جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليه وآله فهو للإمام عليه‌السلام لاشتراكهما في العصمة عندنا ، بل لا يبعد جوازه أيضا لوالي الجيش من قبلهما إذا كانت ولايته على وجه تشمل ذلك ، والظاهر جوازه أزيد من الثلث ، وإن كان الذي وقع الثلث فما دون في المروي (١) من طرق العامة ، إلا أنه يمكن أن يكون لعدم اقتضاء المصلحة أزيد من ذلك ، فإن المدار عليها ولا يخص نوعا من المال ، فيجوز في الدراهم والدنانير وغيرهما ، كما يجوز بالمعين والمشاع وفي المعلوم والمجهول كالسهم واليسير والقليل والشي‌ء ونحو ذلك مما يجعله الإمام عليه‌السلام وللسرية والسريتين وغيرهما ، وقبل الغنيمة وبعدها وللعامة خلاف في جملة مما ذكرنا ، ولكنه واضح الضعف.

كما أن كثيرا من الفروع المذكورة هنا تعرف مما ذكروه في الجعالة إذ معظم أفراد المقام منها وإن كان هو أوسع منها في المشروعية ، فلو قال : من دخل من باب المدينة فله درهم فاقتحم قوم من المسلمين فدخلوها استحق كل واحد منهم الدرهم ، لأنه شرط لكل داخل ، بخلاف ما لو قال من دخله فله الربع فدخله عشرة مثلا ، فإنهم يشتركون فيه ، لعدم قابليته للتعدد ، ولو دخل واحد ثم واحد حال قيام الحرب اشتركوا أيضا في النفل ، وكذا لو قال : من دخله فله جارية من المغنم فدخلوا ولم يكن فيه إلا جارية واحدة ، بخلاف ما لو قال : جارية مطلقة كان لكل واحد جارية ، فإن لم توجد فقيمتها ولو قال من دخل أولا فله ثلاثة ، ومن دخل ثانيا فله اثنان ، ومن دخل ثالثا فله واحد فدخلوا على التعاقب كان لكل مسماه ، لجواز التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف ، ولو دخلوا دفعة واحدة ففي المنتهى بطل نفل الأول والثاني ، وكان لهم جميعا نفل الثالث ، لأن الأول‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٩ الرقم ١٤٢٣.

٢٢١

هو المتقدم ، والثاني هو من تقدمه واحد ولم يوجد ، فيبطل نفلهما ، لانعدام الشرط ، وهو التفرد والمسابقة في الدخول ، والثالث إذا سبقه اثنان كان ثالثا ، وإذا قارنه اثنان كان ثالثا أيضا ، لأن خوف الثالث فيما إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدمه اثنان ، فيكون فعله أشق ، فاستحقاقه أولى ، وفيه نظر ، وكذا قوله أيضا ولو دخل اثنان أول مرة بطل نفل الأول ، ونفل الثاني يكون لهما ، لأن صفة الأولية انعدمت بالمقارنة ، بخلاف الثاني ، فإنه يصدق بالمسبوقية والمقارنة ، بل وقوله أيضا ولو قال : من دخل هذا الحصن أولا من المسلمين فله كذا فدخل ذمي ثم مسلم استحق النفل ، لأنه جعل النفل موصوفا بهذه الصفة ، فلا تمنع أولية الذمي كالبهيمة لو دخلت ، أما لو قال من دخل هذا الحصن من المسلمين أولا من الناس فدخل ذمي ثم مسلم لم يستحق النفل ، لأنه ليس أولا من الناس ، بل ثانيا من الدخول منهم ، ولو قال : من دخل منكم خامسا فله درهم ، فدخل خمسة معا استحق كل واحد النفل ، لأنه أوجب النفل للخامس ، ولكل واحد يصدق عليه أنه خامس ، ولو دخلوا على التعاقب فالخامس آخرهم ، فاستحق النفل خاصة ، والله العالم.

المسألة الرابعة الحربي لا يملك مال المسلم بالاستغنام كما يملك هو ماله بلا خلاف فيه بين المسلمين ، بل لعله من ضروريات الدين وحينئذ ف لو غنم المشركون أموال المسلمين وذراريهم ثم رجعت أو ارتجعوها أي ارتجعها المسلمون فالأحرار لا سبيل لأحد عليهم بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال ، قال هشام بن سالم (١) « سأل الصادق عليه‌السلام رجل عن الترك يغيرون على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

٢٢٢

المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيرد عليهم؟ قال : نعم ، والمسلم أخو المسلم ، والمسلم أحق بماله أينما وجده » ‌

وقال أيضا في مرسله (١) عنه عليه‌السلام أيضا : « في السبي يأخذه العدو من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه ، ثم إن المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين كيف يصنع بما أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ فقال : أما أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين ، ولكن يردون إلى أبيهم وأخيهم أو إلى وليهم بشهود ، وأما المماليك فإنهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين » ‌كل ذلك مضافا إلى معلومية عدم صيرورة المسلم الحر رقا ، بل لعله من ضروريات الدين. وأما الأموال والعبيد فلأربابها قبل القسمة عند عامة العلماء كما في المنتهى ومحكي التذكرة بدون غرامة شي‌ء للمقاتلة ، للأصل ، وما تقدم في‌ خبر هشام « من أن المسلم أحق بماله أينما وجده » ومرسل جميل (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثم أخذ سبيا إلى دار الإسلام ، فقال : إن وقع عليه قبل القسمة فهو له ، وإن جرت عليه القسمة فهو أحق به بالثمن » وخبر طربال (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام المروي عن كتاب المشيخة قال : « سئل عن رجل كان له جارية فأغار عليه المشركون فأخذوها منه ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم ، فقال : إن كانت في الغنائم وأقام البينة أن المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٤ ـ ٥

٢٢٣

ردت عليه ، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردت رقبتها وأعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه ، قيل له فإن لم يصبها حتى تفرق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعد قال : يأخذها من الذي في يده إذا أقام البينة ، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البينة على أمير الجيش بالثمن » ‌وغير ذلك ، لكن عن الشيخ في النهاية إطلاق كونها للمقاتلة مع غرامة الإمام عليه‌السلام لأربابها الأثمان من بيت المال ، بل عن القاضي نفي البأس عنه ، إلا أنه أفتى أولا بأن غير الأولاد مع بقاء عينه وثبوته بنحو البينة لمدعيه من المسلمين رد إليه ، وعلى كل حال فلا أعرف له دليلا إلا إطلاق مرسل هشام الذي هو مع أنه مختص بالمماليك ولا جابر له بالنسبة إلى ذلك معارض بما في خبره من « أن المسلم أحق بماله أينما وجده » ‌وبغيره مما سمعت ، وإلا‌ صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل لقيه العدو وأصاب منه مالا أو متاعا ثم إن المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال : إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل رد عليه ، وإن كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو في‌ء للمسلمين ، فهو أحق بالشفعة » ‌الموافق لما عن الزهري وعمر بن دينار من العامة المعارض بما سمعت المحتمل مع ذلك إرادة القسمة من الحيازة بناء على أن الحكم كذلك معها ، فلا ريب في قصوره عن المعارضة بما سمعت من وجوه ، ومن ذلك يعلم ضعف ما عن الإسكافي من إطلاق كون المماليك للمقاتلة من غير تعرض لغيرهم ، بل وما عن الحلبي من عكس ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

٢٢٤

هذا كله قبل القسمة وأما لو عرفت بالبينة ونحوها بعد القسمة ف عن النهاية أنها للمقاتلة أيضا نحو ما سبق ولأربابها القيمة من بيت المال ولم أجد له موافقا على ذلك منا ، نعم هو محكي عن أبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين بل نقله الجمهور عن عمرو الليث وعطاء والنخعي وإسحاق ، كما أني لم أجد له دليلا أيضا إلا ما سبق ، وقد عرفت الكلام فيه ، مضافا إلى قوة احتمال التقية هنا ممن سمعت وإلى خلو الصحيح عن الغرامة من بيت المال ، بل ظاهره ما في رواية جميل المرسلة من أنها تعاد على أربابها بالقيمة الموافقة لما رواه الجمهور (١) عن ابن عباس « من أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن أصبته قبل أن يقسمه فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة » ‌إلا أني لم أجد عاملا بهما منا ، وإن أيد بأنه إنما امتنع أخذه له بغير شي‌ء لئلا يفضي إلى حرمان أخذه من الغنيمة أو تضييع الثمن على المشتري ، وحقهما ينجبر بالثمن ، فيرجع صاحب المال في عين ماله بمنزلة مشتري الشقص المشفوع ، إلا أنه كما ترى.

ومن ذلك كله ظهر لك أن الوجه والتحقيق إعادتها على المالك الذي هو أحق بماله أينما وجده وفاقا للمحكي عن الشيخ في المبسوط وابني زهرة وإدريس والفاضل والشهيدين والكركي والمقداد وغيرهم ، بل عن الغنية الإجماع عليه ولكن يرجع الغانم بقيمتها على الإمام عليه‌السلام كما صرح به غير واحد مطلقين ذلك لخبر طربال (٢) المنجبر سنده بفتوى من عرفت ، بل نسبه بعضهم إلى الشهرة‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ١١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٥.

٢٢٥

العظيمة ، فما عساه يظهر من بعض من عدم رجوعه على أحد في غير محله ، خصوصا مع ملاحظة كونه شريكا ، نعم قيده المصنف وجماعة ممن تأخر عنه بأنه كذلك مع تفرق الغانمين وإلا أعاد الإمام (ع) القسمة أو رجع على كل واحد منهم بما يخصه ، ولا بأس به ، ضرورة اقتضاء القواعد ذلك كما في غير الفرض مما بان في قسمته مال الغير ولا ينافيه الخبر بعد انسياق غير ذلك منه ، على أن الرجوع على الإمام عليه‌السلام إنما هو على بيت المال المعد لمصالحهم العامة لا خصوص المقاتلة ، فيقتصر في الرجوع عليه على محل اليقين الذي هو غير المفروض ثم لا يخفى عليك أن ذلك كله لو أخذ مال المسلم من الكافر على وجه الاغتنام بالجهاد ، أما إذا أخذ سرقة أو هبة أو شراء أو نحو ذلك فلا إشكال في عوده إلى مالكه من دون غرامة شي‌ء وإن كان الآخذ جاهلا ، لعموم‌ قوله عليه‌السلام (١) « المسلم أحق بماله أينما وجده » ‌وغيره ، ولو علم أمير الجيش بمال المسلم قبل القسمة فقسمه وجب رده وكان صاحبه أحق به بغير شي‌ء ، ضرورة بطلان القسمة من أصلها ، ولو أسلم المشرك الذي في يده مال المسلم أخذ منه بغير قيمة ، ولو دخل مسلم دار الحرب فسرقه أو نهيه أو اشتراه ثم أخرجه إلى دار الإسلام فصاحبه أحق به ، ولا يلزمه قيمته ، وكل تصرف فيه ببيع أو عتق أو نحوهما باطل مع عدم الإجازة ، ولو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة الإسلام فلم يعلم صاحبه فهو غنيمة ، لظاهر اليد مع احتمال صحتها ، ولا عبرة برسم الكتابة عليه ، ولو أقر الغلام أنه غلام مسلم ففي قبوله تردد أو منع بعد أن أخذه من بلاد الشرك وخصوصا إذا كان من يد مشرك ، ولا فرق في مطالبة المسلم بماله المأخوذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

٢٢٦

من يد المشرك بين كونه مستأجرا لمسلم فغنمه المشرك أو مستعارا أو لم يكن ، ولو دخل حربي دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما ثم لحق بدار الحرب فغنمه المسلمون كان باقيا على ملك البائع لفساد الشراء نعم الظاهر وجوب رد الثمن على الكافر ، لأنه قد أخذ منه حال الأمان ، ولو تلف العبد في يد الكافر كان للسيد القيمة ، وعليه رد ثمنه ، ويترادان الفضل ، ولو أبق عبد المسلم إلى دار الحرب فأخذوه لم يملكوه بذلك ، لما عرفت ، خلافا لمالك وأحمد وأبي يوسف ومحمد والله العالم.

( الركن الثالث في أحكام أهل الذمة )

والنظر في أمور : الأول من تؤخذ منه الجزية وهي الوظيفة المأخوذة من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام وكف القتال عنهم ، وهي فعلة من جزى يجزي ، يقال : جزيت ديني إذا قضيته ، بل لعل منه قوله تعالى (١) ( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ) ولا خلاف بين المسلمين فضلا عن المؤمنين في أنها تؤخذ ممن يقر على دينه ، وهم اليهود بأقسامهم والنصارى كذلك ، بل لعله من ضروريات المذهب أو الدين ، قال الله تعالى (٢) ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٤٥.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ٢٩.

٢٢٧

صاغِرُونَ )‌ وقد‌ روت الخاصة والعامة (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوصي أمراء السرايا بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال ، فإن أبوا فإلى الجزية ، فإن أبوا قوتلوا‌ بل وكذا من له شبهة كتاب وهم المجوس بلا خلاف أجده فيه إلا من ظاهر المحكي عن العماني فألحقهم بعباد الأوثان وغيرهم ممن لا يقبل منهم إلا الإسلام ، ولكن قد سبقه الإجماع بقسميه ولحقه ، وتظافرت النصوص (٢) بخلافه ، وفي المنتهى « وتعقد الجزية لكل كتابي بالغ عاقل ، ونعني بالكتاب من له كتاب حقيقة ، وهم اليهود والنصارى ومن له شبهة كتاب ، وهم المجوس فتؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بلا خلاف بين علماء الإسلام في ذلك في قديم الوقت وحديثه ، فإن الصحابة أجمعوا على ذلك ، وعمل به الفقهاء القدماء ومن بعدهم إلى زمننا هذا من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر وغيرهم من أهل الأصقاع في جميع الأزمان » إلى آخره ، وفي‌ مرسل الواسطي (٣) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال : نعم ، أما بلغك كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل مكة أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إليه أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ وسنن البيهقي ج ٩ ص ١٨٤.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ٤٩ من أبواب جهاد العدو ٠ ـ ١

٢٢٨

المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنا عشر ألف جلد ثور » وخبره المروي (١) في التهذيب قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المجوس فقال : كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم به في اثنا عشر ألف جلد ثور ، وكان يقال له جاماست » وفي الفقيه « المجوس يؤخذ منهم الجزية ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، وكان لهم نبي اسمه داماست وكتاب اسمه جاماست ، كان يقع في اثنا عشر ألف جلد ثور ، فحرقوه » ‌وفي المحكي عن‌ المحاسن بسنده عن الأصبغ بن نباتة (٢) « أن عليا عليه‌السلام قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه الأشعث فقال يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ الجزية من المجوس ولم ينزل عليهم كتاب فقال : بلى يا أشعث قد أنزل الله إليهم كتابا وبعث إليهم نبيا » ‌وفي‌ المقنعة (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا « المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات ، لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب » ‌وفي‌ خبر علي بن دعبل (٤) المروي عن المجالس أيضا عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي بن الحسين عليهم‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعني المجوس » ‌إلى غير ذلك من النصوص المنجبرة بما عرفت المروية من طرق العامة فضلا عن الخاصة ، منها‌ ما رواه الشافعي (٥) بإسناده « أن فروة بن نوفل الأسجعي قال : على ما تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب ، فقام إليه المستورد فأخذ بتلبيبه فقال عدو الله : أتطعن على أبي بكر‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ٤٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ ـ ٧ ـ ٨ ـ ٩

(٥) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٨٨.

٢٢٩

وعمر وعلي أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد أخذوا منهم الجزية ، فذهب به إلى القصر فخرج علي عليه‌السلام فجلسوا في ظل القصر فقال : أنا أعلم الناس بالمجوس ، كان لهم علم يعلمونه ، وكتاب يدرسونه ، وإن ملكهم سكر فوقع على بنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما أضحى جاءوا يقيمون عليه الحد ، فامتنع منهم ودعا أهل مملكته ، وقال : تعلمون دينا خيرا من دين أبيكم آدم عليه‌السلام ، وقد ذكر أنه أنكح بنيه بناته وأنا على دين آدم ، قال : فتابعه قوم ، وقاتلوا الذين يخالفونه حتى قتلوهم ، فأصبحوا وقد أسري بكتابهم ورفع من بين أظهرهم ، وذهب العلم الذي في صدورهم ، فهم أهل الكتاب ، وقد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وأراه قال ورفع عمر منهم الجزية » ‌ولعل التعبير بشبهة الكتاب لعدم تحقق ما في أيديهم الآن من الكتاب بعد ما سمعت من النصوص أنهم أحرقوه أو رفع من بين أظهرهم ، كالعلم الذي كان عندهم ، وربما كان في‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « سنوا بهم سنة أهل الكتاب » ‌إشعار بذلك.

وأما الصابئون فعن ابن الجنيد التصريح بأخذ الجزية منهم ، والإقرار على دينهم ، ولا بأس به إن كانوا من إحدى الفرق الثلاثة ، فعن أحد قولي الشافعي « أنهم من أهل الكتاب وإنما يخالفونهم في فروع المسائل لا في أصولهم » وعن ابن حنبل وجماعة من أهل العراق « أنهم جنس من النصارى » وعنه أيضا « أنهم يسبتون فهم من اليهود » وعن مجاهد « هم من اليهود أو النصارى » وقال السدي : « هم من أهل الكتاب ، وكذا السامرة » وعن الأوزاعي ومالك « أن كل دين بعد دين الإسلام سوى اليهودية والنصرانية مجوسية ، وحكمهم حكم المجوس » وعن عمر بن عبد العزيز « هم مجوس » وعن الشافعي أيضا‌

٢٣٠

وجماعة من أهل العراق « حكمهم حكم المجوس » وحينئذ يتجه قبول الجزية منهم ، ولكن قيل عنهم أنهم يقولون إن الفلك حي ناطق ، وإن الكواكب السبعة السيارة آلهة ، وعن تفسير القمي وغيرهم أنهم ليسوا أهل كتاب ، وإنما هم قوم يعبدون النجوم ، وعليه يتجه عدم قبولها منهم ، ولعله لذا صرح الفاضل في المختلف بعدم قبول الجزية منهم حاكيا له عن الشيخين ، اللهمّ إلا أن يكون قسم من النصارى يقولون بهذه المقالة ، وإن زعموا أنهم على دين المسيح ، إذ الجزية مقبولة من جميعهم اليعقوبية والقسطوية والملكية والفرنج والروم والأرمن وغيرهم ممن يدين بالإنجيل وينتسب إلى عيسى عليه‌السلام ، وإن اختلفوا في الأصول والفروع ، وكذلك اليهود والمجوس ، نعم من شك فيه أنه كتابي يتجه عدم قبولها منه ، للعمومات الآمرة بقتل المشركين المقتصر في الخروج منها على الكتابية التي هي شرط قبول الجزية ، وعن صريح الغنية وظاهر المحكي عن المفيد الإجماع على عدم كونهم من أهل الكتاب ، لكن الموجود في زماننا منهم في دار الإسلام يعاملون معاملة أهل الكتاب ، وإن كان هو من حكام الجور فلا يعتمد عليه في كشف الأمر الشرعي ، وفي المنتهى قد كانت النصرانية في الجاهلية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة واليهودية في حمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة ، والمجوسية في بني تميم ، وعبادة الأوثان والزندقة في قريش وبني حنيفة.

وكيف كان ف لا يقبل من غيرهم أي اليهود والنصارى والمجوس إلا الإسلام بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الغنية وغيرها الإجماع عليه ، بل ولا إشكال بعد قوله تعالى (١) ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٥.

٢٣١

وَجَدْتُمُوهُمْ )‌ وقوله تعالى (١) ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) وغير ذلك من الكتاب والسنة ، من غير فرق بين من كان منهم له أحد كتب إبراهيم وآدم وإدريس وداود ، ومن لم يكن له ، ضرورة أن المنساق من الكتاب في القرآن العظيم التوراة والإنجيل ، بل عن المنتهى الإجماع على أن اللام للعهد إليهما في قوله تعالى (٢) ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ـ إلى قوله ـ ( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ )

نعم قد يظهر من النصوص السابقة إلحاق كتاب المجوس بهما ، أما غيرهم فلا إشكال في عدم كونهم من ذوي الكتاب ، بل الظاهر عدم إلحاق حكم اليهود والنصارى لمن تهود أو تنصر بعد النسخ ، بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، ولعل بني تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار ممن انتقل في الجاهلية إلى النصرانية كما صرح به بعض أصحابنا ، بل قال أيضا انتقل أيضا من العرب إلى ذلك قبيلتان أخريان ، وهم تنوخ وبهرا ، فيتجه حينئذ أخذ الجزية منهم كما هو المحكي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكن المحكي (٣) من فعل عمر عدمها لرأي رآه أو أشير به عليه ، وذلك لما قيل من أنه دعاهم إلى إعطاء الجزية فأبوا وامتنعوا ، وقالوا نحن أعراب لا نؤدي الجزية فخذ منا الصدقة كما تأخذ من المسلمين ، فامتنع عمر من‌

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٤.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ٢٩.

(٣) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٤ الرقم ٦٣٥٦.

٢٣٢

ذلك فلحق بعضهم بالروم ، فقال له النعمان بن عروة إن القوم لهم بأس وشدة ، فلا تعن عدوك بهم ، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة ، فبعث عمر في طلبهم وردهم وضعف عليهم الصدقة ، وأخذ منهم في كل خمس من الإبل شاتين ، وأخذ مكان العشر الخمس ، ومكان نصف العشر العشر إلا أنه لا يخفى عليك عدم الحجة في فعل عمر ، مع أنه لا ينطبق على الجزية الشرعية بالنسبة إلى من لا صدقة عليه ، بل ومن عليه الصدقة إذا كان لا تبلغها ، ولعله لذا روى الجمهور عن عمر بن عبد العزيز أنه لم يقبل من نصارى تغلب إلا الجزية ، وقال : لا والله إلا الجزية وإلا فقد آذنتكم بحرب ، نعم عن الإسكافي أنه قال : لو وجد المسلمون قوة واجتمعوا على القيام بالحق في بني تغلب لم يقروا على النصرانية ، لما روي (١) من تركهم الشرط الذي شرط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم أن لا ينصروا أولادهم ، ولما‌ روي (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال « لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية ، فإني أنا كتبت الكتاب بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبينهم على أن لا ينصروا أبناءهم ، فليست لهم ذمة ، ولأنهم قد صبغوا أولادهم ونصروهم » ‌ورواه في المنتهى ، و‌أرسل الصدوق (٣) عن الرضا عليه‌السلام « أن بني تغلب أنفوا من الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم فخشي عمر أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن يصرف ذلك عن رءوسهم ويضاعف عليهم الصدقة ، فعليهم ما صولحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحق » ‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٤ الرقم ٦٣٥٧.

(٢) كنز العمال ج ٢ ص ٣٢٧ الرقم ٦٦٢٤ إلا أنه سقط ذيله.

(٣) الوسائل ـ الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٦.

٢٣٣

وعن علي عليه‌السلام (١) أنه قال : « لئن تفرغت لبني تغلب ليكون لي فيهم رأي لأقتلن مقاتليهم ولأسبين ذراريهم ، فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم».

وعلى كل حال فهو أمر آخر غير ما نحن فيه من عدم الجزية عليهم باعتبار كون تنصرهم بعد النسخ ، وإن استدل له في المختلف بذلك بعد أن اختار ما حكاه عن ابن الجنيد ، إلا أنه لم يثبت عندنا مع أنه حكى بعد ذلك عن ابن الجنيد والشيخ في الخلاف جواز إقرار من بدل دينه بدين يقر أهله عليه كاليهودية والنصرانية ، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك ، بل عن المبسوط نسبته إلى ظاهر المذهب ، بل هو اختاره أيضا ، وتسمع إن شاء الله تمام الكلام فيه ، وعلى كل حال فما عن أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل من اتباع عمر على فعله في غير محله بعد مخالفة الكتاب والسنة ، كالمحكي عن أبي حنيفة منهم أيضا من قبول الجزية من جميع الكفار إلا العرب ، وأحمد بن حنبل من قبولها كذلك إلا عبدة الأوثان من العرب ، ومالك من قبولها كذلك إلا من مشركي قريش ، ضرورة مخالفة ذلك كله للكتاب والسنة نعم الفرق الثلاث خاصة إذا التزموا بشرائط الذمة الآتية أقروا سواء كانوا عربا أو عجما بلا خلاف أجده فيه بيننا بل في المنتهى والمسالك ومحكي التذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد إطلاق الكتاب والسنة ، وأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نصارى نجران وقد كانوا عربا ، فما عن أبي يوسف من عدم أخذها من العرب واضح الفساد ، بل رده غير واحد بالإجماع حتى من فريقه على خلافه ، نعم‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٤ الرقم ١٣٥٦.

٢٣٤

في الدعائم (١) عن علي عليه‌السلام « لا تقبل من عربي جزية ، وإن لم يسلموا قوتلوا » ‌

إلا أنه مرسل ومحتمل إرادة من تنصر من العرب جديدا وغير ذلك ، وأما خصوص نصارى تغلب فقد عرفت الكلام فيهم ، ودعوى بعض أهل الذمة وهم أهل خيبر سقوط الجزية عنهم بكتاب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يثبت ، بل الثابت خلافها ، بل عن أبي العباس بن شريح أنهم طولبوا بذلك فأخرجوا كتابا ذكروا أنه خط معاذ كتبه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه شهادة سعد ومعاوية وكان تاريخه بعد موت معاذ وقبل إسلام معاوية فعلم بطلانه.

ولو ادعى أهل حرب أنهم منهم أي الفرق الثلاثة وبذلوا الجزية لم يكلفوا البينة وأقروا على ذلك كما صرح به الفاضل وغيره بل لا أجد فيه خلافا ، ولعله لكون الدين أمرا قلبيا لا يعرف إلا من قبل صاحبه ، وشعاراته الظاهرة ليست جزءا منه ، بل قد تتعذر إقامة البينة عليه ، بل قيل إنه قد يشعر به أيضا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) لأمراء السرايا بقبول الجزية ممن يبذلها مع أنه لا بينة عادلة منهم تشهد على أنهم من أهلها ، فليس إلا دعواهم ، بل الظاهر أن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كذلك ، وإن كان ذلك لا يخلو من مناقشة والعمدة ما عرفته أولا مؤيدا بعدم الخلاف في ذلك ، وبمعلومية جريان حكم كل دين على من أقر بأنه من أهله وغير ذلك.

نعم لو ثبت خلافها بشهادة عدلين ولو منهم بعد الإسلام أو بالإقرار منهم أجمع أو بغير ذلك انتقض العهد الذي كان بعنوان أنهم من أهله ، بل الظاهر عدم احتياج جريان حكم المشركين عليهم‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٤٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

٢٣٥

إلى ردهم إلى مأمنهم ، ضرورة عدم الشبهة في حقهم ، لعلمهم بالحال ، فلا بأس حينئذ باغتيالهم ، ولو أقر البعض دون البعض جرى الحكم على المقر دون غيره ، ولا تقبل شهادته بعد أن كان كافرا.

ثم إن إطلاق المصنف وغيره يقتضي قبول دعواهم وإن ظهر من حالهم عدم كونهم منهم ولو باتخاذ شعار غير شعارهم ، ولعله لكونه أقوى من ظاهر الحال في الدلالة على ذلك ، إلا أنه كما ترى لا يخلو من إشكال أو منع ، خصوصا بعد تجاهرهم بعبادة النار مثلا ، وعدم استعمال شعار إحدى الفرق المزبورة ، فيمكن كون الدعوى منهم تخلصا من القتل وغيره مما يجري على غيرهم من الكفار.

وكيف كان ف لا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين مطلقا والنساء كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في المنتهى ومحكي الغنية والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر حفص (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة المنجبر بما سمعت ، سئل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن ورفعت عنهن ، فقال : لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن ، فإن قاتلن أيضا فأمسك عنهن ما أمكنك ، ولم تخف خللا ، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى ، ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنهن ، ولو امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلت دماؤهم وقتلهم ، لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك ، وكذلك المقعد والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب ، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية » ‌

مضافا إلى رفع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٢٣٦

القلم و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر طلحة (١) « جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ، ولا من المغلوب على عقله » ‌ولعل المراد من المعتوه فيه ما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والسرائر من زيادة الأبله ، وإن كان قد فسر هنا بمن لا عقل له ، إلا أن المراد به كما صرح به آخر ضعيف العقل ، بل هو المراد مما في محكي الوسيلة من التعبير بالسفيه الذي هو في العرف عبارة عن الأحمق ، لا السفه الشرعي الذي لا أجد خلافا في عدم سقوط الجزية عنه لعموم الأدلة ، أما الأول فلا يبعد سقوطها عنه باعتبار كونه في الحقيقة قسما من الجنون الذي هو فنون ، لعدم جواز قتله بسبب ضعف عقله ، فتسقط عنه الجزية لما سمعته من التعليل ، وقد ذكرنا في كتاب الطلاق ما يؤكد ذلك ، فلاحظ وتأمل.

وهل تسقط أيضا عن الهم أي الشيخ الفاني؟ قيل : والقائل الإسكافي نعم بل زاد المقعد والأعمى ، وتبعه المصنف في النافع والفاضل في القواعد في الأول دون الأخيرين اللذين لم أجد موافقا له فيهما ، بل صرح الشيخ والقاضي وابن حمزة والفاضلان وغيرهم بعدم السقوط عنهما ، وهو كذلك ، لعموم الأدلة الذي لا يخصصه ما في الخبر المزبور بعد عدم الجابر له في ذلك ، وبعد تأييده بأنها وضعت للصغار والإهانة المناسبين للكفر فيهما وأما الأول ف هو وإن كان المروي في خبر حفص (٢) السابق الذي عمل به من عرفت ومقتضى الأصل أيضا لكنه لم يصل إلى حد الانجبار ، والأصل لا يعارض العموم ، وفتوى الأصحاب به في غير المقام لا يصلح جابرا‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ ـ ١

٢٣٧

ولعله لذا قيل لا تسقط عنه ، كما أنه منهما كان ظاهر المصنف والشهيد في الدروس وغيرهما التوقف ، وربما فصل بعضهم بأنه إن كان ذا رأي وقتال أخذت منه ، وإلا فلا ، ولعله لما تقدم سابقا من عدم قتله إذا لم يكن كذلك ، وقتله إذا كان ، وهو معيار الجزية في الخبر المزبور وفي المحكي من كلام الإسكافي ، إلا أنه لا جابر للخبر على العموم ، فالأقوى عدم السقوط ، والله العالم.

وقيل والقائل الشيخ بل المشهور كما في المنتهى والمختلف تسقط أيضا عن المملوك كما صرح به الفاضل وغيره ، للأصل و‌النبوي « لا جزية على العبد » ‌ولأنه مال فلا يستحق عليه مال ، ولأنه ( كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، ولأنه لا يقتل فلا جزية عليه على ما سمعته في الخبر السابق ، ولعله الأقوى ولكن قيل والقائل الصدوق في المحكي عن مقنعه وظاهر فقيهه لا تسقط ، وتبعه الفاضل في محكي التحرير للعموم المخصوص بما عرفت ، ولخبر أبي الدرداء (١) عن الباقر عليه‌السلام الذي لا جابر له ، قال « سألته عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية قال : نعم ، قلت : فيؤدي عنه مولاه المسلم الجزية قال : نعم ، إنما هو ماله يفتديه ، إذا أخذ يؤدي عنه » ‌المعتضد بالمروي‌ من طرق الجمهور عن علي عليه‌السلام أنه قال : « لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا مما في أيديهم ، لأنهم أهل خراج ، فيبيع بعضهم بعضا ، ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد أن أنقذه الله منه» ‌الظاهر في ثبوت الجزية التي يؤديها سيده عنه ، ويلحقه بذلك الصغار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ٦.

٢٣٨

وبأنه مشرك فلا يستوطن دار الإسلام بغير عوض كالحر ، وبأولويته بذلك من سيده ، وبأنه من أهل الجهاد فلا تسقط عنه ، لأنها عوض حقن الدم ، إلا أن الجميع كما ترى بعد ضعف أصل الدليل ، لكن مقتضى ذلك عدم الفرق بين كونه لمسلم أو ذمي ، خلافا لبعض الجمهور ففرق بينهما محتجا بأخذها حينئذ من المسلم الذي هو مولاه ، وفيه أنه لا بأس بها إذا كانت عن حقن دم العبد ، مضافا إلى ما سمعته من الباقر عليه‌السلام وإلى ما تقدم في أرض الذمي الذي تكون الجزية عليه على أرضه لا على رأسه إذا اشتراها المسلم منه يؤدي ذلك ، وإن كان فيه عليه عيب كما أشارت إليه النصوص السابقة ، بل مقتضى ما سمعت عدم الفرق بين أفراد العبيد حتى المبعض منهم ، فيؤدي هو قدر ما فيه من الجزية ، ومولاه قدر ما فيه من الرقية ، والله العالم.

وكيف كان فهي تؤخذ ممن عدا هؤلاء ولو كانوا رهبانا أو مقعدين بلا خلاف أجده فيه بيننا إلا ما سمعته من الإسكافي ، بل ولا إشكال بعد عموم الأدلة كتابا وسنة حتى‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروي (١) من طرق الجمهور لمعاذ : « خذ من كل حالم دينارا » ‌التي مقتضاها أنها تجب على الفقير كما هو صريح الشيخ والفاضل وغيرهما ، وظاهر ابني حمزة وزهرة والديلمي والحلي على ما حكي عن بعضهم ، بل هو المشهور كما اعترف به في المنتهى وغيره ، بل هو المحكي عن فعل علي عليه‌السلام أنه وظف على الفقير دينارا ، لكن عن الإسكافي والمفيد والشيخ في الخلاف عدمها ، بل في الأخير الإجماع عليه ، للأصل المقطوع بما عرفت ، وعدم التكليف بغير الوسع‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٩٣.

٢٣٩

الذي هو لا ينافي خطاب الوضع والإجماع الموهون بما عرفت ، بل وبمصير حاكيه إلى خلافه ، فالتحقيق حينئذ وجوبها عليه من غير فرق بين ذي العاهة وغيره ، خلافا لأبي الصلاح فأسقطها عن الفقير ذي العاهة والعموم حجة عليه.

ولكن ينتظر بها حتى يؤسر كما صرح به غير واحد مشعرا بكونها كغيرها من الديون ، لكن إن لم يكن إجماع يتجه ، لعموم الأدلة ، وإرادة الهوان به وجوبها عليه مع إمكان الأداء على كل حال ولو بالقرض أو بيع شي‌ء من المستثنيات أو غير ذلك ، نعم ينتظر بها مع عدم الإمكان أصلا ، ولم يثبت عندنا‌ ما يروى (١) عن علي عليه‌السلام أنه استعمل رجلا على عكبرا فقال له : على رءوس الناس لا تدعن لهم درهما من الخراج ، وشدد عليه القول ، ثم قال له : القني عند انتصاف النهار ، فأتاه فقال : إني كنت قد أمرتك بأمر وإني أتقدم إليك الآن فإن عصيتني نزعتك ، لا تبعن لهم في خراجهم حمارا ولا بقرة ولا كسوة شتاء ولا صيف ، ارفق بهم » ‌على أنه يمكن أن يكون في غير الجزية التي ستعرف إرادة التشديد بها حتى يتحقق الصغار الذي قد يدعوهم إلى الإسلام.

ولو ضرب عليهم جزية فاشترطوها على النساء مثلا لم يصح الصلح على ذلك كما صرح به غير واحد ، لأنه من المحلل للحرام بعد إسقاط الشارع الجزية عنهن مطلقا ، ولعل فساد الصلح أجمع لاشتماله على الشرط الفاسد بناء على اقتضائه فساد العقد ، أو أن المراد فساده بالنسبة إليهن وإن بقي صحيحا بالنسبة إلى الرجال بعد علمهم‌

__________________

(١) كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص ٤٤ الرقم ١١٦.

٢٤٠