جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وجوب القيمة على المحل في الحرم ، ووجوب الفداء على المحرم في الحل إن كان له فداء ، ووجوبه مع القيمة عليه في الحرم ، وإلا فقيمتان.

نعم قد ذكر الشيخ وابنا حمزة والبراج وابن سعيد والفاضلان وغيرهم بل في المسالك أنه المشهور أن ذلك كذلك حتى تنتهي المضاعفة إلى البدنة ، فلا تتضاعف بمعنى أن ما تجب فيه البدنة لا تجب معها القيمة أو البدنتان ، للأصل وقول الصادق عليه‌السلام فيما تقدم من مرسل ابن فضال (١) « انما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف ، لأنه أعظم ما يكون » ونحوه مرسله (٢) الآخر ، فيخص أو يقيد بذلك ما دل عليها ، إلا أنه قد يناقش بانقطاع الأصل بما عرفت ، وقصور المرسل سندا عن التقييد والتخصيص ، ومعارضة خصوص ما سمعته من قول الجواد عليه‌السلام المروي (٣) بعدة طرق المشتمل على قرائن عديدة تدل على صحته ، ولعله لذا مال غير واحد من متأخري المتأخرين الى ما عن ابن إدريس من التضعيف مطلقا ، بل هو المحكي عن الأكثر ، بل عن ابن إدريس نسبته الى ما عدا الشيخ من الأصحاب مؤذنا بالاتفاق عليه ، وهو مع كونه أحوط لا يخلو من قوة ، وإن أمكن القول بانجبار المرسلين بما سمعته من الشهرة في المسالك ، مضافا الى تبيين ما في الكتب الأربع ، فيصلحان للتخصيص والتقييد ، بل والمعارضة التي يمكن الجمع فيها بالحمل على ضرب من الندب ، فتأمل ، نعم ما في المسالك من أن المراد ببلوغ البدنة بلوغ نفس البدنة أو قيمتها غير واضح ، إذ المستفاد من النص والفتوى تعلق الحكم بنفس البدنة ، وكذا لا يلحق بها أرشها قطعا ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ و ٢ والمستدرك الباب ـ ٣ منها الحديث ١.

٣٢١

وكلما تكرر من الجناية على الصيد من المحرم نسيانا للإحرام وجب عليه ضمانه بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، وهو الحجة بعد العموم كتابا (١) وسنة (٢) وخصوص ما تسمعه من النصوص (٣) وكذا لو كان خطأ بأن أراد قتل غير الصيد فقتله أو ضرب من غير قصد للضرب الذي هو من معقد إجماع المدارك ، بل وإن كان عن جهل بالحكم الشرعي في أقوى الوجهين ولو تعمد وجبت الكفارة أولا إجماعا بقسميه وكتابا (٤) وسنة (٥) بل هو كالضروري ثم لا يتكرر وهو ممن ينتقم الله منه لو فعل عمدا أيضا كما في الفقيه والمقنع والنهاية والتهذيب والاستبصار والمهذب والجامع وغيرها على ما حكي عن بعضها بل عن كنز العرفان نسبته الى أكثر الأصحاب ، بل في محكي التبيان « أنه ظاهر مذهب الأصحاب » والمجمع « أنه الظاهر في روايتنا » وقيل والقائل ابنا الجنيد وإدريس والشيخ في المبسوط والخلاف والسيد والحلبي في ظاهرهما على ما حكي عنهم تتكرر ، والأول أشهر فتوى ورواية ، بل عن الخلاف نسبته الى كثير من الأخبار ، للأصل السالم عن معارضة ظاهر النصوص بعد ظهور قوله تعالى (٦) ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) في أن الجزاء مع العود انتقام الله تعالى في مقابل جزاء الابتداء من الفدية ، ومرجعه الى أن الجزاء للتكفير لا للعقوبة ، ولا تكفير بالفدية مع العود ، مضافا الى ما في النصوص من التصريح بكون المراد من الآية ذلك ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٧) « المحرم‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ و ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٤) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٦) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٢٢

إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين ، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة » وفي‌ حسنه (١) « إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، قال الله عز وجل ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) » وفي‌ خبر حفص الأعور (٢) « إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له هل أصبت قبل هذا وأنت محرم فان قال : نعم فقولوا له إن الله منتقم منك فاحذر النقمة ، وإن قال لا فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد » وفي مرسل ابن أبي عمير (٣) عن بعض أصحابه الذي هو كالصحيح للإجماع على قبول مراسيله « إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة ، فإن عاد فأصاب ثانيا متعمدا فليس عليه فيه الكفارة ، وهو ممن قال الله عز وجل ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) » ورواه في الكافي عن ابن أبي عمير (٤) عن بعض أصحابه غير مسند له الى الصادق عليه‌السلام ، وفي دعائم الإسلام (٥) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال في قول الله عز وجل ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) قال : « من قتل صيدا وهو محرم حكم عليه أن يجزي بمثله ، فان عاد فقتل آخر لم يحكم عليه ، وينتقم الله منه » وفي حديث الجواد عليه‌السلام (٦) مع المأمون المنقول في جملة من الأصول « كلما أتى به المحرم بجهالة فلا شي‌ء عليه إلا الصيد ، فان عليه الفداء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤ وليس فيه‌ « ولم يكن عليه كفارة ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢ مع الاختلاف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥ مع الاختلاف.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٣٢٣

بجهالة كان أو بعلم أو بخطإ الى أن قال وإن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه وليس عليه كفارة ، والنقمة في الآخرة ».

والمناقشة في الأول بأنه متروك الظاهر ـ لكون مقتول الحرم ( المحرم ظ ) من الصيد ميتة ، فلا يتصدق به على المسكين ، فيحمل على بطلان امتناعه ، فلا يدل على القتل المكرر ، وفيه أيضا وفي مرسل ابن أبي عمير بالحمل على أنه ليس عليه الجزاء وحده بل يعاقب ـ كما ترى لا ينبغي أن تسطر ولا تستأهل دفعا ، كالمناقشة بأن مقتضى إطلاق بعض النصوص المزبورة عدم الفرق بين العمد وغيره ، ضرورة اندفاعها بتحكيم المقيد عليها ، مضافا الى ظهور قوله ( فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) في حال العمد ، كإطلاق بعض النصوص المزبورة وجوب التكرار مطلقا المحمول على ذلك أيضا.

ومنه يعلم ما في الاستدلال للأول بالآية ، وبعموم نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن ابن عمار (١) « عليه الكفارة في كل ما أصاب » وفي صحيحه (٢) « عليه كلما عاد كفارة » إذ أقصاه تحكيم الخاص على العام ، بل إن كانت « ما » موصولة في الأول خرج عما نحن فيه ضرورة كونه في أفراد الصيد الذي لا كلام فيه ، بل الإجماع منعقد عليه ، وانما الكلام في تكرر الإصابة الذي لم يرد بالعموم ، وعلى كل حال فلا تنافي بين النصوص.

وأولى من ذلك بذلك ما في‌ صحيح البزنطي (٣) سأل الرضا عليه‌السلام « عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمدا هم فيه سواء قال : لا ، قال جعلت فداك ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة وهو محرم قال : عليه الكفارة قال : فإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣ والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٠ الرقم ١٢٥٣.

٣٢٤

أصاب خطأ قال : عليه الكفارة ، قال : فإن أخذ ظبيا متعمدا فذبحه قال : عليه الكفارة ، قال جعلت فداك : ألست قلت إن الخطأ والجهالة والعمد ليس سواء فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل الخاطى؟ قال : بأنه أثم ولعب بدينه » بتقريب أن العامد لو فضل بغير ذلك لبينه لأنه وقت الحاجة ، فإنه يكفي في البيان ما سمعته من النصوص ، على أنه في بيان فضله في المرة الواحدة ، بل لعل إطلاق جميع النصوص منساق الى بيان ذلك لا إلى إرادة التكرير.

وأغرب من ذلك الاستدلال بأنه يلزم أن يكون من قتل جرادة ثم نعامة عليه كفارة الجرادة دون النعامة وهو لا يناسب الحكمة ، وبأنه يلزم أن يكون ذنب من يقتل جرادة أو زنبورا عقيب نعامة أعظم من قتله النعامة ، وليس كذلك إذ هو كما ترى لا يوافق أصول الإمامية ، ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابلة النص ، ونحو ذلك ما وقع من مثل الفاضل من التأويل في النصوص المزبورة مما هو كالمقطوع بفساده معللا ذلك بأنه وإن بعد لكن الجمع بين الأدلة أولى ، إذ هو كما ترى ليس بأولى من الجمع بينها بما هو مستفاد منها من التفصيل الذي يحمل عليه الإطلاق في كل من الطرفين ، سيما بعد موافقة هذه النصوص لظاهر الكتاب ، ومخالفتها لما عليه العامة التي جعل الله الرشد في خلافها ، فإن المحكي عنهم عدا النادر منهم تكرار الكفارة بتكرار الفعل مطلقا ، فلا محيص حينئذ بعد الإحاطة بما ذكرنا عن القول بالتفصيل.

نعم الظاهر اختصاص ذلك بالمحرم دون المحل في الحرم كما صرح به ثاني الشهيدين وغيره ، واحتمال إرادة من في الحرم من المحرم بل ومن قوله تعالى ( ما دُمْتُمْ حُرُماً ) في غاية البعد إن لم يكن الفساد في الإحرام الواحد دون الإحرامين وإن تقارب زمان التكرار بينهما بأن كان في آخر الأول وأول الثاني فضلا عن مثل الإحرامين في عامين الذي لا خلاف في تعدد الكفارة فيه‌

٣٢٥

ولا فرق أيضا بين ارتباط أحدهما بالآخر كحج التمتع وعمرته ، وعدمه كحج الافراد وعمرته اقتصارا فيما خالف ما يقتضي التكرير ولو قاعدة وجود المسبب بوجود السبب على المتيقن ، وهو ما عرفت ، فما في غاية المراد من خلاف ذلك ـ حيث أنه بعد أن اعترف بأن ظاهر كلامهم التكرار في إحرام واحد وإن تباعد الزمان قال : « أما لو تكرر في إحرامين ارتبط أحدهما بالآخر أولا فيحتمل انسحاب الخلاف لصدق التكرار ، وعدمه لتغايرهما بتحقق الإحلال ، ويقوى صدق التكرار لو تقارب الزمان بأن يصيد في آخر المتلو وأول التالي مع قصر الزمان » كالمحكي عن غيره من صدق التكرار إذا ارتبط أحدهما بالآخر وعدمه مع عدمه ـ واضح الضعف ، إذ الجميع كما ترى ، ودعوى أن المرتبطين بمنزلة إحرام واحد على أنه لا دليل على اعتبار الوحدة في الإحرام إلا الاتفاق الذي لم يعلم تحققه في الفرض ـ واضحة المنع بعد انسياق الواحد وقاعدة الاقتصار وغير ذلك ، نحو المحكي عن أحمد من الفرق بين تخلل التكفير وعدمه ، ضرورة ظهور الآية في عدم الفرق ، وكذا ما عن بعض من عدم الفرق في عدم التكفير بالعود بين كونه عقيب عمد أو سهو ، إذ الظاهر من الآية ومرسل ابن أبي عمير إن لم يكن صريحهما وصريح محكي النهاية والمهذب كون العمد عقيب العمد ، أما هو عقيب الخطأ أو بالعكس فلا خلاف كما عن بعض بل ولا إشكال في وجوب التكرير فيه ، نعم في كشف اللثام كان جهل الحكم هنا كالسهو ولعله كذلك ، لانسياق العالم المتذكر من الآية والنصوص دون الجاهل لا أقل من الشك ، فيبقى على مقتضى التكرير ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف في أنه أي المحرم بل والمحل في الحرم يضمن الصيد بقتله عمدا بأن يعلم أنه صيد فيقتله ذاكرا لإحرامه عالما بالحكم أولا ، مختارا أو مضطرا سوى ما تقدم من الجراد الذي يشق التحرر عنه‌

٣٢٦

وما صال عليه من السباع وسهوا بأن يكون غافلا عن الإحرام أو الحرمة أو عن كونه صيدا ، أو خطأ بأن قصد شيئا فأخطأه إلى الصيد فأصابه ، بل أو قصد تخليصه من سبع ونحوه فأدي الى قتله على الأصح ، بل الإجماع بقسميه على ذلك كله عدا الأخير ، بل في كشف اللثام على الجميع ، خلافا للمحكي عن الحسن البصري ومجاهد ، فلم يضمنا العامد ، وهو خلاف نص القرآن والإجماع بل الضرورة من المذهب ، وللأوزاعي فلم يضمن إن اضطر اليه ، ولآخرين فلم يضمنوا الخاطى ، مضافا الى النصوص كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد » وفي‌ صحيح مسمع (٢) « إذا رمى المحرم صيدا فأصاب اثنين فان عليه كفارتين جزائهما » وصحيح البزنطي (٣) سأل الرضا عليه‌السلام « عن المحرم يصيد الصيد بجهالة قال : عليه كفارة ، قلت : فإن أصابه خطأ قال : أي شي‌ء الخطأ عندكم قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى ، قال : نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة » وغيرها من النصوص.

فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان وكذا لو رمى غرضا فأصاب صيدا ضمنه لما عرفت ، ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى عدم الفرق بين العامد وغيره في مقدار الكفارة ، خلافا للمرتضى في محكي الانتصار والناصريات فالتضاعف في العمد إما مطلقا كما في الأخير أو مع قصد نقض الإحرام كما في الأول ، مستدلا عليه بالإجماع والاحتياط ، وبأن عليه مع النسيان جزاء ، والعمد أغلظ ، فيجب له المضاعفة ، وفيه أن الأول موهون بعدم موافق له عليه كما اعترف به في الرياض ، والثاني ليس بدليل شرعي على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٣٢٧

الوجوب كما هو محرر في محله ، والثالث اجتهاد في مقابلة النص المصرح بأن الفارق بين العمدة وغيره ليس إلا الإثم الموجب للعقاب ، وبه يثبت الغلظ ، فلا يحتاج الى تعدد الكفارة ، كما هو واضح ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك ، والله العالم.

ولو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل عن كل بيضة درهم بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك الاتفاق عليه ، لصحيح أبي عبيدة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة » وظاهره كالفتاوى ترتب ذلك على المحل وإن كان في الحل ، ولا استبعاد فيه بعد النص والفتوى وإن لم يكن كفارة على المحل لو اشترك مع المحرم في قتل الصيد في الحل ، لكن في المسالك « يمكن وجوب أكثر الأمرين عليه من القيمة والدرهم لو كان في الحرم ، لأن حكم البيض المذكور يقتضي تغليظا ، فلو اقتصر على الدرهم مع وجوب القيمة في غيره مع فرض زيادتها عليه لكان أنقص منه والواقع خلافه » إلا أنه كما ترى مجرد اعتبار ، وكذا ما فيها أيضا « من أن الأكل إن كان في الحل فالحكم كما ذكر وإن كان في الحرم ففي تضاعف الفداء بحيث يجتمع عليه الشاة والدرهم نظر ، من إطلاق القاعدة الدالة على الاجتماع ، ومن إطلاق النص هنا على وجوب الشاة ، ويمكن هنا قويا أن يجمع بين المطلقين بالتضاعف لعدم المنافاة إلا أن الأصحاب هنا لم يصرحوا بشي‌ء » قلت : قد يقال بظهور الفتاوى في عدم وجوب غير الشاة ، لذكرهم هذه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٣٢٨

المسألة مستقلة عن مسألة المضاعفة بالاجتماع على وجه يظهر منهم انفرادها بالحكم المزبور للنص المذكور.

ومن ذلك يظهر لك النظر أيضا فيما ذكره غير واحد من أن كسر بيض النعام قبل التحرك موجب للإرسال ، فلا يتم إطلاق وجوب الشاة هنا بل إن كسره ثم أكله وجب الجمع بين الإرسال بسبب الكسر والشاة بسبب الأكل تقريرا للنصين ، وانما يتم وجوب الشاة خاصة إذا اشتراه المحل مكسورا أو كسره هو إذ يمكن إخراج هذه المسئلة بالنص والفتوى عن ذلك الإطلاق ، وأولى منه ما لو اشتراه مطبوخا ثم كسره المحرم ، فان الواجب الشاة خاصة ، لزوال منفعة البيض بالنسبة إلى الفرخ الذي هو حكمة الإرسال ، ومثله ما لو ظهر البيض بعد الكسر فاسدا ، وفي المسالك ويمكن الجمع لصدق الكسر ، وضعفه واضح.

ولو طبخه المحرم ثم كسره وأكله فالظاهر وجوب الشاة خاصة وإن قلنا بوجوب الإرسال بالكسر ، لعدم تناوله وإن شاركه في منع الاستعداد ، لكن في المسالك « الأقوى وجوب الإرسال مع الشاة ، لمساواة الطبخ للكسر في منع الاستعداد للفرخ ، ولصدق الكسر بعد ذلك ، ولا يقصر الأمران عن الكسر ابتداء » وفيه ما لا يخفى ، قيل : وأولى بالعدم لو طبخه ولم يكسره لو قيل به ثمة ، وفيه أنه لا مدخل للكسر بعد فرض قيام الطبخ المذهب للاستعداد مقام الكسر ، وحينئذ فلو كسره له محل بعد ذلك وأكله المحرم وجبت الشاة بالأكل وفي الإرسال ما عرفت ، ولا يجب على المحل الكاسر شي‌ء ، للأصل السالم عن معارضة النص ، ولو كان الكاسر محرما ففي المسالك في وجوب الشاة أو القيمة أو الدرهم نظر ، قلت : قد يقال بعدم وجوب شي‌ء عليه للأصل السالم عن معارضة النص بعد فرض ذهاب استعداد البيض للفرخ بالطبخ المفروض من غيره ، ولو فرض شمول تلك النصوص لاتجه الإرسال لا أحد الثلاثة.

٣٢٩

ولو كان المشتري للمحرم محرما ففي المسالك احتمل قويا وجوب الدرهم خاصة ، لأولويته ، من المحل بذلك ، مع أصالة البراءة من الزيادة ووجوب الشاة لمشاركته للمحرم ، كما لو باشر أحدهما للقتل ودل الآخر » واستجوده في المدارك ، وفي المسالك أيضا « ويقوى الاشكال لو اشتراه صحيحا فكسره الآخر وأكله حيث يجب الإرسال إذ ليس المشتري بكاسر ولا أكل ولكنه سبب فيهما » قلت : قد يقال بعدم ترتب شي‌ء على المحرم غير الإثم للأصل بعد الخروج عن النص ، وعن فحوى التسبيب الذي هو نحو الدلالة على الصيد ، ومنع الأولوية بالنسبة إلى الدرهم ، فتأمل.

ولو اشترى المحرم لنفسه من محل وباشر الأكل ومقدماته ففي المسالك أيضا « في وجوب الدرهم والشاة والإرسال معهما نظر ، من وجوب الأخيرين عليه بدون الشراء ، ووجوب الدرهم على المحل ، فعلى المحرم أولى ، ومن خروجه عن صورة النص ، والأول أقوى لأن حكم الأخيرين منصوص ، والأول يدخل بمفهوم الموافقة » وفيه منع الدخول بالمفهوم المزبور كما جزم به في المدارك ، نعم يتجه عليه ما يقتضيه الكسر والأكل.

ولو انتقل الى المحل بغير الشراء وبذله للمحرم ففي المدارك في وجوب الدرهم على المحل وجهان ، أظهرهما العدم ، وقوى ابن فهد في المهذب الوجوب لأن السبب إعانة المحرم ، ولا أثر لخصوصية سبب تملك العين ، وفي المسالك « لو انتقل الى المحل أو المحرم بغير الشراء ففي لحوق الأحكام نظر من المشاركة في الغاية ، وعدم النص مع مخالفته في المحل للقواعد الدالة على عدم وجوب شي‌ء في غير هذه الصورة من مسائل الصيد ، ويمكن أن يجب على المحرم ما كان يجب بالشراء ولا يجب على المحل » قلت قد يقال : إن المتجه وجوب قيمة البيض على المحرم بسبب الأكل والإرسال مع الكسر صحيحا‌

٣٣٠

أخذا من القواعد السابقة خاصة ، كما أن المتجه أيضا عدم ترتب شي‌ء على المحل لو كان المشتري غير البيض وإن كان أعظم كالنعامة والظبي ، نعم يتجه وجوب القيمة أو المنصوص على المحرم ، ومما ذكرنا يظهر لك ما في كشف اللثام من الموافق والمخالف ، قال : « وهل الأخذ بغير الشراء كالشراء احتمال قريب وإن كان المشتري أيضا محرما وكان مكسورا أو مطبوخا أو فاسدا لم يكن عليه إلا درهم ، لإعانته المحرم على أكله ، وإن كان صحيحا فدفعه الى المحرم كذلك كان مسببا للكسر ، فعليه ما عليه إن باشره ، وإن كسره بنفسه فعليه فداء الكسر ، وكان الطبخ مثله ، ثم عليه لدفعه الى الآكل الدرهم ، وإن اشتراه المحرم لنفسه لم يكن عليه لشراء شي‌ء ، كما لا شي‌ء على من اشترى غير البيض من صيد أو غيره وإن أساء ، للأصل وبطلان القياس ومنع الأولوية » وإن تبعه في أكثره في الرياض ، والله العالم.

ولا يدخل الصيد في ملك المحرم في الحل وفي الحرم باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث ولا غير ذلك من أسباب التملك كما في النافع والقواعد وغيرهما بل في المدارك نسبته الى القطع به في كلام الأصحاب ، بل عن المنتهى الإجماع عليه في الاصطياد ، لظهور الكتاب والسنة والفتاوى في التنافي بين الإحرام وتملك الصيد ، فان قوله تعالى (١) ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) ظاهر في إرادة حرمة سائر الانتفاعات المنافية حقيقة للتملك ، خصوصا إذا لو حظ كون تملكه من جملة الانتفاع ، كظهور‌ خبر أبي سعيد المكاري (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٧.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٣٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣ وتمامه في التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ الرقم ١٢٥٧.

٣٣١

عن ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه ، فان لم يفعل حتى يدخل ومات لزمه الفداء » في ذلك أيضا مضافا الى ظهور وجوب إرساله وضمانه المقتضي لخروجه عن ملكه ، وإلا فلا يعقل ضمانه مال نفسه فيه أيضا ، بل والى ظهور الإجماع المحكي عن الخلاف والجواهر وظاهر المنتهى على زوال ملكه عنه بالإحرام فيه أيضا ، ضرورة كون ذلك ليس إلا لمنافاة الإحرام تملك الصيد الذي هو أثر سبب من أسبابه الاختيارية من الاصطياد والابتياع ونحوهما أو القهرية كالإرث ونحوه ، فإذا أبطل الإحرام أثر السبب علم منه عدم تأثير السبب معه أثره ، لكن ناقش في ذلك كله غير واحد من متأخري المتأخرين حتى مال سيد المدارك منهم الى ما أرسله عن الشيخ من الدخول في الملك ثم وجوب الإرسال ، وإن كنا لم نتحقق ذلك عن الشيخ ، بل في كشف اللثام عنه أنه لا يدخل بالاتهاب في ملكه وأطلق ، ولا يجوز له شي‌ء من الابتياع وغيره من أنواع التملك ، وأن الأقوى أنه يملك بالميراث ، ولكن إن كان معه وجب عليه إرساله وإلا بقي في ملكه ، ولا يجب إرساله ، والذي حكاه عنه في المختلف أنه قال : « إذا انتقل الصيد اليه بالميراث لا يملكه ويكون باقيا على ملك الميت الى أن يحل ، فإذا حل ملكه ـ قال ـ : ويقوى في نفسي أنه إن كان حاضرا معه فإنه ينتقل اليه ويزول ملكه عنه ، وإن كان في بلده ، يبقى في ملكه ، ولي في الانتقال الذي قواه الشيخ إشكال ، لنا قوله تعالى ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) » انتهى ما في المختلف.

وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن الشيخ ما سمعت قال : « وهو قوي لأن الملك هنا ليس بالاختيار ليدخل في عموم الآية بالتحريم فيرثه لعموم أدلة الإرث ، وانما الذي باختياره الاستدامة ، فلذا وجب الإرسال إن كان معه ـ قال ـ وهو مقرب التذكرة وفيها وفي المنتهى أن الشيخ قائل به في الجميع ، والذي في‌

٣٣٢

المبسوط يختص بالإرث ، وهو المنقول في المختلف والشرحين » قلت ظاهر القائلين بعدم الدخول في الملك عدم الفرق فيه بين أسبابه القهرية والاختيارية بل لعل وجوب الإرسال لكونه غير مالك له كما لو صاده وهو محرم ، وليس إلا لتنافي الإحرام وملكية الصيد ابتداء واستدامة ، بل سمعت ما حكاه في المختلف عن الشيخ من أنه يملكه ثم يزول عنه.

وعلى كل حال فليس له القبض من البائع أو الواهب أو نحوهما ، بل ولا من التركة لحرمة إثبات اليد على الصيد ، فان قبض وتلف في يده فعليه الجزاء لله تعالى والقيمة للمالك الذي هو البائع ونحوه ، لكونه مقبوضا بالمعاملة الفاسدة وإن أذن المالك ، ضرورة كون القبض عدوانا باعتبار عدم المشروعية وما في كشف اللثام من التوقف في ذلك في غير محله وإن حكي عن المبسوط أنه قال : لا قيمة عليه للواهب ثم قال : وهو الوجه لأنه إباحة له فلا يضمن إذا تلف ، وفيه أنه يمكن أن يكون ذلك من الشيخ لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده بناء على تسليمها ، ولنا فيها نظر ذكرناه في محله إن لم يكن إجماع ، ضرورة اقتضاء قاعدة اليد الضمان ، والاذن الحاصلة من العقد الفاسد لا ترفع الضمان.

ثم بناء على عدم التملك بالإرث إذا كان معه قال في كشف اللثام أيضا « يبقى الموروث على ملك الميت إذا لم يكن وارث غيره ، وإذا أحل دخل الموروث في ملكه إن لم يكن في الحرم ، وإن كان معه مثله في الإرث فإن أحل قبل قسمة التركة شارك في الصيد أيضا ، وإلا فلا ، وإن لم يكن معه إلا وارث أبعد اختص بالصيد وهو بغيره » انتهى ، ولا يخلو من نظر ، ولو أحرم بعد بيع الصيد وأفلس المشتري أو ظهر عيب في الثمن أو باعه بخيار لم يكن له حالة الإحرام أخذ العين ، لما عرفت من عدم دخولها في ملكه حالته ، وفي كشف اللثام « وللمشتري‌

٣٣٣

رده بعيب أو غيره من أسباب الخيار ولكن ليس له الأخذ » وفيه أن الرد بالعيب إذا لم يترتب عليه تملك البائع للعين يمكن منع مشروعيته ، بل حقيقة الرد رجوع العين الى ملك البائع ، فلا يبعد تعين الأرش له أو الانتظار الى أن يحل.

ولو استودع صيدا محلا ثم أراد الإحرام سلمه الى المالك ثم الى الحاكم إن تعذر المالك ، فان تعذر الحاكم فإلى ثقة محل لما عرفت من حرمة استيلائه على الصيد حال الإحرام ، فإن تعذر الثقة ففي القواعد إشكال أقربه الإرسال والضمان ، ولعل وجه الاشكال من تعارض وجوب حفظ الأمانات أو ردها ، ووجوب الإرسال عند الإحرام ، كما أن وجه الأقربية الجمع بين الحقين والتغليب للإحرام ، ويحتمل الحفظ وضمان الفداء إن تلف تغليبا لحق الناس وقد يقال بعدم جواز الإحرام له حتى يرده الى صاحبه ، فتأمل.

ولو كان عنده الى أن أحرم ففي كشف اللثام « في كل من الحفظ والتسليم الى المالك أو الحاكم أو ثقة إشكال أقربه الإرسال وضمان القيمة لهذا الدليل ، فان سلم إلى أحدهم ضمن الفداء إلا أن يرسله المستسلم كما نص عليه في التذكرة » وفيه أنه بناء على ترجيح ما دل على وجوب الحفظ والتسليم للمالك أو وليه على ما دل على وجوب الإرسال يتجه عدم الفداء بالإهمال ، ضرورة تخصيص تلك الأدلة بغير الفرض.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أن المحرم حال إحرامه لا يدخل ملكه الصيد بسبب من أسبابه ، لكن هذا كله إذا كان الصيد عنده وأما لو كان في بلده أو غيرها مما لا يصدق عليه كونه عنده أو معه ففيه تردد من وجود الإحرام المانع عن الملك بدليل الآية (١) وغيرها ومن البعد الموجب لعدم خروج الصيد فيه عن الملك ، فيقبل دخوله فيه‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٧.

٣٣٤

والأشبه وفاقا للفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما أنه يملك بل لا أجد فيه خلافا صريحا ، نعم ربما كان ذلك مقتضى إطلاق بعض الفتاوى ، والتحقيق خلافه ، لما عرفته في الاستدامة التي يظهر هنا من النص والفتوى تلازمها مع الابتداء ، وبه يخرج عن عموم الآية ، فيبقى حينئذ عموم التملك بأسبابه حينئذ بحاله.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين كون المحرم في الحرم أو في الحل ، وعن التذكرة والمنتهى والتحرير التفصيل بذلك في أصل التملك معللا بأن له استدامة الملك فيه فكذا ابتداءه ، وقد يناقش بأنه مناف لقطعه فيها بزوال ملكه عنه بالإحرام واحتجاجه له بأن استدامة الإمساك كابتدائه وهو يعم المحرم في الحرم وفي الحل ، وبما سمعته سابقا من تملك المحل في الحرم النائي عنه ، نعم لو كان الصيد في الحرم زال ملك المالك عنه ، فلا يدخل في ملك أحد ، فالوجه حينئذ تملك المحرم في الحل والحرم النائي عنه ، بخلاف ما كان معه ، وقد تقدم بعض الكلام في المسألة في المحرم ، والله العالم.

ولو اضطر المحرم إلى أكل الصيد لمخمصة جاز أكله إجماعا بقسميه ونصوصا (١) ولكن فداه إجماعا بقسميه ونصوصا (٢) أيضا ولو كان عنده مع الصيد ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء ، وإلا أكل الميتة كما في القواعد ، بل ومحكي النهاية والمبسوط والمهذب ، إلا أن فيها وإلا جاز له أكل الميتة لصحيح ابن بكير وزرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل اضطر إلى ميتة أو صيد وهو محرم قال : يأكل الصيد ويفدي » وصحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٣٥

يأكل قال : يأكل من الصيد ، أما يحب أن يأكل من ماله ، قلت : بلى قال : انما عليه الفداء فليأكل وليفده » وخبر منصور بن حازم (١) عنه عليه‌السلام أيضا على ما عن المنتهى بخط العلامة والمضمر في التهذيب « سألته عن محرم اضطر إلى أكل الصيد والميتة قال : أيهما أحب إليك أن تأكل من الصيد أو الميتة قلت : الميتة ، لأن الصيد محرم على المحرم ، فقال : أيهما أحب إليك أن تأكل من مالك أو الميتة قلت : آكل من مالي ، قال : فكل الصيد وافده » وخبر يونس ابن يعقوب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المضطر إلى الميتة وهو يجد الصيد قال : يأكل الصيد قلت : إن الله عز وجل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد ، قال : أتأكل من مالك أحب إليك أو الميتة؟ قلت : من مالي ، قال : هو مالك وعليك فداؤه ، قلت : فان لم يكن عندي مال قال : تقضيه إذا رجعت الى مالك » وفي كشف اللثام وكذا قال عليه‌السلام لمنصور بن حازم (٣) فيما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن منصور مؤيدا ذلك بالانجبار بالفداء واختصاص الميتة بالحرمة الأصلية ، وبالخبث وفساد المزاج وإفسادها المزاج والمخالفة لما عليه أكثر العامة ورؤساؤهم ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة ، بل في الانتصار الإجماع على اختيار الصيد مع فدائه ولا يأكل الميتة ، وإن كان لم يتعرض لحكم من لا يقدر على الفداء كإطلاق المفيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٩ عن الشيخ بالإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام والظاهر أنه أخذه عن الاستبصار ج ٢ ص ٢٠٩ الرقم ٧١٣ حيث أن الشيخ قدس‌سره رواه في التهذيب ج ٥ ص ٣٦٨ الرقم ١٢٨٢ مضمرا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٠.

٣٣٦

والمحكي عن سلار ومقنع الصدوق يأكل الصيد ويفدي ، وكذا النصوص.

وظاهر المصنف في النافع أنه قول مقابل للسابق ، قال فيه : « ولو كان عنده مع الصيد ميتة ففيه روايتان ، أشهرهما أنه يأكل الصيد ويفديه » وقيل إن لم يكن الفداء أكل الميتة ، ومفهومه أنه يأكل الصيد مع الفداء إن أمكنه ووجه الفرق بين القولين حينئذ أنه يأكل الميتة مع عدم التمكن من الفداء على القول الثاني ولا على الأول ، بل يرجع فيه الى القواعد المقررة كما عن المهذب في شرح النافع قال : « وهي أن الصيد إن كان نعامة انتقل إلى إبدالها حتى ينتهي الى ما يلزم العاجز ، وهو الصوم ، وكذا إن كان ظبيا أو غيرهما ، فهذا فرق ما بينهما ، فاعرفه » وحاصله أن الأول الأكل ووجوب الفداء لا الأكل بشرط التمكن من الفداء الذي هو القول الثاني ، وفي التنقيح ـ بعد أن حكى القول بالتفصيل بإمكان الفداء فلا يضطر إلى الميتة وعدمه فيضطر ـ قال : « وفي هذا الترجيح نظر ، فإنه على تقدير تمامه أي فارق بينه وبين الوجه الأول ، وهو الأكل والفداء ، فان جواز الأكل إذا كان مشروطا بالمكنة من الفداء لا يكون هناك قول آخر فيه تفصيل ، بل يكون القولان قولا واحدا ، والذي يظهر من كلام المصنف وغيره أنهما قولان أحدهما الأكل مطلقا ولزوم الفداء في الذمة سواء قدر عليه في الحال أولا ، وثانيهما جواز الأكل مع إمكان الفداء ، ويمكن أن يجاب بأن الفرق بينهما ما بين الرخصة والعزيمة ، فإن الأكل في الأول رخصة ، وفي الثاني عزيمة ».

ولا يخفى عليك ما في السؤال والجواب ، والتحقيق أن الفرق بينهما شرطية التمكن في جواز الأكل وعدمها بل الأكل سبب في وجوبه في الذمة ، بل قد يقال إن ظاهر الفتاوى عدم اعتبار الابدال ، وأن المتعين الفداء على معنى وجوبه في ذمة الآكل ، ولا يخلو من إجمال ، وفي الرياض بعد أن حكى ما‌

٣٣٧

سمعت قال : « وظاهرهما بل وغيرهما أن المعتبر من التمكن وعدمه انما هو وقت الاضطرار إلى الأكل كما عن الإسكافي الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني وفيه نظر ، بل الأظهر أنه مع عدم التمكن وقت الاضطرار يأكل الصيد ويقضي الفداء إذا رجع الى ماله ، كما في الموثق (١) ونحوه الصحيح (٢) المروي عن المحاسن « قلت : لا ظهور في كلامهم في ذلك ، نعم هو ظاهر الإسكافي ، لقوله : « فان كان في الوقت ممن لا يطيق الجزاء أكل الميتة » وأما غيره فقد أطلق الإمكان الشامل للحال ولحال الرجوع الى ماله.

وعلى كل حال ففي مقابل النصوص المزبورة‌ خبر عبد الغفار الجازي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا قال : يأكل الميتة ويترك الصيد » وخبر إسحاق (٤) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا اضطر المحرم الى الصيد والميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له » إلا أنهما قاصران عن المعارضة من وجوه ، بل لم أجد عاملا بإطلاقهما من أصحابنا ، فأحسن شي‌ء حملهما على التقية ، بل قد يحتمل في ثانيهما أن لا يكون واجدا للصيد وإن اضطر اليه كما عن الشيخ ، بل احتمل فيهما الاضطرار الى ذبح صيد لعدم وجدان مذبوح منه ، فان المحرم إذا ذبحه كان ميتة ، ونفي البأس عنه في المختلف بل عن أطعمة الخلاف والمبسوط والسرائر اختيار ذلك ، ففرقوا بين أن يجد صيدا مذبوحا ذبحه محل في حل فيأكله ويفديه ، وبين أن يفتقر الى ذبحه وهو محرم ، أو يجده مذبوحا ذبحه محرم أو ذبح في الحرم فيأكل الميتة.

وعن ابن إدريس أنه قواه لأنه مضطر اليه ، ولا عليه في أكلها كفارة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

٣٣٨

ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كل حال ، لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة ، وزاد بعضهم أن تحريم الصيد في الفرض من وجوه : تناوله وإمساكه وقتله وأكله بخلاف الميتة التي ثبت التحريم فيها من وجه واحد ، وربما نوقش بأنه يمكن حرمتها من وجوه في بعض الأفراد ، كما لو غصب شاة وضربها حتى ماتت ، ولا قائل بالفصل ، وبإمكان وجه واحد في الصيد إذا كان قد ذبحه غيره وهو محل في حل ، بل قد يرجح الصيد عليها بأن حرمة أكله عارضية بسبب الإحرام والحرم بخلاف الميتة فإنها أصلية ، وبأن الصيد له بدل وهو الفداء الموجب للعفو عن إثمه في غير المقام فضلا عنه ، بخلاف الميتة وبأن الميتة مشروط أكلها بالضرورة ، ولا ضرورة مع وجود الصيد والالتزام بالفداء كما أشارت إليه الرواية ، وبالشهرة فتوى ورواية وبغير ذلك.

وعن الصدوق في الفقيه التخيير بين أكل الصيد والفداء وأكل الميتة ، قال : إلا أن‌ أبا الحسن عليه‌السلام (١) قال : « يذبح الصيد ويأكله أحب الي من الميتة » وعن ابن سعيد موافقته مصرحا بأنه يذبح الصيد ويأكله ، ولكن قال في محكي المقنع يأكل الصيد ويفدي ، وقد‌ روي (٢) في حديث آخر انه « يأكل الميتة لأنها قد حلت له ولم يحل له الصيد » وظاهره اختيار القول الأول وهو كذلك ، ضرورة أن الجمع بالتخيير فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه ، بل ونحوه الجمع بالإمكان وعدمه مع عدم الشاهد له.

وقد تلخص من ذلك أن الأقوال في المسألة أربعة أو خمسة : الأول الأكل والفداء ، والثاني الأكل إن تمكن من الفداء حال الأكل في قول ، أو ولو مع الرجوع الى ماله كما في آخر ، والثالث التخيير ، والرابع التفصيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

٣٣٩

الذي سمعته عن أطعمة الخلاف وغيره ، والخامس ترجيح الميتة مطلقا ، وقد حكاه ابن إدريس ، إلا أنا لم نتحققه ، وأقواها الأول لما عرفته من النصوص المؤيدة بما سمعت المحمول ما خالفها على التقية أو غيرها ، من غير فرق بين الصيد المذبوح في الحل وغيره حتى لو تمكن المحرم من الاصطياد ، بل وإن كان في الحرم فيصيده ويذبحه ويأكله مقدما له على الميتة وإن كانت مباحة الأكل بالذكاة فضلا عن غيرها ، ولكن عليه الفداء ولو بعد الرجوع الى ماله ، ولا يناقش بأن ذبح المحرم له وخصوصا في الحرم لا يفيده تذكية بل هو ميتة أيضا ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، مع إمكان منع كونه ميتة هنا وإن قلنا به في غير المقام الذي هو حال الضرورة ، بل قد سمعت احتمال كونه غير ميتة مطلقا ، والله العالم.

وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه كما في النافع والقواعد وغيرهما ، بل في المسالك هكذا أطلق الأكثر ، ثم قال : « والمفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال ، وهو شامل أيضا لما إذا زاد عن قيمة الصيد المملوك أو نقص ، ولما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر ، ولما كان للمالك فيه نفع وغيره كالارسال إذا لم ينتج شيئا والصوم ، ولما إذا كانت الجناية من المحرم في الحل أو في الحرم أو من المحل في الحرم فيشمل ما يجتمع فيه القيمة والجزاء ومقتضاه أنه لا يجب لله تعالى سوى ما يجب للمالك ، مع أن القواعد المستقرة تقتضي ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان ، وكما قد يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران قد يقتضي ضمان ما هو أقل ، بل ما لا ينتفع به المالك فلا يكون الإحرام موجبا للتغليظ عليه زيادة عن الإحلال ، فيتحصل في المسألة مخالفة‌

٣٤٠