جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لذا قال في القواعد : « ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها على إشكال قبل السعي عامدا عالما بالتحريم بطلت عمرته ووجب إكمالها وقضاؤها وبدنة » لكن في المدارك « أن ظاهر الأكثر وصريح البعض عدم الفرق بينهما وربما أشعر به‌ صحيحة معاوية بن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل متمتع وقع على امرأته ولم يقصر قال : ينحر جزورا ، وقد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه » فان الخوف من تطرق الفساد إلى الحج بالوقاع بعد السعي قبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي » وفيه أولا انا لم نعرف إطلاقا لغير المصنف بل قد يظهر من قوله : « والأفضل » إلى آخره إرادة المفردة ، نعم عن أبي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها وسعيها وأن عليه بدنة ، وثانيا ما قيل من أن الوقاع بعد السعي قبل التقصير لا يوجب الفساد بل البدنة خاصة بمقتضى الصحيحة وغيرها ، فكيف يثلم به الحج ، والفحوى لو تمسك بها إنما تكون حجة لو قلنا بحجية أصلها ، وإلا فلا كما هنا ، وكذا إن ادعي تناول إطلاقها لما إذا لم يسع ، لأن المتبادر منه الوقاع بعد السعي قبل التقصير ، وإن كان لا يخلو من مناقشة ، فإن المراد الاشعار بالفساد من حيث الخوف في هذا الحال ، أما قبل هذا الحال فالفساد محقق ، نعم هو ليس دلالة يعتد بها.

وعلى كل حال فقد قيل إن وجهي الإشكال الذي سمعته من الفاضل التساوي في الأركان وحرمتهن قبل أدائها ، وإنما الاختلاف باستتباع الحج ووجوب طواف النساء وعدمهما ، والأصل والخروج عن النصوص ، ولزوم أحد أمرين إذا لم يسع الوقت إنشاء عمرة أخرى قبل الحج أما تأخير الحج إلى قابل أو الإتيان به مع فساد عمرته ، وهو يستلزم إما فساده مع الإتيان بجميع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤.

٣٨١

أفعاله والتجنب فيه عن المفسد ، أو انتقاله الى الافراد ، وإذا انتقل إلى الافراد سقط الهدي وانتقلت العمرة مفردة ، فيجب لها طواف النساء ، وفي جميع ذلك إشكال ، وفيه أنه لا مانع من التزام انقلاب الحج إلى الافراد مع عدم سعة الوقت وإن انقلبت العمرة إلى أفراد نحو ما لو ضاق الوقت عنها ابتداء ، كما لا مانع من التزام عمرة مستأنفة مع سعة الوقت ، ولعله لذا حكي عن ثاني المحققين وفخر الإسلام حاكيا له عن والده أنه لا إشكال في فساد العمرة ، وإنما الإشكال في فساد الحج بفسادها من ارتباطه بها ومن انفراده بإحرام آخر ، والأصل صحته والبراءة من القضاء ، ثم رجح الفخر الفساد يعني إن لم يسع الوقت إنشاء عمرة أخرى ، قيل : وهو ظاهر الحلبيين لقولهما بفساد المتعة بالجماع فيه قبل الطواف أو السعي ، هذا ، وفي الرياض وكان عدم إشكالهم في الفساد لعدم الخلاف فيه ، وإلا فالنصوص مختصة بالمفردة كما عرفت ، وحينئذ فالتعميم أقوى ، وهو كما ترى تهجس.

ثم إنه لا يخفى عليك ضعف وجه الاشكال على هذا التقدير ، ضرورة عدم تعقل صحة حج التمتع مع فساد عمرته ، اللهم إلا أن يراد بالفساد النقص وعدم الكمال نحو ما سمعته سابقا في الحج ، وفي المسالك « ولو كانت عمرة التمتع ففي وجوب إكمال الحج أيضا ثم قضاؤهما والافتراق كما مر قولان أجودهما الوجوب » وحكاه في المدارك عنه مع التعليل له بما بينهما من الارتباط ، ثم قال : وهو ضعيف ، لأن الارتباط انما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد ، قلت : لعل وجهه إطلاق تلك النصوص أن الجماع قبل الوقوف بالمشعر مقتض لوجوب الإكمال والقضاء من قابل مع التكفير ، وهو شامل لحج التمتع الذي دخلت العمرة فيه على وجه صارت منه كبعض أفعاله ، وإن كان الانصاف عدم انسياق ذلك من النصوص السابقة ، ضرورة كون المنصرف منها نفس الحج ، اللهم‌

٣٨٢

إلا أن يقال إنه لو فرض حصول الجماع في حج التمتع بعد إتمام عمرته قبل الوقوف بالمشعر وجب عليه قضاء حج التمتع في القابل.

وكيف كان فلم نجد دليلا معتدا به في المسألة ، ومقتضى الأصول عدم الفساد في عمرة التمتع بالجماع فيها بعد ما عرفت من اختصاص تلك النصوص في المفردة ، ودعوى التنقيح بعد عدم إجماع ونحوه غير مسموعة ، ومع التسليم يتجه اختصاصها بالفساد ، فينشئ عمرة أخرى غيرها مع سعة الوقت ، وإلا انقلب الحج إلى إفراد ، ولكن الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه.

هذا كله في الجماع قبل السعي ، أما إذا كان بعده فلا فساد في عمرة التمتع قطعا ، لصحيح معاوية بن عمار (١) السابق وغيره ، نعم في القواعد ومحكي النهاية والتهذيب والمبسوط والمهذب والسرائر والوسيلة والجامع وجب عليه بدنة للموسر ، وبقرة للمتوسط ، وشاة للمعسر ، ولعله لتنزيل الصحيح المزبور وصحيح الحلبي (٢) ـ سأل الصادق عليه‌السلام « عن متمتع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة وقبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه قال : عليه دم يهريقه ، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة » ونحوه صحيح عمران الحلبي (٣) وحسن ابن مسكان (٤) عنه عليه‌السلام أيضا ، سأله عن ذلك ، فقال : « عليه دم شاة » ـ على مراتب العسر واليسر جمعا واحتياطا ، بل قد يرشد اليه التنصيص عليه فيمن أمنى بالنظر الى غير أهله ، وفي الجماع قبل طواف النساء ، وعن الحسن إيجاب البدنة لا غير ، لصحيح معاوية ، واحتمال « أو » في الأولين أن يكون من كلام الراوي ، وعن سلار وجوب بقرة لا غير ، قيل للتخيير بينها وبين الجزور ، فهي الواجبة ، والجزور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

٣٨٣

أفضل ، وعن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمون صحيح التخيير ، ولعل الأول لا يخلو من قوة ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه ، ولو لا مخافة خرق الإجماع كان المتجه التخيير مترتبة في الفضل.

وكيف كان فقد جزم ثاني الشهيدين وغيره بمساواة العمرة المفردة لها في عدم الفساد بذلك أيضا ، بل لعله ظاهر المصنف وغيره ممن قيد الفساد بما إذا كان قبل السعي ، ولكن في المدارك هو محتاج الى دليل ، وفيه أنه يكفي أصل الصحة بعد أن كان دليل الفساد منحصرا فيما سمعته من النصوص المفروض فيها قبل السعي ، مضافا الى ما سمعته من ابن أبي عقيل مما يظهر منه أن ذلك محفوظ له عن الأئمة عليهم‌السلام ، ولذا لم يتوقف فيه ، هذا ، وقد ذكر غير واحد أنه ليس في كلام الأكثر تعرض لوجوب إتمام العمرة الفاسدة ، ولا وجوب التفريق ، ولكن قطع الفاضل والشهيدان وغيرهم به ، ومستندهم غير واضح ، لخلو الأخبار عنه ، بل ربما أشعرت بالعدم ، للتصريح فيها بالفساد ، وعدم التعرض فيها للأمرين بالكلية مع كون المقام مقام حاجة ، وربما استدل لهم بأنه لا يجوز إنشاء إحرام آخر قبل إكمال الأول كما مر ، وفيه نظر ، لقوة اختصاص ذلك بالإحرام الصحيح دون الفاسد ، قلت : يمكن أن يكون دليله استصحاب بقاء حكم الإحرام والأمر بإتمام الحج والعمرة ، بناء على أن المراد ما يشمل إتمام الفاسد منهما على معنى وجوب إتمامهما بعد الشروع فيهما وإن فسدا في الأثناء ، لأن التحليل من الإحرام لا يكون إلا بتمام الأفعال ، كل ذلك مضافا إلى قوة احتمال كون المراد في النصوص المزبورة الإشارة إلى ما ورد في الحج ، بل لعل الأمر بالانتظار إلى الشهر الآخر للعمرة قرينة على مراعاة تلك العمرة حتى لا يكون اقتران بينهما ، بل قد يشعر ذلك بأن الأولى هي‌

٣٨٤

الفروض والثانية عقوبة نحو ما سمعته في الحج ، وحينئذ فإطلاق اسم الفساد على ضرب من التجوز لا الفساد بالمعنى المصطلح ، والله العالم.

وكيف كان ففي المتن وغيره أن الأفضل أن يكون قضاء العمرة في الشهر الداخل حملا للأمر به في النصوص السابقة عليه ، ولكن فيه أنه لا داعي له ، فالأولى والأحوط تعين إيقاع القضاء في الشهر الداخل هنا وإن قلنا بجواز توالي العمرتين ، أو الاكتفاء بالفرق بينهما بعشرة أيام في غير هذه الصورة ، والله العالم.

ولو نظر الى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان موسرا ، وإن كان متوسطا فبقرة ، وإن كان معسرا فشاة كما في النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب والجامع والنافع والقواعد وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل هو خيرة الأكثر كما اعترف به غير واحد ، بل هو المشهور ، لموثق أبي بصير (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى قال : إن كان موسرا فعليه بدنة ، وإن كان متوسطا فعليه بقرة ، وإن كان فقيرا فعليه شاة ثم قال فيه أما اني لم أجعل عليه لأنه أمنى ، إنما جعلته عليه لأنه نظر الى ما لا يحل له » وعن المفيد وسلار وابن زهرة أنه إن عجز عن الشاة صام ثلاثة أيام ، ولم نجد له ما يدل عليه بالخصوص ، ولعله لفحوى قيامها في كفارة الصيد ولو بعد العجز عن إطعام عشرة مساكين ، إلا أنها كما ترى لا يوثق بمثلها في الحكم الشرعي ، لكن في الرياض الحكم به معللا له بأنه أصل عام ، وفيه بحث خصوصا بعد ظهور النص هنا والفتوى في أن الغاية الشاة لا غيرها كما هو واضح ، وأما ما عن ابن حمزة من ترك الشاة أصلا فهو في غير محله بعد ما سمعت من النص والفتوى ، فالتحقيق حينئذ ما عليه المعظم للموثق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٨٥

المزبور ، والمناقشة في سنده بعد أن كان من قسم الموثق ومنجبرا بما عرفت واضحة الفساد ، كالمناقشة فيه بمعارضته بصحيح زرارة (١) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال : عليه جزور أو بقرة ، فان لم يجد فشاة » كما عن المقنع الفتوى به ، وتبعه بعض متأخري المتأخرين ، إذ هي كما ترى ، ضرورة قصوره بعد شذوذ العمل به عن معارضة الأول المعتضد بما سمعت ، على أنه يمكن تنزيله على الأول بحمل « أو » فيه على التخيير المجامع للترتيب ، بل لعل قاعدة الإطلاق والتقييد تقضي بذلك ، كل ذلك مع صراحة الموثق واحتمال الصحيح ، وكذا الكلام فيما ذكره بعض الناس من قوة احتمال الاكتفاء بشاة مطلقا لحسن معاوية بن عمار (٢) « في محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال : عليه دم لأنه نظر الى غير ما يحل له ، وإن لم يكن أنزل فليتق الله تعالى ولا يعد وليس عليه شي‌ء » إذ هو أيضا قابل للتنزيل على الموثق سواء أريد من الدم فيه الشامل للثلاثة أو خصوص الشاة ، بل هو مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد.

ثم إن الظاهر الرجوع في المفاهيم الثلاثة إلى العرف كما في نظائرها ، وقيل ينزل ذلك على الترتيب فتجب البدنة على القادر عليها ، فان عجز عنها فالشاة ، بل عن الفاضل والشهيد القطع به ، إلا أن الموثق ظاهر في الأول ، نعم هو ظاهر في أن الكفارة للنظر لا للإمناء كما سمعته في الحسن المصرح فيه أيضا بعدم الكفارة مع عدم الانزال ، وبه يصرف هنا ظاهر التعليل في الموثق.

ثم إن ظاهر النص والفتوى عدم الفرق في الحكم المزبور بين ما لو قصد الإمناء أو لا ، وبين النظر بشهوة أو لا ، ومعتاد الامناء وعدمه ، لكن في المسالك هذا كله إذا لم يكن معتاد الامناء عند النظر أو قصد الامناء به ، وإلا كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥.

٣٨٦

حكمه حكم مستدعي المني ، وفيه مع أنه مناف لإطلاق النص والفتوى هنا ما عرفته سابقا من عدم دليل على الاستمناء إلا ما سمعت مما لا يصلح معارضا للمقام ، والله العالم.

ولو نظر الى امرأته لم يكن عليه شي‌ء ولو أمنى بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، بل عن المنتهى دعواه صريحا ، بل لعله كذلك ، وهو الحجة بعد الأصل وصحيح معاوية ابن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال : لا شي‌ء عليه » وزاد في الكافي « ولكن يغتسل ويستغفر ربه ، وان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي‌ء عليه ، وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم ، وقال : في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل قال : عليه بدنة » وغيره كمفهوم التعليل في خبر أبي بصير (٢) السابق ونحوه.

نعم لو كان قد نظر إليها بشهوة فأمنى كان عليه بدنة كما صرح به غير واحد ، بل في المدارك وغيرها نسبته الى قطع الأصحاب أيضا ، بل عن المنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ حسن مسمع أبي سيار (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور » المعتضد بما سمعت بناء على اتحاد المراد بالجزور والبدنة كما هو مقتضى الجمع بينه وبين ذيل الصحيح الأول الذي هو دليل آخر على المطلوب أيضا خلافا للمحكي عن المفيد والمرتضى من إطلاق نفي الكفارة ، ولعله للأصل المقطوع بما عرفت ، وإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

٣٨٧

الصحيح المزبور أو عمومه المقيد أو المخصص به أيضا ، خصوصا بعد الالتفات الى ما في ذيله بناء على ما قيل من أن قوله عليه‌السلام فيه « بشهوة » إن خص به الانزال تباين الصدر والذيل تباينا كليا ، فليرجع الى النظر أيضا ليمكن الجمع بينهما إما بحمل الذيل على الاستحباب أو تقييد الصدر بالنظر بغير شهوة ، وهو الوجه لرجحان التخصيص على المجاز وإن وافق الأصل ، وإن كان لا يخلو من نظر ، ولكن عليه لم يبق إلا‌ موثق إسحاق بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى قال : ليس عليه شي‌ء » القاصر عن معارضة الأول من وجوه ، ولذا حمله الشيخ في التهذيب على السهو ، هذا ، وفي المسالك « ينبغي تقييد عبارة المتن بعدم اعتياده الامناء عند النظر أو قصده ، وإلا وجبت الكفارة كما لو نظر بشهوة فأمنى » ونفي عنه البأس بعضهم بالنسبة إلى الأول ، بل قال : إنه لا ينفك نظره عن الشهوة ، وهو جيد ، وعلى كل حال فما عن الحلبي ـ من أن في النظر بشهوة والإصغاء إلى حديثها وحملها أو ضمها الإثم ، فإن أمنى فدم شاة ـ كما ترى ، وفي كشف اللثام وكأنه حمل الدم في حسن ابن عمار على الشاة كما هو المعروف والبدنة على الفضل ، فان النظر دون المس ، وفيه أنا لم نعثر على حسن لابن عمار مشتمل على الدم في النظر ، ولذا اعترف غيره بعدم الدليل له ، وعلى تقديره فهو قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه ، كما هو واضح.

ولو مسها أي امرأته بغير شهوة لم يكن عليه شي‌ء وإن أمنى إذا لم يكن معتاد الامناء ولا قصده بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم نصا وفتوى ، ففي‌ حسن الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المحرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٧.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢ وذيله في الباب ـ ١٨ ـ منها الحديث ١.

٣٨٨

يضع يده من غير شهوة على امرأته قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها قلت : أفيمسها وهي محرمة؟ قال : نعم ، قلت : المحرم يضع يده بشهوة قال : يهريق دم شاة ، قلت : قبل قال : هذا أشد ، ينحر بدنة » وخبر محمد بن مسلم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى قال : إن كان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه » وعن الفقيه « فعليه دم شاة يهريقه ، فان حملها أو مسها بغير شهوة فأمنى أو لم يمن فليس عليه شي‌ء » وفي‌ صحيح مسمع (٢) من مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه » وقد سمعت ما في صحيح ابن عمار (٣).

ومن هذه النصوص يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره بل الأكثر بل المشهور من أنه لو مسها بشهوة كان عليه شاة ولو لم يمن ولإطلاق الدم في بعض النصوص جعل ابن حمزة فيما حكي عنه الفرض من قسم ما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيما لما فيه بدنة أو بقرة أو شاة أو حمل أو جدي ، ولكن فيه مضافا الى انسياق الشاة من الدم أنه قد صرح بها في خبر ابن مسلم على ما عن الفقيه المعتضد بفتوى الأصحاب ، ومنه يعلم ما في المحكي عن ابن إدريس من تخصيص الشاة بما إذا لم يمن ، وإلا فالبدنة مع الامناء وإن استدل له بأنه أفحش من النظر الذي فيه بدنة ، فيحتمل إطلاق الدم فيما سمعت على ما إذا لم يمن كما هو الغالب في المس ولو بشهوة ، مضافا الى ما في ذيل‌ صحيح ابن عمار (٤) السابق من البدنة « فيمن ينظر إلى امرأته وينزلها حتى ينزل » والى ضعف الخبر المزبور ، فلا يعارض الصحيح المذكور ، وفيه أولا انسياق الشاة من الدم ، بل في‌ خبر ابن مسلم على ما في الفقيه « فعليه دم شاة » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٨٩

وثانيا ما عرفت من انجبار الخبر بفتوى المشهور شهرة كادت تبلغ الإجماع ، فيرجح على الصحيح ، بل قيل مع أن في العمل بالخبر إبقاء لإطلاق الصحيحين بل عموم أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال على حاله ، فليطرح الصحيح أو يحمل على الاستحباب أو الاستمناء ، وهو الوجه ، وربما يشعر به‌ قوله عليه‌السلام « ينزلها حتى ينزل » قلت : بل ظاهر الصحيح المزبور اعتبار النظر والنزول بشهوة حتى ينزل لا النزول خاصة ، وحينئذ فالبدنة للنظر ، ودعوى أفحشية المس من النظر لا توافق مذهب الإمامية من حرمة القياس ، وبالجملة فالعمل على المشهور ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

ولو قبل امرأته بغير شهوة كان عليه شاة ، ولو كان بشهوة كان عليه جزور كما في النهاية والمبسوط والقواعد والتحرير والدروس وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل نسبه بعضهم إلى الأكثر ، لما سمعته سابقا من‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (١) « ينحر بدنة » الظاهر بمقتضى سياقه في كون التقبيل بشهوة ان لم نقل بانصراف التقبيل الى ذلك ولو بملاحظة الغلبة ، وخبر ابن أبي حمزة (٢) عن الكاظم عليه‌السلام « في رجل قبل امرأته وهو محرم قال عليه بدنة وإن لم ينزل » وحسن مسمع أو صحيحه (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه » إلا أنه ظاهر في اعتبار الامناء كما عن سلار وابن سعيد وإن أطلق أولهما وجوبها بالتقبيل وقيد ثانيهما بالشهوة كالمحكي عن ابن إدريس « من قبل امرأته بغير شهوة كان عليه دم ، فان قبلها بشهوة كان عليه دم شاة إذا لم يمن ، فإن أمنى كان عليه جزور » قيل : ونحوه الحلبي ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

٣٩٠

لقوله : في القبلة دم شاة للأصل المقطوع بما سمعت ، وضعف الخبر لمنجبر بما عرفت ، وظهور التقييد بالامناء في خبر مسمع المحمول على عدم ارادة التقييد بقرينة التصريح في الخبر المنجبر بما عرفت تقديما للنص على الظاهر ، وإطلاق الصادقين عليهما‌السلام في خبري زرارة (١) والعلاء بن الفضيل (٢) بأن عليه دما مع ظهوره في الشاة المحمول على ارادة حال غير الشهوة.

وبذلك كله ظهر لك أن المتجه في الجمع بين النصوص هو ما ذكره المصنف وغيره دون ما سمعته من ابن إدريس وغيره ، ونحو ما عن الصدوق في الفقيه من إطلاق وجوب الشاة بالتقبيل وكذا ما عن المفيد والسيد والصدوق في المقنع من إطلاق البدنة مع احتمال إرادة مع الشهوة ، خصوصا الأول منهم لقوله : وإن هوت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه » فان ظاهر قوله « وان هوت » الشهوة ، ضرورة منافاة كل من هذه الأقوال لبعض النصوص بخلاف المختار.

ولو قبلها بعد أن طاف هو طواف النساء دونها ففي‌ صحيح ابن عمار أو حسنه (٣) عليه دم يهريقه ، قال : « سألته عن رجل قبل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي قال : عليه دم يهريقه من عنده » ولم يحضر في أحد عمل به على جهة الوجوب ، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب ، لأن الفرض كونه قد أحل ، فلا شي‌ء عليه إلا الإثم إن كان ، وأما‌ خبر العلاء بن فضيل (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته ولم يقصر فقبلها قال : يهريق دما ، وإن كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما أن يهريق دما » فالحكم فيه ظاهر لما عرفت كما أنك عرفت سابقا في محرمات الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦.

٣٩١

حكم قبلة الأم ونحوها مما لم تكن قبلة بشهوة ولذة ، وأنه لا شي‌ء عليها ، قال الحسين بن حماد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يقبل أمه قال : لا بأس هذه قبلة رحمة ، إنما تكره قبلة الشهوة » بل استظهر منه اختصاص التحريم والكفارة بقبلة الشهوة دون غيرها ، فلا شي‌ء فيها ، وإن كان فيه أن المراد منه إخراج قبلة الأم ونحوها من ذي المحارم ممن تكون قبلته لغير تلذذ وشهوة نكاح ومقاربة ، وهو واضح ، كوضوح حكم ما يحضر في الذهن هنا من قبلة الأجنبية والغلام المحرمين وغير المحرمين مع كون المقبل محرما ، وحكم التقبيل بغير الوجه من النحر والبطن وتقبيل الامرأة للرجل وغير ذلك بعد الإحاطة بنظائرها في الجماع ، ومعلومية ملاحظة العنوان في الحكم على حسب ما تقتضيه الضوابط التي يخرج بها عن القياس المحرم ، ومن هنا لم يكرر الأصحاب التفريع في كل موضوع خاص ، والله العالم.

وكذا يجب الجزور عليه لو أمنى عن ملاعبة بامرأته ، بل وعلى الامرأة لو كانت مطاوعة لصحيح ابن الحجاج (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألت عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع » بل في المدارك وغيره أن مقتضاه وجوب البدنة ، لأنها الواجب في الجماع ، ويمكن أن تكون هي المراد من الجزور كما سمعته مكررا ، والله العالم.

ولو استمع على من يجامع فأمنى من غير نظر لم يلزمه شي‌ء بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وموثق سماعة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٠ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤.

٣٩٢

« في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى قال : ليس عليه شي‌ء » وغيره من النصوص ، وكذا لا شي‌ء عليه لو سمع كلام امرأة أو وصفها فأمنى ، للأصل وخبر أبي بصير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم فتشاهى حتى أنزل قال : ليس عليه شي‌ء » نعم قد صرح غير واحد ومنهم ثاني الشهيدين في المسالك باستثناء معتاد الامناء بذلك ، لأنه حينئذ من الاستمناء أي فتجب فيه البدنة كما عرفت سابقا ، ولكن فيه ما تقدم أيضا من الاشكال خصوصا مع إطلاق النص والفتوى هنا ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، واحترز بقوله : « من غير نظر » عما لو نظر الى الامرأة المجامعة بالفتح فأمنى ، فإنه قد سمعت وجوب الكفارة حينئذ أما إذا نظر إلى المجامع دونها أو إلى المتجامعين وهما ذكران أو ذكر وبهيمة فلا شي‌ء للأصل وإن قيل إنه أطلق الأصحاب شرط انتفاء النظر إليهما ، وفي المهذب من غير أن ينظر إلى الذي يفعل ، وجعل الحلبي في الإصغاء إليها مع الإمناء شاة ، ولكن لا يخفى أن الدليل لا يقتضي أريد مما ذكرناه ، بل يمكن تنزيل الإطلاق وغيره عليه ، بل لعله الظاهر ، والله العالم.

فرع‌ لو حج أو اعتمر تطوعا فأفسده ثم أحصر كان عليه بدنة للإفساد لما تقدم من النص (٢) المعتضد بالفتوى ودم للإحصار لذلك أيضا كما عرفته في محله ، ولا تسقط بدنة الإفساد بالاحصار لتحقق الهتك ولإطلاق الأدلة ، كما أن الإفساد لا يمنع التحلل بالاحصار للعمومات نعم كفاه قضاء واحد في سنته أو في القابل وإن قلنا في فساد حجة الإسلام إن الثانية الفريضة والأولى عقوبة ، للفرق بأن المفروض فيما نحن فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٠ من أبواب الاستمتاع الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣ و ١٢ من أبواب كفارات الاستمتاع.

٣٩٣

أنه تطوع غير واجب ، وإنما وجب بالإحرام الذي لا يتحلل منه إلا بأداء المناسك أو بالاحصار ، وقد حصل الأخير ، فخرج عن العهدة ، ولم يبق عليه إلا حج العقوبة ، واحتمال أنه بالإحرام وجب عليه حجة أو عمرة صحيحة ولم يأت بها فلا فرق بينه وبين حجة الإسلام واضح المنع بعد أصالة البراءة وانكشاف عدم وجوب الإتيان بها بالاحصار فضلا عن وجوب الإتيان بها صحيحة وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك في بحث الإحصار.

ثم ان ظاهر النصوص المتقدمة وجوب القضاء في القابل ، والمنساق منه السنة الأولى مما بعد هذه السنة من السنين لا أي سنة كانت منها ، كما أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين حجة الإسلام وغيرها وبين ما كان الفاسد فوريا أولا ، بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، وفي محكي الخلاف القضاء على الفور الى أن قال : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم التي تضمنت أن عليه الحج من قابل ، واحتمال إرادته إجماعهم على مضمون النصوص الذي يمكن منع انحصار القابل فيه في أولى ما بعد هذه السنة من السنين كما ترى ، نعم قال بعد ذلك : ولا ناقد بيننا أن حجة الإسلام على الفور دون التراخي ، وهذه حجة الإسلام ، وهذا يفيد أنه على الفور إن كان الفاسد كذلك كما هو نص الفاضل في القواعد ، لكن يمكن أن يكون ذلك دليلا على بعض أفراد الدعوى ولذا قال بعد ذلك أيضا وأيضا ، فلا خلاف في أنه مأمور بذلك والأمر عندنا يقتضي الفور ، وإن كان فيه منع واضح ، كقوله أيضا : وما ذكرناه مروي عن عمر وابن عمر ، ولا مخالف لهما يعني فكان إجماعا كما عن التذكرة والمنتهى ، وزيد فيهما أنه لما دخل في الإحرام تعين عليه ، فيجب أن يتعين عليه القضاء ، ولعله يريد تعين عليه فورا وإن كان هو أيضا كما ترى ، والعمدة ما ذكرناه من النصوص ومحكي الإجماع ، ولو لا ذلك لكان المتجه الفور إن كان القضاء فرضه وكان فوريا ،

٣٩٤

وإلا فالأصل العدم ، والله العالم.

المحظور الثاني الطيب فمن تطيب أي استعمل الطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا بالكسر أي إداما أو بالفتح أو إطلاء ابتداء أو استدامة بأن كان مستعملا له قبل الإحرام ثم أحرم أو بخورا أي تبخيرا أو في الطعام بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى الإجماع عليه ، بل زاد في محكي التحرير « سواء استعمله في عضو كامل أو بعضه ، وسواء مست الطعام النار أولا » كما عن التذكرة بزيادة « شما ومسا ، علق به البدن أو عبقت به الرائحة ، واحتقانا واكتحالا واستعاطا لا لضرورة ، ولبسا لثوب مطيب وافتراشا له بحيث يشم الريح ، أو يباشر بدنه أو ثياب بدنه » بل قال : « لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت الفدية » مستدلا على الجميع بالعمومات ، والذي يحضرنا من النصوص‌ صحيح زرارة (١) « من أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه شاة » وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه المروي عن قرب الاسناد « لكل شي‌ء خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت » وصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه » والصحيح المضمر (٤) « في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج فقال : إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه » ولكن في‌ مرسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

٣٩٥

حريز وصحيحه (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به ولا بريح طيبة ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر شبعه » وفي‌ صحيح ابن عمار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « اتق قتل الدواب كلها ، ولا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في زادك ، وأمسك على أنفك من الريح الطيبة ، ولا تمسك من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فعليه غسله ، وليتصدق بقدر ما صنع » وسأله عليه‌السلام الحسن بن هارون (٣) « قلت له : أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت ، قال : إذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم ».

وعن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمونهما مع صحيح زرارة ولعل الأولى حمل هذه النصوص على حال السهو أو الضرورة كما عن المنتهى ، بل ربما يشعر به قوله عليه‌السلام « فمن ابتلى » والعمدة ما سمعته من النصوص ومحكي الإجماع المعتضد بما عن الخلاف من أنه « لا خلاف في أن في الدهن الطيب الفدية على أي وجه استعمله ، وأن ما عدا المسك والعنبر والكافور والزعفران والورس والعود لا كفارة فيه عندنا للإجماع والأخبار وأصل البراءة ، وأن في أكل طعام فيه طيب الفدية على جميع الأحوال ، وقال مالك : « إن مسته النار فلا فدية » وقال الشافعي : « إن كانت أوصافه باقية من طعم أو لون أو رائحة ففيه الفدية ، وإن بقي له وصف ومعه رائحة ففيه الفدية قولا واحدا ، وإن لم يبق غير لونه وما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦ و ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٣٩٦

بقي ريح ولا طعم فيه قولان : أحدهما مثل ما قلناه والثاني لا فدية عليه ـ قال ـ : دليلنا عموم الأخبار في أن من أكل طعاما لا يحل له أكله وجبت عليه الفدية ، وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه ، وإن كان قد يشكل بأنه مع عدم بقاء الرائحة له لم يكن طعاما لا يحل له أكله ـ وقال أيضا ـ : إذا مس طيبا ذاكرا لإحرامه عالما بالتحريم رطبا كالغالية أو المسك أو الكافور إذا كان مبلولا بماء ورد أو دهن طيب فعليه الفداء في أي موضع كان من بدنه ولو بعقبة ، وكذلك لو تسعط به أو حقن به ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : « لو ابتلع الطيب فلا فدية » وعندنا وعند الشافعي ظاهر البطن وباطنه سواء وكذلك إن حشى جرحه بطيب فداه ، دليلنا عموم الأخبار التي وردت فيمن استعمل الطيب أن عليه الفدية ، وهي عامة في جميع المواضع ، وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه ـ قال ـ : وإن كان الطيب يابسا مسحوقا فان علق ببدنه منه شي‌ء فعليه الفدية ، فان لم يعلق بحال فلا فدية ، وإن كان يابسا غير مسحوق كالعود والعنبر والكافور فان علق ببدنه رائحته ففيه الفدية ، وقال الشافعي : إن علق به رائحته ففيه قولان ، دليلنا عموم الأخبار وطريقة الاحتياط » ونحوه ما في محكي المبسوط بالنسبة إلى حكم الطيب ، نعم ليس في محكي النهاية كالمهذب والسرائر سوى أكل ما لا يحل له فشاة ، واستعمال دهن طيب فعن المهذب شاة وفي النهاية والسرائر دم وإن اضطر اليه ، لكن ذلك ليس خلافا كعدم ذكر المفيد له في باب الكفارات ، ولا في باب الكفارة عن خطأ المحرم كفارة إلا ما ذكره من « أن أكله طعاما لا يحل له متعمدا فعليه دم شاة » ونحوه عن ابن حمزة ، بل قيل لم يذكر له سلار كفارة أيضا ولا السيد في الجمل ، ولكنه قال أخيرا « فاما إذا اختلف النوع كالطيب واللبس فالكفارة واجبة على كل نوع منه » ولا ابن‌

٣٩٧

سعيد إلا قوله : روي (١) فيمن داوى قرحة له بدهن بنفسج بجهالة طعام مسكين » وقوله : « في الدهن الطيب مختارا دم » نعم عن النزهة « إذا استعمل المحرم المسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران مختارا وجب عليه شاة ولم أقف في التهذيب على خبر يتضمن وجوب الشاة في استعمال الكافور ، والمعتمد في ذلك على عمل أصحابنا ، وكذا ما عن الحلبي من الاقتصار على الشم والأكل قال : « في شم المسك والعنبر والزعفران والورس وأكل طعام فيه شي‌ء منها دم شاة ، وفيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة » وبالجملة فالعمدة ما سمعته من المنتهى والخلاف بل وغيرهما أيضا مضافا الى ما سمعته من النصوص ولا يقدح سكوت هؤلاء ، كما لا يقدح ما سمعته من الصدوق المحجوج على تقدير خلافه بما عرفت ، كما هو واضح ، ولكن قد تقدم سابقا في تروك الإحرام تحقيق الحال ، فلا حظ وتأمل.

ثم إنه قد عرفت حرمة الاستدامة كحرمة الابتداء فان كان عليه أو على ثوبه طيب وسهى عن إزالته الى أن أحرم أو وقع عليه وهو محرم أو سهى فتطيب وجبت إزالته بنفسه أو بغيره ، ولا كفارة عليه بغسله بيده ، لأنه بذلك تارك للطيب لا متطيب كالماشي في الأرض المغصوبة للخروج عنها ، ول‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) لمن رأى عليه طيبا : « اغسل عنك الطيب » وعن المبسوط والمنتهى والتذكرة استحباب الاستعانة فيه بحلال ، بل لعل الأولى استقلاله (٣) بإزالته ، لما سمعته من التذكرة من ترتب الفدية عليه لو داسه بنعله فضلا عن غسله بيده ، بل لا يبعد تعين الحلال عليه إذا كان غسله بيده يستلزم بقاء الطيب بيده ، والله العالم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٢) صحيح مسلم ج ٤ ص ٤.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ولعل الصواب « عدم استقلاله ».

٣٩٨

ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان فيه زعفران ، وكذا الفواكه كالأترج والتفاح ، والرياحين كالورد والنيلوفر أي لا بأس بشمها كخلوق الكعبة ، لكن احتمل في المسالك كونه معطوفا على الطيب للرواية الصحيحة (١) الدالة على تحريمه ، قال : « وهو الأقوى ، لكن يستثنى منه الشيخ والخزامى والإذخر والقيصوم للرواية (٢) » قلت : تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا في التروك ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

المحظور الثالث القلم ، وفي كل ظفر مد من طعام الى أن يبلغ العشرة أو العشرين وحينئذ ففي أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد إذا لم يتخلل التكفير دم واحد ولو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان وفاقا للمشهور في ذلك كله ، بل عن الخلاف والغنية والمنتهى الإجماع عليه ، بل هو كذلك في الأخير ، وأما الأول فهو الحجة فيه بعد المعتبرة المستفيضة ، ففي‌ صحيح أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قلم ظفرا من أظفاره وهو محرم قال : عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة ، قلت : فان قلم أظفار يديه ورجليه جميعا فقال : إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعليه متفرقا في مجلسين فعليه دمان » وعن نسخة بدل « مد من طعام » قيمته ، إلا أن النسخة الأولى هي الموافقة لفتوى المعظم ومحكي الإجماع والاحتياط ، ول‌ خبر الحلبي (٤) المنجبر ضعفه بما سمعت ، « سألته عن محرم قلم أظافيره قال : عليه مد في كل إصبع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

٣٩٩

فان هو قلم أظافيره عشرتها فان عليه دم شاة » خلافا للمحكي عن الإسكافي ففي الظفر مد أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم إن كان في مجلس واحد فان فرق بين يديه ورجليه فليديه دم ولرجليه دم وعن الحلبي « في قص ظفر كف من طعام ، وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وفي أظفار كلتيهما دم شاة ، وكذا حكم أظفار رجليه ، وإن كان الجميع في مجلس فدم » وهما محجوجان بما سمعت ، بل في المدارك « لم نقف لهذين القولين على مستند » وهو كذلك بالنسبة إلى تمام الدعوى ، أما بعضها فقد يشهد للإسكافي في التخيير ما سمعته من نسختي المد والقيمة ، وللدم في الخمسة‌ صحيح حريز (١) عن الصادق عليه‌السلام « في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره قال : يتصدق بكف من الطعام ، قال : قلت : اثنين قال : كفين ، قلت : فثلاثة قال : ثلاثة أكف حتى تصير خمسة فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان » ومرسله (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في محرم قلم ظفرا قال : يتصدق بكف من طعام ، قال : قلت : ظفرين قال : كفين ، قال : ثلاثة قال : ثلاثة أكف ، قال : أربعة قال : أربعة أكف ، قال : خمسة قال : عليه دم يهريقه ، فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه » ولكن الأول في الناسي الذي لا شي‌ء عليه نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، على أنه والثاني الذي لا جابر له قد تضمنا التقدير بالكف من الطعام ، ويمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، فيكون من الشواذ إن لم تحمل على الندب ، مع احتمال الأخير اتحاد المجلس والتقية ، فإن المحكي عن أبي حنيفة إيجاب الدم لها ، بل لعل الأول كذلك إن لم يكن في الناسي ، وأما‌ صحيح ابن عمار وحسنه (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

٤٠٠