جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قد يدل مفهوم مضمر زرارة (١) على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية أو أحدهما عالما والآخر جاهلا والمكره بحكم الجاهل ، لكنه مقطوع السند ، فلا يقيد به إطلاق الأخبار السابقة إلا أن يقال : إن الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق انما هو صورة المطاوعة دون الإكراه ، فليحمل عليها ، وبنحوه يمكن الجواب عن إطلاق الفتاوى سيما نحو العبارة مما ذكر فيه الحكم بالتفريق بعد حكم صورة المطاوعة دون المكرهة ، ولا يخلو عن وجه ، إلا أن الاحتياط يقتضي التفريق مطلقا ، سيما مع عدم وضوح صحة دعوى الغلبة في ذلك ، قلت : قد يقال بناء على عدم صحتها بظهور العبارة وما شابهها المشتملة على قول وعليهما وعلى وجوب الحج عليهما مما هو صريح أو كالصريح في المطاوعة ، ضرورة عدم وجوب ذلك على غيرهما ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( معنى الافتراق أن لا يخلوا إلا ومعهما ثالث ) كما في القواعد ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب وغيرها ، لما سمعته من صحيح ابن عمار وحسنه (٢) ومرفوع أبان بن عثمان (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « معنى يفرق بينهما أي لا يخلوان إلا ويكون معهما ثالث » ومرفوعه (٤) الآخر الى أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : « المحرم إذا وقع على أهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان إلا أن يكون معهما ثالث » ومنهما يعلم المراد بذلك ، وإلا فمعنى الافتراق عدم الاجتماع ، نعم الظاهر كونه كناية عن المانع من المواقعة ولو بحضور ثالث يمتنع معه حصولها ، فلا عبرة بغير المميز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥ و ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦.

٣٦١

والزوجة والأئمة ونحوهم ممن لا يمنعها حضورهم ، والله العالم.

ولو أكرهها كان حجها ماضيا ولا تحتاج الى قضاء بلا خلاف أجده بل ولا إشكال ، للأصل وظاهر النصوص عموما وخصوصا ، وكذا لو أكره هو كما صرح به في محكي التذكرة والمنتهى مشعرا بالإجماع عليه ، وهو كذلك ضرورة عدم الفرق وإن ذكرت النصوص صورة المكرهة باعتبار غلبة وقوعها وتعارف حصولها لا العكس.

نعم كان عليه أي الزوج المكره المحرم كفارتان بدنتان بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف الإجماع على لزوم كفارتين بجماعها محرمين مضافا الى‌ صحيح معاوية بن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل محرم واقع أهله فيما دون الفرج قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل ، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وعليهما الحج من قابل » وخبر ابن أبي حمزة (٢) المتقدم المجبور بالعمل ولا ينافي ذلك ما في‌ صحيح سليمان بن خالد (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١ وفي ذيله « وعليه الحج من قابل » إلا أن الموجود في التهذيب ج ٥ ص ٣١٨ الرقم ١٠٩٧ « وعليهما الحج من قابل » وأورد العلامة القمشهي قدس‌سره هنا تعليقة في هامش النسخة الأصلية ما لفظه « وعليه كذا في الوسائل المصحح على أربع نسخ وهو الصواب إذ ليس على المرأة المستكرهة حج من قابل وقد استدل به لذلك المصنف قدس‌سره ولو كان كما في الجواهر لدل على وجوب الحج من قابل عليها أيضا وهو خلاف الإجماع نصا وفتوى ولكن في المسودة أيضا كالمبيضة بلفظ عليهما ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٦٢

رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما؟ قال : إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ، ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك وحتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها فليس عليها شي‌ء » وإن قال في المدارك : « وربما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة على الزوج مع الإكراه » إلا أنه كما ترى ضرورة عدم دلالة نفي الشي‌ء عنها على ذلك بوجه من الوجوه ، فيكون غيره مما دل على ذلك سالما عن المعارض ، وحينئذ فما في المدارك من الدغدغة في هذا الحكم في غير محله ، نعم يتجه الاقتصار في ذلك على محل النص والفتوى كما اختاره في المسالك ، وهو إكراه الزوج لأهله لا غيره حتى صورة العكس فضلا عن إكراه الأجنبي لهما ، فلا شي‌ء على المكره إلا الإثم ، للأصل السالم عن معارضة النص بعد فرض ظهوره في غير الفرض ، بل لعله لا يتحمل لو أكرهها وهو محل لما عرفته ، مع احتماله لأن إحرامه لا يؤثر إلا في وجوبها عن نفسه ، ولعل الأول أقوى ، ثم إنه هل لبدنة الإفساد بدل أم لا؟ تسمع الكلام فيه إنشاء الله.

وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أنه لا يتحمل عنها شيئا سوى الكفارة للأصل السالم عن المعارض ، فلا يجب عليه تعدد قضاء الحج ، والله العالم.

ولو جامع عالما عامدا بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع في غير الفرج كالتفخيذ ونحوه قبل الوقوف كان حجه صحيحا وعليه بدنة لا غير بلا خلاف أجده في الأول ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى أصل الصحة‌

٣٦٣

ومفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل » وحسنه (٢) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال : عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء » ونحوه خبر زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام وعبر بمضمونه في محكي المقنع ، ولعل المراد به البدنة ، وغير ذلك كمرسل الصدوق (٤) السابق ونحوه.

وكذا لا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد في الثاني أيضا الذي هو مندرج فيما سمعته من الحسن ، إذ المركب لا يتم إلا بجميع أجزائه ، نعم ظاهر‌ خبر حمران (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام الفساد ، قال : « وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه » إلا أن الإجماع بقسميه على خلافه مع ضعفه ، فوجب إرادة مطلق النقص منه ، وفي‌ خبر القلانسي (٦) عن الصادق عليه‌السلام « ان على الموسر بدنة ، وعلى المتوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة » ولكن لم نجد من أفتى به.

وعلى كل حال فلا شي‌ء على الجاهل والناسي لما عرفت من أنه لا شي‌ء عليهما قبل الوقوف وقبل طواف الزيارة ، فهنا أولى ، وخصوص حسن معاوية (٧) في الجاهل هنا ، كخبر سلمة بن محرز (٨) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء قال : ليس عليه شي‌ء ، فخرجت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٦٤

إلى أصحابنا فأخبرتهم فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن مثل هذا فقال : عليك بدنة ، قال : فدخلت عليه فقلت : جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني به فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن ذلك فقال : عليه بدنة ، فقال : إن ذلك كان بلغه فهل بلغك؟ قلت : لا ، قال : ليس عليك شي‌ء » ورواه الشيخ (١) في الصحيح اليه ، قال : « انه كان تمتع حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع الى منى ولم يطف طواف النساء فواقع أهله ، فذكر لأصحابه فقالوا فلان قد فعل مثل ذلك فسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فأمره أن ينحر بدنة ، قال سلمة : فذهبت الى أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته فقال : ليس عليك شي‌ء ، فرجعت الى أصحابي فأخبرتهم بما قال ، فقالوا : اتقاك وأعطاك من عين كدرة ، فرجعت الى أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت اني لقيت أصحابي فقالوا اتقاك وقد فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة ، فقال : صدقوا ، ما اتقيتك ولكن فلان قد فعله متعمدا وهو يعلم ، وأنت فعلته وأنت لا تعلم ، فهل كان بلغك ذلك؟ فقلت : لا والله ما كان بلغني ، فقال : ليس عليك شي‌ء » الى غير ذلك من النصوص.

بل وكذا لا خلاف أجده في الثالث ، المراد بالفرج فيه ما يشمل الفرجين كما أنك قد سمعت ما في‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج قال : عليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل ، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وعليهما الحج من قابل » ولا يقدح عدم القائل بما في ذيله خصوصا إذا كان المراد حكم هذا الجماع الذي هو التفخيذ ، أما ما فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١ راجع التعليقة (١) ص ٣٦٢.

٣٦٥

من وجوب البدنة عليها مع المطاوعة وتحمله عنها مع الإكراه فكذلك لم أجد مصرحا به هنا ، ويمكن حمله على الجماع الحقيقي لا مثل الفرض ، أو أنه تطرق بعض التحريف من النساخ ، وصحيحه (١) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « في المحرم يقع على أهله قال : إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل » على أنك قد عرفت عدم الفساد بالجماع الحقيقي بعد الوقوف فضلا عن التفخيذ ونحوه بعده.

نعم قد يتوقف في وجوب البدنة معه إذا لم يكن أنزل ولكن في المدارك « وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في لزوم البدنة بالجماع في غير الفرج بين أن ينزل وعدمه ، وتردد العلامة في المنتهى في وجوب البدنة مع عدم الانزال ، ولا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب وتصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل والشاة بالمس بشهوة كما سيجي‌ء بيانه » قلت : لعل وجهه انسياق غيره من الإطلاق المزبور ، فيبقى الأصل سالما ، فتأمل جيدا ، بقي شي‌ء وهو أن ظاهر التعبير في المتن بلو الوصلية يقتضي وجوب البدنة بعد الطواف ولا ريب في فساده ، ضرورة حلهن له بعده ، فكان الأولى ترك ذكرها ، اللهم إلا أن يراد بذلك بيان وجوبها قبل ذلك لا بعده ، والله العالم.

تفريع‌ إذا حج في القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أولا وهكذا ، للعمومات الشاملة له ، إذ هو حج صحيح سواء قلنا عقوبة أو فريضة لكن لا يتعدد القضاء ، فإذا أتى في السنة الثالثة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء وقضاء ولا يجب عليه قضاء آخر وإن أفسد عشر حجج ، كما نص عليه الفاضل في جملة من كتبه وغيره ، لأنه انما كان يجب عليه حج واحد صحيح وكذا لو تكرر الجماع في الإحرام الواحد لم يتكرر القضاء ، وأما البدنة ففي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٦٦

تكررها أوجه يأتي الكلام فيها إنشاء الله.

وفي الاستمناء أي استدعاء المني بالعبث بيديه أو بملاعبة غيره أو غير ذلك ، والفرق بينه وبين الاستمتاع بغير الجماع تجرده عن قصد الإمناء بخلافه ، وقيده غير واحد منهم المصنف في النافع والفاضل في القواعد بكونه بيده ولا دليل عليه بدنة بلا خلاف أجده فيه مع الانزال كما اعترف به في المدارك وغيرها ولكن الكلام في أنه هل يفسد به مع ذلك الحج ويجب القضاء قيل كما في التهذيب والمهذب والوسيلة والجامع نعم يجب به القضاء ، واختاره في المختلف بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر ، بل ظاهره اختياره كالشهيدين والكركي لموثق إسحاق بن عمار (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال : أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل » والمناقشة في السند مدفوعة بما حررناه في الأصول من حجية الموثق ، على أنه معتضد هنا بما في التنقيح قال : قال ابن الجنيد : هي في حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، ومسمع ممدوح مدحه الصادق عليه‌السلام يلقب بكردين بكسر الكاف فانجبر ضعف رواية ابن عمار بهذه ، مع أن القائل بها أكثر ، والعمل بها أحوط وفي المختلف وقال أبو علي بن الجنيد : وعلى المحرم إذا أنزل الماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي يجامع في حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مضافا الى ما قيل من أنه أقبح من إتيان أهله ، فيكون أولى بالتغليظ ، بل في المختلف زيادة الاستدلال بصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

٣٦٧

ابن الحجاج (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع » وإن كان فيه أنه لا يدل على وجوب القضاء ، نعم فيه إشعار بكون ذلك كالجماع الذي قد عرفت إيجابه القضاء فضلا عن إيجابه ذلك في الصوم.

وقيل لا يجب القضاء كما عن ابن إدريس والحلبي وجماعة ، وربما نقل عن الشيخ في الخلاف والاستبصار وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها الأصل المعتضد بما في صحيحي ابن عمار (٢) السابقين من عدم القضاء على من جامع فيما دون الفرج الذي هو أغلظ من الاستمناء أو أنه فرد منه ، بل ربما كان شاملا لما إذا أراد الاستمناء بوضع الحشفة بالفرج من غير إدخال على أن الموثق المزبور الذي هو الأصل في المسألة لا دلالة فيه على حكم الاستمناء على الإطلاق ، بل على الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة ، والمتخلف عنه أخرى ، ولذا اقتصر على مورده الشيخ الذي هو الأصل في القول به ، وفي الرياض وهو الأقوى ، ولا موجب للتعدية هنا حتى رواية مسمع المتقدمة ، فإن متنها كما في المختلف عن الإسكافي هكذا « إذا أنزل الماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع » قال في المختلف بعد نقله : وليس هذا صريحا منه بالإفساد لاحتمال المساواة في البدنة فإن النظر لا يقتضي الإفساد ، قلت : ولعله لذا لم يستدل بها أحد سوى المقداد في التنقيح ، ومع ذلك ينبغي تقييدها بما إذا وقع ذلك قبل أحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١ و ٢.

٣٦٨

الموقفين مع ما مر من أحد الوصفين لا مطلقا اتفاقا ، فلا يبعد أن يكون المراد بها ما في صحيح ابن الحجاج المصرح بالكفارة مثل الذي جامع ، فينحصر الدليل في الموثق الذي قد عرفت عدم صراحته في الاستمناء وإن جامعه في بعض الأحوال ، ولكنه معارض بما سمعته في الصحيحين الذي قد يجامع الاستمناء أيضا في بعض الأحوال ، ولا ريب في رجحانهما عليه ، ومن هنا حمل على الندب وبه يعلم ما في كلام الشهيد من دعوى عدم معارض للموثق ، وبعد تسليم التكافؤ فالأصل عدم القضاء به من غير فرق بين الاستمناء بيده وبغيره ، إذ قد عرفت أنه لا دليل على التقييد الواقع من غير واحد ، والله العالم.

ولو جامع أمته محلا عالما بأنه لا ينبغي له ذلك عامدا مختارا وهي محرمة بإذنه تحمل عنها الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة مخيرا بينها مع قدرته عليها وإن كان معسرا لم يقدر إلا على الشاة فشاة أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، وإن كان لم يحك إلا عن والد الفاضل ويحيى بن سعيد ، بل عن النهاية عليه بدنة ، فان لم يقدر فشاة أو صيام ثلاثة أيام ، وعن المبسوط والسرائر كان عليه كفارة يتحملها عنها ، فان لم يقدر على البدنة كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام ، وعلى كل حال فالأصل فيه‌ موثق إسحاق بن عمار أو صحيحه (١) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام أخبرني عن رجل محل وقع على أمة محرمة قال : مؤسرا أو معسرا ، قلت : أجبني عنهما ، قال : هو أمرها أو لم يأمرها وأحرمت من قبل نفسها ، قلت : أجبني عنهما ، قال : إن كان مؤسرا وكان عالما أنه لا ينبغي له وكان هو الذي أمرها بالإحرام كان عليه بدنة ، وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ، وإن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شي‌ء عليه مؤسرا كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٦٩

أو معسرا ، وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام » وعن البرقي (١) روايته في المحاسن بسنده عن صباح الحذاء ، وفي آخره « أو صيام أو صدقة » والظاهر أن المراد بإعسار المولى الموجب للشاة والصيام إعساره عن البدنة والبقرة وبالصيام صيام ثلاثة أيام التي هي المعروفة في بدل الشاة مع احتمال الاكتفاء باليوم الواحد.

وعلى كل حال فلا محيص عن العمل بالموثق المزبور بعد اعتباره في نفسه بل قيل وانجباره بفتوى الأصحاب ، وأما ما سمعته من الشيخ وابن إدريس فلم أجد لهما دليلا عليه فضلا عن أن يكون معارضا ، نعم في كشف اللثام كأنهما حملا الخبر على الإكراه للأصل ، مع ضعفه ومعارضته بصحيح ضريس (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت قال : يأمرها فتغتسل ثم تحرم ولا شي‌ء عليه » وهو كما ترى ، مع أنه حمله في المحكي من كتابي الأخبار على أنها لم تكن لبت ، كما أن المراد من‌ خبر وهب بن عبد ربه (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها أله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل أن تحرم؟ قال : نعم » صورة عدم الاذن لها ، فإنه حينئذ يكون لغوا لا أثر له.

ثم إن ظاهر الموثق المزبور ما صرح به غير واحد من عدم الفرق بين المطاوعة والمكروهة ، لكن ذكر الفاضل ومن تبعه أن عليها مع المطاوعة الإثم والحج من قابل ، وعلى المولى اذنها فيه إن كان قبل المشعر ، والصوم ستين يوما أو ثمانية عشر يوما عوض البدنة إن قلنا بالبدل لهذه البدنة ، لعجزها عنها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٧٠

وإن لم نقل بالبدل توقعت العتق والمكنة ، وتوقف فيه غير واحد من متأخري المتأخرين ، وفيه أنه يمكن أن يكون ذلك لإطلاق النصوص السابقة ، خصوصا بعد ما ذكره هناك من عموم الأهل والمرأة للأمة ، وإن كان فيه ما عرفت ، قيل : ولا ينافيه إطلاق هذا الموثق لأنه بالنسبة إلى المولى خاصة دون حكم الأمة فهو مجمل فيه لا تعرض فيه لشي‌ء منه ، ولم يقيد في الفتوى والرواية الجماع بوقت ، فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة اليه ، أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق ، فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة والعلم ، قلت : لكن الانصاف مضافا الى كون مورد تلك النصوص المحرمين أن الموثق المزبور ظاهر في كون الكفارة على المولى باعتبار إحرامها ، وإلا فهو محل لا كفارة عليه ، ففي الحقيقة ذلك كفارة عنها ولا شي‌ء عليها من غير فرق بين المطاوعة والمكرهة ، ولا استبعاد بعد الأصل وظهور الموثق في عدم الفساد الموجب لإعادة الحج ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا بعد إمكان دعوى انسياق الموثق المزبور الى ما هو الغالب من علم الجارية بتقديم طاعة مولاها على كل شي‌ء ، فهي غير عالمة بالحال ، فلا يترتب عليها شي‌ء.

ولو كان المحرم باذنه عبدا فالظاهر عدم إلحاقه بالأمة في الحكم ، لأصالة البراءة من الكفارة ، والاشتراك في المملوكية وكونه أفحش لا يقضيان بترتبها بعد حرمة القياس ، وإن حكي عن بعض المتأخرين اختياره ، ولكنه أحوط.

ثم إن المنساق من النص والفتوى حرمة وطء الأمة المحرمة بإذنه عليه بل‌ قوله عليه‌السلام في الموثق : « وكان عالما أنه لا ينبغي له » كالصريح في ذلك ، ولولاه لأمكن القول بعدم الحرمة عليه وإن وجب على الأمة الامتناع ، فإن أكرهها لا إثم على أحد منهما نحو ما قيل في الزوج الذي حكمه الإفطار مع الزوجة التي حكمها الصيام ، اللهم إلا أن يستفاد الحرمة عليه أيضا من فحوى‌

٣٧١

المقام كما جزم به بعض مشايخنا وإن كان انطباقه على القواعد لا يخلو من إشكال ثم إنه قد يستفاد من فحوى المقام وجوب الكفارة أيضا لو جامع المحل زوجته المحرمة مكروها لها أو مطاوعة نحو ما سمعته من الكلام في الأمة ، بل قد يستفاد حكم العكس أيضا ، وهو ما لو كان الرجل محرما والأمة أو الامرأة محلة فأكرهته على المواقعة أو طاوعها ، وإن كان ذلك كله لا يخلو من نظر ، والله العالم.

ولو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة كما عرفته سابقا فيمن جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل طواف النساء ، إذ هو شامل للفرض وانما أعاده للتنبيه على حكم الأبدال ، فقال فان عجز فبقرة أو شاة كما في النافع والقواعد ومحكي التهذيب وعن المهذب والإرشاد والتلخيص ، فان عجز فبقرة ، فإن عجز فشاة ، وعن النهاية والمبسوط والسرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى عليه جزور ، فان عجز فبقرة ، فإن عجز فشاة ، ولكن لا خلاف بين الجميع في صحة الحج ، وقد عرفت أن المراد من‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر حمران (١) : « فقد أفسد حجه » النقص ، كما أنك قد سمعت اتحاد المراد من الجزور والبدنة كما عن المنتهى والتذكرة ، وسمعت أيضا سابقا ما يدل على وجوب البدنة أو الجزور ، مضافا الى‌ حسن ابن عمار (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن متمتع وقع على أهله ولم يزر قال : ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه » وهو نص في السقوط عن الجاهل ، ومثله الناسي إن لم يكن أولى منه بالعذر ، كأولوية العفو عنها كما عرفت قبل الوقوف فضلا عما بعده.

إنما الكلام في البدل عنها حالة العجز ، ولم أجد ما يدل عليه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٧٢

النصوص كما اعترف به غير واحد لا على جهة التخيير المذكور في المتن ولا الترتيب المذكور في غيره ، بل لعل‌ خبر أبي بصير (١) يدل على عدم البدل ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهو محرم قال : عليه جزور كوما فقال : لا يقدر ، قال : ينبغي لأصحابه أن يجمعوا له ولا يفسدوا حجه » وصحيح العيص بن القاسم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال : يهريق دما » لا دلالة فيه على أحدهما بل مقتضاه الاجتزاء بمطلق الدم أو خصوص الشاة بناء على أنها المفهوم منه عند الإطلاق من أول الأمر ، وهو مخالف للإجماع ولغيره من النصوص ، على أن المتجه حمل مطلق الدم فيه على البدنة لقاعدة التقييد ، وأولى بعدم الدلالة‌ خبر أبي خالد القماط (٣) سأله عليه‌السلام « عمن وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور فقال : إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة ، وإن كان غير ذلك فبقرة ، قال : قلت : أو شاة قال : أو شاة » إذ هو كما ترى مشتمل على تفصيل لم يعرف قائل به ، ومخالف للنصوص المعمول عليها بين الأصحاب ، فهو حينئذ من الشواذ المطروحة وخبر داود بن فرقد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل يكون عليه بدنة واحدة في فداء قال : إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما » انما هو في فداء الصيد لا مطلق الكفارة.

وكذا لا دلالة في‌ خبر خالد بياع القلانس (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أتى أهله وعليه طواف النساء قال : عليه بدنة ، ثم جاء آخر فسأله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٧٣

عنها فقال عليك بقرة ثم جاء آخر وسأله عنها فقال : عليك شاة ، فقلت بعد أن قاموا : أصلحك الله كيف قلت : عليه بدنة؟ فقال : أنت موسر عليك بدنة وعلى الوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة » إذ هو ـ بعد الإغماض عن السند بالجهالة ، وعدم انطباقه على القول بالتخيير بين الشاة والبقرة ، وإثباته البقرة على الوسط الذي هو أعم من العجز عن البدنة ، وإيجاب الشاة على الفقير الذي هو أعم من العجز عن البقرة ـ فيمن طاف طواف الزيارة وعليه طواف النساء ، وهذا غير مفروض المسألة الذي هو من كان عليه طواف الزيارة ، وإلحاق أحدهما بالآخر من غير موجب قياس فاسد ، اللهم إلا أن يدفع ذلك كله بعدم الخلاف ، بل بالاتفاق ظاهرا على ثبوت البدل حال العجز ، وأصالة الشغل تقتضي تعين الترتيب ، مؤيدا ذلك في الجملة بصحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ ) قال : « الرفث الجماع ـ الى أن قال ـ : فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وإن لم يجد فشاة » بل وبما تقدم من تحمل المحل كفارة الأمة المحرمة باذنه وواقعها.

ثم لا فرق في وجوب الكفارة بين من لم يطف شيئا من الأشواط أو طاف أقل من النصف أو أكثر ، لعموم الأخبار والفتاوى ، لصدق أنه قبل الطواف وأنه لم يزر فإنه بمعنى لم يطف ، وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام لعبيد بن زرارة (٢) « فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة أشواط فغمزه بطنه فخرج فقضى حاجته فغشي أهله أفسد حجه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يرجع فيطوف‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤ وذيله في الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤ عن التهذيب ورواه عن قرب الاسناد في الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٧٤

أسبوعا » ولعل المراد بإفساد الحج ثلمة ونقصه ، لعدم قائل بفساده شرعا بذلك أو الحج بمعنى الطواف تسمية للجزء باسم الكل أو رجوعا إلى اللغة ، وبطواف الأسبوع الاستيناف كما عن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر وجوبا أو استحبابا أو الإكمال ، وقد تقدم الكلام في قطع الطواف عمدا لا لحاجة وزاد هذا الجماع في أثنائه.

بقي الكلام في أن البدنة الواجبة للإفساد بالجماع قبل المشعر هل لها بدل؟ ظاهر الاقتصار عليها ممن عرفت بل والنصوص عدمه ، بل وعن ابن حمزة وسلار عدمه وانه لا بدل لها إلا في صيد النعامة ، وإنما عليه الاستغفار والعزم عليها إذا أمكن ، ويؤيده مضافا الى الأصل ما سمعته من خبر أبي بصير (١) لكن في محكي الخلاف « من وجب عليه دم في إفساد الحج فلم يجد فعليه بقرة ، فان لم يجد فسبع شياه على الترتيب ، فان لم يجد فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاما يتصدق به ، فان لم يجد صام عن كل مد يوما ، ونص الشافعي على مثل ما قلناه ، وفي أصحابه من قال هو مخير ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط » وعن الفاضل في التذكرة الفتوى بذلك ، بل استدل فيها وفي محكي المنتهى على الترتيب بأن الصحابة والأئمة قضوا بالبدنة في الإفساد ، فتتعين والبقرة حسا وشرعا دونها ، فلا تقوم مقامها ، ولذا‌ ورد (٢) في الرواح إلى الجمعة « ان من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة » وقد سمعت ما في التهذيب بعد أن ذكر خبر ابن أبي حمزة (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ٢١ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٧٥

من قوله : وفي رواية أخرى (١) « فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما » ونحوه الكافي ، ولكن لم أجد العامل بها ، مضافا الى إرسالها ، وعن السرائر « من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجدها كان عليه سبع شياه » وعن الفقيه والمقنع « إذا وجبت على الرجل بدنة في كفارة ولم يجدها فعليه سبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله » قيل وبذلك خبر داود الرقي (٢) في الفداء لكن قد عرفت أن ظاهره فداء الصيد ، وعن القاضي أنه أطلق إذا وجبت بدنة فعجز عنها قومها وفض القيمة على البر الى آخر ما مر في النعامة ، ولا يخفى عليك ما في الجميع من عدم الدليل إلا ما سمعته من إجماع الخلاف وما أرسله من الأخبار ولا ريب في أن الأحوط العمل به وإن كان في تعينه نظر يعرف مما ذكرناه والله العالم.

وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع ولو عالما عامدا لم تلزمه الكفارة وبنى على طوافه بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن الحلي من وجوبها عليه قبل تمامه ولو شوطا ، لعموم الأخبار (٣) بأنه إذا لم يطف طواف النساء فعليه بدنة ، قال : ولأن الإجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة ، وهو متحقق في الفرض وقواه في كشف اللثام ، ولكن فيه مضافا الى الإغضاء عما في سند كثير من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣ والتهذيب ج ٥ ص ٣١٨ الرقم ١٠٩٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع.

٣٧٦

تلك النصوص أنها ظاهرة في الجماع قبل الشروع فيه لا ما يشمل الفرض ، ومخصصة بخبر حمران بن أعين (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال : يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه ، ويستغفر الله ربه ولا يعد ، وإن كان طاف طواف النساء وطاف منه ثلاثة أشواط ثم رجع فغشي فقد أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا » والمناقشة في سنده يدفعها الانجبار بما عرفت على أنه من الحسن ، بل في سنده من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وفي الدلالة بأنه لا ينفي الكفارة لأعمية عدم الذكر من ذلك يدفعها أنه في مقام البيان وقت الحاجة ، على أن ذكر وجوبها بالجماع بعد الثلاثة في مقابل الخمسة كالصريح في نفيها ، ومن هنا لم تعرف المناقشة في دلالة الخبر المزبور ، ونحو ذلك يجري في معقد ما حكاه من الإجماع ، وإن أراد منه المحصل فهو واضح المنع ، كل ذلك مضافا الى ما تسمعه من عدمها في مجاوزة النصف ، فظهر أن القول المزبور مع كونه شاذا واضح الضعف.

وقيل والقائل الشيخ وأتباعه يكفي في ذلك أي سقوط الكفارة مجاورة النصف واختاره الفاضل في المختلف لمفهوم الشرط في الخبر المزبور المقتصر في الخروج عنه للإجماع على ما إذا لم يتجاوز النصف ، ولا يعارضه نقصها عن الخمسة في الصدر بعد أن كان ذلك من كلام الراوي المعتضد بقول الصادق عليه‌السلام لأبي بصير (٢) : « إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه ، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف » إذ لا معنى للكفارة على الفعل المرخص فيه ، وبما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥٨ من أبواب الطواف الحديث ١٠.

٣٧٧

سلف من أن مجاورة النصف كالإتمام في الصحة.

ولكن مع ذلك كله قال المصنف والأول مروي مشعرا باختياره كالفاضل في القواعد والمنتهى والتحرير والإرشاد والتبصرة والتلخيص ، ولكن فيه أن الرواية المزبورة تدل على نفي الكفارة عمن طاف خمسة لا أن ذلك مخصوص به ، فلا تنافي حينئذ سقوطها عمن تجاوز النصف مع ذلك لما عرفت ، ولعله الأقوى ، والله العالم.

وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها المحرم فعلى كل واحد منهما كفارة بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب به مشعرا بدعوى الإجماع ، بل عن ابن زهرة دعواه عليه صريحا ، وهو الحجة ، مضافا الى فحوى الموثق (١) الآتي ، بل إطلاق المتن وغيره بل قيل الأكثر يقتضي تساوي علمهما بالإحرام والحرمة والجهل ووجوب الكفارة وإن كان دخول المعقود له بعد الإحلال ، ولكن عن بعض القيود اشتراط علمهما بهما ، وفي كشف اللثام ولعله الوجه ، وهو كذلك ، خصوصا مع فحوى الموثق الآتي لو لا إطلاق معقد الإجماع المعتضد بما عرفت وبالاحتياط ، والمراد بالكفارة البدنة كما يشير اليه الموثق الآتي ، وصرح به غير واحد وبعدم الكفارة أيضا إذا لم يدخل ، للأصل السالم عن المعارض ، والإثم أعم من وجوب الكفارة كما هو واضح.

وكذا الكلام لو كان العاقد محلا على رواية سماعة‌ الموثقة به أو الصحيحة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له ، قلت : فان فعل فدخل بها المحرم قال : إن كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٧٨

محرم ، فان كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة » وظاهر المتن والقواعد التوقف فيه في الجملة ، بل في محكي المنتهى وفي سماعه قول ، وعندي في هذه الرواية توقف ، بل عن الإيضاح الأصح خلافه للأصل ، ولأنه مباح بالنسبة اليه ، وتحمل الرواية على الاستحباب ، وفيه أن الرواية من قسم الموثق أو الصحيح ، وكل منهما حجة سيما مع الاعتضاد هنا بالشهرة المحكية من غير واحد ، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، فالعمل به حينئذ متعين ، وظاهره لزوم البدنة للمرأة المحرمة والمحلة إذا كانت عالمة بإحرام الزوج ، بل عن الشيخ وجماعة منهم الكركي العمل به ، خلافا للشهيد في الدروس فجزم بالعدم ، وهو في غير محله بعد العمل به في الحكم الأول.

ولو كان الثلاثة محرمين وجبت على الجميع ، ولو كانت المرأة والعاقد محرمين والزوج محلا وجبت الكفارة على المرأة مع الدخول والعلم بسبب الدخول لا بسبب العقد ، وفي وجوبها على العاقد نظر ، أقواه العدم للأصل ، وفي المسالك « والضابط أن الزوجين لا يجب عليهما إلا مع إحرامهما والدخول والعلم ، والعاقد لا يجب عليه شي‌ء إلا مع إحرام الزوج ودخوله » ففيه ما مر ، ولا يخلو من نظر ، وهل يلحق بالمحلة المزوجة محرما عالمة بذلك المحل المزوج محرمة عالما بذلك؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة.

هذا كله في حكم الكفارة ، وأما وجوب الإتمام والقضاء فهو مختص بالمجامع على ما صرح به الكركي في حاشيته ، وفي الحدائق هو مبني على ما هو المشهور من إلحاق الزنا في هذا الحكم بالزوجة كما تقدمت الإشارة اليه وفيه إمكان الفرق بشبهة العقد ، كما أنه يمكن دعوى ظهور النص ولو من حيث الاقتصار على الكفارة في مقام البيان في عدم القضاء بناء على اختصاصه بجماع الأهل ، وأنه لا يلحق به الزنا ولا اللواط وإن كان أغلظ ، والله العالم.

٣٧٩

ومن جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاؤها كما صرح بذلك غير واحد ، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، بل ظاهر عبارة المنتهى أنه موضع وفاق ، وما عن ابن أبي عقيل ـ من أنه إذا جامع الرجل في عمرته بعد أن طاف لها وسعى قبل أن يقصر فعليه بدنة وعمرته تامة ، فأما إذا جامع قبل أن يطوف لها ويسعى فلم أحفظ عن الأئمة عليهم‌السلام شيئا أعرفكم به ، فوقفت عند ذلك ورددت الأمر إليهم ـ ليس خلافا ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه في العمرة المفردة التي حكي التصريح بها عن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والجامع فضلا عن إطلاق غيرها ، مضافا إلى المعتبرة ، ففي‌ صحيح بريد العجلي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة مفردة » وحسن مسمع أو صحيحه (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال : قد أفسد عمرته وعليه بدنة وعليه أن يقيم بمكة محلا حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ، ثم يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهله فيحرم منه ويعتمر » وخبر أحمد بن أبي علي (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل اعتمر عمرة مفردة ووطأ أهله وهو محرم قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم شهرا آخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر ».

نعم لم أعثر على نص في المتمتع بها كما اعترف به غير واحد ، ولعله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤.

٣٨٠