولا للبائع مطالبته بالاختيار ، ومنه يعلم شدة مخالفة الخبرين للقواعد ، على هذا التقدير.

أما لو قال : قبلته نقدا أو نسيئة فخارج عن محل النزاع ، ويحتمل فيه الصحة ، لوجود المقتضى من الإطلاقات وغيرها ، وارتفاع المانع ، ويحتمل البطلان ، للشك في تأثير نحو هذا الإيجاب الذي لم يجزم موجبه بأحدهما بالخصوص ، والأول لا يخلو من قوة ، بناء على عدم منع مثل هذه الجهالة ، وإلا فالثاني أقوى ، وكذا يخرج عن محل النزاع ، لو قبله على جهة التخيير للبائع ، وإن كان هو واضح البطلان أيضا ، والغرض من ذلك كله ، أن المتجه ـ بناء على العمل بالخبرين المزبورين ـ الجمود لعدم المنقح من إجماع وغيره ، ولذا قال المصنف لو باع كذلك إلى وقتين متأخرين كان باطلا جازما به‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١٠٧

غير مظهر للتردد فيه كالأول ، بل في التحرير بطل قولا واحدا.

فمن الغريب ما في الرياض من أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم صحة وبطلانا بين الصورتين ، وإن أشكله ـ هو إن لم يكن إجماعا ، ـ بأن البطلان في الثانية أقوى ، لفقد المعارض فيه ، لاختصاص النص مطلقا بالصورة الأولى ، قلت : لا ريب في قوة البطلان في الثانية ، بناء عليه في الأولى ، ضرورة أولويتها بذلك. نعم يتجه الفرق بينهما باحتمال الصحة في الأولى ، دونها ، للخبرين المزبورين. اللهم إلا أن يدعى التنقيح ، ودونه خرط القتاد بعد ما سمعت ، وإن كان هو مقتضى ما سمعته من عبارة المقنعة وإجماع الغنية ، والله اعلم.

وإذا باع شيئا شخصيا طعاما أو غيره واشترط : تأخير الثمن إلى أجل معلوم ثم ابتاعه البائع أو غيره من المشتري بعد قبضه قبل حلول الأجل ، جاز بزيادة كان على الثمن الأول أو نقصان ؛ أو مساواة بالجنس أو بغيره ، حالا ومؤجلا بما يساوي الأجل الأول ، أو يزيد عليه أو ينقص عنه ، بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في الرياض ، والمحكي عن مجمع البرهان ، بل في الأخير كان دليله الإجماع. نعم في مفتاح الكرامة خاصة عن المراسم إن باع ما ابتاعه إلى أجل قبل حلول الأجل فبيعه باطل ، معترفا بأنه لم يجد أحدا نقل عنهما الخلاف قبله. قلت : قد يريد السلف أو الأعم منه ومن غيره ، لا ما نحن فيه ، بل لعله الظاهر منه.

وعلى كل حال فلا ريب في الحكم المزبور ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، أو خصوص‌ خبر على بن جعفر المروي عن كتاب مسائله (١) قال : « سألت أخي موسى عليه‌السلام عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ، ثم اشتراه بخمسة دراهم نقدا أيحل؟ قال : إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس » كالطلاق خبره المروي عن قرب الاسناد (٢) المحذوف فيه لفظ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

١٠٨

الأجل والنقد وصحيح بشار (١) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبيع المتاع نسيئا ، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال : نعم لا بأس به ، فقلت له : أشترى متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك » وخبر الحسين بن منذر (٢) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يجي‌ء الرجل فيطلب العينة ، فاشترى له المتاع من أجله ، ثم أبيعه إياه ، ثم أشتريه منه مكاني؟ فقال : إذا كان بالخيار إن شاء باع ، وإن شاء لم يبع ، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت ، وإن شئت لم تشتر؟ فلا بأس قلت : فإن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد ، ويقولون : إن جاء به بعد أشهر صلح ، فقال : إنما هذا تقديم وتأخير فلا بأس به » بناء على أن العينة ، شراء ما باعه نسيئة ، كما حكاه عن بعضهم في الدروس ، لكن فيها قبل ذلك ، أنها لغة وعرفا شراء العين نسيئة ، فإن حل الأجل فاشترى منه عينا أخرى نسيئة ثم باعها ، وقضاه الثمن الأول كان جائزا ، وتكون عينة على عينة ، وعليه أيضا يتم الاستدلال ؛ ضرورة عدم اعتبار كون بيع القضاء على غير البائع فيها. نعم عن ابن إدريس ؛ أن اشتقاقها من العين وهو النقد ، وفسرها بشراء عين نسيئة لمن له عليه دين ، ثم يبيعها عليه بدونه نقدا ويقضى الدين الأول ، تخرج عما نحن فيه ؛ مع احتمال عدم اعتبار كون العين من غير البائع وحينئذ يتم الاستدلال عليه أيضا ولو بالإطلاق ، على أن المحكي عنه في الدروس أنه فسرها بشراء عين نسيئة ممن له عليه دين ثم يبيعها عليه بدونه نقدا ويقضى الدين الأول فيكون حينئذ مما نحن فيه ، الى غير ذلك مما لا حاجة إليه ، بعد ما عرفت من عدم الإشكال في المقام.

وخبر منصور بن حازم (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر ، أو غنم ، أو غير ذلك فاتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئا؟ فقال : لا يبعه ، نسيئا وأما نقدا فليبعه بما شاء » يمكن أن يكون المراد منه أن الطالب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام العقود الحديث ٨.

١٠٩

أراد شراء المطلوب مما له عليه من الطعام فعلا بعد حلوله فقال : لا يبعه عليه نسيئة لأنه يكون بيع دين بدين على بعض الوجوه ، أما نقدا فلا بأس ، ولعل شيئا فيه مصحف نسيئا وحينئذ يكون خارجا عما نحن فيه. فتأمل جيدا ، وفي الرياض أنه مجمل ، محتمل الحمل على الكراهة جمعا بينه وبين غيره مع عدم مكافأته قطعا.

وعلى كل حال فلا ينبغي التوقف في شي‌ء من شقوق المسألة. نعم يستفاد من خبر ابن المنذر وخبري على بن جعفر (١) أن ذلك جائز إذا لم يكن شرط البائع الأول على المشتري ذلك في حال بيعه عليه ، ولذا نص على اشتراط ذلك في الجواز جماعة ، بل نسبه في الرياض إلى الأصحاب ، وأنه لا خلاف فيه ، وفي المحكي عن الكفاية لا أعلم خلافا بينهم في البطلان عند الشرط ، والمفاتيح الظاهر اتفاقهم على بطلانه قلت : قد يظهر الخلاف من إطلاق الجواز في المقنعة والنهاية ومحكي السرائر بل قد يظهر من جامع المقاصد والمسالك وغيرهما عدم اعتباره ؛ لاقتصارهم على الاستدلال له بما في التذكرة من الدور ، وبأنه لم يقصد النقل معه ، وإفساده بما لا مزيد عليه ، وهو كذلك سواء قرر الدور بأن انتقاله الى المالك موقوف على حصول الشرط ، وحصوله موقوف على انتقال الملك ، أو بأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه.

وعلى كل حال فيه ان المتوقف على حصول الشرط هو اللزوم ، لا الانتقال وتوقف تملك البائع على تملك المشتري لا يستلزم توقف تملك المشتري على تملك البائع كما هو واضح ، والا لما صح في باقي الشرائط من العتق ونحوه خصوصا شرط بيعه للغير الصحيح إجماعا محكيا ان لم يكن محصلا ، على أن تملك المشتري ـ فيما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل ـ قبل الأجل واضح واشتراط البيع يؤكد قصد النقل إلى المشتري ، لا أنه ينافيه ، وإلا لنا فاه إذا كان من قصدهما ذلك ، وإن لم يشترطا ، مع أن العقود تتبع القصود ، والاتفاق كما في الروضة وغيرها على الصحة ، وما هو إلا لأن قصد رده بعد ملك المشتري له ، غير مناف لقصد البيع بوجه ، وإنما المانع عدم القصد الى ملك المشتري أصلا بحيث لا يترتب عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤ و ٦.

١١٠

حكم الملك وهو غير ما نحن فيه كما أن احتمال كون الدور لو كان الشرط ملكه للبائع بالثمن المعين بهذا العقد ، مناف للمفروض في كلامهم على أنه قد يقال : بصحته ، وترتب ملك البائع على ملك المشتري آنا ما ، نحو أعتق عبدك عنى ، بمعنى الترتب الذاتي لا الزماني. فانحصر الدليل حينئذ في النصوص المزبورة.

لكن قد يناقش فيها بالطعن في السند ، وكون المفهوم فيها البأس الذي قد يمنع استفادة الحرمة منه عرفا ، فضلا عن الفساد ، مضافا إلى اشتمال خبر ابن منذر منها على اعتبار عدم اشتراط المشتري على البائع ذلك أيضا ، ولم نعرف قائلا به. بل قد يستفاد منه لزوم الشرط لو شرط ، وأن به يرتفع الخيار للبائع أو المشتري ، وإن كان يحرم البيع الثاني أو هو والبيع الأول بالشرط ، ويكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط ، وإن كان لو فعل التزم به ، وهو غير اشتراط المحرم الذي يفسد ويفسد العقد على قول فتأمل. على أن ظاهر خبر على بن جعفر (١) اشتراط البيع بنقيصة ، بل لعله المراد من خبر ابن منذر (٢) فالتعدية إلى المساوي والزائد تحتاج الى دليل ، وثبوت إجماع معتد به هنا على عدم الفصل محل منع ، إذ لم يحك عن احد التعرض لأصل الشرط المزبور قبل المصنف الا عن المبسوط خاصة في باب المرابحة ، ولعله لذلك وغيره أومأ أول الشهيدين الى التردد في ذلك ، في المحكي عنه في غاية المراد بقوله « إن كان في المسألة إجماع فلا بحث »

ثم لا يخفى أن المتجه بناء على العمل بالنصوص المزبورة الجمود عليها ، فلا يتعدى لغير البيع من العقود ولا له إذا كان الثمن عينا في وجه ، أو كان الشرط بيعه من غير البائع ، أو نقله إليه بغير البيع ولا لاشتراطه في عقد آخر ونحو ذلك مما لا دلالة فيها عليه ، كي يتجه تخصيص عموم أدلة الشرط بها ، ودعوى التنقيح مع عدم المنقح كما ترى ، بل لو لا مخافة المخالفة لإجماع الأصحاب لأمكن حمل هذه النصوص على الإثم بالاشتراط كما عرفت ، أو على إرادة الكراهة مع شرط البيع بنقيصة ، لانه كالحيلة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

١١١

في تبريته الدراهم أو غير ذلك. والله اعلم

وكيف كان فـ ( ان حل الأجل ) ولم يقبض الثمن فابتاعه بمثل ثمنه من غير زيادة ولا نقيصة جاز بلا خلاف وكذا ان ابتاعه بغير جنس ثمنه بزيادة أو نقيصة حالا أو مؤجلا للأصل ، وإطلاق الأدلة السابقة ، وإطلاق خصوص‌ صحيح منصور بن حازم (١) قال للصادق عليه‌السلام : « رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه ، وأتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب : أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي لك عندي ؛ فرضي؟ قال : لا بأس بذلك » وموثق يعقوب بن شعيب وعبيد بن زرارة (٢) أو صحيحها « سألا أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باع طعاما بماءة درهم الى أجل ، فلما بلغ ذلك الأجل ، تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم ، خذ مني طعاما ، فقال : لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء » الى غير ذلك.

وأما إن ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة ففيه روايتان أشبههما وأشهرهما ما سمعته من روايات الجواز بل لم أجد من عمل برواية المنع غير الشيخ في النهاية بالنقيصة ، وفي التهذيبين بالزيادة ، وهي‌ خبر خالد بن الحجاج (٣) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى ، فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي فقال : ليس عندي ، ولكن عندي طعام فاشتره منى؟ فقال : لا تشتره منه فإنه لا خير فيه » وخبر عبد الصمد بن بشير (٤) قال : سأل الصادق عليه‌السلام أيضا محمد بن القاسم الحناط « فقال : أصلحك الله أبيع الطعام الرجل إلى أجل ، فأجيئ وقد تغير الطعام من سعره فيقول : ليس لك عندي دراهم؟ قال : خذ منه بسعر يومه قال : أفهم أصلحك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب السلف الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من أبواب السلف الحديث ٥.

١١٢

الله إنه طعامي الذي اشتراه منى قال : لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك قال : أرغم الله أنفي رخص لي ، فرددت عليه ، فشدد على » وخبر الحلبي (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى ثوبا ثم رده على صاحبه ، فأبى أن يقبله إلا بوضيعة ، قال : لا يصلح له أن يأخذه ، فإن جهل وأخذه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد » وهي جميعا كما ترى غير مكافئة لغيرها من وجوه ، خصوصا بعد الطعن في السند واختصاص الأولين بالطعام ، واحتمال الأول منهما الإرشاد أو الكراهة كما يومي اليه التعليل ، وعدم التصريح فيه بأنه طعامه الذي باعه إياه ، ولا بزيادة الثمن أو نقيصة ، والثاني ـ مضافا إلى كثير من ذلك ـ أن السائل لما طمع أن يرخص له أخذ طعامه الذي دفعه اليه ، مع أن القيمة قد زادت ، وهو لا يستحق إلا دراهم ، لم يرخص له الا أن يأخذ بسعر يومه ، بل لعل ذلك هو الظاهر منه ، كظهور الثالث في الإقالة بالنقيصة ، المجمع على عدم جوازه ، كالزيادة بحسب الظاهر.

فلا ينبغي التوقف حينئذ في الحكم المزبور في الطعام ، فضلا عن غيره ، وإن حكى عن بعضهم موافقة الشيخ في الأول ، ولا ريب في ضعفه ، وأضعف منه ما عن خلاف الشيخ من أنه لا يجوز شراء طعام ممن باعه طعاما قبل نقد الثمن ولو غير ما باعه إياه بزيادة عن ثمنه ، لأدائه إلى بيع الطعام بطعام بزيادة ، وفيه أن العوض دراهم لا طعام ، هذا كله إذا لم تتغير السلعة.

أما إذا تغيرت عن حالة البيع ، كالهزالة ؛ أو نسيان الصنعة ، أو تمزيق الثوب ، ففي التحرير « جاز شرائه إجماعا وإن كان لا يخلو إطلاقه من بحث في الجملة ، وقد بان لك من ذلك كله أن شراء المبيع المؤجل ثمنه ، إما أن يكون قبل حلول أجله ، أو بعده ، وعلى التقديرين ، فاما أن يكون البائع قد اشترط شرائه في نفس العقد أو لا ، وعلى كل تقدير فاما أن يشتريه بجنس الثمن وقدره ، أو بزيادة أو بنقيصة ، أو بغير جنس ، إما حالا ، أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

١١٣

مؤجلا ، فيكون الحاصل من ذلك كما في حاشية الكركي على الإرشاد أربع وعشرون صورة ، يظهر بأدنى تأمل بطلان اثنتي عشرة منها والخلاف في أربع إلى أن قال : وفي شرح الإرشاد للشهيد أن الحاصل من ضرب صورتي اشتراط شراء المبيع في نفس العقد وعدمه ، في الشراء بزيادة أو نقيصة ، أو بمساواة الجنس الثمن أو بغير جنسه ، حالا أو مؤجلا ، ستة عشر ، وهو غير ظاهر ، بل اثنتا عشر صورة ، لأن الشراء بالجنس ، لا يخرج عن الزيادة والنقصان والمساواة فهي ثلاث وبغير الجنس والحلول والتأجيل ثلاثة أخرى ، ومضروب الست ، في اثنين اثنتا عشرة وإذا ضربت في صورتي الشراء قبل حلول الأجل أو بعده ، تبلغ أربعا وعشرين لا اثنين وثلاثين كما ذكره فليتأمل » قلت : لعل الشهيد نظر الى ان الحلول والتأجيل لكل من الأربعة ، أي البيع بغير الجنس وبه زائدا أو ناقصا أو مساويا ، وعليه تكون ستة عشر فإذا ضربت في صورتي الشراء قبل حلول الأجل وبعده ، تبلغ اثنين وثلاثين. والأمر سهل. نعم عن الشهيد في شرحه المزبور واحتمال إلحاق البيع بالجنس مساويا مؤجلا في صور الخلاف ، لأن للأجل زيادة : وفيه أن العكس أقوى منه احتمالا ، إذا المفروض ان المبيع كان مؤجلا ، فبيعه بمقدار ثمنه حالا مخالف لثمنه ، بل هو كذلك مع نقصان الأجل عن أجله ، أو زيادته ، والله اعلم.

ولا يجب على من اشترى مؤجلا أن يدفع الثمن قبل الأجل وإن طولب إجماعا أو ضرورة وإن دفعه تبر عالم يجب على البائع أخذه وإن لم يكن ضرر عليه بذلك ، بلا خلاف أجده بيننا ، بل في الرياض « الإجماع عليه كالأول » وفي جامع المقاصد « نسبة الخلاف فيه الى بعض العامة » ولكن قد يتخيل الوجوب ، وأنه كالدين الحال في ذلك ، لان فائدة التأجيل الرخصة للمشترى بالتأخير ، لا عدم وجوب الأخذ لو دفعه اليه قبله ، فمصلحته مختصة به ، ولذا يزداد الثمن عليه من أجله ، وله طلب النقصان في مقابلة التعجيل ، وعقد البيع بلا أجل يقتضي وجوب الدفع والأخذ ، واشتراط الرخصة للأول لا يستلزمها للثاني ، بل الظاهر أن المراد من الأجل التوسعة في ذلك الزمان إلى نهاية‌

١١٤

الأجل ، أي لا يضيق إلا في ذلك الزمان كالواجب الموسع ، وقد يتفرع على ذلك أن للمشترى إسقاط حق التأجيل كما في غيره من الحقوق

لكن في القواعد « أنه لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط وليس لصاحبه المطالبة في الحال » وعلله في جامع المقاصد « بأن ذلك قد ثبت بالعقد اللازم لانه المفروض ، فلا يسقط بمجرد الاسقاط ، ولأن في الأجل حقا لصاحب الدين ولهذا لا يجب قبوله قبل الأجل ، أما لو تقايلا في الأجل فإنه يصح ، ولو نذر التأجيل فإنه يلزم ، وينبغي أن لا يسقط بتقايلهما إذا التقايل في العقد لا في النذر »

وفيه أن ثبوته بالعقد اللازم ، لا يمنع من سقوطه بالإسقاط ، كاشتراط الخيار ونحوه ، ويمكن منع حقية صاحب الدين فيه ، واتفاق وجود مصلحة له في ذلك ، لا ينافي كونه من حقوق المشتري ، كالخيار المشروط له ، كما أنه يمكن منع مشروعية التقايل فيه خاصة دون أصل العقد ، ولو صح رجع الى الإسقاط ، ومع فرض أنه من حقوق المشتري خاصة ، لم يعتبر اتفاق البائع معه على الإسقاط الذي هو بمنزلة الإبراء ، بل هو منه ، كما أومى إليه هو في حاشية الإرشاد في مسألة التعجيل بالنقيصة ، بل لعله الظاهر من القواعد في باب السلم.

وما في الرياض ـ من أنه نمنع استلزام انحصار فائدته في الرخصة للمشتري بعد تسليمه وجوب الأخذ على البائع مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النص والإجماع ، لاختصاصه بغير صورة الفرض ـ يدفعه ما عرفت من اقتضاء العقد ذلك ، وأن الشرط المزبور حق للمشتري خاصة ، فيسقط بإسقاطه كغيره من الشرائط التي له على البائع ، فالعمدة حينئذ الإجماع المزبور. والله اعلم.

وإن حل الأجل فمكنه المشتري منه بعد المطالبة أو قبلها وجب على البائع أخذه إذا كان مساويا لما في الذمة قدر أو جنسا ووصفا ، بلا خلاف‌

١١٥

أجده فيه أيضا ، بل في الرياض الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد حديث الضرار (١) الشامل للمقام ، ضرورة تحقق الضرر على المشتري ببقائه مشغول الذمة ،

وقد يناقش في الوجوب من حيث الدفع بارتفاع الضرر بقبض الحاكم مع الامتناع أو بتشخص المدفوع للمشترى بحيث يكون الضمان منه معه ، والعقد إنما يقتضي ملك الثمن على المشتري لا وجوب قبضه فهو كما لو كان الثمن عينا ، فإنه لا يجب عليه القبض من حيث الدفع ، بل هو إن كان من حيث حرمة الإتلاف ، وتدفع بأن الثابت من الأدلة ذلك خصوصا قوله تعالى (٢) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) فان وجوب الوفاء بها يتبع وجوب الدفع ووجوب القبول وحينئذ فإذا انتفى سقط اعتباره ، إذ هو كالدفع من المديون يجب عليه أولا فإذا امتنع جاز التقاص من ماله

وكيف كان فان امتنع البائع من أخذه ثم هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان من مال البائع على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا مع تعذر الحاكم ، لأن في هلاكه من المشتري ضررا عظيما ، فيكون منفيا بالنص (٣) وتعين الدين بالقبض ممن له أو من يقوم مقامه ـ ولذا كان للمديون تغييره ما لم يقبض ـ إنما هو في غير الفرض ، ضرورة أن التعيين كما يتوقف على قبض المالك يتوقف على تعيين المديون ، فإذا امتنع أحدهما في محل الوجوب وجب أن يسقط اعتباره ، حذرا من لزوم الضرر

إنما الكلام في اعتبار الحاكم وظاهر الأصحاب قصر الحكم هنا عليه ، إذ لم أجد في كلام من وقفت عليه منهم ذكر غيره إلا في الحدائق فجعل عدول المؤمنين مرتبة أخرى هنا ، وهو موقوف على عموم ولايتهم لمثل المقام ، وفيه بحث ، بل قد يظهر من إطلاق الشيخين وابن حمزة في المقنعة والنهاية والوسيلة والمتن والنافع والمحكي عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ و ٥.

(٢) سورة المائدة الآية ١.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٤.

١١٦

الديلمي والقاضي وكذا التقى عدم اعتبار الحاكم في التلف من البائع ، ولعله لعدم ثبوت ولايته في المقام ، وإطلاق حديث الضرار ؛ خلافا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين والكركي ومحكي المبسوط والسرائر ، بل ربما قيل : إنه المشهور فخصوه بما إذا تعذر الحاكم ، ومقتضاه ، كون المقاصة من المساوي للدين كذلك ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كليا إلا بقبضه على محل الوفاق ، والتفاتا إلى اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم ، فلو قصر كان كالمفرط في المال ؛ ـ من حيث تمكنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه ، فيكون من ماله ، وإلى أن الحاكم كما أنه قائم. مقام الغائب ، يقوم مقام الممتنع عمن يجب عليه ؛ ولذا يأخذ الزكاة منه قهرا ، ويتولى النية ، ويؤدي ديونه وما يجب عليه من نفقة ونحوها من ماله نعم هل يجب ذلك كما زائد هو وظيفته؟ لكن في الدروس عن ابن إدريس وجوب القبض الى على الحاكم بمجرد الامتناع ، أو مع تعذر جبره على الواجب وسؤال البائع القبض؟ قد يقوى الثاني ، ومنه يعلم حينئذ وجوب جبر الحاكم له على ذلك كما هو وظيفته ، لكن في الدروس عن ابن إدريس وجوب القبض على الحاكم ، ولا يجب عليه الإجبار على القبض أو الإبراء ، واستبعده فيها ، وهو كذلك.

نعم يمكن القول بعدم إجباره إن لم يسأله الدافع ، كما في سلم جامع المقاصد قال : « لأن يده يد رضي بها المدفوع له ، ولم يصدر منه ما ينافيها » وقال فيه أيضا : « إن للحاكم قبضه وإن لم يجبره على قبضه ، وأنه لو لم يسأله الدافع لم يجب عليه قبضه ، وإنه يجوز ذلك له وإن لم يسأله » وفيه بحث في الجملة يعرف مما ذكرنا.

ثم إن من الواضح عدم وجوب الدفع إلى الحاكم بعد الامتناع ، بناء على اعتباره ، لعدم تشخص المدفوع للبائع ، بل هو باق على ملك المشتري ، فله التصرف فيه وإبقاء الحق في ذمته. نعم إذا أراد إبراء ذمته من الحق دفعه إلى الحاكم ، إذ الظاهر الاتفاق على تشخصه بقبضه له ، وربما ظهر من بعض مشايخنا عدمه.

١١٧

نعم يكون تلفه منه خاصة ، وبناء على التشخيص بالامتناع من غير حاجة إلى قبض الحاكم يمكن القول بوجوب دفعه إليه ، لأنه مال مسلم محترم يتمكن وصوله من وليه فيجب ، والأقوى عدم الوجوب ، للأصل ،

لكن هل يبقى أمانة في يده يجب حفظها أولا؟ قد يظهر من المتن والدروس وغيرهما الأول ، بل هو صريح اللمعة ، والثاني لا يخلو من وجه بل قوة ، قال في جامع المقاصد : « إذا امتنع المالك من القبض وتعذر الحاكم ، زال الضمان عن الدافع بالتعيين لكن هل هو مشروط بالحفظ بمجرى العادة فيكون أمينا أم لا؟ فلا يكون الحفظ واجبا عليه ، لم أجد به تصريحا للأصحاب ، لكن قوة التأمل في كلامهم تشهد للثاني حيث أطلقوا نفى الضمان عنه ، دفعا للضرر ، ولو وجب الحفظ الدائم لبقي الضرر المحذور ، وألزم بالضمان بالتقصير فيه ، ويتجه الفرق بين ما إذا عرضه على المالك بعد تعيينه ولم يأت به لكنه أعلم بالحال ، وبين ما إذا أتاه وطرحه عنده ، فينتفى وجوب الحفظ في الثاني ، دون الأول ، وإن اشتركا في عدم الضمان » ونحوه في حاشية الإرشاد له ؛ ولعل مراده بالاشتراك في عدم الضمان على تقدير عدم التفريط ، لا مطلقا ، فلا ينافي ما تقدم من قوله لو وجب ألزم بالضمان.

وعلى كل حال ففي جريان مثل ذلك في الحاكم لو قبضه إشكال ، لكن في المسالك في باب السلم في شرح قول المصنف ، ولو امتنع قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك قال : « هذا مع إمكانه ، ومع تعذره يخلى بينه وبينه ؛ وتبرأ ذمته وإن تلف ، وكذا يفعل الحاكم لو قبضه ، إن لم يمكن إلزامه بالقبض » كالإشكال في أصل ثبوت التشخيص بالامتناع مطلقا أو مع تعذر الحاكم على اختلاف القولين وإن كان ظاهر الأصحاب ذلك ، بل هو صريح جماعة منهم ، وقد يحتمل العدم ، وإن كان لو تلف يكون من مال البائع على كل حال ، إذ به يتحقق رفع الضرر ، ويحصل الجمع بين قاعدة عدم التشخيص إلا بقبض ذي الدين ، وبينه‌

١١٨

وربما أومى إليه في الدروس قال : « ولو امتنع البائع أثم ، ولو هلك بعد تعيينه فمن ماله ، ما لم يفرط فيه المشتري أو يتعدى ، وللمشتري التصرف فيه ، فيبقى في ذمته ؛ ضرورة ان جواز تصرف المشتري فيه مستلزم لبقاء ملكه عليه ، وحينئذ فالنماء بين التعيين والتلف له ، اللهم إلا أن يقال : يمكن التزام الشهيد بأنه ملك البائع متزلزلا ؛ فله الرجوع فيه ، فالنماء حينئذ له ، إلا إذا أعاده المشتري إلى ملكه وفي الروضة « إنه ربما قيل ببقائه على ملك المشتري وإن كان تلفه من البائع »

ثم إنه قد ينقدح بناء على التشخيص القول بمثله فيمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في مال على حكم الإشاعة ، بحيث يتعين المدفوع للشريك ولا يتلف منهما معا ، وكذا لو تسلط الظالم بنفسه ، وأخذ قدر نصيب الشريك ، لكن في جامع المقاصد وحاشية الإرشاد لم أجد تصريحا للأصحاب بنفي ولا إثبات ، مع أن الضرر قائم هنا ، وفي الأول إن المتجه العدم ، وفي الثاني إن الحكم مشكل ، قلت : ويؤيده الأصل وعدم التقصير من الشريك فلا ضرر من قبله. والله أعلم.

وكذا البحث بتمامه في طرف البائع إذا باع سلما لكن صرح المصنف هناك بقبض الحاكم ، ولا فرق بين المقامين على الظاهر وكذا كل من كان له حق ، حال أو مؤجل ، فحل ثم دفعه ، وامتنع صاحبه من أخذه ، فإن تلفه من صاحبه الذي يجب عليه قبضه على الوجه المذكور لاتحاد الجميع في المدارك كما هو واضح

لكن لا يخفى أنه قد ذكرنا ذلك كله موافقة لكلماتهم التي جملة منها مجرد دعوى بلا دليل فضلا عن أن يصلح قاطعا لأصالة عدم تشخص الدين وعدم ملك المستحق ، وعدم براءة ذمة المستحق عليه في جملة من الصور المفهومة من كلامهم ، كذا دعوى ملك المستحق لما يعينه المديون متزلزلا على وجه يجوز للدافع الرجوع به أو دعوى أنه باق على ملك الدافع ولكن التلف يكون من مال الديان.

نعم قد يقال : في خصوص ما لو مكنه منه على وجه يدخل به تحت‌

١١٩

يده عرفا ، وتحت سلطانه وتحت قبضته برأت ذمة المديون وصيرورة المال ملكا للديان لأنه قبض أو كالقبض ، ضرورة صدق الأداء والوفاء والإعطاء ونحوها مما هو مستفاد من خطاب الديان ، وكذا بالنسبة إلى أداء الأمانة ، وإيصال المغصوب ، وخروج المبيع عن ضمان البائع ، وربما يشهد لذلك في الجملة ما ذكروه في غير المقام ، من صدق الوفاء وإيصال الحق إلى مستحقه ، بالدس في المال على وجه يدخل في قبضته وتحت سلطانه ، ويمكن تنزيل عبارة المتن ونحوها على هذه الصورة ، ولذا لم يعتبروا اذن الحاكم ، بخلاف غيرها من الصور التي لا يصدق معها التمكين فعلا. وإن قال له : إن حقك موجود هو في الدار ونحو ذلك ، مما هو طلب للتمكين منه ، لا أنه مكنه فعلا ، فان الظاهر عدم تشخص الحق بذلك ولو مع تعذر الحاكم والعدول ، للأصل بل الأصول ، ومشروعية المقاصة لا تقتضي مشروعية ذلك.

نعم هنا بحث في ولاية الحاكم عنه في القبض حينئذ أو في حال الغيبة ، وأراد المديون فراغ ذمته وهو شي‌ء آخر ، غير ما نحن فيه من تعيين من عليه الحق ، وبذلك يظهر لك النظر في جملة من الكلمات ؛ حتى ما سمعته من الكركي ، فإنه وإن كان قد حام حول الحمى فيما ذكره من مسألة وجوب الحفظ وعدمه ، إلا أن ظاهره الاكتفاء بتعيينه في الصورة الاولى ، وإن وجب عليه الحفظ ، فلاحظ وتأمل والله العالم.

ويجوز بيع المتاع حالا ومؤجلا ، بزيادة عن ثمنه ونقصان جوازا لا خيار فيه إذا كان كل من البائع والمشتري عارفا بقيمته ما لم يكن سفها ، والا بطل العقد إن كان بعد تحجير الحاكم أو قبله ، بناء على عدم الحاجة إليه في منع تصرفه ، كما أن للمغبون منهما الخيار مع الجهل بالقيمة ، بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، وإن كان في عبارة المتن وغيرها من عبارات الأصحاب خلل ما في تأدية ذلك ، إلا أنه سهل بعد وضوح الحال ومعلومية الحكم.

وكذا لا خلاف ولا إشكال في أنه لا يجوز تأخير ثمن المبيع ولا شي‌ء من‌

١٢٠