بحوث في علم الأصول - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٢

عدمها من غير ناحية المقدمة بل الوجوب ثابت لها من أول الأمر ويتطلب سد كل أبواب عدمها (١).

وهذا الوجه في إبطال هذا القول صحيح لا غبار عليه (٢).

القول الثالث : ما نسب إلى الشيخ الأعظم على ما في تقريرات بحثه من ان الواجب الغيري هو المقدمة مع قصد التوصل بها إلى الواجب النفسيّ على نحو يكون قصد التوصل من قيود الواجب الغيري.

وذكر السيد الأستاذ (٣) : ان هذا القيد هو نفس القيد الّذي أفاده صاحب المعالم ( قده ) ، غاية الأمر انه جعله قيدا للوجوب الغيري والشيخ ( قده ) يجعله قيدا للواجب ، إلا انه بالدقة يوجد فرق بين قصد التوصل بالمقدمة وبين قصد ذي المقدمة وإرادته ، إذ قد يريد المكلف فعل ذي المقدمة ولكنه مع ذلك يأتي بالمقدمة فعلا بقصد آخر.

وعلى أي حال عبائر التقريرات مشوشة في شرح مرام الشيخ ( قده ) ، في المقام فهناك احتمالات عديدة في تفسير مرامه.

الأول : ما ذكر من أخذ قصد التوصل قيدا في الواجب الغيري.

الثاني : ان وقوع المقدمة امتثالا وعبادة يتوقف على قصد التوصل بها ، وهذا المعنى لو كان هو المتصور فهو معنى صحيح لما تقدم من أن الوجوب الغيري ليس بنفسه قربيا وعباديا.

الثالث : ان قصد التوصل قيد في الواجب قيد في الواجب الغيري كالأول ولكنه في خصوص الواجبات المتوقفة على مقدمة محرمة ، فانها تقع محرمة الا إذا جيء بها بقصد التوصل ، فتكون واجبة ، وهذا بخلاف المقدمة المباحة فانها واجبة على الإطلاق ، وهذا المعنى

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ج ٢ ، ص ٤٠٤.

(٢) يمكن لصاحب المعالم ان يختار الشق الأول. وهو ثبوت الوجوب النفسيّ عند عدم إرادة فعل الواجب النفسيّ رغم ارتفاع الوجوب الغيري. ودعوى استحالة ذلك من جهة لزوم التفكيك بين المتلازمين مصادرة ، إذ تتوقف على افتراض ان الملازمة بين الوجوب المطلق للمقدمة مع وجوب ذيها لا بين الوجوب المشروط لها ووجوب ذيها. وهو أول الكلام ، فانه يدعي ان إيجاب شيء لا يستلزم الا إيجاب مقدماته مشروطا بالعزم على إتيان ذلك الشيء ، واما لو لم يكن يريد الإتيان به فلا تكليف آخر للمولى عليه بإتيان مقدماته. فالأولى في الإشكال الرجوع إلى مدرك الملازمة وانه اما التوقف أو الوصول إلى ذي المقدمة ، وكلاهما لا يقتضيان تقييد الوجوب ، وانما الثاني منهما يقتضي تقييد الواجب الغيري بالحصة الموصلة على بيان يأتي في محله.

(٣) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٢٣٣.

٢٤١

سوف يقع الحديث عنه لدى التعرض لثمرة البحث عن وجوب المقدمة بصيغة المتعددة. فموضوع البحث في هذا القول المنسوب إلى الشيخ ( قده ) ، هو الاحتمال الأول. وقد يعترض على هذا القول : بأنه لا وجه لأخذ قيد قصد التوصل في الواجب الغيري ، إذ لو كان ملاك الوجوب الغيري هو التوقف ، فهو يقتضي الوجوب لمطلق المقدمة وان كان الملاك هو التوصل وحصول الواجب النفسيّ بها ، فهو يقتضي وجوب المقدمة الموصلة ، فاعتبار قصد التوصل بلا مأخذ.

وقد حاول المحقق الأصفهاني ( قده ) ، تخريج هذا القول على أساس ان الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية دائما تكون تقييدية. فيكون الموصول من المقدمة هو الواجب بحكم العقل بالملازمة ، وبما ان الوجوب يتعلق ككل تكليف بالحصة الاختيارية ، أي الصادرة عن قصد واختيار ، فلا تقع المقدمة مصداقا للواجب الغيري الا إذا جيء بها بقصد التوصل (١).

وقد وافق سيدنا الأستاذ على كبرى رجوع الحيثيات التعليلية إلى تقييدية في أحكام العقل مطلقا ، ولكنه ناقش في كلام هذا المحقق بان الوجوب المبحوث عنه في المقدمة هو الوجوب الشرعي لا العقلي ، وانما العقل مجرد كاشف عنه (٢).

مع ان هذا تهافت ، فانه إذا وافقنا على ان الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية مطلقا العملية والنظرية ، تكون تقييدية ، فلا وجه لخروج المقام عن تلك القاعدة ، إذ ليس دور العقل في الأحكام خصوصا النظرية سوى الكشف والإحراز ، فالتسليم بتلك المقدمة مناقض مع الاعتراض عليه ، وانما الصحيح في الجواب ان يقال :

أولا ـ ان هذه القاعدة كلام موروث يقصد منه الأحكام العقلية العملية ، لا النظرية ، فعند ما يقال ( الضرب للتأديب حسن ) ، يكون التأديب هو الحسن لا ان التأديب يجعل الضرب بعنوانه حسنا ، وذلك لأن هذه الأحكام العملية أمور نفس أمرية يدركها العقل لموضوعاتها بالذات ، وهذا بخلاف المجعولات الشرعية ، فانها ربما تؤخذ في لسان جعلها حيثيات هي وسائط لثبوت الحكم على موضوع ، وكذلك

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ، ج ٢ ص ٤٠٧.

٢٤٢

مدركات العقل النظريّ حيث قد تكون حيثية ما ، سببا لإدراك العقل حكما على موضوع ليست تلك الحيثية مأخوذة فيه.

وثانيا ـ لو سلمنا ذلك فما أفيد من ان الوجوب لا بد وان يتعلق بالحصة الاختيارية بالخصوص من المقدمة غير صحيح ، وذلك تارة : لعدم صحة الكبرى على ما تقدم في محله ، فان اشتراط القدرة والاختيار في التكاليف ليس بمعنى لزوم اختصاص متعلقاتها بالحصة الاختيارية بل يمكن تعلقها بالجامع بين الحصة الاختيارية وغير الاختيارية ، نعم لا يمكن تخصيصها بالحصة غير الاختيارية ، وأخرى : لعدم انطباق ذلك في المقام حتى لو سلمت الكبرى لأن الوجوب الغيري وجوب تبعي قهري ، وليس بملاك جعل الداعي لكي يشترط فيه تعلقه بالحصة الاختيارية بالخصوص.

وثالثا ـ شرطية الاختيار في التكليف ليست بمعنى لزوم القصد والعزم والإرادة لمتعلق التكليف ، بل يكفي فيها عدم الغفلة والجهل وعدم العجز والاضطرار ، فمن يضرب شخصا بقصد إظهار قوته امام الآخرين وهو ملتفت إلى ان ضربه له سوف يؤدي إلى هلاكه يكون القتل الصادر منه اختياريا رغم انه ربما لم يكن يقصد قتله ولا يريده وعليه : فمن يأتي بالمقدمة لغرض فيها ولكنه يعلم أيضا بأنها سوف تكون موصلة إلى ذي المقدمة تكون المقدمة الصادرة منه اختيارية رغم انه لم يقصد التوصل بها.

ورابعا ـ ان هذا التخريج لا يثبت مقالة الشيخ الأعظم ، بل ينتج الجمع بين قيدين ، قصد التوصل والموصلية ، وهذا جمع بين مقالة الشيخ ومقالة صاحب الفصول ، التي سوف يأتي شرحها ، هذا لو أراد المحقق الأصفهاني من حيثية التوصل الموصلية بالفعل ، واما إذا أراد الموصلية الشأنية الثابتة في كل مقدمة ، فقصدها لا يتوقف على قصد التوصل كما هو واضح.

وهكذا يتضح عدم تمامية هذا القول.

القول الرابع : ما ذهب إليه صاحب الفصول ( قده ) ، من ان الواجب الغيري خصوص الحصة الموصلة من المقدمة.

والبحث عن هذه المقالة يقع في مقامين يتكلم في أحدهما عن البراهين التي

٢٤٣

أقيمت لإبطال هذا القول ، وفي الأخرى ، عن الوجوه والبيانات التي يمكن على أساسها تشييد هذه المقالة الذكية التي انتبه إليها هذا المحقق.

اما المقام الأول : فبراهين بطلان القول بالمقدمة الموصلة يرجع بعضها إلى بيان عدم المقتضي للتقييد بالموصلة وبعضها إلى استحالة التقييد بها ، وفيما يلي نستعرض هذه الوجوه :

الوجه الأول : دعوى لزوم التسلسل من تخصيص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة ، وذلك لأن المقدمة الموصلة مركب من ذات المقدمة وتقيدها بالإيصال إلى ذي المقدمة ، وبما ان الوجوب الغيري يثبت لمقدمة المقدمة أيضا ولا تختص بالمقدمة المتصلة ، فحينئذ يلزم التسلسل ، اما بتقريب يظهر من عبائر المحقق النائيني وحاصله : ان ذات المقدمة التي أصبحت مقدمة ثانوية ان كانت مقيدة بالإيصال إلى المقدمة الأولية أصبحت مركبة أيضا من ذات المقدمة الثانوية وإيصالها إلى المقدمة الأولية فلا بد من وجوب غيري ثالث. وهكذا حتى يتسلسل ، وان كانت غير مقيدة بالإيصال فلنقل بذلك من أول الأمر بلحاظ المقدمة الأولية (١).

ويكفي في جواب هذا التقريب ان ذات المقدمة تكون جزءا ومقدمة داخلية للمقدمة الموصلة ، والوجوب الغيري على القول به يترشح على المقدمة الخارجية. لأن نكتته التوقف في الوجود ، وهذا مفقود بالنسبة إلى الاجزاء.

واما بتقريب آخر حاصله : ان الواجب إذا كان الحصة الموصلة إلى ذي المقدمة أصبح ذو المقدمة قيدا في الواجب الغيري ، فلا بد وان يكون واجبا غيريا أيضا. وحيث انه متوقف على المقدمة فلا بد وان يترشح وجوب غيري آخر من إيجاب ذي المقدمة على المقدمة وهي أيضا مقيدة بالإيصال إليه ، وهكذا تتسلسل الوجوبات الغيرية.

والجواب :

أولا ـ بما سوف يأتي في محله من ان القول بالمقدمة لا ينحصر معناه في أخذ التوصل قيدا بل له معنى آخر هو ان الواجب الغيري عبارة عن العلة التامة أو ما يكون بمثابتها

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ، ص ٢٣٨.

٢٤٤

للواجب ، وهذا امر واحد لا يتعدد على ما سوف يأتي توضيحه. وهذا الجواب يرد التقريب الأول للتسلسل أيضا.

وثانيا ـ لو سلمنا ان الوجوب الغيري يترشح على كل ما هو مقدمة ، فلا إشكال في ان مبدأ هذا الترشح انما هو الإيصال إلى الواجب النفسيّ لا الغيري ، مهما تعدد وتكثر ، لأن الوجوب الغيري تبعي غيري ولا يمكن ان يدعو لنفسه ، وحينئذ يقال : إذا كانت المقدمة الثانوية مغايرة مع الواجب النفسيّ أو الواجب الغيري الأول كإخراج الماء للوضوء. أمكن ان يكون هناك وجوب غيري خاص به ، واما إذا كانت نفس الواجب النفسيّ كما في قيدية ذي المقدمة لإيصال المقدمة ـ التقريب الثاني ـ أو نفس الواجب الغيري الأول ـ كما في التقريب الأول ـ فان ذات المقدمة تقيد بإيصالها إلى ذي المقدمة لا إلى المقدمة الموصلة ، فلا معنى لترشح وجوب غيري جديد ليلزم التسلسل.

وثالثا ـ أساسا مثل هذا التسلسل ليس محالا لأنه ينقطع بانقطاع الاعتبار واللحاظ ، لأنه ليس تسلسلا وجوديا ، وانما هو من التسلسل في الاعتبار وملاحظة حيثية الإيصال إلى المقدمة وهو ينقطع بانقطاع الاعتبار والملاحظة ، فلا محذور في ان تكون هناك أشواق نفسية غيرية متسلسلة وممتدة كلما امتدت الملاحظة والاعتبار في عالم نفس الآمر.

الوجه الثاني : لزوم اجتماع المثلين ، أي الوجوبين على ذي المقدمة ، لما تقدم من أنه على القول بالمقدمة الموصلة يكون ذو المقدمة قيدا فيها ، فيترشح وجوب غيري عليه فيجتمع فيه الوجوبان النفسيّ والغيري.

وقد ظهر جواب هذا الوجه مما ذكرناه في رد الوجه السابق ، فان القول بالمقدمة الموصلة لا يعني أخذ الإيصال قيدا في الواجب الغيري زائدا على ذات المقدمة ، وان مبدأ الوجوب الغيري هو الإيصال إلى الواجب النفسيّ فلا بد وان يكون ما يترشح عليه الوجوب الغيري من الواجب النفسيّ امرا آخر غير الواجب النفسيّ ليعقل ان يترشح عليه وجوب غيري ، لا ما إذا كان نفسه.

الا ان السيد الأستاذ ذكر في المقام جوابا ثالثا هو الالتزام بالتعدد ثم التأكد

٢٤٥

والاشتداد في الوجوب والشوق ، نظير تعلق النذر بالواجب.

وفيه : ان ازدياد الشوق وتأكد الوجوب ، انما يكون على أساس وجود ملاكين يقتضيان الشوق ولكن يستحيل تأثير كل منهما على حدة لاستحالة اجتماع شوقين في آن واحد على موضوع واحد ، فيؤثر ان تأثيرا واحدا في إيجاد شوق شديد ووجوب أكيد ، وهذا في المقام غير معقول لأن مقتضى الشوقين وملاكهما واحد وهو الملاك النفسيّ ، فلا يعقل تأكد الوجوب ولا يصح قياسه على تعلق النذر بالواجب.

الوجه الثالث : لزوم الدور ، وهذا المحذور تارة : يقرب بلحاظ عالم الوجود بدعوى ان المقدمة الموصلة متوقفة على الإيصال إلى ذي المقدمة فتكون متوقفة عليه والمفروض انه متوقف عليها وهذا دور. والجواب على هذا التقريب واضح ، فان المدعى ان الوجوب الغيري متعلق بالحصة الموصلة لا ان الواجب النفسيّ متوقف على الحصة الموصلة بل هو متوقف على ذات المقدمة ، فلا دور.

وأخرى : يقرب بلحاظ عالم الوجوب إذ يلزم من وجوب الحصة الموصلة وجوب ذي المقدمة لكونه قيدا لها مع ان وجوب المقدمة ناشئ من وجوب ذي المقدمة وهو دور وقد أجاب عليه الأستاذ : بأن الوجوب الّذي يتولد منه وجوب المقدمة هو الوجوب النفسيّ لذي المقدمة ، والوجوب الّذي يتولد من وجوب المقدمة هو الوجوب الغيري لذي المقدمة ، فلا دور (١).

وهذا الجواب واضح لو كان المستشكل يفترض عدم التأكد.

اما لو كان يرى لزوم التأكد بين الوجوبين اتجه المحذور حينئذ بتقريب : ان الوجوب النفسيّ للصلاة مثلا يترشح منه وجوب غيري للوضوء الموصل ، ويترشح منه وجوب غيري للصلاة فان بقي الأول والثالث على حديهما من دون تأكد لزم اجتماع المثلين ، وان اتحدا لزم تقديم المتأخر وتأخير المتقدم ، لأنهما في مرتبتين مترتبتين وهو روح الدور ولكنك عرفت ان الأصول الموضوعية لهذا التقريب من ترشح الوجوب الغيري

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ، ج ٢ ، ص ٤١٤.

٢٤٦

على ذي المقدمة ومن كون الوجوب الغيري في طول الوجوب النفسيّ ومن لزوم التأكد كلها باطلة.

الوجه الرابع : ما ذكره صاحب الكفاية ( قده ) ، من ان الوجوب الغيري إذا كان متعلقا بالحصة الموصلة من المقدمة بالخصوص فإذا جيء بالمقدمة وبعد لم يشرع في ذي المقدمة ، فهل يسقط الأمر الغيري أم لا؟. فإذا فرض عدم سقوطه لزم منه طلب الحاصل ، إذ لم يبق شيء الا ذو المقدمة وان فرض سقوطه ، فسقوط امر لا يكون الا بالامتثال أو العصيان أو ارتفاع الموضوع أو تحقق الغرض بحصة منه لا يمكن انبساط الأمر عليها ، والمتعين منها هنا هو الأول لا محالة ، وهو يعني تعلق الأمر الغيري بذات المقدمة (١).

والجواب : أولا ـ بالنقض بموارد الإتيان بالجزء قبل تحقق المركب فانه يرد فيها نفس البيان ، بل والنقض على صاحب الكفاية بالخصوص بما ذكره في بحث الاجزاء من إمكان تبديل الامتثال بالامتثال إذا كان الواجب مقدمة إعدادية لغرض أقصى لم يتحقق بعد ، لبقاء الأمر ، وبما ذكره في بحث التعبدي من بقاء الأمر وعدم سقوطه إذا لم يأت بقصد القربة رغم ان متعلق الأمر ذات الفعل ، فان محذور طلب الحاصل أوضح بل لا نملك جوابا صحيحا عليه فيهما بخلاف المقام على ما سوف يظهر.

وثانيا ـ الحل بان الأمر الغيري وكذلك الأمر الضمني لا يسقطان بمجرد فعل المقدمة أو الجزء لا من جهة ان متعلقهما مقيد بالإتيان بباقي الاجزاء أو بذي المقدمة فلا يتحقق الا بعد ذلك فان هذا غايته ان هناك امرين ضمنيين ، أحدهما بذات الجزء أو المقدمة والآخر بالتقيد فيرد الكلام في الأمر الضمني المتعلق بذات الفعل ، بل لأن تحصيل الأمر الضمني والغيري ، ليس تحصيلا مستقلا ، وانما يكون من خلال تحصيل الأمر الاستقلالي النفسيّ ، إذ ليس هنا لك بحسب الحقيقة الا امر واحد له محركية ومحصلية واحدة وبالنسبة إليه لا يكون الأمر تحصيلا للحاصل ، واما ما يسمى بالأمر الضمني فهو امر تحليلي وكما ان وجوده يكون ضمنيا محصليته وسقوطه أيضا يكون

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١٨٦.

٢٤٧

ضمنيا أي ضمن محصلية الأمر الاستقلالي وسقوطه ، وهذا البيان هو الفارق بين المقام وبين موردي النقض من مباني صاحب الكفاية عليه. وهو كما يجري في الأوامر الضمنية يجري أيضا بناء على القول بالمقدمة الموصلة في الأوامر الغيرية ، فان الأمر بالمقدمة امر بها مع انضمام سائر المقدمات الموصلة إلى ذي المقدمة ، فيكون سقوط الأمر بها بسقوط الأمر به (١).

الوجه الخامس : ما ذكره في الكفاية من عدم المقتضي لاختصاص الوجوب بالحصة الموصلة إذ ملاك إيجاب المقدمة لا يمكن ان يكون ترتب ذي المقدمة عليها ، لوضوح عدم الترتب المذكور في غير الأفعال التسبيبية فلا بد وان يكون الملاك امرا آخر من إمكان ذي المقدمة ، أو القدرة عليه ، أو حصول ما لولاه لما حصل ، أو التهيؤ والاقتراب من فعل ذي المقدمة ، على اختلاف في الصياغات المستفادة من كلمات صاحب الكفاية ، وكل هذه الحيثيات عامة لا تختص بالمقدمة الموصلة (١).

وفيه : أولا ـ ان شيئا مما ذكر لا يمكن ان يكون هو ملاك إيجاب المقدمة بل الملاك والمقتضي في إيجاب المقدمة انما هو أصل وجود ذي المقدمة بها الّذي لا يكون إلا في الحصة الموصلة منها أي الغرض هو التوصل على ما سوف نشرح.

وثانيا ـ بعض ما ذكر من العناوين لا تترتب على المقدمة ، فان إمكان ذي المقدمة ان أريد به الإمكان الذاتي المقابل للامتناع الذاتي فهذا ثابت بذاته ولا يعقل ان يكون

__________________

(١) هذا التزام بعدم المحذور في طلب الحاصل في الاوامر الضمينة وكأن المحذور مخصوص بالامر الاستقلالي مع ان روح استحاله ونكتتها لا تختص بذلك ، ولعل الاوفق في الجواب على هذه الشبهة ان يقال :

اولاً ـ بناءً على ما هو الصحيح من ان الذي يسقط دائما انما هو فاعلية الامر لافعلية ، نقول : ان فاعلية الامر الضمني تسقط كلما تحقق متعلقه خارجا الا اذا كان ترك سائر الاجزاء سببا لتعذر قيد من قيوده كالاقتران أو الموالات مع سائر الاجزاء لان الفاعلية تعني حكم العقل بلزوم الامتثال ، وهذا الحكم انا بحكم به العقل كلما لم بحقق المكلف ما هو متعلق الامر ، اما اذا تحقق المتعلق بنحو بنطبق عليه المأمور به اذا حقق المكلف قيده بعد ذلك ولا بنطبق عليه اذا ما لم يتحقق فانه في مثل ذلك يكون حكم العقل بالامتثال مراعى بانضمام سائر القيود ، ولا ضيرفى ذلك بعد ان نعرف بان السقوط للفاعلية وحكم العقل بالاشتغال لا للفعلية ووجود الامر.

وثانيا ـ ان قياس الاوامر الغيرية بالضمنية بلا موجب اساساً فان الشبهة فيها اوضح جوابا باعتبار انه لافاعلية ولا محركية للاوامر الغيرية وانما هى مجرد اشواق قهرية تبعية للمولى على ما تقدم في الجهة السابقة.

(٢) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١٨٤ ـ ١٨٥.

٢٤٨

متوقفا على المقدمة ، وان أريد به الإمكان الوقوعي المقابل للامتناع الوقوعي أي ما يكون وقوعه مستلزما للمحال فالإمكان الوقوعي يتوقف على إمكان المقدمة وقوعا لا على فعله ، ولو أريد به ما يقابل الامتناع بالغير أي بالعلة فهو يقابله الوجوب بالغير المساوق لوجود ذي المقدمة وهو خلف المقصود. ومثل الإمكان القدرة على ذي المقدمة فانها لا تتوقف على فعل المقدمة بل على القدرة على المقدمة.

وهكذا يتضح : عدم صحة شيء مما ذكر في إبطال القول بالمقدمة الموصلة.

المقام الثاني : في البرهنة على اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة. حاصله : ان ملاك إيجاب المقدمة لا يمكن ان يكون الا التوصل إلى ذي المقدمة إذ أي ملاك غيره اما ان يفرض ملاكا نفسيا ، ولو كان هو التهيؤ والقدرة ، أو غيريا من أجل غرض آخر ، والأول خلف وحدة الغرض ووحدة المطلوب النفسيّ. فلا بد من الثاني أي ان يكون الملاك غيريا ومن أجل غرض آخر ، فان كان ذلك الغرض الآخر غير الواجب النفسيّ وكان نفسيا أيضا لزم الخلف الّذي أشرنا إليه ، وان كان غيريا لزم التسلسل ، وان كان نفس حصول الواجب النفسيّ كان معناه ان الملاك من أول الأمر انما هو حصول الواجب النفسيّ وان ملاكا من هذا القبيل لا يثبت أكثر من إيجاب الحصة الموصلة من المقدمة. وهذا البرهان يطابقه الوجدان أيضا لكل من راجع أشواقه الغيرية بدقة.

يبقى ان نعرف كيفية صياغة وجوب المقدمة الموصلة وما هو معروض الوجوب الغيري بالدقة ، فان هناك عدة تصويرات لذلك.

التصوير الأول : ان الواجب الغيري المقدمة بقيد ترتب ذي المقدمة عليها الّذي ينتزع في مرتبة متأخرة عن وجود الواجب النفسيّ ، وهذا التصوير هو الّذي وقع مبنى لإشكالات الدور والتسلسل المتقدمة ، وقد تقدم عدم صحتها. الا ان هذا التصوير أيضا غير صحيح في نفسه لأن أخذ حيثية ترتب الواجب النفسيّ في متعلق الواجب الغيري معناه انبساط الوجوب الغيري على حيثية لا ربط لها به فان ملاك تعلق الشوق والوجوب الغيري بشيء ليس الا وقوع ذلك الشيء في طريق تحقيق الواجب النفسيّ ، ومن الواضح عدم دخل الحيثية المذكورة في ذلك أصلا بل هي متأخرة في الانتزاع

٢٤٩

والتحقق عن وجود ذي المقدمة ، ومعه كيف يعقل انبساط الوجوب الغيري عليها؟

التصوير الثاني : ان تؤخذ قيد الموصلية في الواجب الغيري ويدعى انها ليست متقومة بتحقق ذيها وانما هي معلولة لذات المقدمة ، فكل من الموصلية وذي المقدمة معلولان عرضيان للمقدمة. وهذا هو الّذي أفاده المحقق الأصفهاني لدفع غائلة المحاذير السابقة.

وفيه : انه لا يدفع المحذور الّذي أوردناه على التصوير السابق من انه لا يعقل تعلق الوجوب الغيري بالحيثية المذكورة بعد كونها غير دخيلة في إيجاد ذي المقدمة ولو فرض ملازمتها مع المقدمة الدخيلة في إيجاده ، فان الوجوب لا يسري إلى الملازمات والا لوجب ترشح الوجوب إلى كل ما يلازم الواجب النفسيّ.

التصوير الثالث : ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) ، من تعلق الوجوب الغيري بالحصة التوأم مع سائر المقدمات وذي المقدمة (١).

وتوضيح ذلك ببيان امرين.

أحدهما : ان تعلق الأمر بشيء قد يكون بنحو الإطلاق وقد يكون بنحو التقيد بقيد مع خروج القيد ودخول التقيد في موضوع الحكم ، وثالثة يكون بنحو خروج القيد والتقيد وبقاء ذات الحصة التوأمة مع القيد في موضوع الحكم كقولك ( خاصف النعل امام ) الّذي لا دخل لخصوصية خصف النعل فيه في الذات المقدسة أصلا وانما موضوع الحكم المشار إليه بها وهي الذات الشريفة.

الثاني : ان تعلق الأمر بالمقدمة بنحو الإطلاق خلف برهان المقدمة الموصلة الّذي فرغنا عن صحته ، وتعلقه بها مقيدة بانضمام سائر المقدمات المستلزمة للوصول إلى ذي المقدمة معناه تقيد كل جزء من المقدمة بالاجزاء الأخرى وهو يعنى توقف كل جزء على الاخر وبالعكس وهذا دور مستحيل ولهذا يحكم باستحالة افتراض كون الجزء في الواجب النفسيّ المركب أيضا مقيدا بالاجزاء الأخرى ، فيتعين ان يكون الوجوب الغيري متعلقا بالحصة التوأم من المقدمة التي تنتج نتيجة التقييد.

وفيه بطلان كلتا المقدمتين.

__________________

(١) مقالات الأصول ، ج ١ ، ص ١١٦.

٢٥٠

اما الأولى ، فلما تقدم مرارا من عدم معقولية الحصة التوأم في باب تقييد المفاهيم والقضايا الحقيقية. وانما يتعقل أخذ القيد مشيرا إلى الحصة في المصاديق المتشخصة في الخارج بقطع النّظر عن التقييد المذكور واما في المفهوم الكلي الموضوع للأحكام بنحو القضايا الحقيقية لو افترض خروج القيد والتقيد معا لم يكن هناك تحصيص بل كان المطلق ، إذ لا تشخص ولا تحصص ، في المفهوم المطلق الا بلحاظ ذلك التقييد.

واما الثانية : فلوضوح عدم الدور فانه من الخلط بين المقدمة الشرعية والعقلية ، لأن لازم تقيد كل جزء بالجزء الآخر أو كل مقدمة بالأخرى. ان الجزء المقيد بما هو مقيد متوقف على تحقق ذات الجزء الاخر وكذلك العكس لا توقف ذات الجزء على الجزء الاخر فالموقوف غير الموقوف عليه ، وهذا ظاهر جدا.

التصوير الرابع : ان الوجوب الغيري متعلق بمجموع المقدمات المساوق مع العلة التامة وحصول ذي المقدمة ولكن لا بعنوان المقدمية والعلية التي هي كالموصلية عناوين انتزاعية لا دخل لها في وجود ذي المقدمة ، بل يتعلق الوجوب المذكور بواقعها وعنوانها الذاتي دون أخذ حيثية الإيصال تحت الوجوب والشوق الغيري وهذا التصوير هو الصحيح.

غير انه ربما استشكل فيه من وجوه.

الأول ـ توهم اختصاصه بالمقدمات التوليدية التي تساوق العلة التامة دون غيرها التي يبقى بينها وبين تحقيق ذي المقدمة اختيار وإرادة.

وفيه ان من جملة اجزاء المقدمات الإرادة نفسها فلو أخذناها في المجموع كانت مساوقة مع العلة التامة.

الثاني ـ ان أخذ الاختيار والإرادة معها غير معقول لأنها ليست باختيارية والا لتسلسل ، والتكليف لا بد وان يتعلق بالفعل الاختياري. وهذا الاعتراض انما يرد على مباني من يرى ان الاختيار والقدرة الّذي هو شرط في التكليف بمعنى الإرادة.

وفيه ـ أولا ـ عدم اشتراط الاختيارية في الواجبات الغيرية التي هي قهرية على القول بها على ما تقدم سابقا ، فان المحذور في التكليف بغير الاختياري اما هو عدم إمكان الباعثية والداعوية ومن الواضح اختصاصها بالواجب النفسيّ ، واما إحراج

٢٥١

المكلف وإيقاعه في العصيان وهذا أيضا غير حاصل في الوجوب الغيري ، اما لأنه لا عقاب فيه ـ على ما تقدم ـ واما باعتبار ان الإحراج بهذا المقدار واقع بلحاظ الواجب النفسيّ على كل حال.

وثانيا ـ يمكن افتراض اختيارية الاختيار سواء فسرناها بالإرادة كما عند المحقق الخراسانيّ ( قده ) أو باعمال القدرة وهجمة النّفس كما عند الميرزا ( قده ) ـ وذلك باختيار مقدماته من التأمل والبحث عن المصلحة ونحو ذلك ، فانه بذلك تصبح إرادة الفعل اختيارية اما بالإرادة والاختيار الموجود قبلها ـ كما هو مسلك صاحب الكفاية حيث يتعقل اختيارية الاختيار بوجود اختيار وإرادة قبله تتعلق بالمقدمات ـ أو بنفسها ـ كما هو مسلك الميرزا ( قده ) حيث يرى ان اختيارية كل شيء غير الاختيار تكون بالاختيار ولكن اختيارية الاختيار تكون بنفسها لرجوع كل ما بالعرض إلى ما بالذات ـ وعليه فيمكن الأمر الغيري بمجموع المقدمات التي منها اختيار الفعل المساوق مع العلة التامة.

وهذا الجواب هو الّذي اختاره المحقق الأصفهاني ( قده ) (١) أيضا في رد الاعتراض المذكور ، غير ان هذا الجواب غير صحيح وذلك باعتبار ما تقدم منا سابقا من ان تعلق الإرادة بالإرادة مستحيل ، لأن الإرادة في الصور الاعتيادية لا تكون الا عن مصلحة في المراد ، فإذا كان الفعل المراد كامل المصلحة فهو يقتضي تحقق إرادة الفعل ابتداء والا فكما لا تتحقق إرادة الفعل لا تتحقق إرادة أن يريد لعدم ملاك فيها غير الملاك الطريقي الثابت في الفعل نفسه (٢).

الاعتراض الثالث ـ ان أخذ الإرادة مع سائر المقدمات لا يجدي في صيرورة المقدمة موصلة لأن مجموعها مع الإرادة أيضا لا تكون علة تامة كي يساوق الإيصال ، وذلك لما تقدم منا من ان حصول الإرادة نحو الفعل لا يستلزم ان يكون الفعل واجبا بالغير بل لا يزال ممكن الوجود وللمكلف ان يتركه بمقتضى سلطنته التي قلنا انها غير مفهوم الوجوب بالغير.

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٢) كما ويرد على المحقق الأصفهاني ( قده ) أيضا : ان الإرادة الثانية لو فرض خروجها عن معروض الواجب الغيري لم يكن متعلق الوجوب الغيري مساوقا مع العلة التامة ، ولو كانت من أجزاء المقدمة الواجبة لزم تعلق الأمر بما لا يكون إراديا فيعود والمحذور.

٢٥٢

وفيه : ان برهان اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة لم يكن يقتضي الاختصاص بالمقدمة التي يستحيل ان تنفك عن ذيها بمعناه المعقولي الفلسفي ، إذ لا موجب لأخذ ذلك قيدا فيه وانما تمام النكتة والملاك لإيجاب المقدمة ضمان حصول ذي المقدمة بحسب عالم الأفعال الاختيارية الّذي هو عالم التكاليف لا عالم الأفعال الطبيعة القسرية الّذي هو عالم الوجوب والامتناع ، ومن الواضح ان مجموع المقدمات بما فيها الإرادة الكاملة الواجدة لمقتضياتها الفاقدة لمزاحماتها في عالم الأفعال الاختيارية هو الّذي يضمن معه حصول ذي المقدمة ، لأن هذا هو الطريق الّذي لا ينفك عن ذي المقدمة بالمعنى المناسب مع باب السلطنة والاختيار فأن العاقل إذا تمت عنده كل ذلك حقق المراد لا محالة.

الاعتراض الرابع : ان الأمر بالإرادة غير معقول باعتبارها المقتضي المباشر لإيجاب ذي المقدمة ، لما هو ثابت في محله من ان الأمر بشيء يقتضي قدح الداعي والإرادة في نفس المكلف نحو الفعل فكيف يكون ذلك مأمورا به بالأمر الغيري فانه أشبه بتحصيل الحاصل أو بالطلب التشريعي لما هو المقتضى التكويني للأمر. وفيه : ما تقدم من ان الأمر الغيري ليس بداعي المحركية والتحصيل كي يشكل عليه بإشكال تحصيل الحاصل ونحوه ، وانما هو امر تبعي قهري ، ولو فرض انه من أجل المحركية فلا وجه لتخصيص الإشكال بالإرادة خاصة من اجزاء المقدمة بل سائر اجزائها أيضا تكون إرادتها مقتضى ولو غير مباشر للوجوب النفسيّ. والجواب عليها جميعا بأنه لا محذور في ان يكون فعل واحد مستدعى من قبل أكثر من طلب.

الاعتراض الخامس : ان الأمر بشيء انما هو لقدح الإرادة في نفس العبد نحوه فالامر بالمقدمة الموصلة لا بد وأن يكون لقدح إرادتها فإذا كان منها الإرادة لزم ان يكون الأمر الغيري لقدح إرادة الإرادة مع ان إرادة الإرادة لا تكون من مقدمات حصول الواجب خارجا بل يتحقق الواجب من دونها دائما أو غالبا فكيف يكون مطلوبا ولو غيريا.

وفيه : مضافا إلى ما تقدم من عدم كون الأمر الغيري لقدح الإرادة نحو الواجب الغيري ، ان هذا من الخلط بين المطلوب التشريعي للمولى والمطلوب التكويني له ،

٢٥٣

فان الإرادة التي تنقدح بالأمر مراد تكويني للمولى يحصله بنفس امره فهو فعله بالتسبيب ـ في حق المطيع ـ ومن مقدمات التحصيل المولوي وليس هو من مقدمات حصول ذلك الواجب ، كي يكون مطلوبا تشريعيا له ، وحينئذ لو فرض ان تحصيل المطلوب التشريعي في مورد غير متوقف على إرادته ـ كما في الأمر الغيري بالإرادة ـ لم تكن إرادته مطلوبة للمولى لا تشريعا ولا تكوينا.

ثم ان صاحب الفصول الّذي ينسب إليه تاريخيا القول بالمقدمة الموصلة قد استدل على مدعاه بوجوه عديدة نذكر فيما يلي بعضها :

الأول : ان الوجودان قاض باختصاص الطلب الغيري بالمقدمة الموصلة وان الحصة غير الموصلة ليست محبوبة ولا شوق نحوها أصلا.

وهذا الوجدان وان كنا نوافق عليه الا انه لا يكون برهانا صالحا لإلزام الخصم ، ومن الطريف استدلال القائل بالإطلاق على قوله بالوجدان أيضا.

الثاني : ما ذكره من إمكان تصريح الآمر بعدم مطلوبية الحصة غير الموصلة مع مطلوبية ذي المقدمة مع انه لو كانت واجبة على الإطلاق لما صح ذلك كما لا يصح التصريح بعدم مطلوبية المقدمة مطلقا أو عدم مطلوبية الحصة الموصلة منها.

وهذا الوجه كالوجه الأول استدلال بالوجدان بل عينه غايته انه دعوى الوجدان بلحاظ عالم الإثبات وذاك دعوى الوجدان بلحاظ عالم الثبوت فلا يجدي في مقام إلزام المنكر خصوصا إذا كان يدعي الوجدان على الخلاف.

الثالث : ما نسب إلى صاحب العروة ( قده ) ، من صحة منع المولى عن الحصة غير الموصلة من المقدمة وتشريع حرمتها إذا كانت غير موصلة ، مع انه لو كانت واجبة مطلقا لامتنع ذلك.

وفيه : انه لا يكون برهانا على الاختصاص بالموصلة وانما هو دليل الاختصاص بغير المحرمة منها ولهذا لا تكون المحرمة واجبة مع وجود المباحة حتى لو كانت موصلة.

نعم يمكن ان يجعل ذلك نقضا على القائل باستحالة اختصاص الوجوب بالموصلة ، حيث يقال : ان التعميم خلاف التحريم والتخصيص يلزم منه المحاذير المذكورة.

٢٥٤

ثم ان صاحب الكفاية ( قده ) (١) أنكر شهادة الوجدان على إمكان تحريم الحصة غير الموصلة بل أبطل هذا الدليل بدعوى : استحالة المنع وتحريم غير الموصلة لاستلزامه تحصيل الحاصل في طرف الأمر بذي المقدمة. بتقريب : ان الأمر به موقوف على مقدورية مقدماته عقلا وشرعا ، بان تكون مباحة ، فإذا كانت الحصة غير الموصلة محرمة توقفت إباحة المقدمة على ان تكون موصلة المساوقة مع تحقيق ذي المقدمة فينتج توقف إيجاب ذي المقدمة على إباحة مقدماته الموقوفة على الوصول المساوق لحصوله فيكون إيجابه موقوفا على حصوله وهو تحصيل الحاصل.

وهذا الوجه قد أوضح مغالطته الميرزا ( قده ) (٢) بتقريب ان الموصلية قيد في المباح لا في الإباحة فالمقدمة الموصلة مباحة قبل فعلها والتوصل بها فيصح إيجاب ذيها ، ونضيف على ذلك : بأنه لا محذور في ذلك حتى لو جعلنا الوصول شرطا في الإباحة لا في المباح ، وذلك باعتبار أن الأمر بذي المقدمة موقوف على مقدورية مقدماته شرعا بمعنى عدم حرمتها المطلقة وليس موقوفا على عدم حرمتها المشروطة بعدم الوصول ، وعدم الحرمة المطلقة فعلية قبل تحقق المقدمة. وبعبارة أخرى : الأمر بذي المقدمة موقوف على الإباحة اللولائية لمقدماته ، أي إباحتها لو توصل بها إلى ذيها ، وهذه الإباحة اللولائية فعلية وهي تحت اختيار المكلف قبل وجودها ، والشرط في الأمر بشيء مقدورية مقدماته وإمكان إيقاعها على وجه شرعي لا أكثر من ذلك.

الدليل الرابع : ما أفاده صاحب الفصول أيضا من دعوى : ان الغرض من الطلب الغيري للمقدمة ليس غير حصول ذي المقدمة ، وهذا لا يكون الا في الموصلة منها والوجوب لا يكون أوسع مما فيه الغرض.

وهذا الوجه روح ما تقدم منا في البرهنة على المقدمة الموصلة ، وهكذا اتضح ان الصحيح هو اختصاص الوجوب الغيري على القول به بالمقدمة الموصلة فقط.

بقي في المقام تنبيهان.

التنبيه الأول : ان المقدمة لو كانت محرمة في نفسها مع افتراض أهمية الواجب

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١٩٠.

(٢) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٢٤٠.

٢٥٥

ورجحان ملاكه من ملاكها فبأي مقدار ترتفع الحرمة عن المقدمة وبأي مقدار تثبت فيها ، فهل ترتفع عن مطلقها أو عن خصوص الحصة الموصلة؟ وعلى الثاني هل ترتفع الحرمة عن مطلق الحصة الموصلة أو التي قصد بها التوصل إلى ذيها ، فالكلام في مقامين :

المقام الأول : في ان الحرمة هل تثبت في الحصة غير الموصلة أم لا؟

والتحقيق في ذلك ان يقال : هنا جهتان للتنافي بين الحرمة والوجوب.

إحداهما : التنافي بينها وبين وجوب الواجب النفسيّ إذ كيف يعقل الأمر بشيء والنهي عن مقدمته ، وهذا تناف بملاك التزاحم في مقام الامتثال لا بملاك التعارض ، لعدم وحدة موضوع الحكمين.

الثانية : التنافي بينها وبين الوجوب الغيري للمقدمة ، وهذا تناف بملاك التعارض المستحيل في مرحلة الجعل وبقطع النّظر عن الامتثال لوحدة موضوع الحكمين.

اما الجهة الأولى للتنافي : فالمزاحم للواجب النفسيّ انما هو حرمة المقدمة الموصلة خاصة ، واما حرمة غير الموصلة فلا تزاحم الواجب النفسيّ إذ يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، ومعه لا وجه لارتفاع الحرمة بعد ثبوت مقتضيها وان شئت قلت : ان كل خطاب مقيد لبا بعدم الإتيان بضده المساوي أو الأهم لا أكثر على ما سوف يأتي في بحث التزاحم وهذا يقتضي اختصاص الحرمة بالحصة غير الموصلة في المقام.

واما الجهة الثانية للتنافي : التي تكون بملاك التعارض بين الحرمة والوجوب الغيري للمقدمة على القول به ، فتارة : يبنى على اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة وأخرى يبنى على وجوب الجامع.

اما على الأول : فقد يقال بالتعارض بين حرمة الحصة الموصلة من المقدمة ووجوبها إذا كانت الحرمة أهم حيث تكون مطلق حصص المقدمة محرمة عندئذ والصحيح عدم المعارضة بين الجعلين وانما هو من التزاحم بين المجعولين ، لأن الوجوب الغيري كالوجوب النفسيّ مقيد بالقدرة على الواجب النفسيّ وهي ترتفع لو صرف المكلف قدرته في ترك الحرام ، وهذا يعني ان فعل المقدمة يكون شرطا للوجوب فلا يترشح عليها الوجوب الغيري فكما لا تعارض بين جعل الوجوب النفسيّ مع الحرمة كذلك لا تعارض بين الوجوب الغيري للحصة الموصلة مع الحرمة.

٢٥٦

واما على الثاني ، فتارة : يقال بوجوب جامع المقدمة من جهة عدم المقتضي للتخصيص بالموصلة ، وأخرى : يقال باستحالة التخصيص بالموصلة فعلى الأول ، تكون النتيجة حرمة المقدمة غير الموصلة أيضا ، لأن وجوب الجامع انما كان لعدم المقتضي للتخصيص والحرمة مقتضية له فيختص الوجوب بالموصلة حفاظا على ملاك الحرمة كما هو الحال في تمام موارد حرمة بعض افراد الجامع الواجب حيث يتخصص وجوبه بالجامع بين الافراد غير المحرمة.

وعلى الثاني : يقع التنافي بين حرمة غير الموصلة ووجوب المقدمة إذ يستحيل الإطلاق للتناقض ، والتقييد بالموصلة للاستحالة ، ويسري التعارض والتنافي بالتبع إلى وجوب ذي المقدمة وحرمة المقدمة غير الموصلة لاستحالة اجتماعهما ، ومع افتراض أهمية الواجب لا بد من ارتفاع الحرمة عن مطلق المقدمة حتى غير الموصلة بحيث لو فعلها المكلف لم يكن عاصيا ومرتكبا للحرام بخلافه على ما سبق ، وهذا من النتائج الغريبة للقول باستحالة تخصيص الوجوب بالموصلة.

ولا يتوهم : إمكان تعقل حرمة غير الموصلة مشروطا بترك الواجب بناء على الترتب على هذا التقدير.

لأن الترتب انما يعقل في موارد التزاحم بين الامتثالين لا في موارد التنافي بين الجعلين كما في المقام. وبتعبير آخر : المقدمة غير الموصلة يستحيل حرمتها المشروطة بترك ذيها أيضا لأنها في هذا الفرض واجبة بالوجوب الغيري ـ بعد استحالة التقييد بالموصلة ـ فيلزم اجتماع الضدين بلحاظ حال ترك ذي المقدمة ، فلا محيص عن الالتزام بارتفاع حرمتها مطلقا.

المقام الثاني : في ثبوت الحرمة للمقدمة الموصلة التي لم يقصد بها التوصل إلى الواجب النفسيّ حين الإتيان بها ، أو عدم ثبوتها ، وهنا تتصور كلتا الجهتين المتقدمتين للتنافي ، أي التنافي بين الحرمة والوجوب النفسيّ بنحو التزاحم والتنافي بينها وبين الوجوب الغيري بنحو التعارض.

اما التنافي الأول : فربما يقال فيه نظير ما قيل في المقام السابق من ان حرمة المقدمة الموصلة التي قصد بها التوصل لا بد من ارتفاعها على كل حال باعتبارها تنافي وجوب

٢٥٧

ذيها المقتضي لقصد التوصل والامتثال ، واما حرمة الحصة الموصلة التي لم يقصد بها التوصل فلا وجه لارتفاعها بعد تمامية المقتضي وعدم المانع ، إذ المزاحمة بين الواجب والحرام ترتفع بارتفاع الحرمة عن الحصة التي قصد بها التوصل.

وفيه : ان ثبوت الحرمة على الموصلة التي لم يقصد بها التوصل لغو محض إذ لا يترتب عليه لا الجمع بين الغرضين المولويين ـ مصلحة الواجب النفسيّ ومفسدة المقدمة ـ ولا المنع من خسارة كلا الغرضين ، إذ الأول مستحيل على كل حال بعد افتراض المزاحمة بين مصلحة ذي المقدمة ـ كالإنقاذ ـ ومفسدة المقدمة ـ كالغصب ـ ، والثاني حاصل على كل حال سواء حرمت المقدمة الموصلة التي لم يقصد بها التوصل أم لا لأن فرض كونها موصلة هو فرض حصول مصلحة الواجب وعدم خسارة المصلحتين.

وقد يقال : ان ثبوت الحرمة على ما لم يقصد بها التوصل يستلزم الجمع بين الغرضين ، وذلك باعتباره يضطر المكلف إلى قصد التوصل بالمقدمة وهو أمر راجح عقلا فيوجب انجبار مفسدة حرمة المقدمة وارتفاعها بعد الكسر والانكسار ، فيكون بذلك قد حفظ كلا الغرضين للمكلف من حصول مصلحة الواجب النفسيّ وعدم الوقوع في المفسدة ولكن هذا الكلام غير تام فانه فرع ان يكون للمولى غرض لزومي في قصد التوصل فيكون هذا النحو من التقييد مقربا للمولى نحو هذا الغرض وهو خلف ، إذ المفروض عدم لزوم قصد التوصل لو كانت المقدمة مباحة ، وبعبارة أخرى : ان من يأتي بالحصة الموصلة واقعا بلا قصد التوصل لا يختلف حاله عمن يأتي بها بقصد التوصل من حيث تحقيقه لما يمكن تحقيقه من غرضي المولى في باب التزاحم في مقام الامتثال والّذي يكون ارتفاع أحد التكليفين فيه على أساس تقييد كل تكليف لبا بقيد عدم الاشتغال بالأهم أو المساوي على ما سوف يأتي في محله.

وهكذا يتضح : ان ثبوت الحرمة على الحصة الموصلة التي لم يقصد بها التوصل لا وجه له فالصحيح ارتفاع الحرمة عن مطلق المقدمة الموصلة ، وبذلك يرتفع موضوع التنافي الثاني بين الحرمة والوجوب الغيري للمقدمة الموصلة.

التنبيه الثاني : ذكر صاحب الكفاية ( قده ) (١) ، ثمرة للقول بالمقدمة الموصلة حاصلها

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١٩٢.

٢٥٨

ان الضد العبادي كالصلاة لو وقعت مزاحمة ، مع واجب أهم كالإزالة فعلى القول بتوقف أحد الضدين على ترك الاخر ، وكون الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده العام ، وكون النهي ولو الغيري مقتضيا لفساد العبادة ، سوف تقع الصلاة فاسدة على القول بوجوب مطلق المقدمة لكونها الضد العام للواجب الغيري وهو ترك الصلاة الواقع مقدمة للإزالة الواجبة ، واما على القول بوجوب الحصة الموصلة من المقدمة خاصة فالواجب هو الترك الموصل للإزالة لا مطلق الترك ، والضد العام للترك الموصل ليس فعل الصلاة بل رفعه الّذي هو أعم من فعل الصلاة أو تركها تركا غير موصل ، وهذا عنوان نسبته إلى الصلاة نسبة الملازم إلى الملازم لا نسبة الجامع إلى الفرد ـ خلافا لتقريرات الشيخ الأعظم ( قده ) ، ـ فلا تسري الحرمة إلى فعل الصلاة كي تفسد. ثم دخل ( قده ) ، في بحث مع صاحب تقريرات الشيخ ( قده ) ، في إثبات ان نسبة هذا الأمر الأهم إلى الصلاة نسبة الملازم إلى ملازمه لا نسبة الجامع إلى مصداقه (١).

والتحقيق : انا حتى لو سلمنا كافة الأصول الموضوعية المفروضة في تصوير هذه الثمرة مع ذلك لم تترتب الثمرة للقول بالمقدمة الموصلة ذلك لعدة وجوه :

__________________

(١) وهذا أحسن توجيه لكلام صاحب الكفاية ( قده ) ، في تصوير الثمرة وهناك تفسيران آخران لكلامه.

أحدهما : ان الواجب على القول بوجوب المقدمة الموصلة انما هو ترك الصلاة المقيد بالإيصال ، فيكون نقيضه هو الصلاة المقيدة به أيضا ، لأن القيد المأخوذ في أحد النقيضين لا بد من أخذه في النقيض الاخر ، فيكون الحرام غيريا هو الصلاة المقيدة بالإيصال لا الصلاة غير الموصلة كما هو المفروض فانها نقيض الترك الغير الموصل وليس بواجب كي يحرم نقيضها فتقع صحيحة ، وهذا بخلاف ما لو قيل بوجوب مطلق المقدمة.

وفيه : أولا ان نقيض المقيد هو عدم المقيد لا العدم المقيد ، فان نقيض كل شيء رفعه فلا يعتبر تقيد السلب بما يتقيد به الإيجاب.

وثانيا ـ لا تناقض بين الصلاة المقيدة بالإيصال مع تركها الموصل كيف وهما يرتفعان بالترك غير الموصل ، بل الصلاة الموصلة مستحيلة فيقتضي ان يكون الترك الموصل واجبا في وجوده وهو واضح البطلان.

الثاني : ان الترك انما يكون واجبا لو فرض موصلا ، والمكلف المشتغل بالضد العبادي المفروض انه تارك للإزالة بحيث حتى لو فرض وقوع ترك العبادة منه لم يكن موصلا فلا يكون واجبا غيريا على القول باختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة. ومعه لا يكون فعل العبادة ضدا عاما للواجب الغيري.

وفيه ان أريد بذلك ان نقيض كل شيء ما يترتب لو لم يوجد وهو في المقام الترك غير الموصل فهذا رجوع إلى الوجه السابق فيرد عليه ما قلنا هناك ، وان أريد بذلك عدم الوجوب الغيري للترك في حال عدم الإيصال ففيه : أولا عدم كون الإيصال شرطا للوجوب ، وانما هو شرط للواجب فوجوب الترك الموصل فعلي على كل حال.

وثانيا ـ لا يجدي فيما إذا كان المكلف على تقدير عدم غرض له في العبادة وتركه لها كان يأتي بالإزالة.

٢٥٩

الأول : انه لو سلمت الأصول الموضوعية في التقريب وان عدم الضد مقدمة للضد الآخر للتمانع ، فهذا كما يقتضي ان يكون عدم المانع مقدمة كذلك يقتضي ان يكون وجود الضد مانعا عن الضد الآخر وبالتالي علة تامة لترك الضد الآخر ، وتركه يكون حراما غيريا باعتباره الضد العام للواجب ، فيحرم علته التامة لا محالة بالحرمة الغيرية.

الثاني : ويتوقف على مقدمتين :

الأولى : ان معنى وجوب المقدمة الموصلة هو وجوب المركب من مجموع المقدمات المساوق مع العلة التامة على ما تقدم شرحه لدى إثبات وجوب المقدمة الموصلة.

الثاني : ان وجوب المركب ينحل إلى وجوب كل جزء منه وجوبا ضمنيا فتكون ذات المقدمة واجبة بوجوب ضمني ، ولا يجدي حديث تقييد كل جزء من المركب بانضمام الباقي في عدم كون الجزء ذا وجوب ضمني لأن المقيد ينحل أيضا إلى ذات المقيد والتقيد ، فلا بد وان تكون ذات الجزء واجبا بالوجوب الضمني ، وهذا يعني ان ترك الضد العبادة واجب بالوجوب الضمني الغيري وان كان الوجوب الاستقلالي على الترك الموصل ، وكما ان الوجوب الاستقلالي لشيء يقتضي النهي عن ضده العام تبعا كذلك الوجوب الضمني لعدم الفرق بينهما وجدانا ، غاية الأمر ان النهي التبعي عن الضد العام للواجب الضمني يكون نهيا استقلاليا لا ضمنيا ليكون ترك ذلك الجزء كافيا في انتفاء المركب وبالتالي انتفاء الغرض الاستقلالي للمولى.

والمستنتج من ضم هاتين المقدمتين إحداهما إلى الأخرى ان ترك الضد العبادي واجب بالوجوب الضمني الغيري فيكون مقتضيا للنهي الغيري الاستقلالي عن ضده العام الفعل العبادي فتقع العبادة فاسدة بناء على اقتضاء النهي الغيري للبطلان (٢).

__________________

(١) وجود الضد وان فرض علة لترك الضد الآخر الا ان ترك الواجب ليس حراماً نفسياً ليترشح منه الحرمة الى علته بقانون من ابغض شيئاً ابغض علّته ، نعم نوعلة للحرام التبعي والذي تكون حرمته بملاك عدم الايصال الى الواجب النفسي فلا توجد في فعل الضد مبغوضية او حرمة الا بملاك كونه نقيض الواجب الغيرى الموصل الى الواجب النفسي والمفروض ان الفعل على القول بالمقدمة الموصلة ليس هو النقيض.

(٢) الوجدان يقضي بان إيجاب الصلاة من دون قهقهة مثلا لا يستلزم منه تحريم القهقهة من دون صلاة نعم قد يبغض القهقهة في فرض الصلاة وذلك لأن وجوب المركب يستلزم حرمة تركه وعنوان ترك المركب لا يصدق على الفعل الّذي.

٢٦٠