جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في أمور ، منها لزوم البدنة عوضا عن النعامة مع أنها قيمته ، والواجب على غاصبها المتلف ضمان قيمتها ، وهي قد تكون أزيد من البدنة ، وقد تكون أقل ، ومنها فض ثمنها على البر وإعطاؤه للمالك على الوجه الذي سمعته في فضه على المساكين ، ومنها أن الصيام مع العجز عنه يقتضي ضياع حق المالك المالي مع أن الصوم من جملة الفداء الشرعي وإيجابه لله تعالى ، وبقاء ضمان الصيد للمالك خروج عن القاعدة المذكورة ، ومنها لو كان المتلف بيضا موجبا للإرسال فأرسل الجاني ولم ينتج شيئا يلزم ضياع حق المالك ، وإن أوجبنا القيمة هنا ونفينا الإرسال لزم الخروج عن النص المعلوم ، ولو عجز عن الإرسال فالكلام في الصوم بدله كما مر ، ومنها لو كان المحرم مثلا دالا ضمن أيضا مع المباشر ، ومنها اجتماع الفداء من المباشر المتعدد والسبب كذلك وإعطاؤه للمالك ، وربما يزيد على ماله أضعافا مضاعفة ، ومنها الضمان لو كان المملوك حماما في الحرم كالقماري فنفره ثم عاد الى المالك ، الى غير ذلك من المخالفات للأصل المتفق عليه من غير موجب يقتضي المصير اليه.

وقد ذهب جماعة من المحققين منهم العلامة في التذكرة والتحرير والشهيد في الدروس والمحقق الشيخ علي الى أن فداء المملوك لله تعالى وعليه القيمة لمالكه ، وهذا هو الأقوى لأنه قد اجتمع في الصيد المملوك حقان لله تعالى باعتبار الإحرام والحرم ، وللآدمي باعتبار الملك ، والأصل عدم التداخل ، فحينئذ ينزل الجاني منزلة الغاصب والقابض بالسوم ، ففي كل موضع يلزمه الضمان يلزمه هنا كيفية وكمية ، فيضمن القيمي بقيمته والمثلي بمثله ، ومثله الأرش في موضع نوجبه للمالك ، ويجب عليه ما نص الشارع عليه هنا لله تعالى.

ولو كان دالا ونحوه ضمن الفداء لله تعالى خاصة ، وتبعه على ذلك كله غير واحد ممن تأخر عنه ، ولا ريب في قوة مختاره إن لم نقل بتعارض الأدلة‌

٣٤١

من وجه باعتبار إطلاق ما دل على ضمان المال لصاحبه بمثله أو قيمته ، وإطلاق ما دل علي ضمان النعامة مثلا بالبدنة سواء كانت مباحة أو مملوكة ، ولكن في الأول تكون لله تعالى باعتبار عدم مالك غيره ، بخلاف الثاني الذي كان المالك فيه غيره ، فيكفي حينئذ دفع البدل له ، للأصل وحصول امتثال ما في الكتاب والسنة ، نعم ما ذكره من أبدال الفداء من الصوم ونحوه مما يمكن القطع بعدم إرادة القائل ما يشمل ، خصوصا والقائل مثل المصنف والفاضل ونحوهما الذين هم أساطين هذا الفن ، بل هم الذين لخصوصه ، ولذا اقتصر الفاضل في القواعد على زيادة الفداء على القيمة ونقصه ، فقال : وفداء المملوك لصاحبه وإن زاد على القيمة على إشكال ، وعليه النقص ، وكأن وجهي الاشكال أنه بدل قدره الشارع مثلا للمتلف ، فلا عبرة بغيره ، ولا زيادة حقيقة ، وأنه ليس بدلا منه مطلقا ، لأنه لو لم يكن محرما لم يكن عليه سوى القيمة ، فالزائد إنما وجب لحرمة الإحرام فلا يتعلق به ملك المالك ، كما أن الوجه في جزمه بأن عليه النقص أن الإحرام لا يصلح سببا للضرر على المالك والتخفيف عن المتلف مع كونه سببا للتغليظ ، ولأن النصوص لا تنفي وجوب الزائد بسبب آخر ، ولأن كلا من الإحرام والتعدي على مال الغير سبب للضمان ، فلئن لم يتعدد المسبب فلا أقل من دخول الناقص في الزائد ، وربما قيل بأن مراده كون النقص على المالك ، كما أن الزيادة له ، ولكنه كما ترى في غاية البعد.

وأما ما ذكره في البيض فقد يدفع بمنع اندراجه في نحو العبارة ، لعدم صدق الصيد عليه ، وكذا تنفير الحمام ، ومع التسليم فان لم ينتج شي‌ء أو نتج ما ينقص عن القيمة فعليه القيمة ، كما أنه يمكن القول فيما لو كان التكليف الصيام بعدم اندراجه في نحو العبارة ، لعدم صدق الفداء عليه ، وانما هو بدل الفداء فيتعين الضمان للمالك ، وكذا الكلام في الإطعام المختص في النصوص

٣٤٢

كما سمعت بالمساكين ، ويحتمل الصبر إلى القدرة على الفداء أو الإصلاح مع المالك ، ولعل المتجه في صورة جناية المحرم في الحرم التي يجتمع فيها على الجاني القيمة والفداء تعين الأولى للمالك والفداء لله تعالى ، كما أن المتجه فيما لو اجتمع دال ومباشر تعين فداء المباشر للمالك ، وغيره لله تعالى ، وإذا تعدد مباشرون فالمالك شريك المساكين كما صرح به بعضهم ، ويحتمل أن يكون له واحد منها والباقي للمساكين ، والمراد من ذلك كله نفي ما سمعته من المسالك مما لا ينبغي التزامه من مثل الفاضلين وإن كان الأقوى خلاف ما ذكراه لعموم ما دل على ضمان الأموال بالمثل أو القيمة ، وظهور الكتاب والسنة في كون الفداء المزبور انما هو من جهة الإحرام والحرم ، خصوصا بملاحظة قوله تعالى ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) ونحوه مما أمر فيه بالصدقة به على المساكين ونحو ذلك ، فتبقى حينئذ جهة المالية على حالها في الاقتضاء كما وكيفا ، ولا يلحقها شي‌ء من حكم الإحرام والحرم ، والله العالم.

وإن لم يكن الصيد مملوكا تصدق به بعد ذبحه إن كان حيوانا بلا خلاف ولا إشكال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في‌ صحيح زرارة (١) : « إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه » وقال الصادق عليه‌السلام في حسنة الحلبي (٢) : « إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به » الى غير ذلك مما تقدم ، نعم تضمن بعض (٣) النصوص إطعام حمام الحرم في بعض أفراد الجزاء ، والأحوط ما عن العلامة وغيره من أن مستحق هذه الصدقة فقراء الحرم ومساكينه ، كما أن الأحوط اعتبار الإيمان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ من أبواب كفارات الصيد.

٣٤٣

فيهم وإن قال في المدارك لم أقف للأصحاب على تصريح باعتبار الايمان ولا بعدمه ، وإطلاق النصوص يقتضي العدم ، والله العالم.

وكل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا وبمنى إن كان حاجا كما في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي الخلاف والمراسم والإصباح والإشارة والفقيه والمقنع والغنية ، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، وهو كذلك في الأخير ، أما الأول فقد سمعت من صرح فيه بما ذكره ، ولكن عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى ، وكذا عن روض الجنان وعن المهذب التصريح بجوازه في العمرة المبتولة ، وعن السرائر والوسيلة وفقه القرآن للراوندي وظاهر الخلاف « ان العمرة المبتولة كالحج في ذبح جزاء الصيد بمنى » وعن الكافي أن العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة » ونحوه عن الغنية ، وإن كان الأقوى الأول ، لقول الجواد عليه‌السلام للمأمون فيما رواه المفيد في محكي الإرشاد عن‌ الريان بن شبيب (١) عنه عليه‌السلام « وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى ، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة » وفي المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن محمد بن الحسن عن محمد بن عون النصيبي (٢) وفي‌ ما أرسله الحسن بن علي بن شعبة في محكي تحف العقول (٣) « والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس ، والمحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة » وفي خصوص جزاء الصيد مضافا الى الآية (٤) والإطلاق المزبور‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٤) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٤٤

« من وجب عليه فداء صيد أصابه محرما فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة » وقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) « في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الهدي فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كان في عمرة نحر بمكة وإن شاء تركه الى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزي عنه ».

والمراد بالأخير ما عن الشيخ من أنه لا يجب عليه الشراء من حيث صاده والسياق إلى مكة أو منى وإن كان أفضل خلافا لما عن الحلبيين فأوجباه ، لمقطوع ابن عمار في الصحيح (٢) « يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد » ولكنه ظاهر في إرادة ذبح الفداء حيث صاد ، ولم أجد قائلا به إلا ما حكاه في الدروس عن الشيخ ، ولعله ظاهره في التهذيب ومن هنا يكون شاذا ، بل لو سلم عدم ظهوره في ذلك فهو قاصر عن معارضة الأصل والإطلاق نصا وفتوى ، فلا بأس حينئذ بحمله على الندب بالمعنى الذي ذكره الشيخ ، فما عن الأردبيلي رحمه‌الله ـ من الفتوى بظاهره ، وهو جواز فداء الصيد في موضع الإصابة وإن كان الأفضل التأخير إلى مكة ومنى ، حاملا للآية على ذلك أيضا ، محتجا عليه زيادة على ما في المضمر المزبور بقول الصادق عليه‌السلام في كفارة قتل النعامة (٣) « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يكفر في موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاءه » بل وب‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر محمد (٤) : « فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه » الى أن قال : « ولا يبعد الأفضلية في مكان الإصابة في غير كفارة الصيد » ـ في غير محله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٠.

٣٤٥

ضرورة أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، مضافا الى ظاهر الكتاب والسنة التي منها ما عرفت ، ومنها ما مر في نصوص المباحث السابقة ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) في كفارة الأرنب : « شاة ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) » ومنها ما مر (٢) في نصوص الإرسال فما نتج منها فهو هدي بالغ الكعبة أو هدي لبيت الله الحرام وغير ذلك ، فالمتجه حمل المضمر المزبور على ما سمعت بعد قصوره عن المعارضة من وجوه ، ولعل المراد بصحيح أبي عبيدة (٣) تقويم الجزاء بعد صدق عدم الوجدان لا ذبح الهدي في ذلك المكان ، وكذا خبر محمد (٤) انما هو في الثمن لا في الهدي ، على أنها قاصرة عن معارضة غيرها من وجوه ، فلا يخرج عنه لها ، خصوصا بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب.

وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في المدارك تبعا للمحكي عن شيخه ، فان بعد أن ذكر ما سمعت وذكر صحيح ابن سنان وخبر زرارة قال : وهذه الروايات كما ترى مختصة بفداء الصيد ، أما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين ، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا ، للأصل وما رواه‌ الشيخ عن أحمد بن محمد (٥) عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد ، فان الله تعالى يقول ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) » إذ قد عرفت أن النصوص والفتاوي على خلاف ذلك بالنسبة إلى فداء الحج صيدا وغيره ، فلا يخرج عنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ من أبواب كفارات الصيد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

٣٤٦

بالمرسل المزبور ، نعم في‌ صحيح ابن حازم (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن كفارة العمرة المفردة أين تكون ، قال : بمكة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى ، ويجعلها بمكة أحب الي وأفضل » ويمكن حمل المرسل المزبور عليه ، كما أنه يمكن تقييد الصحيح المزبور بغير فداء الصيد لما عرفته من ظاهر الآية وغيره وحينئذ فينحصر الإشكال في خصوص كفارة غير الصيد في العمرة المفردة دون الحج ، ودون فداء الصيد في العمرة بالنسبة الى عدم تعين أحد الموضعين ، لأنه يجوز ذبحه في كل مكان ، ودفعه ممكن بالجمع بين النصوص بحمل الأولة على تعين مكة لفداء الصيد فيها ، دون غيره فإنه أفضل وإن جاز وقوعه بمنى ، فإنه بذلك تجتمع جميع النصوص ، ولعله أولى من الجمع بينها بالندب في العمرة مطلقا بالنسبة إلى الصيد وغيره.

والظاهر إلحاق عمرة التمتع بالعمرة المبتولة في الحكم لا بالحج كما عن ابني حمزة وإدريس وغيرهما ممن عرفت ، بل ربما حكي عن والد الصدوق أيضا للمحكي عن الفقه (٢) المنسوب الى الرضا عليه‌السلام الذي قد تكرر منا عدم ثبوت نسبته ، فلا يصلح معارضا لهذه الأدلة فضلا عن أن يقاومها ، فالتحقيق مساواتها لها في الحكم لا للحج ، كما أن الأحوط تعين مكة لفداء العمرة المبتولة مطلقا ، والله العالم ، هذا.

وروى معاوية بن عمار (٣) في الصحيح أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام وزاد المصنف والفاضل فيها في الحج وإن لم نجدها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

٣٤٧

فيما حضرنا من نسخة التهذيب كما اعترف به في كشف اللثام والمدارك ، بل في الأول نفيها في نسخ التهذيب ، قال : ولا ظفرنا بها في خبر آخر ، ولفظه‌ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل فان لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا ، كل مسكين مدا ، فان لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يجد فليصم تسعة أيام ، ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام » بل ليس فيه كون الشاة كفارة الصيد ، إلا أن السياق يقتضيه ، وعلى كل حال فعن القاضي والفاضل في التحرير والتذكرة وظاهر المنتهى الفتوى به ، ولا بأس به بعد أن كان جامعا لشرائط الحجية ، بل في المسالك وكذا غيرها أن العمل به متعين ، نعم قد عرفت عدم وجوب كونها في الحج كما عن التحرير وإن كان هو أحوط ، بل ربما احتمل عدم اعتبار كونها في خصوص كفارة الصيد ، فيشمل الشاة الواجبة لغيره من المحظورات ، لأن العبرة بعموم اللفظ والجواب لا خصوص المحل والسؤال ، لكن قد عرفت شهادة السياق بذلك ، بل لعل عموم « من » الموصولة مشروط بما إذا لم يتقدمه معهود ، وقد تقدمه هنا.

والطعام المخرج عوضا عن المذبوح تابع له في محل الإخراج كما في القواعد ومحكي المبسوط لأنه عوض عما لمساكين ذلك المكان ، فيدفع إليهم ، وقد يشمله‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) فيما أرسله المفيد في المحكي عنه « من أصاب صيدا فعليه فداؤه من حيث أصابه » ومضمر ابن عمار (٢) « يفدي المحرم فداء الصيد من حيث أصابه » نعم لا يتعين الصوم بمكان للأصل من غير معارض حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٤٨

الصحيح المزبور على تقدير زيادة « في الحج » ، فإنه لا يعين مكة ولا منى كما هو واضح ، والله العالم.

( المقصد الثالث في باقي المحظورات )

التي تترتب عليها الكفارة‌ وهي سبعة : الأول الاستمتاع بالنساء فنقول من جامع زوجته محرما في الفرج قبلا أو دبرا عامدا للجماع ذاكرا للإحرام عالما بالتحريم فسد حجه وعليه إتمامه وبدنة والحج من قابل سواء كان حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا بلا خلاف أجده فيه في الجملة بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص ، ففي‌ صحيح معاوية (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل محرم وقع على أهله فقال : إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا فان عليه أن يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضى المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا وعليهما الحج من قابل » وصحيح زرارة أو حسنه (٢) « سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة فقال : جاهلين أو عالمين ، فقلت أجبني على الوجهين جميعا ، قال : إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجمهما وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأي الحجتين لهما ، قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة » وصحيحه الآخر (٣) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل وقع على أهله وهو محرم قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٤٩

أجاهل أو عالم قلت جاهل قال : يستغفر الله ولا يعود » وصحيح معاوية (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المحرم يقع على أهله قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة » وخبر علي ابن أبي حمزة (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل محرم واقع أهله فقال : قد أتى عظيما ، قلت : قد ابتلى قال : استكرهها أو لم يستكرهها ، قلت أفتني فيهما جميعا فقال : إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفرقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة ، وعليهما الحج من قابل لا بد منه ، قال : قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال : نعم هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا ، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما ، إن أبي كان يقول ذلك » وفي التهذيب وفي رواية أخرى (٣) « فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما ، وعليها أيضا كمثله إن لم يكن استكرهها » وصحيح جميل بن دراج (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم وقع على أهله قال : عليه بدنة ، قال : فقال له زرارة قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي : عليه بدنة ، قلت : عليه شي‌ء غير هذا قال : نعم عليه الحج من قابل » وصحيح معاوية (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣ والتهذيب ج ٥ ص ٣١٨ ـ الرقم ١٠٩٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٥٠

« إذا واقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل » ونحوه حسنه (١) أيضا ، ومرسل الصدوق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إن وقعت على أهلك بعد ما تعقد للإحرام وقبل أن تلبي فلا شي‌ء عليك ، وإن جامعت وأنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل ، وإن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليك »

الى غير ذلك من النصوص التي إطلاقها كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائم والمنقطع والحرة والأمة كما صرح به غير واحد لصدق الزوجة والأهل والامرأة ، لقوله تعالى (٣) ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) وإن كان ربما يحتمل اختصاص الدائمة لدعوى الانصراف وأصلي الصحة والبراءة إلا أن الأصح ما عرفته.

بل يقتضي أيضا ما صرح به المصنف وغيره ممن تأخر عنه بل ومن تقدمه كالمحكي عن المبسوط وابن إدريس من عدم الفرق بين القبل والدبر كما في غير المقام مما جعل فيه العنوان الجماع والإتيان والمواقعة والوطء والدخول ونحو ذلك مما لا ريب في صدقه بكل منهما ، فان الدبر أحد المأتيين ، خلافا للمحكي عن بعض الأصحاب وإن كنا لم نعرفه ، وانما أرسله الشيخ في محكي الخلاف من اختصاص الحكم بالقبل محتجا له بأصل البراءة المقطوع بما سمعت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٠.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢ ووسطه في الباب ـ ٦ منها الحديث ٢ وذيله في الباب ـ ٢ منها الحديث ٥.

(٣) سورة المؤمنين ـ الآية ٦.

٣٥١

وب‌ صحيح ابن عمار (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل » الظاهر في غير الدبر ، بل الممنوع عدم شمول الفرج فيه للدبر لا لأنه مأخوذ من الانفراج وهو متحقق فيه ، بل للصدق عليه لغة ، لأنه لما بين الرجلين كما صرح به في النهاية والقاموس والمصباح ، بل وعرفا فإنه أحد الفرجين ، ودعوى انسياق القبل منه على وجه يكون مخصصا للعموم السابق حتى في مثل المقام الذي قد عرفت عدم القائل فيه بالاختصاص واضحة المنع ، هذا ، وفي المدارك نقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة ، ولكن لم نتحققه ، بل عبارته المحكية عنه في المختلف صريحة في الموافقة ، وأن الذي فيه البدنة خاصة انما هو الوقاع فيما دون الفرج يعني القبل والدبر لا القبل خاصة كما صرح به في صدر عبارته المحكية عنه ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه لما عرفت وكذا يقتضي ما صرح به الشيخ والقاضي والحلي والمصنف والفاضل وغيرهم على ما حكي عن بعضهم من عدم الفرق بين الحج الواجب والندب الذي يجب إتمامه بالشروع فيه.

وكذا يقتضي عدم الفرق بين الانزال وعدمه بعد صدق العنوان المزبور في النصوص ، نعم لا بد من صدقة بغيبوبة الحشفة ، وإلا كان من الإتيان دون الفرج الذي هو كالملاعبة ، فما عن المنتهى من التردد فيه فاحتمل عمومه حاكيا عن إطباق الجمهور أن عليه شاة إذا لم ينزل في غير محله قطعا.

وكذا يقتضي تعلق الحكم بمن جامع قبل المشعر بعد عرفة ، مضافا الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٥٢

ما سمعته من التصريح به في الصحيح (١) وغيره ، وهو خيرة الشيخ والصدوقين وبني الجنيد والبراج وحمزة وإدريس وزهرة والسيد والمصنف في النافع والفاضل وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل عن الشيخ والسيدين والقاضي في شرح الجمل والجواهر الإجماع عليه ، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار والحلبي والسيد في الجمل فاعتبروا تقدمه على عرفة لما‌ روي (٢) من أن « الحج عرفة » ، وهو مع ضعفه محتمل لكون المراد به أنه أعظم الأركان ، وك‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من وقف في عرفة فقد تم حجه » المحتمل لإرادة أنه قارب التمام ، نحو‌ قوله عليه‌السلام (٣) « إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته » وعلى كل حال فقصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه واضح ، خصوصا بعد ما قيل من موافقتها للمحكي عن العامة من فوات الحج بفوات عرفة مطلقا.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره ممن عبر بفساد الحج ـ بل في المختلف نسبته إلى إطلاق الفقهاء ، بل في‌ صحيح سليمان بن خالد (٤) عن الصادق عليه‌السلام « والرفث فساد الحج » ـ ما صرخ به في محكي الخلاف والسرائر من كون الأولى الفاسدة والثانية هي الفرض ، بل عن الفاضل حكايته عن أبيه ، بل هو خيرته في القواعد ومحكي المنتهى والمختلف فلا يكون حينئذ مبرءا للذمة ، وإتمام الأداء إما عقوبة أو لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ من أبواب التشهد الحديث ٢ ـ من كتاب الصلاة وفيه‌ « الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : تمت صلاته ... إلخ ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٨.

٣٥٣

من قبيل خطاب الوضع بأنه لا محلل من الإحرام إلا التحلل بعد قضاء المناسك أو للإحصار ( أو الإحصار خ ل ) والمناقشة بمنع الفساد ـ لخلو النصوص عنه واقتصارها على الإتمام والإعادة ، وهو أعم بل لعل الإتمام مشعر بالصحة ـ مدفوعة بما سمعت من التصريح به في النص والفتوى ، واحتمال إرادة نقصه من فساده على معنى أنه لا يبرئ الذمة مجردا بل المبرئ هو مع القضاء كما ترى ضرورة أنه بناء على أن الأولى الحج والثانية عقوبة تبرئ ذمته من التكليف وإن اشتغلت بالعقوبة ، وتظهر الثمرة فيما لو مات قبل التمكن من امتثال أمر العقوبة ، فإن المتجه حينئذ سقوطه وبراءة ذمته بالأول ، بخلاف القول بفساده نعم قد يقال إن المراد بالفساد كونها كالفاسدة باعتبار وجوب الإعادة ولو عقوبة لا تداركا ، والدليل على ذلك ما سمعته من التصريح في صحيح زرارة (١) بأن الأولى هي الحج والثانية عقوبة ، والمناقشة بإضماره يدفعها معلومية كونه الامام عليه‌السلام ولو بقرينة كون المضمر مثل زرارة المعلوم عدم نقله عن غير الامام عليه‌السلام ، على أن الظاهر كون الإضمار قد وقع في تأليف الشيخ لا في أصل الخبر كما هو مذكور في محله ، ودعوى القطع زيادة على الإضمار ممنوعة ، فيتعين حينئذ حمل الفساد في الصحيح السابق على ما ذكرناه ، خصوصا بعد ما ورد من إطلاقه فيما أجمعوا على صحته كما تقدم في حديث‌ حمران بن أعين (٢) « فيمن جامع بعد أن طاف ثلاثة أشواط قال : » « قد أفسد حجه وعليه بدنة » مع الإجماع على صحة الحج في هذه الصورة ، وما في التنقيح من دعوى الإجماع على الفساد لا يراد منه إلا ما سمعته من إطلاق الفتاوى ، خصوصا بعد أن حكى هو فيه القول بعدم الفساد ، ولعله لذا كان المحكي عن النهاية والجامع أن الفرض الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٥٤

والثاني العقوبة ، بل لعله ظاهر المصنف في النافع بل وفي الكتاب في أحكام الصيد بل اختاره غير واحد من متأخري المتأخرين ، والعمدة ما عرفت مؤيدا باستصحاب الصحة ونجوه ، لا ما قيل من أن الفرض لو كان القضاء لاشترط فيه من الاستطاعة ما اشترط في الأداء ، ضرورة ظهور ضعفه باستقراره في ذمته لتفريطه بالإفساد ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط ، بل قد تقدم منا في حجة النيابة أن التحقيق كون الثاني الفرض لا الأول.

وتظهر الفائدة في النية ، فينوي على الأول في الإحرام مثلا حجة الإسلام مثلا ، وعلى الثاني ما وجب عليه بالإفساد ، وفي الأجير للحج في سنته وفي الناذر له فيها بالنسبة إلى عود الأجرة والكفارة للنذر ، وفي المفسد المصدود إذا تحلل ووجب القضاء ، فعلى الأول لم يكف القضاء الواحد ، لوجوب قضاء حجة الإسلام بالتحلل منها ، وبقاء حجة العقوبة في ذمته ، ويقدم حجة الإسلام في القضاء ، وإن قلنا بالثاني كفي القضاء الواحد لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها كما تقدم سابقا ، وفي غير ذلك.

ثم إن الظاهر وفاقا للفاضل وغيره ، ترتب الحكم على الزنا ووطء الذكر لا لأنهما أفحش فبالافساد والعقوبة أولى ، إذ لعل أفحشيته تمنع من التكفير له بناء على أن البدنة والحج ثانيا أو أحدهما تكفير ، بل لصدق الجماع ، وجماع النساء المفسر به الرفث المصرح بإفساده الحج ، وما في النصوص من التعبير بإتيان الأهل مبني على الغالب أو المتعارف أو الذي ينبغي وقوعه لا أن المراد خصوص وطء الأهل مع احتماله ، للأصل وقاعدة الاقتصار على المتيقن ، ولعله لذا لم يوجب الحلبي فيما حكي عنه في اللواط إلا البدنة ، وعن الشيخ وابن زهرة حكايته أحد القولين ، لكن فيه أن المتجه عدم وجوبها أيضا بناء على عدم تناول هذه النصوص ، وإلا وجبت والإعادة أيضا ، مع أنه لا خلاف في وجوب البدنة به ،

٣٥٥

فتلخص من ذلك كله أن الأحوط والأقوى ترتب الحكم عليهما ، وحينئذ فلو وطأ الخنثى المشكل في الدبر ترتب الحكم بخلاف ما لو وطأها في القبل خاصة للأصل ، أما وطء البهيمة فظاهر بعض أن حكمه حكم وطاء الدبر ، لكن يمنعه عدم إتيان ما ذكرنا فيه ، فيبقى الأصل فيه بحاله ، فلا بدنة ولا إعادة كما هو أشهر القولين على ما في المسالك.

ولا خلاف في اعتبار العلم والعمد في ترتب الأحكام المزبورة ، فلا شي‌ء على الجاهل بالحكم والناسي للإحرام والساهي ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه في الناسي مضافا الى الأصل وما سمعته من النص ، وكذا لا شي‌ء على المكره بلا خلاف بل ولا إشكال لذلك أيضا ، نعم تسمع الكلام إن شاء الله في تحمل الكفارة ، والله العالم.

وكذا في وجوب البدنة وإعادة الحج لو جامع مع أمته وهو محرم كما صرح به في القواعد وغيرها ، لصدق الامرأة والأهل ، ولكن لا يخفى عليك وضوح إمكان المنع ، نعم لو قلنا بأن المدار على صدق الجماع والمواقعة ونحو ذلك وإن ذكر الأهل لكونه المعهود اتجه حينئذ ذلك ، وهو مؤكد لما ذكرناه سابقا ، وإلا كان مقتضى الأصل عدم شي‌ء منهما ، والله العالم.

ولو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك أي إتمام الحج والبدنة والحج من قابل بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى ما سمعته من النصوص ، والى خصوص‌ خبر خالد الأصم (١) قال : « حججت ومعنا جماعة من أصحابنا وكان معنا امرأة فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال يا هؤلاء اني قد ابتليت ، قلنا بما ذا؟ قال : سكرت بهذه المرأة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٧.

٣٥٦

فاسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام فسألناه قال : عليه بدنة ، فقالت الامرأة فاسألوه لي فإني قد اشتهيت فسألناه فقال : عليها بدنة » على أن المستفاد من النصوص المزبورة كون المدار في هذه الاحكام على الجماع مع العلم والعمد من غير فرق بين الرجل والمرأة وبين الزوج وغيره ، فلو أدخلت ذكر زوجها مثلا في فرجها عالمة عامدة وهو غير عالم أو غير عامد ترتب عليها الأحكام دونه ، أما إذا أدخلت ذكر بهيمة في فرجها ففيها الكلام السابق ، ويقوى في النظر العدم فيهما ، والله العالم.

ويجب عليهما أن يفترقا في حجة القضاء إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا حجا على تلك الطريق كما صرح بذلك الصدوقان والفاضل والشهيد وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل هو ظاهر كل من عبر بعبارة المتن بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، إذ لا أجد فيه خلافا محققا وإن عبر عنه في محكي النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب بلفظ « ينبغي » فإنه يمكن إرادة الوجوب منه ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، لما سمعته من الأمر به في المعتبرة المستفيضة (١) مؤيدا ذلك بأنه محل غلبة الشيطان لهما فينبغي التفريق فيه حذرا منه أو رغما لأنفه.

نعم ظاهر المصنف ومحكي التذكرة ما عن الصدوق والشهيد من التصريح باعتبار سلوك ذلك الطريق ، وإلا فلا يجب وإن اشترك معه في الطريق ، ولعله للأصل بعد ظهور النصوص فيه ، بل في‌ صحيح عبيد الله وحسنه (٢) عن الصادق عليه‌السلام « يفرق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قال : قلت أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٤.

٣٥٧

أيجتمعان ، قال : نعم » ونحوه‌ موثق ابن مسلم (١) المروي عن نوادر البزنطي سأل أبا جعفر عليه‌السلام « أرأيت من ابتلى بالرفث ما عليه ، قال : يسوق الهدي ويفرق بينه وبين أهله حتى يقضيا المناسك وحتى يعودا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قال : أرأيت إن أراد أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال : فليجتمعا إذا قضيا المناسك » بناء على عدم الفرق في ذلك بين الأداء والقضاء.

وكيف كان فالموجود في النصوص أن غاية الافتراق هو ما سمعته في هذه الأخبار ، وفي حسن معاوية وصحيحه (٢) عن الصادق عليه‌السلام ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) كما عن الجامع على معنى حتى يحل بالذبح كما صرح به في خبر آخر وفي صحيح آخر (٣) له عنه عليه‌السلام أيضا وخبر سليمان بن خالد (٤) وحسن زرارة (٥) « حتى يقضيا المناسك ويعود الى موضع الخطيئة » وفي‌ خبر علي بن أبي حمزة (٦) عن الكاظم عليه‌السلام « ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة وعليهما الحج من قابل لا بد منه ، قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال : نعم هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا ، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما ، فان أبي عليه‌السلام كان يقول ذلك ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥ و ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

٣٥٨

وفي الحدائق والرياض « أن الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل والاستحباب ، فأعلاها الرجوع الى موضع الخطيئة وإن أحلا وقضيا المناسك قبله ، ثم قضاء المناسك ، ثم بلوغ الهدي محله كما في الصحيحين ، وهو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة ، ولكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة العليا ، ثم الوسطى سيما في الحجة الأولى لكثرة أخبارها واشتهارها » وفيه أن الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر إن لم يكن إجماع كون الغاية العليا في الأداء والقضاء ، وهي محل الخطيئة ، نعم يمكن تحصيل الإجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء الى قضاء المناسك لا أزيد ، واليه يرجع جعل الغاية بلوغ الهدي في الصحيح وفي معقد محكي إجماع الغنية ، بناء على كون المراد به ذلك وإن عبر به لحصول الإحلال به في الجملة ، ولأنه غاية المعظم فيتعين القول باستحباب الافتراق أيضا بعد ذلك الى محل الحدث إذا رجعا على ذلك الطريق لمضمر زرارة (١) « إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » المشتمل مضافا الى ذلك على التفريق في الأداء والقضاء كخبر ابن أبي حمزة (٢) كما صرح بالأداء خاصة في‌ صحيح معاوية (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليه الحج من قابل » عكس‌ حسنه (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١٢.

٣٥٩

الآخر عنه عليه‌السلام أيضا المصرح بالقضاء خاصة ، قال : « سألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم قال : إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة وعليه الحج من قابل ، فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما ، فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ».

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما عن علي بن بابويه من وجوب الافتراق في الأداء والقضاء الى قضاء المناسك وإن نفى عنه البأس في محكي المختلف واستحسنه في محكي التحرير واستجوده في محكي التذكرة والمنتهى ، إذ قد سمعت ما في النصوص من كون الغاية أزيد من ذلك ، وأقصى ما يخرج عنها للإجماع إن تم في خصوص القضاء دون الأداء ، ومن هنا يظهر لك أنه قد أجاد أبو علي فيما حكي عنه حيث أفتى بالافتراق في الأداء الى بلوغهما محل الخطيئة وإن أحلا قبله ، وفي القضاء الى بلوغ الهدي محله ، وكذا ابن زهرة وإن لم ينص على الإحلال بناء على ارادة قضاء المناسك ، من بلوغ الهدي محله ، لما عرفت من كونه مقتضى الجمع بين النصوص المقتصر في الخروج عنه على القضاء ، اللهم إلا أن يدعى أن المفهوم من النصوص اتحاد الغاية فيهما ، والفرض الإجماع على عدم وجوب الزائد على قضاء المناسك في القضاء ، فيكون الأداء مثله مؤيدا ذلك بأنه لا إحرام بعد قضاء المناسك ، فليس إلا التعبد المحض فالأولى حمله على الندب فيهما.

وكذا قيل أيضا إن إطلاق النصوص كالفتاوى يشمل صورتي الإكراه والمطاوعة ، وربما يوجد في بعض الفتاوى تقييده بالمطاوعة ، ولا وجه له ، نعم‌

٣٦٠