جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والتذكرة والمنتهى ، بل هو ظاهر الخبرين ، وإن كان قد يشكل بمنافاته للحكم بدفع الأجرة الظاهرة في بقاء الملك لصاحبه كما سمعته من ثاني الشهيدين ، ولا ريب في أنه أوفق بالقواعد الشرعية ، كما أنه قد يشكل الجمع بين دفع الأجرة للمالك ودفع حق القبالة للمتقبل وما زاد للمسلمين بأن المتجه استحقاق المالك ما زاد على حق المتقبل المقابل لعمله ، إذ هو عوض الأرض المفروض استحقاق المالك طسقها اللهمّ إلا أن يقال إن الذي يستحقه ما قابل خصوص الرقبة ، وأما ما يحصل بنماء التعمير فهو بين المسلمين والمتقبل.

ثم إنه ربما قيل باعتبار عدم كون الترك غفلة أو نسيانا أو خوفا من ظالم أو عجزا عن التعمير نظرا إلى كون المتبادر غير ذلك ، ولكن فيه منع واضح ، خصوصا الأخير للإطلاق نصا وفتوى ، نعم ينبغي أن لا يكون الترك لصلاح الأرض كما عن الجامع التصريح به ، ولعله مراد الباقين ، وإن توهم من الإطلاق خلافه ، كما أن الظاهر عدم اعتبار نهي المالك للإطلاق ، وإن احتمله بعض الناس قويا ، بل الظاهر من الخبرين وبعض العبارات وجوب التقبيل على الإمام (ع) ولو باعتبار ولايته على المسلمين المقتضية لمراعاة مصلحتهم ، بل لعله مراد من عبر بالجواز كابن زهرة والفاضلين والشهيدين وغيرهما ولو باعتبار أنه متى جاز وجب سياسة ومراعاة لمصلحة المسلمين ، والظاهر أيضا قيام نائب الغيبة مقام الإمام عليه‌السلام في ذلك بناء على اختصاص الحكم به لعمومها.

هذا كله في الأرض المملوكة التي ترك أهلها عمارتها فخربت ولم تصل إلى حد الموات ، أما إذا وصلت فقد اندرجت في الكلية الثانية المذكورة في النافع وغيره وهي كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحق بها ، فإن كان لها مالك معروف فعليه طسقها بلا خلاف‌

١٨١

أجده في جواز الإحياء في موات الأصل في زمن الغيبة الذي قد عرفت أنه للإمام عليه‌السلام من الأنفال ، وقد صدر الإذن منه في الإحياء بل ظاهرها تملك المحيي لها مجانا ، وإن كان ظاهر صحيح الكابلي عن الباقر عليه‌السلام المتقدم سابقا وجوب الخراج عليه حتى يظهر القائم عليه‌السلام ، واحتمله الكركي في فوائد الشرائع معللا له بأنها ملك الغير ، وملك الغير لا يباح مجانا ، قال ويؤمي إلى هذا قول الأصحاب في باب الخمس : وأحل لنا خاصة المساكن والمتاجر والمناكح ، فإن أحد التفسيرات للمساكن هو كون المساكن المستثنيات هي المتخذة في أرض الأنفال ، وفيه أنه لا بأس بإباحة الغير ملكه مجانا ، كما هو ظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « من أحيا أرضا » ‌إلى آخره ونحوه ، وحينئذ يحمل ما دل على الأجرة في أرض الغير على غير أرض الإمام عليه‌السلام في زمن الغيبة وخصوصا بالنسبة إلى الشيعة ، ثم قال في الفوائد المزبورة. « ويحتمل بناء ذلك على أن المحيي لهذه الأرض يملكها ملكا حقيقيا ، أو يختص بها مجرد اختصاص ، فإن قلنا بالأول لم يجب عليه أحد الأمرين ، لأنه لا يجب عليه في ملكه عوض التصرف وعلى الثاني يجب ، ولا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب » قلت : العمدة في ذلك الأدلة ، ولا تنافي معها بين الملك واستحقاق الأجرة ، ولا بين عدم الملك وعدمها أيضا ، ولا ريب في ظهور النصوص والفتاوى في عدم وجوب شي‌ء على المحيي في زمن الغيبة ، وخصوصا الشيعة ، ولو لقولهم عليهم‌السلام (٢) : « ما كان لنا فقد أبحناه لشيعتنا » ‌ونحوه بل الظاهر ذلك أيضا في المعمورة من الأنفال كالأرض التي انجلى عنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من كتاب إحياء الموات الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

١٨٢

أهلها الكفار ، لكن في فوائد الشرائع للكركي هل يحل لكل أحد التصرف فيها أم يتوقف على إذن الحاكم أو على إذن سلطان الجور؟ وعلى كل تقدير فهل يجب فيها عوض التصرف؟ لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب ، وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب ربما اقتضى كونها كالأرض الخراجية أعني المفتوحة عنوة ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من عدم اقتضاء إطلاق النص والفتوى ذلك ، بل ظاهر نصوص التحليل عدمه ، وأما الموات المسبوق بالإحياء ففي الرياض لا خلاف في أنه للمحيي إحياؤه مع عدم مالك معروف له ، قلت : قد يستفاد أيضا من بعض النصوص السابقة ، بل لعلها من الأنفال المباحة للشيعة أيضا ولكن مع ذلك الأحوط استئذان الحاكم مع الإمكان ، وأحوط منه دفع الأجرة إذا كانت الأرض مما لا يزول ملكها بالموات أو لم يعلم حالها بل للحاكم التصدق بعين الأرض كغيرها من مجهول المالك إن لم نقل إنها من الأنفال ، وكذا في الرياض أيضا « لا خلاف في أن للمالك الأجرة مع كونه معلوما بعينه ، وكان مالكا لها بغير الإحياء » قلت: لعله للجمع بين الحقين ولما سمعته من خبر سليمان بن خالد وغير ذلك وفي فوائد الكتاب للكركي ولقائل أن يقول : كيف جاز التصرف في مال الغير بغير إذنه قلنا في حكم الأرض إذا خربت للأصحاب اختلاف ففي قول أنها وإن بقيت على ملك مالكها إلا أنه يجوز إحياؤها لغيره ويستحق مالكها على المحيي طسقها ، وهو قول للشيخ ، وشرط في الدروس إذن المالك ، فإن تعذر فإذن الحاكم ، فإن تعذر جاز الإحياء بغير إذن وفي قول إنها تخرج عن ملك الأول ، فيسوغ إحياؤها لغيره ، ويملكها المحيي ، وفصل العلامة في التذكرة فقال : إن الأرض إن ملكت بغير الإحياء كالشراء والإرث لم تخرج عن ملك المالك بموتها إجماعا ، وإن‌

١٨٣

ملكت بالإحياء فعرض لها الموات خرجت عن ملكه ، وجاز إحياؤها مطلقا ، وفي قول إنها على ملك الأول ، ولا يجوز لأحد إحياؤها بغير إذنه إلا أن تشهد القرائن بأنه قد أعرض عنها وتركها أصلا ورأسا فإنه حينئذ يباح لمحييها كما يباح التقاط السنبل المتناثرة حيث يعلم إعراض المالك عنها ، وهذا القول هو الأصح ، واختاره ابن إدريس ، وقد كتبنا في تحقيق ذلك مسألة مفردة ، وبينا الدلائل من كل جانب والمذكور هاهنا يتخرج على الأقوال الثلاثة فعلى ما اخترناه ينزل إطلاق الحكم في المسألة المذكورة على إذن المالك في الإحياء مع طلب عوض التصرف ، ومثله ما لو تجدد العلم بالمالك بعد الإحياء ورضي بالأجرة

وقال في المسالك : الأرض الموات لا تخلو إما أن تكون مواتا من الأصل بحيث لم يجر عليها يد مالك أو لا ، والأولى للإمام عليه‌السلام لا يجوز لأحد إحياؤها إلا بإذنه في حال حضوره ، وفي حال غيبته يملكها المحيي ، وإن جرى عليها يد مالك ثم خربت فلا يخلو إما أن تكون قد انتقلت إليه بالشراء ونحوه أو بالإحياء ، والأولى لا يزول ملكه عنها بالخراب إجماعا ، نقله العلامة في التذكرة عن جميع أهل العلم ، والثانية وهي التي ملكت بالإحياء لا تخلو إما أن يكون مالكها معينا أو غير معين ، والثانية تكون للإمام عليه‌السلام من جملة الأنفال يملكها المحيي لها في حال الغيبة أيضا ، فإن تركها حتى خربت زال ملكه عنها وجاز لغيره تملكها ، وهكذا ، والأولى وهي التي قد خرجت ولها مالك معروف فقد اختلف الأصحاب في حكمها ، فذهب الشيخ إلى أنها تبقى على ملك مالكها ، لكن يجوز إحياؤها لغيره ، ويكون أحق بها ، لكن عليه طسقها لمالكها ، واختاره المصنف ، وذهب آخرون إلى‌

١٨٤

أنها تخرج عن ملك الأول ، ويسوغ إحياؤها لغيره ، ويملكها المحيي ، واختاره العلامة ، وهو الأقوى ، والأخبار الصحيحة دالة عليه ، وشرط في الدروس إذن المالك ، فإن تعذر فالحاكم ، فإن تعذر جاز الإحياء بغير إذن ، ودليله غير واضح ، وفي المسألة قول آخر ، وهو عدم جواز إحيائها مطلقا بدون إذن مالكها ، ولا تملك بالإحياء كالمنتقلة بالشراء وشبهه ، واختاره المحقق الشيخ علي ، وله شواهد من الأخبار ، إلا أن الأول أقوى وأصح سندا وأوضح دلالة ، وباقي الأقوال مخرجة ».

قلت : قد ذكرنا تحقيق الحال في ذلك في كتاب إحياء الموات ، ولكن لا يبعد القول بصحة الكلية المزبورة بملاحظة ما سمعته من النصوص السابقة وغيرها ، كقول الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) « أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها » ‌وغيره ، بل ظاهر بعضها عدم الفرق بين موات المفتوحة عنوة وغيره ، وبين معلومة المالك وغيره ، نعم تترتب عليه الأجرة في معروفة المالك ولو المسلمين ولعل هذا حكم خاص بالأرضين بخلاف غيرها من الأموال ، بل هذه الكلية أولى بالصحة من الكلية السابقة التي هي أيضا من خواص الأراضي وإن لم تصل إلى حد الموات من غير فرق بين أرض من أسلم عليها أهلها وغيرها ، ولعله لما سمعته في صحيح ابن وهب (٢) وغيره من أن الأرض لله ومن عمرها ، فعليك بملاحظة جميع ما جاء في النصوص عنهم عليهم‌السلام في ذلك كي يظهر لك وجه صحة الكليتين ، ووجه النظر في كلام ابن إدريس والكركي والشهيد في الدروس وغيرهم ، وقد ذكرنا جملة منها في المقام ، وأخرى في البيع عند البحث في بيع الأرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من كتاب إحياء الموات الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب إحياء الموات الحديث ١.

١٨٥

المفتوحة عنوة ، وجملة في إحياء الموات ، وجملة في كتاب الخمس ، والله العالم بحقيقة الحال.

وإذا استأجر مسلم دارا من حربي ثم فتحت تلك الأرض لم تبطل الإجارة وإن ملكها المسلمون بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ والفاضل وغيرهما ، لأصالة بقاء ملك المسلم التي لا ينافيها ملك الرقبة بالاستغنام نحو شراء الأرض المستأجرة ، والله العالم.

الثالث في قسمة الغنيمة ، يجب أن يبدأ بما شرطه الإمام (ع) منها كالجعائل التي يجعلها منها لمن يد له على مصلحة كالتنبيه على عورة القلعة والطريق الخفي لها ونحو ذلك مما تقدم والسلب بفتح اللام إذا شرطه الإمام للقاتل ، ولو لم يشترطه لم يختص به بل يكون كباقي مال الغنيمة بلا خلاف أجده في الأول ، لعموم‌(١) « المؤمنون » ‌ولقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) يوم خيبر : « من قتل قتيلا فله سلبه » ‌فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم ولاقتضاء صحة الشرط التي لا خلاف فيها ذلك بل ولا إشكال للأصل ، وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ولما فيه من المصلحة الراجعة للإسلام والمسلمين من الرغبة في القتال والتحريض عليه ، ولغير ذلك ، فيأخذه حينئذ من دون استئذان جديد من الإمام عليه‌السلام لكونه مستحقا له بالجعالة ، وإن استحب له ذلك على ما في المنتهى ، وعلى المشهور في الثاني ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الإسكافي ، لعموم ما دل (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٠٧ و ٣٠٩ وأما قضية أبو طلحة فهو في غزوة حنين كما ذكره البيهقي في سننه ج ٦ ص ٣٠٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو.

١٨٦

على قسمة الغنيمة بين المقاتلين الذي لا يخصصه ما يظهر من بعض نصوص الجمهور (١) من كون ذلك جعلا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل قاتل في كل غزوة بعد عدم ثبوت حجيته ، بل إعراض المشهور بل الجميع عداه عنه.

ويشترط في استحقاق الأول السلب الذي جعل له إذا قتل قتيلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم ، فلو قتل صبيا أو امرأة أو شيخا فانيا غير مقاتلين لم يستحق سلبه للنهي (٢) عن قتله ، فلا يندرج في الجعالة ، نعم لو قتل أحدهم وكان مقاتلا استحقه ، وكذا يعتبر كونه ممتنعا ، فلو قتل أسيرا له أو لغيره أو من أثخن بالجراح أو عجز عن المقاومة أو نحو ذلك مما لا يندرج في ظاهر عبارة الجعل لم يستحق سلبه ، وفي‌ المروي من طرق الجمهور « أن ابني عفراء أثخنا أبا جهل يوم بدر ، فأجهز عليه عبد الله بن مسعود ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلبه لابني عفراء ولم يعط ابن مسعود شيئا » ‌ولكنه غير ثابت من طرقنا ، بل قد يشكل بعدم استحقاق ابني عفراء أيضا ، لعدم صدق القتل بالإثخان ، اللهمّ إلا أن يكون على وجه يصدق معه القتل عرفا.

ولو قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر ففي المنتهى السلب للقاطع دون القاتل ، لأنه هو الذي منع عن المسلمين شره ، وفيه أنه غير مندرج في عبارة الجعالة إلا أن يفرض معها قرائن حال تقتضي بإرادة نحو ذلك ، ولو قطع يديه أو رجليه ثم قتله آخر فعن الشيخ السلب للقاتل‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ من ص ٣٠٥ إلى ٣٠٩ وص ٣١٥ و ٣١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب جهاد العدو.

١٨٧

دون القاطع ، لأنه لم يصر ممتنعا بالقطع ، لإمكان عدوه بالرجلين ومقاتلته باليدين ، فيندرج في عبارة الجعالة ، وعن بعض الجمهور اختصاص القاطع به ، وهو واضح الضعف كوضوح ضعف ما عن آخر منهم من كونه غنيمة ، ولو قطع يده ورجله من خلاف ثم قتله آخر ففي المنتهى الوجه التفصيل إن امتنع واكتفى شره أجمع بقطع العضوين كان السلب للقاطع ، وإلا كان للقاتل ، وفيه الإشكال السابق ، ولو عانق رجل رجلا فقتله آخر فالسلب للقاتل ، خلافا للأوزاعي ، ولو أقبل الكافر على رجل من المسلمين يقاتله فجاءه آخر من ورائه فضربه فقتله فسلبه لقاتله ، للصدق ولما رواه الجمهور (١) عن أبي قتادة « خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام خيبر فلما التقينا كان للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت حتى أتيت من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل علي فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فرجع الناس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، فقلت : من يشهد لي ثم جلست ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك فقمت وقلت من يشهد لي ، ثم جلست ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثالثا فقال : ما لك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصة فقال : رجل من القوم صدق يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه ، فقال أبو بكر لا ها الله إذن لا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدق ، فأعطاه إياه ».

ولا يلحق بالقتل الأسر وإن قتله الإمام عليه‌السلام خلافا لمكحول‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٣٠٦ وهو في عام حنين.

١٨٨

فقال : من أسر مشركا فله سلبه ، ولآخر من العامة إن استبقاه الإمام عليه‌السلام كان له فداؤه أو رقبته وسلبه ، لأنه كفى المسلمين شره وهما معا كما ترى ، نعم للإمام عليه أن ينفل شيئا من فعل مصلحة من المصالح فله أن يجعل السلب لمن أسر مشركا ، وفي‌ خبر عبد الله بن ميمون (١) « أتي علي عليه‌السلام بأسير يوم صفين فبايعه على أن لا أقتلك إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله وأعطى سلبه الذي جاء به » ‌هذا ، وفي المنتهى يشترط في استحقاق السلب أن يغرر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارزه إلى صف المشركين أو إلى مبارزة من يبارزهم ، فيكون له السلب ، فلو لم يغرر بنفسه مثل أن يرمي سهما في صف المشركين من صف المسلمين فيقتل مشركا لم يكن له سلبه ، لأن القصد منه التحريض على القتال ومبارزة الرجال ، ولا يحصل إلا بالتغرير.

ولو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه فالسلب في الغنيمة لأنهم باجتماعهم لم يغرروا الرجال ، ولا يحصل إلا بالتغرير ، وفيه ما لا يخفى مع فرض عدم قرائن تقضي بإرادة ذلك من عبارة الجعالة ولو قتله اثنان كان السلب لهما كما عن الشيخ التصريح ، به ، لتناول العبارة الواحد والزائد ، خلافا لأحمد في إحدى الروايتين ، لعدم التغرير وعدم تشريك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهما معا كما ترى ، خصوصا الأخير ، إذ لعله لعدم التشريك ، وقال في المنتهى أيضا إنما يستحق السلب بشرط القتل والحرب قائمة سواء كان مقبلا أو مدبرا ، إذ الحرب فر وكر ، أما لو انهزم المشركون فقتله لم يستحق السلب بل كان غنيمة ، لعدم التغرير ، ولأنه بالهزيمة قد كفى المسلمين شره ، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

١٨٩

ثم إن الظاهر استحقاق السلب كل من جاء بالعمل وإن لم يكن من ذوي السهم في الغنيمة ، وإنما يرضخ له كالمرأة والعبد والكافر ، أما من لم يكن له حق فيها لا سهما ولا رضخا لعصيانه في القتال لنهي الإمام عليه‌السلام إياه أو لمنع أبويه وعدم تعينه عليه أو نهي سيده عنه أو غير ذلك فلا يستحق السلب ، لظهور عبارة الجعل فيمن ساغ له القتال ، لكن في المنتهى الوجه استحقاق مولى العبد السلب وإن خرج العبد من غير إذنه ، لأن كل ما للعبد فهو لمولاه ، ففي حرمانه السلب حرمان سيده ، ولم يصدر عنه معصية ، وفيه أنه لا حق للعبد المزبور بعد فرض عدم تناول العبارة له.

ثم لا خلاف بل ولا إشكال في اندراج الثياب والعمامة والقلنسوة والدرع والمغفرة والبيضة والجوشن والسلاح كالسيف والرمح والسكين ونحو ذلك مما يكون معه وله مدخل في القتال في السلب ، بل في المنتهى الإجماع عليه ، بل لعل الأقوى اندراج ما كان معه من التاج والسوار والطوق والخاتم ونحوها مما يتخذها للزينة ، والهميان ونحوه مما يتخذه للنفقة فيه أيضا ، وفاقا للفاضل ، بل عن الشيخ أنه قواه أيضا للصدق عرفا ، خلافا للشافعي.

نعم لا يندرج فيه ما كان منفصلا عنه كالرجل والعبد والدواب التي عليها أحماله ، والسلاح الذي ليس معه ، فيبقى حينئذ غنيمة ، أما الدابة التي يركبها فهي منه سواء كان راكبا لها أو نازلا عنها وهي بيده للصدق عرفا ، خلافا لأحمد في الثاني ، بل يتبعها السرج واللجام وجميع آلاتها والحلية ونحو ذلك ، نعم لو لم تكن الدابة أو شي‌ء من آلاتها معه لم تدخل في السلب ، وكذا الجنب الذي يساق خلفه ، لاحتمال الحاجة إليه على ما ذكره غير واحد ، ولو كان في يده فالمحكي عن ابن‌

١٩٠

الجنيد أنه من السلب ، ولا يخلو من وجه ، بل لعل العرف الآن يقتضي اندراجه فيه وإن لم يكن في يده ، بل كان معه معدا لحاجته فيه إن حصلت ، ولعله لذا عده في المسالك مع الأمور المزبورة ، ثم قال : وفي اشتراط كونه مع ذلك محتاجا إليه في القتال نظر ، وعدم الاشتراط لا يخلو من قوة ، وهو اختيار الشيخ ، وتظهر الفائدة في مثل الهميان الذي للنفقة والمنطقة والطوق المتخذ للزينة ، فتأمل ، والسلب يأخذه القاتل وإن أدى إلى كشف العورة ، وعن ابن الجنيد عدم اختياره ، كما أنه‌ روي (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لم يأخذ سلبا عند مباشرته للحرب ،والله العالم.

ثم يبدأ بما تحتاج إليه الغنيمة من النفقة مدة بقائها حتى تقسم كأجرة الحافظ والراعي والناقل ونحوهم بلا خلاف بل ولا إشكال ، ضرورة كونها من مؤنها التي تؤخذ من أصلها وكذا يبدأ أيضا بما يرضخه للنساء والعبيد والكفار إن قاتلوا بإذن الإمام عليه‌السلام لأنه لا سهم للثلاثة بلا خلاف أجده فيه ، بل في المنتهى الإجماع عليه في الأول صريحا ، وفي الثالث ظاهرا ، بل في محكي التذكرة الإجماع عليهما أيضا ، مضافا إلى‌ خبر سماعة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ولم يسهم لهن من الفي‌ء شيئا ، ولكن نفلهن » ‌مؤيدا بالمروي (٣) من طرق العامة عن ابن عباس من نحو ذلك ، وبأن المرأة ضعيفة عن القتال ، ولذا لم تخاطب به وبغير ذلك ، فما عن الأوزاعي‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٦١ من أبواب جهاد العدو الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٦.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٣٢.

١٩١

من السهم لهن كالرجال لما رواه من بعض الأخبار الذي لا وثوق بسنده بل ولا دلالته واضح الضعف بين قومه فضلا عن الإمامية ، وأما العبيد فالمعروف بين العامة والخاصة عدم السهم لهم ، بل لم أجد فيه خلافا بيننا إلا من الإسكافي ، فجعلهم كالأحرار ، لخبر محمد بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لما ولي علي عليه‌السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما إني والله ما أرزؤكم من فيئكم هذا درهما ما قام لي عذق بيثرب ، فلتصدقكم أنفسكم ، أفتروني مانع نفسي ومعطيكم قال : فقام إليه عقيل كرم الله وجهه فقال : فتجعلني وأسود في المدينة سواء ، فقال : اجلس ما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك ، وما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوى » وخبر حفص (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وسئل عن بيت المال فقال : أهل الإسلام هم أبناء الإسلام ، أسوي بينهم في العطاء وفضائلهم بينهم وبين الله ، أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص ، وقال : هذا هو فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» وللمروي من طرق العامة عن الأسود بن يزيد « أنه شهد فتح القادسية عبيد فضرب لهم سهامهم » ‌وهما غير صريحين ، بل ولا ظاهرين في قسمة الغنيمة ، فلا حجة فيهما خصوصا بعد الإعراض عنهما ، والثالث غير ثابت ، ومحتمل لإرادة الرضخ من سهامهم ، كل ذلك مع المعارضة‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٣٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٣

١٩٢

بالمروي (١) من طرق العامة عن عمر مولى أبي اللحم قال : « شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبروه أني مملوك فأمر لي بشي‌ء من حرفي المتاع » وفي الدعائم (٢) « وعن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ليس للعبد من الغنيمة شي‌ء وإن حضر وقاتل عليها ، فإن رأى الإمام عليه‌السلام أو من أقامه الإمام عليه‌السلام أن يعطيه على بلاء إن كان منه أعطاه من حرفي المتاع ما رآه » ‌مؤيدا بأنه ليس من أهل القتال وممن يجب عليه الجهاد.

هذا كله في العبد المأذون ، أما غير المأذون فلا سهم له إجماعا محكيا في المنتهى إن لم يكن محصلا ، بل لا رضخ له مع عصيانه في سفره ، ولا فرق في العبد بين القن والمدبر والمكاتب ، نعم لو أعتق قبل تقضي الحرب أسهم له ، بل لو قتل مولى المدبر قبل تقضي الحرب وأخرج من الثلث أسهم له أيضا ، والمبعض يسهم له بقدر ما فيه من الحرية ، ويرضخ له بقدر ما فيه من الرق.

وأما الكافر فإنما يستحق من سهم المؤلفة والرضخ إذا خرج بإذن الإمام ، فلو خرج بغير إذنه لم يسهم له ولا يرضخ له بلا خلاف كما اعترف به في المنتهى ، ضرورة كونه حينئذ غير مأمون فهو كالمرجف ولو غزا جماعة من الكفار بانفرادهم من غير إذن الإمام عليه‌السلام كانت الغنيمة للإمام من الأنفال ، لعموم النص الدال على ذلك ، خلافا لبعض العامة فجعلها لهم ، ولا خمس فيها ، ولآخر فأوجب الخمس فيها وظاهر المصنف وغيره بل هو صريح بعض المفروغية من جواز الاستعانة‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٥٣ عن عمير مولى أبي اللحم.

(٢) المستدرك ـ الباب ٣٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ٦.

١٩٣

بالكفار المأمونين مع المصلحة ، أما غير المأمون فلا يجوز الاستعانة به إجماعا محكيا في المنتهى إن لم يكن محصلا ، مضافا إلى قوله تعالى (١) ( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) وإلى أولويته من المسلم المرجف والمخذل ، بل عن أحمد في إحدى الروايتين عدم جواز الاستعانة بهم مطلقا لبعض نصوص (٢) مروية من طرق العامة غير ثابتة عندنا ولا واضحة الدلالة ، هذا ، وفي المنتهى إذا استأجر الإمام عليه‌السلام أهل الذمة للقتال جاز ولا تبين المدة لأن ذكر المدة غرر ، فربما زادت مدة الحرب أو نقصت ، وعفي عن الجهالة هنا لموضع الحاجة ، فإن لم يكن قتال لم يستحقوا شيئا ، وإن كان وقاتلوا استحقوا ، وإن لم يقاتلوا ففي الاستحقاق تردد ينشأ من أنه منوط بالعمل ولم يوجد ، فلا استحقاق ومن أنه يستحق بالحضور فإنه بمنزلة القتال ، ولذا يستحق المسلم به السهم ، والأول أقوى ، قلت ينبغي الجزم به ، كما أنه ينبغي الجزم بعدم جواز عقد الإجارة المعتبر فيه المعلومية ، إذ دعوى الاغتفار هنا للحاجة لا شاهد لها ، بل يمكن جعله من باب الجعالة التي هي أوسع من الإجارة أو من باب الأعمال بالأعواض من دون عقد إجارة ، ولو زادت الأجرة على سهم الراجل أو الفارس أعطيت لاستحقاقها حينئذ بالعقد لا بالاغتنام ، واحتمال العود إلى الرضخ في غاية الضعف ، بل هو واضح الفساد.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره بل هو صريح بعض اختصاص الرضخ بالمذكورين ، لكن عن الشيخ في المبسوط والنهاية إلحاق الأعراب بهم ، وتسمع الكلام فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له.

__________________

(١) سورة الكهف ـ الآية ٤٩.

(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ٣٧.

١٩٤

وكذا يبدأ بصفو المال ، فإن للإمام عليه‌السلام أن يصطفي من الغنيمة لنفسه قبل كمال القسمة من فرس جواد وثوب مرتفع وجارية حسناء وسيف قاطع وغير ذلك مما هو صفو المال ولم يضر بالجيش بلا خلاف أجده فيه بيننا ، من غير فرق بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام عندنا خلافا للعامة ، فخصوه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعله لعدم إمام معصوم عندهم ، بل في المنتهى وعن الغنية والتذكرة وغيرهما الإجماع عليه ، وفي الدعائم (١) « روينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل بعثين إلى اليمن على أحدهما علي عليه‌السلام وعلى الآخر خالد بن الوليد ، وقال : إذا اجتمعتم فعلي عليه‌السلام أميركم ، وإذا افترقتم فكل واحد على أصحابه ، فأصاب القوم سبايا فاصطفى علي عليه‌السلام جارية لنفسه ، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأرسل الكتاب مع بريدة ، وأمره أن يخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففعل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عليا مني وأنا منه ، وله ما اصطفى ، وتبين الغضب في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال بريدة : هذا مقام العائذ بك يا رسول الله ، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته ، فبلغت ما أرسلني به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عليا عليه‌السلام ليس بظلام ، ولم يخلق للظلم ، وهو أخي ووصيي وولي أمركم بعدي » وفي مرسل حماد (٢) عن العبد الصالح عليه‌السلام « للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال ، صفوها الجارية الفارهة‌

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨٢ المطبوع عام ١٣٨٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٤ من كتاب الخمس.

١٩٥

والدابة الفارهة والثوب والمتاع مما يحب ويشتهي ، وذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس ، وله أن يسد بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة وغير ذلك من أصناف ما ينوبه ، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه وقسمه بين أهله ، وقسم الباقي على من ولي ذلك ، فإن لم يبق بعد سد النوائب شي‌ء فلا شي‌ء لهم » والضعف في الإرسال مجبور بما عرفت ، على أن حماد من أصحاب الإجماع ، نعم لم أجد من أفتى بما في ذيله من أن له سد ما ينوبه بجميع المال إلى آخره بالنسبة إلى الغنيمة إلا أبا الصلاح ، فإنه قال على ما حكاه عنه في المختلف له أن يصطفي لنفسه قبل القسمة الفرس والسيف والدرع والجارية وأن يبدأ بسد ما ينوبه من خلل في الإسلام وتقوية مصالح أهله ، ولا يجوز أن يعترض عليه إن استغرق جميع المغانم ، وفيه أنه كذلك لو فرض وقوعه منه ، لعدم جواز الاعتراض عليه لعصمته عليه‌السلام ، ولقوله تعالى (١) ( ما آتاكُمُ ) وقوله تعالى (٢) ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) وغير ذلك مما دل على ولايته ، إنما الكلام في أن مقتضى ما وصل إلينا من الأدلة ذلك أولا ، ولا ريب في ظهور الخبر المزبور فيه ، إلا أنه مناف لظاهر غيره منها كتابا وسنة ، بل لعل الاصطفاء ظاهر في التخصيص ببعض ، وعلى كل حال فقد تقدم في كتاب الخمس أن ذلك من جملة الأنفال.

ثم إن ظاهر النص والفتوى أن للإمام عليه‌السلام صفو المال قبل الخمس ، لكن في المنتهى أن البحث فيه بالنسبة إلى تقدمه على الخمس وتأخره كالبحث في الرضخ إلى آخره ، ولا يخلو من نظر ، وعلى‌

__________________

(١) سورة الحشر ـ الآية ٧.

(٢) سورة الأحزاب ـ الآية ٦.

١٩٦

كل حال فلا خمس فيه عليه قطعا ، وإنما الكلام في الجعائل والسلب والرضخ والمؤن ، فلا يخرج الخمس منها كما أشار إليه المصنف بعد أن ذكر البدأة بها بقوله ثم يخرج الخمس كما عن الشيخ في المبسوط ولكن قيل والقائل الشيخ أيضا في محكي الخلاف بل يخرج الخمس مقدما عليها عملا بالآية واختاره الشهيدان وغيرهما لصدق الغنيمة وظاهر المرسل السابق وغير ذلك ولكن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده في مثل الجعائل إذا كان قد جعلها مقدمة على الخمس صريحا أو ظاهرا ، بل وكذا المؤن الذي يمكن استفادتها أيضا من المرسل السابق ، ومن معقد محكي إجماع الغنية ، ومن كونها مئونة ومصلحة راجعة لأرباب الخمس وغيرهم نحو مؤن الزكاة ، أما الرضخ فقد يقوى القول بتقديم الخمس عليه باعتبار كونه كالسهم من الغنيمة وإن كان ناقصا ، فإن نقصانه لا يخرجه عن اسم الغنيمة التي يخرج خمسها لأربابه ، ثم تقسم الأربعة بين أهلها ، ومنهم من يرضخ لهم منها ، ولعله لذا كان المحكي عن الإسكافي وابن حمزة وغيرهما تقديم الخمس على النفل المراد به هنا زيادة الإمام عليه‌السلام نصيب بعض الغانمين لمصلحة صادرة منه لدلالة وإمارة وهجوم على حصن وتجسس ونحو ذلك مما فيه نكاية للكفار ونحو ذلك ، وفي‌ النبوي (١) « لا نفل إلا بعد الخمس » ‌بل لعل المرسل السابق مشعر بذلك أيضا ، نعم قد يقال بوجوب الخمس عليهم من حيث أنه نوع تكسب ، فيجب حينئذ عليهم من هذه الجهة بشرائط وجوبه في أرباح التجارة المراد بها كلما يستفيده الإنسان بتكسب بعد إخراج مئونة سنته.

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٦١٤ وكنز العمال ـ ج ٢ ص ٢٧٢ الرقم ٥٨٢٥.

١٩٧

وعلى كل حال فالرضخ على ما ذكره غير واحد من الأصحاب العطاء اليسير ، والمراد به هنا العطاء الذي لا يبلغ سهم الفارس إن كان المرضوخ له فارسا ، ولا الراجل إن كان راجلا ، قال في المنتهى « ومعنى الرضخ أنه يعطى المرضوخ له شيئا من الغنيمة ، ولا يسهم له سهم كامل ، ولا تقدير للرضخ ، بل هو موكول إلى نظر الإمام عليه‌السلام ، فإن رأى التسوية بينهم سوى ، وإن رأى التفضيل فضل ، وهذا مذهب علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم » إلى آخره ، ثم قال أيضا : « وليس له قدر معين ، بل هو موكول إلى نظر الإمام عليه‌السلام ، لكن لا يبلغ للفارس سهم فارس ، ولا للراجل سهم راجل ، كما لا يبلغ بالحد التعزير ، وينبغي أن يفضل بعضهم على بعض بحسب مراتبهم وكثرة النفع بهم ، فيفضل العبد المقاتل الشديد على من ليس كذلك ، وتفضل المرأة المقاتلة التي تسقي الماء وتداوي الجرحى وتعتني بالمجاهدين على من ليست كذلك ، وبالجملة يفاوت بينهم بالعطاء بحسب تفاوت النفع بهم ولا يسوى بينهم كما يسوى في السهام ، لأن السهم منصوص غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف كالحد والدية ، وأما الرضخ فإنه غير مقدر بل مجتهد فيه مردود إلى اجتهاده كالتعزير وقيمة العبد وغير ذلك » ولعل المتجه الجمع بين كلاميه بإرادة رجحان التفاوت بينهم على حسب تفاوت النفع لا وجوبه كي ينافي ما تقدم ، والخنثى المشكل في حكم المرأة في عدم السهم لعدم العلم بالذكورة التي هي شرط وجوب الجهاد المقتضي للسهم ، وفي المسالك عن بعض له نصف سهم ونصف رضخ كالميراث ، وهو كما ترى ثم بعد أن يخرج الخمس يقسم الأربعة أخماس بين المقاتلة ومن حضر القتال ولو لم يقاتل حتى الطفل ولو ولد بعد الحيازة وقبل القسمة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن الغنية‌

١٩٨

والمنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، مضافا إلى‌ خبر مسعدة بن صدقة (١) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قال : إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء الله عليهم » ‌وفي آخر (٢) « أسهم له » ‌وإلى‌ المروي (٣) من طرق العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه أسهم للصبيان بخيبر » ‌نعم الظاهر إرادة المصنف وغيره من حضر القتال لأن يقاتل والطفل الذكر منهم أو من غيرهم من المقاتلين كما عن جماعة التصريح به ، فلا سهم لمن حضر لصنعة خاصة أو حرفة كذلك أو نحو ذلك ولم يجاهدوا فضلا عن الطفل منهم ، وفي المسالك وإطلاق الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين كونه من أولاد المقاتلة وغيرهم وبين حضور أبويه وأحدهما وعدمه ، ولعله يريد من حضر للقتال من غير المقاتلة لا مطلقا ، ولو اشتبه الحال في الحضور للقتال وعدمه فعن الشيخ استحقاق الإسهام لأنه يستحق بالحضور ، وفيه أنه لم يثبت كون العنوان ذلك ، اللهمّ إلا أن يكون معقد الإجماع ، لكن قد عرفت انسياق من حضر للقتال منه ، بل قد سمعت ما في مرسل حماد من القسمة بين من ولي ذلك.

وكذا يشارك أيضا من اتصل بالمقاتلة من المدد ولو بعد الحيازة بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل في المنتهى وعن التذكرة والتحرير الإجماع على ذلك إذا لحقوا قبل تقضي الحرب ، بل ظاهر الأول ومحكي الأخيرين والغنية ذلك أيضا بعد تقضي الحرب قبل‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٨ ـ ٩

(٣) المنتقى من أخبار المصطفى ج ٢ ص ٧٨٩ الرقم ٤٣٣٥.

١٩٩

القسمة وفي‌ خبر حفص بن غياث (١) « كتب إلي بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل من السير فسألته وكتبت بها إليه فكان فيما سألت أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ، ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ولم يلقوا عدوا حتى يخرجوا إلى دار الإسلام فهل يشاركونهم فيها قال : نعم » ‌وفي‌ خبر طلحة بن زيد (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « في الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممن شهد القتال قال : فقال : هؤلاء المحرومون ، فأمر أن يقسم لهم » ‌ولعل المراد المحرومون من ثواب القتال ، وعن الشيخ احتمال الحمل على ما لو لحقوهم بعد الخروج إلى دار الإسلام ، والأول يحتمل التخصيص بحضور القتال ، قلت لا داعي إلى ذلك بعد إطلاق الفتاوى ، نعم لا خلاف في عدم المشاركة مع اللحوق بعد القسمة ، بل في حاشية الكركي وعن الكتب الثلاثة الإجماع على ذلك ، فينبغي تقييد الخبرين بغيره.

ولو تخلص الأسير المسلم من يد المشركين ولحق بالمسلمين بعد تقضي الحرب والقسمة لم يسهم له إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا إذ لا يزيد على المدد ، نعم لو لحق قبل انقضائها وقاتل مع المسلمين استحق عندنا كما في المنتهى لأنه مسلم حضر وقاتل فاستحق السهم كغيره من المجاهدين ، بل الظاهر ذلك لو حضر للقتال ولم يقاتل كما عن الشيخ التصريح به ، لكونه كغيره ممن عرفت ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٢

٢٠٠