جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه قال : لا يقص شيئا منها إن استطاع ، فان كانت تؤذيه فليقصها وليطعم ، مكان كل ظفر قبضة من طعام » فحمله على الضرورة متجه ، وإلا فقد عرفت الإجماع على عدم التقدير بذلك.

وأما الصاع فلم نجد له أثرا في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص ، ولعله أراد به صاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو خمسة أمداد ، وحينئذ يكون موافقا للمشهور كالمحكي عن ابن أبي عقيل « من انكسر ظفره وهو محرم فلا يقصه ، فان فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده » بناء على إرادة الكناية عن المد بذلك ، وعن ابن حمزة أنه جعل تقليم أظفار اليدين في مجلس مما فيه شاة ، وتقليم أظفار اليدين والرجلين في مجلس مما فيه دم مطلق ، وفي مجلسين مما فيه دمان ، للتصريح بالشاة للأول في خبري الحلبي وأبي بصير بخلاف الثاني وفيه أن الظاهر إرادة الشاة من الدم ، هذا.

وفي اليد الناقصة إصبعا فصاعدا أو اليدين الزائدتين إشكال أما الناقصة فمن صدق اليدين ، ومن الأصل والنص على العشر في الأخبار ، وأما الزائدة من إصبع أو يد فللشك في دخولهما في إطلاقهما وعن فخر الإسلام الأقوى عندي أنها كالأصلية ، وتبعه في الدروس ولعل المنساق من النص والفتوى خلافه ، فالأصل حينئذ بحاله وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، كما أن المنساق منهما أيضا ما صرح به غير واحد من أن وجوب الدم والدمين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ الى حد يوجب الشاة ، وإلا تعدد المد بحسب تعدد الأصابع.

ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب عليه شاة أخرى وإلا لزم خلو الباقي عن الكفارة مع تحريمه قطعا ، وهو باطل ولا ينافيه الإطلاق المزبور بعد تبادر غير الفرض منه ، هذا ، وفي المسالك وكما‌

٤٠١

تجب الشاة لليدين والرجلين في مجلس واحد كذا تجب لأحدهما مع بعض الآخر نعم لو قلم إحدى اليدين وإحدى الرجلين بل لو قلم عن كل منهما ما ينقص عن المجموع بيسير فالفدية لكل ظفر لا غير ، وهو كذلك بالنسبة إلى الأخير ، أما الأول فقد يشكل بأن المتجه حينئذ المد للزائد على عشرة اليدين أو الرجلين ، ثم فيها أيضا وفي غيرها أن بعض الظفر كالكل ، نعم لو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية ، ولو تغاير ففي التعدد وجهان ، من وجوب الفداء بالسابق فلا يسقط ومن صدق قص ظفر واحد ، قلت : قد ينقدح الشك من الأخير في إلحاق حكم البعض بالكل بعد فرض عدم صدق قص الظفر المفروض كونه عنوانا للحكم ، وقد يحتمل توزيع المد والسقوط ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

ولو أفتاه مفت خطأ بتقليم ظفره فقلمه وأدماه لزم المفتي شاة بلا خلاف أجده فيه ، لخبر إسحاق (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « ان رجلا قلم أظفاره فكانت إصبع له عليلة فترك ظفره لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه قال : على الذي أفتاه شاة » المنجبر بعمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد مشعرين بالإجماع عليه ، بل في‌ موثقه (٢) سأله عليه‌السلام أيضا « أن رجلا أفتاه أن يقلمها وأن يغتسل ويعيد إحرامه ففعل قال : عليه دم » بناء على عود الضمير فيه الى المفتي ، ولكن ينبغي تقييده بالإدماء حينئذ ليوافق الخبر الأول المفتي بمضمونه ، ولقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن نعم الظاهر أنه لا يشترط إحرام المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد لترك الاستفصال كما صرح به في الدروس والمسالك وغيرهما ، لكن قد يقال باشتراط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٧٧ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٤٠٢

صلاحيته للإفتاء بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا كما استظهره في المسالك خلافا للمحكي عن ظاهر جماعة على ما في الرياض من اعتبار الاجتهاد في المفتي ، لأنه المتبادر منه دون غيره ، وفيه منع واضح ، بل لو لا ظهور الاتفاق أمكن تنزيل الخبر على المفتي من العامة الذي هو الغالب في ذلك الزمان ، ولو تعمد المستفتي الإدماء فلا شي‌ء فيه على المفتي ، وفي الدروس الأقرب قبول قول القالم في الإدماء ، ولا يخلو من نظر ، وكذا قوله فيها : « ولو أفتى غيره فقلم السامع فأدمى فالظاهر الكفارة أيضا » ولو أفتاه بالإدماء فأدمى أو بغيره من المحظورات ففي الدروس احتمل الضمان لما‌ روى (١) أن كل مفت ضامن‌ والأقوى خلافه للأصل بعد معلومية عدم إرادة ما نحن فيه من الضمان ، ولذا قال هو قبل ذلك : إنه لو أفتاه مفت بالحلق فلا شي‌ء عليه ، والأقرب عدم ضمان المفتي ، هذا ، وفي القواعد وغيرها : « ولو تعدد المفتي تعددت الشاة » وظاهره عدم الفرق بين الفتوى دفعة وعلى التعاقب ، ولكن قد يحتمل الاتحاد معه لأصل البراءة واستناد القلم الى الجميع أو الاتحاد إذا أفتوا دفعة ، وإلا فعلى الأول خاصة ، لاستناد القلم اليه ، والتعدد إن كان كل منهم بحيث يكتفى بفتياه القالم ، وإلا فلا ، ولو كان بعضهم كذلك دون بعض كانت الشاة عليه دونه ، وإن كان كل منهم يكتفى بفتواه فان تعاقبوا كانت على الأول خاصة ، وإلا فعلى كل واحد ، ولعل الأقوى وجوب الشاة الواحدة على الجميع إذا كان قد استند القلم الى فتواهم التي هي من باب التسبيب المقدم على المباشر ، خصوصا إذا كان الإفتاء دفعة ، وفي الرياض « وفي تعدد الشاة بتعدد المفتي مطلقا أو وحدتها كذلك موزعة عليهما أو مع الإفتاء دفعة وإلا فعلى الأول خاصة أوجه : أحوطها الأول وأوجهها الثالث لإطلاق النص في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب آداب القاضي الحديث ٢ من كتاب القضاء.

٤٠٣

المفتي الأول ، لدخوله فيه بيقين بخلاف الثاني ، لعدم وضوح دخوله فيه بعد اختصاصه بحكم التبادر بالمفتي الأول ، هذا إن قلنا بعدم اعتبار الاجتهاد في المفتي أو كان الأول مجتهدا ولو انعكس واعتبرنا الاجتهاد فيه انعكس الأمر فتجب الشاة على الثاني دون الأول » وفيه نظر من وجوب تعرف مما ذكرناه ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

المحظور الرابع لبس المخيط حرام على المحرم مع الاختيار كما عرفت الكلام فيه مفصلا في التروك وحينئذ فلو لبس عالما عامدا مختارا كان عليه دم شاة بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص التي منها‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا أو ساهيا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » وخبر سليمان (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يلبس القميص ، متعمدا قال : عليه دم » وغيرهما من النصوص ، بل لو اضطر الى لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز وعليه دم شاة أيضا بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد النصوص أيضا التي منها مضافا الى إطلاق الأولى‌ صحيح ابن مسلم (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المحرم إذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها قال : عليه لكل صنف منها فداء » بل استدامة اللبس بعد الإحرام وعلمه كابتدائه في لزوم الفدية كما صرح به بعضهم للصدق ، بل ربما استدل زيادة على ذلك بقوله تعالى (٤) : ( فَمَنْ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٤) سورة البقرة الآية ١٩٢.

٤٠٤

كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) بتقدير كون المراد منه من كان منكم مريضا فلبس أو تطيب أو حلق ، وإن كان فيه منع واضح باعتبار ظهور السوق في إرادة الحلق منها ، لتفريعها على قوله تعالى (١) : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) فيكون المراد من كان منكم مريضا محتاجا الى الحلق وإلا لكان فدية اللبس مخيرة ، ولم أعرف قائلا به ، فالأولى الاقتصار في الاستدلال على ما عرفت.

نعم عن الخلاف والتذكرة والمنتهى استثناء السراويل ، فلا فدية فيها مع الضرورة للأصل وخلو النصوص والفتاوى عن ذكرها لها ، بل عن ظاهر الثاني الإجماع عليه ، وفيه أن النصوص المزبورة تشملها ضرورة كونها من الثياب واحتمال أنه عند الضرورة ينبغي له لبسه يدفعه أولا عدم اختصاصها حينئذ بالحكم وثانيا قوله عليه‌السلام : « ففعل ذلك ناسيا » على أنه لا يتم في صحيح ابن مسلم ، فالعمدة حينئذ الإجماع المزبور إن تم ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك ، فلا حظ ، هذا.

وفي القواعد وكذا لو لبس الخفين أو الشمشك وإن كان مضطرا أي كان عليه شاة وإن انتفى التحريم في حقه ، ولعله لما قيل من أن الأصل في تروك الإحرام الفداء الى أن يظهر المسقط ، ولا دليل على سقوطه هنا ، وعموم الخبرين ـ وفيه منع ـ دليل على الأصل المزبور حتى في المخيط ، وعدم عموم الثوب في الخبرين لهما ، ولعله لذا كان المحكي عن التهذيب والخلاف والتذكرة عدم الفدية إذا اضطر للأصل وتجويز اللبس في صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام من غير إيجاب فداء مع أنه وقت حاجة ، وعن ابن حمزة جعلهما مما فيه الدم المطلق الذي‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٤٠٥

جعله قسيما للشاة والبقرة والبدنة إذا لبسهما مختارا ، ولا دليل عليه أيضا ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك أيضا ، كما أنه تقدم أيضا في شمول اللبس للتوشح ولذا قال في القواعد : والتحريم في المخيط متعلق باللبس ، ولو توشح به فلا كفارة على إشكال أي من الإشكال في كونه لبسا ، وفي أن المحرم اللبس مطلقا أو مع الإحاطة ، وربما يؤيد العدم تجويز لبس القباء مقلوبا عند الضرورة من غير إدخال اليدين في الكمين ، وطرح القميص على العاتق إن لم يكن رداء ، وقول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح زرارة (١) « يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار وحسنه (٢) « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ولا ثوبا تدرعه » وقد تقدم بعض الكلام في ذلك ، بل تقدم أيضا ما في المسالك هنا من أن الظاهر أن ما ألحق بالمخيط من الدرع المنسوج ونحوه بحكمه ، وكذا القباء إذا لبسه المضطر غير مقلوب ، والطيلسان إذا زره ، فلا حظ وتأمل ، ويأتي الكلام إنشاء الله في تعدد اللبس ولبس عدة ثياب في وقت واحد ، والله العالم.

المحظور الخامس حلق الشعر ، وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين ، لكل منهم مد ، وقيل ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف أجده في وجوب أحد الثلاثة في حلق شعر الرأس للمحرم ، بل في المنتهى ومحكي التذكرة لا فرق بين شعر الرأس في ذلك والبدن عند أهل العلم عدا أهل الظاهر وإن كان المحكي عمن قبل المصنف ذكر الرأس ، بل ينبغي على الأول استثناء حلق الإبطين أو نتفهما أو نتف أحدهما من العموم ، لما ستعرفه ، وعلى كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٦ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

٤٠٦

حال فالذي يدل على الفداء المزبور مضافا الى ظاهر الآية (١) والإجماع في غير تقدير الصدقة‌ مرسل حريز (٢) عن الصادق عليه‌السلام « مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجزة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال له : أتؤذيك هوامك؟ فقال : نعم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحلق وجعل الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين مدان والنسك شاة ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكل شي‌ء في القرآن « أو » فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن فمن لم يجد كذا فعليك كذا فالأول بالخيار » أي الأول المختار والثاني بدل عنه ورواه الشيخ في التهذيب بطريق لا يبعد صحته عن حريز عن الصادق عليه‌السلام ، وخبر عمر بن يزيد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « قال الله تعالى ( فَمَنْ كانَ ) ـ الآية ـ فمن عرض له أذى من رأسه أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وانما عليه واحد من ذلك ».

ولا ينافي ذلك ما في‌ صحيح زرارة (٤) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » وصحيحه (٥) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « من نتف إبطه أو قلم‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤٠٧

أظفاره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعليه متعمدا فعليه دم شاة » ولعله لذا كان المحكي عن سلار أنه اقتصر على‌ قوله : « من حلق رأسه من أذى فعليه دم » ولكن يمكن في الصحيحين إرادة أحد الأفراد بالنسبة إلى حلق الرأس ، وانما ذكره لكونه القدر المشترك بينه وبين الأمور المذكورة معه وإن اختص هو بفردين آخرين أو ان ذلك مخصوص بمن تعمد حلق رأسه من غير أذى كما ستعرف.

انما الكلام في أن ظاهر الآية والرواية اختصاص ذلك بحلق الرأس ، لكن قد سمعت ما في المنتهى والتذكرة من الإجماع على عدم الفرق بين الرأس وغيره ، بل عن الأخير وغيره أن المراد بالحلق هنا وبالنتف في الإبطين مطلق الإزالة كما عنون به بعضهم مؤيدا بالاعتبار الذي هو عدم التنظيف والرفاهة الحاصلة بمطلق الإزالة ، بل لعل خبر ابن يزيد أيضا يعم غير الحلق وغير الرأس نعم عن النزهة « أن التخيير انما هو لمن حلق رأسه من أذى ، فإن حلقه من غير أذى متعمدا وجب عليه شاة من غير تخيير » ومال اليه غير واحد من متأخري المتأخرين ، ولعله لاختصاص دليل التخيير بالأول دون الثاني ، فإن ما سمعته من صحيح زرارة ظاهر في التعيين ، ولا بأس به إن لم يكن إجماع على عدم الفرق في خصال الفدية بين الضرورة وغيرها كما عساه يظهر من المنتهى ونحو إطلاق المصنف فيحمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه أولا ولكن الاحتياط باختيار الفرد المخصوص منها لا ينبغي تركه.

ثم الأشهر في الرواية والفتوى على ما في كشف اللثام كون الصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين مدان ، وأما العشرة فقد سمعت خبر عمر بن يزيد‌

٤٠٨

عن الصادق عليه‌السلام إلا أن فيه « يشبعهم » وخير بينهما في التهذيب ومحكي الاستبصار والجامع والدروس ، وفي النافع بين عشرة أمداد لعشرة واثني عشر لستة ، وعن النهاية والمبسوط الاحتياط بالطعام عشرة ، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما سمعته ، بل عن المختلف الأحوط الستة لكل واحد مدان ، وفي القواعد ومحكي الوسيلة نحو ما في الكتاب عشرة لكل واحد مد ، ولعل تعيين ذلك لكونه الذي يشبع به المسكين غالبا ، وعن المقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر ستة أمداد لستة ، ولم نعرف له مستندا إلا‌ ما أرسله (١) في الفقيه ، قال : « والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين صاع من تمر » وروي (٢) ومد من تمر‌ ، على أن المحكي في التهذيب من عبارة المقنعة « لكل مسكين مدان » ولعل الأقوى الستة لكل مسكين مدان ، لصحة مستنده ، بل في المدارك أفتى به الشيخ وأكثر الأصحاب ، مضافا الى ما سمعته من كونه الأشهر فتوى ورواية ، مع ضعف رواية العشر على وجه تكافؤه كي يجمع بينهما بالتخيير بين ذلك وبين إشباع العشرة خصوصا بعد اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الأكل من الفداء ، بل عن الغنية نفي الخلاف عن الستة وان كان لم يصرح بالمد والمدين ، ودعوى انجبار الخبر المزبور بالشهرة المحكية في المسالك يدفعها عدم تحقق ذلك ، بل لعل المتحقق خلافه إذ لم نعرفه إلا لمن سمعت ، وكذا القول بالتخيير فإنه وإن ذكره من عرفت إلا أنه بين اثني عشر مدا وإشباع العشرة أو عشرة أمداد لكل واحد مد ، وهو موقوف على المكافاة ، وبالجملة فلا ريب في أن الأقوى الستة لكل واحد مدان ، هذا.

وقال الحلبيان فيما حكي عنهما في قص الشارب أو حلق العانة أو الإبطين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

٤٠٩

دم شاة ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان لم أجد في الأول خبرا مخصوصا ، بل والثاني إلا أنه يمكن استفادته من فحوى نتف الإبطين ، كما أني لم أجد هنا عاملا بما في‌ خبر الحسن الصيقل (١) « إذا اضطر الى حلق القفا للحجامة فليحلق وليس عليه شي‌ء » لكن قد تقدم في التروك بعض الكلام في ذلك فلا حظ وتأمل ثم إن الظاهر كون المدار على صدق مسمى حلق الرأس وإن لم يكن جميعه كما إذا أبقى في قنتة شيئا ، نعم لو حلق منه ما لا يصدق معه مسمى حلق الرأس أمكن القول بوجوب دم عليه إذا كان مساويا لنتف الإبط أو أزيد وإن كان لا يخلو من نظر ، وفي المنتهى والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلا كان أو كثيرا ، لكن يختلف ، ففي حلق الرأس دم ، وكذا فيما يسمى حلق الرأس ، وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بهما كان ، ولعله لما تسمعه فيمن مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شي‌ء ، وحينئذ يتجه اعتبار ما تسمعه.

ولا فرق في ترتب الفدية على الحلق بين فعله بنفسه أو بغيره مع الاذن له سواء كان الحالق محلا أو محرما ، أما إذا لم يأذن فحلق رأسه غيره على وجه لا يستند الفعل اليه ولو بالرضا منه فالظاهر عدم ترتب الفدية على أحد منهما للأصل السالم عن المعارض ولو قلنا بالإثم على الحالق في بعض الأحوال ، إذ هو أعم من ترتب الكفارة ، كما أنها لا تترتب على المحرم الحالق للمحل بل ولا إثم أيضا ، والمنساق من قوله تعالى (٢) ( وَلا تَحْلِقُوا ) ما هو المتعارف من كون الحلق بنفسه أو بطلب منه ونحوه فتترتب الفدية عليه دون المباشر الذي قد عرفت عدم ثبوتها في حقه حتى في صورة الإكراه ، والله العالم.

ولو مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شي‌ء أطعم كفا من طعام كما‌

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٦ الطبع الحديث.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٢.

٤١٠

في النافع والقواعد ومحكي الغنية والسرائر ، بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام بن سالم (١) « إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم فيسقط شي‌ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق » وفي‌ صحيح (٢) آخر له « بكف من كعك أو سويق » والشي‌ء يعم الشعرة والأكثر كنحو عبارة المصنف ، وعن السيد وسلار سقوط شي‌ء من شعره بفعله من غير تخصيص بشعر الرأس واللحية ، وعن النهاية والمبسوط كف أو كفان ولعله لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح منصور (٣) « في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة قال : يطعم كفا من طعام أو كفين » ولكن لا يخفى عليك ان المتجه في مثله الحمل على الندب كما في غيره من أفراد التخيير بين الأقل والأكثر فما عن الوسيلة والمهذب من الكفين احتياطا بالأخذ بالأكثر في غير محله إلا ان يريدا ما ذكرناه ، وعن المقنع « إذا عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه ان يتصدق بكف أو كفين من طعام » وهو كما ترى يحتمل معنيين وعن الجامع صدقة لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (٤) « يطعم شيئا » وفي حسن الحلبي (٥) « ان نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه ان يطعم مسكينا في يده » ولكن يمكن تقييدهما بأخبار الكف ، وإن كان الإنصاف إن لم يكن إجماع ظهور هذه النصوص في إرادة الندب ، خصوصا بعد‌ قول الصادق في خبر الحسن بن هارون (٦) وسأله عليه‌السلام « انه مولع بلحيته وهو محرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥ بسند الصدوق والكليني قدس‌سرهما.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

٤١١

فتسقط الشعرات قال : إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به فإن تمرة خير من شعرة » بل‌ سأله عليه‌السلام ليث المرادي (١) « عمن يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا فقال لا يضره » واحتمال إرادة عدم استحقاق العقاب من عدم الضرر باعتبار الصدقة بالكف كما ترى ، وعن‌ جعفر بن بشير والمفضل بن عمر النباحي (٢) سأله عليه‌السلام « عن محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان فقال عليه‌السلام : لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان على شي‌ء » ودعوى ظهوره في غير المتعمد يدفعها أنه مثل نصوص الكف والكفين.

وكيف كان فالمشهور أنه لو فعل ذلك في وضوء الصلاة لم يلزمه شي‌ء للأصل والحرج ومنافاة إيجاب الكفارة فيه لغرض الشارع ، وصحيح الهيثم ابن عروة التميمي (٣) قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة والشعرتان فقال : ليس بشي‌ء ، ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) » بل ظاهره عدم اختصاص ذلك بالوضوء للصلاة ولعله لذا كان المحكي عن بني زهرة وإدريس ، والبراج الطهارة التي تعم الغسل المصرح به في محكي الخلاف والمبسوط والدروس ، بل في غيرها التصريح بإلحاق التيمم وإزالة النجاسة والحك الضروري ، لكن عن الصدوق والسيد وسلار إطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٧ عن جعفر بن بشير والمفضل بن عمر قال : « دخل الساجبي على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : ما تقول في محرم مس. إلخ ، وكذلك في التهذيب ج ٥ ص ٣٣٩ الرقم ١١٧٣ وفيه « النباجي ».

(٣) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٦.

٤١٢

التكفير من غير استثناء ، بل عن المفيد التصريح بأن على من أسبغ الوضوء فيسقط شي‌ء من شعره كفا من طعام ، وإن كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم شاة ، وكذا عن سلار ، وكأنهما ألحقاه بالحلق ، ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا ، والله العالم.

ولو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين ، ولو نتفهما لزمه شاة بلا خلاف أجده في الثاني منهما ، لصحيح حريز (١) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من حلق رأسه أو نتف إبطيه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » بل والأول إلا من بعض متأخري المتأخرين ، لخبر عبد الله بن جبلة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في محرم نتف إبطه قال : يطعم ثلاثة مساكين » والمناقشة بضعف السند يدفعها الانجبار بالعمل خصوصا من مثل من لا يعمل إلا بالقطعيات كابني زهرة وإدريس ، على أنه معتضد بمفهوم الشرط في الصحيح الأول المقتضي عدم الدم في نتف أحد الإبطين ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١ وهو صحيح زرارة المتقدم قريبا وفيه « أو نتف إبطه » وليس لحريز في المقام إلا رواية واحدة نقلها الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ١٩٩ الرقم ٦٧٥ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وفي التهذيب ج ٥ ص ٣٤٠ الرقم ١١٧٧ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم » ونقلها الصدوق قدس‌سره في الفقيه ج ٢ ص ٢٢٨ الرقم ١٠٧٩ عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيه « إبطه » بدل « إبطيه » وقد تعرض لهما في الجواهر ج ١٨ ص ٣٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

٤١٣

من ذلك يعلم أن المراد بالابط فيما مر من صحيح زرارة (١) الذي أوجب فيه الدم الإبطين ، بل وكذا ما في صحيح حريز (٢) السابق على ما رواه في الفقيه من الافراد ، بل قد يقال إن الغالب نتف الإبطين معا فينصرف إطلاق الإبط اليه ، وإن كان مقتضى ذلك عدم الوثوق بالمفهوم المزبور ، لخروج الشرط حينئذ مخرج الغالب ، بل وإطلاق خبر ابن جبلة ، لكن في الرياض لا ضير في ذلك بعد الإجماع على لزوم شي‌ء في نتف الإبط الواحدة أما الإطعام أو الشاة ، ولا دليل على الثاني مع مخالفته لأصل البراءة ، فتعين الأول ، ويمكن جعل هذا الإجماع قرينة على رجوع الإطلاق في الرواية إلى خصوص غير الغالب تخصيصا أو تجوزا ، وهما شائعان ، ولا بأس في المصير إليهما بعد تعذر الحقيقة ، وإن كان فيه من المناقشة ما لا يخفى ، نعم قد يقال إن شهرة الأصحاب ترجح على الغلبة التي تقتضي صرف إطلاق الإبط في خبر ابن جبلة الى الإبطين ، خصوصا بعد عدم القائل به ، بل الإجماع على لزوم الشاة فيهما ، هذا.

وقد ألحق جماعة حلق الإبطين بنتفهما ، وكذا نتف الإبط الواحدة ولا بأس به ، وعلى كل حال فالحكم هنا مستثنى مما سمعته سابقا من التخيير في الفداء بين الصيام والصدقة والنسك في إزالة الشعر.

ثم إن الظاهر عدم كون بعض الإبط كالكل للأصل ، وإرشاد الفرق بين الواحدة والاثنين ، وحينئذ فلو نتف من كل إبط شيئا لا يتحقق به صدق اسم نتف الإبط لم تترتب الكفارة ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فيه ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١ وتقدم في ج ١٨ ص ٣٧٧.

٤١٤

وفي التظليل سائرا شاة كما في النافع والقواعد وغيرهما ، ومحكي الكافي والغنية والمهذب والجامع ، بل في المدارك مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد وجوب الفدية بالتظليل ، وانما اختلفوا فيها فذهب الأكثر إلى أنها شاة ، وهو كذلك ، بل هو المشهور للمعتبرة المستفيضة (١) الدالة على ذلك ، بل في بعضها تفسير الفدية بها ، قال إبراهيم بن أبي محمود (٢) « قلت للرضا عليه‌السلام المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضره قال : نعم ، قلت : كم الفداء قال : شاة » وقال ابن بزيع (٣) « سأله عليه‌السلام رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى » وغير ذلك من النصوص المنجبر ضعف السند في بعضها بالعمل ، فيجب حينئذ حمل إطلاق الفدية والدم في غيرها على الشاة لقاعدة الإطلاق والتقييد.

نعم في‌ صحيح علي بن جعفر (٤) « سألت أخي موسى عليه‌السلام أظلل وأنا محرم فقال : نعم وعليك الكفارة قال ـ أي الراوي عن علي بن جعفر ـ : فرأيت عليا ـ أي علي بن جعفر كما فهمه الأكثر على ما قيل ـ : إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل » وربما كشف ذلك عن فهم علي بن جعفر كونها الكفارة أو ما يعمها ، ولكن فهمه وفعله ليس حجة تصلح معارضا للنصوص المزبورة ، خصوصا بعد عدم القائل به ، وإن حكي عن المقنعة وجمل العلم والعمل والمراسم والنهاية والمبسوط والسرائر التعبير بدم كبعض (٥) النصوص إلا إن المنساق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥ وفيه « يضران به » وفي التهذيب ج ٥ ص ٣١١ الرقم ١٠٦٦ والاستبصار ج ٢ ص ١٨٧ الرقم ٦٢٦ « يضربه ».

(٣) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٤١٥

منها الشاة خصوصا بعد التصريح بذلك في جملة من النصوص (١) ولعله لذا حمله بعضهم على الندب ، ولكن لا يخلو من إشكال ، والمتجه العمل على النصوص الأولة ، مع أنه الأحوط.

وعلى كل حال فما عن المقنع من الصدقة كل يوم مد لخبر أبي بصير (٢) سأله عليه‌السلام « عن المرأة يضرب عليها الظلال وهي محرمة قال : نعم ، قال فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم قال : نعم إذا كانت به شقيقة ، ويتصدق بمد كل يوم » الذي لا جابر له كي يصلح معارضا للنصوص المزبورة ، وكذا ما عن الحسن بن أبي عقيل فان حلق رأسه لأذى أو مرض أو ظلل فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، والصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة أصوع بين ستة مساكين والنسك شاة بناء على إرادته تخيير كل من الحالق والمظلل ، لخبر عمر بن يزيد (٣) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم في تفسير الآية « فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وانما عليه واحد من ذلك » ولكنه مع قصوره عن المعارضة واشتماله على الأكل من الفداء أقصاه العموم المخصص بغير الظلال للنصوص المزبورة.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الزوم الفدية بين المختار والمضطر كما صرح به غير واحد ، بل في كشف اللثام « نص عليه الشيخ والحلبيان وغيرهم والأخبار » وإن كان فيه أن ظاهر النصوص في المضطر ، نعم هي مساقة لبيان الرخصة في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

٤١٦

التظليل له دون المختار وإن كفر ، فإن الكفارة لا ترفع الإثم عنه ، فما وقع من بعض الناس من اختصاص الفدية بالمضطر دونه في غير محله ، بل يمكن دعوى ظهور الاتفاق على خلافه ، بل عن ظاهر المفيد والسيد وسلار الاختصاص بالمختار ، وإن كان هو في غير محله ، لاستفاضة النصوص المعمول بها أو تواترها بخلافه ، نعم عن أبي الصلاح وابن زهرة أنها على المختار ، لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لجملة الأيام شاة ، ولكن لم أجد لهما موافقا على التفصيل المزبور ، بل ظاهر الأصحاب اتحادهما في الكيفية التي لا ينكر ظهور النصوص في عدم تكريرها للمضطر ، بل كاد يكون صريح‌ مضمر علي بن راشد (١) قال : « قلت له عليه‌السلام جعلت فداك انه يشتد علي كشف الظلال في الإحرام لأني محرور تشتد علي الشمس فقال : ظلل وارق دما ، فقلت له دما أو دمين قال : للعمرة قلت إنا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج قال : فارق دمين » ولكنه صرح بالفرق بين العمرة والحج ، وهو كذلك كما عن الشيخ وغيره التصريح به أيضا لكونهما نسكين متباينين ، بل قد يقال بتعددها في المضطر إذا تعدد السبب بأن أصابه صداع مثلا فظلل ثم ارتفع فكشف ثم أصابه سبب آخر اقتضى التظليل ، بل لو عاد عليه ذلك السبب ، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب ، خصوصا إذا كان قد كفر ، بل لو تعدد المختار على هذا الوجه بأن ظلل ثم تاب فكشف ثم بعد مدة مثلا عاد ، ولعل النصوص لا تشمل ذلك ، إذ المنساق منها التظليل المستدام بعذر مستمر ، ويلحق به العصيان كذلك ، وبالجملة المتجه الاقتصار على المتيقن في تخصيص قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب ، بل يمكن أن يدعى أن مورد النصوص عدم تعدد السبب باعتبار كون التظليل المستمر سببا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١ عن أبي علي بن راشد.

٤١٧

لا كل آن منه ، والله العالم.

وكذا تجب الشاة لو غطى رأسه بثوب مثلا أو طينه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل على رأسه ما يستره بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك كما عن المنتهى والمبسوط والتذكرة الاعتراف به ، بل في المدارك وغيرها هو مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا ، بل ظاهر محكي الخلاف وجود رواية فيه قال : إذا حمل مكتلا أو غيره لزمه الفداء الى أن قال : دليلنا ما روي (١) فيمن غطى رأسه أن عليه الفداء ، وحينئذ فيكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع الإجماع المحكي صريحا وظاهرا دليلا في الحكم ، خصوصا بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع وإن قيل إنه خلا عن فداء الساتر المقنع والنهاية وجمل العلم والعمل والمقنعة والمراسم والمهذب والسرائر والجامع ، إلا أن ذلك ليس خلافا ، وأولى من ذلك ما عن ابن حمزة من الاقتصار على الارتماس وأنه مما فيه الدم المطلق إذ يمكن أن يريد به المثال ، نعم هو مخالف في تعيين الشاة ، ولكنه نادر.

كل ذلك مضافا الى ما سبق في‌ صحيح زرارة (٢) من أن على من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه متعمدا دم شاة ، وقول الكاظم عليه‌السلام لأخيه في المروي (٣) عن قرب الاسناد : « لكل شي‌ء خرجت به من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت » هذا ، وقد ذكر الحلبيان فيما حكي عنهما تغطية رأس الرجل ووجه المرأة جميعا ، وأن على المختار لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لكل المدة شاة ، بل عن ابن زهرة منهما الإجماع على ذلك ، وإن كان التتبع يشهد بخلاف الإجماع‌

__________________

(١) الخلاف ـ كتاب الحج المسألة ٨٢ ـ ج ١ ص ٤٣٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

٤١٨

المزبور ، فالأصل حينئذ عدم الفرق بينهما ، وفي الدروس الأقرب عدم تكررها بتكرر تغطيته ، نعم لو فعل ذلك مختارا تعددت ، ولا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقا ووافقه ثاني الشهيدين إلا أنه حكم بعدم التكرار لو اتحد المجلس ، وربما نوقشا بعدم نص أو إجماع على ذلك ، فالأصل حينئذ بحاله ، ولكن قد عرفت سابقا في التظليل ما يستفاد منه صحة ذلك في الجملة ، فلا حظ وتأمل.

وكأن المصنف احترز بقوله « يستره » عما يستر بعض الرأس بحيث لا يخرجه عن كونه حاسرا عرفا كنقطة من الطين ، وكذا مثل عصام القربة والخيط ونحوهما ، لا عن نحو طين رقيق يحكي ما تحته لتحقق الستر حينئذ به كما عن التذكرة والمنتهى ، قال فيها : « لو خضب رأسه وجبت الفدية سواء كان الخضاب ثخينا أو رقيقا لأنه ساتر ، وبه قال الشافعي : وفصل أصحابه بين الثخين والرقيق فأوجبوا الفدية بالأول دون الثاني ، وليس بمعتمد ، وكذا لو وضع عليه مرهما له جرم يستر رأسه ـ قال ـ : ولو طلى رأسه بغسل أو لبن ثخين فكذلك ، خلافا للشافعي » واختلف كلامه في التلبيد فجوزه في محكي المنتهى ، قال : « لو طلى رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر ويتلبد فلا يتخلله الغبار ولا يصيبه الشعث ولا يقع فيه الدبيب جاز ، وهو التلبيد ، روى ابن عمر (١) قال : « رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهل ملبدا » ونسبه في محكي التذكرة إلى الحنابلة ، وقد تقدم الحال في التروك ، فلا حظ وتأمل.

بل منه يعلم أنه لا شي‌ء لو غطى رأسه بيده أو شعره أو نحو ذلك مما لا يثبت له حكم الستر المنصرف الى غير المتصل به‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (٢) : « لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ، ولا‌

__________________

(١) صحيح مسلم ـ ج ٤ ص ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦٧ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

٤١٩

بأس أن يستر بعض جسده ببعض » وفي‌ خبر المعلى بن خنيس (١) « لا يستر المحرم من الشمس بثوب ، ولا بأس أن يستر بعضه ببعض » ولا ينافي ذلك ما في‌ خبر أبي سعيد (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يستر من الشمس بعود أو بيده فقال : لا إلا من علة » بعد حمله على ضرب من الكراهة أو غير ذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا ، بل في كشف اللثام هنا لا تنافي ، فإن المحرم من التظليل الاستتار من الشمس بحيث لا يضحى ، ويحصل باليد ونحوها عرفا وشرعا ، ولذا إذا استتر من يبول حذاءها بيده زالت الكراهية ، فلذا نهي عنه في هذا الخبر ، والمحرم من التغطية ما يسمى تغطية وتخميرا كما ورد في الأخبار ، ولا يصدق بنحو اليد عرفا ، فلذا نفي عنه البأس في نحو الخبرين الأولين ، واستشكل فيه في التحرير ، بقي أنه نفي البأس في الأول عن الاستتار من الشمس بالذراع مع صدق التظليل ، فليحمل على الضرورة ، ويرشد اليه لفظ الحر ، فلعل المراد لا بأس لمن لا يطيق حر الشمس ، كخبر إسحاق بن عمار (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن المحرم يظلل عليه وهو محرم فقال : لا إلا مريض أو من به علة والذي لا يطيق حر الشمس » ولكن فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم صدق التظليل بنحو ذلك ولا إرشاد إليه في الخبر المزبور ، والله العالم.

المحظور السادس الجدال الذي مر الكلام في المراد منه في التروك والمشهور بين الأصحاب بل قيل لا خلاف يعتد به أن في الكذب منه مرة شاة ، ومرتين بقرة ، وثلاثا بدنة ، وفي الصدق منه ثلاثا شاة ، ولا كفارة فيما دونه ولكن في استفادة ذلك كله مما وصل إلينا من النصوص إشكال ، إذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦٧ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦٧ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥ عن سعيد الأعرج.

(٣) الوسائل ـ الباب ٦٤ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٧.

٤٢٠