جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان فقد ظهر لك من جميع ما ذكرنا أن المراد من الآية التخيير في النفر بين اليومين لمن التقى الصيد والنساء ولم يكن قد غربت عليه الشمس وهو فيها كما عرفت ، أما غير المتقي فلا ينفر إلا في النفر الثاني ، نعم ربما أشكل بأن نفي الإثم عن الثاني يعطي كونه مظنة له ، مع أنه أفضل باعتبار اشتماله على الإتيان بمناسك اليوم الثالث ، فلا يتوهم تقصيره كي يحتاج الى نفيه عنه كالنفر الأول ، ويدفع باستعمال نحو ذلك فيما لا يراد منه هذا المعنى نحو رفع الحرج والجناح في التقصير والطواف مع إرادة العزيمة منهما ، وبأن المراد الرد على أهل الجاهلية القائل بعضهم بالإثم على المعجل وبعضهم بالإثم على المؤخر ، وبأن المراد عدم الإثم عن المؤخر لمن زاد على مقام ثلاثة على معنى أن القيام بمنى ينبغي أن يكون ثلاثة ، فمن نقص فلا إثم عليه ، ومن زاد على الثلاثة لا إثم عليه ، وبأن ذلك رعاية للمقابلة نحو قوله تعالى (١) ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) وبأن المراد عن ذلك دفع ما يتوهم من المفهوم الأول المقتضي ثبوت الإثم على غير المعجل ، كما يومي اليه‌ صحيح أبي أيوب (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنا نريد أن نعجل السير وكانت ليلة النفر حين سألته فأي ساعة ننفر؟ فقال : أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس وكانت ليلة النفر ، وأما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله تعالى ، فان الله جل ثناؤه يقول ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، ولو سكت لم يبق أحد إلا تعجيل ، ولكنه قال ( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) » وبغير ذلك مما لا فائدة مهمة تترتب عليه ، والله العالم.

والنفر الثاني هو اليوم الثالث عشر بلا خلاف نصا وفتوى ولا إشكال فمن نفر في اليوم الأول لم يجز إلا بعد الزوال إلا لضرورة أو حاجة‌

__________________

(١) سورة الشورى الآية ٣٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٤.

٤١

كما صرح به غير واحد ، بل نفي الخلاف عنه جماعة ، بل في المدارك الإجماع عليه ، لكن في محكي التذكرة أنه قرب فيها استحباب التأخير ، ووجه بأن الواجب انما هو الرمي والبيتوتة ، والإقامة في اليوم مستحبة كما مر ، فإذا رمى جاز النفر متى شاء ، قال : ويمكن حمل كثير من العبارات عليه ، ويؤيده‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال » وإن حمل على الضرورة أو الحاجة ، وفيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى وما سمعته من الإجماع المعتضد بنفي الخلاف ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، وإن تأخرت إلى آخر أيام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا شي‌ء عليك أي ساعة نفرت ، ورميت قبل الزوال أو بعده » وسأل أيضا في صحيح الحلبي (٣) « عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس فقال : لا ولكن يخرج ثقله إن شاء ولا يخرج هو حتى تزول الشمس » الى غير ذلك من النصوص التي منها ما سمعته في صحيح أبي أيوب (٤) مضافا الى ضعف الخبر المزبور ولا جابر ، وإلى احتماله الضرورة أو الحاجة. فلا وجه للجمع بالكراهة أو الندب بعد عدم المقاومة ، واستحباب الإقامة على وجه يجوز له النفر قبل الزوال محل منع ، فالمتجه حينئذ ما عليه الأصحاب.

وأما النفر في الثاني فلا خلاف كما اعترف به في محكي المنتهى وغيره في أنه يجوز قبله للأصل والنصوص السابقة والإجماع المحكي عن التذكرة والغنية ، مع أنه في الأخير لم يجوز الرمي إلا بعد الزوال كالمحكي عن الإصباح ، فيعلم من ذلك اتفاق الجميع هنا على القول المزبور ، نعم ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٤.

٤٢

المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين الامام وغيره ، لكن عن التهذيب والنهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والغنية والإصباح أنه يجوز يوم النفر الثاني المقام الى الزوال وبعده إلا للإمام خاصة ، فعليه أن يصلي الظهر بمكة ، ولعلهم يريدون الندب كما في محكي التحرير والتذكرة ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن ابن عمار (١) « يصلي الامام الظهر يوم النفر بمكة » وخبر أيوب بن نوح (٢) « كتبت اليه أن أصحابنا قد اختلفوا علينا فقال بعضهم : إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل ، وقال بعضهم : قبل الزوال ، فكتب عليه‌السلام أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى الظهر والعصر بمكة ، فلا يكون ذلك إلا وقد نفر قبل الزوال » بل ظاهره استحباب ذلك لغير الإمام أيضا.

ثم إنه لا يخفى عليك سقوط الرمي في اليوم الثالث عمن نفر في النفر الأول وفي محكي المنتهى نفي الخلاف عنه ، لكن قال : يستحب أن يدفن الحصى المختصة بذلك اليوم ، وأنكره الشافعي ، وقال : إنه لا يعرف فيه أثرا ، بل ينبغي أن يطرح أو يدفع الى من لم يتعجل ، ولم يذكر الأثر الدال على ما ذكره من الدفن ، ولم نعثر عليه ، نعم في‌ الدعائم (٣) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « من تعجل النفر في يومين ترك ما يبقى عنده من الجمار بمنى » ولا دلالة فيه على الدفن ، والأمر سهل.

وينبغي للمقيم بمنى أن يوقع صلاته كلها في مسجد الخيف فرضها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١ عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وكذلك في الكافي ج ٤ ص ٥٢٠ الطبع الحديث ، ولكن الشيخ ( قده ) رواه عن الكليني بالإسناد عن معاوية بن عمار بدل « حماد عن الحلبي » في التهذيب ج ٥ ص ٢٧٣ الرقم ٩٣٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢.

٤٣

ونقلها ، وأفضله في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه ، وهو من المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعا من جهة القبلة ، وعن يمينها ويسارها وخلفها كذلك ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « صل في مسجد الخيف وهو مسجد بمنى ، وكان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها ويسارها وخلفها نحوا من ذلك ، فان استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل ، فإنه قد صلى فيه ألف نبي ، وانما سمي مسجد الخيف لأنه مرتفع عن الوادي وما ارتفع عن الوادي يسمى خيفا ».

مضافا الى ما دل على فضل الصلاة فيه مائة ركعة وست ركعات والتسبيح والتحميد والتهليل ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر الثمالي (٢) : « من صلى في مسجد الخيف من مني مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما ومن سبح الله تعالى فيه ماءة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة ، ومن هلل الله فيه ماءة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه ماءة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل الله » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « صل ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة » ولعل المراد عند المنارة.

وأسماء أيام منى على الراء : العاشر يوم النحر ، والحادي عشر يوم النفر (٤) والثاني عشر يوم النفر ، والثالث عشر يوم النفر ويوم الصدر ، وتسمى ليلته ليلة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) وفي الدروس والمدارك « يوم القر ».

٤٤

التحصيب ، وعن المبسوط هي ليلة الرابع عشر كما تقدم الكلام فيه سابقا ، وأيام التشريق أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر هي المراد بالمعدودات في قوله تعالى (١) ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ، فَمَنْ تَعَجَّلَ ) الآية ، كما أن المراد بالمعلومات في قوله تعالى (٢) ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) أيام العشر في المشهور بل عن روض الجنان أنه مذهبنا ، وعن مجمع البيان أنه المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام ، وعن الخلاف نفي الخلاف عن الأول الذي ربما يؤيده إشعار اللفظ بالقلة ، وقوله تعالى ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) كما أنه يدل على الأمرين‌ صحيح حماد (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال علي عليه‌السلام في قول الله عز وجل ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ ) أيام العشر ، وقوله ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) : أيام التشريق » وبتفسير المعدودات خاصة حسن محمد بن مسلم (٤) عن الصادق عليه‌السلام وخبر الحميري (٥) المروي عن قرب الإسناد ، والعياشي في المحكي عن تفسيره عن رفاعة (٦) عنه عليه‌السلام ، لكن أرسل في محكي التبيان عن الباقر عليه‌السلام العكس وهو المحكي عن الشيخ في النهاية والزجاج والفراء لأن الذكر يدل على التسمية على ما ينحر ويذبح من البهائم ، بل هو المحكي عن التذكرة أيضا ، قال‌ قال الصادق عليه‌السلام في الصحيح : « قال أبي قال علي عليهما‌السلام ( اذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ )

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٩.

(٢) سورة الحج الآية ٢٨ و ٢٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٧.

٤٥

عشر ذي الحجة ، وأيام معلومات أيام التشريق » وعن الخلاف عن ابن جبير اتحادهما ، وفي الدروس عن الجعفي أنهما أيام التشريق ، وبه خبر الشحام (١) عن الصادق عليه‌السلام ، وعن معاني الأخبار للصدوق في خبر أبي الصباح (٢) عنه عليه‌السلام « ان المعلومات أيام التشريق » والأمر سهل وإن كان الأظهر الأول ، والله العالم.

وفي النافع والقواعد وغيرهما يستحب للإمام أن يخطب وعن التحرير بعد صلاة الظهر ، وعن المنتهى بعد العصر من اليوم الثاني ويعلم الناس ذلك أي وقت النفر الأول والثاني ، وفي الدروس وغيرها « وينبغي أن يعلمهم أيضا كيفية النفر والتوديع ، ويحثهم على طاعة الله تعالى وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة والثبات على طاعة الله تعالى ، وأن يكونوا بعد الحج خيرا منهم قبله ، وأن يذكروا ما عاهدوا الله عليه من خير » ولا بأس بذلك كله.

ومن كان قضى مناسكه بمكة جاز أن ينصرف حيث شاء بلا خلاف ولا إشكال ، بل الظاهر الإجماع عليه ، للأصل والنصوص ، كخبر الحسين بن علي السري (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟ فقال : إن كان قضى نسكه فليقم ما شاء ، وليذهب حيث شاء » وقال أيضا في خبر إسحاق بن عمار (٤) : « كان أبي عليه‌السلام يقول : لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة » وغيرهما نعم من بقي عليه شي‌ء من المناسك كطواف ونحوه عاد وجوبا لتداركه بلا إشكال ولا خلاف.

مسائل : الأولى من أحدث ما يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا ولجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم والمشرب بأن لا يمكن من ماله ، بل يطعم ويسقى مالا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١.

٤٦

يحتمله مثله عادة أو ما يسد الرمق كما عن بعض حتى يخرج ، ولو أحدث في الحرم قوبل بما تقتضيه جنايته فيه كل ذلك مع أنه لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف اللثام ، للنصوص التي وإن لم تكن مشتملة على لفظ التضييق المزبور لكن يمكن إرادته منها ولو بمعونة الفتاوى ومراعاة بعض العمومات ، بل الأولى تفسيره بما فيها ، بل في المسالك حكايته عن بعض واستحسنه ، قال معاوية بن عمار (١) في الصحيح : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل في الحرم فقال : لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم ، فيقام عليه الحد ، قلت : فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال : يقام عليه الحد في الحرم صاغرا ، لأنه لم ير للحرم حرمة ، وقد قال الله تعالى (٢) ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) فقال : هذا في الحرم ، وقال (٣) ( فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ ) » وسأله عليه‌السلام الحلبي (٤) أيضا في الحسن عن قول الله عز وجل (٥) ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) قال : « إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فر الى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر علي بن أبي حمزة (٦) في قول الله عز وجل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) : « إن سرق سارق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٠.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٨٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢.

(٥) سورة آل عمران الآية ٩١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٣.

٤٧

بغير مكة أو منى جناية على نفس ففر إلى مكة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ ، وإذا أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه » ولكن‌ أرسل في الفقيه (١) عن الصادق عليه‌السلام « ان من بال في الكعبة معاندا أخرج منها ومن الحرم وضربت عنقه » ولعله محمول على ضرب من الندب.

وكيف كان ففي المسالك عن بعض إلحاق مسجد النبي ومشاهد الأئمة عليهم‌السلام به ، ولعله لا يخلو من وجه وإن نسبه الى الندرة فيها ، واستضعفه سبطه في المدارك ، وتمام الكلام في المسألة قد ذكرناه في كتاب الحدود ، فلاحظ وتأمل.

المسألة الثانية المشهور أنه يكره أن يمنع أحد الحاج والمعتمرين من سكنى دور مكة ، وقيل والقائل الشيخ فيما حكي عنه : يحرم لما عن الفخر من أن مكة كلها مسجد ، لقوله تعالى (٢) ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) وكان الاسراء به من دار أم هاني ، وإن كان هو كما ترى مناف للإجماع بقسميه على عدم كونها مسجدا ، مع منع كونه في الدار المزبورة ، على أنه يمكن أن يكون أسري به منها الى المسجد الحرام ثم منه إلى المسجد الأقصى ، وعن ابن إدريس الاستدلال بالإجماع والأخبار المتواترة ، قال : « وإن لم تكن متواترة فهي متلقاة بالقبول » وفيه منع واضح ، والأولى الاستدلال بظاهر قوله تعالى (٣) ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) مؤيدا بما تسمعه من النصوص المفسرة له بذلك ، فلا يرد ما عن السرائر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) سورة الإسراء الآية ١.

(٣) سورة الحج الآية ٢٥.

٤٨

من أن الضمير فيه للمسجد الحرام ، بل منها يعلم كون المراد به الحرم أو مكة كما في آية الاسراء ، وبما ورد من ذم معاوية حيث كان أول من علق المصر أعين ومنع الحاج حقه ، قال الصادق عليه‌السلام في حسن الحسين بن أبي العلاء (١) : « إن معاوية أول من علق على بابه المصر أعين بمكة ، فمنع حاج بيت الله ما قال الله عز وجل ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) وكان الناس إذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجه ، وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى (٢) : ( فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ ، إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ) وكان فرعون هذه الأمة » وقال أيضا في حسنه الآخر (٣) في قوله تعالى ( سَواءً ) إلى آخره « كانت مكة ليس على شي‌ء منها باب ، وكان أول من علق على بابه المصر أعين معاوية بن أبي سفيان ، وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور والمنازل » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر يحيى بن أبي العلاء (٤) : « لم يكن لدور مكة أبواب ، وكان أهل البلدان يأتون بقطراتهم فيدخلون فيضربون بها ، وكان أول من بوبها معاوية لعنه الله » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح البختري (٥) : « ليس ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا ، وذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١ وتمامه في الكافي ج ٤ ص ٢٤٤.

(٢) سورة الحاقة الآية ٣٢ و ٣٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٥ عن حفص بن البختري وهو الصحيح كما في التهذيب ج ٥ ص ٤٦٣ الرقم ١٦١٥.

٤٩

يقضوا حجهم » وقال عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) المروي عن العلل بعد أن سأله عن قول الله عز وجل ( سَواءً ) الآية : « لم يكن ينبغي أن يوضع على دور مكة أبواب ، لأن للحاج أن ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم ، وإن أول من جعل لدور مكة أبوابا معاوية لعنه الله » وفي‌ خبر الحسين ابن علوان (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام المروي عن قرب الإسناد « انه نهي أهل مكة أن توجر دورهم وأن يغلقوا أبوابا ، وقال ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) قال : وفعل ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليه‌السلام حتى كان في زمن معاوية » وفي‌ خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « ليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من الدور ينزلونها » إلا أن شهرة الأصحاب والتعبير بلفظ « لا ينبغي » ونحوه رجح الكراهة.

ولذا كان الأول أصح وكونها مفتوحة عنوة لا يمنع من الأولوية واختصاص الآثار بمن فعلها ، وحينئذ فيجوز أخذ الأجرة خلافا لأبي على فحرمها ، ولعله لما سمعته من خبر قرب الاسناد الذي لا جابر له ، فليحمل على الكراهة ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه ، ولعله لذلك استحب للحاج أن يدفع ما يدفع لأجرة حفظ رحله لا أجرة ما ينزله ، وربما كان في حرمة الأجرة لو قلنا بها إيماء إلى حرمة المنع عن النزول ، وقد ذكرنا في كتاب المكاسب بعض ما يشهد لما هنا فلاحظ وتأمل.

المسألة الثالثة قال الشيخ وجماعة على ما في المدارك يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة لاستلزامه الإهانة لها ، وفي كشف اللثام حكاه عن الشيخ وابن إدريس ، ثم قال : ولم أره في كلامهما ، نعم نهى عنه القاضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ـ ٨.

٥٠

وهو يحتمل الحرمة وقيل والقائل المشهور كما في كشف اللثام يكره وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، وما يشعر به‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة » ثم البناء يشمل الدار وغيرها حتى حيطان المسجد ، وظاهر رفعه أن يكون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة ، فلا يكره البناء على الجبال حولها مع احتماله ، خصوصا مع التسامح في الكراهة ، والله العالم.

المسألة الرابعة لا تحل عند المصنف وغيره تملك لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة ، وتعرف سنة ، ثم إن شاء تصدق بها ولا ضمان عليه ، وإن شاء جعلها في يده أمانة وقد أشبعنا الكلام في المسألة وجميع أطرافها وفروعها في كتاب اللقطة ، والحمد لله تعالى ، فلاحظ وتأمل.

المسألة الخامسة إذا ترك الناس زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجبروا عليها لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حفص وهشام وحسين الأحمسي وحماد ومعاوية بن عمار وغيرهم (٢) : « لو أن الناس تركوا ، الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين » وظاهره وجوب الإجبار على ذلك وعلى الحج وعلى المقام في الحرمين ولكن على الكفاية ، والمناقشة بأن ذلك لا يدل على الوجوب الذي عقابه أخروي بخلافه فإن عقابه ـ وهو الإجبار ـ دنيوي واضحة الفساد ، ضرورة عدم مشروعية الإجبار على غير الواجب ، نعم قد يقال : إنه لا بعد في الخبر بترك الكل المندوب بعد ورود الصحيح المعتضد بالعمل به ، فهو حينئذ نحو الجبر على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

٥١

الأذان الذي ذكره الشهيدان ، قال ثانيهما : « قد اتفقوا على أن إجبار أهل البلد على الأذان بل على قتالهم إذا أطبقوا على تركه ».

وفي المتن والنافع ومحكي المختصر والتذكرة والمنتهى الاستدلال لذلك بما يتضمن من الجفاء المحرم وذكر غير واحد أنهم أشاروا بذلك إلى‌ النبوي « من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفاني » ففي‌ خبر أبي حجر الأسلمي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي في الكافي قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائرا أوجبت له شفاعتي ومن أوجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعترض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا الى الله عز وجل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر » ولكنه كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب. بل قيل في حرمة الجفاء نظر ، على أنه لو تم لوجب إجبار كل واحد من الحاج عليها ، وهو مناف لكونها مندوبة على الآحاد ، وعلى كل حال فهو ليس نصا في الوجوب ، ونحوه المحكي عن النهاية والمبسوط والجامع ، وعن ابن إدريس حمله على تأكد الندب ، وحينئذ فالظاهر عدم إرادة من علل الإشارة الى الخبر المزبور ، ويمكن إرادته أنها وإن كانت مندوبة على الآحاد ولكن إذا اتفق الجميع أو الحاج على تركها كان جفاء له ، ولا ريب كما في الرياض أنه حرام ، فيجب على الوالي إجبارهم على تركه ، وفيه إمكان منع الحرمة في مثل هذا الجفاء الذي هو ترك الزيارة المفروض استحبابها ، على أنه فرض المسألة في النافع في ترك الحاج لها لا الناس ، ودعوى تحقق الجفاء المحرم بترك الزيارة المندوبة واضحة المنع ، على أنه يأتي في جميع زيارات الأئمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٣.

٥٢

عليهم‌السلام ، فالعمدة في المسألة الصحيح المزبور الذي حمله على ما هو المنساق منه من وجوب ذلك كفاية فيجبرون عليه لو تركوه أولى من حمله على ندب يجبرون عليه للدليل مراعاة لقاعدة الإجبار ، ولعل التزامه في الأذان بعد تسليم الإجماع المزبور أولى من تخصيص قاعدة عدم جواز الإجبار على ما يجوز للعبد تركه ، ومع فرض تسليمه فهو مخصوص به للإجماع المفروض ، فلا يتعدى منه للمقام.

ثم إنك قد عرفت سابقا جواز المضي حيث شاء لمن نفر من منى إذا لم يكن عليه شي‌ء من المناسك ( النسك خ ل ) في مكة ولكن لا خلاف عندنا في أنه يستحب العود إلى مكة لمن قضى مناسكه لطواف وداع البيت بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص الواردة في توديع البيت ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك فودع البيت وطف أسبوعا ، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط فافعل ، وإلا فافتح به واختم ، فان لم تستطع ذلك فموسع عليك ، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قدمت مكة ، ثم تخير لنفسك من الدعاء ، ثم استلم الحجر الأسود ، ثم ألصق بطنك بالبيت ، واحمد الله وأثن عليه وصل على محمد وآله ، ثم قل : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك ، اللهم كما بلغ رسالتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك وأوذي فيك وفي جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرضوان والعافية مما يسعني أن أطلب أن تعطيني مثل الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١.

٥٣

أعطيته أفضل من عبدك تزيدني عليه ، اللهم إن أمتني فاغفر لي ، وإن أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك ، اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك حتى أوصلتني حرمك وأمتك ، وقد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي ، فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي فازدد عني رضي ، وقربتي إليك زلفى ، ولا تباعدني ، وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى من بيتك داري ، وهذا أوان انصرافي إن كنت أذنت لي غير راغب عنك ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا به ، اللهم احفظني من بين يدي وعن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي ، واكفني مئونة عبادك وعيالي ، فإنك ولي ذلك من خلقك ومني ، ثم ائت زمزم فاشرب منها ، ثم اخرج فقل آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون الى ربنا راغبون الى ربنا راجعون ، فإن أبا عبد الله عليه‌السلام لما أن ودعها وأراد أن يخرج من المسجد خر ساجدا عند باب المسجد طويلا ، ثم قام فخرج » وفي‌ خبر إبراهيم بن أبي محمود (١) قال : « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام ودع البيت فلما أراد أن يخرج من باب المسجد خر ساجدا ثم قام فاستقبل الكعبة فقال : اللهم اني أنقلب على لا إله إلا الله » وفي‌ خبر الحسين بن علي الكوفي (٢) « قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام في سنة خمس عشرة ومائتين ودع البيت بعد ارتفاع الشمس وطاف بالبيت يسلم الركن اليماني في كل شوط ، فلما كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٣ عن الحسن بن علي الكوفي وهو الصحيح إذ ليس في الرواية الحسين بن علي الكوفي ، هذا ولكن الموجود في الكافي ج ٤ ص ٥٣٢ والتهذيب ج ٥ ص ٢٨١ الرقم ٩٥٩ عن الحسن بن علي الكوفي عن علي بن مهزيار قال : « رأيت. إلخ ».

٥٤

وجهه بيده ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين ، ثم خرج الى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ثم وقف عليه طويلا يدعو ثم خرج من باب الحناطين وتوجه قال : ورأيته في سنة تسع عشرة ومائتين ودع البيت ليلا يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل شوط ، فلما كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل وكشف الثوب عن بطنه ثم أتى الحجر فقبله ومسحه وخرج الى المقام فصلى خلفه ، ثم مضى ولم يعد الى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية » وفي‌ خبر قثم بن كعب (١) قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إنك لتدمن الحج قلت : أجل ، قال فليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول : المسكين على بابك فتصدق عليه بالجنة » وفي‌ خبر أبي إسماعيل (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هو ذا أخرج جعلت فداك فمن أين أودع البيت؟ قال : تأتي المستجار بين الحجر والباب فتودعه من ثم ، ثم تخرج فتشرب من زمزم ، ثم تمضي ، فقلت أصب على رأسي فقال : لا تقرب الصب » الى غير ذلك من النصوص ، إلا أنه ليس واجبا عندنا ، للأصل والنصوص (٣) التي تقدم بعضها ، وفي‌ خبر هشام بن سالم (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع الى أهله قال : لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه » وفي‌ خبر علي (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل لم يودع البيت قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ و ١٤ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١ والباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢.

٥٥

لا بأس به إذا كانت به علة أو كان ناسيا » ومنهما يفهم شدة تأكد الاستحباب ، وعن أحمد والشافعي في قول وجوبه حتى أوجبا في تركه دما.

ويستحب أمام ذلك في يومه أو قبله وإن قال المفيد في المحكي عنه إذا ابيضت الشمس يعني يوم الرابع صلاة ست ركعات بمسجد الخيف بمنى كما عن المقنعة والنهاية والمبسوط ، لخبر أبي بصير (١) المتقدم ، لكن لا دلالة فيه على استحباب ذلك أمام العود ، بل ظاهره استحباب الصلاة في المكان المزبور لشرفه ، كخبر الثمالي (٢) المتقدم المشتمل على صلاة ماءة ركعة فيه ، وغير ذلك ، إلا أن أمر الاستحباب مما يتساهل فيه.

وكيف كان فـ ( آكده استحبابا عند المنارة ) المعبر عنها في خبر الثمالي (٣) بالصومعة التي في وسطه ، وفوقها إلى جهة القبلة بنحو ثلاثين ذراعا وعن يمينها ويسارها كذلك بل وخلفها كما سمعته في الخبر (٤) ولكن تركه المصنف وغيره إلا الشيخ في المحكي من مصباحه ، فقال : من كل جانب ، ولم أعرف له وجها ، وربما تكلف إرادتهم ذلك من قولهم « عند المنارة » خصوصا إذا تعلق قولهم بنحو من ثلاثين ذراعا به وبالفوق ، والأمر سهل ، ولعل وجه التأكد حمل ما في خبر أبي بصير (٥) من الأمر بصلاة الست في مسجد منى في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة وهو خبر أبي بصير.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٥٦

الصومعة على التأكد وإن كنا لم نعثر على رواية مطلقة بصلاتها فيه ، نعم في خبر الثمالي ما يدل على استحباب الصلاة في مسجد الخيف مائة ركعة كما سمعته سابقا ، والله العالم.

ويستحب التحصيب لمن نفر في الأخير أي النزول في وادي المحصب وأن يستلقي فيه كما صرح بذلك كله غير واحد من الأصحاب ، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بالإجماع عليه ، قال معاوية بن عمار (١) : « إذا نفرت وانتهيت إلى الحصبة وهي البطحاء فشئت أن تنزل قليلا فإن أبا عبد الله عليه‌السلام قال : كان أبي عليه‌السلام ينزلها ثم يرتحل فيدخل مكة من غير أن ينام فيها ، وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما نزلها حيث بعث بعائشة مع أخيها عبد الرحمن الى التنعيم ، فاعتمرت لمكان العلة التي أصابتها فطافت بالبيت ثم سعت ثم رجعت فارتحل من يومه » وفي‌ خبر أبي مريم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن الحصبة فقال : كان أبي عليه‌السلام ينزل الأبطح قليلا ثم يجي‌ء فيدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح ، فقلت له أرأيت من تعجل في يومين إن كان من أهل اليمن عليه أن يحصب؟ قال : لا » ورواه الصدوق بإسقاط قوله « إن كان من أهل اليمين » وزيادة « كان أبي عليه‌السلام ينزل الحصبة قليلا ثم يرتحل وهو دون ذو خبط وحرمان » وعلى كل حال فمنه خص الأصحاب التحصيب بالنفر الأخير ، ولم نعثر على غير هذين الخبرين فيما وصل إلينا من النصوص ، نعم عن‌ الفقه المنسوب (٣) الى الرضا عليه‌السلام « فإذا رميت الجمار يوم الرابع ارتفاع النهار فامض منها إلى مكة ، فإذا بلغت مسجد الحصبة دخلته واستلقيت فيه على قفاك على قدر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٣.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٩.

٥٧

ما تستريح » وفي‌ دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « أنه قال : يستحب لمن نفر من منى أن ينزل بالمحصب ، وهي البطحاء فيمكث بها قليلا ثم يرتحل إلى مكة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك فعل وكذلك كان أبو جعفر عليه‌السلام يفعله » ولكن في الدروس ويستحب للنافر في الأخير التحصيب تأسيا بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو النزول بمسجد الحصبة بالأبطح الذي نزل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستريح فيه قليلا ويستلقي على قفاه ، وروي (٢) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي فيه الظهرين والعشائين وهجع هجعة ثم دخل مكة ، وليس التحصيب من سنن الحج ومناسكه ، وانما هو فعل مستحب اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال ابن إدريس : « ليس للمسجد أثر الآن فتتأدى هذه السنة بالنزول بالمحصب من الأبطح ، وهو ما بين العقبة وبين مكة ، وقيل : هو ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة والجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيمن لقاصد مكة ، وليست المقبرة فيه ، واشتقاقه من الحصباء وهو الحصى المحمول بالسيل » وقال السيد ضياء الدين بن الفاخر شارح الرسالة : « ما شاهدت أحدا يعلمني به في زماني ، وانما أوقفني أحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد مكة في مسيل ـ واد ـ قال ـ وذكر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلى مكة » وروى الصدوق (٣) أن الباقر عليه‌السلام كان ينزل بالأبطح قليلا ثم يدخل البيوت ، وأكثر الروايات ليس فيها تعيين مسجد ، ولعله عثر على ما لم نعثر عليه من النصوص ، أو أن ما ذكره من روايات العامة.

وعلى كل حال فقد اعترف غير واحد بأنه ليس لهذا المسجد أثر ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ١٦٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٤.

٥٨

ولكن قيل ظاهر كلام الصدوق والشيخين وجوده في زمنهم ، وقد عرفت أن المستفاد من النصوص استحباب النزول في المحصب الذي هو الوادي لا المسجد وإن ذكر ذلك غير واحد إلا ما سمعته من الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام الذي لم تثبت عندنا نسبته ، ولعل ما ذكره ابن إدريس من تأدي السنة بالنزول في الوادي لعدم معرفة المسجد مبني على الجمع بينهما على فرض وجود الأمر به في المسجد بالحمل على التأكد فيه لا أصل السنة ، وقد نص الجوهري وغيره على ما قيل انه الشعب الذي يخرجه إلى الأبطح ، وقد سمعت ما في خبر أبي مريم أنه دون خبط وحرمان ، والظاهر أنهما اسمان ثم زالا وزال اسمهما ، وفي المدارك « لم أقف في كلام أهل اللغة على شي‌ء يعتد به في ضبط هذين اللفظين وتفسيرهما » وفي الوافي « لعل المراد بما دون خبط وحرمان أن لا ينام فيه مطمئنا ولا يجاوزه محروما من الاستراحة فيه ، فان الخبط بالمعجمة والموحدة طرح النفس حيث كان النوم ، وفي بعض النسخ « ذو خبط » يعني يرتحل وهو طارح نفسه للنوم ومحروم من النوم » انتهى ، وعن الأزرقي « حد المحصب من الحجون متصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى الى حائط حرمان مرتفعا عن بطن الوادي » وهو يشهد لما قلناه ، كقوله أيضا في المحكي عن تاريخه « كان أهل مكة يدفنون موتاهم في جنبي الوادي يمنة وشامة ( يمنة وشامية خ ل ) في الجاهلية وفي صدر الإسلام ، ثم حول الناس جميعا قبورهم الى الشعب الأيسر لما جاء فيه من الرواية ففيه اليوم قبور أهل مكة إلا آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس ، وآل سفيان بن عبد الأسد بن هلال ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فهم يدفنون بالمقبرة العليا بحائط حرمان » وعن السيد تقي الدين المالكي في مختصر المقدمة « قلت حائط حرمان هو الموضع‌

٥٩

الذي يقال له الحرمانية عند المعاندة » والله العالم.

وكيف كان فـ ( إذا عاد إلى مكة فمن السنة أن يدخل الكعبة ) بغير حذاء ويتأكد ذلك في حق الصرورة ، وأن يغتسل ويدعو عند دخولها وأن يصلي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وحم السجدة ، وفي الثانية الحمد وعدد آيها ، ويصلي في زوايا البيت ثم يدعو بالدعاء المرسوم ، ويستلم الأركان ويتأكد في اليماني بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، قال معاوية بن عمار (١) في الصحيح : « رأيت العبد الصالح عليه‌السلام دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين على الرخامة الحمراء ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي فرفع يده عليه ولصق به ودعا ، ثم تحول الى الركن اليماني فلصق به ودعا ، ثم أتى الركن الغربي ثم خرج » وفي‌ خبر أبي القداح (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « سألته عن دخول الكعبة فقال : الدخول فيها دخول في رحمة الله تعالى : والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور له ما سلف من ذنوبه » وفي مرسل علي بن خالد (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كان يقول : الداخل في الكعبة يدخل والله راض عنه ، ويخرج عطلا من الذنوب » وفي مرسل الصدوق (٤) « من دخل الكعبة بسكينة ووقار وهو أن يدخلها غير متكبر ولا متجبر غفر له » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر سعيد الأعرج (٥) « لا بد للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع ، فإذا دخلته فادخله بسكينة ووقار ثم ائت كل زاوية من زواياه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٦.

٦٠