جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وغيرها ، وإطلاقهم مبني على ما صرحوا به في المقام وغيره.

نعم قد يقال بصدور الإذن منهم عليهم‌السلام في ذلك ، ففي قاطعة اللجاج قد سمعنا أن عمر استشار أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك ، ومما يدل عليه فعل عمار فإنه من خلفاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ولو لا أمره لما ساغ له الدخول في أمرها ، وفي الكفاية الظاهر أن الفتوح التي وقعت في زمن عمر كانت بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام لأن عمر كان يشاور الصحابة خصوصا أمير المؤمنين عليه‌السلام في تدبير الحروب وغيرها ، وكان لا يصدر إلا عن رأي علي عليه‌السلام ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر بالفتوح وغلبة المسلمين على الفرس والروم ، وقبول سلمان تولية المدائن وعمار إمارة العساكر مع ما روي فيهما قرينة على ذلك ، و‌عن الصدوق أنه روي مرسلا (١) استشارة عمر عليا عليه‌السلام في هذه الأراضي فقال : دعها عدة للمسلمين ،وعن بعض التواريخ أن عمر لما رأى المغلوبية في عسكر الإسلام في غالب الأسفار والأوقات استدعى من أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يرسل الحسن عليه‌السلام إلى محاربة يزدجرد فأجابه وأرسله ،وحكي أنه ورد ري وشهريار ، وفي المراجعة ورد قم وارتحل منها إلى كهنك ، ومنها إلى أردستان ، ومنها إلى قهبان ، ومنها إلى أصفهان ، وصلى في المسجد الجامع العتيق ، واغتسل في الحمام الذي كان متصلا بالمسجد ، ثم نزل لنبال وصلى في مسجده ، إلا أن ذلك كما ترى لا يعول عليه بعد عدم كونه بسند معتبر ، ويحتمل بعضه أو جميعه غير صدور الإذن ، لكن قد يقال بأن الحكم في النصوص المعتبرة السابقة بكون هذه الأراضي للمسلمين‌

__________________

(١) الموجود في كتاب الخراج للقرشي ص ٤٢ وكتاب الخراج لأبي يوسف ص ٣٦ وكتاب الأموال لأبي عبيد ص ٥٩ أن استشار أصحاب النبي (ص) في الفلاحين من أرض السواد‌ فقال علي (ع) : « دعهم يكونوا مادة للمسلمين ».

١٦١

بعد معلومية اعتبار الإذن فيها شاهد على صدورها منهم عليهم‌السلام ، ولعله أولى من الحمل على التقية ، خصوصا بعد عدم معروفيته بين العامة وإنما يحكى عن مالك منهم ولم يكن مذهبه معروفا كي يتقى منه ، خصوصا بعد مخالفة الشافعي وأبي حنيفة له.

وعلى كل حال فظاهر النصوص والفتاوى بل صريح بعضها أنها ملك المسلمين برقبتها ، ويتبعه ارتفاعها ، وربما ظهر من ثاني الشهيدين سيما في الروضة عدم كون المراد ملك الرقبة ، بل المراد صرف حاصلها في مصالح المسلمين ، بل في الكفاية أن المراد بكونها للمسلمين أن الإمام يأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين على حسب ما يراه ، لا أن من شاء من المسلمين له التسلط عليها أو على بعضها بلا خلاف في ذلك بل عن مجمع البرهان معنى كون هذه الأرض للمسلمين كونها معدة لمصالحهم العامة مثل بناء القناطر ، ثم قال : « لأنهم ليسوا بمالكين في الحقيقة ، بل هي أرض جعلها الله تعالى كالوقف على مصالح المستأجر وغيره من المسلمين ، لا أنها ملك للمسلمين على الشركة » ومن هنا جعل بعض الناس المسألة خلافية ، وذكر فيها قولين ، لكن يمكن إرادة الجميع معنى واحدا ، وهو عدم الملك على كيفية ملك الشركاء المتعددين وإنما المراد ملك الجنس نحو ملك الزكاة وغيرها من الوجوه العامة وملك الأرض الموقوفة على المسلمين إلى يوم القيامة ، بناء على أن الموقوف ملك الموقوف عليه ، فلا يقدح تخلف بعض أحكام ملك المشخصين.

نعم قد يستفاد من بعض النصوص (١) بل والفتاوى عدم جواز بيع شي‌ء منها حتى لولي المسلمين لمصلحتهم وإن كان محتملا كما ذكرناه في غير المقام ، إلا أن الظاهر المزبور يقضي بكون ملكيتها على وجه تبقى عينها كالعين الموصى بها والموقوفة على هذا الوجه ، وهو غير بعيد ، ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٦.

١٦٢

إن مقتضى السيرة بين الأعوام والعلماء عدم وجوب صرف ما يتفق حصوله من حاصلها في يد أحد من الشيعة من جائر أو غيره في زمان في المصالح العامة ، بل له التصرف فيه بمصالحه الخاصة ، بل قد يقال بحصول الإذن منهم في ذلك للشيعة من غير حاجة إلى رجوع إلى نائب الغيبة ، وإن كان الأحوط إن لم يكن الأقوى استئذانه ، والظاهر أن له الإذن مجانا مع حاجة المستأذن ، كما أن الظاهر حل تناوله من الجائر بشراء أو اتهاب أو غيرهما ، وقد أشبعنا الكلام في ذلك وغيره في كتاب المكاسب من الكتاب.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أن النظر فيها إلى الإمام عليه‌السلام حال بسط اليد ، لأنه هو المتولي لأمور المسلمين ، قال‌ الرضا عليه‌السلام في صحيح ابن أبي نصر (١) : « وما أخذ بالسيف فذلك للإمام عليه‌السلام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد ، وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر عليهم في حصصهم العشر ونصف العشر» ونحوه مضمره (٢).

وأما حال الغيبة ونحوها فلا خلاف معتد به بل ولا إشكال في جريان حكم يده بالنسبة إلى براءة ذمة من عليه الخراج ، وحل المال بالمقاسمة ، وإلى جواز الأخذ بشراء ونحوه على ما كان منها في يد الجائر المتسلط للتقية ، وأما غيره فالمرجع فيه إلى نائب الغيبة كما صرح بذلك جماعة منهم الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما ، وهو الذي تقتضيه‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ ـ ١

١٦٣

قواعد الشرع ، لكن في فوائد الكتاب للأول منهم هنا هذا مع ظهوره وفي حال الغيبة يختص بها من كانت في يده بسبب شرعي كالشراء والإرث ونحوهما ، لأنها وإن لم تملك رقبتها لكونها لجميع المسلمين إلا أنها تملك تبعا لآثار التصرف ، ويجب عليه الخراج والمقاسمة ، ويتولاهما الجائر ، ولا يجوز جحدهما ولا منعهما ولا التصرف فيهما إلا بإذنه باتفاق الأصحاب ، ولو لم يكن عليها يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيهما على إذنه حيث حكموا بأن المقاسمة أو الخراج منوط برأيه ، وهما كالعوض عن التصرف وإذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوض كذلك ، وفيه أنه لم نعرف للأصحاب كلا ما في توقف حلهما على إذن الجائر مع عدم كون الأرض في يده ، وإنما ذكروا حكم ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة والزكاة ، وهو كالصريح في كون ذلك لما في يده من الأراضي لا غيرها مما يمكن دعوى الضرورة على عدم ولاية له عليه وعدم قابليته لذلك ، وإنما أجرينا الحكم المزبور على ما في يده للتقية وتسهيلا للشيعة في زمن الغيبة ، ودعوى أن الزمان زمان تقية فالأمر إليه فيها حتى على ما لم يكن في يده منها واضحة الفساد ، لعدم شاهد عليها ، بل ظاهر الأدلة خلافها ، فالتحقيق الرجوع في كل ما لم يكن في يده إلى نائب الغيبة يصرفه على ما يظهر له من الأدلة كغيره مما له ولاية عليه ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه لا يملكها المتصرف بها على الخصوص ، ولا يصح له بيعها ولا هبتها ولا وقفها ولا غير ذلك من التصرفات الموقوفة على الملك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) بل عن مبسوط الشيخ عدم جواز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧١ و ٧٢ من أبواب جهاد العدو والباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٤ و ٥.

١٦٤

مطلق التصرف فيها ولو بنحو من البناء ، نعم قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنها تباع مثلا تبعا لآثار التصرف فيها وقد أشبعنا الكلام في المراد منه وفي غير ذلك من الأحكام في محله في كتاب البيع ، فلاحظ وتأمل ، كما أن المحكي عن تهذيب الشيخ من جواز شرائها محمول على ما لا ينافي ذلك ، ومن الغريب ما عن الكفاية من أن الأقرب القول بالجواز للعمل المستمر وللنصوص (١) الكثيرة إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بفتاوى الأصحاب ونصوص الباب ، والعمل المستمر على الوقف مساجد ومدارس ونحوهما محمول على الأرض التي لا يعلم حالها بيد من يجري عليها حكم الأملاك وله وجوه من الصحة يحمل عليها حتى في المعلوم كونها معمورة حال الفتح ، إذ يمكن كونها من الخمس وقد باعها الإمام عليه‌السلام وغير ذلك ، وما ادعاه من النصوص بين ما هو غير صريح في أرض الخراج ، وبين ما يراد منه آثار التصرف أو الشراء استنقاذا للمسلمين ، وبين ما هو معارض بأقوى منه من وجوه نعم قد يقال بأحقية المحيي بها بعد موتها من غيره على وجه يترتب عليها الإرث والصلح وغير ذلك ، وأن عليه الخراج والمقاسمة ، وقد ذكرنا هناك من النصوص (٢) ما يدل عليه ، وربما كان ظاهر الكركي هنا قال : ما يوجد من هذه الأرض مواتا في هذه الأزمنة إن دلت القرائن على أنه كان معمورا من القديم ومضروبا عليه الخراج ككثير من أرض العراق يلحق بالمعمور وقت الفتح ، وحيث أنه لا أولوية لأحد عليه فمن أحياه كان أحق به ، وعليه الخراج والمقاسمة ، بل ظاهره المفروغية من ذلك.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٧١ و ٧٢ من أبواب جهاد العدو والباب ٢١ من أبواب عقد البيع.

١٦٥

وكذا لا إشكال ولا خلاف في أنه يصرف الإمام عليه‌السلام حال بسط اليد حاصلها في المصالح العامة مثل سد الثغور ومعونة الغزاة وبناء القناطر ونحو ذلك مما يرجع نفعه إلى عامة المسلمين ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى بعض النصوص (١) وهل تجب مراعاة ذلك لمن يحصل منها في يده في زمن الغيبة ولو بإذن نائبها؟ وجهان أحوطهما ذلك وأقواهما العدم لظاهر نصوص الإباحة (٢) وللسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار بين العلماء والأعوام ، بل قد تمكن جملة من علمائنا كالمرتضى والرضي والعلامة وغيرهم من جملة منها ولم يحك عن أحد منهم التزام الصرف في نحو ذلك ، بل لعل المعلوم خلافه من المعاملة معاملة غيرها من الأملاك ، هذا.

ولكن الكلام في المفتوح عنوة ، والمعروف بين الأصحاب أن مكة منه ، بل نسبه غير واحد إليهم ، بل في المبسوط والمنتهى والتذكرة أنه الظاهر من المذهب ، وفي‌

خبر صفوان ومحمد بن أحمد (٣) « أن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر ، وأن مكة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنوة وكان أهلها أسراء في يده فأعتقهم وقال : اذهبوا أنتم الطلقاء » ‌وفي بعض أخبار الجمهور (٤) أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لأهل مكة : « ما تروني صانعا بكم؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقول كما قال أخي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

(٣) الوسائل ـ الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ عن صفوان وأحمد بن محمد.

(٤) سنن البيهقي ج ٩ ص ١١٨.

١٦٦

يوسف (١) ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ) اذهبوا أنتم الطلقاء » ‌فما عن الشافعي من أنها فتحت صلحا واضح الفساد ، ومنه الشام على ما ذكره الكركي ناسبا له إلى الأصحاب وإن كنت لم أتحققه ، نعم عن العلامة في التذكرة ذلك في كتاب إحياء الموات ، ولكن لم يذكر أحد حدودها ، بل في الكفاية عن بعض المتأخرين وأما بلاد الشام ونواحيه فحكي أن حلب وحمى وحمص وطرابلس فتحت صلحا ، وأن دمشق فتحت بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره ، ومنه خراسان ، بل ربما نسب إلى الأصحاب وأنه من أقصاها إلى كرمان ، وإن كنت لم أتحققه ، بل عن بعض المتأخرين أن نيشابور من بلاد خراسان فتحت صلحا ، وبلخ منها أيضا وهراة وقوسيخ والتوابع فتحت صلحا ، ومنه العراق كما صرح به في النصوص والفتاوى ، ومنه خيبر كما صرح به بعضهم ، ودل عليه أيضا بعض النصوص بل قيل إن منه غالب بلاد الإسلام ، وعن بعض المتأخرين أن أهل طبرستان صالحوا وأن أذربيجان فتحت صلحا ، وأن أهل أصفهان عقدوا أمانا ، وعن ثاني الشهيدين أنه يكفي في ثبوته الاشتهار بين المؤرخين المفيد للظن ، وتبعه عليه بعض من تأخر عنه ، ولكنه لا يخلو من نظر ، كما أن ما صرح به الكركي من ثبوته أيضا بضرب الخراج والمقاسمة ولو من الجائر حملا لفعل المسلم على الصحة حتى يعلم خلافها كذلك أيضا ، خصوصا بعد معلومية كون الجائر آثما في أخذه الخراج من الخراجية ، وبعد تعارف ضرب الخراج على كل أرض معمورة ولو بإحياء جديد.

بل صرح بعض مشايخنا بجريان حكم الخراج على ما يضربه على‌

__________________

(١) سورة يوسف ـ الآية ٩٢.

١٦٧

الموات إذا أحياه المحيي ، وإن كان هو كما ترى ، وكأنه أخذه من الكركي ، قال : « الموات المتعلق بالإمام عليه‌السلام إذا أحياه محيي في حال الغيبة هل يجب فيه حق الخراج والمقاسمة؟ يحتمل العدم ، لظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « من أحيا أرضا ميتة فهي له » ‌واللام تفيد الملك وهو يقتضي عدم الثبوت ، ويحتمل الثبوت لأنها ملك الإمام عليه‌السلام وملك الغير لا يباح مجانا ، ويؤمي إلى هذا قول الأصحاب في باب الخمس : وأحل لنا خاصة المساكن والمتاجر والمناكح ، فإن أحد التفسيرات للمساكن هو كون المساكن المستثنيات هي المتخذة في أرض الأنفال ، ويحتمل بناء ذلك على أن المحيي لهذه الأراضي يملكها ملكا ضعيفا ، أو يختص بها مجرد اختصاص ، فإن قلنا بالأول لم يجب عليه أحد الأمرين ، لأنه لا يجب عليه في ملكه عوض التصرف ، وعلى الثاني يجب ، ولا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب » قلت : لا يخفى عليك أن ظاهر النص والفتوى الملك الحقيقي ، كما أنه لا يخفى عليك ما في قوله « وملك الغير لا يباح مجانا » بعد معلومية تسلط الناس على أموالهم ، والفرض ظهور ما ورد عنهم في ذلك ، وما ذكروه في كتاب الخمس لا يصلح دليلا بعد تعدد احتمال المراد منه ، كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الخمس ، وكذا ما عن بعضهم أيضا من الاكتفاء بالظن في خصوص كل قطعة من الأرض المفتوحة عنوة أنها عامرة وقت الفتح فيجب حينئذ الخراج على زارعها وغارسها ، ضرورة عدم دليل على الاكتفاء بمطلق الظن في مثل ذلك ، مع أن الأصل يقتضي عدمه في جملة من أفراده ، ومن ذلك يحصل الشك في جريان حكم المفتوحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من كتاب إحياء الموات الحديث ٥.

١٦٨

عنوة العامرة وقت الفتح في كثير من الأراضي في هذا الزمان ، مضافا إلى الشك في أن فتحها لم يتحقق كونه بإذن الإمام عليه‌السلام على وجه تكون به للمسلمين لا للإمام عليه‌السلام ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه حتى فيما كان منها في يدي من يجري عليه حكم الملك ولم يعلم فساده ، فإن أصول المذهب تقضي بالحكم بملكيته كما صرح به غير واحد ما لم يعلم الخلاف.

هذا كله في العامر من المفتوحة عنوة وأما ما كان مواتا منها وقت الفتح فهو للإمام عليه‌السلام خاصة بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على أن موات الأرض مطلقا من الأنفال للإمام عليه‌السلام بل في‌ صحيح الكابلي (١) عن الباقر عليه‌السلام « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ( إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون الأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل حتى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا ، فيقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم » ‌ودعوى أن التعارض بين النصوص من وجه فإن ما دل على أن المفتوحة عنوة للمسلمين شامل للموات منها والعامر ، وما دل على أن الموات للإمام عليه‌السلام شامل للمفتوحة عنوة وغيرها ، يدفعها معلومية رجحان التخصيص بالأخير ولو للإجماع بقسميه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب إحياء الموات الحديث ٢ مع سقط في الجواهر.

١٦٩

وحينئذ ف لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه إن كان موجودا ظاهرا مبسوط اليد بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى عموم قاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وخصوص بعض النصوص (١) هذا ، وفي المسالك « ويعلم الموات بوجوده الآن مواتا مع عدم سبق أثر العمارة القديمة عليه ، وعدم القرائن الدالة على كونه عامرا قبل ذلك كسواد العراق فإن أكثره كان معمورا وقت الفتح ، وبسببه سميت أرض السواد ، وما يوجد منها عامرا الآن يرجع فيه إلى قرائن الأحوال كما مر ، قيل ومنها ضرب الخراج وأخذ المقاسمة من ارتفاعه ، فإن انتفى الجميع فالأصل يقتضي عدم تقدم العمارة ، فيكون ملكا لمن في يده » قلت. أشار بالقيل إلى ما سمعته من الكركي وسمعت ما فيه ، وأما الأول ففيه أولا أن أثر العمارة القديمة لا يجدي حتى يعلم كونه وقت الفتح ، مع أن الأصل تأخره ، على أن القرائن المزبورة إن كان لم تفد إلا الظن ففي قطع الأصل بها إشكال ، مضافا إلى ما سمعته سابقا من الإشكال في جريان حكم المفتوح عنوة بغير ذلك والله العالم.

وعلى كل حال ف لو تصرف فيها أحد من غير إذنه كان غاصبا وعليه أي المتصرف طسقها وأجرتها للإمام عليه‌السلام بلا خلاف ولا إشكال على حسب غيرها من الأراضي المغصوبة ، نعم يملكها المحيي من الشيعة عند عدم ظهوره عليه‌السلام وعدم بسط يده من غير إذن خاصة بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

١٧٠

الدالة على الإذن عموما كالصحيح السابق (١) ‌وصحيح الفضلاء (٢) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحيا مواتا فهو له » ‌وغيرهما (٣) بل مقتضاها حصول الإذن حال الظهور ، ضرورة صدورها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن الأصحاب خصوها بحال الغيبة ، وقد أوضحنا ذلك في إحياء الموات ، بل وغيره من المسائل التي منها عدم إلحاق الموت الحادث بعد العمارة وقت الفتح بموت الأصل ، ومنها البحث عن الأرض الموات إذا ملكت بالإحياء ثم ماتت هل تعود على الإباحة الأصلية أو لا ، فلاحظ وتأمل.

ثم إن ظاهر إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في المحيي بين المؤمن والمخالف بل والكافر ، بل ربما كان في صحيح الكابلي ظهور في التعميم ، بل عن الشهيد التصريح به أيضا ، لكن في المسالك احتمال كون الحكم مختصا بالشيعة عملا بظاهر الإذن ، وفيه ما لا يخفى ، خصوصا مع ملاحظة الإذن من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملاحظة ما سمعته في صحيح الكابلي ، والله العالم.

وكل أرض فتحت صلحا فهي لأربابها حتى الموات في احتمال وفي آخر أنه للإمام عليه‌السلام ، ولعله الأقوى إذا لم يكن قد دخل في عقد الصلح صريحا أو ظاهرا وعلى كل حال فليس عليهم إلا ما صالحهم عليه الإمام عليه‌السلام أو نائبه به من نصف الحاصل أو ثلثه أو غير ذلك ، وليس عليهم غيره حتى الزكاة بناء على أن الصلح مقتض لإقرارهم على دينهم ، وهي غير واجبة عندهم بلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب إحياء الموات الحديث ٢ مع سقط في الجواهر.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ١ من كتاب إحياء الموات الحديث ٥ ـ ٠

١٧١

خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه ، لعموم ما دل (١) على مشروعية الصلح ، وخصوص بعض النصوص (٢) التي تسمعها إن شاء الله في أحكام الجزية ، بل في النهاية والغنية والوسيلة والمنتهى والتحرير والتذكرة وقاطعة اللجاج والرياض وغيرها تسمية هذه الأرض بأرض الجزية ، بل في الغنية والروضة وموضع من النهاية أن أرض الصلح هي أرض أهل الذمة ، ولعل المراد أنه الذي وقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلا فالظاهر من المصنف وغيره عدم الفرق بينهم وبين غيرهم ، لعموم أدلة الصلح ، وليس ذلك من الجزية المختصة بأهل الكتاب ، اللهمّ إلا أن يدعى اختصاص مشروعية الصلح بهم كالجزية.

وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال في أن هذه الأرض تملك على الخصوص وحينئذ ف يصح بيعها وغيره من التصرف فيها بجميع أنواع التصرف لعموم تسلط الناس على أموالها الذي هو مقتضى الصلح أيضا وحينئذ ف لو باعها المالك من مسلم صح وانتقل ما عليها إلى ذمة البائع الكافر كما في النهاية والغنية والجامع والنافع وكتب الفاضل والدروس وغيرها بل هو المشهور ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه ، بل لم يحك الخلاف فيه إلا من الحلبي ، فجعله على المشتري لكونه حقا على الأرض ، فيجب على من انتقلت إليه ولصحيح ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « عن شراء أرض أهل الذمة فقال : لا بأس ، فتكون إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب الصلح.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٨.

١٧٢

ذلك بمنزلتهم » ‌ونحوه‌ آخر (١) مضمر « يؤدي كما يؤدون » ‌وخبر محمد بن شريح (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء أرض الخراج فكرهه وقال عليه‌السلام : إنما أرض الخراج للمسلمين ، فقال إنه يشتريها الرجل وعليه خراجها ، قال : لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك » ‌بناء على أن المراد من أرض الخراج فيه أرض الصلح ولو بقرينة قوله عليه‌السلام : « إلا أن » إلى آخره باعتبار كون ذلك جزية عليهم وإن سمي بالخراج ، ولكن قد يناقش بظهوره في خصوص ما إذا اشترى على هذا الوجه ، ولعلنا نلتزمه للعمومات ، وليس هو من الجزية على المسلم ، بل يمكن تنزيل الصحيحين الأولين عليه إذا أريد الجزية من الخراج فيهما ، كما أنه يمكن منع تعلق الحق بالأرض على وجه يلحقها حتى لو انتقلت منه إلى غيره.

وبذلك يظهر لك أن الوجه عدم الفرق بين المسلم والكافر إذا اشتراها كما هو مقتضى إطلاق النهاية والنافع والتبصرة ، وإن كان قد يشعر ما في المتن وغيره من التقييد بالمسلم بخلافه ، بل أوضح من ذلك تعليل الحكم بأن المسلم لا جزية عليه ، لكن قد عرفت أن المتجه عدم الفرق لما سمعت ، بل منه ينقدح أنه لا وجه للإشكال في الحكم لو فرض كون عوض الصلح في الذمة وإن قدر بالثلث والربع ، لكن على معنى تقدير أداء هذا المقدار ولو من غيرها ، أما لو فرض كون عوض الصلح شيئا متعلقا بمنفعة العين فلا ريب في تبعيته حينئذ لها وإن انتقلت إلى غيره ، ولعله بذلك يكون النزاع لفظيا ، إذ احتمال كون عوض الصلح على البائع مطلقا حتى في الأخير محتاج إلى دليل ، وليس‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٧ ـ ٩

١٧٣

إلا ما تسمعه من نصوص (١) الجزية التي هي إن كانت على المال سقطت عن الرءوس ، وإن كانت على الرءوس سقطت عن المال ، ففي الفرض بناء على أنه من الجزية بعد انتقال المال منه إلى غيره تكون الجزية على رأسه كما لو تلف ، بل ينبغي ذلك أيضا حتى لو كان المشتري من أهل الذمة أيضا ، إذ كونه ممن يؤدي الجزية لا يقتضي الالتزام بجزية غيره التي كانت على المال دون رأسه ، والفرض انتقاله عنه وعلى كل حال فالتحقيق ما عليه المشهور ، خصوصا بعد ملاحظة الأصل والإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة ، مضافا إلى ما ذكرناه الذي يشهد له أيضا ما ذكره المصنف وغيره من كون هذا كله أي بيع الأرض وغيره من تصرف الملاك إذا صولحوا على أن الأرض لهم وفي ملكهم يتصرفون بها تصرف الملاك في أملاكهم إذ هو كالصريح في عدم تعلق حق للمسلمين فيها لا في العين ولا في المنفعة ، وحينئذ يتجه اشتغال ذمة البائع بعوض الصلح ، وأولى بذلك ما لو آجرها من في يده فإن الأجرة له وعوض الصلح عليه ، لكن في التذكرة والتحرير أنه على المستأجر كما عن الحلي وفيه بعد إلا مع الشرط كما في الدروس ، بل فيه منع واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه أما لو صولحوا على أن الأرض للمسلمين ولهم السكنى وعلى أعناقهم الجزية كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين ومواتها للإمام عليه‌السلام بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم بل ولا إشكال ، لعموم أدلة الصلح وخصوص النصوص (٢) الواردة في خيبر بناء على أنها منه ، مضافا إلى كون هذا الصلح من الفتح عنوة وبالسيف وقهرا ، ضرورة تعدد أفراده ، وما في بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدو.

(٢) الوسائل ـ الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ والباب ٧٢ منها الحديث ١ و ٢.

١٧٤

النصوص (١) من عد ما صولحوا عليه من الأنفال محمول على غير الفرض وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أن للإمام عليه‌السلام أن ينقص ويزيد في الصلح بعد انتهاء مدته على حسب ما يراه من المصلحة بل الظاهر أن ذلك لنائبه أيضا ، والله العالم.

ولو أسلم الذمي الذي صولح على أن الأرض له وعليها كذا وكذا سقط ما ضرب على أرضه وملكها على الخصوص كما في الغنية والقواعد والتبصرة والإرشاد والمنتهى والتحرير والتذكرة وغيرها بل لا أجد فيه خلافا ، بل هو من معقد إجماع الأول ، لأنه كالجزية أو جزية ولا شي‌ء منهما على المسلم اتفاقا نصا وفتوى ولأنه كمن أسلم طوعا ورغبة من غير قتال فإن كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا ورغبة كالمدينة والبحرين وبعض أطراف اليمن على ما قيل فهي لهم على الخصوص ، وليس عليهم فيها سوى الزكاة إذا حصلت شرائطها كما صرح به في النهاية والسرائر والجامع والنافع والإرشاد والتبصرة والقواعد والتحرير والتذكرة والمختلف واللمعة والروضة والمسالك وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا ولا إشكالا بعد معلومية حقن الإسلام الدم والمال ،وفي الصحيح (٢) « ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا ، يترك أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر مما عمر منها ، وما لم يعمر منها أخذه الوالي يقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين ، وليس فيما كان أقل من خمسة أوسق شي‌ء » ‌ونحوه المضمر الآخر (٣) ولعله لذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ ـ ١

١٧٥

اشترط في المنتهى والتحرير والتذكرة هنا القيام بعمارتها ، بل هو مقتضى ما في النهاية والغنية والجامع والمختلف والدروس والمسالك والروضة وغيرها بل في الدروس نسبته إلى الشهرة في الرواية ، بل هو من معقد إجماع الغنية ، بل في النهاية والتحرير والمسالك أنها حينئذ للمسلمين كالمحكي عن ابني حمزة والبراج ، وعن الشيخ وأبي الصلاح صرف حاصلها في مصالح المسلمين بعد إعطاء صاحب الأرض طسقها ، بل في قاطعة اللجاج نسبة ذلك إلى الشهرة ، ومقتضاه بقاؤها على ملك الأول الذي يعطي الأجرة.

ولعله هو الذي أشار إليه المصنف بقوله‌ خاتمة كل أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام عليه‌السلام تقبيلها ممن يقوم بها ، وعليه طسقها لأربابها كما في النافع والإرشاد والتبصرة والقواعد وموضع من التذكرة وإن كان عنوان الكلية فيه أعمّ من خصوص الأرض التي أسلم عليها أهلها كما هو مقتضى كلام السابقين ، وحينئذ فموضع الاختلاف في كلامهم مقامان : أحدهما دفع الطسق لأهلها وعدمه ، والآخر عموم الحكم لكل أرض ترك أهلها عمارتها ، أو اختصاص ذلك بأرض من أسلم أهلها عليها طوعا ، وليس في الصحيح المزبور والمرسل ذكر للطسق ، بل لا صراحة فيهما في خصوص العامرة التي أعرض أهلها عن الاستدامة على تعميرها ، فإن قوله عليه‌السلام : ما لم يعمر منها أخذه الوالي » إلى آخره ظاهر في فاقد التعمير من أصله ، وإن كان قد يشكل ذلك بكونه للإمام عليه‌السلام لا للمسلمين ، ضرورة اتفاق النص والفتوى على أن الموات من الأنفال ، ويمكن إرادة خصوص المتروكة منه ولو بمعونة كلام الأصحاب ، وفي المسالك في تفسير عبارة المتن « وذلك كالأرض المتقدمة التي أسلم أهلها عليها ، وأرض الجزية‌

١٧٦

وغيرها من المملوكات ، ولا تنحصر أجرتها فيما قبل به الإمام عليه‌السلام بل لهم الأجرة وما زاد من مال التقبيل لبيت المال ، لما تقدم من أن حاصلها يصير للمسلمين » وفيه مواضع للنظر تظهر لك إن شاء الله مما يأتي وفي محكي السرائر « فإن تركوا خرابا أخذها إمام المسلمين وقبلها من يعمرها ، وأعطى أصحابها طسقها ، وأعطى المتقبل حصته ، وما يبقى فهو متروك لمصالح المسلمين في بيت ما لهم على ما روي في الأخبار أورد ذلك شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله ، والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية فإنها تخالف الأصول والأدلة السمعية ، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه والتصرف فيه بغير إذنه واختياره ، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد » وهو صريح في تضمن النصوص الأجرة وإن كنا لم نعثر عليها وفي الدروس « لو أسلم قوم على أرضهم طوعا ملكوها ، وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع اجتماع الشرائط ، ولو تركوا عمارتها فالمشهور في الرواية أن للإمام عليه‌السلام تقبيلها بما يراه ويصرف في مصالح المسلمين » وفي النهاية « يدفع من حاصلها طسقها لأربابها والباقي للمسلمين » وابن إدريس منع من التصرف بغير إذن أربابها ، وهو متروك.

وفي الروضة كل أرض أسلم عليها أهلها طوعا كالمدينة المشرفة والبحرين وأطراف اليمن فهي لهم على الخصوص يتصرفون فيها كيف شاءوا ، وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع اجتماع الشرائط المعتبرة فيها ، هذا إذا قاموا بعمارتها ، أما لو تركوها فخربت فإنها تدخل في عموم قوله : وكل أرض ترك أهلها عمارتها فالمحيي أحق بها منهم لا بمعنى ملكه لها بالإحياء لما سبق من أن ما جرى عليه ملك مسلم لا ينتقل عنه بالموت ، فترك العمارة التي هي أعمّ من الموت أولى ، بل بمعنى استحقاقه التصرف فيها ما دام قائما بعمارتها وعليه طسقها أي أجرتها لأربابها الذين تركوا عمارتها ، أما عدم خروجها عن ملكهم فقد تقدم ، وأما‌

١٧٧

جواز إحيائها مع القيام بالأجرة فلرواية سليمان بن خالد (١) وهي دالة على عدم خروج الموات به عن الملك أيضا ، لأن نفس الأرض حق صاحبها ، إلا أنها مقطوعة السند ضعيفة فلا تصلح للحجية ، وشرط في الدروس إذن المالك في الإحياء ، فإن تعذر فالحاكم ، فإن تعذر جاز الإحياء بغير إذن ، وللمالك حينئذ طسقها ، ودليله غير واضح ، والأقوى أنها إن خرجت عن ملكه جاز إحياؤها بغير أجرة ، وإلا امتنع التصرف فيها بغير إذنه وقد تقدم ما يعلم منه خروجها عن ملكه وعدمه ، نعم للإمام عليه‌السلام تقبيل المملوكة الممتنع أهلها من عمارتها بما شاء ، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وفي قاطعة اللجاج « وثانيها أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال ، وحكمها أن تترك في أيديهم ملكا لهم يتصرفون فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرف إذا قاموا بعمارتها ، ويؤخذ منهم العشر أو نصفه زكاة بالشرائط ، فإن تركوا عمارتها وتركوها خرابا كانت للمسلمين قاطبة ، وجاز للإمام عليه‌السلام أن يقبلها ممن يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك ، وعلى المتقبل بعد إخراج حق القبالة ومئونة الأرض مع وجود النصاب العشر أو نصفه ، وعلى الإمام عليه‌السلام أن يعطي أربابها حق الرقبة من القبالة على المشهور أفتى به الشيخ في المبسوط والنهاية وأبو الصلاح ، وهو الظاهر من عبارة المحقق نجم الدين في الشرائع واختاره العلامة في المنتهى والتحرير والتذكرة والمختلف ، وابن حمزة وابن البراج ذهبا إلى أنها تصير للمسلمين قاطبة ، وأمرها إلى الإمام عليه‌السلام وكلام شيخنا رحمه‌الله قريب من كلامهما ، وابن إدريس منع من ذلك كله ، وقال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب إحياء الموات الحديث ٣.

١٧٨

إنها باقية على ملك الأول ، ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، وهو متروك ».

وفي الرياض بعد ذكر حكم الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا وأنها لهم قال : « ولا خلاف فيه إذا قاموا بعمارتها ، أما لو تركوها فخربت فإنها تدخل في عموم قوله أي في النافع : وكل أرض مملوكة ترك أهلها وملاكها عمارتها فللإمام عليه‌السلام أو نائبه تسليمها إلى من يعمرها بعد تقبيلها منه بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع وعليه أي على الإمام طسقها أي أجرتها لأربابها الذين تركوا عمارتها على المشهور على الظاهر المصرح به في الدروس وغيره ، بل لا خلاف فيه إلا من الحلي فمنع من التصرف فيها بغير إذن أربابها مطلقا ، وهو كما في الدروس متروك ، وبالخبرين المتقدمين محجوج ، وعن ابن حمزة والقاضي فلم يذكرا الأجرة بل قالا كالباقين إنه يصرف حاصلها في مصالح المسلمين ، كما هو ظاهر الخبرين ، لكنهما ليسا نصين في عدم وجوبها ، فلا يخرج بهما عن الأصل المقتضي للزومها ، وبه تتم الحكمة في جواز تصرف الإمام عليه‌السلام فيها بغير إذنهم ، نظرا إلى أنه إحسان محض ، وما على المحسنين من سبيل ، وبه يضعف مستند الحلي من قبح التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، لاختصاص ما دل عليه من العقل والنقل بغير محل الفرض »

قلت قد سمعت الصحيح (١) والمضمر (٢) الواردين في أرض من أسلم عليها أهلها ، وقد سمعت سابقا صحيح الكابلي (٣) المتقدم في شرح‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢ ـ ١

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب إحياء الموات الحديث ٢.

١٧٩

قول المصنف « وما كان مواتا وقت الفتح فهو للإمام خاصة » وفي‌ خبر معاوية بن وهب (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله ولمن عمرها » ‌وفي‌ خبر سليمان بن خالد (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ما ذا عليه؟ قال الصدقة قلت فإن كان يعرف صاحبها قال : فليؤد إليه حقه » ‌ونحوه صحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الإذن في تعمير الأراضي ، وخصوصا إذا بلغت حد الموات ، وأنه حينئذ يكون أحق بها من غيره ، مضافا إلى قاعدة الإحسان وإلى أولوية الإمام عليه‌السلام بالمؤمنين من أنفسهم.

وأما إعطاء الطسق الذي صرح به الفاضلان وثاني الشهيدين وغيرهم فلعله للجمع بين الحقين ، ولخبري الحلبي وسليمان بن خالد اللذين قد يظهر منهما بقاؤها على ملك الأول كما صرح به في الروضة ، بل قد يستفاد منهما ومن غيرهما الإذن منهم عليهم‌السلام في ذلك لكل أحد وأنه ليس عليه إلا الطسق والصدقة ، والباقي له ، ولعل هذا في غير الأرض التي أسلم عليها أهلها التي قد سمعت التصريح نصا وفتوى بأن ما زاد على مال القبالة أو مع الطسق للمسلمين يصرف في مصالحهم ، بل قد سمعت ما في قاطعة اللجاج من كون نفس الأرض للمسلمين بل هو المحكي عن نهاية الشيخ وابني حمزة والبراج والفاضل في التحرير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من كتاب إحياء الموات الحديث ١ ـ ٣ ـ ٣

١٨٠