جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

وبه نستعين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الغر الميامين‌

(كتاب الجهاد )

من الجهد بالفتح لغة التعب والمشقة ، أو منه بالضم كذلك أيضا الوسع والطاقة ، وشرعا بذل النفس وما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين أو الباغين على وجه مخصوص ، أو بذل النفس والمال والوسع في إعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان ، وهو وإن كان شاملا للكافرين والباغين لكن فيه أنه غير مانع ، لأن إعزاز الدين أعمّ من كونه بالجهاد المخصوص ، إلا أن الأمر في أمثال هذه التعاريف التي لا يراد منها إلا التمييز في الجملة سهل كما تسمعه إن شاء الله في نظائرها وعلى كل حال فهو‌ ذروة سنام الإسلام (١) ورابع أركان الإيمان (٢) وباب من أبواب الجنة (٣) وأفضل الأشياء بعد الفرائض (٤) وسياحة أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) التي قد جعل الله عزها بسنابك خيلها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب جهاد النفس الحديث ١١.

(٣) و (٤) و ( ٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب جهاد العدو الحديث ١٣ ـ ٩ ـ ٢٢

٣

ومراكز رماحها (١) وفوق كل بر بر فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر (٢) ‌والخير كله في السيف وتحت ظل السيف ، ولا يقيم الناس إلا السيف ، والسيوف مقاليد الجنة والنار.(٣) وللجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه ، فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سيوفهم (٤) ومن غزا غزوة في سبيل الله فما أصابه قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة (٥) وأن الملائكة تصلي على المتقلد بسيفه في سبيل الله حتى يضعه (٦) ومن صدع رأسه في سبيل الله غفر الله له ما كان قبل ذلك من ذنب (٧) ‌إلى غير ذلك مما ورد فيه ، مضافا إلى قوله تعالى (٨) : « ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ـ إلى قوله تعالى ـ ( فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ ) » إلى آخره ، وقوله تعالى (٩) ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ ) إلى آخره ، وغير ذلك.

ولكن لا ريب في أن الأصلي منه قتال الكفار ابتداء على الإسلام وهو الذي نزل فيه (١٠) ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) ويلحق به قتال من دهم المسلمين منهم ، وإن كان هو مع ذلك دفاعا ، وقتال الباغين ابتداء فضلا عن دفاعهم على الرجوع إلى الحق ، وأما دفع من‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ ـ ٢١ ـ ١ ـ ٢ ـ ١٠

(٦) كنز العمال ج ٢ ص ٢٦٥ الرقم ٥٦٥١ و ٥٦٥٣.

(٧) كنز العمال ج ٢ ص ٢٥٢ الرقم ٥٣٥٩.

(٨) سورة التوبة ـ الآية ١١٢.

(٩) سورة النساء ـ الآية ٩٧.

(١٠) سورة البقرة ـ الآية ٢١٢.

٤

يريد قتل نفس محترمة أو أخذ مال أو سبي حريم فليس من الجهاد المصطلح ، بل هو من الدفاع ، ولذا ذكروه في كتاب الحدود.

وتمام النظر في الجهاد يكون في أركان أربعة‌

[الأول في من يجب عليه ]

الجهاد بالمعنى الأول وهو فرض على كل مكلف حر ذكر غيرهم ولا معذور فلا يجب على الصبي ولا على المجنون ونحوهما ممن هو غير مكلف بلا خلاف أجده فيه ، كما عن الغنية الاعتراف به فيه ، بل وباقي الشرائط ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى خبر رفع القلم وغيره مما دل على اعتبار البلوغ والعقل في التكليف ولا على المملوك بلا خلاف أجده فيه ، بل في المنتهى الحرية شرط فلا يجب على العبد إجماعا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ، والعبد على الإسلام دون الجهاد ، ولأنه عبادة يتعلق بها قطع مسافة ، فلا تجب على العبد ، وزاد في محكي المختلف قوله تعالى (١) ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) لأن العبد لا يملك ، وإن نوقش بأن عدم الملكية لا يستلزم عدم الوجدان ، فقد يجد بالبذل له وإن لم يكن مالكا ، فلا يدخل في الآية ، بل يبقى على عموم الأدلة ، ولذا جعل الأصحاب الحرية شرطا غير اشتراط السلامة من الفقر ، ولو صح‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٩٢.

٥

ما ذكره من التلازم لأغنى اشتراط السلامة من الفقر عن اشتراط الحرية ، مع أنه مبني على عدم ملكية العبد ، وأما على القول بها كما هو رأي جماعة في الجملة أو مطلقا فلا تلازم ، مع أنهم اشترطوا الحرية أيضا ، وإن كان قد يجاب بأن اتفاق حصول البذل لا ينافي اشتراط الوجوب المطلق بالوجدان ، كما لا ينافيه بالنسبة إلى اشتراط السلامة من الفقر مع إمكان اتفاق البذل ، والقول بالملكية مع الاتفاق على حجر التصرف عليه غير مجد ، واحتمال الإذن من المولى كاحتمال البذل لا يحقق الوجوب المطلق.

ومن ذلك ينقدح إمكان الاستدلال بالآية بوجه آخر عليه وعلى نحوه من فاقدي الشرائط لصدق الضعف ولو بسبب عدم القدرة على شي‌ء وإن أمكن حصول الإقدار من المولى ، وبذلك وما سمعته من الإجماع يخص العموم المقتضي لاندراج العبد فيه ، وإن حكي عن الإسكافي عدم اشتراط الحرية مشعرا بوجوبه على العبد للعموم الذي قد عرفت حاله مع أنه معارض بما دل على عدم قدرته ووجوب الطاعة وعدم إمكان التصرف منه بنفسه ، وللمرسل (١) « إن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ليبايعه فقال : يا أمير المؤمنين ابسط يدك أبايعك على أن أدعو لك بلساني ، وأنصحك بقلبي ، وأجاهد معك بيدي ، فقال عليه‌السلام : أحر أنت أم عبد؟ فقال : عبد فصفق يده فبايعه » ‌الذي هو غير حجة في نفسه ، ومحتمل للجهاد معه على تقدير الحرية أو إذن المولى ، أو عموم الحاجة وغير ذلك.

فالتحقيق حينئذ عدم وجوبه على العبد بجميع أقسامه إلا المبعض منه إذا كان قد تهايأ مع مولاه ، فإن العمومات حينئذ شاملة له في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

٦

نوبته ، والإجماع المحكي إنما هو على عدم وجوبه على العبد ، لا على أن الحرية شرط وإن توهم نحو ما تسمعه في الذكورة ، وفرق واضح بينهما ، ضرورة اقتضاء اشتراطها عدم وجوبه على فاقدها ولو جزءا يسيرا ، بل وإن ارتفع عنه سائر الموانع من حيث الرقية بأن كان مأذونا من المولى في الجهاد وفي بذل المال ، إذ ليس لازم الرقية مانعا عن الوجوب كي يتجه الوجوب مع ارتفاعه ، بل لأن الحرية من حيث هي كذلك شرط ، والفرض عدمها ، إلا أنك قد عرفت عدم دليل عليها لا من الآية ولا من الإجماع ولا من غير ذلك ، فيبقى العموم حينئذ سالما ، اللهمّ إلا أن يمنع من حيث التغرير بجزء الرق مؤيدا ذلك بظاهر اشتراط الأصحاب الحرية ، وإن فرعوا عليه عدم الوجوب على العبد ، فإن ذلك لا يقتضي إرادة خصوص المملوك بتمامه منها ، فتأمل جيدا.

ولا على المرأة بلا خلاف أيضا ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى ضعفها عن ذلك ، و‌قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأصبغ (١) : « كتب الله الجهاد على الرجال والنساء ، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله ، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها » ‌ولو باعتبار أن التفصيل في معنى الجهاد بينهما قاطع للشركة ، بل في المنتهى الخنثى المشكل لا يجب عليها الجهاد وهو كذلك إن تم الإجماع على اشتراط الذكورة ، أو غيره من الأدلة ولو الخبر المزبور ، ضرورة اقتضاء الشك في الشرط الشك في المشروط وإلا كان محلا للنظر ، لأن الإجماع على عدم وجوبه على المرأة لا يقتضي نفيه عنها بعد فرض عدم العلم بكونها امرأة ، مع عموم قوله تعالى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٧

( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ ) اللهمّ إلا أن يقال بعدم اندراجها في ضمير خطاب المذكرين ، فتبقى حينئذ على أصالة عدم الوجوب كما هو الظاهر لعدم عموم يشملها ، ولعل ذلك هو العمدة ، وإلا فلا إجماع صريح في المنتهى على اعتبار الذكورة ، وإن حكي ، قال : « الذكورة شرط في وجوب الجهاد فلا يجب على المرأة إجماعا » ومن المحتمل بل الظاهر إرادته على عدم وجوبه على المرأة ، ثم قال : « الخنثى المشكل لا يجب عليه الجهاد ، لأن الذكورة شرط الوجوب ، ومع الشك في الشرط يحصل الشك في المشروط ، مع أن الأصل العدم » نعم عن الغنية نفي الخلاف فيه وفي غيره من الشرائط مؤيدا بظاهر الاشتراط في عبارات الأصحاب على وجه لا يقدح فيه تفريع الخاص الذي هو غير مقتض لإرادة خصوص الخاص منه.

ولا على الشيخ الهم العاجز عنه للأصل وظاهر الآية المعتضد بعدم الخلاف المحكي والمحصل ، مضافا إلى قاعدة نفي الحرج المقتضية كالآية للحوق المريض ونحوه به كما صرح به غير واحد إلا أن يكون مريضا مرضا لا يمنعه منه ، نعم لو فرض قوة الهم عليه وجب عليه وإن كبر سنه كما وقع من عمار بن ياسر في صفين ومسلم بن عوسجة في كربلاء وكيف كان فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه في الجملة بل هو كالضروري ، خصوصا بعد الأمر به في الكتاب العزيز في آيات كثيرة ، كقوله تعالى (١) ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) وقوله تعالى (٢) ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) وقوله تعالى (٣) ( فَإِذا

__________________

(١) و (٢) سورة التوبة ـ الآية ٧٤ ـ ٢٩

(٣) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٤.

٨

لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) وقوله تعالى (١) ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ ) وقوله تعالى (٢) ( فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) وقوله تعالى (٣) ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا ) وقوله تعالى (٤) ( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ ) إلى غير ذلك.

نعم فرضه على الكفاية بلا خلاف أجده فيه بيننا بل ولا بين غيرنا ، بل كاد يكون من الضروري فضلا عن كونه مجمعا عليه ، مضافا إلى المعلوم من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وقوله تعالى (٥) ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ، وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) وقاعدة الحرج ، إلا ما يحكى عن سعيد بن المسيب فأوجبه على الأعيان لظاهر قوله تعالى (٦) ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ثم قال (٧) ( إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً )‌ والنبوي (٨) « من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق » ‌وفيه ما قيل من أن الآية منسوخة بظاهر قوله تعالى (٩) ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ) إلى آخره ، أو أنها في خصوص‌

__________________

(١) و (٢) سورة النساء ـ الآية ٧٣ ـ ٧٦

(٣) و (٦) و (٧) سورة التوبة ـ الآية ٥ ـ ٤١ ـ ٣٩

(٤) سورة الأنفال ـ الآية ٦٦.

(٥) سورة النساء ـ الآية ٩٧.

(٨) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٤٨ وكنز العمال ـ ج ٢ ص ٢٥٥ الرقم ٥٤٢٣.

(٩) سورة التوبة ـ الآية ١٢٣.

٩

غزاة تبوك التي استنفرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها ، فتخلف فيها كعب بن مالك وأصحابه فهجرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تاب الله عليهم ، أو أن المراد من الآية الوجوب ابتداء ، فإن الواجب الكفائي عندنا واجب على الجميع وإن كان يسقط بفعل من يقوم به منهم ، ولذا يعاقب الجميع بتركه ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في المروي (١) عنه في دعائم الإسلام : « والجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله عز وجل ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ ) » ‌فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلف عنه ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد ، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوهم حتى يكتفوا ، قال الله عز وجل :( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ) وإن دهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلهم ، قال الله عز وجل ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) وأما النبوي (٢) فهو مع أن رواية أبو هريرة المعلوم كذبه محتمل ضربا من الندب أو وجوب العزم الذي هو من أحكام الإيمان أو غير ذلك ، وما يحكى عن بعض العامة من أنه كان واجبا على الصحابة ثم نسخ مما هو معلوم البطلان ، بل يمكن دعوى الضرورة على خلافه.

ثم إن الكفاية بحسب الحاجة بكثرة المشركين وقلتهم وضعفهم وقوتهم ، وعن الشيخ والفاضل والشهيدين والكركي أن أقل ما يفعل الجهاد في السنة مرة ، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليه ، وهو الحجة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢٣.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٤٨ وكنز العمال ـ ج ٢ ص ٢٥٥ الرقم ٥٤٢٣.

١٠

إن تم ، لا ما قيل من قوله تعالى (١) ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ) الآية باعتبار تعليق وجوبه على الانسلاخ ، فيجب كلما وجد الشرط ، ولا يتكرر بعد ذلك بقية العام ، لعدم إفادة الأمر المطلق التكرار ، إذ هو كما ترى فيه نظر من وجوه.

وعلى كل حال فلا خلاف بيننا بل الإجماع بقسميه عليه في أنه إنما يجب على الوجه المزبور بشرط وجود الإمام عليه‌السلام وبسط يده أو من نصبه للجهاد ولو بتعميم ولايته له ولغيره في قطر من الأقطار ، بل أصل مشروعيته مشروط بذلك فضلا عن وجوبه ، ففي‌ خبر بشير الدهان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : قلت له : إني رأيت في المنام أني قلت لك إن القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميّتة والدم ولحم الخنزير ، فقلت لي هو كذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هو كذلك هو كذلك » ‌وفي‌ خبر عبد الله ابن المغيرة (٣) « قال محمد بن عبد الله للرضا عليه‌السلام وأنا أسمع حدثني أبي عن أهل بيته عن آبائه عليهم‌السلام أنه قال له بعضهم إن في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين وعدوا يقال له الديلم ، فهل من جهاد أو هل من رباط فقال : عليكم بهذا البيت فحجوه ، فأعاد عليه الحديث فقال عليكم بهذا البيت فحجوه أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدرا ، وإن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه هكذا في فسطاطه وجمع بين السبابتين ، ولا أقول هكذا وجمع بين السبابة والوسطى فإن هذه أطول من هذه ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : صدق » ‌وفي‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٥ ـ ١

١١

موثق سماعة (١) عنه عليه‌السلام أيضا قال « لقي عباد البصري علي بن الحسين عليه‌السلام في طريق مكة فقال له يا علي بن الحسين عليه‌السلام تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينته ، إن الله عز وجل (٢) يقول ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) فقال له علي بن الحسين صلوات الله عليهما أتم الآية ، فقال : ( التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) فقال له علي بن الحسين صلوات الله عليهما : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج » ‌وفي‌ خبر أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام المروي عن العلل والخصال « قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن في الحكم ولا ينفذ في الفي‌ء أمر الله عز وجل ، فإنه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدونا في حبس حقنا ، والإشاطة بدمائنا وميتته ميتة جاهلية » ‌وخبر الحسن بن علي بن شعبة المروي (٤) عن تحف العقول عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون « والجهاد واجب مع إمام عادل ، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ، ولا يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ ، وذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ١١٢.

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٨ ـ ١٠

١٢

إذا لم تحذر على نفسك ، ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم والتقية في دار التقية واجبة ، ولا حنث على من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه » ‌وخبر محمد بن عبد الله السمندري (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني أكون بالباب يعني باب من الأبواب فينادون السلاح فأخرج معهم ، فقال : أرأيتك إن خرجت فأسرت رجلا فأعطيته الأمان وجعلت له من العهد ما جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمشركين أكان يفون لك به؟ قال : لا والله جعلت فداك ما كان يفون لي قال فلا تخرج ثم قال لي أما أن هناك السيف » وخبر الحسن بن العباس ابن الجريش (٢) عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في حديث طويل في بيان « إنا أنزلناه » قال « ولا أعلم في هذا الزمان جهادا إلا الحج والعمرة والجوار » ‌وخبر عبد الملك بن عمر (٣) قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا عبد الملك ما لي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك ، قال : قلت وأين قال جده وعبادان والمصيصة وقزوين ، فقلت : انتظارا لأمركم والاقتداء بكم ، فقال : إي والله ، ( لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ) ، قال : قلت له كان يقولون ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا أنه لا يرى الجهاد ، فقال : أنا لا أراه ، بلى والله إني لأراه ولكن أكره أن أدع علمي إلى جهلهم » ‌إلى غير ذلك من النصوص التي مقتضاها كصريح الفتاوى عدم مشروعية الجهاد مع الجائر وغيره ، بل في المسالك وغيرها عدم الاكتفاء بنائب الغيبة ، فلا يجوز له توليه بل في الرياض نفي علم الخلاف فيه حاكيا له عن ظاهر المنتهى وصريح الغنية إلا من أحمد في الأول ، قال وظاهرهما الإجماع ، مضافا إلى‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٧ ـ ٤ ـ ٢

١٣

ما سمعته من النصوص المعتبرة وجود الإمام ، لكن إن تم الإجماع المزبور فذاك ، وإلا أمكن المناقشة فيه بعموم ولاية الفقيه في زمن الغيبة الشاملة لذلك المعتضدة بعموم أدلة الجهاد ، فترجح على غيرها.

وكيف كان ف لا يتعين إلا أن يعينه الإمام عليه‌السلام على شخص خاص أو أشخاص كذلك لاقتضاء المصلحة في الخصوصية أو لقصور القائمين عن القيام به أو الدفع إلا بالاجتماع فيعين الإمام عليه‌السلام من يتم به القيام بذلك ، وإلا وجب كفاية أيضا كأصله أو يعينه على نفسه بنذر وشبهه كالعهد واليمين والإجارة أو غير ذلك مما يكون سببا للتعيين المخرج له عن الكفائية ، ومنه إذا التقى الزحفان وتقابل الفئتان ، قال الله تعالى (١) ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) و (٢) ( إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) هذا ، وقد أطنب في المسالك في بيان قصور العبارة من حيث عطف قوله : « أو لقصور » على المستثنى أو على قوله : « مصلحة » ولكن لا فائدة مهمة بعد وضوح المراد ، والله العالم.

وقد تجب المحاربة على وجه الدفع من دون وجود الإمام عليه‌السلام ولا منصوبه كأن يكون بين قوم يغشاهم عدو يخشى منه على بيضة الإسلام ، أو يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم وأخذ مالهم ، أو يكون بين أهل الحرب فضلا عن غيرهم ويغشاهم عدو يخشى منه على نفسه فيساعدهم دفعا عن نفسه‌ قال طلحة بن زيد (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل أرض الحرب‌

__________________

(١) و (٢) سورة الأنفال ـ الآية ٤٧ ـ ١٥

(٣) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ مع الاختلاف في اللفظ.

١٤

بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون ، قال : على المسلم أن يمنع عن نفسه ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله ، وأما أن يقاتل على حكم الجور ودينهم فلا يحل له ذلك » ‌ولا يكون ذلك ونحوه جهادا بالمعنى الأخص الذي يعتبر فيه الشرائط المزبورة ، بل في المسالك « أشار المصنف بذلك إلى عدم جريان حكم الفرار والغنيمة وشهادة المقتول فيه على وجه لا يغسل ولا يكفن » بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، قال بعد أن ذكر الدفاع عن البيضة مع الجائر وعن النفس : « وظاهر الأصحاب عدم تسمية ذلك كله جهادا ، بل دفاع ، وتظهر الفائدة في حكم الشهادة والفرار وقسمة الغنيمة وشبهها » قلت : قد يقال بجريان الأحكام المزبورة عليه إذا كان مع إمام عادل عليه‌السلام أو منصوبه وإن كان هو دفاعا أيضا ، لكنه مع ذلك هو جهاد كما وقع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دهمه المشركون إلى المدينة ، وإطلاق المصنف وغيره نفي الجهاد عنه أنما هو مع عدم وجود الإمام العادل عليه‌السلام ولا منصوبه ، فهو حينئذ ليس إلا دفاعا مستفادا من النصوص المزبورة وغيرها ، بل هو كالضروري ، بل ظاهر غير واحد كون الدفاع عن بيضة الإسلام مع هجوم العدو ولو في زمن الغيبة من الجهاد ، لإطلاق الأدلة ، واختصاص النواهي بالجهاد ابتداء للدعاء إلى الإسلام من دون إمام عادل عليه‌السلام أو منصوبه ، بخلاف المفروض الذي هو من الجهاد من دون اشتراط حضور الإمام ولا منصوبه ولا إذنهما في زمان بسط اليد ، والأصل بقاؤه على حاله ، واحتمال عدم كونه جهادا حتى في ذلك الوقت مخالف لإطلاق الأدلة وإن كان قد يظهر من خبر يونس (١) الآتي في المرابطة كون الجهاد هو الابتداء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

١٥

إلا أنه محمول على إرادة كون ذلك الأكمل من أفراده ، وإلا فالجهاد أعمّ كما يشعر به تقسيمهم إياه إلى الابتداء وإليه ، بل قد تقدم في كتاب الطهارة تصريح جماعة بكون المقتول فيه شهيدا كالمقتول بين يدي الإمام عليه‌السلام ، فلا يغسل ولا يكفن ، بل حكاه بعضهم عن الغنية والإشارة والمعتبر والذكرى والدروس وجامع المقاصد والروضة والروض وغيرها ، وإن نفاه آخرون كما عن المقنعة والمبسوط والنهاية والمراسم والسرائر والوسيلة والمهذب والجامع والقواعد والتحرير والمنتهى والمسالك بل ربما نسب إلى الأصحاب ، بل هو ظاهر المصنف في أحكام الأموات وقد تقدم الكلام في ذلك هناك ، فلاحظ وتأمل ، وتسمع إن شاء الله بعض الكلام في ذلك أيضا.

وكذا يجب الدفاع على كل من خشي على نفسه مطلقا أو ماله أو عرضه أو نفس مؤمنة أو مال محترم أو عرض كذلك إذا غلب ظن السلامة كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الحدود فلاحظ كي تعرف الفرق بين النفس والمال بالنسبة إلى اعتبار غلبة الظن بالسلامة في الثاني دون الأول ، بل وبالنسبة إلى وجوب الدفع عنه مع حصول الغلبة المزبورة وعدمه وإنما أقصاه الجواز كما هو الأقوى ، هذا وقد صرح غير واحد هنا بالإثم والضمان لو قصد معاونة الجائر ، بل في الرياض نفي الإشكال عنه ، قال : « وهل يأثم ويضمن لو جاهد بغير قصد؟ قيل : نعم ، وهو أحوط إن لم نقل بأنه أظهر ، وهل يشترط في العدو المزاحم كونه كافرا كما عن الشيخ أم لا كما عن الأكثر » ونحو ذلك في المسالك ، قال فيها في تفسير قوله « ولا يكون جهادا » « أي يجب عليه قصد المدافعة ، فلا يكفي قتالهم بدونه وإن لم يقصد‌

١٦

الجهاد ، لأن الفعل الواحد الواقع على وجوه متعددة إنما يتميز بالنية فلو ترك القصد كان مأثوما ضامنا لما يحترم من النفوس والأموال ، وهل يشترط في العدو الهاجم كونه كافرا أم يجوز دفعه وإن كان مسلما قيل بالأول ، وبه صرح الشيخ في النهاية لتحريم قتل المسلم ، وظاهر الأكثر عدم الاشتراط ، لأنه مدافعة عن نفسه ، والمسلم يجوز دفعه كذلك ، وأشار المصنف بقوله « ولا يكون جهادا » إلى أن حكم الشهيد من عدم تغسيله وتكفينه لا يلحق المقتول هنا ، وكذا حكم الجهاد من تحريم الفرار وقسمة الغنيمة ، نعم هو بمنزلة الشهيد في الأجر ، وإطلاق الأخبار (١) بكونه شهيدا ينزل على ذلك ».

قلت : لكن قد يناقش ـ مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا في إطلاق الضمان في الرياض في الأول فضلا عن الثاني ، وهو الجهاد مع عدم القصد إذا كان التالف كافرا حربيا أو ماله حتى لو جاهد معهم ابتداء ـ بمعلومية هدر الكافر وماله مطلقا ، وأنه لا احترام له ، والحرمة من حيث معاونة الجائر وتقوية سلطانه لا تنافي عدم ضمان الحربي فضلا عمن جاهد بغير قصد ، بل ينبغي الجزم بعدم الضمان في الجهاد مع الجائر بقصد إعلاء كلمة الإسلام وتقوية أمره وإن حرم ، كما دلت عليه النصوص السابقة ، قال أبو عميرة السلمي (٢) « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إني كنت أكثر الغزو وأبعد في الأجر وأطيل في الغيبة فحجر ذلك علي فقالوا : لا غزو إلا مع إمام عادل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ٥ و ٨ و ٩ و ١٠ وغيرها.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ عن أبي عرة السلمي مع اختلاف يسير أيضا.

١٧

فما ترى أصلحك الله؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن شئت أجمل لك أجملت ، وإن شئت أن ألخص لك لخصت ، فقال : بل أجمل ، فقال : إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة ، قال : فكأنه اشتهى أن يلخص له قال : فلخص لي أصلحك الله. فقال : هات فقال الرجل غزوت فوافقت المشركين فينبغي قتالهم قبل أن أدعوهم. فقال : إن كان غزوا وقوتلوا وقاتلوا فإنك تجزى بذلك. وإن كانوا أقواما لم يغزوا ولم يقاتلوا فلا يسعك قتالهم حتى تدعوهم. قال الرجل فدعوتهم فأجابني مجيب وأقر بالإسلام في قلبه وكان في الإسلام فجير عليه في الحكم وانتهكت حرمته وأخذ ماله واعتدي عليه فكيف بالمخرج وأنا دعوته. فقال : إنكما مأجوران على ما كان من ذلك. وهو معك يحوطك من وراء حرمتك ويمنع قبلتك ويدفع عن كتابك ويحقن دمك خير من أن يكون عليك يهدم قبلتك وينتهك حرمتك ويسفك دمك ويحرق كتابك » ‌ويمكن أن يريد ضمان المحترم نفسا ومالا كما سمعته من المسالك. نعم قد يمنع الضمان فيه أيضا مع تحقق اسم الدفاع في الواقع وإن لم يكن قاصدا له ولا للجائر للأصل وغيره. بل قد يقال بصدقه أيضا. خصوصا مع قصده وإن كان هو ممن تبع الجائر للجهاد معه وكان آثما. لكن ذلك لا ينافي خطاب الدفاع بعد تحقق موضوعه الذي يتبعه ما هو حكم له من عدم الضمان وغيره. فتأمل جيدا.وكيف كان فقد تلخص مما ذكرنا أن الجهاد على أقسام : أحدها أن يكون ابتداء من المسلمين للدعاء إلى الإسلام. وهذا هو المشروط بالشروط المزبورة. والذي وجوبه كفائي. والثاني أن يدهم المسلمين عدو من الكفار يخشى منه على البيضة. أو يريد الاستيلاء على بلادهم وأسرهم وسبيهم وأخذ أموالهم. وهذا واجب على الحر والعبد والذكر‌

١٨

والأنثى والسليم والمريض والأعمى والأعرج وغيرهم إن احتيج إليهم ، ولا يتوقف على حضور الإمام عليه‌السلام ولا إذنه ، ولا يختص بمن قصدوه من المسلمين ، بل يجب على من علم بالحال النهوض إذا لم يعلم قدرة المقصودين على المقاومة ، ويتأكد الوجوب على الأقربين فالأقربين ، الثالث أن يكون بين المشركين مقيما أو أسيرا أو بأمان ويغشاهم عدو ويخشى المسلم على نفسه فيدفع عن نفسه بحسب الإمكان ، وهذا غير مشروط بالشروط السابقة أيضا.

وكيف كان فلا خلاف نقلا وتحصيلا في أنه يسقط فرض الجهاد بالمعنى الأول بأعذار أربعة : العمى والزمن كالمقعد والمرض المانع من الركوب والعدو ، والفقر الذي يعجز معه عن نفقة طريقه وعياله وثمن سلاحه وإن كان يختلف ذلك بحسب الأحوال بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد قاعدة نفي الحرج ، وقوله تعالى (١) ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ ، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وقوله تعالى (٢) ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ) وقوله تعالى (٣) ( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ : لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ) بل وقوله تعالى (٤) ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ ) وغير ذلك.

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٩٢.

(٢) سورة النور ـ الآية ٦٠.

(٣) سورة التوبة ـ الآية ٩٣.

(٤) سورة النساء ـ الآية ٩٧.

١٩

نعم يتحقق العمى بذهاب البصر من العينين معا ، فيسقط حينئذ عنه الجهاد وإن وجد قائدا ، أما الأعور فالجهاد واجب عليه ، لإمكانه منه ، فيبقى على عموم الأدلة ، بل في المسالك وكذا الأعشى وغيره مما لا يصدق عليه العمى ، والزمانة بالإقعاد ونحوه ، ولعله المراد بالعرج الذي يسقط معه الجهاد ، بخلاف اليسير منه الذي يمكنه الركوب والمشي معه وإن تعذر عليه شدة العدو ، فإنه واجب عليه ، لعموم الأدلة ، وكذا المرض اليسير نحو وجع الضرس ونحوه مما يتمكن معه من الجهاد بل قد سمعت ما في المتن من اعتبار كونه مانعا من الركوب والعدو بل في المسالك « أي المانع من مجموعهما ، فإن الراكب قد يحتاج إلى العدو بأن يصير ماشيا لقتل دابته ونحوه ، ومن يقدر على العدو قد يحتاج إلى الركوب » وإن كان هو لا يخلو من مناقشة باعتبار كون العنوان في السقوط صدق المرض ، نعم الظاهر انسياق المتعذر أو المتعسر معه الجهاد كما هو الغالب دون غيره ، وأما عدم وجدان النفقة فهو مختلف بحسب أحوال الشخص بالنسبة إلى ما يحتاج إليه من النفقة له ولعياله وما يحتاج إليه من السلاح من سيف وفرس وسهام ورمح وغير ذلك فإن من الناس من يحسن الضرب بالسهم خاصة فيعتبر في حقه ، ومنهم من يحسنه بالسيف فيعتبر في حقه ، ومنهم من يعتاد النفقة الواسعة وهو من أهلها فتعتبر في حقه ، وهكذا ، بل في المسالك « وكذلك الفقر يختلف الحال فيه بحسب اختلاف الأشخاص ، فقد يطلق الفقر على شخص مع ملكه لمال كثير ، وغيره يعد غنيا بذلك المال ، ويجوز اعتباره في المرض أيضا فإن الأمراض تختلف في اغتفارها بالنسبة إلى أحوال الجهاد وأنواعه ، فإن بعض أفراد الجهاد لا يحتاج إلى ركوب ولا عدو فلا يعتبران في المرض » وإن كان لا يخلو من مناقشة بكون المدار على‌

٢٠