جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وجد ماله فليأخذه ، فمر بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه أن يصبر حتى ينضج فلم يفعل فرمى برجله فأخذه » ‌وبما تقدم من خبر مروان وغيره مما سبق مضافا إلى العلة المزبورة ، ولعل الجمع بين النصوص أنه عليه‌السلام قد أذن لهم بأخذ المال الذي عند العسكر ثم بعد أن وضعت ( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) غرمه من بيت المال لأهله حتى أنه عليه‌السلام كان يكتفي من المدعي باليمين.

وأما إجماع الخلاف فمعارض بما سمعته من الإجماع على عكسه ، وعدالة العماني مع أنه مرسل لا تقتضي صحة الرواية ، كقول الشيخ في المبسوط روى أصحابنا خصوصا بعد أن روى في الخلاف ما سمعت فلا أقل من التعارض ، فتبقى العمومات حينئذ سليمة ، خصوصا بملاحظة ما سمعته من مراعاة علي عليه‌السلام حال شيعته من بعد.

نعم لا يضمن ما تلف من مال الباغي حال الحرب من دابة أو سلاح أو غيرهما وإن كان المباشر لإتلافه تابع العادل ، لأن السبب فيه أقوى من المباشر ، ولذا لم يضمن لعائشة جملها الذي كان شيطانا حين أمر بعقره ، بل الأمر بقتالهم ودفاعهم يستلزم عرفا ذلك ، بل عن أبي حنيفة والمرتضى منا جواز الانتفاع بدوابهم وسلاحهم حال الحرب في قتالهم ، وهو لا يخلو من وجه ، لإطلاق الأمر بقتالهم ، خلافا للشافعي فالأظهر حينئذ الأول لا الثاني ، ومن ذلك يظهر لك ما في المختلف فإنه أطنب في الاستدلال بأمور ما كنا لنؤثر وقوعها منه ، منها أن القائل بالأخذ أكثر فالظن به أقوى ، ومنها أن المرسل للرواية العماني وهو شيخ من علمائنا تقبل مراسيله ، ومنها أن البغاة عند بعض علمائنا كفار ، وهي كغيرها مما ذكره بعد كما ترى ، والله العالم.

المسألة الثالثة ما حواه العسكر للمقاتلة خاصة يقسم للراجل‌

٣٤١

سهم وللفارس سهمان ولذي الفرسين أو الأفراس ثلاثة بلا خلاف أجده بين القائلين به ، ولعله لإلحاق حكم البغاة بحكم أهل الحرب في ذلك ، لما سمعته من بعض النصوص الدالة عليه كخبر أبي البختري (١) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « القتل قتلان قتل كفارة وقتل درجة ، والقتال قتالان قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا ، وقتال الفئة الكافرة حتى يسلموا » ‌ونحوه مما يستفاد منه كونهم كأهل الحرب ، وحينئذ يتجه في غنيمتهم ما سمعته في قسمة الغنيمة من إخراج الخمس وغيره مما تقدم سابقا ، لكن لم يحك من فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو الأصل في حكم البغاة كما اعترف به المؤالف والمخالف مراعاة شي‌ء من ذلك ، بل لعل المتحقق خلافه ، نعم قد أخذ الناس ما أخذوا وفيهم الأعراب وغيرهم ممن لا معرفة ولا مبالاة له في هذه الأمور ، ولذا نادى مناديه بما سمعت ، وغرم للمدعي بيمينه ، ومن ذلك يظهر لك زيادة على ما عرفت ضعف القول الثاني المتقدم في المسألة الثانية الذي مبنى الحكم هنا عليه ، كما هو واضح.

ولو تترسوا بالأطفال ونحوهم ممن هو غير مقاتل ولم يمكن التوصل إليهم إلا بقتلهم قتلوا كما سمعته في المشركين ، ترجيحا لما دل على قتالهم على حرمة قتل النساء والأطفال ، كما أنهم كذلك لو قاتلوا معهم ، ولذا رشق الهودج بالنبال ، وإن استؤسروا أطلقوا ، لكن عن الشيخ في الخلاف أنهم يحبسون ، وفي الدروس وهو ظاهر ابن الجنيد ، ولم نعرف مأخذه ، وإذا استؤسر منهم مقاتل ففي الدروس « حبس حتى تنقضي الحرب ، لكن‌ في بعض الأخبار (٢) أن عمارا جاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب جهاد العدو ـ الحديث ١١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب جهاد العدو ـ الحديث ٢.

٣٤٢

لأمير المؤمنين عليه‌السلام بأسير منهم فقتله ، والله العالم ».

خاتمة من منع الزكاة لا مستحلا فليس بمرتد قطعا كمن ترك الصلاة والصوم ، وإطلاق ذلك عليه في بعض النصوص (١) منزل على إرادة بيان عظم الذنب وعظم العقوبة ولكن يجوز قتاله حتى يدفعها كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعضهم ، بل عن المنتهى نسبته إلى قول العلماء ، بل في محكي التذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر أبان بن تغلب (٢) عن الصادق عليه‌السلام « دمان في الإسلام حلال من الله تعالى لا يعصي فيهما أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت عليهم‌السلام ـ إلى أن قال ـ الزاني المحصن نرجمه ومانع الزكاة نضرب عنقه » ‌وإن كان يمكن حمله على مستحل المنع من المسلمين الذي لا إشكال ولا خلاف في كفره بإنكاره الضروري كغيرها من الضروريات ، فحكمه حينئذ حكم المرتد أما الأول فليس بمرتد قطعا ، خلافا للعامة فسموه مرتدا تبعا لما وقع من أبي بكر في قوم منعوا الزكاة ، فأرسل إليهم خالد بن الوليد لعنه الله فقتل رجالهم وسبى نساءهم حتى دخل بزوجة مالك في تلك الليلة ، ولكن ذلك قد كان لأغراض فاسدة ، خصوصا بعد أن كان منعها عليه منهم لعدم إمامته المقتضية وجوب طاعتهم له ، وهذا هو الذي دعاه إلى ذلك ، وإلا فمانع الزكاة عاص يقهر على أخذها منه ، فإن لم يمكن إلا بالقتال قوتل ، وهل غير الزكاة كذلك لم يحضرني الآن من تعرض لذلك.

ولكن يقوى في النظر إلحاق الخراج ونحوه من الحقوق العامة بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٦.

٣٤٣

في ذلك ، كما يلوح من‌ توعد أمير المؤمنين عليه‌السلام ابن عباس (١) لما أخذ خراج البصرة وهرب ، بل فيه أنه لو فعل ذلك الحسن والحسين عليهما‌السلام لفعلت كذا وكذا ، بل لعل الخمس أيضا كذلك ، إذ الظاهر كون الوجه منع الناس حقوقها ، وهو مشترك بين الجميع ، ولكن ذلك كله من وظائف الإمام عليه‌السلام الذي يجوز له القتال مع كل من خالف أمره في حق وجب عليه أداؤه كما عساه يشعر به ما صنعه أمير المؤمنين عليه‌السلام حال قتال الخوارج فإنه قد طالبهم على ما في بعض الأخبار بالقود عن شخص قتلوه ، فقالوا نحن جميعا قتلناه ، وأبوا فنابذهم ، كما أن كثيرا من الأحكام التي تقدمت مخصوصة به لا يتعدى منه إلى غيره ، والله العالم.

ومن سب الإمام العادل وجب قتله بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر المنتهى ومحكي التذكرة الإجماع عليه ، كما عن صريح جماعة ، وهو الحجة بعد‌ قول النبي (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ، ولا يرفع إلى السلطان ، وإذا رفع إليه كان عليه أن يقتل من نال مني » ‌المتمم بعد القول بالفصل بينه وبين غيره من الأئمّة عليهم‌السلام الذين سبهم سبه أيضا مع ‌ما في آخر (٣) « عمن سمع يشتم عليا عليه‌السلام فقال والله حلال الدم » ‌بل لعل إطلاق الفتاوى كصريح بعض النصوص عدم التوقف على إذن الإمام عليه‌السلام كما عن الغنية الإجماع عليه ، بل لا ريب

__________________

(١) البحار ـ ج ٤٢ ص ١٨١ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ من أبواب حد القذف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب حد القذف ـ الحديث ٢.

٣٤٤

في اندراج الساب من المسلمين‌ في الناصب الذي ورد فيه (١) أنه حلال الدم والمال ،بل ينبغي القطع بكفر الساب مع فرض استحلاله ، إذ هو من منكري الضرورة حينئذ ، بل الظاهر كفره وإن لم يكن مستحلا باعتبار كونه فعل ما يقتضي الكفر ، كهتك حرمة الكعبة والقرآن ، بل الإمام أعظم منهما ، ولعله ظاهر المنتهى وغيره ، لتعليله القتل بأنه كافر مرتد.

بل الظاهر إلحاق سب فاطمة عليها‌السلام بهم وكذا باقي الأنبياء عليهم‌السلام بل والملائكة ، إذ الجميع من شعائر الله تعالى شأنه ، فهتكها هتك حرمة الله تعالى شأنه ، بل لا يبعد القول بقتل الساب حدا وإن تاب وقلنا بقبول توبته كالمرتد الفطري وإن لم يكن منه.

نعم لا ينبغي التغرير بالنفس في زمان الهدنة إذا سمع العارف السب من بعض المخالفين ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (٢) « لو لا أنا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ورجل منكم خير من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم ، ولكن ذلك إلى الإمام عليه‌السلام » ‌وقد تقدم خبر الفضل بن شاذان (٣) ‌وعن الريان بن الصلت (٤) « قلت للرضا عليه‌السلام إن العباسي يسمعني فيك ويذكرك كثيرا وهو كثيرا ما ينام عندي ويقيل فترى أن آخذ عليه وأعصره حتى يموت ثم أقول مات فجاءة فقال ونفض يديه ثلاث مرات لا يا ريان ، فقلت : إن الفضل بن سهل هو ذا يوجهني إلى العراق في أمواله والعباسي خارج بعدي بأيام إلى العراق فترى أن أقول لمواليك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب حد القذف الحديث ٥.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ ـ ٩ ـ ١٢

٣٤٥

القميين أن يخرج منهم عشرون وثلاثون رجلا كأنهم قاطعوا طريق أو صعاليك فإذا اجتاز بهم قتلوه فيقال قتله الصعاليك فسكت فلم يقل نعم ولا لا » ‌قلت : لعله لعدم وثوقه باستتار الأمر ، وإلا فلا إشكال في الجواز بل الوجوب معه ، وقد أشبعنا الكلام في المسألة في مقام آخر ، ولو عرض بالسب عزر كما في غيره ، خلافا لبعض العامة فلم يوجبه ، لعدم تعزير علي عليه‌السلام من عرض له بنحو ذلك المحتمل وجوها متعددة ، والله العالم.

وإذا قاتل الذمي مع أهل البغي خرق الذمة بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال بعد أن كان عقدها على خلاف ذلك ، فيجري عليه الحكم الحربي حينئذ ، نعم عن التذكرة والمنتهى وغيرهما قبول دعواه لو ادعى الشبهة المحتملة في حقه ، فيبقى على ذمته حينئذ ، وفي الدروس لو ادعوا الجهل أو الإكراه فالأقرب القبول ، ولا بأس به.

وللإمام عليه‌السلام أن يستعين بأهل الذمة مع الضرورة في قتال أهل البغي الذين هم كأهل الحرب ، وقد استعان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل الذمة عليهم (١) كما تقدم سابقا بلا خلاف أجده فيه إلا من الشيخ في محكي المبسوط ، بل في المنتهى هو خلاف ما عليه الأصحاب ، وإنما سار إليه لتخريج من الشافعي ، وهو أن أهل الذمة يقتلون أهل البغي مقبلين ومدبرين ، وذلك غير جائز وهو كما ترى ، خصوصا بعد أن كان في عسكر علي عليه‌السلام يوم الجمل مثل من قتل الزبير وهو قائم تحت شجرة وقتل محمد بن طلحة‌

__________________

(١) كتاب نصب الراية ج ٣ ص ٤٢٢.

٣٤٦

ولم يكن يقاتل بل قيل نهى علي عليه‌السلام عن قتله وغيره ممن لا يعرف هذه الحدود ، ويخطر في البال أن عليا عليه‌السلام كان يجوز له قتل الجميع إلا خواص شيعته ، لأن الناس جميعا قد ارتدوا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم السقيفة إلا أربعة سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار ، ثم رجع بعد ذلك أشخاص ، والباقون استمروا على كفرهم حتى مضت مدة أبي بكر وعمر وعثمان ، فاستولى الكفر عليهم أجمع حتى آل الأمر إليه عليه‌السلام ، ولم يكن له طريق إلى إقامة الحق فيهم إلا بضرب بعضهم بعضا ، وأيهم قتل كان في محله إلا خواص الشيعة الذين لم يتمكن من إقامة الحق بهم خاصة ، والله العالم.

ولو أتلف الباغي على العادل أو تابعه ولو ذميا مالا أو نفسا في حال الحرب فضلا عن غيره ضمنه بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به الفاضل في محكي التذكرة ، بل ظاهره فيها وفي المنتهى الإجماع عليه ، وهو كذلك ، مضافا إلى عموم الأدلة المقتضية له دون العكس كما عرفته سابقا وحينئذ ف من أتى منهم ما يوجب حدا واعتصم بدار الحرب فمع الظفر به يقام عليه الحد بلا خلاف أجده فيه ، كما هو ظاهر المسالك وغيرها ، بل ولا إشكال لما عرفت ، وإن لم يكن كذلك في أهل الحرب لخبر الجب (١) المستفاد من قوله تعالى (٢)( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ، وَإِنْ

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٩ وكنز العمال ج ١ ص ١٧ الرقم ٢٤٣ وجامع الصغير ج ١ ص ١٢٣.

(٢) سورة الأنفال الآية ٣٩.

٣٤٧

يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ) فلا يرجع عليهم بما أتلفوه من نفس أو مال إذا أسلموا ، بل في الدروس وكذا جناية حربي على حربي هدر إذا أسلما ، ولا يخلو من بحث وإن كان خبر الجب يقتضيه.

وليكن فيما ذكرناه من أحكام الجهاد كفاية ، فإن كثيرا منها موكولة إلى دولة الحق التي يكون صاحبها أعلم من غيره بها عجل الله فرجه وسهل مخرجه ، ولكن لا بأس بختم الكتاب بخبر حفص بن غياث (١) المروي في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ليكون ختامه مسكا قال : « سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان السائل من محبينا ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : بعث الله تعالى شأنه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد ( حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم ، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، وسيف منها مكفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه إلينا ، وأما السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى (٢) ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، فَإِنْ تابُوا ) يعني آمنوا ( وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) ، فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام وأموالهم وذراريهم سبي على ما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه سبى وعفى وقبل الفداء ، والسيف الثاني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

(٢) سورة التوبة الآية ٥.

٣٤٨

على أهل الذمة ، قال الله تعالى (١) ( وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً ) نزلت هذه الآية في أهل الذمة ثم نسخها قوله عز وجل (٢) ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل ، ومالهم في‌ء ، وذراريهم سبي ، وإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم ، وحرمت أموالهم ، وحلت لنا مناكحتهم ، ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم ، ولم تحل لنا مناكحتهم ولم يقبل منهم إلا دخول دار الإسلام أو الجزية أو القتل ، والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والديلم والخزر قال الله تعالى في أول السورة الذين كفروا فقص قصتهم (٣) ثم قال ( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) فإن قوله ( فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ ) يعني السبي منهم ، ( وَإِمّا فِداءً ) يعني المفاداة بينهم وبين هؤلاء الإسلام ، فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام ، ولا يحل لنا مناكحتهم ما داموا في الحرب ، وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله تعالى (٤) ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن منكم‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٧٧.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ٢٩.

(٣) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٤ و ٥.

(٤) سورة الحجرات ـ الآية ٩.

٣٤٩

من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هو؟ فقال : خاصف النعل يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال عمار بن ياسر قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا ، وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا أنا على الحق ، وأنهم على الباطل ، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهل مكة يوم فتح مكة ، فإنه لم يسب لهم ذرية ، وقال : من أغلق بابه فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، وكذلك قال : أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم البصرة نادى فيهم ألا لا تسبوا لهم ذرية ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تتبعوا مدبرا ، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن ، وأما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص ، قال الله تعالى (١) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) فسله إلى أولياء المقتول وحكمه إلينا ، فهذه السيوف التي بعث الله تعالى بها محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

هذا كله في الجهاد الأصغر ، وأما الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس فقد تكفلت بجميع ما جاء به من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال الله تعالى شأنه (٢) فيه ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ومن أخيه وابن عمه ووصيه وخليفته وصهره وأبي ذريته أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه‌السلام الذي هو باب مدينة العلم ، ومن أولاده الأئمّة‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٤٩.

(٢) سورة القلم ـ الآية ٤.

٣٥٠

المعصومين الغر الميامين الكتب المصنفة في هذا الفن لأصحابنا وغيرهم ، قال الصادق عليه‌السلام(١) « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث بسرية فلما رجعوا قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر قيل يا رسول الله : وما الجهاد الأكبر قال : جهاد النفس » ‌نسأل الله تعالى شأنه التوفيق له ، والحمد لله تعالى شأنه أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، والشكر له ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ١.

٣٥١

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين‌

( كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )

الذي قال الله عز وجل في بيانه (١) ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وقال تعالى (٢) ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقال تعالى (٣) ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ) » إلى غير ذلك مما ذكره تعالى في كتابه العزيز ،وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله تعالى » ‌وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا (٥) : « كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبانكم ولم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ، فقيل له ويكون ذلك يا رسول الله فقال : نعم وشر من ذلك ، فكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف فقيل له يا رسول الله ويكون ذلك فقال : نعم وشر‌

__________________

(١) و (٢) سورة آل عمران ـ الآية ١٠٠ ـ ١٠٦.

(٣) سورة الحج ـ الآية ٤٢.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٥ ـ ١٢

٣٥٢

من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا (١) « إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له فقيل له وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر » ‌وقال أيضا (٢) « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء » ‌« وجاء رجل من خثعم (٣) فقال يا رسول الله : أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال : الإيمان بالله ، قال : ثم ما ذا؟ قال : صلة الرحم ، قال : ثم ما ذا؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال الرجل : فأي الأعمال أبغض إلى الله تعالى عز وجل؟ قال : الشرك بالله ، قال : ثم ما ذا؟ قال : قطيعة الرحم ، قال : ثم ما ذا؟ قال : النهي عن المعروف والأمر بالمنكر » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) : « من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الأحياء » ‌وخطب عليه‌السلام يوما (٥) فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : « أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيث ما عملوا من المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك ، وإنهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات ، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا أجلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١٣.

(٢) و (٣) و (٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١٨ ـ ١١ ـ ٧ إلا أنه ترك ذيل الأخير وذكر تمامه في الكافي ج ٥ ص ٥٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٤.

٣٥٣

ولن يقطعا رزقا ، إن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان » ‌إلى آخره ،وقال أيضا (١) « اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول (٢) ( لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ ) وقال (٣) ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) وإنما عاب الله تعالى ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد ، فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما يحذرون ، والله يقول (٤) ( فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ ) وقال (٥) ( الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) فبدأ الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمة الفي‌ء والغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها » ‌إلى آخره ،و قال الباقر عليه‌السلام (٦) « يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراءون يتقرءون ويتنسكون حدثاء وسفهاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٩.

(٢) و (٣) و (٤) سورة المائدة ـ الآية ٦٨ ـ ٨٢ ـ ٤٨

(٥) سورة التوبة ـ الآية ٧٢.

(٦) ذكره في الوسائل مقطعا في الباب ٢ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٦ والباب ١ منها الحديث ٦ والباب ٣ منها الحديث ١ وتمامه في الكافي ج ٥ ص ٥٥ والتهذيب ج ٦ ص ١٨٠ الرقم ٣٧٢.

٣٥٤

لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا آمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصلاة والصيام ، وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، هنالك يتم غضب الله عليهم ، فيعمهم بعقابه ، فيهلك الأبرار في دار الفجار ، والصغار في دار الكبار ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ، ومنهاج الصالحين ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحل المكاسب ، وترد المظالم ، وتعمر الأرض ، وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم ( إِنَّمَا السَّبِيلُ ) (١) ( عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) هنالك فجاهدوهم بأبدانكم ، وأبغضوهم بقلوبكم ، غير طالبين سلطانا ، ولا باغين مالا ، ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته » ‌قال أبو جعفر عليه‌السلام (٢) « أوحى الله تعالى إلى شعيب « ع » أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم ، فقال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ، ولم يغضبوا لغضبي » ‌

وقال أبو جعفر عليه‌السلام (٣) « بئس‌

__________________

(١) سورة الشورى ـ الآية ٤٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٢.

٣٥٥

القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » ‌وقال هو أيضا والصادق عليهما‌السلام (١) « ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » ‌وقال الصادق عليه‌السلام أيضا (٢) : « الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله ، فمن نصرهما أعزه الله ، ومن خذلهما خذله الله تعالى » ‌وقال الباقر عليه‌السلام أيضا (٣) : « من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى الله ووعظه وخوفه كان له مثل أجر الثقلين : الجن والإنس ، ومثل أعمالهم إلا الإمام عليه‌السلام » ‌وقال الصادق عليه‌السلام (٤) : « ما أقر قوم بالمنكر بين أظهرهم لا يغيرونه إلا أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده » ‌إلى غير ذلك من النصوص.

وكيف كان ف المعروف على ما في المنتهى ومحكي التحرير والتذكرة هو كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دل عليه ، والمنكر كل فعل قبيح عرف فاعله قبحه أو دل عليه فالأول بمنزلة الجنس ، ضرورة كون المراد بالحسن الجائز بالمعنى الأعم الشامل لما عدا الحرام فإنه على ما عرفوه بما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله ، أو بما لم يكن على صفة تؤثر في استحقاق الذم ويقابله القبيح ، والاختصاص بوصف إلى آخره بمنزلة الفصل لإخراج المباح الذي لا وصف فيه زائدا على حسنه المراد به جواز فعله ، ويتبعه‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١ ـ ٢٠ والثاني عن الباقر عليه‌السلام إلا أن الموجود في التهذيب ج ٦ ص ١٧٧ الرقم ٣٥٧ قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١١ وليس في ذيله « إلا الإمام ».

(٤) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٣.

٣٥٦

المكروه وإن دخل في تعريفي الحسن بالأولويّة ، أو لأنه لا وصف فيه زائدا على حسنه بمعنى الجواز بناء على كون المراد الزيادة في الحسن كالندبية والوجوبية ، فلا تدخل المرجوحية في الفعل حينئذ فيه ، وقد يطلق الحسن على ما له مدخلية في استحقاق المدح ، فيختص حينئذ بالواجب والمندوب ، ويخرج عنه المباح والمكروه ، لكن لا يحمل المتن عليه ، ضرورة أنه لو كان المراد به ذلك لم يحتج إلى قيد الاختصاص بوصف زائد في إخراجهما بعد خروجهما عنه بالحسن ، وأما المنكر فليس إلا القبيح الذي هو الحرام كما سمعته من مفاد التعريفين ، بل والثالث المقابل للحسن بالمعنى الأخير : أي ما كان على صفة تؤثر في استحقاق الذم ، وحينئذ فالمباح والمكروه فضلا عن ترك المندوب ليسا من المعروف ولا من المنكر ، فلا يؤمر بهما ولا ينهى عنهما ، وربما حكي عن بعض إدراج المكروه في المنكر على معنى ما كان فيه صفة تقتضي رجحان تركه ، وحينئذ يكون النهي على قسمين : واجب ومستحب كالأمر بالمعروف ، إلا أنه خلاف المعروف في المراد منه ، وفي المسالك يمكن دخوله في المندوب باعتبار استحباب تركه ، فإذا كان تركه مندوبا تعلق الأمر به ، وهذا هو الأولى ، وفيه ما لا يخفى ، ولكن الأمر سهل بعد معلومية رجحان النهي عن فعل المكروه ، كمعلومية رجحانه أيضا عن ترك المندوب ، ولذا صرح باستحباب الأول أبو الصلاح وابن حمزة والشهيدان والسيوري على ما حكي ، اندرج في عنوان معروف ومنكر أو لم يندرج ، وعلى كل حال فالمراد بالتقييد بقوله « إذا » إلى آخره من حيث يؤمر به وينهى عنه لا في حد ذاته إذ العلم به غير شرط في كونه حسنا ومعروفا وقبيحا ، كما أن الظاهر إرادة الإشارة إلى العلم بالاجتهاد والتقليد مثلا من قوله « عرفه أو دل‌

٣٥٧

عليه » وهو واضح.

وكيف كان ف الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر واجبان إجماعا من المسلمين بقسميه عليه ، مضافا إلى ما تقدم من الكتاب والسنة وغيره ، بل عن الشيخ والفاضل والشهيدين والمقداد أن العقل مما يستقل بذلك من غير حاجة إلى ورود الشرع ، نعم هو مؤكد ، وإن كان الأظهر أن وجوبهما من حيث كونهما كذلك سمعي كما عن السيد والحلي والحلبي والخواجا نصير الدين الطوسي والكركي وفخر المحققين ووالده في بعض كتبه ، بل عن المختلف نسبته إلى الأكثر بل عن السرائر نسبته إلى جمهور المتكلمين والمحصلين من الفقهاء ، ضرورة عدم وصول العقل إلى قبح ترك الأمر بذلك على وجه يترتب عليه العقاب بدون ملاحظة الشرع ، ودعوى أن إيجابهما من اللطف الذي يصل العقل إلى وجوبه عليه جل شأنه واضحة المنع ، كوضوح الاكتفاء من الله تعالى بالترغيب والترهيب ونحوهما مما يقرب معه العبد إلى الطاعة ويبعد عن المعصية دون الإلجاء في فعل الواجب وترك المحرم بل في المنتهى « لو وجبا بالعقل لما ارتفع معروف ولما وقع منكر ، أو كان الله تعالى شأنه مخلا بالواجب ، والتالي بقسميه باطل ، فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل المعروف ، والنهي عن المنكر هو المنع منه ، فلو كانا واجبين بالعقل لكانا واجبين على الله تعالى ، لأن كل واجب عقلي يجب على كل من حصل فيه وجه الوجوب ولو وجبا على الله تعالى لزم أحد الأمرين ، وأما بطلانهما فظاهر ، أما الثاني فلأنه حكيم لا يجوز عليه الإخلال بالواجب ، وأما الأول فلأنه يلزم الإلجاء وهو ينافي التكليف ، لا يقال : إن هذا وارد عليكم في وجوبهما على المكلف ، لأن الأمر هو الحمل ، والنهي هو المنع ، ولا‌

٣٥٨

فرق في اقتضاء الحمل والمنع الإلجاء بين ما إذا صدرا من المكلف أو من الله تعالى ، وذلك قول بإبطال التكليف ، لأنا نقول : لا نسلم أنه يلزم الإلجاء ، لأن منع المكلف لا يقتضي الامتناع ، أقصى ما في الباب أن يكون مقربا ، ويجري مجرى الحدود في اللطفية ، ولهذا تقع القبائح مع حصول الإنكار وإقامة الحدود » وإن كان لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، والعمدة الوجدان ، ضرورة عدم وصول العقل إلى ذلك على وجه يترتب عليه الذم والعقاب ، نعم يمكن دعوى وصوله إلى الرجحان في الجملة لا على الوجه المزبور ، والأمر سهل بعد ما عرفت من ثبوته بالشرع كتابا وسنة وإجماعا.

ووجوبهما على الكفاية وحينئذ ف يسقط بقيام من فيه غناء وكفاية كما هو خيرة السيد والحلبي والقاضي والحلي والفاضل والشهيدين والمحقق الطوسي في التجريد والأردبيلي والخراساني وغيرهم على ما حكي عن بعضهم وقيل والقائل الشيخ وابن حمزة وفخر الإسلام والشهيد في غاية المراد والسيوري على ما حكي عن بعضهم بل هو على الأعيان بل ربما حكي عن الحلي بل عن الشيخ حكايته عن قوم من أصحابنا وهو أشبه عند المصنف بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة العينية في الوجوب ، مضافا إلى الأمر بهما على جهة العموم في جملة من النصوص منها بعض ما تقدم سابقا ، ومنها‌ النبوي (١) « لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمكم عذاب الله » ‌وفي آخر (٢) « مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله » ‌إلى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١٠.

٣٥٩

لكن لا يخفى عليك انقطاع الأصل بمعلومية كون الغرض منهما حصول ذلك في الخارج لا أنهما مرادان من كل شخص بعينه ، بل يمكن دعوى عدم تعقل إرادة الحمل على المعروف باليد مثلا من الجميع ، كما أنه يمكن القطع بكون المراد من هذه العمومات مثل ما ورد منها في تغسيل الميّت ودفنه ونحوهما مما هو متعلق بالجميع على معنى الاجتزاء به من أي شخص منهم والعقاب على الجميع مع الترك أصلا ، لا أن المراد فعله من كل واحد الذي لا يمكن تصوره باعتبار معلومية عدم إرادة التكرار كمعلومية عدم إمكان الاشتراك ، كما هو واضح ، هذا كله مضافا إلى الاستدلال عليه أيضا بظاهر قوله تعالى (١) ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ ) إلى آخره المراد منه التبعيض ، خصوصا بعد استدلال الصادق عليه‌السلام ، قال مسعدة بن صدقة (٢) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا؟ فقال : لا ، فقيل ولم؟ قال إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا ـ إلى أن قال ـ والدليل على ذلك كتاب الله عز وجل ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) إلى آخرها ، فهذا خاص غير عام ، كما قال الله عز وجل (٣) ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ولم يقل على أمة موسى ولا على كل قوم ، وهم يومئذ أمم مختلفة ، والأمة واحد فصاعدا‌

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الآية ١٠٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب الأمر والنهي الحديث ١.

(٣) سورة الأعراف ـ الآية ١٥٩.

٣٦٠