جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مكتفيا بذكر الصدقة المزبورة بالحكم بالكراهة ، خلافا لمن عرفت فأوجبوا الفداء له ، بل عن الشيخ في الخلاف ما سمعته من الإجماع على ذلك ، وفيه ما عرفته سابقا في الصيد الذي أم الحرم وإن كان في البريد ، نعم لا تعرض في المتن وغيره لغير الجناية المزبورة ، ولعله لعدم النص وأصالة البراءة المقتضية لعدم ترتب الكفارة في غير ذلك وإن قلنا بحرمة الجناية ، إذ لا تلازم بينها وبين لزوم الكفارة ، اللهم إلا ان يقال باستفادة معاملته معاملة صيد الحرم ولو استحبابا من فحوى الصحيح والخبر المزبورين ، خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن ، هذا.

وقد عرفت أن البريد المزبور خارج الحرم يحيط به من كل جانب ، والحرم في داخله ، وفي المسالك « أنه بريد في بريد ، فيكون مكسرا ستة عشر فرسخا ، لأن البرية أربعة فراسخ فإذا ضربت في أربعة بلغت ذلك وإلا فالواحد إذا ضرب في مثله لا يتعدد ، ومعنى الاصطياد بين البريد والحرم الاصطياد في منتهى البريد وغايته وطرف الحرم ، وإلا فلا واسطة بين البريد والحرم حتى يتعلق به حكم ، ففي العبارة حينئذ تجوز » قلت : قد صرح غيره أيضا بأن الحرم بريد في بريد ، قال في المنتهى : وحد الحرم الذي لا يجوز قتل صيده ولا قطع شجره بريد في بريد ، رواه‌ الشيخ في الموثق عن زرارة (١) قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : حرم الله حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه ويعضد شجره إلا الإذخر ويصطاد طيره ، وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ما بين لابتيها ، وحرم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها ، ويعضد شجرها إلا عودي الناضح » إذا ثبت هذا فصيد وج وشجره مباح ، وهو واد بالطائف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨٧ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٣٠١

قاله علماؤنا واختاره أحمد ، وقال أصحاب الشافعي : وهو محرم الى آخره.

وعلى كل حال فالظاهر أن التحديد المزبور هو المروي عن أئمة الهدى عليهم‌السلام وأفتى به علماؤنا ولكن في كتب العامة اختلاف فيه ، فعن القاسي والطبرسي ضبط الحرم بالذراع ، فإن المسافة من باب الشبكية إلى إعلام العمرة التي هناك عشرة آلاف ذراع وثمانمائة ذراع واثني عشر ذراعا ، فتزيد على الثلاثة أميال ثلاث مائة ذراع واثني عشر ذراعا ، ومن باب الشبكية إلى باب المسجد المعروف بباب العمرة ألف وستمائة ذراع وثمانية أذرع ، ومن جهة اليمن من جدار باب المسجد المعروف بباب إبراهيم إلى علاقة حد الحرم في تلك الجهة أربعة وعشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع بتقديم التاء ونحو نصف ذراع ، ومن جهة العراق من عتبة باب العلاء إلى العلمين الذين هما الحرم خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذراعا ، ومن جهة عرفة من عتبة باب السلام سبعة بتقديم السين وثلاثون ألف ذراع إلا ذراع وعشرة أذرع وسبعا ذراع ، ومن جهة الجعرانة إلى شعيب عبد الله بن خالد اثني عشر ميلا ، ومن جهة جدة إلى البئر المعروفة ببئر شمس وبقاعها الحديبية عشرة أميال ، ومقتضى ذلك عدم كونه بريدا في بريد ، وعن العلامة القاسي أنه قال : لم أر من تعرض لمقدار دور الحرم إلا ابن خرداد ، فإنه قال : طوله حول مكة سبعة وثلاثون ميلا ، وهي التي يدور بها أنصاب الحرم ، وعن جمع المناسك للملإ أعلم أن معرفة حدود الحرم من أهم ما ينبغي أن يعتنى به فإنه تتعلق به أحكام كثيرة ، وقد اختلفوا في ذلك ، فقال الامام الهندوانى ومقدار الحرم من المشرق قدر ستة أميال ، ومن الجانب الثاني اثني عشر ميلا ، ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ، ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا ، وهذا شي‌ء لا يعرف إلا نقلا ، قال الصدر الشهيد : فيه نظر ، فان من الجانب الثاني التنعيم ، وهو قريب من ثلاثة أميال‌

٣٠٢

كذا في فتاوى الظهرية ، وفي السراجية أن الجانب الثاني قيل ثلاثة أميال وهو الأصح ، وقال السروجي : حد الحرم من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت تعابر على ثلاثة أميال من مكة ، ومن طريق اليمن على سبعة أميال ، ومن طريق الجعرانة في شعيب أبي عبد الله بن خالد على تسعة أميال ، ومن طريق جدة لتقطع الاعشاش على عشرة أميال ، ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال ، ومن طريق العراق على ثنية جبل على سبعة أميال أيضا ، هكذا ذكر هذه الحدود جماعة كثيرة كالأزرقي والنووي وغيرهما ، وانفرد الأزرقي فقال : حده من طريق الطائف أحد عشر ميلا ، وقال الجمهور : سبعة فقط ، ولم يذكر الطرابلسي فيما نقل عن السروجي حده من طريق العراق ، وقد ذكره النووي وغيره كما مر ، قلت : المدار الآن على النصب المعلومة المأخوذة يدا عن يد إلى أهل بيت الوحي عليهم‌السلام ، والله العالم.

ولو ربط صيدا في الحل فدخل برباطه في الحرم لم يجز إخراجه بلا خلاف أجده فيه ، للعمومات التي منها قوله تعالى (١) ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) الذي استدل به‌ الصادق عليه‌السلام (٢) لما سأله محمد بن مسلم « عن ظبي دخل في الحرم فقال : لا يؤخذ ولا يمس ، إن الله تعالى يقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) » وخصوص‌ خبر عبد الأعلى بن أعين (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى جانب الحرم فمشى الصيد بربطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه والرجل في الحل من الحرم ، فقال ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة » بل في المدارك الاستدلال عليه بأنه‌

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الآية ٩١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٠٣

بعد الدخول يصير من صيد الحرم ، فيتعلق به حكمه ، وإن كان فيه منع واضح بل مقتضاه وجوب الجزاء بقتله ، ولم أجد من صرح بذلك ، وانما اقتصروا على حرمة الفعل ، بل لم يذكروا ما في متن الخبر من حرمة الثمن ولكونه ميتة اللهم إلا أن يقال باستفادة مساواة حكمه لحكم صيد الحرم من الاستدلال بالآية في خبر ابن مسلم السابق ، ولا ريب في أنه أحوط.

ولو كان في الحل فرمى بسهم مثلا صيدا في الحرم فقتله فعليه فداؤه أي جزاؤه ولو بقيمته بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى عموم أدلة الجزاء على القاتل في الحرم الذي هو الأمان المقيد لحل الصيد سواء كان الرامي في الحل أو الحرم ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح ابن سنان (١) : « وما دخل من الوحش والطير في الحرم كان آمنا من أن يهاج ويؤذي حتى يخرج من الحرم » وبمعناه إرسال الكلب عليه ، أما إذا أرسله على صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه إلى الحرم فقتل صيدا آخر على وجه لا يكون صاحبه سببا في ذلك فلا ضمان كما لو استرسل من غير أن يرسله صاحبه للأصل بعد انتفاء المباشرة والتسبيب واليد ، بل ربما احتمل العدم أيضا فيما لو أرسله على صيد في الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، للأصل ، لكن عن الفاضل في المنتهى أن الأقرب الضمان ، لأنه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه ، ونحوه أو أقرب منه ما عن التذكرة من أنه لو رمى وهو والصيد في الحل ولكن دخل الصيد الحرم ثم أصابه السهم ضمنه أيضا ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى ، وعلى كل حال فما عن أحمد من عدم الضمان في أصل المسألة واضح الضعف ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٠٤

وكذا يجب عليه الجزاء لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر المدارك وغيرها وصريح محكي المنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ حسن مسمع (١) أو صحيحه السابق عن الصادق عليه‌السلام « في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله فقال : عليه الجزاء لأن الآفة جائت الصيد من ناحية الحرم » خلافا للشافعي والثوري وأبي ثور وابن المنذر وأحمد في رواية فلا ضمان ، وهو واضح البطلان ، وربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين لضعف السند المنجبر بعد التسليم بما عرفت مما هو حجة في نفسه ، والله العالم.

ولو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو في الحرم منه فقتله ضمنه أيضا بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف والجواهر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تغليب جانب الحرم ، بل ربما كان في صحيح ابن سنان (٢) السابق إشارة اليه أيضا ، بل وما تسمعه من صحيح الشجرة (٣).

ولو كان الصيد على فرع شجرة في الحل فقتله ضمنه إذا كان أصلها في الحرم وبالعكس بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض ، بل عن الخلاف والجواهر الإجماع عليه ، وعن التذكرة والمنتهى في العكس ، مضافا إلى‌ قوي السكوني (٤) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « انه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل على غصن منها طير رماه رجل فصرعه قال : عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم » المؤيد بصحيح معاوية (٥) « سألت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

٣٠٥

أبا عبد الله عليه‌السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل قال : حرم فرعها لمكان أصلها ، قال : قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم فقال : حرم أصلها لمكان فرعها » وظاهره تحريم الأصل الذي هو في الحل لمكان كون الفرع في الحرم ، وهو مناف في الظاهر للمفهوم في خبر السكوني ، وفي المسالك « الضابط أن أصل الشجرة متى كان في الحرم فما كان عليها مضمون مطلقا ، ومتى كان في الحل فأغصانها تابعة لهواء ما هي فيه ، فما كان منها في الحرم بحكمه وما كان في الحل بحكمه ، والثاني لا إشكال فيه ، والأول مروي عن علي عليه‌السلام » ومقتضاه اختصاص الاحترام لما كان أصله في الحل بما إذا كان الفرع في الحرم دون غيره ، كما هو مقتضى مفهوم خبر السكوني ، ولكن قد سمعت صحيح معاوية الظاهر في تغليب جانب الحرم لمكان كون بعض الفرع فيه وإن كان الأصل في الحل ، بل ظاهر المنتهى الفتوى به ، بل ربما يستفاد منه عدم الخلاف فيه عندنا ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى ، والله العالم.

ومن دخل بصيد حي إلى الحرم وجب عليه إرساله إجماعا بقسميه ونصوصا بل لو أخرجه من الحرم فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف بسببه أو بغيره بل مات حتف أنفه بلا خلاف أيضا أجده فيه ، لكون يده عادية نحو يد الغصب ، قال بكير بن أعين (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال : إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء » وقال معاوية (٢) أيضا : قال الحكم بن عيينة : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما تقول في رجل أهدي إليه حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم فقال : أما إن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٢.

٣٠٦

مستويا خليت سبيله ، وإن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى استوى ريشه خليت سبيله » وقال الحلبي (١) في الصحيح أيضا : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي فقال : إذا أدخله الحرم فقد حرم عليه أكله وإمساكه ، فلا يشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال » وفي الصحيح (٢) عن شهاب بن عبد ربه « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، إني أتسحر بفراخ أوتي بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها قال : بئس السحور سحورك ، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه » الى غير ذلك من النصوص التي منها ما دل على أمان الحرم مضافا الى الآية وأن من دخله لا يمس ولا يؤذى ولا يهاج.

نعم إن سلمه غيره فأرسله وعلم بالإرسال ثم مات فلا ضمان ، كما أنه لا ضمان أيضا لو كان سبعا كالفهد ونحوه إذا أخرجه ، ففي الصحيح (٣) « ان ابن أبي عمير أرسل عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن رجل أدخل فهده الى الحرم إله أن يخرجه فقال : هو سبع ، وكلما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه » وعن حمزة بن اليسع (٤) أنه سأله عليه‌السلام « الفهد يشترى بمنى ويخرج به من الحرم فقال : كل ما دخل الحرم من السبع لا مأسورا فعليك إخراجه » بل ظاهر الأخير الوجوب ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك.

وكيف كان فقد ظهر من بعض (٥) النصوص السابقة ما ذكره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ من أبواب كفارات الصيد.

٣٠٧

المصنف وغيره من أنه لو كان طائرا مقصوصا وجب حفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعضهم ، مضافا الى‌ صحيح حفص البختري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فيمن أصاب طيرا في الحرم قال : إن كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وإن كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحاه خلى عنه » وصحيح زرارة (٢) « ان الحكم سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة فقال : انتفها وأحسن علفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها » وخبر مثنى (٣) قال : « خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج بلغنا البريد فنتف النساء جناحيها ثم دخلوا به مكة فدخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبره فقال : ينظرون امرأة لا بأس بها فيعطونها الطير تعلفه وتمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلته » وخبر كرب الصيرفي (٤) قال : « كنا جماعة فاشترينا طيرا فقصصناه ودخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة ، فأرسل كرب الى أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله فقال : استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة فإذا استوى ريشه خلوا سبيله ».

ومنهما يستفاد جواز الاستيداع ولو من امرأة ، لكن عن المنتهى اعتبار العدالة في الودعي ، لقوله عليه‌السلام في خبر مثنى : « امرأة لا بأس بها » وفيه أنه أعم من ذلك.

نعم يستفاد منها ومن غيرها وجوب المئونة على الممسك زمان بقائه ، بل الظاهر وجوب دفع الأجرة لمن لم يقبله إلا بها.

ولو أرسله قبل ذلك فقد صرح غير واحد بضمانه مع تلفه أو اشتباه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٣.

٣٠٨

حاله ، ولا بأس به.

كما لا بأس بإلحاق غير الطير به في ذلك مع احتمال برئه حتى الفرخ ونحوه مما لا يمتنع ، فان إرساله بمنزلة إتلافه وإن توقف فيه غير واحد ، لعدم النص ، بل قال بعضهم : يقوى الإشكال إذا كان زمنا مأيوسا من عوده إلى الصحة لما في الالتزام بحفظه ومئونته دائما من الحرج ، وفيه أنه اعتبار لا يعارض المستفاد من الأدلة.

ولو كان هو الذي نتف ريش الطير كان عليه الأرش بين كونه منتوفا وكونه صحيحا ، لأن ضمان الكل يوجب ضمان الأبعاض مع تحقق النقص في القيمة ، ولا يسقط مع ذلك وجوب حفظه الى أن يكمل ريشه ، خلافا لبعض العامة ، والله العالم.

وهل يجوز للمحل صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل والقائل الشيخ في المحكي عن صيد الخلاف والمبسوط والحلي نعم يحل وتبعه بعض متأخري المتأخرين وقيل والقائل هو أيضا في محكي النهاية والتهذيب وحج المبسوط لا يحل وتبعه الفاضل في محكي التحرير والمنتهى والتذكرة وثاني الشهيدين وسبطه وغيرهما وهو وإن كان أحوط إلا أن الأول أقوى ، للأصل السالم عن معارضة ما دل على تحريم صيد الحرم بعد انصرافه الى غير الفرض ، خصوصا بعد ما‌ في الصحيح (١) عن قول الله عز وجل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) قال : « من دخل الحرم مستجيرا كان آمنا من سخط الله تعالى ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج ويؤذى حتى يخرج من الحرم » فان مفهومه كغيره من النصوص جواز الإيذاء بعد الخروج مضافا الى العمومات ، سيما ما تقدم فيما يؤم الحرم من الصيد ، والى كونه الموافق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٣٠٩

لحكم الإنسان الملتجئ اليه ، بل والى‌ قول الكاظم عليه‌السلام لأخيه في المروي (١) عنه في مسائله وفي قرب الاسناد للحميري ، سأله « عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله؟ قال : لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال » بعد انسياق الكراهة منه المحمول عليها‌ قوله عليه‌السلام لأخيه أيضا في الصحيح (٢) « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم » وعلى الندب‌ قول الصادق في خبر عبد الله بن سنان (٣) « الطير الأهلي من حمام الحرم من ذبح منه طيرا فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه » ولا ريب في أنه أولى من الجمع بحمل النهي فيه على الحرمة ، وتخصيص الصحيح وغيره بما عدا الحمام ، خصوصا مع تضمن الصحيح الطير الغالب فيه الحمام ، ولو سلم التساوي فأصل البراءة باق على حاله ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

ومن نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك وغيرها نسبته الى القطع به في كلام الأصحاب لخبر إبراهيم ابن ميمون (٤) المنجبر بما عرفت « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل نتف ريشة حمامة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥ وفيه‌ « الطير الأهلي من غير حمام الحرم. وهو غير محرم فعليه ... إلخ » وكذا في التهذيب ج ٥ ص ٣٤٧ الرقم ١٢٠٤ والكافي ج ٤ ص ٢٣٥ إلا أن الموجود في الفقيه ج ٢ ص ١٦٩ الرقم ٧٤٢ كما ذكره في الجواهر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥ ولم يذكر فيه قوله عليه‌السلام في ذيله : « فإنه قد أوجعه » وقد ذكر ذلك في الفقيه ج ٢ ص ١٦٩ الرقم ٧٣٩ والكافي ج ٤ ص ٢٣٦.

٣١٠

من حمام الحرم قال يتصدق بصدقة على مسكين ويعطي باليد التي نتف بها ، فإنه قد أوجعه » ولو تعدد نتف الريشة تكررت الفدية كما عن المنتهى والتذكرة وربما احتمل الأرش كغيره من الجنايات ، ويدفعه ظهور النص في خلافه ، نعم لو نتف الأكثر من ريشة دفعة فعن التذكرة والمنتهى الأرش ، مع أنه قد يشكل فيما إذا لم يحصل النقص بذلك ، فلا أرش ولا صدقة كما هو الفرض مع القطع بأولوية نتف الأزيد من نتف الواحدة ، على أن الخبر في الكافي والفقيه فيمن نتف حمامة لا ريشة ، ولعله لذا احتمل الشهيد التكرر مطلقا ، وهو جيد ، كالمحكي عنه أيضا من أنه لو حدث بالنتف عيب ضمن الأرش مع الصدقة ، وأجود منه احتمال كون المراد من الخبر على الطريقين أن نتف الحمامة ولو ريشة موجب للصدقة.

أما إذا نتف غير الريش كالوبر أو الريش من غير حمام الحرم فالمتجه الأرش مع النقص ، وقد يحتمل إلحاق غير حمام الحرم من طيوره به ، بل عن المقنعة والمراسم وجمل العلم والعمل نتف ريش من طائر من طيور الحرم ، وعن الجامع نتف ريشة من طير الحرم ، خصوصا مع ملاحظة التعليل بأنه قد أوجعه بل منه يستفاد حكم التعدية الى غير النتف أيضا مما يوجعه ، ولا يسقط الصدقة ولا الأرش بالنبات ، خلافا لبعض العامة.

وعلى كل حال فلا خلاف أيضا في أنه يجب على الناتف أن يسلمها أي الصدقة بتلك اليد الجانية التي نتفها بها إن نتف باليد بل ظاهر غير واحد الإجماع عليه لما سمعته من النص المنجبر بما عرفت ، نعم في الدروس « الأقرب عدم وجوب تسليم الأرش باليد الجناية » ونحوها في غيرها أيضا ، ولعله للأصل السالم عن معارضة الخبر المزبور الظاهر في وجوب تسليم الصدقة لا الأرش ولا ما يشمله ، بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بذلك‌

٣١١

فيها أيضا بعد حمل الخبر المزبور على ضرب من الندب ، بل لولاه لأمكن القول بالندب في أصل الصدقة مع فرض عدم العيب ، خصوصا بعد إطلاق الصدقة الذي مقتضاه الاكتفاء بمسماها ، والله العالم.

ومن أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته اليه بلا خلاف أجده فيه ، نعم في القماري والدباسي ما عرفته سابقا ولا في أنه لو تلف قبل ذلك ولو حتف أنفه ضمنه لصحيح علي بن جعفر (١) « سألت أخي موسى عليه‌السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها قال : عليه أن يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به » ونحوه صحيحه (٢) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا ، وخبر زرارة (٣) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة قال : يرده إلى مكة » وخبر يونس بن يعقوب (٤) قال : « أرسلت الى أبي الحسن عليه‌السلام أن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها معنا إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة هل علينا في ذلك شي‌ء؟ فقال للرسول : أظنهن كن فرهة ، قل له : يذبح عن كل طير شاة » وربما جمع بينه وسابقه بإرادة الشاة من الثمن ، وهو بعيد ، لكن ليس فيه النص على التلف بخلاف الأول ، وفي التهذيب « ولا يجوز أن يخرج شيئا من طيور الحرم من الحرم ، ومن أخرج وجب على من أخرجه أن يرده ، فان مات فعليه قيمته يتصدق بها » واستدل عليه بخبر علي بن جعفر الصادق ، ثم قال : « وإذا أدخل المحرم طيرا الحرم فليس له إخراجه منه ، وإذا أخرجه فعليه دم » واستدل عليه بخبر يونس ، ومقتضاه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٩.

٣١٢

كونهما عنوانين ، وقد يقال إن مقتضى الجمع بينهما وجوب الشاة بالإخراج والصدقة بالثمن لو تلف ، كما انه قد يحتمل وجوب الشاة لعدم إمكان الإعادة ، والاحتياط لا ينبغي تركه وإن كان الأقوى الصدقة بالثمن مع التلف قبل العود ، والله العالم.

ولو رمى بسهم في الحل فدخل الحرم ثم خرج الى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء عندنا ، للأصل السالم عن المعارض حتى خبر مسمع (١) السابق المشتمل على التعليل بأن الآفة قد جائت الى الصيد من قبل الحرم ، بعد الشك في تناوله لمحل الفرض ، وعدم الجابر له ، مضافا الى ما عن المنتهى من الاستدلال عليه بأنه لو عدا فسلك الحرم في طريقه ثم خرج منه وقتل صيدا لا يضمنه إجماعا ، فالسهم أولى ، وإن كان لا يخلو من نظر ، وإن استحسنه في المدارك خلافا لبعض الشافعية فيضمن ، نعم لو قلنا بالضمان في حرم الحرم اتجه حينئذ ذلك كما صرح به في محكي المبسوط لكن عن التذكرة التوقف في الضمان ، ولعله لصدق خروج السهم من الحرم المقتضي للضمان ، كما لو كان أصل الرمي منه ، فيشمله التعليل في خبر مسمع ، وفي المسالك « مثله ما لو أرسل كلبا في الحل الى صيد فيه لكن قطع في مروره اليه جزأ من الحرم » قلت : لا يخفى عليك أن المتجه عدم الضمان في الجميع ، والله العالم.

ولو ذبح المحل فضلا عن المحرم في الحرم صيدا كان ميتة بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك والحدائق الإجماع عليه ، لخبر وهب بن وهب (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام والحلال وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد فهو ميتة ، حلال ذبحه أو حرام » وخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٣١٣

إسحاق (١) عن جعفر عليه‌السلام أيضا « ان علينا عليه‌السلام كان يقول إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم » المنجبرين بما عرفت ، مضافا الى غيرهما من النصوص المتقدمة في تروك الإحرام ، بل تقدم سابقا الكلام في ذبح المحرم ولو في غير الحرم ، والكلام أيضا في استعمال جلده وغيره من الاستعمالات

بل وتقدم أيضا أنه لو ذبحه المحل في الحل فأدخله الحرم لم يحرم على المحل بلا خلاف نصا وفتوى ولا إشكال ، نعم فيه خبران بالتصدق بثمنه ولكن يحرم على المحرم كذلك أيضا فلاحظ وتأمل

ولا يدخل في ملكه أي المحل شي‌ء من الصيد في الحرم على الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة عدم دخوله بعد الشك في تناول سبب الملك له ، لصحيح معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأله « عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال : لا يمس ، إن الله عز وجل يقول : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) » وصحيحه الآخر (٣) قال : « قال الحكم بن عيينة سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما تقول في رجل أهدي له حمام أهلي وهو في الحرم ، فقال : أما إن كان مستويا خليت سبيله » وغيرهما من النصوص ، مضافا الى ما دل على وجوب إرساله المتفق عليه نصا وفتوى ، بل عن بعض دعوى الإجماع ، وهو مناف لملكيته المقتضية لجواز التصرف بجميع أنواعه ، ولكن الجميع كما ترى ضرورة عدم اقتضاء النهي عن مسه عدم تملكه بسبب من أسباب التملك ، كعدم اقتضاء تخلية السبيل ووجوب الإرسال ذلك أيضا ، خصوصا أسباب الملك القهرية كالإرث ، وخصوصا في الصيد النائي عنه ، بل عدم جواز التصرف فيه لو كان معه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٢.

٣١٤

باعتبار وجوب إرساله عليه لا ينافي تملكه ، إذا الرهن مملوك ، ولا يجوز التصرف فيه لمالكه ، وكذا أم الولد والمال المحجور عليه لسفه أو فلس ، ودعوي الفرق بين المقام وبينها بتصور فائدة للملك في الرهن وفي أم الولد وفي المال المحجور عليه بخلاف الفرض خالية عن الحاصل ، خصوصا بعد تصور أمور كثيرة لملكه في المقام أيضا وإن وجب عليه إرساله.

ومن هنا قيل والقائل الشيخ فيما حكي عنه يدخل في ملكه بأسبابه حتى الصيد ولكن عليه إرساله إن كان حاضرا معه واختاره المصنف في النافع ، بل عن أبي العباس وغيره نسبته الى المشهور ، بل لم نعرف قائلا بما ذكره المصنف هنا على إطلاقه وإن حكي عن بعض الناس نسبته إلى الأكثر ، بل ينبغي القطع بعدمه في الصيد النائي عنه الداخل في ملكه بإرث أو شراء وكيل أو اصطياد أجير أو مملوك ، لما سمعته في المحرم وإن كان في المحرم فضلا عن المحل فيه ، نعم قد يشك في تملكه الصيد في الحرم معه باصطياد أو شراء أو نحو ذلك باعتبار كون الصيد في الحرم أخرجه الله تعالى عن التملك كما أومأ إليه‌ الصادق عليه‌السلام (١) بقوله « لا يمس » وبالأمر بتخلية السبيل وغير ذلك مما يظهر منه خروجه عن قابلية التملك لمكان حرمة الحرم ، ويمكن إرادة المصنف بإطلاقه ذلك ، بل ربما احتمل رجوع قوله : « إن كان حاضرا معه » إلى الأول أو ما يشمله ، وإن كان هو كما ترى ، فالتحقيق حينئذ التفصيل بين ما كان في الحرم من الصيد مع المحل وبين غيره ، فلا يدخل الأول في ملكه بخلاف الثاني ، بل قد يقال بزوال ملكه عنه لو كان معه نحو ما سمعته في المحرم ، فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو من تشويش بالنسبة للمحل والمحرم وبالنسبة الى ابتداء الملك واستدامته ، وبالنسبة إلى السبب الاختياري والقهري‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

٣١٥

وقد تقدم سابقا بعض الكلام في بعض ذلك ، ويأتي إنشاء الله بعض الكلام أيضا في تملك المحرم ، ومنه يعلم الحال فيما لو أخذه آخذ في الحل لو أرسله المحرم أو المحل في الحرم ، فإنه يملكه الآخذ بناء على زوال ملك المرسل له عنه ، ضرورة صيرورته كغيره من المباحات ، نعم لو قلنا ببقاء ملك الأول لم يملكه الآخذ ، والله العالم.

( الفصل الرابع في التوابع )

كلما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد فدائه أو بدله أو قيمته أو المحل في الحرم من القيمة على الأصح يجتمعان على المحرم في الحرم فيجب الفداء والقيمة أو القيمتان على المشهور ، بل عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه ، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب وللمعتبرة المستفيضة (١) المتقدمة في الحمام والطير والفرخ والبيض ، بل هو المراد من المضاعفة في‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن عمار (٢) : « وإن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد » ولو بقرينة السياق ، وموثقه (٣) الآتي والإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة ونصوص الحمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب كفارات الصيد والباب ـ ٣ منها الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٣١٦

والفرخ والبيض بل وخبر أبي بصير (١) عنه عليه‌السلام أيضا في الغزال « فان هو قتله قال : عليه قيمته ، قال : فان فعل وهو محرم في الحل فعليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إن كان محرما في الحرم » بناء على كون المراد منه أن عليه هذه القيمة أيضا ، واحتمال الجمع باعتبار المضاعفة في الفداء في غير الحمام ونحوه مما تقدم في النصوص السابقة فإن المضاعفة فيها الفداء مع القيمة يدفعه عدم القائل إذ الأصحاب كما عرفت وتعرف بين قائل بما ذكرناه ، وهو المشهور ، وبين قائل بتضاعف الفداء مطلقا كما عن الإسكافي والمقنع وأحد قولي المرتضى ، ومخير أو مردد كما عن المفيد والديلمي وابن زهرة ، والتخصيص المزبور خارج عن الأقوال كلها ، فتعين ما ذكرناه.

وعلى كل حال فما عن ابن أبي عقيل من أنه ليس على المحرم في قتل الحمامة في الحرم إلا شاة واضح الفساد ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه فضلا عن محكيه الذي سمعته عن شرح الجمل وتسمعه عن الانتصار والغنية ، بل قد سمعت النصوص في خصوص الحمام وفرخه وبيضه فضلا عن النصوص العامة ، وقد تقدم الكلام في ذلك وغيره سابقا ، كما أنه قد تقدم أيضا ما يظهر لك منه ومن ما في محكي النهاية والمبسوط والسرائر من أنه إذا قتل اثنان في الحرم صيدا أحدهما محرم والآخر محل فعلى المحل القيمة ، وعلى المحرم الفداء والقيمة وإذا ذبح المحل صيدا في الحرم كان عليه دم لا غير ، بل لم يعرف لما ذكره من الفرق بين المحل مشتركا ومنفردا ما يدل عليه ، وربما يتكلف له الاستدلال بخبر الطاطري (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن محرمين أكلوا صيدا قال : عليهم شاة شاة وليس على الذي ذبحه إلا شاة » لكنه كما ترى خال عن الفرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

٣١٧

المزبور ، وكذا ما عن الحلبي أيضا قال : فأما الصيد فيلزم من قتله أو ذبحه أو شارك في ذلك أو دل عليه فقتل إن كان محلا في الحرم أو محرما في الحل فداء بمثله من النعم ، وإن كان محرما في الحرم فالفداء والقيمة ، وروي الفداء مضاعفا » إذ فيه أولا وجوب الفداء على المحل ، وقد عرفت وجوب القيمة عليه وثانيا إيجاب القيمة مع ذلك على المحرم في الحرم ، وكان المتجه ما ذكره من رواية المضاعفة إعمالا لكل من السببين عمله ، وكأنه أشار بالرواية الى ما سمعته سابقا من حسن ابن عمار ، وأصرح منه‌ قول الجواد عليه‌السلام في مسئلة يحيى بن أكثم القاضي (١) « ان المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان الطير من كبارها فعليه شاة ، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل فطيم من اللبن ، وإذا قتله في الحرم الحمل وقيمة الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، وإن كان نعامة فعليه بدنة ، وإن كان ظبيا فعليه شاة ، وإن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) » فإن قوله ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) نصب على معنى مضاعفة الجزاء ، قيل : ويجوز أن لا يكون حينئذ فرق بين الفداء والقيمة إلا في الفرخ ، فلذا فرق بينهما فيه دون غيره ، وفيه أنه ـ بعد الإغماض عن السند وعدم المكافاة لما مر ـ فرع وجود قائل به ، ولم نجده.

وكذا يظهر لك أيضا ما في كلام ابن زهرة ، قال : « فمن قتل صيدا له مثل أو ذبحه وكان حرا كامل العقل محلا في الحرم أو محرما في الحل فعليه فداؤه بمثله من النعم بدليل الإجماع من الطائفة وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (٢) ( فَجَزاءٌ ) » الى آخره فأوجب مثلا من النعم ، وذلك يبطل قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) سورة المائدة الآية ٩٦.

٣١٨

من قال الواجب قيمة الصيد ، وإن كان محرما في الحرم فعليه الفداء والقيمة أو الفداء مضاعفا بدليل الإجماع المشار اليه ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا فالجزاء إذا لزم المحل في الحرم والمحرم في الحل وجب اجتماع الجزءين باجتماع الأمرين : الإحرام والحرم » بل فيه نظر من وجوه ، وأما ما عن المفيد والمرتضى في الجمل من أن المحل إذا قتل صيدا في الحرم فعليه جزاؤه فيمكن إرادة القيمة من الجزاء فيه المتعارف إطلاقه على ما يشملها والفداء ، بخلاف الفداء كما عن المحقق القطع به ، فلا يكون مخالفا للمختار كقول المفيد : « والمحرم إذا صاد في الحل كان عليه الفداء ، وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء والقيمة مضاعفة » بناء على إرادته من المضاعفة اجتماع الفداء والقيمة ، ونحوه المحكي عن سلار ، وحينئذ يكون موافقا للمختار ، وأظهر منهما في ذلك ما عن المرتضى في الجمل « كان عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة » وهو نص فيما قلناه ، ثم عن المفيد في الزيادات وقال (١) يعنى الصادق عليه‌السلام : « المحرم لا يأكل الصيد وإن صاده الحلال ، وعلى المحرم في صيده في الحل الفداء ، وعليه في الحرم القيمة مضاعفة » ويحتمل قوله « وعلى المحرم » الى آخره أن يكون من كلامه ومن الخبر.

وعلى كل حال فيجوز أن يراد بالقيمة ما يعم الفداء كما في‌ موثق ابن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد ، فان عليك الفداء بجهل كان أو عمد ، ولأن الله قد أوجبه عليك فان أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فعليك القيمة ، وإن أصبته وأنت‌

__________________

(١) المقنعة ص ٧١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٣١٩

حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا » نعم عن‌ سليمان بن خالد (١) أنه سأله عليه‌السلام « ما في القمري والدبسي والسمان والعصفور والبلبل قال : قيمته ، فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم » ويمكن أن يكون لعدم المثل لها من النعم كما عن التذكرة والمنتهى ، فلا يكون مخالفا ، نعم ظاهر المقنع المضاعفة في الفداء ، قال : « إن على المحرم في الحرم الفداء مضاعفا » وأظهر منه ما عن الانتصار « أن عليه فداءين للإجماع ، ولأن على المحرم في الحل فدية ، وعلى المحل في الحرم فدية » ويمكن إرادتهما القيمة وإن بعد ، وإلا كانا محجوجين بما عرفته سابقا من وجوب القيمة على المحل ، وكذا ما عن خلاف الشيخ « أن قاتل صيد الحرم إن كان محرما تضاعف الجزاء ، وإن كان محلا لزمه جزاء واحد » بل هو أظهر في الموافقة لما سمعته من إطلاق الجزاء على ما يشمل القيمة ، نعم من الغريب ما عن الوسيلة « إن المحرم إذا قتل في الحل على بريد لزمه القيمة ، وإن قتل في الحرم فالجزاء والقيمة ، والمحل إذا قتل في الحرم أو على بريد لزمه الفداء » إذ هو عكس ما سمعته في النصوص ، ولعل ذلك من النساخ أو من القلم ، وعن الانتصار والناصرية « ان المحرم إذا تعمد الصيد كان عليه جزاءان » وزاد في الناصرية « قاصدا به نقض الإحرام للإجماع والاحتياط ، ولأن عليه مع النسيان جزاء والعمد أغلظ فتجب له المضاعفة » وعن ابن إدريس « فإن كان ذلك منه في الحرم وهو محرم عامدا اليه تضاعف ما كان يجب عليه في الحل » وفيه أنه لا فرق في دليل المضاعفة في الحرم بين العمد وغيره ، كما أنه لا نجد لها دليلا في الحل من حيث العمدية ، بل لم يحضرني الآن موافق له فضلا عن كونه مجمعا عليه ، فالتحقيق ما عرفته سابقا ولاحقا من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٧.

٣٢٠