جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالاستسلاف الاستقراض إلى وقت استحقاقها ، لسقوطها حينئذ بالإسلام فيبقى القرض على حاله ، نعم لو أخذت جزية أمكن القول بعدم الرد مع أنه لا يخلو من نظر أو منع بعد ظهور عدم استحقاقها بالإسلام في الأثناء ، فتأمل جيدا.

ثم لا فرق فيما ذكرناه من سقوطها بالإسلام بين أن يكون الداعي في إسلامه ذلك أولا ، لإطلاق الأدلة المعتضد بحكمة وضعها ، خلافا للشيخ في المحكي من تهذيبه فلم يسقطها في الأول ، ولا ريب في ضعفه ، وفرق واضح بين الفرض وبين إسلام الذمي الزاني بمسلمة ، لإسقاط القتل عنه ويجوز أخذ الجزية من أثمان المحرمات كالخمر والخنزير وغيرهما بلا خلاف معتد به أجده فيه ، كما عن الحلي الاعتراف به ، بل في المختلف نسبته إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه ، وإن كان قد حكي فيه وفي الدروس عن الإسكافي عدم الجواز في خصوص صورة الإحالة على مشتريها منهم ، ولعله لعدم اعتنائه به بعد ظهور ضعفه بإطلاق الأدلة المقتضية إقرارهم على ما هم عليه ، ومنه الاستيفاء منهم من هذه الأمور كالبيع والشراء معهم بأثمانها ، فعليهم وزره ولنا حلال كما ذكره‌ الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صدقات أهل الذمة وما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم ، قال : عليهم الجزية في أموالهم يؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو خمر ، فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم ، وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم » ‌وفي المقنعة‌ روى محمد بن مسلم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٧٠ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٢

٢٦١

سأله « عن خراج أهل الذمة وجزيتهم إذا أدوها من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم أيحل للإمام عليه‌السلام أن يأخذها ويطيب ذلك للمسلمين؟ فقال : ذاك للإمام عليه‌السلام وللمسلمين حلال ، وهي على أهل الذمة حرام ، وهم المحتملون لوزره » ‌وفي الدعائم (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « أنه رخص في أخذ الجزية من أهل الذمة من ثمن الخمر والخنازير ، لأن أموالهم كذلك أكثرها من الحرام والربا » ‌بل من التعليل يستفاد الاستدلال بإطلاق ما دل على أخذها من أموالهم التي هي غالبا كذلك ، ولا فرق بين الحوالة به وغيره بعد الإطلاق ، نعم لا يجوز أخذ أعيان المحرمات منهم في الجزية ولا في غيرها مما تكون المعاملة فيه معهم ، لإطلاق ما دل على حرمتها على المسلم ، كما هو واضح ، هذا وقد صرح الفاضل وغيره بأنه يستحق الجزية من يستحق الغنيمة سواء ، فهي للمجاهدين ، بل في الدروس أن مصرفها عسكر المجاهدين وقد سمعت صحيح ابن أبي يعفور (٢) وغيره ، لكن الظاهر أن ذلك عند بسط اليد ، أما اليوم فعن النهاية والسرائر لمن قام مقام المهاجرين في الدفع عن الإسلام ، بل زاد في محكي السرائر ولمن يراه الإمام عليه‌السلام من الفقراء والمساكين من سائر المسلمين ، وفي القواعد هي للمجاهدين ، ومع عدمهم لفقراء المسلمين ، ونحوه عن أجوبة المهنا بن سنان له أيضا ، ولعله لظهور الأدلة في أن مصرفها الآن مصرف خراج الأرض ، بل الظاهر جواز أخذها لنا من يد الجائر على نحو الخراج كما هو مقتضى السيرة المستمرة من الأعوام والعلماء ، بل هو صريح‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٥٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٢٦٢

النصوص (١) الواردة في ضيافة الرءوس والأراضي ، بل منها يستفاد جريان حكم الجزية على المأخوذ من يده بعنوانها كالمأخوذ بعنوان الخراج والزكاة ، وحينئذ يكون تقرير الجزية منه. كتقرير الإمام عليه‌السلام بالنسبة إلى ذلك نحو ضرب الخراج الصادر منه ، بل قد سمعت قول الرضا عليه‌السلام (٢) فيما وقع من صلح عمر لبني تغلب وأنه يجري عليه الحكم حتى يظهر الحق ، بل يظهر منه بناء على أنه قد كان ذلك من عمر ابتداء أن عقد الذمة من الجائر كعقدها من الإمام عليه‌السلام ونائبه فضلا عن الجزية الموكولة في عقد الذمة إلى نظر الوالي في كل سنة على حسبما يراه من المصلحة كي يتحقق بذلك الصغار ، كما سمعت الكلام فيه ، وما في بعض العبارات ـ من أن عقد الذمة للإمام عليه‌السلام ونائبه ، لأنه مؤبد ، فكان النظر إليه فيه ، بل في المنتهى نفي الخلاف فيه ـ يراد منه عند بسط اليد لا مطلقا حتى يقتضي بطلان العقد معهم من الجائر واتباعه ، وحرمة أكل الجزية الحاصلة من عقده ، فالتحقيق إجراء حكم عقد العادل على عقده ، وحل الجزية المضروبة منه في كل سنة كالخراج ، وإن كنت لم أجد ذلك محررا في كلامهم نعم عن المجلسي « أن المشهور عدم تقدير جزية أهل الكتاب ، بل ما يراه الإمام عليه‌السلام أو حاكم المسلمين صلاحا يقرره » وتسمع إن شاء الله فيما يأتي عبارة الدروس.

وعلى كل حال فلو تمكن نائب الغيبة من عقده ومن تقرير الجزية صح وجرى عليه حكم عقد الإمام عليه‌السلام ، بل هو أولى من الجائر‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٩٦ والوسائل ـ الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو والباب ٥٤ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٦.

٢٦٣

بل لعل المراد بالنائب في كلامهم ما يشمله ، وربما تسمع لذلك تتمة إن شاء الله ، فمن الغريب بعد ذلك كله توقف الأردبيلي في حل الجزية من الجائر ، وأغرب منه احتماله سقوطها عنهم في زمن الغيبة.

ولا تتداخل الجزية ، فإذا اجتمعت عليه جزية سنتين مثلا استوفيت منه أجمع للأصل وغيره ، خلافا لأبي حنيفة فتتداخل كالحدود وهو كما ترى ، وأما المال الذي يقع عليه عقد الجزية فهو على حسب ما يراه الإمام عليه‌السلام من نقد أو عروض ، فقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) من نصارى نجران الحلل ، وأمر معاذ (٢) أن يأخذ من كل حالم دينارا ، و‌عن علي عليه‌السلام (٣) « أنه كان يأخذ الجزية من كل ذي صنعة من متاعه ، فيأخذ من صاحب الإبر إبرا ، ومن صاحب المسال مسالا ، ومن صاحب الحبال حبالا ، ثم يدعو الناس فيعطيهم الذهب والفضة فيقتسمونه ، ثم يقول : خذوا فاقتسموا ، فيقولون لا حاجة لنا فيه فيقول : أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنه » وفي الدعائم (٤) عن علي عليه‌السلام « أنه رخص في أخذ العروض مكان الجزية بقيمة ذلك » ‌وفيها أيضا (٥) عنه عليه‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من وضع عن ذمي جزية أو شفع له في وضعها عنه فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين » ‌والله العالم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٨٧ و ١٩٥.

(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٩٣.

(٣) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٢ الرقم ١٣٣٧.

(٤) و (٥) المستدرك ـ الباب ٥٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٣

٢٦٤

الأمر الثالث في شرائط الذمة ، وهي ستة على ما ذكرها المصنف هنا ، وفي النافع خمسة بترك الثاني ، بل عن كثير تركه ، ولكن لعله لأنه من مقتضيات العقد ، ولذا لم يجب اشتراطه ، والأول فيه كما صرح به في المنتهى وغيره ، وفي الدروس « شرائط الذمة قبول الجزية بحسب ما يراه الإمام ٧ على الرءوس أو الأرضين أو عليهما على الأقوى ، والتزام أحكام الإسلام ، وأن لا يفعلوا ما ينافي الأمان كمعاونة الكفار وإيواء عينهم ، وأن لا يتجاهروا بالمحرمات في شريعة الإسلام كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر وأكل الربا ونكاح المحارم ، فيخرجون عن الذمة بترك هذه أو بعضها ، وأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ـ إلى أن قال ـ : ويمنعون من أن يحدثوا كنيسة أو بيعة أو يضربوا ناقوسا أو يطيلوا بناء على جارهم المسلم أو يساووه ، بل ينخفضون عنه ، فرع لو كانت دار جاره سردابا لم يلزم بمثله ، ولو كانت داره على نشر لا يمكن الانتفاع بها إلا بالعلو على المسلم فالأقرب جوازه ، ويقتصر على أقل من بنيان المسلم ، ولو انعكس جاز له أن يقارب دار المسلم في العلو وإن أدى إلى الإفراط في الارتفاع » ونحوه في الشرائط في اللمعة ، وظاهره أنها أجمع شرائط في صحة عقد الذمة على معنى عدم جواز عقدها بدون ذلك ، وسيظهر لك ما فيه كغيره ممن ذكر نحوه

وفي المنتهى « لا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين أحدهما أن يلتزموا إعطاء الجزية ، والثاني التزام أحكام الإسلام على معنى وجوب القبول لما يحكم به المسلمون من أداء حق أو ترك محرم ـ إلى أن قال ـ ولا نعلم في ذلك خلافا ـ ثم قال أيضا ـ : جملة ما يشترط على أهل الذمة ينقسم ستة أقسام أحدها ما يجب شرطه ولا يجوز تركه ، وهو أمران : أحدهما ثبوت الجزية عليهم ، والثاني التزام أحكام الإسلام‌

٢٦٥

ولا بد من ذكر هذين الأمرين معا لفظا ونطقا ، ولا يجوز الإخلال بهما ولا بأحدهما ، فإن أغفل أحدهما لم تنعقد الجزية ، ولا نعلم فيه خلافا ـ إلى أن قال ـ : الثاني ما لا يجب شرطه ؛ لكن الإطلاق يقتضيه ، وهو أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين بالمعاونة لهم على حرب المسلمين ، لأن إطلاق الأمان يقتضي ذلك ، فإذا فعلوه نقضوا الأمان ، لأنهم إذا قاتلونا وجب علينا قتالهم وهو ضد الأمان ، وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما سواء شرط ذلك في العقد أو لم يشترط ، الثالث ما ينبغي اشتراطه مما يجب عليهم الكف عنه ، وهو سبعة أشياء : ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح ، وأن لا يفتنوا مسلما عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا يؤوي للمشركين عينا ، ولا يعين على المسلم بدلالة أو بكتبة كتاب إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ولا يقتلوا مسلما ولا مسلمة ، فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه مشروطا في العقد نقضوا العهد ، وإلا فلا ـ إلى أن قال ـ الرابع ما فيه غضاضة على المسلمين ، وهو ذكر ربهم أو كتابهم أو نبيهم أو دينهم بسوء ، فلا يخلو إما أن ينالوا بالسب أو بدونه ، فإن سبوا الله تعالى أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجب قتلهم ، وكان ذلك نقضا للعهد ، قاله الشيخ رحمه‌الله وإن ذكروهما بما دون أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب الله بما لا ينبغي فإن كان قد شرط عليهم الكف عن ذلك كان ذلك نقضا للعهد ، وإلا فلا ـ إلى أن قال ـ : الخامس ما يتضمن المنكر ولا ضرر على المشركين فيه ، وهو أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكتبهم ، ولا يضربوا الناقوس ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، وأن لا يظهروا الخمر والخنزير في دار الإسلام ، فهذا كله‌

٢٦٦

يجب عليهم الكف عنه سواء شرط عليهم أو لم يشترط ، فإن عقد الذمة يقتضيه ، فإن خالفوا ذلك لم يخل إما أن يكون مشروطا عليهم أو لم يكن ، فإن كان مشروطا عليهم انتقض ذمامهم ، وإن لم يكن مشروطا عليهم لم ينتقض ذمامهم ، بل يجب عليهم بما يقابل جنايتهم من حد أو تعزير ، وقال الشيخ رحمه‌الله لا يكون نقضا للعهد سواء شرط عليهم أو لم يكن ، وبه قال الشافعي ـ إلى أن قال ـ : السادس التميز عن المسلمين وينبغي للإمام عليه‌السلام أن يشترط عليهم في عقد الذمة التميز عن المسلمين في أربعة أشياء : في لباسهم وشعورهم وركوبهم وكناهم » إلى آخره.

وأما المصنف فبعد أن ذكر أنها ستة وفي بعض النسخ سبعة قال : الأول قبول الجزية، الثاني أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان مثل العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين ، ويخرجون عن الذمة بمخالفة هذين الشرطين بلا خلاف أجده فيهما كما سمعت الاعتراف به في أولهما الذي هو مقتضى قوله تعالى (١) ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) ووصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) لأمراء السرايا بطلب الجزية منهم ، فإن أجابوا وإلا فنابذوهم ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث (٣) المنجبر بما عرفت « ولو منع الرجال فأبوا أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلت دماؤهم وقتلهم » ‌وأما الثاني فقد سمعت ما في المنتهى من الاستدلال عليه وأنه مقتضى الأمان ، ولعله لذا لم يذكره كثير منهم‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٢٩.

(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٨٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ عن حفص بن غياث.

٢٦٧

المصنف في النافع كما سمعت الكلام فيه.

الثالث أن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم والسرقة لأموالهم وإيواء عين المشركين والتجسس لهم ، فإن فعلوا شيئا وكان تركه مشترطا في الهدنة كان نقضا ، وإن لم يكن مشترطا كانوا على عهدهم ، وفعل بهم ما تقتضيه جنايتهم من حد أو تعزير كما صرح بذلك غير واحد ، بل صرح بعضهم بعدم لزوم ذكر هذا الشرط في عقد الذمة ، وأنه مما ينبغي للإمام عليه‌السلام اشتراطه ، بل قد سمعت تصريح الدروس بانتقاض العهد به وإن لم يشترط كما هو ظاهر اللمعة ، بل هو ظاهر النافع أيضا ، وفيه أنه ليس في شي‌ء من الأدلة اعتبار ذلك في عقد الذمة ، بل مقتضى الإطلاق خلافه ، نعم لو اشترط فيه نقض بلا خلاف ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل في بعض الكتب دعواه ، وهو إن تم الحجة لا ما قيل من كونه مقتضى الشرطية التي لم يقع التراضي إلا عليها ، إذ قد يقال إن مقتضى الشرطية إلزامهم به إن لم يفوا به كما في غيره من العقود لا انتقاض العهد به ، إلا أن الظاهر كون عقد الذمة ليس كغيره من العقود التي لا تقبل التعليق ، بل هو ضرب من العهد ، فيجوز حينئذ تعليق الأمان والذمة على ذلك كالوصية العهدية والأمارة ونحوهما ، وحينئذ يتجه الحكم بالنقض مع فرض وقوع العقد على هذا الوجه ، وعلى كل حال لا وجه لذكر ذلك شرطا من شرائط الذمة ، إذ هو حينئذ على ما عرفت مما يصح اشتراطه في عقدها كغيره من الشرائط ، لا أنه من شرائط صحة عقدها على معنى عدم جواز عقدها بدونه ، والله العالم.

ولو سبوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل الساب كغيرهم من الناس بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن الغنية دعواه‌

٢٦٨

عليه لكل من سمعه من غير توقف على إذن الإمام عليه‌السلام ، ويشهد له بعض النصوص (١) كما أشبعنا الكلام فيه وفي سب باقي الأنبياء والملائكة والأئمّة عليهم‌السلام وفاطمة عليها‌السلام في كتاب الحدود ، فلاحظ ، إنما الكلام في نقض العهد به هنا ، فعن المبسوط وغيره النقض وإن لم يشترط في عقد الذمة ، بل في محكي الغنية الإجماع عليه ، وهو حسن إن كان المراد به بالنسبة إلى قتله الذي كان مقتضى عقد الذمة خلافه ، أما جريان باقي أحكام النقض عليه بالنسبة إلى ماله وولده مع عدم اشتراطه فهو مشكل إن لم يكن إجماع لعدم الدليل ، بل الأصل والإطلاق يدلان على عدمه ، ولعله لذا نسبه في المنتهى إلى قول الشيخ مشعرا بنوع توقف فيه ، والله العالم.

ولو نالوه بما دونه أي السب عزروا إذا لم يكن شرط عليهم الكف عنه وإلا انتقض عهدهم كما عن صريح المبسوط عملا بمقتضى الشرط ، أما مع عدم الشرط فربما ظهر من بعض الانتقاض أيضا ، وفيه الإشكال السابق إن لم يكن إجماع ، وكذا الكلام في غيره مما فيه غضاضة على المسلمين على حسبما سمعته من المنتهى ، وعلى كل حال فظاهرهم أيضا عدم وجوب ذكر هذا الشرط في عقد الذمة ، فلا يبطل حينئذ بعدمه ، للأصل والإطلاق وغيرهما ، ومنه ينقدح الإشكال على من ذكره في جملة الشرائط ، والله العالم.

الرابع أن لا يتظاهروا بالمناكير عندنا كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات ونحوها وإن كانت جائزة في شرعهم ولو تظاهروا بذلك نقض العهد وإن لم يذكر اشتراطه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ١ من كتاب الحدود.

٢٦٩

عقد الذمة كما هو ظاهر النافع واللمعة والنهاية والسرائر على ما حكي عن بعضها ، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليه ، بل هو صريح المحكي عن الغنية ، ولعله لصحيح زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الجزية من أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ، فمن فعل ذلك منهم برئت ذمة الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه ، وقال أيضا ليست لهم اليوم ذمة » ‌الظاهر في اعتبار ذلك في أصل عقد الذمة ، ولذا قال في محكي الغنية والسرائر : روى أصحابنا أنهم متى تظاهروا في شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات في شرعنا والربا نقضوا بذلك العهد.

ولكن مع ذلك قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط وظاهر الخلاف لا ينقض وإن اشترط عليهم بل عقد الذمة يقتضيه ، ولكن يفعل معهم ما يوجبه شرع الإسلام من حد أو تعزير ولا يخفى عليك ضعفه بعد ما عرفت ، كضعف ما سمعته من المنتهى من التفصيل بين الاشتراط فينتقض ، وعدمه فلا ينتقض ، كالمحكي عن التحرير والتذكرة ضرورة أنه لو سلم عدم ظهور الصحيح في غير صورة الشرط كما زعمه بعض الناس فالإجماع المحكي المعتضد بفتوى من عرفت كاف ، كما هو واضح.

الخامس أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يطيلوا بناء ويعزرون لو خالفوا كما صرح بذلك غير واحد ، بل يظهر من بعضهم المفروغية منه ، بل عن الغنية الإجماع على النقض به وإن لم يشترط ، فإن تم ذلك كان هو الحجة ، وإلا كان مقتضى الأصل والإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٢٧٠

جواز ما كان جائزا في شرعهم الذي أمرنا بإقرارهم عليه بل عقد الذمة يقتضيه وعلى كل حال فقد صرح غير واحد بأنه لو كان تركه مشترطا في العهد انتقض وإلا لم ينتقض ، ولكن قد سمعت ما عن الغنية من الإجماع على النقض مطلقا إلا أن قطع الأصل والإطلاق بمثله ـ بعد إعراض الأكثر عنه ، بل لم نجد من وافقه عليه ـ مشكل أو ممنوع ، نعم يمكن تحصيل الإجماع على النقض في صورة الشرط وإلا كان فيه الإشكال السابق إلا على الوجه الذي ذكرناه ، والله العالم‌

السادس أن تجرى عليهم أحكام المسلمين على معنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون عليهم من أداء حق أو ترك محرم بلا خلاف أجده كما سمعته من المنتهى ، ضرورة كونه الصغار أو منه الذي لا إشكال ولا خلاف في اعتباره في الذمة بنص الكتاب (١) ولذا صرح غير واحد بالانتقاض بالمخالفة وإن لم يشترط ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، وبذلك كله ظهر لك الحال فيما ينبغي اشتراطه في الذمة ، وهو ما استفيد من الآية من إعطاء الجزية صاغرا ، بل ينبغي اعتبار كونها عن يد وإن لم أجد من صرح به ، وما استفيد من صحيح زرارة (٢) وما يقتضيه إطلاق الأمان ، وأما غير ذلك فمدار وجوبها والنقض بها على الاشتراط في عقد الذمة على وجه يحصل النقض بعدمه كما قدمنا الكلام فيه ، وإلى ذلك يرجع ما في المسالك وحاشية الكركي وإن كان لا يخلو أيضا من شي‌ء ، وحينئذ فالأولان والرابع والسادس شرائط الذمة ، وأما الشرائط فيها فهي على حسب ما يقع من العاقد ، ومن هنا يشكل الحكم بانتقاض العهد في أهل الذمة الآن بمخالفة بعض الأمور‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٢٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٢٧١

التي لم يعلم اشتراطها عليهم حين العقد معهم على وجه يقتضي النقض اللهمّ إلا أن يكون ذلك محفوظا للمسلمين ، ولم نتحققه ، بل لعل السيرة على خلافه ، وإن كان يمكن كون ذلك لتقويهم بحكام الجور ، إلا أن الإنصاف عدم العلم بكيفية وقوع العقد معهم ، وأنه كان على وجه تبرأ الذمة منهم لو خالفوا شيئا منها أو كان على إرادة الإلزام لهم بهذه الأمور وإن لم ينتقض العهد بالمخالفة ، فلا يجوز حينئذ التعرض بإجراء حكم الحرب عليهم بمجرد الاحتمال بعد معلومية حصول الذمة ، مع أن الأصل عدم الشرط على هذا الوجه ، نعم يخرجون عن الذمة بمخالفة تلك الشرائط التي قد عرفت اعتبارها في الذمة دون غيرها ، ودعوى استفادة ذلك مما عرفت من أن الأولى للإمام عليه‌السلام ذكر الشرائط المزبورة بضميمة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام من بعده لا يتركون الأولى يدفعها أن المصلحة في ذلك الوقت غير معلومة لدينا ، فربما تكون تقتضي ذلك ، وربما لا تكون ، وربما كانت في بعضهم كذلك ولكن لم يعرفوا ، ومنه يعلم الحال فيما في جملة من العبارات من الإجمال حتى المتن.

نعم ينبغي أن يشترط عليهم في عقد الذمة كلما فيه نفع ورفعة للمسلمين وضعة لهم وما يقتضي دخولهم في الإسلام من جهته رغبة أو رهبة ، بل ينبغي للإمام عليه‌السلام كما سمعته من المنتهى اشتراط التميز عن المسلمين في اللباس والشعور والركوب والكنى ، أما اللباس بأن يلبسوا ما يخالف لونه سائر الثياب كالعسلي لليهود والدكني للنصارى ولكن يكفي في ذلك ثوب واحد ، وبشد الزنار للنصارى ، وبخرقة فوق العمامة أو نحوها لغيرهم ، ويجوز أن يلبسوا العمامة والطيلسان ، وإن‌

٢٧٢

لبسوا قلانس شدوا في رأسها علما لتخالف قلانس القضاة ، وينبغي أن يختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد أو يضع فيه جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمام ، وكذلك يأمرون نساءهم بلبس شي‌ء يفرق بينهن وبين المسلمات من شد الزنار تحت الأزرار ويختم في رقابهن ، وتغيير أحد الخفين بأن يكون أحدهما أحمر والآخر أبيض ولا يمنعون من لبس فاخر الثياب بعد حصول التمييز ، وأما الشعور فلا يفرقونها ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) فرق شعره ، ويحذفون مقاديم الرءوس ، ويجزون شعورهم ، وأما الركوب فلا يركبون الخيل لأنها عز ، ويركبون ما سواها بغير سرج ، ويركبون عرضا رجلاه إلى جانب وظهره إلى جانب ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتخاذه وأما الكنى فلا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي محمد وأبي عبد الله وأبي القاسم وأبي الحسن وأشباهها ، بل ينبغي للإمام عليه‌السلام أيضا اشتراط عدم علو دورهم على دور المسلمين بل عدم مساواتها.

بل ينبغي له إلزامهم بما ألزم به بعضهم أنفسهم ، فقد‌ روي « أنه كتب أهل الجزيرة من أهل الكتاب في زمن عمر إلى عبد الرحمن بن عتم أنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا ولا قلابة ولا صومعة راهب ، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ، ولا ما كان منها في خطط المسلمين ، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار ، وأن توسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسا ، وأن لا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦٢ من أبواب آداب الحمام الحديث ٥.

٢٧٣

نكتم أمر من غشي المسلمين ، وأن لا نضرب نواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ، ولا نظهر عليها صليبا ، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون ، ولا نخرج صليبنا ولا كتبنا في سوق المسلمين ، ولا نخرج بأعيادنا ولا سعانينا ، ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا ، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين ، وأن لا نجاورهم بالخنازير ، ولا نبيع الخمور ، ولا نظهر شركا ولا ترغيبا في ديننا ، ولا ندعو إليه أحدا ، ولا نتخذ شيئا من الرقيق الذي ضربت عليهم سهام المسلمين ، وأن لا نمنع أحدا من أقربائنا إذا أراد الدخول في الإسلام ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ، ولا نتكلم بكلامهم ، وأن لا نتكنى بكناهم ، وأن نجز مقاديم رءوسنا ، ولا نفرق نواصينا ، ونشد الزنانير على أوساطنا ، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ، ولا نترك الروح ، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف ، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ، ونرشد الطريق ، ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس ، ولا نطلع عليهم في منازلهم ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة ، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام وأن نطعمه من أوسط ما نجد ضمنا ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا ، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا ، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق ، فكتب بذلك عبد الرحمن بن عتم إلى عمر بن الخطاب ، فكتب له عمر أن أمض لهم ما سألوا وألحق فيه حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم : أن لا يشتروا من سبايانا شيئا ، ومن‌

٢٧٤

حارب مسلما عمدا فقد خلع عهده ، فأنفذ عبد الرحمن بن عتم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط ».

وعن ابن الجنيد وأختار أن يشترط عليهم عند عقد الذمة لهم أن لا يظهروا سبا لسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أحد من أنبياء الله وملائكته ولا سب أحد من المسلمين ، ولا يطعنوا في شي‌ء من الشرائع التي رسمها أحد من الأنبياء ، ولا يظهروا شركهم في عيسى والعزير ، ولا يرعون خنزيرا في شي‌ء من أمصار المسلمين ، ولا يمثلوا ببهيمة ولا يذبحوها إلا من حيث نص لهم في كتبهم على مذبحها ، ولا يقربوها لصنم ولا لشي‌ء من المخلوقات ، ولا يربوا مسلما ولا يعاملوه في بيع ولا إجارة ولا مساقاة ولا مزارعة معاملة لا تجوز للمسلمين ، ولا يسقوا مسلما خمرا ، ولا يطعموه محرما ، ولا يقاتلوا مسلما ، ولا يعاونوا باغيا ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ، ولا يدلوا على عوراتهم ، ولا يحيوا من بلاد المسلمين شيئا إلا بإذن واليهم ، فإن فعلوا كان للوالي إخراجه من أيديهم ، ولا ينكحوا مسلمة بعقد ولا غيره ، ويشترط عليهم أيضا كل ما قلنا إنه ليس بجائز لهم فعله ، كدخول الحرم وسكنى الحجاز وغيره ، ثم يقال فمن فعل شيئا من ذلك فقد نقض عهده وأحل دمه وماله وبرئت منه ذمة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وقد سمعت ما عن (١) أمير المؤمنين عليه‌السلام في بني تغلب.

وأنه من جملة الشرائط عليهم أن لا يهودوا أولادهم ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر فضل بن عثمان الأعور (٢) « ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه ،

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٤ الرقم ٦٣٥٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

٢٧٥

وإنما أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذمة وقبل الجزية عن رءوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهودوا أولادهم ولا ينصروا ، وأما أولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم » ‌وعن العلل (١) روايته أيضا إلا أنه قال : « فأما الأولاد وأهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم » ‌ولكن لم أجد عاملا بما في ذيله ، بل لعل ظاهر نصوص (٢) ضمان الرءوس والسيرة على خلافه ، هذا ، وقد ذكرنا سابقا الكلام في العاقد للذمة ، وقد عرفت أنه في زمان بسط اليد للإمام عليه‌السلام ونائبه الخاص ، أما في زمان قصورها فنائب الغيبة ، بل والجائر للسيرة ، وما تقدم (٣) عن الرضا عليه‌السلام من إمضاء صلح عمر لبني تغلب إلى أن يظهر الحق ، ولعله لذا قال في الدروس وفي زمن الغيبة يجب إقرارهم على ما أقرهم عليه ذو الشوكة من المسلمين كغيرهم ، بل مقتضاه صحة ذلك وإن أخل بما هو كالركن لعقد الذمة ، وهو الجزية والصغار ونحوهما مما عرفت ، إلا أن الذي يظهر من الأصحاب فساد عقد الذمة بما سمعت لو وقع من أحد من غير فرق بين هذا الزمان وغيره ، اللهمّ إلا أن يكون من الجائر وقلنا باعتبار ما يقع منه وإن خالف الحق كما عساه يظهر مما سمعته من الدروس ، إلا أنه كما ترى ، نعم هو كذلك من حيث التقية الضررية لا الدينية ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وكيف كان ف هاهنا مسائل : المسألة الأولى إذا خرقوا الذمة في دار الإسلام كان للإمام عليه‌السلام ردهم إلى مأمنهم الأولى إذا خرقوا الذمة في دار الإسلام ففي القواعد ومحكي المبسوط كان للإمام عليه‌السلام ردهم إلى مأمنهم بل عن الإيضاح عدم الخلاف فيه وهل له قتلهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو ٠ ـ ٦

٢٧٦

واسترقاقهم ومفاداتهم؟ قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط نعم هو مخير بين ذلك وبين الرد ولكن فيه تردد من الدخول بالأمان المانع من الاغتيال كما سمعته في كل حربي دخل دار الإسلام بأمان فضلا عن الذمة ، ومن كون ذلك قد نشأ منهم والفرض أنه قد تقدم إليهم بذلك متى نقضوا فليس فيه اغتيال ولا خيانة ، فيجري عليهم حينئذ حكم أهل الحرب ، ولعله الأقوى كما في المنتهى والمسالك وحاشية الكركي ومحكي التذكرة ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، قال : ومتى أخلوا بشي‌ء منها أي الشرائط صارت دماؤهم هدرا وأموالهم وأهاليهم فيئا للمسلمين بدليل الإجماع المشار إليه ، ومنه حينئذ يشكل الحكم بجواز الرد إلى المأمن الذي قد عرفت دعوى الفخر نفي الخلاف فيه ، ضرورة اندراجهم في أهل الحرب المأمورين بقتلهم وسبيهم ونهبهم كتابا وسنة وإجماعا بقسميه ، نعم الظاهر اختصاص ذلك بخصوص الخارق دون غيره ، بل قد يشكل جريان الحكم على ماله وأهله بناء على ما سمعته سابقا باحترام مال المستأمن وإن لحق بدار الحرب ، اللهمّ إلا أن يقال إن أمان أهله وذريته وماله تبع لأمانه ، والفرض انتقاضه على وجه لا يجب معه علينا الرد إلى المأمن ، لكون النقض من قبله ، وخصوصا إذا كان قد اشترط عليه مع ذلك ، فلعل الأقوى حينئذ انتقاض الأمان في توابعه ، فتسبى نساؤه ، وتسترق ذريته ، ويتخير فيه الإمام عليه‌السلام بين القتل والمن والاسترقاق والفداء على حسبما سمعته في الأسير بعد وضع ( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، والله العالم.

المسألة الثانية إذا أسلم الذمي بعد خرق الذمة قبل الحكم فيه سقط الجميع أي القتل والاسترقاق والمفاداة وغيرها أيضا مما كان عليه حال الكفر عدا القود والحد مع فعل موجبهما‌

٢٧٧

واستعادة ما أخذه من المال كما في المنتهى ومحكي التذكرة ، بل عن المبسوط سقوط الأخير من المستثنى ، لكن قال : إن أصحابنا رووا أن إسلامه لا يسقط عنه الحد ، وظاهره شهرة الرواية أو الإجماع عليها فلا تحتاج حينئذ إلى جابر في إثبات الحد الذي من فحواه يستفاد حكم الأخيرين أيضا ، أو من عدم القول بالفصل ، مضافا إلى الأصل المقتضي كونها كالدين الذين لا يسقط بالإسلام ، وحينئذ فخبر الجب (١) مخصوص بذلك بناء على شموله لها ، فتأمل.

ولو أسلم بعد الاسترقاق أو المفاداة لم يرتفع ذلك عنه بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، للأصل ، والله العالم.

المسألة الثالثة إذا مات الإمام عليه‌السلام وقد ضرب لما قدره من الجزية أمدا معينا أو اشترط الدوام وجب على الإمام عليه‌السلام القائم بعده إمضاء ذلك كما صرح به غير واحد ، بل في المنتهى نفى الخلاف فيه عنه ، بل في محكي التذكرة الإجماع عليه ، وهو كذلك ضرورة كون ذلك مقتضى وجوب الطاعة والامتثال لمن عصمه الله تعالى من الزلل وآمنه من الخطأ ومن النطق عن الهوى وجعل أمره أمره وحكمه حكمه وإن أطلق الأول كان للثاني تغييره على حسبما يراه صلاحا بلا خلاف أيضا بل ولا إشكال ، ضرورة عدم كونه مخالفة للأول ، فيبقى حينئذ ما دل على وجوب مراعاته المصلحة على حاله ، ولعله لذا ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجزية دينارا (٢)

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ١٥ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢ والخصائص الكبرى ـ ج ١ ص ٢٤٩ وكنز العمال ج ١ ص ١٧ الرقم ٢٤٣ وجامع الصغير ج ١ ص ١٢٣.

(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٩٣.

٢٧٨

وأمير المؤمنين عليه‌السلام خمسة وأربعين وأربعة وعشرين واثنا عشر (١) كما عرفته سابقا ، والله العالم.

ويكره أن يبدأ الذمي بالسلام على المشهور كما في المسالك للنهي عنه في‌ النبوي (٢) المحمول عليها « لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها » ‌وفي آخر « إنا غادون غدا فلا تبدءوهم بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم » وفي الدعائم (٣) عن علي عليه‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يبدءوهم بالسلام ، فإن بدءوا قيل لهم وعليكم » ‌لكن عن ظاهر التذكرة التحريم ، بل في المسالك النهي المطلق (٤) في الأخبار يدل عليه ، وهو كذلك لو كان بسند معتبر ، ولم تكن شهرة على إرادة الكراهة منه ، ولو بدأ الذمي به اقتصر في الجواب على قول وعليكم كما سمعت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي محكي التذكرة يرد بغير السلام بأن يقول : هداك الله أو أنعم الله صباحك أو أطال الله بقاك ولو رد بالسلام اقتصر على قول وعليك ، وفيه بحث يعرف من الكلام في التحية في كتاب الصلاة ، فلاحظ ، ومنه يعلم الحال فيما لو أكمل الجواب بالسلام الذي استظهر هنا كراهته في المسالك بناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٥ و ٨ وفيه أنه عليه‌السلام جعل على المرتبة الأولى ثمانية وأربعين.

(٢) كنز العمال ـ ج ٥ ص ٣٠ الرقم ٧٠٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ٤٣ من أبواب أحكام العشرة الحديث ٤ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ٤٩ من أبواب أحكام العشرة.

٢٧٩

على عدم القول بتحريمه ابتداء ، وكذا ما فيها أيضا من أنه لو اضطر المسلم إليه لكونه طبيبا يحتاج إليه ونحو ذلك لم يكره له السلام عليه ولا الدعاء له ، لصحيح عبد الرحمن (١) عن الكاظم عليه‌السلام ، وفيه « أنه لا ينفعه دعاؤك » ثم قال : وأما السلام على باقي الملل والرد عليهم فلم يتعرضوا له ، والظاهر تحريمه مع عدم الضرورة ، وينبغي أن يقول عند ملاقاتهم ( السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ) كما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) بمشركي قريش ، وفيه أيضا بحث يعرف مما هناك أيضا.

ومما سمعته في النبوي يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من أنه يستحب أن يضطره إلى أضيق الطرق على معنى منعهم عن جادة الطريق إذا اجتمعوا هم والمسلمون فيه واضطرارهم إلى طرفه الضيق وفي الدروس استحباب التضييق والمنع من الجادة ، نعم كما في المسالك ليكن التضييق عليهم بحيث لا يقفون به في وهدة ولا يصدمون جدارا ولو خلت الطريق من مرور المسلمين فلا بأس بسلوكهم حيث شاءوا ، وفي الدروس ويكره مصافحته أيضا ، فإن فعل فمن وراء الثياب ، ولا بأس به ، والله العالم.

الأمر الرابع في حكم الأبنية والنظر في الكنائس والمساكن والمساجد ، لا يجوز استئناف أهل الكتاب المعابد ك‍ البيع والكنائس والصوامع وبيوت النيران وغيرها في بلاد الإسلام مع اشتراط ذلك في ذمتهم ، ضرورة بطلان عباداتهم ، فهي بيوت ضلال حينئذ ، بل لعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥٣ من أبواب أحكام العشرة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤٩ من أبواب أحكام العشرة الحديث ٨.

٢٨٠