جواهر الكلام - ج ٢١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل عن بعض مشايخنا دعوى الإجماع بقسميه عليه ، وإن كان لو لا ذلك لم يخل الحكم من نظر ، فلاحظ وتأمل.

قيل : ويلحق الخنثى المشكل والممسوح البالغان بالنساء في الاسترقاق للشبهة الدارئة للقتل ، وقد يناقش إن لم يكن إجماعا بأن ذلك لا يقتضي جواز الاسترقاق مطلقا إلا أن يثبت جواز استرقاقهم على وجه يكون ذلك كالأصل.

وعلى كل حال ف لو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالإنبات للشعر الخشن على العانة باللمس أو النظر فمن لم ينبت وجهل سنه ولم يحصل العلم بالبلوغ ولو من أمارات متعددة لم ينص الشارع عليها بالخصوص ألحق بالذراري بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك كما اعترف به بعضهم ، بل ولا إشكال ، ضرورة ثبوت البلوغ بالعلامة المزبورة التي اقتصر عليها هنا ، لغلبة عدم معرفة غيرها من السن ونحوه غالبا ، وإلا فلا فرق بينها وبين غيرها من علامات البلوغ ، وإن لم يتحقق شي‌ء منها فالأصل العدم ، وفي المنتهى وغيره أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بهذا وأجازه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي‌ خبر أبي البختري (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرضهم يومئذ على العانات ، فمن وجده أنبت قتله ، ومن لم يجده أنبت ألحقه بالذراري ».

ولو ادعى الاحتلام وكان ممكنا في حقه قبل كما عن بعضهم التصريح به ، لعموم ما دل على قبوله في غيره ، وتأمل فيه بعض الناس ، لكنه في غير محله ، نعم قد يتأمل فيما عن بعضهم من التصريح بالقبول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

١٢١

لو ادعى استعجال النبات بالدواء للشبهة الدارئة للقتل ، وإن نفى عنه البأس بعض الأفاضل ، والله العالم.

وكيف كان ف الذكور البالغون يتعين عليهم القتل إن أسروا وقد كانت الحرب قائمة ولم تضع أوزارها بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه وإن حكي عن الإسكافي أنه أطلق التخيير بين الاسترقاق والفداء بهم والمن عليهم ، ومقتضاه عدم القتل ، لكنه معلوم البطلان نصا وفتوى ، ففي‌ خبر طلحة بن زيد (١) المنجبر بما عرفت « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أبي يقول إن للحرب حكمين إذا كانت الحرب قائمة ولم يثخن أهلها ، فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم ، ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول الله عز وجل (٢) ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) الآية ، ألا ترى أن المخير الذي خير الله تعالى الإمام على شي‌ء واحد وهو الكفر ـ كما في الكافي ، وفي بعض النسخ « القتل » وفي التهذيبين « الكل » ـ وليس هو على أشياء مختلفة ، فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عز وجل ( أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) قال ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتى يهرب فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك ، والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها ، فكل أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام عليه‌السلام فيه بالخيار ، إن شاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٢) سورة المائدة ـ الآية ٣٧.

١٢٢

من عليهم فأرسلهم ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا » ‌واختلاف النسخ فيما سمعته من الحكم الذي لا مدخلية له فيما نحن فيه مع عدم وضوح معناه لا يقدح في دلالته على المطلوب كما أن الاستشهاد فيه بالآية التي هي في المحارب المسلم المشتملة على غير القتل كذلك أيضا ، مع احتمال كون المراد بذكرها التشبيه في الحكم في الجملة باعتبار كون الفرض من محاربي الله ورسوله وسعاة الفساد في الأرض ، ولعدم مشروعية الأسر قبل الإثخان ، قال الله تعالى (١) ( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وقال تعالى (٢) أيضا ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وفي كنز العرفان المنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام أن الأسير إن أخذ والحرب قائمة تعين قتله إما بضرب عنقه أو قطع يديه ورجليه ويترك حتى ينزف ويموت ، وإن أخذ بعد انقضاء الحرب تخير الإمام عليه‌السلام بين المن والفداء والاسترقاق ولا يجوز القتل ، ولو حصل منه الإسلام في الحالين منع القتل خاصة ولعله يرجع إليه ما قيل من أن في الآية تقديما وتأخيرا ، تقديره ( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، ثم قال : ( حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) ، وهو أولى مما عن الشافعية من أن الإمام مخير مطلقا بين القتل والمن والفداء والاسترقاق ، بل وما عن الحنفية‌

__________________

(١) سورة الأنفال ـ الآية ٦٨ و ٦٩ و ٧٠.

(٢) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٤.

١٢٣

من تخيير الإمام بين القتل والاسترقاق ، قيل فعلى قولهم الآية منسوخة أو مخصصة بواقعة بدر ، وظاهر الآية قريب من مذهب الشافعية ، وفيه أن الآية ظاهرة في منع القتل بعد الإثخان والأسر ، لقوله تعالى : ( فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) بل ظاهرها عدم الاسترقاق ولكن ثبت بالسنة وربما قيل إن الأسر كان محرما بقوله ( ما كانَ لِنَبِيٍّ ) ثم نسخ بهذه الآية ، ولعل تنزيل تلك على الأسر قبل الإثخان أولى من ذلك ، كما أن الظاهر توجيه اللوم فيها على من أشار على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفداء في السبعين أسيرا يوم بدر الذين كان أسرهم قبل الإثخان ، ثم تاب الله عليهم ، ويمكن أن يراد بعدم الإثخان فيها أنه قبل أن يقوى الإسلام لقلة المسلمين يومئذ لا عدم الإثخان في المحاربة المخصوصة التي هي محل البحث ، ولكن على كل حال فيها إشعار بعدم جواز الأسر قبل الإثخان ، والله العالم.

وكيف كان فالحكم المزبور مقيد بما لم يسلموا بلا خلاف أجده فيه ، بل عن التذكرة والمنتهى ، الإجماع عليه ، بل ولا إشكال ، ضرورة حقن الدم بالإسلام الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقتال عليه حتى يحصل ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم » ‌وفي‌ خبر الزهري (٢) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام « الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئا » ‌كما لا خلاف أجده في أن له المن عليه حينئذ ، بل ولا إشكال ، ضرورة أولويته بذلك من الأسر بعد تقضي الحرب ولما يسلم ، إنما الكلام في ضم الاسترقاق‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٨٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

١٢٤

والفداء إليه وعدمه ، فعن الشيخ التخيير بين الثلاثة ، بل لعله مقتضى إطلاق المصنف الآتي ، بل هو خيرة ثاني الشهيدين ، ولعله للجمع بين الخبر المزبور المقتضي لتعين الاسترقاق ، ولكن لا قائل به ، وبين المرسل (١) في المنتهى وغيره من أنه فادى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسيرا أسلم برجلين ، وما سمعته من أولوية ما نحن فيه من الكافر الذي أسر بعد تقضي الحرب ، بل قيل وإن كنا لم نعرف القائل بعينه. بتعينه ، لعدم دليل معتد به على جواز الاسترقاق والفداء بعد عدم جمع الخبرين المزبورين لشرائط الحجية ، وبعد منع أولويته بذلك من الأسر بعد تقضي الحرب وقد أسلم ، ضرورة كون إسلامه بعد تعلق حق الاسترقاق به ولو على التخيير ، فلا يسقط بالإسلام ، بخلاف الفرض الذي لا حكم له إلا القتل ولو لإهانته ، وقد سقط بالإسلام الذي هو مانع أيضا عن الاسترقاق ابتداء أيضا كالقتل ، مضافا إلى أصالة الحرية ، بل والفداء أيضا كذلك ، إذ هو فرع تعلق حق به يؤخذ الفداء عنه ، والمرسل السابق مع عدم الجابر له فيه أنه لا وجه ظاهر لرد المسلم للكفار ، اللهمّ إلا أن يكون ذا عشيرة تمنعه ، أو غير ذلك ، نعم لو قلنا بجواز استرقاقه في تلك الحال أو فدائه أو المن عليه أمكن حينئذ استصحابه ، ولكن ظاهرهم عدمه ، ومنه يظهر لك ما في استدلال بعض به ، اللهمّ إلا أن يقال : إن الأسر مقتض للاسترقاق باعتبار كونهم فيئا للمسلمين ومماليك لهم كما يأتي في بعض (٢) النصوص النافية للربا بينهم وبين المسلم وإن تعين قتله شرعا ، فيصح حينئذ استصحابه بعد سقوط القتل بالإسلام ، ويتبعه الفداء والمن ، ولعله لا يخلو من قوة‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٧٢ و ٢٢٦ وج ٦ ص ٣٢٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب الربا الحديث ٥ من كتاب التجارة.

١٢٥

ولكن الاحتياط بالاقتصار على المن أولى ، والله العالم.

وكيف كان ف الإمام عليه‌السلام مخير في كيفية القتل إن شاء ضرب أعناقهم وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم وتركهم ينزفون حتى يموتوا كما صرح به غير واحد ، بل هو المشهور بين الأصحاب بل ربما ظهر من بعض عدم الخلاف فيه ، بل من آخر دعوى الإجماع عليه للخبر المزبور (١) الذي قد زيد فيه كون القطع من الخلاف والاستدلال بالآية المذكور فيها مع ذلك الصلب بل والنفي من الأرض الذي لم أجد به قائلا هنا ، ولعله لذا مع ضعف الخبر المزبور واحتمال كون المراد المثال لأفراد القتل كالفتاوى خير القاضي فيما حكي عنه بين أنواع القتل ، للإطلاق ومعلومية مشروعية الإجهاز عليه كما صرح به غير واحد مع عدم الموت بالنزف ، بل إلى ذلك يرجع أيضا ما عن الحلبي من التخيير بين القتل والصلب ، وإلا فلا دليل عليه ، بل ظاهر ما سمعته من الخبر خلافه ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف ، وهو لا يخلو من قوة ، خصوصا بعد ما ذكره غير واحد من كون التخيير هنا تخيير شهوة لا اجتهاد في المصلحة ، لأن المطلوب قتلهم ، بخلاف التخيير الآتي فإنه تخيير اجتهاد فيما يراه من المصلحة باعتبار ولايته العامة ، ومع ذلك الأحوط اختيار أحد النوعين المذكورين في النص والفتوى ، وأحوط منه مراعاة المصلحة أيضا فيهما ، فإنه ربما يكون القطع أصلح باعتبار الرعب والرهب المقتضي لاتباع ضعيف العقيدة من الكفار للمسلمين ، وربما يكون ضرب العنق أصلح باعتبار آخر ، والله العالم.

وإن أسروا بعد تقضي الحرب لم يقتلوا ، وكان الإمام مخيرا بين المن والفداء والاسترقاق كما صرح به غير واحد ، بل هو المشهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

١٢٦

نقلا وتحصيلا ، بل في محكي التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا أجمع وهو الحجة بعد الخبر المزبور (١) المعتضد بظاهر الآية في المن والفداء الذي قد يستفاد منه الاسترقاق خصوصا بعد ما سمعته سابقا في خبر الزهري (٢) المعتضد بما في غيره من كونهم وما في أيديهم فيئا للمسلمين ومملوكين لهم ، خلافا للمحكي عن القاضي من زيادة القتل في أفراد التخيير ، ولا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، وبه يخرج عن إطلاق الأمر بقتلهم ، وعن ابن حمزة من التفصيل بين من يقر على دينه بالجزية كالكتابي فالثلاثة وبين غيره كالوثني الذي لا يقر على دينه فالمن والمفاداة ، ويسقط الاسترقاق ، بل في المختلف اختياره بعد أن حكاه عن الشيخ أيضا ، وفيه أنه غير مناف للاسترقاق كما في النساء منهم التي قد عرفت عدم الخلاف في استرقاقهن ، بل الإجماع بقسميه عليه ولذا كان صريح جماعة وظاهر الباقين عدم الفرق بين الجميع.

ثم إن ظاهر النص والفتوى إطلاق التخيير ، لكن الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه وثاني الشهيدين عينا الأصلح من الثلاثة ، لكونه الولي للمسلمين المكلف بمراعاة مصالحهم ، ومقتضاه عدم التخيير إلا مع التساوي في المصلحة ، فحينئذ يتخير تخيير شهوة ، ولا ريب في كونه أحوط ، وإن كان اجتهادا في مقابلة إطلاق التخيير من ولي الجميع الذي هو أعلم بالمصالح ، وليس هو من إطلاق تصرف الولي المنوط بالمصلحة كالوكيل ، ومع اختيار الاسترقاق أو المال فداء فلا ريب في أنه من الغنيمة التي يتعلق بها حق الغانمين كما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم ، ولا ينافيه تخيير الإمام عليه‌السلام بين ما يكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

١٢٧

غنيمة وغيره بعد أن كانوا هم الذين أسروه وقهروه ، وأقصى تخيير الإمام أن له المن عليه باعتبار كونه أولى من المؤمنين بأنفسهم ، فمع فرض اختياره المالية بالاسترقاق أو الفداء تعلق به حق الغانمين كأولياء القصاص إذا اختاروا الدية ، فإنه يتعلق بها حق الدين وغيره ، والله العالم.

وكيف كان ف لو أسلموا بعد الأسر لم يسقط عنهم هذا الحكم الذي هو التخيير بين الثلاثة بلا خلاف معتد به أجده فيه بل ولا إشكال ، للأصل والإطلاق ، نعم في محكي المبسوط قيل إن أسلم سقط عنه الاسترقاق ، لأن عقيلا أسلم بعد الأسر ففداه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يسترقه ، وفيه أن ذلك حكاية حال ، فلا تعم مع كون المفاداة أحد الأمور المخير فيها فاختارها لذلك لا لأصل عدم جواز الاسترقاق ثم إن ظاهر المتن كون الحكم المزبور للأسير بعد انقضاء الحرب وربما احتمل عمومه له قبل انقضائها ، وقد عرفت البحث فيه مفصلا كالمحكي عن الإسكافي من مضمون الخبر المزبور لو أسلم الأسير حقن دمه وصار فيئا ، وإلا فهو على إطلاقه ، خصوصا في مفروض المقام الذي لا قتل عليه فيه قبل الإسلام أيضا.

ولو عجز الأسير عن المشي لم يجب قتله ، لأنه لا يدري ما حكم الإمام عليه‌السلام فيه كما في المنتهى ومحكي التذكرة وغيرها من كتبه ، ولعل المراد عدم جواز القتل كما هو ظاهر النهاية والسرائر والنافع واللمعة والدروس والروضة وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل هو صريح بعضهم ، بل صرح أيضا بوجوب الإرسال ، والأصل في ذلك‌

١٢٨

قول علي بن الحسين عليهما‌السلام في خبر الزهري (١) « إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله ، فإنك لا تدري ما حكم الإمام فيه » ‌المنجبر بعمل من عرفت ، خصوصا ابن إدريس منهم الذي لا يعمل بالمعتبر من أخبار الآحاد فضلا عن غيره لكن في الدروس نسبة الأمر بإطلاقه إلى النهاية بعد أن حكم بعدم حل قتله ، وكأنه مشعر بتردده فيه ، قيل : ولعله لضعف الخبر ، ولأن القتل يتعين عليه فلا يجوز للمسلم أن يتركه وينصرف لما فيه من الإخلال بالواجب وتقوية الكفار ، بل ربما يؤدي ذلك إلى الاحتيال في الخلاص ، ورد بأنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر بالعمل ممن عرفت ، قلت : إن كان المراد من الأسير في محل البحث الذي أسر بعد انقضاء الحرب فلا إشكال في عدم جواز قتله على كل حال ، لما سمعته من النص والفتوى ، ولعله هو الظاهر منهما هنا ، ضرورة كونه الذي لا يعلم حكم الإمام فيه المن أو الفداء أو الاسترقاق ، وإن كان المراد الذي أسر قبل انقضاء الحرب على معنى عدم العلم بحكم الإمام في كيفية قتله ، بل ربما فسر به نحو عبارة المتن فقد يقال : إن عدم جواز قتله لكونه من الحد المختص بالإمام عليه‌السلام كالزاني المحصن وإن كان لا يخلو من نظر أو منع ، لكونه مشركا مأمورا بقتله أينما وجد ، وربما يؤيده في الجملة‌ خبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الإسناد عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل اشترى عبدا مشركا وهو في أرض الشرك فقال العبد : لا أستطيع المشي ، وخاف المسلمون أن يلحق العبد بالعدو ، أيحل قتله؟ قال : إذا خافوا فاقتله » ‌ونحوه‌ خبره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٢

١٢٩

الآخر (١) المروي عن كتاب مسائله لأخيه عليه‌السلام إلا أنه قال : « إذا خاف أن يلحق القوم يعني العدو حل قتله » ‌بل لعل المفروض أولى بالقتل ، لكونه غير مال ، هذا ، ولكن ذلك كله لا يكون وجها لما في الدروس من التردد في الأمر بإطلاقه بعد جزمه بحرمة قتله ، نعم قد يتردد في عدم جواز قتله مما سمعت ، بل ربما كان ذلك وجها لتعبير المصنف بعدم وجوب القتل بناء على كون مراده هذا الفرد من الأسير على معنى أن عدم الوجوب حينئذ للجمع بين ما دل على الأمر بقتل المشركين حيث وجدتموهم وبين ما دل على أن حكم الأسير للإمام عليه‌السلام ، وإن كان التحقيق ما عرفت ، بل الظاهر عدم جواز سحب الفرد الأول من الأسير مثلا بعنوان الإتيان به إلى الإمام عليه‌السلام على وجه يؤدي إلى قتله ، أما الثاني فلا يبعد جوازه ، لكونه متعين القتل وكيف كان ف لو بدر مسلم أو كافر فقتله أي الأسير بفرديه كان هدرا بلا خلاف أجده فيه بيننا ، لعدم احترامه فلا يترتب عليه دية ولا كفارة ، واحتمال استرقاق الإمام عليه‌السلام الفرد الأول منه أو مفاداته على وجه يكون غنيمة لا يوجب ضمانه قبل ذلك ، كما هو واضح.

ويجب أن يطعم الأسير ويسقى وإن أريد قتله في ذلك الوقت الذي يحتاج فيه إلى الإطعام كما صرح به غير واحد ، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب ، بل نفي الخلاف عنه عدا شاذ من المتأخرين ، محتجين عليه بصحيح أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢.

١٣٠

قول الله عز وجل (١) ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ) الآية قال : هو الأسير وقال : الأسير يطعم وإن كان يقدم للقتل ، وقال : إن عليا عليه‌السلام كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين » وبخبر مسعدة بن زياد (٢) المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « قال علي عليه‌السلام : إطعام الأسير والإحسان إليه حق واجب وإن قتله من الغد » ‌وبحسن زرارة وصحيحه (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إطعام الأسير حق على من أسره وإن كان يراد من الغد قتلته ، فإنه ينبغي أن يطعم ويسقى ويرفق به كافرا كان أو غيره » ‌ونحوه أخبار منصور بن حازم (٤) وجراح المدائني (٥) وسليمان بن خالد (٦) عنه عليه‌السلام أيضا ، ولكن الإنصاف انسياق الندب من النصوص المزبورة بملاحظة بعض القرائن فيها ، سيما خبر أبي بصير المشتمل على تفسير الآية المساقة للمدح ، مضافا إلى معلومية عدم احترام نفس المشرك الذي هو شر الدواب المؤذية ، بل طلب إتلافها نعم قد يقال بإطعامه لبقاء حياته حتى يصل إلى الإمام عليه‌السلام ، والله العالم.

ويكره قتله صبرا كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا ، لما في‌ صحيح الحلبي (٧) عن الصادق عليه‌السلام « لم يقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا صبرا غير عقبة بن أبي معيط وطعن‌

__________________

(١) سورة الدهر ـ الآية ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ٣٢ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ٦٦ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

١٣١

ابن أبي خلف فمات بعد ذلك » ‌ضرورة إشعاره بمرجوحيته التي لا ينافيها وقوعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحتمل رجحانه لمقارنة أمر آخر ، على أن الحكم مما يتسامح فيه.

والمراد بالقتل صبرا أن يقيد يداه ورجلاه مثلا حال قتله ، وحينئذ فإذا أريد عدم الكراهة أطلقه وقتله ، ولعل هذا هو المراد مما فسره به غير واحد ، بل نسبه بعض إلى المشهور من أنه الحبس للقتل ، وفي القاموس وصبر الإنسان وغيره على القتل أن يحبس ويرمى حتى يموت وقد قتله صبرا وصبره عليه ، وأما ما قيل ـ كما حكاه في المسالك من أنه التعذيب حتى يموت أو القتل جهرا بين الناس أو التهديد بالقتل ثم القتل ، وفي غيرها القتل وينظر إليه آخر ، أو لا يطعم ولا يسقى حتى يموت بالعطش والجوع ـ فلم أجد ما يشهد لها ، بل الأخير منها مناف لما سمعته من وجوب الإطعام والسقي ولكن قد نفى بعضهم البأس عن كراهة الكل للتسامح.

وكذا يكره حمل رأسه أي الكافر المقتول من المعركة لكونه تمثيلا أو كالتمثيل ، ولا شعار عدم نقل رأس كافر قط إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمرجوحيته في الجملة ، وللخوف من فعل مثله بالمؤمن ، مع أن الحكم مما يتسامح فيه ، نعم لو كان في نقله نكبة للكفار وقوة للمسلمين أمكن زوالها ، ولعله لذا حمل رأس أبي جهل ، بل في بعض الأخبار (١) حمل أمير المؤمنين عليه‌السلام رأس عمرو بن عبد ود. والله العالم.

ويجب مواراة الشهيد وغيره من المؤمنين دون الحربي وغيره من الكفار بلا خلاف ولا إشكال ، بل قيل لا يجوز دفنه بلا‌

__________________

(١) البحار ـ ج ٢٠ ص ٢٠٦ الطبع الحديث.

١٣٢

إشكال فيه ، وإن كان فيه نظر بل منع ، للأصل السالم عن معارضة حرمة التشريع بعد أن كان الدفن من المعاملة لا من العبادات ، فهو حينئذ في الكافر وغيره من الحيوانات حتى الكلب والخنزير على مقتضى الأصول ، والنهي في الصحيح (١) الآتي إنما يراد به في مقام توهم وجوب مواراة الجميع ولو للمقدمة ، فيراد منه حينئذ عدم وجوب ذلك إلا من كان كمشا.

وكيف كان ف إن اشتبه يوارى من كان كميش الذكر منهم كما صرح به جماعة منهم الفاضل والشهيد ، بل هو المحكي عن ظاهر الشيخ أيضا ، لحسن حماد بن عيسى أو صحيحه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر : « لا تواروا إلا من كان كميشا يعني من كان ذكره صغيرا ، قال : ولا يكون ذلك إلا في كرام الناس » ‌المعتضد‌ بالمرسل عن علي عليه‌السلام قال : « ينظر موتاهم فمن كان صغير الذكر يدفن » ‌والمناقشة في الأول بأنه مناف لحرمة النظر إلى العورة وبكونه قضية في واقعة لا عموم فيها يدفعها إمكان النظر بواسطة جسم شفاف ترتسم فيه العورة أو التزام الجواز هنا للضرورة إلى التمييز المرجح على الحرمة بالصحيح أو غير ذلك ، وملاحظة التعليل الظاهر في كون ذلك علامة للمؤمن ، وحينئذ يتجه كون الصلاة كذلك كما عن المبسوط التصريح به ، فإنه بعد أن ذكر مضمون الخبر المزبور قال : « فعلى هذا يصلى على من هذه صفته ، وإن قلنا إنه يصلى على كل واحد منهم منفردا بنية شرط إسلامه‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ٦٥ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

١٣٣

كان احتياطا ، وإن قلنا إنه يصلي عليهم صلاة واحدة وينوي بالصلاة الصلاة على المؤمنين منهم كان قويا » هذا ، ولكن في السرائر بعد نسبة الصحيح المزبور إلى الشذوذ أوجب القرعة في الدفن ، لأنها لكل أمر مشكل ، قال : « وأما الصلاة عليهم فالأظهر من أقوال أصحابنا أن يصلى عليهم بنية الصلاة على المسلمين دون الكفار » ولعله بناء على أصله من عدم العمل بخبر الواحد وإن كان معتبر السند ، إلا أن المتجه مع الإعراض عنه دفن الجميع للمقدمة التي بها يرتفع الإشكال ، فينتفي موضوع القرعة ، ودعوى تعارض مقدمة الحرام بمقدمة الواجب باعتبار حرمة دفن الكافر يدفعها ما عرفت من عدم دليل على حرمته ، ومن هنا قال في التنقيح بعد ذكر الخبر المزبور دليلا لما في النافع : ولو قيل بدفن الكل احتياطا كان حسنا ، أما مع التأذي بهم فيدفنون جميعا كل ذلك مضافا إلى الإغضاء عما ذكره من الفرق بين الدفن والصلاة مع أن القرعة كما يكشف بها موضوع الأول يكشف بها موضوع الثاني والصلاة على كل واحد بنية أنها على المسلم يأتي مثلها في الدفن ، واحتمال إرادة التعليق في نية الصلاة على الإسلام مناف للجزم في النية نعم لو جمع الجميع وصلى على المسلمين منهم بنية واحدة وكان على وجه لا فساد فيه من حيث البعد مثلا اتجه الصحة حينئذ ، وبذلك كله ظهر لك ما في المحكي عن المختلف من العمل بالنص في الدفن بخلاف الصلاة فاختبار ما سمعته من السرائر ، وكيف كان فالأقوى العمل بالخبر المزبور بعد جمعه لشرائط الحجية ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط والله العالم.

وحكم الطفل ذكر أو أنثى تابع لأبويه في الإسلام والكفر وما يتبعهما من الأحكام كالطهارة والنجاسة وغيرهما بلا خلاف أجده‌

١٣٤

فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى إمكان القطع به من السنة ففي الصحيح (١) « عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث قال كفار » وفي الخبر (٢) « أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة » وفي المرسل (٣) « أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم ، وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم » ‌مضافا إلى قول الله تعالى (٤) ( أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) وإلى خصوص ما ورد في المواضع المتفرقة كجواز إعطاء أطفال المؤمنين من الزكاة والكفارات (٥) وجواز العقد عليهم مطلقا (٦) مع اشتراط الإسلام في جميع ذلك ، وإلى تغسيلهم والصلاة عليهم وغيرهما مما لا يحتاج إلى بيان.

وحينئذ فالطفل المسبي حكمه حكم أبويه المسبيين معه فإن أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم كحالهم قبل السبي ، قال حفص بن غياث (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار ، وولده ومتاعه ورفيقه له ، فأما‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) البحار ـ ج ٥ ص ٢٩٥ ـ ٢٩٤ ـ ٢٩٢ الطبع الحديث.

(٤) سورة الطور ـ الآية ٢١.

(٥) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب المستحقين للزكاة والباب ١٧ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٦) الوسائل ـ الباب ١١ و ١٢ من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح.

(٧) الوسائل ـ الباب ٤٣ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

١٣٥

الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك ، فأما الدور والأرضون فهي في‌ء فلا يكون له ، لأن الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم الإسلام ، وليس بمنزلة ما ذكرناه ، لأن ذلك يمكن احتيازه وإخراجه إلى دار الإسلام » ‌مضافا إلى قاعدة‌(١) « أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » ‌وإلى لحوق الولد بأشرف أبويه في الحرية ، ففي الإسلام أولى ، وحينئذ فهو مسلم وإن سبي مع الكافر منهما مع فرض إسلام الآخر من أبويه ولو في دار الحرب.

وأما إن سبي الطفل منفردا عن أبويه الكافرين قيل والقائل الإسكافي والشيخ والقاضي فيما حكي عنهم واختاره الشهيد يتبع السابي في الإسلام كما هو المحكي عن المخالفين أجمع لأن الدين في الأطفال يثبت تبعا ، وقد انقطعت تبعيته لأبويه بانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما ، ومصيره إلى دار الإسلام تبعا لسابيه المسلم ، فكان تبعا له في الدين ، ولقوله عليه‌السلام (٢) « كل مولود يولد على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه » ‌أي وهما معه ، فإذا انقطع عنهما وزالت المعية انتفى المقتضي لكفره فيرجع إلى الفطرة ، معتضدا ذلك بنفي الحرج ونحوه ، ولكنهما معا كما ترى ، ولذا كان ظاهر المصنف وغيره التوقف ، بل صرح غير واحد بعدم التبعية في الإسلام ، للأصل وإطلاق ما سمعته من التبعية التي لا‌

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ١ ص ١٧ الرقم ٢٤٦ وجامع الصغير ج ١ ص ١٢٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤٨ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ وصحيح مسلم ج ٨ ص ٥٢ المطبوع عام ١٣٣٤.

١٣٦

دليل على انقطاعها بانقطاعه عنهما ، وإخراجه عن دارهما ومصيره إلى دار الإسلام ، على أن القائل بالتبعية للسابي لا يعتبر فيها كونه في دار الإسلام ، بل لو سباه وبقي معه في دار الكفر لتجارة ونحوها تبعه فيه أيضا ، كما أنه لو انفرد ولد الذميين عنهما تبعا لمسلم في دار الإسلام لا يرتفع عنه الكفر إجماعا مع تحقق المفارقة ، ودعوى أن العلة مركبة من المفارقة وملك المسلم ودار الإسلام لا دليل عليها ، والخبر المزبور ظاهر في إرادة أن المولود لو خلي ونفسه لاختار الإسلام عند بلوغه ، ولكن أبواه يهودانه وينصرانه بتلقينهما ذلك إياه على وجه يختارهما عند البلوغ ، لمكان تعليمهما ، وإلا لو كان المراد أن المولود ولادته على الإسلام بمعنى أنه محكوم بإسلامه لو لا تبعيته لأبويه لانحصر المرتد في الفطري ، ولم يكن مرتد عن ملة ، اللهمّ إلا أن يكون الفرق بينهما بالتبعية المزبورة وعدمها.

وعلى كل حال فلا ظهور فيه ، بل ربما كان ظاهرا في العكس باعتبار دلالته على التبعية بمجرد الولادة التي مقتضى الأصل بقاؤها حتى لو انفرد عنهما ، ودعوى اشتراطها بكونه معهما لا دليل عليها ، بل مقتضى الإطلاق خلافها ، كما أن مقتضى استصحاب التبعية المزبورة انقطاع أصل الطهارة به ، ونفي الحرج في الدين يمكن منع تحقق موضوعه كما في سبي النساء ، واستئجار الكافرين ونحو ذلك مما يمكن الانتفاع به وهو على نجاسته.

ومن ذلك يظهر لك ما في القول بتبعيته للسابي في الطهارة خاصة دون باقي أحكام الإسلام كما قربه الفاضل في القواعد وتبعه ولده في الشرح والكركي في حاشيته على الكتاب ، وهو المحكي عن ابن إدريس لأصالة الطهارة السالمة عن معارضة يقين النجاسة ، وللحرج وللاقتصار‌

١٣٧

في الرخصة على موضع اليقين ، إذ لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في الأولين ، وأما الأخير فإن ثبت إجماع عليه فذاك ، وإلا كان محلا للمنع ، ودعوى منع شمول إطلاق دليل التبعية للفرض ، والاستصحاب إنما يكون حجة حيث يسلم عن المعارض ، وفي محل البحث ليس بسالم ، لمعارضته باستصحاب طهارة الملاقي ، يدفعها مضافا إلى ما سمعت أن التحقيق عندنا تحكيم استصحاب النجاسة على استصحاب طهارة الملاقي كما ذكرناه في محله ، ومع التسليم فهو لا يقتضي الطهارة ضرورة كون المتجه حينئذ العمل بهما معا بتحكيم نجاسة المسبي وطهارة ملاقيه كما التزمه القائل في مواضع كثيرة ، وهو غير المدعى من طهارة المسبي ، ومن الغريب ما ذكره هذا القائل بعد اعترافه بأن المتجه ما ذكرناه بناء على تعارض الاستصحابين ، لكن قال : « حيث أن المهم هنا هو طهارة الملاقي أو نجاسته مع عدم وجود الإجماع المركب المقطوع به على تعارض الاستصحابين تعين القول بطهارته في هذا الفرع » إذ هو كما ترى لا حاصل له ، فالعمدة حينئذ الإجماع إن تم كما عرفت.

هذا كله مع سبيه منفردا عنهما ، أما إذا سبي مع أحدهما فلا خلاف في بقائه على الكفر ، بل في الرياض هو بحكم الكافر قولا واحدا منا لكن في المسالك بعد أن نسب البقاء على حكم الكفر إلى صريح الشيخ قال : مع احتمال العدم على مذهبه ، لما تقدم من أن الحكم بكفره في الخبر أي خبر الفطرة معلق على الأبوين ، فلا يثبت مع أحدهما إلا أن دلالة المفهوم ضعيفة ، قلت : مع احتمال أو ظهور كون المراد كل منهما لا مجموعهما.

ولو مات الأبوان بعد سبيهما معا فمقتضى دليل الشيخ تبعيته الآن للسابي ، لكنه وافق هنا على عدم الحكم بإسلامه محتجا بأنه مولود‌

١٣٨

من كافرين ، فإذا ماتا أو مات أحدهما لم يحكم بإسلامه كما لو كانا في دار الحرب ، وبأنه كافر أصلي فلا يحكم بإسلامه بموت أبويه كالبالغ ولا يخفى عليك جريان هذا بعينه فيما لو انفرد عنهما ، ولا فرق في شمول الخبر المزبور لهما.

كما أنه لا يخفى عليك ما يتفرع على القولين في التغسيل والتكفين والصلاة عليه إن بلغ الست ، ضرورة جريان حكم المسلم عليه على القول بالتبعية بخلافه على القول الآخر وإن قلنا بطهارة ملاقيه ، وكذا لو بلغ ، فإنه على الأول يحكم بإسلامه وإن لم يسمع منه والاعتراف به كولد المسلم ، بخلافه على القول الآخر ، بل الظاهر عدم الحكم بطهارته حتى يصف الإسلام بعد بلوغه وإن قلنا بها قبل البلوغ ، مع احتمال استصحابها ما لم يعلم عدم الإسلام منه ، لكن في المسالك الجزم بعدم الحكم بطهارته بعد البلوغ ، إلا أن يظهر الإسلام كغيره من أولاد الكفار ، قال : « ينبغي لمن ابتلي بذلك أن يعلمه ما يتحقق معه الإسلام قبل البلوغ ، ويستنطقه به عند البلوغ ليتحصل الحكم بالطهارة ـ ثم قال ـ : ولو اشتبه سنه وبلوغه بني على أصالة العدم ، فيستصحب الطهارة على القول الثاني ، إلا أن يعلم ، وينبغي مراعاته عند ظهور الأمارات المفيدة للظن بالاختبار لعانته وتكرار الإقرار بالشهادتين في مختلف الأوقات » قلت لعل المتجه بناء على ما ذكرناه من الاحتمال عدم تكلف ذلك وإن كان لا يحكم بإسلامه حتى يسمع منه الاعتراف ، إلا أنه مستصحب الطهارة حتى يتحقق منه عدم الإسلام ، واحتمال الاكتفاء بأصالة عدم وصفه الإسلام محل بحث أو منع.

ولا يجوز تبعيته لغير المسلم بناء على القول الأول بخلافه على الآخر ، وربما احتمل العدم أيضا لتشبثه بالإسلام واتصافه منه ببعض‌

١٣٩

الأحكام بخلاف الكافر المحض ومن هو بحكمه ، وبهذا يظهر أن القول بتبعيته في الطهارة خاصة ليس هو أحوط القولين ، بل الحكم بإسلامه أحوط في الأمر الأول والأخير ، قلت لكن لا يخفى عليك ضعف الاحتمال المزبور.

ولو مات قريبه المسلم وله وارث مسلم فعلى الأول يشاركه إن كان في درجته ، ويختص إن كان أقرب ، وعلى الثاني الإرث للآخر خاصة ، ولو فرض أنه بلغ قبل القسمة مع تعدد الوارث وأسلم شارك أو اختص على الثاني ، ولو لم يكن لقريبه الميّت وارث سواه اشتري من التركة وورث على الأول ، وكان الميراث للإمام على الثاني إلى غير ذلك من الأحكام التي لا يخفى عليك جريانها بأدنى التفات ، والله العالم.

تفريع إذا أسر الزوج البالغ لم ينفسخ النكاح للأصل وغيره بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن ظاهر المنتهى ، الإجماع عليه ، بل في المسالك هو موضع وفاق عندنا ، نعم عن أبي حنيفة الانفساخ بناء منه على ملك البالغ بالأسر الذي قد عرفت بطلانه عندنا ، وأن الإمام عليه‌السلام مخير فيه بين المن والفداء والاسترقاق إذا كان قد أسر بعد تقضي الحرب وحينئذ ف لو استرق باختيار من الإمام عليه‌السلام انفسخ النكاح لتجدد الملك الموجب لانفساخ نكاحه بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل لعله إجماع ، فيكون هو الحجة وإلا فلا تنافي بين تجدد الملك وبقاء النكاح كما لا ينافيه بعد الملك وكذا لو كان الزوج الأسير طفلا أو امرأة انفسخ النكاح لتحقق الرق بمجرد السبي فيهما ، وقد عرفت اقتضاءه انفساخ النكاح ، بل في ظاهر المنتهى ومحكي التذكرة الإجماع عليه في الثانية ، بل في الأول منهما دعواه صريحا فيها لو سبيت وحدها ، بل‌

١٤٠