جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قال : ولا نعلم فيه خلافا ، وظاهره بين المسلمين ، وهو الحجة بعد قوله تعالى (١) ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) بناء على كون المراد منها إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من ذوات الأزواج كما عن ابن عباس ، بل‌ عن أبي سعيد الخدري (٢) « أنه أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت » ‌وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) أنه قال : في سبي أوطاس : « لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض » ‌وهو ظاهر في انفساخ النكاح ، مؤيدا ذلك كله بأن ملك الرقبة أقوى من ملك النكاح ، فإذا طرأ عليه أزاله وغيره ، ولا فرق عندنا في انفساخ نكاح المرأة لو سبيت وحدها بين أن يسبى زوجها بعدها بيوم أو بأزيد أو بأنقص ، لما سمعته من إطلاق الدليل ، خلافا لأبي حنيفة فلا ينفسخ إن سبي زوجها بعدها بيوم ، وهو واضح الضعف.

وكذا ينفسخ النكاح عندنا كما في المنتهى ومحكي التذكرة لو أسر الزوجان معا لحدوث الملك للزوجة بمجرد السبي ، وهو مقتض لانفساخ النكاح كما عرفت وإن لم يحصل الملك للزوج إذا فرض كونه كبيرا ولم يكن قد اختار الإمام عليه‌السلام استرقاقه ، خلافا لأبي حنيفة وابن حنبل فلا ينفسخ ، لأن الرق لا يمنع ابتداء فلا يقطع استدامة كالعتق ، وهو مصادرة بعد ما عرفت من الآية والرواية وغيرهما ولا فرق في ذلك بين أن يسبيهما رجل أو رجلان للإطلاق ، لكن في المنتهى والوجه أنه إذا سباهما رجل واحد وملكهما معا أن النكاح باق ، وله فسخه ، وكذا لو بيعا من واحد ، وفيه أنه مناف لما هو‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ٢٨.

(٢) و (٣) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٢٤.

١٤١

كالمجمع عليه باعترافه واعتراف غيره من انفساخ النكاح بتجدد الملك كما عرفته سابقا في أفراد المسألة ، وكون المالك واحدا لا يقتضي عدمه وهو واضح.

نعم لو كان الزوجان مملوكين لم ينفسخ لأنه لم يحدث رق يقتضي انفساخ النكاح ، وإنما هو تبديل مالك بمالك آخر كالبيع ونحوه لكن لو قيل بتخير الغانم في الفسخ وعدمه كان حسنا كما يتخير لو ملكهما بالبيع ونحوه ، بل جزم به غير واحد ممن تأخر عن المصنف لعموم ولاية السيد على مملوكه الذي ( هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ) و ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، خلافا للمحكي عن المبسوط والسرائر لما سمعته من التعليل في المتن ، ويمكن أن يريدا عدم الانفساخ قهرا كما عرفته في أقسام المسألة ، اللهمّ إلا أن يكونا قد صرحا بعدم التخيير ولم يحضرنا عبارتاهما ، هذا ، وفي المسالك بعد أن ذكر أن ما حسنه المصنف حسن قال : وألحق به في التذكرة ما لو سباهما واحد وملكهما ، فلا ينفسخ النكاح إلا بفسخه ، وكأنه أراد به ما لو سباهما في حال الغيبة فيمن يدخل في إذن الإمام عليه‌السلام ، فإنه يملكهما دفعة ويتخير في نكاحهما وإلا كانت هي الأولى ، لأن مجرد السبي لا مدخل له في الحكم بالنسبة إلى الغانمين » قلت : الموجود في التذكرة ما سمعته سابقا من المنتهى في غير المملوكين ، وفيه ما عرفت.

ولو سبيت امرأة مثلا فصولح أهلها على إطلاق أسير في يد أهل الشرك فأطلق لم يجب إعادة المرأة كما في القواعد والإرشاد وغيرهما ، بل لا أجد فيه خلافا ، لفساد الصلح بحرمة أحد العوضين الذي لا يستحقون أسره ولكن لو اعتقت أي أطلقت بعوض مالي بأن صولح أهلها بمال جاز لعموم أدلة الصلح ما لم يكن‌

١٤٢

قد استولدها مسلم فلا يجوز له حينئذ نقلها بالصلح ، ولعل التعبير في المتن عن الإطلاق بالعتق باعتبار أن ردها إلى الكفار إطلاق لها من الملك فكان كالعتق ، ثم إن ظاهر المصنف عدم جواز الصلح على ردها متى استولدها مسلم مطلقا وإن لم يكن المالك لها ، بل في حاشية الكركي على الإرشاد « متى استولدها مسلم بحال من الأحوال لم ترد » ووجهه حيث تكون أم ولد له ما دل على عدم جواز نقل أمهات الأولاد أما غيرها فلا يخلو من إشكال أو منع ما لم يكن إجماع أو نحوه ، خصوصا بعد ما ستعرف من استرقاق الحربية الحاملة من مسلم ، لعموم الأدلة التي لا يكفي في تخصيصها مجرد احترامها من حيث كونها أم ولد مسلم ، والله العالم.

ويلحق بهذا الطرف مسألتان : الأولى إذا أسلم الحربي في دار الحرب حقن دمه وعصم ماله مما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة دون ما لا ينقل كالأرضين والعقار فإنها في‌ء للمسلمين ، ولحق به ولده الأصاغر ولو كان فيهم حمل بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك كما اعترف به غير واحد ، بل ولا إشكال بعد الأصل والعمومات وخصوص‌ خبر حفص بن غياث (١) المنجبر بما عرفت ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال إسلامه إسلام لولده الصغار وهم أحرار ، وولده ومتاعه ورقيقه له ، فأما الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك ، فأما الدور والأرضون فهي في‌ء ولا يكون له ، لأن الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم الإسلام ، وليس بمنزلة ما ذكرناه لأن ذلك يمكن احتيازه وإخراجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

١٤٣

إلى دار الإسلام » ‌بل منه يستفاد تبعية الولد للوالد في الإسلام والكفر كما أن منه يستفاد حكم الحمل ، ضرورة عدم اعتبار التولد في التبعية للوالد ، بل لعله أولى.

وحينئذ ف لو سبيت أم الحمل كانت رقا دون ولدها منه لما عرفته من تبعيته لوالده دونها ، فإنها باقية على الكفر الأصلي ومندرجة في عموم الأدلة وإطلاقها.

وكذا لو كانت الحربية حاملا من مسلم بوطء مباح كوطء الشبهة ونحوها.

ولو أعتق مسلم عبدا ذميا بالنذر بناء على اعتبار النذر في جواز عتق العبد الكافر كما عن الشيخ في النهاية في مقابل القول بالجواز مطلقا وعدمه كذلك ، كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب العتق.

وعلى كل حال ف لو لحق بدار الحرب فأسره المسلمون جاز استرقاقه لعموم الأدلة ، وقيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط لا يجوز استرقاقه لتعلق ولاء المسلم به ثم قال : « ولو قلنا يصح ويبطل ولاء المسلم كان قويا » لكن لم يفرضه كما فرضه المصنف من كونه معتقا بالنذر ، ولعله أولى ، لعدم ولاء للمعتق بغير التبرع ، ومن هنا قال في المسالك : « يمكن حمله على ولاء ضمان الجريرة بأن يتعاقد المولى والمعتق بعد العتق على ضمانها ، فيثبت ولاؤهما » وإن كان هو كما ترى ، كتعليل عدم الجواز بالولاء الذي هو غير صالح لتخصيص العموم ، ضرورة عدم منافاته له على معنى أنه إن مات سائبة يثبت الولاء ، وإلا فلا ، أو يقال ببطلان الولاء في الفرض المزبور كما سمعته في احتمال المبسوط.

١٤٤

هذا كله لو أعتقه المسلم وأما لو كان المعتق ذميا استرق إجماعا كما في محكي التذكرة والمنتهى ، وهو الحجة بعد العموم خلافا للشافعي في أحد وجهيه ، فلا يجوز ، لتعلق ولاء الذمي به ، ورد بأن سيده إذا التحق بدار الحرب جاز استرقاقه ، فعقده أولى ، وفيه نظر ، والعمدة الأول.

المسألة الثانية إذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه بشرط أن يخرج قبل مولا ه‍ ولو خرج بعده كان على رقه ، ومنهم من لم يشترط خروجه ، والأول أصح وأشهر ، بل المشهور إذ هو فتوى الشيخ في النهاية والإسكافي وابن إدريس والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل لم نجد فيه خلافا صريحا نعم قال في محكي المبسوط بعد أن أفتى بما عليه المشهور : « وإن قلنا إنه يصير حرا على كل حال كان قويا ، ولعله لعموم نفي السبيل (١) ولأن‌ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (٢) ‌وكان قول المصنف في النافع : « وفي اشتراط خروجه تردد » من ذلك ، ومن ظاهر‌ قوي السكوني (٣) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين حاصر أهل الطائف قال : أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد » ‌المنجبر بما عرفت والمعتضد‌ بالمروي من طرق العامة (٤) قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العبد‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ١٤٠.

(٢) كنز العمال ـ ج ١ ص ١٧ الرقم ٢٤٦ وجامع الصغير ج ١ ص ١٢٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤٤ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٤) المنتقى من أخبار المصطفى ج ٢ ص ٨٠٩ الرقم ٤٤٠٣.

١٤٥

وسيده بقضيتين ، قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر ، فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه ، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد رد على سيده» ‌وفي‌ آخر (١) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتق العبيد إذا جاءوا قبل مواليهم » ‌وبالأصل وقاعدة الاقتصار على المتيقن ، وليس هو إلا بعد الخروج ، وغير ذلك مما لا يخفى معه قوة القول بالاشتراط الذي لا ينافيه نفي السبيل بعد الإجبار على البيع أو الاغتنام من سيده بالقهر والغلبة وغير ذلك مما مر سابقا في البحث عما لو أسلم العبد في يد الكافر.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله المفروغية من حريته مع فرض خروجه قبل سيده نصا وفتوى ، بل عن المختلف الإجماع عليه ، وحينئذ فله أن يملك سيده لو كان صبيا أو امرأة ويغنم أموالهم هذا ، وفي المسالك بعد أن وافق المشهور قال : « للخبر ولأن إسلام العبد لا ينافي ملك الكافر له ، غايته أنه يجبر على بيعه ، وإنما يملك نفسه بالقهر لسيده ، ولا يتحقق إلا بالخروج إلينا قبله ، ولو أسلم بعده لم يملك نفسه وإن خرج إلينا قبله ، مع احتماله لإطلاق الخبر » قلت لا يخفى عليك كون المراد من الخروج إلينا في الخبر أنه أسلم خارجا إلينا ، ولذا قال المصنف : ولو أسلم في دار الحرب » على أن الحكم مخالف لأصالة بقاء الملك والسلطنة ، فالمتجه الاقتصار فيه على المتيقن وليس هو إلا من أسلم وخرج إلى المسلمين قبل مولاه ، أما غيره فيبقى على مقتضى الأصل المزبور ، نعم صرح بعضهم بعدم الفرق في الحكم المزبور بين الأمة والعبد ، مع أن ظاهر العبارة وغيرها الاقتصار على العبد ، وبالجملة فالمدار في الخروج عن الأصل المزبور على الدليل المعتبر‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٢٢٩.

١٤٦

والله العالم.

الطرف الخامس في أحكام الغنيمة وتمام الكلام يحصل بالنظر في الأقسام وأحكام الأرض المفتوحة وكيفية القسمة ، أما الأول فالغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات أو بغيره كما يستفاد من دار الحرب أو ما يحصل من حيازة المباحات أو نحو ذلك مما تقدم في كتاب الخمس الذي يشهد له مضافا إلى اللغة النصوص (١) المفسرة لها في الآية (٢) بالفائدة ، ولذا وجب الخمس عندنا في غير غنائم دار الحرب ، خلافا للعامة فخصوه بها بدعوى انسياق ذلك من قوله تعالى ( غَنِمْتُمْ ) أو نقلها إليه المردودة على مدعيها خصوصا بعد النص والفتوى على أنها مطلق الاستفادة بالتكسب ولو بالأعمال.

نعم النظر هنا يتعلق بالقسم الأخير الذي هو ما أخذته الفئة المجاهدة بالقهر والغلبة والحرب وإيجاف الخيل والركاب وهي أقسام ثلاثة : ما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة ، وما لا ينقل كالأرض والعقار ، وما هو سبي كالنساء والأطفال ، والأول ينقسم إلى ما يصح تملكه للمسلم ، وذلك يدخل في الغنيمة ، وهذا القسم مختص به الغانمون بعد الخمس والجعائل التي يجعلها الإمام عليه‌السلام أو نائبه للمصالح كالدليل على عورة أو طريق أو غير ذلك مما قرره الإمام عليه‌السلام أو نائبه من أجرة حافظ أو راع أو نحو ذلك فيبدأ بأخذ ذلك منها ثم يقسم الباقي بين الغانمين كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا بل عن الغنية والمنتهى الإجماع عليه ، بل لعله محصل ، مضافا إلى ما تقدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٢) سورة الأنفال ـ الآية ٤٢.

١٤٧

في الخمس من النصوص (١). وحينئذ ف لا يجوز لهم التصرف في شي‌ء منه إلا بعد القسمة والاختصاص كما عن الشيخ في النهاية والحلبي والقاضي والحلي منا ، والزهري عن العامة ، كغيره من الأموال المشتركة أو الإذن من ذوي الحق ، وفي‌ النبوي (٢) « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من في‌ء المسلمين حتى إذا خلقه رده فيه » ‌ونزع أمير المؤمنين عليه‌السلام إياهم حلل اليمن (٣) معلوم وقيل والقائل الشيخ في المبسوط والإسكافي والفاضل وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم يجوز لهم تناول ما لا بد منه كعليق الدابة وأكل الطعام من غير ضمان ولو كان غنيا ، والمتناول حيوانا للأكل للأصل وظاهر ما تسمعه من الأدلة ، وإن احتمله في المنتهى في الحيوان ، ولكن لا يخفى ضعفه ، بل لعله المشهور ، بل ربما ظهر من عبارة الإسكافي عدم الخلاف فيه ، بل في المنتهى قد أجمع أهل العلم على جواز التصرف في الطعام وعلف الدواب إلا من شذ » ونحوه في التذكرة ، لخبر مسعدة بن صدقة (٤) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا المشتمل على وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تحرقوا زرعا لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله » ‌وغيره (٥) من النصوص المعتضدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس والباب ١ من أبواب قسمة الخمس.

(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ٦٢.

(٣) سيرة ابن هشام ـ القسم الثاني ص ٦٠٣.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ ـ ٢٠

١٤٨

بقاعدة العسر والحرج ، خصوصا العلف ونحوه مما لا يمكن نقله إلى دار الحرب ولا شراؤه ولو لعدم الثمن ، وبالمروي في طرق‌ العامة عن ابن عمر (١) كنا نصيب العسل والفواكه في مغازينا فنأكله ولا نرفعه » ‌وعن عبد الله بن أبي أوفى (٢) « أصبنا طعاما يوم خيبر وكان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف » ‌بل قيل وبقوله تعالى (٣) ( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) وإن كان فيه ما لا يخفى.

نعم ينبغي الاقتصار فيما خالف قاعدة الشركة على المتيقن ، فلا يجوز مع عدم الحاجة كما صرح به الفاضل وغيره ، مضافا إلى‌ قوله عليه‌السلام في خبر مسعدة « لا تعقروا » ‌إلى آخره ، خلافا لبعض العامة ، بل ينبغي الاقتصار على ما جرت العادة بتناوله لا ما اتفق احتياجه لبعض الأفراد منهم ، كل ذلك لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على ما اقتضاه الدليل الشرعي ، ولذا قال في المسالك : « يجب الاقتصار على الأكل في دار الحرب والمفازة التي في الطريق ، أما عمران دار الإسلام التي يمكن الشراء فيها فيجب الإمساك فيها » لكن قال فيها أيضا وتناول الأدوية ونحوها في حكم الطعام دون غسل الثوب بالصابون وإن احتيج إليه ، وقد عرفت الإشكال في الأدوية ونحوها مما لم يكن معتادا تناوله ، ويؤيده ما في المنتهى قال : « الدهن المأكول يجوز استعماله في الطعام عند الحاجة ، لأنه طعام فأشبه الحنطة والشعير ولو كان غير مأكول فاحتاج إلى أن يدهن به أو يدهن به دابته لم يكن له ذلك إلا بالقيمة ، قاله الشافعي ، لأنه مما لا تعم الحاجة إليه ولا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٥٩.

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٢٤٩.

(٣) سورة الأنفال ـ الآية ٧٠.

١٤٩

هو طعام ولا علف ، وقال بعض الجمهور : يجوز استعماله ، لأن الحاجة إلى ذلك كالحاجة إلى الطعام » ولكن فيه أيضا : « يجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه كالجلاب والسكنجبين وغيرهما عند الحاجة ، لأنه من الطعام ، ولأنه محتاج إليه فأشبه الفواكه » وإن كان هو كما ترى والتحقيق ما عرفت ، فلا يجوز استعمال جلد الحيوان الذي ذبحه للأكل بجعله سقاء أو نعلا ، فلو فعل وجب عليه رده إلى المغنم ، وعليه أجرة المثل وأرش ما نقص باستعماله ، وليس له ما زاد بفعله ، لأنه متعد هذا ، وفي المنتهى « لا يجوز الانتفاع بجلودهم ولا اتخاذ النعال منها ولا الجورب ولا الخيوط ولا الحبال ، وبه قال الشافعي ، ورخص مالك في الحبل يتخذ من الشعر ، والنعل والخف يتخذ من جلود البقر ، لنا أنه مال مغنوم ، فلا يختص به بعض الغانمين كغير الطعام ، ولأنه‌ روي « أن قيس بن أبي حازم ، قال : إن رجلا أتى رسول الله صلى الله بكبة من شعر المغنم فقال يا رسول الله : إنا نعمل الشعر فهبها لي قال : نصيبي منها لك » ‌والظاهر أنه لو كان سائغا لما خص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العطية بنصيبه ، ولأنه مال مغنوم لا تدعو الحاجة العامة إلى أخذه ، فلم يجز كالثياب وغيرها » قلت : قد يناقش في أصل الموضوع بعد الإغضاء عن كثير مما فيه بأن الجلود التي توجد عندهم محكوم بكونها ميتة ، فلا تدخل في الغنيمة ، والله العالم.

وينقسم أيضا إلى ما لا يصح تملكه كالخمر والخنزير ونحوهما من كتب الضلال حتى التوراة والإنجيل المحرفين وهذا لا يدخل في الغنيمة قطعا بل ينبغي إتلافه كالخنزير أو يجوز إتلافه ويؤخذ طرفه غنيمة أو إبقاؤه للتخليل كالخمر لأنه‌

١٥٠

ليس مالا بالفعل ، وكتب الضلال إن أمكن الانتفاع بجلودها بل وبورقها بعد الغسل كانت غنيمة ، وإلا فلا ، وجوارح الصيد كالفهود والبزاة والكلاب غنيمة ، وفي المنتهى « ولو لم يرغب فيها أحد من الغانمين جاز إرسالها وإعطاؤها غير الغانمين ، ولو رغب فيها بعض الغانمين دفعت إليه ، ولا تحتسب عليه من نصيبه ، لأنه لا قيمة لها وإن رغب فيها الجميع قسمت ، ولو تعذرت القسمة أو تنازعوا في الجيد منها أقرع بينهم » ولا يخفى عليك ما فيه من الإشكال ، ضرورة كونها أموالا مقومة فحالها كحال باقي الغنيمة ، هذا ، وربما يستفاد من التخيير المزبور أن النجاسة لا تثبت بالقرائن الحالية ما لم يحصل العلم بها ، وإلا لم يطهر خمرهم بالتحليل ، لاحتمال نجاسته في أيديهم بغير الخمرية ، والله العالم.

فروع : الأول إذا باع أحد الغانمين غانما شيئا مما اغتنمه أو وهبه لم يصح سواء قلنا بملك الغانم حصته بمجرد الاغتنام والاستيلاء جمعوها في دار الحرب أو الإسلام كما صرح به غير واحد منا ، بل هو ظاهر الجميع كما أنه ظاهر الأدلة التي منها ما دل (١) على أن الخمس للإمام عليه‌السلام الظاهر في ملك غيره الباقي خصوصا بعد مقابلته بملك الإمام عليه‌السلام الجميع إن لم تكن الغنيمة بإذنه ولأنه كحيازة المباح ، وإلا بقي مالا بلا مالك بعد زوال ملك الكافر عنه ، أو قلنا بملكه مع الجمع في دار الإسلام كما عن أبي حنيفة ، أو باختيار التملك كما عن أبي إسحاق الشيرازي ، أو بالغنيمة بمعنى كونها موجبة له أو كاشفة عن حصوله بالاستيلاء ، وإن كان ما عدا الأول منها واضح الضعف ، ولا ينافيه خروجه عن الملك بالإعراض عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب قسمة الخمس.

١٥١

قبل القسمة بناء على زواله به في غير المقام من الأموال المملوكة ، ولا جواز تخصيص الإمام (ع) كل شخص أو طائفة بنوع من الأموال إجماعا كما عن المختلف ، ضرورة كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم على أن له الولاية هنا على هذا الوجه ، فيقسم بينهم حينئذ قسمة إجبار لا اختيار ولا عدم وجوب حق على أحد منهم قبل القسمة ، لعدم تمامية الملك التي هي شرط في وجوب الزكاة مثلا كما تقدم الكلام فيه في محله ، ولا دخول المدد والمولود بعد الحيازة معهم ، ضرورة كونه كملك الوقف الذي يتساوى فيه المتجدد والسابق مع فرض الجميع موقوفا عليهم ، وعلى كل حال فلا يصح البيع ولا الهبة ، أما على القول بعدم الملك فظاهر لاعتباره فيهما ، وأما عليه فللجهل بمقداره بل وبعينه ، لجواز تخصيص الإمام عليه‌السلام كلا منهم بعين.

ولكن يمكن أن يقال يصح في قدر حصته بل في المنتهى نسبته إلى القيل ، بل لا يخلو من قوة ، وإن نوقش بالجهل بقدرها وعدم العلم بالعين ، إذ يمكن تخصيص الإمام عليه‌السلام غيره بها ، إلا أنه قد يدفع بعدم اعتبار العلم بالقدر بعد أن كان البيع واقعا على العين المعينة التي يكفي العلم بها ، وجواز التخصيص لا ينافي صحة البيع حال البيع ، إذ أقصاه كون المشتري كالبائع في الاستحقاق وإن جاز للإمام عليه‌السلام التخصيص ، وبذلك يظهر لك حال ما في المنتهى وحاشية الكركي والمسالك وغيرها.

وكيف كان ف يكون الثاني أحق باليد على ما استولى عليه من المبيع أو الموهوب في قول صرح به الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما ، فلا يجب على المشتري رده على البائع أو الواهب ولا لهما‌

١٥٢

قهره عليه ، ضرورة تساويهما في الاستحقاق من حيث الاغتنام ويزداد ذو اليد بها كالبائع قبل البيع ، وفيه أنه مناف لاستصحاب أحقية الأول بعد فساد المعاملة التي كان الدفع من البائع بعنوان الصحة المفروض عدمها ، هذا ، وفي المسالك وقول المصنف « ويكون » إلى آخره معطوف على قوله : « لم يصح » لا على الاحتمال ، والمعنى أن البيع ونحوه وإن لم يصح لكن يكون المدفوع إليه أحق بما وصل إليه من الدافع » وفيه أن رجوعه إليهما كما أشرنا إليه في شرح العبارة أولى ، ضرورة ثبوت الأولوية المزبورة له على التقديرين بناء على ما سمعته من كلامهم وإن كان فيه ما عرفت ، بل لعل الأحقية على الثاني أولى ، والله العالم.

وعلى كل حال ف لو خرج هذا القابض إلى دار الحرب أعاده إلى المغنم لا إلى دافعه الذي قد عرفت ترجيح القابض عليه ، فهو حينئذ كالأمانة عنده لجميع المسلمين ، نعم لو دفعه إليه بهذا الاعتبار بعد فرض كونه مأمونا جاز ، إذ المراد أنه لا يستحق عليه الدفع إليه باعتبار اليد الأولى التي فرض زوالها باستيلاء الثاني ، ثم على القول بعدم جواز البيع لا فرق في الغنيمة بين ما جاز للغانم تناوله للحاجة وغيره ، إذ جواز التناول لها لا يجوز له البيع ونحوه مما يعتبر فيه الملك المفروض عدمه ، بل هو كتناول الضيف الطعام المباح له أكله الذي من المعلوم عدم جواز البيع له ، ومن هنا يتجه جواز مبايعة صاع بصاعين ، لعدم كونها مبايعة حقيقة ، بل هي مجرد مبادلة وانتقال من يد إلى يد ، ولو أقرض غانم غيره من الغانمين طعاما أو علفا من الغنيمة حيث يجوز له التناول لم يكن قرضا حقيقة ، لعدم ملكه إياه ، وإنما هو مباح له ، فإذا جعله في يد الغير كان حقه ثابتا عليه كالأول ولو فرض رده عليه كان المردود عليه أحق به ، لثبوت يده عليه ، لا‌

١٥٣

لأنه وفاء قرض ، إلى غير ذلك من الفروع التي أطنب فيها العامة مع اختلاف فيها بينهم ، إلا أنها واضحة الحكم على أصولنا.

هذا كله إذا كان القابض غانما وأما لو كان القابض من غير الغانمين لم تقر يده عليه بلا خلاف ولا إشكال على تقدير فساد البيع والهبة مثلا ، ضرورة عدم حق له في الغنيمة بخلاف الغانم ، كما هو واضح.

الثاني لا خلاف أجده بيننا في أن الأشياء المباحة في الأصل كالصيود والأشجار ونحوها في دار الحرب لا يختص بها أحد ، ويجوز تملكها لكل مسلم بل ولا إشكال ، ضرورة بقائها على الإباحة الأصلية ، وليست من الغنيمة في شي‌ء بعد أن لم تكن مملوكة لأهل الحرب ، خلافا لبعض العامة فجعلها منها وهو واضح الفساد ، نعم لو كان عليه أثر ملك وهو في دار الحرب كان غنيمة بناء على الظاهر من كونه ملكا لأهل الحرب نحو ما كان مثله في بلاد الإسلام كالطير المقصوص والأشجار المقطوعة والأخشاب المنجورة والأحجار المنحوتة بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال ، والله العالم.

الثالث لو وجد شي‌ء في دار الحرب يحتمل أن يكون للمسلمين ولأهل الحرب كالخيمة والسلاح ونحوهما فحكمه حكم اللقطة كما صرح به الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما ، لصدق تعريفها بأنها مال ضائع عليه ، فيعرف حينئذ سنة ، ويتخير الملتقط بين التملك وغيره نحو باقي أفراد اللقطة ولكن قيل والقائل الشيخ فيما حكي عنه يعرف سنة لصدق اللقطة ثم يلحق بالغنيمة لأنه لو كان له مالك مسلم لظهر وهو كما ترى تحكم بارد فإن التعريف سنة يقتضي اندراجها في موضوع اللقطة التي حكمها ما‌

١٥٤

عرفت نصا وفتوى ، وعدم ظهور المالك المسلم لا يقتضي كونها للحربي ودعوى ظهور وجدانها في ذلك تقتضي عدم وجوب التعريف سنة الذي هو حكم اللقطة ، بل تكون غنيمة كما هو واضح.

الرابع إذا كان في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين قيل والقائل الشيخ والفاضل وغيرهما فيما حكي ينعتق نصيبه بل لعله لازم القول بالملك بالاستيلاء والاغتنام الذي قد عرفت أنه قول أصحابنا ضرورة اندراجه فيما دل على الانعتاق ودعوى عدم شموله لمثل هذا الملك لضعفه وإمكان زواله واضحة المنع بعد ترتب الانعتاق بملك العامل نصيبه من الربح الذي يمكن زواله أيضا ، نعم لا يجب عليه أن يشتري حصص الباقين كما عن غير واحد التصريح به ، لأن الملك فيه قهري إذا كان السابي غيره ، أما إذا كان هو فالمتجه الانعتاق لكونه مختارا في سببه كما لو اشتراه ، إلا أن القائل أطلق ، ويمكن تنزيله على الأول وقيل ولكن لا نعرف القائل بعينه لا ينعتق إلا أن يجعله الإمام عليه‌السلام في حصته أو في حصة جماعة هو أحدهم ثم يرضى هو فيلزمه شراء حصص الباقين إن كان موسرا لعدم الملك قبل ذلك ، أو عدم اعتباره على وجه يترتب عليه الانعتاق ، لعدم تماميته إلا به ، وإن كان فيه منع واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ولعل اعتبار الرضا ليترتب عليه وجوب شراء حصص الباقين باعتبار كون الملك حينئذ فيه اختياريا ، أما مع عدم رضاه فلا يجب ، لكون الملك فيه حينئذ قهريا ، لما عرفت من أن الإمام عليه‌السلام يقسم الغنيمة بينهم قسمة إجبار لا تشهي واختيار ، فالمراد أنه حينئذ إن اتفق كون القسمة برضاه وجب عليه شراء حصص الباقين ، وإلا لم يجب ، لا أن رضاه معتبر في أصل القسمة.

١٥٥

هذا كله فيما ينقل من الغنيمة ، وأما ما لا ينقل كالأراضي فهو للمسلمين قاطبة بلا خلاف ولا إشكال فيه نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) وفيه الخمس باعتبار كونه من الغنيمة ولكن الإمام عليه‌السلام مخير بين إفراز خمسه لأربابه وبين إبقائه وإخراج الخمس من ارتفاعه وحينئذ فمقتضى ذلك ثبوت الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة الآن كما عن الشيخ وغيره التصريح به ، لكن قد ذكرنا في كتاب الخمس أن السيرة المستمرة في هذا الزمان على عدم إخراج من تمكن من شي‌ء منها ذلك بل النصوص (٢) التي تعرضت للخراج والإذن فيها للشيعة خالية أيضا عن ذلك ، بل في بعضها (٣) التصريح بكون الأرض وخراجها للمسلمين فيمكن أن يكون حين القسمة جعل الخمس في غيرها ، أو أنه مندرج في نصوص التحليل (٤) أو غير ذلك ، وعن بعض حواشي القواعد تقييد خروج الخمس منها بحال ظهور الإمام عليه‌السلام ، أما حال الغيبة ففي الأخبار أنه لا خمس فيها ، ولعله يريد ما ذكرنا من النصوص ، ولكن مع ذلك كله لا ريب في أن احتياط خروجه من ارتفاعها ، وتمام الكلام قد تقدم في كتاب الخمس.

وأما السبي كا لنساء والذراري ف لا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أنه من جملة الغنائم ولكن يختص بهم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٧١ ـ ٧٢ من أبواب جهاد العدو والباب ٢١ من أبواب عقد البيع من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

١٥٦

الغانمون وفيهم الخمس لمستحقه كغيرهم من غنائم دار الحرب المنقولة والله العالم.

الثاني في أحكام الأرضين ، كل أرض فتحت عنوة بفتح العين وسكون النون الخضوع ، ومنه قوله تعالى (١) ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ) والمراد هنا القهر والغلبة بالسيف وكانت محياة حال الفتح فهي للمسلمين قاطبة الحاضرين والغائبين والمتجددين بولادة وغيرها والغانمون في الجملة لا اختصاص لأحد منهم بشي‌ء منها بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، وإن توهم من عبارة الكافي في تفسير الفي‌ء والأنفال ولعله لذا نسب الحكم إلى المشهور في الكفاية ، لكنه في غير محله كما لا يخفى على من لاحظها ، بل في الغنية والمنتهى وقاطعة اللجاج للكركي والرياض وموضعين من الخلاف بل والتذكرة على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه ، بل هو محصل ، نعم عن بعض العامة اختصاص الغانمين بها كغيرها من الغنائم ، مضافا إلى‌ صحيح الحلبي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ومن لم يخلق بعد ، فقلت : الشراء من الدهاقين قال : لا يصلح إلا أن تشتري منهم على أن تصيرها للمسلمين ، فإن شاء ولي الأمر أن يأخذه فله ، قلت : فإن أخذها منه قال : رد إليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلتها بما عمل » ‌وصحيح أبي الربيع الشامي (٣) عنه (ع) أيضا « لا تشتر من أرض السواد‌

__________________

(١) سورة طه ـ الآية ١١٠.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٤ ـ ٥ من كتاب التجارة.

١٥٧

شيئا إلا من كان له ذمة ، فإنما هي في‌ء للمسلمين » ‌وصحيح صفوان (١) قال : « حدثني أبو بردة بن رجاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام كيف ترى في شراء أرض الخراج قال : ومن يبيع ذلك وهي أرض المسلمين ، قال : قلت : يبيعها الذي هو في يده قال : ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال : لا بأس اشترى حقه منها وتحول حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم » ‌وخبر محمد بن شريح (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه ، وقال : إنما أرض الخراج للمسلمين » ‌ومرسل حماد (٣) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام « الأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة بيدي من يعمرها ويحييها ، ويقوم عليها على صلح ما يصالحهم الإمام عليه‌السلام على قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثان على قدر ما يكون لهم صلحا ولا يضر بهم ، فإذا خرج منها نماها فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا ، ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح فأخذه الوالي فوجهه في الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم ( لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ ) و ( فِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ثمانية أسهم يقسمها بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير ، فإن فضل من ذلك شي‌ء رد إلى الوالي ، وإن نقص من ذلك شي‌ء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا ، ويؤخذ بعد ما يبقى من العشر فيقسمه بين الموالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها ، فيدفع إليهم أنصباءهم على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٩ من كتاب التجارة.

(٣) أصول الكافي ج ١ ص ٥٤١.

١٥٨

ما صالحهم عليه ، ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين وفي وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة ، وليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير » ‌إلى غير ذلك من النصوص.

والمراد بأرض السواد كما في المنتهى « الأرض المغنومة من الفرس التي فتحت في زمن عمر بن الخطاب ، وهي سواد العراق ، وحده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب ، ومن تخوم موصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة ، فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو إسلامي قبل شط عثمان بن أبي العاص ، وما والاها كانت سباخا مواتا فأحياها عمر بن العاص ، وسميت هذه الأرض سوادا لأن الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سموها السواد لذلك ، وهذه الأرض لما فتحت أرسل إليها عمر بن الخطاب ثلاثة أنفس : عمار بن ياسر على صلاتهم أميرا ، وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، وفرض لهم في كل يوم شاة شطرها مع السواقط لعمار ، وشطرها للآخرين ، وقال : ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريع خرابها ، ومسح عثمان بن حنيف أرض الخراج فقيل اثنان وثلاثون ألف ألف جريب ، وقيل ستة وثلاثون ألف ألف جريب ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكرم ثمانية دراهم ، وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم ، وعلى الحنطة أربعة دراهم ، وعلى الشعير درهمين ، ثم كتب بذلك إلى عمر فأمضاه » وروي أن ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم ، ولما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أمضى ذلك ، لأنه لم يمكنه المخالفة والحكم بما‌

١٥٩

عنده ، فلما كان زمن الحجاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم فلما ولى عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أول سنة ، وفي الثانية إلى ستين ألف ألف درهم ، وقال : لو عشت سنة أخرى لرددتها إلى ما كان في أيام عمر ، فمات تلك السنة.

وربما أشكل الاستدلال بخبري السواد بأنه لم يفتح بإذن الإمام عليه‌السلام فهو من الأنفال لا للمسلمين ، فيكون ما فيهما من الحكم بأنها لهم للتقية ، قال الشيخ بعد أن ذكر حكم هذه الأراضي المفتوحة عنوة : وعلى‌ الرواية (١) التي رواها أصحابنا « أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام عليه‌السلام فغنمت تكون الغنيمة للإمام عليه‌السلام خاصة » ‌تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت عنوة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام إن صح شي‌ء من ذلك يكون للإمام عليه‌السلام خاصة ، ويكون من جملة الأنفال التي له عليه‌السلام خاصة لا يشركه فيها غيره ، وربما يؤيد ذلك تعليلهم عليهم‌السلام لشيعتهم خاصة التصرف في نحو ذلك لتطيب مواليدهم وربما دفع بمنع اعتبار إذن الإمام عليه‌السلام في خصوص الأراضي ناسبا له إلى الشيخ في ظاهر المبسوط مستدلا له بإطلاق بعض الأصحاب أن الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، وعدهم أرض العراق والشام منها مع أنها لم تكن بإذن الإمام كإطلاق بعض النصوص ، ولكنه وهم واضح وكأنه لم يلحظ آخر عبارة الشيخ التي حكيناها عنه ، بل يمكن دعوى القطع باعتبار إذن الإمام عليه‌السلام في ذلك من غير فرق بين الأرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١٦ من كتاب الخمس.

١٦٠