جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولو بعث الأمير لمصلحة الجيش رسولا أو دليلا أو طليعة أو جاسوسا لينظر عددهم وينقل أخبارهم فغنم الجيش قبل رجوعه ففي المنتهى الذي يقتضيه مذهبنا أنه يسهم له لأن القتال عندنا ليس شرطا في استحقاق الغنيمة ، بل تقسم على كل من حضر القتال ، قلت : لعل الوجه أنهم من الجيش فيشاركون لذلك ، وإلا يمكن فرض عدم حضورهم القتال.

وكيف كان يخرج الأربعة أخماس ثم يعطى الراجل سهما بلا خلاف بين العامة والخاصة ، وهو من لم يكن راكبا فرسا وإن ركب بغلا أو حمارا أو غيرهما كما ستعرف والفارس أي راكب الفرس أو مستصحبها سهمين ، وقيل والقائل الإسكافي منا والأكثر من الجمهور ثلاثة أسهم والأول أظهر وأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر حفص بن غياث (١) المنجبر بما عرفت « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل من السير ، وفيها كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال : للفارس سهمان وللراجل سهم » ‌المؤيد بخبره الآتي (٢) أيضا وبالمروي (٣) من طرق الجمهور عن المقداد رضي‌الله‌عنه قال : « أعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهمين سهما لي وسهما لفرسي » وعن مجمع بن جارية (٤) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية فأعطى‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٣٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٣) كتاب نصب الراية ج ٣ ص ٤١٧.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٢٥.

٢٠١

الفارس سهمين ، والراجل سهما » ‌فما في‌ خبر إسحاق بن عمار (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « أن عليا عليه‌السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما » ‌المؤيد ببعض (٢) نصوص الجمهور القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه مطرح أو محمول على التقية كما يرشد إليه النسبة إلى علي عليه‌السلام وخصوص الراوي ، أو على ذي الفرسين فصاعدا.

وذلك لأن من كان له فرسان فصاعدا أسهم لفرسين دون ما زاد بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر الرياض ومحكي الغنية والتذكرة وصريح المنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر الحسين بن عبد الله (٣) عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلا لفرسين منها » ‌المنجبر بما عرفت ، والمؤيد‌ بالمروي (٤) من طرق العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس ».

ولو غزا العبد بإذن مولاه على فرس لسيده رضخ للعبد وأعطي سهم للفرس ، فإن كان معه فرسان أعطي لهما سهمان مع الرضخ له ، والكل للسيد ، خلافا للشافعي وأبي حنيفة فلا سهم للفرس ، لأنها تحت من لا سهم له ، وفيه أن الرضخ قسم من السهم ، نعم لو كانت تحت المخذل الذي لا يستحق شيئا بالحضور فضلا عن فرسه اتجه ذلك ، كما‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٤٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ ـ ١

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٢٧.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٢٨ وكتاب نصب الراية ج ٣ ص ٤١٨.

٢٠٢

أنه يمكن أن يقال إن المتجه أن يرضخ له دون سهم الفارس ، مثل ما إذا غزت المرأة والكافر على فرس لهما ، اللهمّ إلا أن يفرق بأن الفرس لهما ، وهما لم يستحقا سهما ، ففرساهما أولى فليس إلا الرضخ دون سهم الفارس ، بخلاف العبد فإن الفرس لسيده ، ولكن الإنصاف عدم خلوه من النظر ، والله العالم.

وكذا الحكم في كيفية القسمة لو قاتلوا في السفن وإن استغنوا عن الخيل فللفارس سهمان وللراجل سهم ولذي الفرسين فصاعدا ثلاثة أسهم بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به الفاضل في المنتهى بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر حفص (١) المنجبر بما سمعت ، قال : « كتب إلي بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل من السير ، فسألته وكتبت بها إليه ، فكان فيما سألت عن سرية كانوا في سفينة فقاتلوا وغنموا وفيهم من معه الفرس وإنما قاتلوهم في السفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم ، قال : للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، فقلت : لم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم فقال : أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسم بينهم ، ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهما ، وهم الذين غنموا دون الفرسان فقلت : فهل يجوز للإمام عليه‌السلام أن ينفل؟ فقال : له أن ينفل قبل القتال ، فأما بعد القتال والغنيمة فلا يجوز ذلك ، لأن الغنيمة قد أحرزت ».

ومنه يعلم أنه يسهم للخيل مع حضورها الوقعة وإن لم يقاتل عليها ولا احتيج إليها كما يسهم لها مع الغزو عليها ، بل في المنتهى لا‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٧ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ وذيله في الباب ٣٨ منها الحديث ١.

٢٠٣

نعلم فيه خلافا يعتد به ، لأنه أحضرها للقتال ، وقد يحتاج إليها ، وقد لزمه المئونة لها فكان السهم مستحقا كالمقاتل عليها ، ولأنها حيوان ذو سهم حضر الوقعة فاستحق السهم بمجرد حضوره كالآدمي ، بل الظاهر أن القسمة كذلك لو كانت الغنيمة من فتح مدينة أو حصن ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم غنائم خيبر كذلك ، وهي حصون ، وللإطلاق ومن ذلك يعلم خطأ الولاة قبل عمر بن عبد العزيز ، فإنهم على ما يحكى كانوا يجعلون الناس في فتحها كلهم رجالة حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأنكر ذلك ، وأمر بإسهامها من فتح الحصون والمدن.

ولو غزا جماعة على فرس واحدة على التبادل فالمحكي عن الإسكافي أنه يعطى لكل واحد سهم راجل ، ثم يفرق بينهم سهم فرس واحدة واستحسنه الفاضل ، وقد يقال باختصاص السهم بمن كان راكبا لها عند حيازة الغنيمة بناء على كون المدار في الفارس على ذلك ، كما ستسمعه إن شاء الله ، والله العالم.

ولا يسهم للإبل والبغال والحمير والبقر والفيلة ونحوها وإن قامت مقام الخيل في النفع أو زادت بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل في المنتهى قاله العلماء ، وهو قول عامة أهل العلم ، ومذهب الفقهاء في القديم والحديث ، وحكي عن البصري أنه قال : يسهم للإبل خاصة وعن أحمد روايتان إحداهما أنه يسهم للبعير سهم واحد ، ولصاحبه سهم آخر ، الثانية إن عجز عن ركوب الخيل فركب البعير أسهم له ثلاثة أسهم ، سهمان لبعيره ، وسهم له ، وإن أمكنه الغزو على الفرس لم يسهم لبعيره ، قلت كأنه لم يحتفل بهما فلم يستثنهما من العلماء ولا من عامة أهل العلم ، ولعله كذلك ، ضرورة أنه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسهام غير الخيل ، مع أنه كان معه يوم بدر سبعون بعيرا‌

٢٠٤

بل لم تنفك غزواته من استصحاب النجب ، بل كانت هي الغالب في دوابهم ، بل لم ينقل من أحد بعده ذلك أيضا ، ولا دلالة في قوله تعالى (١) ( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) على شي‌ء من ذلك وهو واضح.

نعم إنما يسهم للخيل وإن لم تكن عرابا بلا خلاف أجده فيه بيننا ، فلا فرق بين العتيق الذي أبواه عربيان عريقان كريمان والبرذون الذي أبوه وأمه عجميان والمقرف الذي أبوه برذون وأمه عتيقة والهجين الذي أبوه عتيق وأمه عجمية ، لصدق الفرس والفارس على ذلك كله وقال ابن الجنيد منا لا يسهم من الخيل القحم بفتح القاف وسكون الحاء المهملة وهو الكبير المسن الهرم الفاني والرازح بالراء المهملة ثم الزاء بعد الألف ثم الحاء المهملة ، وهو الذي لا حراك به من الهزال كما في المنتهى وعن المبسوط وعن الجوهري الهالك هزالا والضرع بفتح الضاد المعجمة والراء المهملة وهو الصغير الذي لا يركب كما عن المبسوط ، بل في المسالك نسبته إلى تفسير الفقهاء ، وفي الصحاح الضرع بالتحريك الضعيف ، وفي المنتهى الصغير الضعيف الذي لا يمكن القتال عليه ، والحطم وهو الذي ينكسر من الهزال ، والأعجف وهو المهزول لعدم الانتفاع بها في الحرب ، وقيل والقائل الشيخ في المبسوط والخلاف والحلي فيما حكي عنهما يسهم مراعاة للاسم ، وهو حسن عند المصنف والفاضل في بعض كتبه وثاني الشهيدين وغيرهم للصدق ، ولكن عن المبسوط والخلاف أن على الإمام عليه‌السلام أن يتعاهد خيل المجاهدين ، ولا يترك أن يدخل دار الحرب نحو هذه الأفراس قال : لأن هذه الأفراس لا يمكن القتال عليها بلا خلاف ، وهو مشعر‌

__________________

(١) سورة الحشر ـ الآية ٦.

٢٠٥

بعدم الإسهام لها مع إرادة الوجوب ، ولعله يريد الندب الذي يشعر به التعبير بلفظ « لا ينبغي » في المنتهى ومحكي التذكرة ، ولكن الإنصاف الشك في اندراج اسم الفارس على راكب هذه الأفراس ، خصوصا إذا كان للغزو وللقتال اللذين معظم ما يراد من الفرس فيهما الكر والفر ودعوى استحقاقهم السهم كالطفل والمدد الذين لم يقاتلوا قياس مستقبح والتحقيق الاندراج في العنوان وعدمه ، ولعل أفراده مختلفة ، ومع الشك لا سهم ، والله العالم.

ولا يسهم لل فرس ال مغصوب إذا كان صاحبه غائبا لا لمالكه ولا لراكبه وإن استحق هو سهمه بلا خلاف أجده فيه بيننا للأصل السالم عن معارضة ما تقدم المنساق منه غير الفرض وإن استحق المالك على الغاصب أجرة المثل ، ولكن إن لم يكن إجماع أمكن المناقشة باستحقاق الراكب سهم الفارس ، للصدق مع منع انسياق سهم غيره منه ، ولعله لذا كان المحكي عن بعض العامة ذلك ولو كان صاحبه حاضرا في الحرب كان لصاحبه سهمه كما صرح به الفاضل وغيره بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له إلا ما يحكى عن المبسوط والخلاف والوسيلة وعن بعض العامة من إطلاق عدم السهم للفرس ، كما عن مالك إطلاق السهم للمالك ، وهما معا كما ترى ، وفي المنتهى الاستدلال على التفصيل المزبور بأنه مع الحضور قاتل على فرسه من يستحق السهم فاستحق السهم كما لو كان مع صاحبه ، وإذا ثبت أن للفرس سهما ثبت لمالكه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل للفرس سهما ولصاحبه سهما ، وما كان للفرس كان لمالكه ، أما مع الغيبة فإن الغاصب لا يملك منفعة الفرس ، والمالك لم يحضر ، فلم يستحق سهما ولا فرسه سهما ، وفيه أن الموجود في النصوص السابقة سهمان للفارس‌

٢٠٦

وليس في شي‌ء سهم منهما للفرس ، نعم في‌ المروي (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام المتقدم سابقا « إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلا لفرسين منها » والمراد السهم للرجل باعتبارها ، وإلا لو كان المراد السهم لها على معنى استحقاقها ذلك على وجه يكون لمالكها لم يفرق بين حضوره وغيبته ، مع أنه لا يصدق على صاحبها أنه فارس بعد أن غصب منه ، بل الصدق متحقق على الغاصب ، ومن هنا كان المتجه ما سمعته سابقا من استحقاق الغاصب سهمين ، ويستحق عليه الأجرة ، وأما دعوى أنه ليس له إلا سهم الراجل سواء كان المالك حاضرا أو غائبا فلا تقوم به الأدلة ، خصوصا بعد معلومية أن السهم المجعول للفرس ليس من منافعها التي تكون للمالك ، ولا من النماء ، وإنما هو تبعي للفارس ، اللهمّ إلا أن يكون إجماعا ، فيكون هو الحجة ، وربما ظهر من بعض عبارات المنتهى ، قال فيه : لو كان الغاصب ممن لا سهم له كالمرجف والمخذل فعندنا أن سهم الفرس للمالك إن كان حاضرا ، وإلا فلا شي‌ء له ، وقال بعض الجمهور : إن حكم المغصوب حكم فرسه ، لأن الفرس يتبع الفارس في حكمه ، فيتبعه إذا كان مغصوبا قياسا على فرسه ، وليس بمعتمد ، لأن النقص في الراكب والجناية منه ، فاختص المنع به وبتوابعه كفرسه التابعة له ، بخلاف المغصوب فإنه لغيره ، فلا ينقص سهمه ، وكذا البحث لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه ، ولا يخفى عليك قوة ما حكاه عن بعض الجمهور بعد الإحاطة بما ذكرناه إن لم يكن مراده من قوله « عندنا » الإجماع ، وإلا فهذه الاعتبارات لا تصلح مدركا لحكم شرعي ، بل المتجه في العبد أيضا ما أشرنا إليه سابقا من أنه يرضخ له دون سهم الفارس لا دون سهم الراجل ، ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٢٠٧

من المعلوم عدم سقوط الأجرة عن الغاصب وإن أخذ المالك السهم بناء عليه كما صرح به غير واحد ، وهو واضح ، والله العالم.

ويسهم للمستأجر بالفتح للغزو أو ما يشمله والمستعار كذلك ويكون السهم للمقاتل دون المعير والمستأجر كما صرح به غير واحد ، بل في المنتهى ومحكي التذكرة نفي الخلاف في الأول ، بل ظاهرهما ذلك أيضا في الثاني ، بل هو صريح المحكي عن المبسوط ، بل لعله لا إشكال فيه بناء على ما ذكرناه من صدق اسم الفارس على كل منهما ، بل لعل الحكم به هنا في المستعار مؤيد لما قلناه ، ضرورة عدم ملك المستعير المنفعة كالمستأجر ، فليس حينئذ إلا الصدق ، ومن ذلك يعرف ما في استدلال المنتهى له بأنه فرس قاتل عليه من يستحق سهما وهو مالك لنفعه ، فاستحق سهم الفرس كالمستأجر ، إذ هو كما ترى ولو استأجر أو استعار لغير الغزو فغزا كان بحكم المغصوب الذي قد سمعت الكلام فيه ، هذا ، وعن ابن الجنيد الأجير الذي لم يمكنه الغزو إلا بإجارة نفسه بمأكله ومحمله له سهم ، فإن كان مستأجرا بعوض يأخذه وشرط على من استأجره أن له سهما كان ذلك له ، وإلا فهو للمستأجر ، وفيه أن السهم يستحقه الحاضر بحضوره ، فليس للمستأجر فيه حق ، لانتفاء المقتضي ، والعوض دفعه المستأجر عن الجهاد لا عن الغنيمة ، ولعله لذا قال في المحكي عنه. إذا استأجر رجل أجيرا ودخلا معا دار الحرب فإنه يسهم للمستأجر والأجير ، سواء كانت الإجارة في الذمة أو معينة ، ويستحق مع ذلك الأجرة ، نعم قد يقال إذا كانت الأجرة على وجه تكون منافعه أجمع للمستأجر حتى لو حاز مباحا اتجه حينئذ كونه للمستأجر ، والله العالم.

٢٠٨

وكيف كان ف الاعتبار بكونه فارسا يستحق سهمه عند حيازة الغنيمة لا بدخوله المعركة فلو دخلها فارسا فذهب فرسه وتقضى الحرب وهو راجل لم يستحق إلا سهم راجل كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعض الأفاضل ، بل ولا إشكالا كما في المسالك ، ولعله لانسياق غيره من‌ قوله عليه‌السلام (١) « للفارس سهمان » ‌إنما الكلام في اشتراط كونه على الوصف عند الحيازة كما هو مختار المصنف والأكثر كما في المسالك والرياض ، أو يعتبر كونه كذلك عند القسمة كما هو خيرة الكركي وثاني الشهيدين ، لأنه محل اعتبار الفارس والراجل ليدفع إليهما حقهما ، مؤيدا بفحوى استحقاق المولود والمدد اللاحق بعد الغنيمة قبل القسمة ، فتأمل ، أو يكفي أحدهما كما هو محتمل بعض نسخ القواعد ، أو يعتبر كونه كذلك من حين الحيازة إلى القسمة كما عن بعض نسخ القواعد أيضا ، وربما بني الخلاف هنا على الخلاف في أن الملك بالحيازة أو القسمة ، وحينئذ يتجه الأول لظهور الأدلة في الملك بها ، خصوصا التعليل في خبر حفص (٢) السابق لعدم النفل بعد انقضاء القتال بأن الغنيمة قد أحرزت ، وأظهر منه ما في‌ الدعائم (٣) عن علي عليه سلام الله أنه قال : « من مات في دار الحرب من المسلمين قبل أن تحرز الغنيمة فلا سهم له فيها ، وإن مات بعد أن أحرزت فسهمه ميراث لورثته ، ولا قوة إلا بالله » ‌كل ذلك مع ملاحظة انجباره بالعمل ، فإن الأكثر كما عرفت على ذلك بل لم يخالف إلا الكركي وثاني الشهيدين ، وإلحاقه بالمدد والمولود لا‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٣٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ٣٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ٧.

٢٠٩

يخرج عن القياس ، ودعوى صدق اسم الفارس عندها فيشمله الإطلاق يدفعها انسياق غير ذلك منه ، فالأصل عدم استحقاقه السهمين حينئذ ، فتأمل.

وكيف كان ف الجيش يشارك السرية في غنيمتها إذا صدرت عنه وبالعكس بلا خلاف أجده فيهما ، بل في المسالك هو أي الأخير موضع وفاق ، وفي المنتهى هو أي الأول قول العلماء كافة إلا الحسن البصري ، فإنه قال : تنفرد السرية ، ولا ريب في ضعفه ، بل هو مخالف‌ للمروي من طرقهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لما غزا هوازن وبعث سرية من الجيش قبل أوطاس فغنمت السرية فأشرك بينهما وبين الجيش » وبالمروي (١) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا من طرقهم « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينفل أي للسرية في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث » وهو دليل على الاشتراك فيما سوى ذلك ، على أنهم جيش واحد ، وكل منهم ردأ لصاحبه ، فاشتركوا كما لو غنم أحد جانبي الجيش ، وكذا الرسول المنفذ من الجيش لمصلحة والدليل والطليع والجاسوس ونحوهم في الاشتراك.

وكذا لو خرج منه سريتان إلى جهة واحدة فغنمتا اشترك الجيش والسريتان بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى ، بل ولا إشكال بعد ما سمعته في الواحدة ، بل عن الشيخ الاشتراك أيضا لو بعثهما إلى جهتين ، ولعله لما عرفت ، ولكن لا يخلو من نظر.

أما لو خرج جيشان من البلد إلى جهتين لم يشرك أحدهما الآخر في غنيمته بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال ، نعم لو اجتمعا‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٩ الرقم ٦٤٢٣.

٢١٠

كانا جيشا واحدا وكذا لو خرجت السرية من جملة عسكر البلد لم يشركها العسكر بلا خلاف ولا إشكال لأنه ليس بمجاهد ولمعلومية اختصاص السرايا بما يغنمونه في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يكون مقيما في المدينة ، بل في المنتهى لو بعث الإمام سرية وهو مقيم في بلد الإسلام فغنمت السرية اختصت بالغنيمة ، ولا يشاركهم أهل البلد فيها بلا خلاف ، ولا الإمام عليه‌السلام ولا جيشه ، لأنها للمجاهدين والمقيم ببلد الإسلام غير مجاهد ، ولكن قد يشكل بأن المتجه مشاركة الجيش لها إذا كانت قد صدرت منه وكان ردءا لها وإن بقي في بلد من بلاد الإسلام ، اللهمّ إلا أن يقال إن الأصل عدم الاشتراك ، بل ظاهر الأدلة الاختصاص بالمقاتلة ومن في حكمهم من المدد ، فلا يدخل فيهم العسكر وغيره ، بل ربما قيل لو لا عدم الخلاف في المسألة السابقة لكان اختصاص السرية بما غنمته دون جيشها مطلقا في غاية القوة إذا لم يلحقها ، كما هو فرض المسألة ، وإلا فمع فرض اللحوق تكون مسألة أخرى تقدمت إليها الإشارة ، ولا إشكال في حكمها بعد ما سمعته من النص والفتوى فيها ، ولولاهما لكانت محل إشكال أيضا ، هذا ، وعن الإسكافي إذا دهم المدينة عدو فخرج أهلها يتناصرون فانهزم العدو وغنم أوائل المسلمين كان كل من خرج أو تهيأ للخروج أو أقام بالمدينة لحراستها شركاء في الغنيمة ، وكذلك لو جاهدهم العدو فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا وغنموه إذا كانوا مشتركين في المعونة لهم والحفظ للمدينة وأهلها ، فإن كان الذين هزموا العدو ولقوه على ثماني فراسخ من المدينة فقاتلوه وغنموه كانت الغنيمة لهم دون من كان في المدينة الذين لم يعاونوهم خارجها ، وكأنه لاحظ مسافة القصر وعدمها كما أنه لاحظ في الشركة أولا كونهم جميعا بعضهم ردءا للآخر ، فيصدق‌

٢١١

على الجميع أنهم الغانمون كالجيش الواحد ، والله العالم.

ويكره تأخير قسمة الغنيمة في دار الحرب إلا لعذر كخوف المشركين ونحوه على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا من الإسكافي ، فجعل الأولى القسمة في دار الإسلام وإن جازت في دار الحرب محتجا بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم غنائم خيبر والطائف بعد خروجه من ديارهم إلى الجعرانة (١) وهو لا يدل على ما ذكره من الأولوية ، ضرورة كونه حكاية حال ، فيمكن أن يكون ذلك منه لعذر ، على أنه معارض بما رواه الشيخ (٢) في محكي المبسوط من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريب من بدر ، وكان ذلك دار حرب ،بل‌ روى الجمهور (٣) عن أبي إسحاق الفزاري قال : « قلت للأوزاعي : هل قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا من الغنائم بالمدينة؟ قال : لا أعلمه إنما كان الناس يبتغون غنائمهم ويقسمونها في أرض عدوهم ، ولم ينقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزاة قط أصاب فيها غنيمة إلا خمسه وقسمه قبل أن يتنفل ، ومن ذلك غزاة بني المصطلق وهوازن وخيبر » ‌ولعله لذلك أو غيره قال في المسالك : والمختار الأول ، ومستنده فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كذلك كان يفعله ، رواه عنه العامة والخاصة إلا أنه كما ترى لا دلالة فيه على الكراهة ، بل أقصى ما يقضي به استمرار فعله الرجحان دونها بعد معلومية الجواز عندنا بلا خلاف أجده فيه بيننا ، للأصل وغيره ، بل لعله مقتضى الجمع بين ما سمعته من‌

__________________

(١) الصحيح هو غنائم حنين والطائف كما ذكره ابن خلدون في تاريخه ج ٢ ص ٧٧٧ طبعة بيروت عام ١٩٦٦ وكذلك غيره.

(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ٥٦.

(٣) سنن البيهقي ج ٩ ص ٥٦ و ٥٧.

٢١٢

حكاية فعله ، خلافا للحنفية فلا يجوز إلا في دار الإسلام ، لعدم تمامية الملك لهم إلا بالدخول فيها معها ، ولأن لكل واحد من الغانمين أن يستبد بالطعام والعلف في دار الحرب ، فلا تجوز القسمة كحالة بقاء الحرب ، وهما معا ضعيفان ، ضرورة تمامية الملك بالحيازة والقهر كضرورة الفرق بين حالي الحرب التي لم يثبت للغانمين فيها حق التملك وغيرها مما ثبت فيه الملك بالحيازة وقهر العدو وانقضاء الحرب ، بل لعل احتمال عدم جواز التأخير عن دار الحرب مع إرادة الغانمين حقوقهم أقوى من ذلك ، بل ربما كان ذلك هو السبب في حكم الأصحاب بالكراهة بل لعله المستفاد مما سمعته من الأوزاعي « إنما كان الناس يبتغون غنائمهم » ولو غزا المشركون المسلمين فهزمهم المسلمون قسموا غنائمهم مكانهم إن اختاروا ذلك قبل إدخالها المدن ، ولو كان المشركون أهل بادية مثلا ولا دار لهم فغنمهم المسلمون كان قسمتها إلى الوالي إن شاء قسمها مكانه ، وإن شاء قسم بعضها وأخر بعضها كما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغنم بخيبر ، ولعله لذا حكي الأمران من فعله كما سمعته سابقا ، والأمر سهل وكذا يكره إقامة الحدود فيها كما ذكره الفاضل وغيره ، بل في محكي المبسوط في دار الحرب ، وآخر حتى يعود إلى دار الإسلام وإن رأى الإمام عليه‌السلام المصلحة في التقديم جاز ، وظاهره عدم الجواز في الأول ، ولكنه واضح الضعف ، ضرورة عدم دليل يصلح معارضا لما دل على إقامتها ، بل لا دليل واضح على الكراهة وإن عللوها بمخافة لحوق المحدود الغيرة فيدخل في دار الحرب ، إلا أنه كما ترى سيما مع ملاحظة ما دل (١) على عدم جواز التأخير في الحدود ، بل لعل التسامح في الكراهة هنا لا يخلو من إشكال باعتبار المعارضة لدليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب مقدمات الحدود.

٢١٣

الحرمة ، وعلى كل حال فقد استثنوا من ذلك حق القصاص معللين له أيضا بانتفاء المانع من التقديم ، وهو خوف اللحاق بدار الحرب ، وهو مع اختصاصه بقصاص النفس يقتضي استثناء جميع الحدود الموجبة للقتل كالرجم ونحوه ، والله العالم.

مسائل أربع : الأولى المرصد للجهاد أي الموقوف له لا يملك رزقه من بيت المال إلا أن يقبضه كما عن المبسوط وغيره ، بل لا أجد فيه خلافا للأصل ، وفي المنتهى ومحكي المبسوط والتذكرة « أن الغزاة على ضربين : المطوعة ، وهم الذين إذا نشطوا غزوا ، وإذا لم ينشطوا اشتغلوا بمعايشهم واكتسابهم ، فهؤلاء لهم سهم من الصدقات ، وإذا غنموا في بلاد الحرب شاركوا ، والثاني هم الذين أرصدوا أنفسهم للجهاد ، فهؤلاء لهم من الغنيمة الأربعة أخماس ، ويجوز عندنا أن يعطوا أيضا من الصدقة من سهم ابن السبيل ، لدخولهم تحته ، والتخصيص يحتاج إلى دليل » وفيه منع صدق ابن السبيل عليهم ، بل الأولى إعطاؤهم من سهم سبيل الله أو من سهم الفقراء أو غير ذلك مما يوجد في بيت المال مما يصلح مصرفا لهم.

وكيف كان فإن حل وقت العطاء ثم مات قال الشيخ فيما حكي عنه كان لوارثه المطالبة ، وفيه تردد ينشأ من أن له المطالبة به فيكون لوارثه ذلك كحق الشفعة والخيار ، ومن أنه يملكه بقبضه ، فإذا مات قبله امتنع الملك في حقه ، ولعل الأقوى عدم المطالبة وفاقا للكركي وثاني الشهيدين ، إذ الظاهر أن له الارتزاق من بيت المال كغيره ممن يرتزق ، فلا يزيد عن كونه مصرفا من مصارفه ، وكان كالفقير بالنسبة إلى الزكاة ، ولذا كان لا منافاة بين استحقاق المطالبة وعدم الملك ، بل عدم استحقاق الوارث حتى لو مات بعد المطالبة ،

٢١٤

ودعوى الفرق بينه وبين مستحقي الزكاة ونحوها من الحقوق لا دليل عليها ، وكون المرصد شخصا أو جماعة معينة لا يقتضي كون الاستحقاق على نحو استحقاق الشفعة والخيار.

وينبغي للإمام عليه‌السلام اتخاذ ديوان فيه أسماء المرصدين وأسماء القبائل ، ويكتب عطاياهم ، ويجعل لكل قبيلة عريفا ، ويجعل لهم علامة بينهم ، ويعقد لهم الألوية ، بل‌ روى الزهري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه عرف عام خيبر على كل عشرة عريفا ، وجعل يوم فتح مكة للمهاجرين شعارا ، وللأوس شعارا ، وللخزرج شعارا ، عملا بقوله تعالى (١) ( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) ثم إذا أرادوا القسمة قدم الأقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالأقرب ، فيقدم بني هاشم على بني المطلب ، ثم يقدم بني عبد شمس أخي هاشم من الأبوين على بني نوفل أخيه من الأب ، ثم يسوي بين عبد العزى وعبد الدار ، لأنهما أخوا عبد مناف ، فإن استووا في القرب قدم أقدمهم هجرة ، فإن تساووا قدم الأسن ، فإذا فرغ من عطايا قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدأ بالأنصار ، وقدمهم على جميع العرب ، فإذا فرغ من الأنصار بدأ بالعرب ، فإذا فرغ من العرب قسم على العجم » ‌كذا ذكره في المنتهى ، ثم قال : وهذا على الاستحباب دون الوجوب ، قلت ولكن لم أجد له أثرا مخصوصا ، بل ربما كان في المحكي من فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ما يخالفه ، وقد تقدم سابقا، وفي‌ خبر إسحاق الهمداني المروي (٢) عن كتاب الغارات « أن امرأتين أتتا عليا عليه‌

__________________

(١) سورة الحجرات ـ الآية ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ٤ عن أبي إسحاق الهمداني.

٢١٥

السلام عند القسمة إحداهما من العرب والأخرى من الموالي فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكرا من طعام ، فقالت العربية يا أمير المؤمنين إني امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم ، فقال علي عليه‌السلام والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‌ء فضلا على بني إسحاق » ‌وقد تظافرت النصوص (١) أنه عليه‌السلام كان يقسم بين الناس بالسوية حتى صار من أوصافه العدل بالرعية والقسمة بالسوية ، إلا أن المراد على الظاهر عدم زيادة أحدهم على الآخر بدينه أو سبق في الإسلام أو نحو ذلك ، لا أن المراد التساوي بين قليل العيال وكثيرهم ممن لا عمل له إلا الجهاد وبين من نفقته المعتادة له مائة مثلا منهم ومن نفقته المعتادة له ألف ، قال حفص بن غياث (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول وقد سئل عن بيت المال فقال : أهل الإسلام أبناء الإسلام ، أسوي بينهم في العطاء ، وفضائلهم بينهم وبين الله ، أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص وقال : هذا هو فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بدو أمره وقال غيره : أقدمهم في العطاء بما قد فضلهم الله بسوابقهم في الإسلام إذا كان بالإسلام قد أصابوا ذلك ، فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض وأوفر نصيبا لقرابة الميّت ، وإنما ورثوا برحمهم وكذلك كان عمر يفعله » ‌وقال عمارة (٣) في المروي عنه عن المجالس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٩ من أبواب جهاد العدو والمستدرك ـ الباب ٣٥ منها.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ٣٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ ـ ٦

٢١٦

« إن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية فقالوا : يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال ، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن يخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ، لا والله ما أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم ، والله لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم ، فكيف وإنما هو أموالهم » ‌، ونحوه خبر أبي مخنف (١) المروي في الكافي إلى غير ذلك مما يدل على إرادة عدم التفاضل من الجهاد التي كان يلحظها غيره التي كان فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافها ، وكذا تظافر عنه التعجيل في قسمة ما في بيت المال في كل أسبوع كالمحكي من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافا لعمر ، فإنه كان يؤخره إلى سنة ، وهو كما ترى مع عدم مصلحة تقتضيه ، إذ هو حبس لحق الفقير مع حاجته إليه.

وكذا ينبغي للإمام عليه‌السلام أن يلحظ ذرية المجاهدين ويدر عليهم النفقة بعد موت آبائهم إلى أن يبلغوا فيكونوا من المرصدين للجهاد أو من غيرهم ، فيجري على كل حكمه.

ولو مرض المرصد للجهاد مرضا يرجى زواله كالحمى والصداع لم يخرج به عن أهل الجهاد ولا يسقط به عطاؤه ، وإن كان مرضا لا يرجى زواله كالفالج ونحوه خرج عن المقاتلة ، وهل يسقط عطاؤه؟ الأقوى عدم السقوط ، والله العالم.

المسألة الثانية قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط والنهاية ليس للأعراب شي‌ء من الغنيمة وإن قاتلوا مع المهاجرين ، بل يرضخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

٢١٧

لهم ، ونعني بهم من أظهر الإسلام ولم يصفه ، وصولح على إعفائه عن المهاجرة بترك النصيب وتبعه المصنف في النافع والفاضل في المختلف والشهيدان في الدروس والمسالك وغيرهم من المتأخرين ، بل في الأخير أنه المشهور ، بل في الرياض لم ينقل فيه خلاف إلا عن الحلي في السرائر حيث شرك بينهم وبين المقاتلة مدعيا شذوذ الرواية ومخالفتها لأصول المذهب والإجماع على أن من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة وأن الغنيمة للمقاتلة ، ورده في التنقيح بأنه مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق ، وفيه أنه كذلك لو ثبت ، ولعله لذا كان ظاهر المصنف هنا كالفاضل في المنتهى التردد في المسألة ، وكأنه من الإطلاق نصا وفتوى ومن‌ الحسن بل الصحيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل أنه قال لعمر بن عبيد : « أرأيت إن هم أبو الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة قال : أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه ـ إلى أن قال له ـ الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها قال : نعم ، قال : قد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سيرته ، بيني وبينك فقهاء المدينة ومشيختهم فاسألهم فإنهم لم يختلفوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنه إن دهم عدوه أن يستفزهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب ، وأنت تقول بين جميعهم فقد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سيرته في المشركين » ‌ونحوه المرسل (٢) كالصحيح ، ولا ريب في رجحان العمل بهما في تخصيص العام وتقييد‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ ـ ٢ وفيه « أنه قال لعمرو بن عبيد ».

٢١٨

المطلق بعد جمعهما شرائط الحجية ، وتأيدهما بالمروي (١) من طرق العامة بهذا المضمون ، ووضوح دلالتهما على المطلوب ، والعمل بهما ممن عرفت ، بل قد سمعت نسبته إلى الشهرة.

ومنه يعلم ما في دعوى الحلي شذوذ الرواية ومخالفتها لأصول المذهب والإجماع على اشتراك المقاتلة ، ضرورة عدم الشذوذ كما سمعت ، وعدم المخالفة إلا على وجه التخصيص الذي يكفي فيه أقل من ذلك ، ودعوى ضعف الدلالة باعتبار عدم معلومية المراد من الأعراب المسلمين أو الكفار ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) ـ والثاني ليس محلا للنزاع كما عن جماعة التصريح به مضافا إلى ما فيهما من المصالحة على ترك المهاجرة المعلوم وجوبها ، فيكون من الصلح الباطل ، ويمكن خروجهما مخرج التقية كما هو مقتضى الرواية المروية عنهم ، بل قد سمعت ما فيها من عدم اختلاف فقهاء أهل المدينة في ذلك ـ يدفعها ظهور الخبرين في كون المراد الأعراب المسلمين ، وأن سقوط نصيبهم للصلح الذي لا يحتاج إليه في سقوط السهم للكفار الذين قد عرفت الرضخ لهم ، واحتمال كون المراد هنا سقوط الرضخ من النصيب فيهما لخصوص هؤلاء الكفار واضح الفساد ، ولعله لذا لم يتوقف في المنتهى فيهما إلا من جهة السند الذي قد عرفت اعتباره في نفسه ، مضافا إلى انجباره بما سمعت ، فلا محيص عن القول بهما ، والمناقشة في صحة الصلح المزبور أشبه شي‌ء بالاجتهاد في مقابلة النص الذي صاحبه أعلم من غيره بالحكم الشرعي والسياسي ، نعم قد يقال إن المراد من الأعراب الذين لم يعضوا على الإسلام بضرس قاطع المشار إليهم بأن يقولوا أسلمنا ولا يقولوا آمنا ، وبأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله تعالى ، وبغير ذلك من الآيات ، بل هم إلى الآن على مثل ذلك‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٥٣.

٢١٩

لا الأعراب الذين أحكموا إسلامهم وآمنوا بقلوبهم ولم يكن لهم هم إلا الدين دون الطمع في الغنيمة ونحوها ، والله العالم.

المسألة الثالثة لا يستحق أحد سلبا ولا نفلا في بدأة ولا رجعة إلا أن يشترطه الإمام عليه‌السلام بلا خلاف أجده فيه إلا ما سمعته من الإسكافي في السلب الذي تقدم الكلام معه فيه ، للأصل وعموم الأدلة كتابا وسنة ، والنفل الجعل الذي يجعله الإمام عليه‌السلام من الغنيمة مشاعا أو معينا في مقابل عمل ، والبدأة بفتح الباء وسكون الدال ثم الهمزة المفتوحة على ما عن المبسوط السرية الأولى التي يبعثها إلى دار الحرب إذا أراد الخروج إليهم ، والرجعة هي السرية التي يبعثها بعد رجوع الأولى ، وقيل إن الرجعة هي السرية التي يبعثها بعد رجوع الإمام عليه‌السلام إلى دار الحرب ، والبدأة لا خلاف فيها ، ومقتضاه الاتفاق على معنى البدأة ، لكن في المنتهى ومحكي التذكرة « قد قيل في البدأة والرجعة تأويلان : أحدهما أن البدأة أول سرية ، والرجعة الثانية ، والثاني أن البدأة سرية عند دخول الجيش إلى دار الحرب ، والرجعة عند قفول الجيش ، وهو أظهر الوجهين » وفي المنتهى أيضا ومحكي المبسوط والتذكرة عن حبيب بن مسلمة الفهري شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة ، ولعل الزيادة للمشقة ، فإن الجيش في البدأة ردأ للسرية تابع لها ، والجيش مستريح والعدو خائف ، وربما كان غافلا ، وفي الرجعة لا ردأ للسرية لانصراف الجيش والعدو مستيقظ على حذر ، والظاهر عدم اختصاص النفل بالسرية ، بل يجوز النفل لبعض الجيش لبلائه أو لمكروه يتحمله دون سائر الجيش كما يجوز أيضا بعد الخمس وقبله ، ولا فرق بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام في ذلك ، فإن جميع ما كان للنبي صلى الله‌

٢٢٠