جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( كتاب العمرة )

وهي لغة الزيارة أخذا من العمارة ، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته وشرعا اسم لمناسك مخصوصة واقعة في الميقات ومكة زادها الله تعالى شرفا‌ وصورتها المشتركة بين المتمتع بها والمفردة أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام منه لها ثم يدخل مكة فيطوف ويصلي ركعتيه ثم يسعى بين الصفا والمروة ويقصر كما تقدم الكلام في هذه الأفعال كلها مفصلا لا أن المراد صورة المفردة ، وإلا لوجب ذكر طواف النساء والتخيير بين القصر فيها والحلق ، ولا المتمتع بها خاصة ، لعدم ذكر لها بالخصوص ، وعدم ملائمته لما بعد من الضمائر ، فوجب إرادة قدر المشترك بينهما ، والأمر في ذلك سهل.

وعلى كل حال فلا خلاف في أن شرائط وجوبها شرائط وجوب الحج وأنها مع الشرائط تجب في العمرة مرة كالحج بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى الكتاب والسنة ، قال الله تعالى (١) ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ )‌ وقال زرارة (٢) في الصحيح « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام الذي يلي الحج في الفضل قال : العمرة المفردة ثم يذهب حيث شاء ، وقال : العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، فان الله تعالى يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) ، وانما نزلت العمرة في المدينة ، فأفضل العمرة عمرة رجب ، وقال : المفرد للعمرة إن اعتمر في رجب‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٢.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢ من أبواب العمرة الحديث ١ وبعده في الباب ١ منها الحديث ٢ وذيله في الباب ٣ منها الحديث ٢.

٤٤١

ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامة ، وحجته ناقصة مكية » وقال الصادق عليه‌السلام (١) في قول الله عز وجل ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) قال : « هما مفروضان ، وقال عمر بن أذينة (٢) في الحسن « كتبت الى أبي عبد الله عليه‌السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس فجاء الجواب بإملائه عليه‌السلام سألت عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) يعني به الحج والعمرة جميعا ، لأنهما مفروضان ، وسألت عن قول الله عز وجل ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) قال : يعني بتمامهما أداءهما واتقاءهما ما يتقي المحرم فيهما ، وسألت عن قول الله ( الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) فقال : الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار ، والحج الأصغر العمرة » وقال الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن عمار (٣) أو قوية « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع ، لأن الله عز وجل يقول : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) ، وانما نزلت العمرة بالمدينة ، قال : قلت فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي ذلك عنه؟ قال : نعم » وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في خبر أبي بصير (٤) « العمرة مفروضة مثل الحج » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) « أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم » الى غير ذلك من النصوص التي مقتضاها الوجوب في العمر مرة كالحج ، مضافا الى الإجماع بقسميه عليه ، فلذا تسقط بفعلها مع حجة الإسلام كما ستعرف إنشاء الله.

ولا خلاف أيضا أجده في أنها على الفور كما صرح به الشيخ والحلبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب العمرة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب وجوب الحج الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب العمرة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب العمرة الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب العمرة الحديث ٦ والمستدرك الباب ١ منها الحديث ٢.

٤٤٢

والفاضلان وغيرهم ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، بل هو واضح في عمرة التمتع التي هي جزء من الحج الذي قد عرفت فوريته على من يجب عليه ، بل والمفردة أيضا المشبهة بالحج في الوجوب مضافا الى ما سمعته من الإجماع المحكي ، نعم ربما كان في بعض كلماتهم تشويش في المقام ، وذلك لأن ظاهر النصوص المزبورة والفتاوى كالمتن ونحوه أنه لا يشترط في وجوب العمرة المفردة الاستطاعة للحج معها بل لو استطاع لها خاصة وجبت كما أنه لو استطاع للحج خاصة دونها وجب ، بل صرح في القواعد بالثاني ، قال : ولو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة ، ولعله لكون كل منهما عبادة برأسه ، فلا يسقط شي‌ء منهما بسقوط الآخر ، ولا يجب لوجوبه ، بخلاف التمتع الذي تطابقت النصوص والفتاوى على كونه ثلاثة أطواف بالبيت وطوافين بالصفا والمروة ، دون القران والافراد فإنهما طوافان بالبيت وسعي واحد ، وأكثر نصوص (١) حجة الوداع ظاهرة في عدم اعتماره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل جملة من نصوص أخر (٢) ناصة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما اعتمر ثلاث عمر كلها في ذي القعدة ، نعم عن‌ الصدوق في الخصال عن عكرمة عن ابن عباس (٣) « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر أربعا رابعتها مع حجته » ولا دلالة فيه على ارتباطها به ، وما عساه يتوهم مما ذكره المصنف وغيره في كيفية حج الافراد من الاعتمار بعد الفراغ من الحج من دخول العمرة في الحجين معا يدفعه أنه مساق لبيان كيفية تأدية من وجبا معا عليه ، مع أنه قد تقدم سابقا منا المناقشة في وجوب الترتيب المزبور إن لم يكن إجماع كما ادعاه ضرورة بعضهم ، ضرورة اقتضاء ما سمعته من الإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣ و ١٣ و ٣١ و ٣٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب العمرة الحديث ٢ و ٣ و ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب العمرة الحديث ٦.

٤٤٣

كتابا وسنة بل صريح المرسل (١) أنه مخير في تقديم أيهما شاء ، كما سمعت الكلام فيه سابقا في محله.

وحينئذ فالقول بأن كلا منهما لا يجب إلا عند الاستطاعة للآخر كما أرسله غير واحد ولكن لم أعرف القائل به واضح الفساد ، لما عرفته من ظهور الأدلة بخلافه ، وكذا القول بأن العمرة لا تجب إلا مع الاستطاعة للحج بخلاف الحج كما اختاره في الدروس ، وان احتج له بالأصل المقطوع بما عرفت ، وظهور حج البيت في الآية بغير العمرة الممنوع على مدعيه ، خصوصا بعد ما سمعته من النصوص ، وعدم ظهور إتمامها في وجوب إنشائهما ، ومنع استلزامه له الذي قد عرفت عدم انحصار الدليل فيه أولا ودلالة النصوص عليه ثانيا ، وأنها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبل أدائها وقبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة ، ولم يذكر ذلك في كتاب ولا خبر ، وإن المستطيع لها وللحج إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام ، لاحتمال أن يموت أو لا تبقى استطاعته للحج الى وقته ، ورده في كشف اللثام بأن المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع أو قسيميه وليس له الإتيان بعمرة الإسلام إلا عند الحج ، فما قبله كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا واحتمال الموت أو فوت الاستطاعة غير ملتفت اليه ، وكأنه مبني على ما ذكره سابقا من أنه لو استطاع للعمرة دون الحج وجبت خاصة لذلك أي لأن كلا منهما نسك مستقل برأسه ، ثم قال : نعم لا تجب المبادرة إليها قبل أيام الحج ، لاحتمال أن يتجدد له استطاعته أيضا ، وهو كما ترى كلام خال عن التحصيل بعد ظهور ما سمعته من الأدلة في وجوبها ، وأنها كالحج حتى في الفورية ، فالمتجه التزام إخراجها من التركة مع الاستطاعة لها والتمكن من أدائها ولو قبل أشهر الحج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب العمرة الحديث ٦.

٤٤٤

ونية كونها عمرة الإسلام ، بل لا وجه لدعوى وجوبها وعدم وجوب المبادرة إليها قبل أيام الحج للاحتمال المزبور.

نعم لو أمكن القول بعدم وجوبها على النائي الذي فرضه حج التمتع اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل أشهر الحج ، فلا تخرج من التركة ، واتجه عدم نية عمرة الإسلام بها ، وربما تشهد له السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائين فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج ، وعدم الحكم بفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج.

وبذلك يتجه عدم وجوب عمرة على النواب النائين في سنة النيابة وإن استطاعوها استطاعة شرعية ، بل قد يشهد له قول المصنف وغيره فيما يأتي على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم إنها قسمان متمتع بها ومفردة ، والأولى فرض النائي ، والثانية فرض حاضري مكة ، ضرورة ظهوره في اختصاص وجوب المفردة بغير النائي ، كظهور كلامهم في غير المقام في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي ، لا أنه يجب عليه مع ذلك العمرة ، والاجتزاء بحج التمتع عنها لا ينافي وجوبها الذي تظهر ثمرته في الاستطاعة لها دونه ، فتأمل جيدا ، فإنك تسمع إنشاء الله عند تعرض المتن له من ثاني الشهيدين ما يظهر منه عدم وجوبها على النائي من رأس ، ولم أجد للأصحاب في ذلك كلاما منقحا ، وقد قال في كشف اللثام أيضا سابقا : « إن المراد بالفورية انما هي المبادرة بها في وقتها ووقت المتمتع بها أشهر الحج ، ووقت المفردة لمن يجب عليه حج الافراد أو القران بعد الحج ، ولا تجب عمرتان أصالة حتى تجب المبادرة إليها أول الاستطاعة لها إلا إذا لم يستطع إلا لها ، فان ذلك أول وقتها ، ولا تستقر في الذمة إذا استطاع لها وللحج إذا أخرها إلى الحج أو أشهره فزالت الاستطاعة » ولا يخفى عليك ما فيه أيضا بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة اقتضاء تلك الأدلة وجوب‌

٤٤٥

المبادرة إليها قبل أشهر الحج مع فرض الاستطاعة لها ، لأنها تصح في جميع السنة بخلاف الحج الذي لا يصح إلا في وقت مخصوص.

نعم لا خلاف في إجزاء عمرة التمتع عنها كما اعترف به غير واحد ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا كافة ، وهو الحجة بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (١) « إذا تمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة » وسأله عليه‌السلام أيضا يعقوب بن شعيب (٢) في الصحيح عن قول الله عز وجل : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) فقال : « يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة ، قال : كذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وقال أحمد بن محمد بن أبي نصر (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن العمرة أواجبة ، قال : نعم ، قلت فمن تمتع يجزي عنه قال : نعم » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) : « العمرة مفروضة مثل الحج ، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة » الى غير ذلك من النصوص ، إلا أن أقصاها الاجتزاء بها عنها ، لا أن وجوبها الفوري ساقط عمن استطاع إليها ، كما هو واضح.

بل قد يقال إن وجوب حج التمتع على النائي لا ينافي وجوبها عليه أيضا لإطلاق تلك الأدلة وإن سقطت عنه به ، ولكن لو أداها امتثالا لأمرها الفوري قبل أشهر الحج امتثله وإن بقي مخاطبا مع ذلك بحج التمتع إذا كان مستطيعا بل ولا ينافيه قولهم عمرة التمتع فرض النائي ، والمفردة فرض الحاضر ، لاحتمال كون المراد أن النائي المخاطب بحج التمتع يلزمه عمرة التمتع فرضا له ، لدخولها في الحج الذي هو فرضه ، وهذا لا ينافي وجوب المفردة عليه أيضا الذي تظهر ثمرته فيما ذكرناه سابقا ، أما الحاضر فليس عليه إلا المفردة بناء على عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب العمرة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب العمرة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب العمرة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب العمرة الحديث ٦.

٤٤٦

المتعة له ، لا أن المراد عدم وجوب غير المتعة على النائي ، لكن قد سمعت ما في ذلك من المفاسد ، بل تسمع ما في المسالك الظاهر في عدم وجوبها على النائي ، بل لا تخلص مما ذكرناه إلا بذلك كما عرفت وتعرف إنشاء الله ، ومن ذلك ونحوه يظهر لك التشويش في كلامهم.

ومنه أيضا ما ذكره غير واحد منهم من أنه لو حج المفرد والقارن أو المتمتع الذي لم يتمكن من التمتع أتى بالعمرة إن شاء بعد أيام التشريق بلا فصل أو في استقبال المحرم ، بل ذكر بعضهم وغير المحرم ، ومن المعلوم منافاة ذلك للفورية التي ذكروها ، اللهم إلا أن يريدوا بذلك الصحة والاجزاء وإن أثم بالتأخير ، إلا أنه لا ينبغي التخصيص بالمحرم حينئذ كما وقع من بعضهم ، بل قال في الدروس وليس هذا القدر منافيا للفورية ، وفيه ما لا يخفى ، بل أشكله ثاني الشهيدين أيضا بوجوب إيقاع الحج والعمرة المفردة في عام واحد إلا أن يراد بالعام اثنا عشر شهرا ، ومبدؤها زمان التلبس بأيام الحج وإن أمكن دفعه بعدم دليل يدل على ذلك ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، نعم هو كذلك في عمرة التمتع دون غيره ، بل قد يقال بعدم اعتبار ذلك فيها أيضا إذا اضطر المتمتع إلى تأخير العمرة عن الحج ، فإنه حينئذ يكون له حكم الافراد فتصح عمرته في جميع السنة.

نعم تجب الفورية التي هي ليست بتوقيت عندنا ، واحتمال كون المراد بالفورية المبادرة إليها في عامها أي عام استطاعتها أو عام حجها ، فلا ينافي التأخير إلى المحرم وما بعده وانما اقتصروا على استقبال المحرم لما في التهذيب أن الأصحاب‌ رووا عن الصادق عليه‌السلام (١) أنه قال : « المتمتع إذا فاته عمرة المتعة وأقام إلى هلال المحرم اعتمر ، فأجزأت عنه وكان مكان عمرة المتعة » وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

٤٤٧

التهذيب أيضا « من فاتته عمرة المتعة فعليه أن يعتمر بعد الحج إذا أمكن الموسى من رأسه » فوقت عمرة الإفراد بإمكان الموسى ، واحتج له بخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) سأل الصادق عليه‌السلام عن المعتمر بعد الحج فقال : إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن » بل وفي‌ صحيح ابن عمار (٢) سأل « عن رجل أفرد الحج هل له أن يعتمر بعد الحج؟ قال : إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن » كما ترى مناف لظاهر الفورية وأقصى ما في رواية الأصحاب الاجزاء لا عدم وجوب الفورية ، نعم قد يقال بعدم منافاتها للتأخير عن أيام التشريق ، لقول الصادق عليه‌السلام لابن عمار (٣) في الصحيح : « لا عمرة فيها » وقد تقدم سابقا بعض الكلام في ذلك ، ومنه مضافا الى ما سمعت يتحقق التشويش المزبور وإن كان الذي يقوى في النظر سقوطها عن النائي الذي يجب عليه أن يتمتع بها الى الحج ولا عمرة مفردة عليه لما عرفت وتعرف إنشاء الله ، والله العالم.

وكيف كان فقد تجب العمرة أيضا بالنذر وما في معناه من العهد واليمين وبالاستيجار والإفساد والفوات أي فوات الحج فان من فاته وجب عليه التحلل بعمرة ، ومن وجب عليه التمتع مثلا فاعتمر وفاته الحج فعليه حج التمتع من قابل ، وهو انما يتحقق بالاعتمار قبله وبالدخول إلى مكة بل الحرم للدخول إلى مكة فيجب عليه العمرة أو الحج تخييرا إن وجب الدخول ، وإلا كان من الوجوب الشرطي نحو الوضوء للنافلة ، وعلى كل حال انما يجب أحدهما مع انتفاء العذر كقتال مباح ومرض لا يمكنه الإحرام معه ولا به أورق لم يأذن له سيده في قول أو رمد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب العمرة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب العمرة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

٤٤٨

كذلك كما تقدم الكلام فيه ومع عدم تكرار الدخول كالحطاب والحشاش ومن أحل ولما يمض شهر كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا ، فلا حظ.

ويتكرر وجوبها بحسب تكرر السبب ووقتها عند حصوله.

وأفعالها أي العمرة المفردة التي هي الواجبة بأصل الشرع ثمانية : النية والإحرام من الميقات الذي قد عرفته والطواف وركعتاه والسعي والتقصير أو الحلق وطواف النساء وركعتاه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك فتوى ونصا إلا في وجوب طواف النساء فيها ، فإنه قيل بعدمه كعمرة التمتع وقد عرفت أن الأصح ما هو المشهور من وجوبه ، بل عرفت أيضا تفصيل الكلام في غيره من الأفعال.

وتنقسم العمرة بالمعنى الأعم إلى متمتع بها الى الحج ومفردة‌ فالأولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام وهو من بعد عنه بثمانية وأربعين ميلا أو باثني عشر ميلا من كل جانب على ما تقدم من الخلاف إذ هي جزء من الحج الذي قد عرفت أنه فرض من كان كذلك ولذا لا تصح إلا في أشهر الحج ، وتسقط المفردة معها بلا خلاف أجده فيه كما عرفت الكلام فيه آنفا ، لكن في المسالك يفهم من لفظ السقوط أن العمرة المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف ، كما أن الحج مطلقا يجب عليه وأنها انما تسقط عن المتمتع إذا اعتمر عمرته تخفيفا ، ومن قوله : « والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام » الى آخره عدم وجوبها على النائي من رأس ، وبين المفهومين تدافع ظاهر ، وكأن الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة ، فكانت المفردة بسبب ذلك أكمل وهي المشروعة بالأصالة المفروضة قبل نزول آية التمتع ، وكانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها ، وهي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة ، ويكون قوله : « والمفردة تلزم » الى آخره‌

٤٤٩

إشارة الى ما استقر عليه الحال ، وصار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع ، ففي الأول إشارة إلى ابتدائه ، والثاني إلى استقراره ، وهو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي ، ويؤيده ما ذكرناه مضافا الى صراحة النصوص أو ظهورها الواردة في حج التمتع في وجوب المتعة بها الى الحج على النائي ، بل هو ظاهر قوله تعالى ( فَمَنْ تَمَتَّعَ ) الآية ، وحينئذ يظهر لك ما في المعروف الآن في عصرنا من العلماء وغيرهم من وجوب عمرة مفردة على النائبين عن غيرهم مع فرض استطاعتهم المالية معللين له بأن العمرة واجبة على كل أحد والفرض استطاعتهم لها ، فتجب وإن وجب عليهم الحج بعد ذلك مع حصول شرائط وجوبه ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( يلزم فيها التقصير ) الذي هو أحد المناسك فيها عندنا على وجه يكون تركه نقصا فيها ، بل في المنتهى إجماع علمائنا عليه وإن حصل الإحلال له منها ، خلافا للشافعي في أحد قوليه ، فجعله إطلاق محظور كالطيب ، واللباس ، ولا ريب في فساده عندنا بعد ما سمعت من الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص التي منها‌ خبر عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول : طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره ، فإذا فعل ذلك فقد أحل » وخبر عمر بن يزيد (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ثم ائت منزلك وقصر من شعرك وحل لك كل شي‌ء » وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في صحيح معاوية بن عمار (٣) « ليس في المتعة إلا التقصير » الى غير ذلك من المعتبرة المستفيضة التي مقتضاها كإطلاق الأكثر الاجتزاء بتحقق مسماه بالإزالة للشعر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب التقصير الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب التقصير الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ٢.

٤٥٠

أو الظفر بحديد أو نتف أو قرض بالسن أو نحو ذلك ، قال عبد الله بن سنان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من شعره بمشقص قال لا بأس ، ليس كل أحد يجد جلما » وقال الحلبي في الموثق (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل أن تقصر فلما تخوفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شي‌ء؟ فقال : لا ، ليس كل أحد يجد المقاريض » وفي حسنه (٣) « قلت له عليه‌السلام أيضا جعلت فداك : اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصر قال : عليك بدنة ، قال : قلت : إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت ، فلما غلبتها قرضت بعض إشعارها بأسنانها ، فقال : رحمها الله كانت أفقه منك ، عليك بدنة ، وليس عليها شي‌ء » وفي حسن حفص بن البختري وجميل وغيرهما وصحيحهم (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في محرم يقصر من بعض ولا يقصر من بعض قال : يجزيه » الى غير ذلك من النصوص الدالة على الاكتفاء بمسماه ، بل في المنتهى وعن التحرير والتذكرة أدنى التقصير أن يقص شيئا من شعر رأسه ، وأقله ثلاث شعرات ناسبا له في الأول إلى اختيار علمائنا وإن كان هو إن لم يتم الإجماع المزبور محل نظر ، للشك في تحقق مسماه بذلك ، واليه يرجع ما عن المبسوط من اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر.

وعلى كل حال فما في‌ صحيح معاوية وحسنه (٥) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « تقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك ، وخذ من شاربك وقلم أظفارك ، وأبق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب التقصير الحديث ١ عن معاوية بن عمار.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب التقصير الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب التقصير الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب التقصير الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب التقصير الحديث ١ و ٤.

٤٥١

منها لحجك » محمول على ضرب من الندب وإن حكي عن جمل العلم والعمل « قصر من شعر رأسه ومن حاجبه » والفقيه « قصر من شعر رأسك من جوانبه ومن حاجبيك ومن لحيتك ، وخذ من شاربك وقلم أظفارك وأبق منها لحجك » قيل : وكذا المقنع إلا أنه ترك فيه اللحية ، والهداية والمصباح ومختصره إلا أنه ترك فيها الحاجب ، لكن لعلهم عبروا بذلك تبعا لما سمعته من قول الصادق عليه‌السلام لا أن مرادهم الوجوب ، وإلا كانوا محجوجين بالنصوص المزبورة التي لا يكافؤها الصحيح والحسن المزبوران خصوصا بعد اعتضاد النصوص السابقة بإطلاق الفتاوى نعم ظاهر المتن والقواعد ومحكي الجمل والعقود والسرائر والتبصرة الاجتزاء ببعض الأظفار أو الشعر من اللحية أو الرأس أو الشارب أو الحاجب أو غيرها ، وعن النهاية والتحرير والإرشاد الاقتصار على شعر الرأس ، وعن الاقتصاد والغنية والمهذب والإصباح والإشارة على شعر الرأس واللحية ، وعن المفيد زيادة الحاجب أو الاقتصار عليه وعلى شعر الرأس ، وعن الحلبي وابن سعيد زيادة الشارب ، وفي التهذيب والمنتهى ومحكي التذكرة « أدنى التقصير أن يقرض أظفاره ويجز من شعره شيئا يسيرا » وعن الوسيلة « أدناه أن يقص شيئا من شعر رأسه أو يقص أظفاره ، والأصلع يأخذ من شعر اللحية أو الشارب أو يقص الأظفار » ونحوه عن المبسوط والسرائر إلا أن فيهما الحاجب مكان الشارب ، وليس في المبسوط قص الأظفار لغير الأصلع ، ولكن الظاهر أن ذلك كله ليس خلافا في المسألة ، وانما هو ذكر بعض أفراد ما يتحقق به المسمى.

وكيف كان فيما عن الخلاف من إطلاق أن المعتمر إن حلق جاز والتقصير أفضل واضح الضعف بعد الإحاطة بما ذكرناه إن أراد المتمتع أو ما يعمه ، وإن حكي عن المختلف أنه قال : كان يذهب إليه والدي ، بل قيل كان دليله أنه إذا أحل من العمرة حل له كل ما حرمه الإحرام ، ومنه إزالة الشعر بجميع أنواعها‌

٤٥٢

فيجوز له الحلق بعد التقصير وأول الحلق تقصير ، بل عن التهذيب من عقص شعر رأسه عند الإحرام أو لبده فلا يجوز له إلا الحلق ، ومتى اقتصر على التقصير كان عليه دم شاة ، وظاهره العموم للحج وعمرة التمتع والمفردة ، بل في عمرة التمتع أظهر ، واستدل عليه بقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (١) « وإذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق ، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ، وليس في المتعة إلا التقصير » وصحيح العيص (٢) سأله عليه‌السلام « عن رجل عقص شعر رأسه وهو متمتع ثم قدم مكة فقضى نسكه وحل عقاص رأسه فقصر وأدهن وأحل قال : عليه دم شاة ».

ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، ضرورة منع كون أو الحلق تقصيرا ولذا كان مقابلا له ، فلا يتحقق امتثال فيه ، وصحيح معاوية صريح في أنه ليس في المتعة إلا تقصير ، ومن المحتمل تعلق قوله عليه‌السلام فيه « في الحج » بالجميع ، وأما « نسكه » في صحيح العيص فيحتمل الحج ، وإياه والعمرة ، والدم يحتمل الهدي أو الندب كما عن الشهيد ، ومما ذكرنا يظهر لك ضعف ما عن المنتهى من أن الحلق مجز وإن قلنا إنه محرم ، لكونه عن أمر خارج عن التقصير الحاصل بأول الحلق ، فيكون المحرم ما زاد عليه ، ضرورة عدم تحقق التقصير به ، على أنه ينبغي حينئذ اعتبار النية التي لا أثر لها في النص ولا الفتوى ، بل ظاهر إطلاق النص خلافه.

كما أنه يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف وغيره إلا النادر من أنه لا يجوز فيها حلق جميع الرأس ، ولو خالف فـ ( حلق لزمه دم ) كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، بل هو المشهور مستدلين عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٩.

٤٥٣

بخبر أبي بصير (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه قال : عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق » وصحيح جميل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في متمتع حلق رأسه بمكة إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه » ومرسله (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « إن كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء وإن كان متمتعا في أول شهور الحج فليس عليه شي‌ء إذا كان قد أعفاه شهرا ».

لكن قد يناقش في الأول مضافا الى ضعف سنده بظهوره في غير العامد الذي حكي الإجماع ممن عدا الماتن على عدم وجوب ذلك عليه ، للأصل والصحيح والمرسل المزبورين ، فلا بد من حمله على ضرب من الندب ، وفي الصحيح بعدم ظهوره في الحلق بعد الإحرام ، بل لعل الدم فيه لترك توفير الشعر المستحب عند الأصحاب ، والواجب عند الشيخين ، بل عن المفيد منهما التصريح بوجوب الدم فيه كما سمعت البحث فيه في بحث الإحرام ، بل استدل له به وسمعت الكلام فيه هناك ، على أنه مشتمل على التفصيل في العمد المنافي لإطلاق الأصحاب ومن هنا يقوى الاحتمال المزبور ، وإلا كان من الشواذ المطرحة ، وحينئذ فلا دليل على وجوب الدم ، ولذا جزم بعدمه بعض متأخري المتأخرين إلا أن يكون إجماعا أو شهرة تجبر الدلالة على وجه يثبت بها المطلوب ، ولا ريب في أنه أحوط حتى في صورة السهو التي هي مقتضى إطلاق المصنف هنا وفي النافع.

والأحوط أن يكون شاة وإن أطلق في النصوص السابقة ، بل هو المحكي عن إطلاق الأكثر أيضا ، بل عن ابن حمزة جعله مما يوجب الدم المطلق لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ١.

٤٥٤

في القواعد ومحكي التهذيب والمهذب والسرائر تعيينه بالشاة لا لقاعدة الاقتصار على الأقل لأصالة البراءة ، ضرورة ثبوت أقل منها كالجدي ونحوه ، بل لدعوى الانصراف إليها ، مضافا الى الاحتياط.

نعم قد يقال باختصاص الدم بحلق جميع الرأس المنصرف من الأدلة السابقة ومن الفتاوى دون البعض ، كما عن التهذيب التصريح به ، بل يوافقه محكي التحرير والمنتهى والدروس ، بل قد صرح بجوازه في القواعد والمنتهى ومحكي النهاية والمبسوط والتهذيب والسرائر ، بل في الثاني منها « أنه يجزي عن التقصير ولا دم عليه » بل في كشف اللثام « لأنه تقصير لما عرفت من عمومه لأنواع الإزالة طرا. ولأحد لأكثر والأصل الإباحة والبراءة من الدم ، فلتحمل الأخبار على حلق الكل ، قال الشهيد : ولو حلق الجميع احتمل الاجزاء لحصوله بالشروع ، وهو جيد » وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من مقابلة الحلق للتقصير في النص والفتوى ، فلا يتحقق به مسماه ، ولكن لا دم بحلق البعض الذي لا يتحقق به مسمى حلق الرأس ، للأصل بعد ما سمعت من كون العمدة الإجماع أو الشهرة الجابرة ، وهما في الكل دون البعض.

بل قد يناقش في الإثم به لذلك أيضا بعد ظهور نصوص الدم المستفاد منها الإثم في الجميع ، بل قد يناقش في تحريمه أجمع أيضا بعد التقصير فضلا عن ثبوت الدم فيه وإن حكي التصريح به عن الشهيد وفاقا لابني حمزة والبراج ، لايجابهما الكفارة بالحلق قبل الحج ، بل في كشف اللثام « لأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلا ، لأن أوله تقصير ، إلا أن تلحظ النية » ولكن فيه أن ظاهر خبر أبي بصير (١) الموجب للدم في الحلق قبل التقصير ، ولعله لذا قال في النافع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ٣.

٤٥٥

ولو حلق قبله لزمه شاة مشعرا بعدمها فيه بعده ، بل وبعدم الإثم للأصل والعموم في النصوص والفتاوى أنه يحل له كل شي‌ء حرم عليه بالإحرام بعد التقصير ، فدعوى اختصاص الإحلال بغيره منافية لذلك ، واحتمال الاستدلال لها بالصحيح المتقدم الذي هو في قوة تخصيص الإحلال بما عداه ـ كما عن بعض المحدثين التصريح به ، فقال : إنه يحل له بالتقصير كل ما حرم عليه بالإحرام إلا الحلق وهو ظاهر الأصحاب ـ يدفعه ما عرفته من خروج الصحيح عن محل الفرض كي يصح به الاستدلال على الحكم المزبور المنافي للعمومات المذكورة ، ولا ظهور في كلام الأصحاب فيما ذكره ، وانما ظاهره حرمة الحلق بدل التقصير على معنى الإحلال به دونه كالحج ، لا أن المراد حرمته عليه حتى بعد الإحلال بالتقصير وإن بقي مدة طويلة لانتظار الحج ، بل يمكن القطع بعدمه ، كما هو واضح هذا وقد تقدم سابقا في أفعال الحج حكم من حلق رأسه قبل محله ، والأصلع بالنسبة إلى وجوب إمرار الموسى على رأسه في الأول دون الثاني ، فلا حظ.

ولو ترك التقصير حتى أهل بالحج سهوا صحت متعته بلا خلاف أجده فيه لصحيح معاوية وحسنه (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج قال : يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمت عمرته » بل ظاهره عدم دم عليه أيضا كما في القواعد والمحكي عن سلار وابن إدريس ، وهو مقتضى الأصل ، لكن‌ سأل إسحاق بن عمار (٢) أبا إبراهيم عليه‌السلام « عن الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج فقال : عليه دم يهريقه » بل عن الشيخ وبني زهرة والبراج وحمزة العمل به ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى لقاعدة التخصيص التي هي أولى من الحمل على الندب إن لم يكن المراد من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب التقصير الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب التقصير الحديث ٢.

٤٥٦

نفي الشي‌ء في الأول العقاب ، بل ينبغي أن يكون شاة كما عن الغنية والمهذب والإشارة لما سمعته مكررا من الانصراف وللاحتياط ، وعن ابن حمزة إدراجه فيما فيه دم مطلق ، والأول أحوط إن لم يكن أقوى.

ولو ترك التقصير عمدا حتى أهل بالحج بطلت متعته وصارت حجته مبتولة كما عن الشيخ وابني حمزة وسعيد والفاضل في المختلف والإرشاد والتحرير والتذكرة والمنتهى بل في الدروس أنه المشهور ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر وليس له متعة » وخبر محمد بن سنان (٢) عن العلاء بن الفضيل قال : « سألته عليه‌السلام عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر قال : بطلت متعته وهي حجة مبتولة » والمناقشة في السند مع وصف أولهما بالصحة في المنتهى مدفوعة بالانجبار ، فما عن ابن إدريس ـ من بطلان الثاني ، لأنه لم يتحلل من عمرته مع الإجماع على عدم جواز إدخال الحج على العمرة قبل إتمام مناسكها ، والتقصير من مناسكها عندنا ، فهو حج منهي عنه فيفسد ، خصوصا وقد نوى المتعة دون الافراد ـ واضح الفساد بناء على أصولنا من العمل بمثل الخبرين المزبورين اللذين لا وجه لاحتمال اختصاصهما بمن نوى العدول بعد إطلاقهما أو ظهورهما في عدمه ، فمن الغريب موافقة الفاضل والشهيد له على ذلك في محكي التلخيص والدروس مع مخالفتهما له في أصله الذي هو عدم العمل بأخبار الآحاد وإن صحت ، والله العالم.

ويستحب للمتمتع بعد التقصير التشبه بالمحرمين في ترك المخيط وغيره لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن البختري (٣) « ينبغي للمتمتع بالعمرة الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥٤ من أبواب الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥٤ من أبواب الإحرام الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب التقصير الحديث ١.

٤٥٧

الحج إذا أحل أن لا يلبس قميصا وليتشبه بالمحرمين ».

وكذا يستحب لأهل مكة التشبه بالمحرمين أيام الحج لخبر معاوية (١) عنه عليه‌السلام « لا ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص ، وأن يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا ، قال : وقال عليه‌السلام وينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك » والله العالم.

وكيف كان فـ ( لا يجب فيها طواف النساء ) بخلاف المفردة إلا على قول نادر في كل من المستثنى والمستثنى منه ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا‌ والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام غير البعيدين بالمقدار المزبور ، كما يلزمهم أيضا الحج بأحد قسميه ، ولو وجبا معا فقد قطع الأصحاب بوجوب تأخير العمرة حينئذ عن الحج ، بل ظاهر غير واحد كالعلامة الطباطبائي وسيد الرياض الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام الإجماع قولا وفعلا عليه ، بل عن المنتهى ذلك أيضا وقد ذكرنا سابقا أن الإجماع المزبور هو العمدة في إثبات ذلك ، ولولاه لكان للنظر فيه مجال ، إذ في استفادته من النصوص نظر كما في المدارك ، بل ظاهرها خلافه ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف في أن العمرة المفردة تصح في جميع أيام السنة وإن كان أفضلها ما وقع في رجب فإنها فيه تلي الحج في الفضل كما عن الشيخ إرساله عنهم عليهم‌السلام في المصباح (٢) وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٣) : « المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب » وفي صحيحه الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سئل عليه‌السلام أي العمرة أفضل عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ قال : لا بل في رجب أفضل » كقول الباقر عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب التقصير الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ٣.

٤٥٨

في صحيح زرارة (١) في حديث « وأفضل العمرة عمرة رجب » والظاهر أنه يكفي في كونها رجبية الإهلال بها فيه وإن وقع باقي أفعالها في شعبان ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي أيوب الخزاز (٢) في حديث « اني كنت أخرج الليلة أو الليلتين يبقيان من رجب فتقول أم فروة أي أبه إن عمرتنا شعبانية ، فأقول لها أي بنية انها فيما أهللت وليس فيما أحللت » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح عبد الله بن سنان (٣) « إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبية » بل‌ قال عليه‌السلام أيضا في خبر عيسى الفراء (٤) « إذا أهل بالعمرة في رجب وأحل في غيره كانت عمرته لرجب ، وإذا أهل في غير رجب وطاف في رجب فعمرته لرجب » ولكن‌ كتب علي بن حديد (٥) الى أبي جعفر عليه‌السلام « عن الخروج في شهر رمضان أفضل أو يقيم حتى ينقضي الشهر ويتم صومه ، فكتب اليه كتابا قرأه بخطه سألت رحمك الله عن أي العمرة أفضل عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك الله » ويمكن إرادته الفضل على الصوم في شهر رمضان واختصاصه بالسائل ، نحو ما في‌ خبر الوليد بن صحيح (٦) قال للصادق عليه‌السلام « بلغنا أن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة فقال : انما كان ذلك في امرأة وعدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لها : اعتمري في شهر رمضان أفضل ، فهو لك حجة » والله العالم.

ومن أحرم بالمفردة في أشهر الحج ودخل مكة ولم تكن متعينة عليه بسبب من الأسباب على ما في المسالك ، وإن نوقش بأن مقتضى إطلاق الأدلة خلافه ، وقد يدفع بأن المراد إذا كان هناك سبب يقتضي تعين المفردة على وجه لا يكفي في امتثاله المتمتع بها ، وعلى كل حال فمتى كان كذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب العمرة الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب العمرة الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب العمرة الحديث ١.

٤٥٩

جاز أن ينوي المتمتع ويلزمه دم كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا ، للمعتبرة التي منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في قوى عمر بن يزيد (١) « من دخل مكة معتمرا مفردا للحج فيقضي عمرته كان له ذلك ، وإن أقام الى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة ، قال : وليس تكون متعة إلا في أشهر الحج » وسأله عليه‌السلام أيضا يعقوب بن شعيب (٢) في الصحيح « عن المعتمر في أشهر الحج فقال : هي متعة » بل الظاهر استحباب ذلك له خصوصا إذا أقام إلى هلال ذي الحجة ، ولا سيما إذا أقام إلى التروية تنزيلا للنصوص على ذلك ، ففي‌ مرسل موسى بن القاسم (٣) « من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع » وفي‌ صحيح عمر بن يزيد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس » وفي صحيحه (٥) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية » ولهذا الصحيح حكي عن القاضي وجوب الحج على من أدرك التروية إلا أنه قول نادر ، فالمتجه حمله على ضرب من الكراهة ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٦) « لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع الى أهله » وفي‌ خبر اليماني (٧) بعد أن سأله عليه‌السلام « عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم رجع الى بلاده قال : لا بأس وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم ، فان الحسين بن علي عليهما‌السلام خرج قبل التروية بيوم ، وقد كان دخل معتمرا » بل في التهذيب خرج يوم التروية ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ٨ مع اختلاف في اللفظ.

(٤) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب العمرة الحديث ٢.

٤٦٠