جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

هي‌ صحيح الحلبي ومحمد بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل (٢) ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) الى أن قالا له : « أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله له حدا يستغفر الله ويلبي ، فقالا : ومن ابتلى بالجدال فقال : إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة ، وعلى المخطئ بقرة » وصحيح ابن مسلم (٣) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن الجدال في الحج فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم ، فقيل له الذي يجادل وهو صادق قال : عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة » وخبر أبي بصير (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقات فقد جادل ، وعليه دم ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل ، وعليه دم » وصحيح معاوية بن عمار (٥) عن الصادق عليه‌السلام « ان الرجل إذا حلف ثلاث أيمان في مقام ولاء وهو محرم ، فقد جادل وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به » وخبر أبي بصير (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل ، فعليه دم يهريقه » وخبر أبي بصير (٧) أيضا « إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور » وموثق يونس بن يعقوب (٨)

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢ وبعده في الباب ٢ من بقية كفارات الإحرام الحديث ٢ وذيله في الباب ١ منها الحديث ٢ والفقيه ج ٢ ص ٢١٢ الرقم ٩٦٨.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

٤٢١

« سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يقول لا والله وبلى والله وهو صادق عليه شي‌ء فقال : لا ».

وهي كما ترى لا دلالة فيها على تمام التفصيل المزبور ، ولكنها تدل على الشاة في الصدق ثلاثا ، وفي الكذب مرة ، بل الأولان يدلان على البقرة في الثلاث كذبا لا الجزور ، اللهم إلا أن يراد بها الجزور بمعنى البدنة ، بل خبر أبي بصير الأخير دال على الجزور بالكذب أولا ، نعم في‌ خبر إبراهيم بن عبد الحميد (١) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام « من جادل في الحج فعليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقا أو كاذبا ، فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة » وعدم العمل بصدره لا يخرج ما في ذيله عن الحجية ، خصوصا بعد انجباره بالعمل وبالرضوي (٢) لاحتمال صحة النسبة « واتق في إحرامك الكذب واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه ـ إلى أن قال ـ فان جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شي‌ء عليك وان جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة ، وإن جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم شاة ، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة ، وإن جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة » وهو مشتمل على تمام التفصيل المذكور في كلام الأصحاب ، بل هو المحكي أيضا من رسالة علي بن بابويه التي كان الأصحاب إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها ، بل إن لم يقطع بكونه مضمون نص وصل اليه وإلا فهو مظنون قويا ، فيقيد به حينئذ إطلاق تلك النصوص ، بل صحيح الجزور والمراد به البدنة كما عرفته في المباحث السابقة وإن كان مطلقا يشمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١٠.

(٢) ذكر صدره في المستدرك في الباب ٢٣ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥ وذيله في الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

٤٢٢

المرة الأولى والثانية ، لكنه مناف للنصوص السابقة مضافا الى إمكان دعوى الإجماع على خلافه ، فيتعين تقييده بالمرة الثالثة.

نعم اختلفت النصوص في الصدق بالنسبة إلى اعتبار التتابع في الثلاث في مقام واحد كما سمعته في بعضها بل أكثرها (١) والإطلاق في الآخر (٢) وقاعدة الجمع بين الإطلاق والتقييد تقتضي حمل المطلق على المقيد كما مال اليه بعض متأخري المتأخرين حاكيا له عن العماني إلا أنه نادر يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على خلافه ، خصوصا بعد أن كان المحكي عنه يعم الصادق والكاذب قال : « من حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم » ولم يفصل ، وقد سمعت تصريح النصوص والفتاوى بخلافه في الكاذب ، وكذا ما عن الجعفي « الجدال فاحشة إن كان كاذبا أو في معصية فإذا قالها مرتين فعليه شاة » لا دليل عليه ، بل الأدلة بخلافه ، نحو المحكي عن العماني الذي لم نجد له دليلا على إطلاقه.

ومن ذلك يظهر قوة النصوص المطلقة على وجه لا تكافؤها المقيدة كي يحكم بها عليها ، فاذن المتجه العمل بالمطلقة وحمل المقيدة على إرادة كونها أحد الأفراد أو على إرادة بيان اتحاد الجدال وتعدده بالنسبة إلى المجادل فيه أو نحو ذلك ، كما أن المتجه حمل موثق يونس (٣) على ما دون الثلاث ولو لقاعدة الإطلاق والتقييد ، أو على ما قيل من أنه لو اضطر الى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فلا كفارة ولا إثم بناء على ما عن الدروس وغيرها من أن الأقرب جوازه وانتفاء الكفارة ، أو على ما كان في إكرام أخيه ونحوه لا في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣ و ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

٤٢٣

معصية الله تعالى ، قال أبو بصير (١) في الصحيح : « سألته عليه‌السلام عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه : والله لا تعمل ، فيقول : والله لأعملنه ، فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم صاحب الجدال ، قال : لا انما أراد بهذا إكرام أخيه انما ذلك ما كان لله فيه معصية » أو غير ذلك مما تقدم في الجدال.

ثم إن المنساق مما في النص والفتوى من عدم الشي‌ء في المرة والمرتين مع الصدق عدم الدم ونحوه مما يتحقق به اسم الكفارة ، أما الاستغفار والتوبة فالظاهر وجوبهما كما عن الشيخين وغيرهما التصريح به ، لصدقه ، وهو منهي عنه كتابا وسنة ، فلا بد فيه من الاستغفار والتوبة ، وظهور بعض النصوص السابقة في عدم صدق الجدال بالواحدة يراد منه بالنسبة إلى ترتب الكفارة ، ضرورة صدقه لغة وشرعا ، كما هو واضح ، ومن ذلك كله يظهر لك النظر فيما في المدارك وغيرها ، فلا حظ وتأمل ، هذا.

والمحكي عن صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه « أنه انما تجب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفر عن السابق ، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة ليس إلا أو ثنتين فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير ، فللمرة شاة ، وللمرتين بقرة ، وللثلاث بدنة ، على معنى أنه لو حلف يمينا كاذبة فكفر لها بشاة ، ثم الثانية وكفر لها بشاة أيضا ، ثم الثالثة أما إذا لم يكفر وكانا اثنتين فبقرة ، أو ثلاثا فبدنة ، ولو كن أزيد من ثلاث ولم يكن قد كفر فليس إلا بدنة واحدة ، وكذا في ثلاث الصدق » قلت : إن لم يكن إجماع أمكن كون المراد من النص والفتوى وجوب الشاة بالمرة ، ثم هي مع البقرة بالمرتين ، ثم هما مع البدنة في الثلاث إلا أن يكون قد كفر عن السابق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٧.

٤٢٤

فتجب البقرة خاصة أو البدنة ، كما أنه يمكن أن يقال إن الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه ، أما ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة أخرى وإن لم يكن قد كفر عن الأول ، وإلا فليس إلا الشاة الأولى ، وكذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة والبقرة والبدنة ، وهكذا ، فتأمل جيدا.

هذا كله في الجدال ، وأما الفسوق فلم أجد من ذكر له كفارة ، بل قيل ظاهر الأصحاب لا كفارة فيه سوى الاستغفار ، بل عن المنتهى التصريح بذلك ، للأصل وما سمعته في‌ صحيح الحلبي وابن مسلم (١) « أنه لم يجعل الله له حدا ، يستغفر الله ويلبي » لكن‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح سليمان بن خالد (٢) « في الجدال شاة ، وفي السباب والفسق بقرة ، والرفث فساد الحج » وفي‌ صحيح علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد أيضا « فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وإن لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق بها إذا فعله » وعن نسخة عن قرب الاسناد « وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به » وقد أطنب في محكي المنتقى في هذا الصحيح ، واحتمل التصحيف فيه ، والأولى حمله وحمل صحيح سليمان بن خالد على ضرب من الندب ، والله العالم.

المحظور السابع قلع شجر الحرم غير المستثنى الذي قد مر الكلام فيه وفي حكم المستثنى منه وغير ذلك في التروك ، فلا حظ وفي محكي المبسوط والخلاف والغنية والوسيلة أن في الكبيرة بقرة ولو كان القالع محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمته بل حكى غير واحد الشهرة‌

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٢ الرقم ٩٦٨.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١ وذيله في الباب ٢ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤ و ١٦.

٤٢٥

عليه ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما رواه‌ الشيخ (١) عن موسى بن القاسم ، قال : روى أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإذا أراد نزعها نزعها وكفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين » معتضدا بقول ابن عباس فيما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة » المظنون أنه عن رواية ولكن مع ذلك قال المصنف نحو ما عن المنتهى والتحرير وعندي في الجميع تردد مما عرفت ومن كون الخبر مرسلا متروك الظاهر ، بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم ، قال : ولم يتعرض في الأخبار عن الأئمة عليهم‌السلام لكفارة لا في الكبيرة ولا في الصغيرة ، ولكن الشيخ ادعى الإجماع ، إلا أنه لا يخفى عليك إمكان دفع المناقشة المزبورة بالانجبار بما سمعته من الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية بل المحصلة إن لم تكن إجماعا على الكفارة في الجملة ، على أن إرساله بالعبارة المزبورة التي تلحقه بالصحيح على قول ، وبالتخصيص أو التقييد بغير ما غرسه وأنبته أو نبت في داره بعد اتخاذ الدار الذي قد عرفت استثناء سابقا ، على أنه معتضد بما في‌ صحيح منصور بن حازم (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه قال : عليك فداؤه » بناء على إرادة البقرة أو الشاة من الفداء وإلا كان دليلا لحكم الأبعاض‌ كالموثق أو الصحيح (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال : عليه ثمنه يتصدق به » بل لعل الظاهر إرادة قطع الأبعاض منهما ، على أن الجملة إذا كانت مضمونة فالأبعاض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

٤٢٦

كذلك ، نعم عن المنتهى والتذكرة الأرش ، ويمكن اتحاد المراد ، وبذلك كله يتضح لك الدليل على الأحكام الثلاثة لا عدم الكفارة مطلقا كما سمعته من ابن إدريس ولا البقرة مطلقا كما عن القاضي عملا بالمرسل المزبور ، ولا القيمة مطلقا كما عن الإسكافي للصحيح والموثق المزبورين ، بل عن الفاضل في المختلف اختياره مع ظهور ضعفه ، ضرورة ظهورهما أو صراحتهما في القطع لا القلع ، ولا ما يتيسر من الصدقة في قطع الأبعاض كما قاله الحلبيان على ما حكي عنهما والله العالم.

ولو قلع شجرة منه وغرسها في غيره أو لم يغرسها أعادها كما في القواعد ، وظاهرهما إرادة إلى مكانها كما عن المبسوط وعن التحرير والمنتهى والدروس الى الحرم ، واستجوده في المسالك إلا أن يكون محلها الأول أجود فيتعين أو مساويه وإلا فأرض الحرم متساوية في الإحرام ، وربما احتمل إرادة ذلك من مكانها وإن بعد ، وعلى كل حال لم نجد دليلا معتدا به على أصل وجوب الإعادة المنافي للأصل إلا دعوى قاعدة الضمان الذي لا يرتفع إلا بالتأدية التي مصداقها هنا عودها الى مكانها أو الحرم الذي به تثبت حرمتها ، ولعله الى ذلك أشار في محكي التذكرة والمنتهى بالاستدلال عليها بأنه أزال حرمتها ، فكان عليه إعادتها إليها ، بل ربما يؤيده في الجملة مضافا الى الاحتياط أيضا‌ خبر هارون بن حمزة (١) عن الصادق عليه‌السلام « ان علي بن الحسين عليهما‌السلام كان يتقي الطاقة من العشب ينتفها من الحرم ، قال : ورأيته قد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها مكانها » وإن ضعف سنده بل ودلالته ، بل ربما كان منافاة بين اتقائه ونتفه ، بل لا يتصور عود المنتوف ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( لو جفت ) على وجه لم تفدها الإعادة العود الى ما كانت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨٦ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

٤٢٧

عليه قيل كما عن المبسوط والتحرير والمنتهى والتذكرة يلزمه ضمانها معللين له بالإتلاف ، وفي القواعد قيل يلزمه ضمانها ولا كفارة ، ومقتضاه كون الضمان بالقيمة لا البقرة والشاة ، لكن فيه أن مقتضى ما سمعته سابقا في قلع الكبيرة منها بقرة والصغيرة شاة إرادة ضمان الكفارة التي وجبت بالقلع ولم يعرض مسقط لها ، فإنها إنما تسقط إذا أعادها ، فعادت الى ما كانت عليه ، ويمكن إرادة ذلك من التعليل بالإتلاف لا ضمان القيمة ، بل ربما احتمل في عبارة القواعد أن يكون مجموعه أي ضمانها ولا كفارة قولا لبعض الأصحاب وانما نسب الى القيل الجمع بينهما ، ويكون المختار لزوم الكفارة ، وإن كان هو كما ترى ، بل ربما احتمل قويا لزومها على التقديرين ، لإطلاق النصوص بها إذا قلع ، ولا دليل على السقوط بالإعادة مع العود ، ولكن فيه أن المنساق من النصوص المزبورة القلع المؤدي إلى تلفها لا القلع المفروض عدم ترتب ضرر عليه ، بل ربما كان فيه نفع.

وكيف كان فـ ( لا كفارة في قلع الحشيش وإن كان فاعله مأثوما ) إلا ما استثني كما مر في التروك للأصل السالم عن المعارض ، فان نصوص النهي عن ذلك لا تقتضي ترتب الكفارة حتى ضمان القيمة ، خلافا للفاضل في القواعد فإنه حكم بضمان قيمته لو قلعه ، كالمحكي عن المبسوط ، وقال الحلبيان فيما حكي عنهما عليه ما تيسر من الصدقة ، ولكن لم أعرف لشي‌ء منهما دليلا سوى الحمل على أبعاض الشجر وعلى سائر المحرمات من الصيد ونحوه وغير ذلك من الاعتبارات التي لا تصلح دليلا لإثبات حكم شرعي ، ولذا جزم المصنف بعدمها وتحقق الإثم الذي لا خلاف فيه ، وإن قيل ظاهر الدروس يعطي احتمال العدم إلا أنه في غير محله ، لما عرفته مفصلا في التروك فلا حظ ، وفي المسالك لا فرق في ذلك بين الأخضر واليابس ، نعم يجوز قطع اليابس مع بقاء أصله‌

٤٢٨

في الأرض لينبت ثانيا ، وقد تقدم أيضا الكلام فيه ، والله العالم.

ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال الضرورة ظاهرا أو باطنا كالحقنة والسعوط به كان عليه شاة على قول محكي عن النهاية والسرائر والمبسوط والخلاف وغيرها ، بل في الأخير نفي الخلاف فيه ، بل عن المنتهى الإجماع على لزوم الفدية به ، مضافا الى ما سمعته سابقا من مضمر ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار (١) المشتمل على دهن البنفسج إذا داوى به قرحة ، والمناقشة بكونه مقطوعا يدفعها الانجبار بالعمل ، كاندفاع الإضمار بظن إرادة الإمام عليه‌السلام منه إن لم يكن القطع ، وكذا دعوى أخصيته من المدعي واشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الكفارة على الجاهل يدفعها عدم القول بالفصل ، وعدم خروج الباقي عن الحجية ، وحينئذ فلا مناص عن القول بوجوبها فيه ، بل هو من أفراد مسألة استعمال الطيب السابقة التي جزم بها المصنف هناك وإن تردد في خصوص المقام ، نعم عن الشيخ في الجمل كراهة استعمال الأدهان الطيبة قبل الإحرام بحيث تبقى الرائحة بعده ، وعن ابن سعيد تخصيص وجوب الدم باستعماله مختارا ، وقد سمعت تحقيق الحال فيه ، اللهم إلا أن يدعى الفرق بين استعمال الطيب والدهن الطيب ، ولكنه كما ترى ، ضرورة بناء المسألة على حرمة استعماله كالطيب ، وانما الكلام في الكفارة ، والمتجه وجوبها لما عرفت.

وكذا قيل يضمن شاة فيمن قلع ضرسه كما عن الكافي والمهذب وعن النهاية والمبسوط دم ، وعن الجامع دم مع الاختيار ، وعليه حمل إطلاق الشيخ في محكي المنتهى ، والأصل في ذلك‌ خبر محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا (٢) عن رجل من أهل خراسان « ان مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه عليه‌السلام فيها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٩ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤٢٩

شي‌ء محرم قلع ضرسه فكتب يهريق دما » ولكن قال المصنف وفي الجميع مشيرا بذلك الى ما هنا والمسألة السابقة تردد مما عرفت ، ومن إضمار الخبرين ، بل عن المختلف هنا الاستناد إلى البراءة الأصلية أولى ، فإن الرواية غير مسندة الى إمام عليه‌السلام ، بل احتمل فيها أن يكون أدمى بالقلع ، ويكون الدم لأجله ، وقد قيل في الإدماء شاة ، وعن الكافي فيه طعام مسكين ، وعن الغنية مد من الطعام والمعنى واحد ، مع أن‌ الحسن الصيقل (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يؤذيه ضرسه أيقلعه قال : نعم لا بأس به » وعن ابني بابويه والجنيد نفي البأس عن قلع الضرس ولم يوجبا شيئا ، ولكن عرفت سابقا أن الأقوى وجوبها ، بل وكذا هنا عملا بالمضمر الذي تشهد القرائن أنه عن الامام عليه‌السلام خصوصا بعد عمل من عرفت به ، بل قيل إنه المشهور ، ثم في المسالك هذا كله مع عدم الحاجة ، أما معها فلا كفارة ، وفي إلحاق السن بالضرس على قول الوجوب وجه بعيد ، وفيه أولا أن النص والفتوى مطلقان ، وثانيا لا بعد في الإلحاق ، بل يمكن إرادة ما يعم السن من الضرس ، والله العالم.

ولا خلاف في أنه يجوز للمحرم أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن والشيرج بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى السيرة والأصل وغيرهما ، نعم لا يجوز الادهان به على قول تقدم الكلام فيه ، وعليه فهل فيه كفارة؟ مقتضى الأصل العدم ، كما عن الشيخ وابن إدريس والفاضل التصريح به ، لكن قد سمعت قول الكاظم عليه‌السلام لأخيه في‌ خبر (٢) قرب الاسناد « لكل شي‌ء خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت » وقول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٩٥ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

٤٣٠

في خبر عمر بن يزيد (١) السابق المشتمل على التخيير بين الصدقة والصيام والنسك لكل من عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ولا ريب في أن الأحوط التكفير بالدم له وإن كان الذي يقوى العدم ، والله العالم.

خاتمة تشتمل على مسائل : الأولى إذا اجتمعت أسباب للكفارة ، مختلفة كا لصيد وا للبس وتقليم الأظفار والطيب لزم عن كل واحد كفارة به بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين ، كفر عن الأول أو لم يكفر لوجود المقتضي وانتفاء المسقط.

المسألة الثانية إذا كرر السبب الواحد وكان كالصيد والوطء ونحوهما مما لم يفرق الشرع ولا العرف في صدق السبب من مسماه بين اتحاد المجلس والوقت وتعددهما وتخلل التكفير وعدمه لزمه أيضا بكل مرة كفارة على الأشهر ، بل المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا ، بل عن المرتضى وابن زهرة الإجماع عليه ، نعم أوردا بعد دعوى الإجماع على ذلك في الوطء بأن الجماع الأول قد أفسد الحج ، فترتبت عليه الكفارة ، بخلاف الثاني الذي تعقب الفساد ، وأجابا بأن الحج وإن كان قد فسد لكن حرمته باقية ، ولهذا وجب المضي فيه ، فجاز أن تتعلق به الكفارة ، ونحوه عن الجواهر ، ولكن ليس فيه الإجماع ، وناقشة في المدارك بمنع دليل على تعلق الكفارة ، لمنع الإجماع ، ومنع دلالة النص الذي أقصاه الدلالة على أن من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه بدنة وإتمام الحج والحج من قابل ، ومن المعلوم أن مجموع هذه الأحكام الثلاثة انما تترتب على الجماع الأول خاصة ، فإثبات بعضها في غيره محتاج الى دليل ، وفيه أن إتمام الحج والحج من قابل لا يتصور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

٤٣١

تكررهما ، بخلاف البدنة ، ولذا تكررت دونهما ، مضافا الى ما سمعته من الإجماع المحكي المؤيد بظاهر ما دل على أن ماهية الجماع توجب ذلك ، ولا ريب في تكرر إيجادها بتكرر الجماع من غير فرق بين اتحاد المجلس وتعدده وسبق التكفير وعدمه ، ودعوى أن مقتضى أصالة البراءة كون الجماع مرة أو مرتين أو أزيد سببا في ترتب الكفارة يدفعها ظهور والنص والإجماع المحكي في خلافها.

وبذلك يظهر لك النظر فيما عن ابن حمزة من التفصيل ، قال : الاستمتاع ضربان جماع وغيره ، والجماع ضربان ، إما أن يفسد الحج أو لا يفسد ، فإن أفسد الحج لم تتكرر فيه الكفارة ، وإن لم يفسد الحج إما تكرر منه فعله في حالة واحدة أو في دفعات ، فالأول لا تتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل والثاني تتكرر فيه الكفارة ، وإن مال إليه في المدارك واستحسنه في محكي المختلف لأصل البراءة المقطوع بما عرفت ، ونحوه عن الخلاف ، بل في المدارك أن ظاهر الشيخ في الخلاف عدم التكرار مطلقا ، ولم يستبعده وإن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك ، بل المحكي عنه أنه ذكر تكررها بتكرر الوطء كفر عن الأول أو لم يكفر لإطلاق النصوص ، لكن قال وإن قلنا بما قال الشافعي ـ : « إنه إن كان كفر عن الأول لزمته الكفارة ، وإن كان قبل أن يكفر فعليه كفارة واحدة » ـ كان قويا لأن الأصل براءة الذمة يعني أن النصوص انما أفادت أن على المجامع بدنة ، وهو أعم من المجامع مرات ، وأيد بما سمعته سابقا ، وعرفت ما فيه.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه لما تقدم ، مضافا الى ما ذكرناه سابقا من عدم فساد الحج بالجماع وإن وجبت الإعادة عقوبة كما هو أحد القولين في‌

٤٣٢

المسألة ، نعم ربما مال بعض الأفاضل الى عدم تكرر السبب بتكرر الإيلاج والإخراج في الموطوءة الواحدة في مجلس واحد ، لعدم تعدد الوطء عرفا فيه ، بل الإطلاقات الموجبة للبدنة وما بعدها مرة الغالب فيها الذي ينصرف اليه بحكم العادة والغلبة تكرر الأمرين فيه مرارا عديدة ، وإن أمكن فرض وقوعهما مرة ومع ذلك حكم فيها بوجوب البدنة مثلا مرة ، فالوجه عدم تكرر الكفارة في هذه الصورة لا لمنع الحكم بل لمنع تكرر الموضوع والسبب عرفا ، فليس فيه مخالفة للإجماعات المزبورة بوجه ، وأما عدم تكررها في المفسد فلظهور النص المثبت لها فيه بما يترتب عليه الأمور الثلاثة حقيقة ، وليس هو إلا الأول ، ولا يدخل فيه الثاني مثلا ، لعدم تصور ترتب الثلاثة عليه ، وبذلك يظهر لك قوة ما سمعته من ابن حمزة.

ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، ضرورة صدق التعدد بذلك ، خصوصا مع الانزال والفصل في الجملة ، فيقال جامعها مرة ومرتين وأزيد ، ويترتب عليه سائر الأحكام ، نعم لو تعدد الإيلاج من دون نزعه من الفرج بل والإنزال في إيلاج واحد كان جماعا واحدا ، ودعوى غلبة الإيلاج والنزع في الإطلاق المزبور واضحة المنع ، بل الأمر بالعكس ، كدعوى تقييد السبب بما يترتب عليه الثلاث ، ضرورة كون السبب ماهية الجماع ، والترتب حكم شرعي لا وصف للسبب ، كما هو واضح ، والتسامح العرفي في صدق وحدة الجماع مع تعدد الإيلاج والنزع في المجلس الواحد غير معتبر كما في نظائره مما هو كذلك في بادئ النظر لا في ثانيه وثالثة ، ومن هنا صرح غير واحد بصدق التعدد بما ذكرناه في المقام وفي كتاب الصوم وإن كان سبق لنا بعض الكلام في ذلك ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

هذا كله في الوطء وأما لو كرر الحلق فان كان في وقت‌

٤٣٣

واحد لم تتكرر الكفارة لعده في العرف حلقا واحدا ، بل المنساق مما ورد فيه كتابا وسنة اتحادها بحلق الرأس أجمع على ما هو المتعارف فيه ولا ريب في تعدد مصداق الحلق لكل جزء منه ، نعم إن كان الحلق في وقتين بأن حلق بعض رأسه غدوة والآخر عشية تكررت الكفارة لصدق تعدد الحلق الذي هو السبب ، فيتعدد المسبب بتعدده بلا خلاف أجده فيه إلا من بعض متأخري المتأخرين ، فأشكله بأن ما ذكر في الأول يأتي هنا ، وبأن أقصى ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى ، وما عدا ذلك يستفاد حكمه من باب الفحوى أو من انعقاد الإجماع على تعلق الكفارة به في بعض الموارد ، فلو قيل بالاكتفاء بالكفارة الواحدة في حلق الرأس كله سواء وقع في وقت واحد أم في وقتين كان حسنا ، وفيه أن محل البحث إذا تكرر سبب الحلق الموجب للكفارة في وقتين ، كما إذا حلق بعض رأسه على وجه يوجب الكفارة في وقت ثم حلق البعض الآخر الذي هو أيضا بانفراده سبب أيضا للكفارة ، فإنه لا إشكال في تعددها ، خصوصا إذا كفر عن الأول أو حصل للثاني سبب غير السبب للأول ، لا أن المفروض كون السبب حلق الرأس جميعه بحيث لو حصل البعض لم تترتب الكفارة ، لعدم حصول سببها ، فان ذلك ليس من باب تكرر السبب بل من عدم تمامه ، ودعوى أن السبب في المقام ذلك يدفعها ما عرفته سابقا من الإجماع على عدم اعتبار حلق جميع الرأس في ترتب الكفارة ، نعم لو فرض حصول الجميع في وقت واحد عد في العرف حلقا واحدا بل المنساق من دليل ترتب الكفارة به الاجتزاء بكفارة واحدة له ، فتأمل جيدا ، على أنك قد عرفت سابقا الكلام في أن السبب حلق الشعر أو حلق الرأس وعلى كل حال فالتعدد عرفا والاتحاد فيه يتبع اتحاد الوقت وتعدده ، ومع الشك في بعض الأفراد يتجه الرجوع الى أصل البراءة ، فتأمل جيدا ، وأما قلم‌

٤٣٤

الأظفار فقد كفانا الشرع فيه عن ملاحظة العرف ، لما سمعته من النصوص المفرقة فيه بين الاجتماع والافتراق ، والله العالم.

ولو تكرر منه اللبس أو الطيب فان اتحد المجلس لم تتكرر ، وإن اختلف تكررت كما عن النهاية والوسيلة والمهذب والغنية والسرائر ، بل في المسالك هكذا أطلق الأصحاب ، ولعله لأن إليه يرجع ما عن المبسوط والخلاف قال في الأول : « الثالث الاستمتاع باللباس والطيب والقبلة ، فإن فعل ذلك دفعة واحدة بأن لبس كل ما يحتاج اليه أو تطيب بأنواع الطيب أو قبل وأكثر منه لزمه كفارة واحدة ، فإن فعل ذلك في أوقات متفرقة لزمه عن كل دفعة كفارة سواء كفر عن الأول أو لم يكفر » قيل ونحوه التحرير والمنتهى والتذكرة ، وقال في محكي الخلاف « تتكرر الكفارة بتكرر اللبس والطيب إذا فعل ثم صبر ساعة ثم فعل ثانية وهكذا كفر عن الأول أولا » واستدل بأنه لا خلاف أنه يلزمه بكل لبسة كفارة ، فمن ادعى تداخلها فعليه الدلالة ، وبالاحتياط بناء على اتحاد المراد من المجلس والوقت وإلا كانا قولين كما فهمه في المدارك ، ثم حكى عن بعض التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص والسراويل وإن اتحد الوقت ، قال وبه جزم في المنتهى ، فقال : ومن لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لأحمد وربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقا ، فإنه قال : « لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ، ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لأن لبس كل ثوب يغاير لبس ثوب آخر ، فيقتضي كل واحد منهما مقتضاه » قلت : قد سمعت ما في‌ صحيح ابن مسلم (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن المحرم إذا احتاج الى ضروب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤٣٥

من الثياب فقال : عليه لكل صنف منها فداء » ولا محيص عن العمل به بعد أن كان جامعا لشرائط الحجية ، وهو يعم لبسها دفعة ودفعات ، بل قد يمنع كون لبسها دفعة واحدة لبسا واحدا ، ولو سلم فقد يمنع أن سبب الكفارة اللبس كي يعتبر اتحاده وتعدده ، لما سمعته في‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه » ولا ريب في صدقه على المتعدد ولو كان من ضرب واحد ولبسه دفعة واحدة.

ومن ذلك يتجه وجوب الكفارة لكل ثوب ، مع أنه الأحوط من غير فرق بين اتحاد المجلس وعدمه الذي لم نجد له في النصوص أثرا ، بل يمكن القطع بعدم اعتباره مع فرض سبق التكفير ، كما أنه لم نعرف الفرق بين التعبير به هنا والتعبير بالوقت في الحلق ، اللهم إلا أن يراد باتحاد المجلس الكناية عن حصول سبب اللبس له وتعدده ، ولكنه على كل حال لم نجد له أثرا فيما وصل إلينا من النصوص ، بل ظاهرها خلافه كما عرفت.

وفي المسالك والمصنف اعتبر المجلس ، والأكثر اعتبروا الوقت ، وهو أجود ، فعلى هذا لو طال زمان المجلس بحيث يحصل منه تعدد الوقت عادة تكررت ، وفيه ما عرفت سابقا من احتمال اتحاد المراد منهما ، كما أن الظاهر إرادة صدق الاتحاد عرفا وعدمه وإن قصر التعبير ، ثم قال فيها أيضا : « الذي يقتضيه الدليل أنه لو لبس المتعدد أو تطيب به دفعة واحدة بأن جمع من الثياب جملة ووضعها على بدنه لم تتعدد الكفارة وإن اختلفت أصنافها ، وإن لبسها مترتبة تعددت وإن اتحد المجلس والوقت العادي ، لأن كل واحد منها سبب في الكفارة بانفراده ، فلا يزيل الاجتماع في الوقت ما ثبت لها من السببية ، فإن الأصل عدم التداخل إلا لعارض ، وهو مختار العلامة في التذكرة ، ولعله أقوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤٣٦

ومثله ينبغي القول في ستر ظهر القدم ولم يفرقوا هنا بين المضطر وغيره كما في تغطية الرأس ، ويمكن الفرق بينهما كما هناك » ولا يخفى عليك ما فيه من محال النظر أولا وآخرا ، نعم ما حكاه عن الفاضل واختاره هو جيد لما عرفت ، بل الأقوى كون الحكم كذلك حتى في لبس المتعدد دفعة ، لما سمعته من صحيح زرارة (١) الذي منه يعرف الحكم في المضطر ، وفي غيره بالأولوية وغيرها كما سمعت الكلام فيه سابقا.

وعلى كل حال فمن ذلك كله ظهر لك الحال فيما ذكره المصنف من التكرر في خصوص بعض الأسباب وغيره مما لم يذكره ، ضرورة كون الضابط فيما لو تكرر سبب واحد أنه إن كان إتلافا مضمنا للمثل أو القيمة تعددت بحسبه اتفاقا ، لأن المثل انما يتحقق بذلك ، وإلا فان لم يفصل العرف أو الشرع فيه بين مجلس واحد ومجلسين أو وقت ووقتين وكان السبب مسماه كالوطء الذي قد عرفت تعدده بتعدد الإيلاج حقيقة وعرفا وشرعا تعددت الكفارة أيضا بتعدده ولو في مجلس واحد ، وكذا اللبس إذا لبس ثيابا واحدا بعد واحد ، أو ثوبا واحدا لبسا بعد نزع ، بل أو الثياب المتعددة ولو دفعة بناء على المختار ، وكذا التطيب إذا فعله مرة بعد أخرى ، والتقبيل إذا نزع فاه ثم أعاد فقبل ، أما إذا كثر منه ولم ينزع فاه أمكن أن يكون واحدا ، وكأنه مراده في محكي التذكرة والمنتهى حيث حكم وفاقا لما سمعته عن المبسوط باتحاد الكفارة إذا كثر منه في وقت واحد ، بل قيل وكذا ستر الرأس والتظليل وإن كان لا يخلو من نظر ، لصدق تعدد القبلة عرفا في مثله ، فمع فرض كون مصداقها السبب في الكفارة اتجه تعددها بتعددها ، وقد سمعت الكلام في التظليل ، فلا حظ وتأمل ولو تكرر ما يفصل العرف أو الشرع فيه بين مجلس ومجلسين أو الوقت والوقتين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤٣٧

مثل الحلق والقلم تعددت الكفارة إن تغاير الوقت أو المجلس ، وإلا فلا إذا كان المدار على وحدة تحققه ولو عرفا ، والله العالم.

المسألة الثالثة كل محرم لبس أو أكل عالما عامدا ما لا يحل له أكله أو لبسه ولم يكن له مقدر شرعي بخصوصه كأكل النعامة كان عليه دم شاة كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلاف لصحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة » نعم قد سمعت سابقا عدم تناوله للبس الخفين والشمشك ونحوهما مما لا يعد ثوبا ، فكان ينبغي التقييد بذلك لكن أطلق المصنف وغيره ، ولا ريب في أنه أحوط ، بل لعل ذكر الثوب مثال لكل ما يحرم عليه لبسه ، والله العالم.

المسألة الرابعة تسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد ، فإن الكفارة تلزم فيه ولو كان سهوا أو جهلا على المشهور بين الأصحاب في المستثنى منه ، بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم في الجاهل والناسي ، للأصل ورفع القلم ، ونحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الصمد ابن بشير (٢) « أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه » وفي حسن ابن عمار (٣) « وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد » وفي‌ حسن آخر له وصحيح (٤) « اعلم أنه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد ، فان عليك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٤٣٨

الفداء بجهالة كان أو عمد » وقول أبي جعفر الجواد عليه‌السلام فيما أرسل عنه علي بن شعبة في المحكي عن تحف العقول (١) « كل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي‌ء عليه إلا الصيد ، فان عليه الفداء بجهالة كان أم بعلم ، بخطإ كان أم بعمد ، وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي‌ء عليه » مضافا الى ما سمعته سابقا من نصوص (٢) مواقعة الأهل وصحيح زرارة (٣) المتقدم آنفا ، وفي صحيحه (٤) الآخر أيضا « من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه ».

نعم قد سمعت‌ خبر معاوية بن عمار (٥) « في القرحة التي داواها بدهن بنفسج وأن عليه مع الجهالة طعام مسكين » وخبر الحسن بن زياد (٦) قال : للصادق عليه‌السلام « وضأني الغلام ولم أعلم بدستشان فيه طيب فغسلت يدي وأنا محرم فقال : تصدق بشي‌ء لذلك » وصحيح حريز (٧) « في المحرم ينسي فيقلم ظفرا من أظافيره قال : يتصدق بكف من الطعام » وسمعت أيضا أخبار سقوط الشعر (٨) وأنها ظاهرة في غير المتعمد ، وقول الصادق عليه‌السلام للحسن بن هارون (٩) وذكر أنه أكل خبيصا فيه زعفران : « إذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الاستمتاع.

(٣) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام.

(٩) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤٣٩

مكة فاشتر بذرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم » الذي ذكرنا أنه محمول على الندب ، بل وغيره من النصوص ، نعم قد استثنى بعض الناس من ذلك سقوط الشعر فاكتفى في وجوب الكفارة فيه بتعمد المس المسقط مع تذكر الإحرام والعلم بالحرمة ، قال : « والأخبار لا تنافيه ولا هي ظاهرة في خلافه » ولكن لا يخفى عليك ما في قوله « تعمد المس المسقط » ضرورة كون ذلك من تعمد الاسقاط ، وإن كان تعمد المس الذي قد يتعقبه السقوط فهو ليس من العمد ، لكن الظاهر عدم ترتب الكفارة عليه ، لما ذكروه هنا على وجه لم يعرف فيه خلاف ، فلا بد من حمل النصوص المزبورة على ما هنا أو على ضرب من الندب.

وأما المستثنى فلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى الإجماع على ثبوت الكفارة فيه على الناسي والجاهل ، مضافا الى النصوص (١) التي قد سمعت بعضها ، فما عن ابن أبي عقيل من عدم الكفارة في الصيد على الناسي واضح الفساد ، وأما المجنون فقد صرح به الشيخ في محكي الخلاف والمصنف والفاضل وغيرهم ، لأن عمده وإن كان كالسهو لكن قد عرفت أن السهو هنا كالعمد ، وحينئذ فالكفارة في ماله يخرجه بنفسه إن أفاق ، وإلا فالولي ، نعم لو كان مجنونا أحرم به الولي وهو مجنون فالكفارة على الولي على ما في الغنية وغيرها كالصبي الذي لم يذكره المصنف ، ولعله لأن كفارته على الولي لا عليه كما سلف ، وقد سمعت ما في مرسل تحف العقول ، وفي خبر الريان بن شبيب (٢) « والصغير لا كفارة عليه ، وهي على الكبير واجبة » كما أنه تقدم سابقا الكلام فيه وفي المجنون ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣١ من أبواب كفارات الصيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٤٤٠