جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الضمان بنفس الاغلاق ولو مع السلامة ، نعم هو ظاهر المصنف في النافع وصريح المحكي عن التلخيص لظاهر الرواية المزبورة المؤيدة بأنه لو أريد منها الموت لاتجه وجوب الفداء والقيمة كما صرح به في المنتهى والتحرير ومحكي السرائر لا الأول خاصة كما هو ظاهرها وظاهر الفتاوى ، وحملها على غير الحرم يبعده أنه لا شي‌ء فيه حينئذ على المحل ، اللهم إلا أن يكون ذلك حكم حمام الحرم وإن لم يكن في الحرم ، ولكن يتجه حينئذ وجوبهما أيضا عليه لحصول السببين كالحرم ، اللهم إلا أن يقال بعدم وجوبهما عليه في هذا القسم ، من الإتلاف ، فيبقى الخبر على ظهوره في الحرم وإن كان فيه منع واضح ، ضرورة صدق اجتماع السببين فيه الموجب للفداء أيضا ، ولكن فيه ما عرفت من أن الاغلاق مع السلامة أولى بعدم الضمان من الرمي مع عدم الإصابة ومن الأخذ ثم الإرسال فلا بد من حمل الخبر على حال الهلاك ، خصوصا بعد ما سمعته في صحيح سليمان في الفقيه وخبر الواسطي وصحيح الحلبي في المحل ، مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب قديما وحديثا أو الأعم منه ومن حال عدم العلم بالحال الذي هو أظهر من الإطلاق ، وعدم ذكر القيمة لكون المراد بيان الحكم من حيث الإحرام كما في غيره من حيث الإحرام كما في غيره من النصوص ولعله لذا قال المصنف الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة البراءة من الضمان وإن كان الأحوط الإطلاق ، والله العالم.

المسألة الثانية قيل والقائل الشيخان وبنو بابويه والبراج وحمزة وإدريس وسلار فيما حكي عنهم إذا نفر حمام الحرم فان عاد فعليه شاة واحدة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة بل في كشف اللثام ذكره أكثر الأصحاب ، وفي المسالك اشتهر بينهم حتى كاد يكون إجماعا ، وبه صرح الفاضل وغيره لكن في التهذيب في شرح عبارة المقنعة المتضمنة للحكم المزبور ذكر‌

٢٨١

ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثا مسندا ، ولعله لذا نسبه المصنف إلى القيل هنا والنافع مشعرا بتمريضه ، لكن قد يفهم من عبارة التهذيب أن فيه خبرا غير مسند ، فيكون منجبرا بفتوى الأكثر الذين فيهم من لا يعمل إلا بالعلم كابن إدريس ، مضافا إلى ما هو المعروف من أن الأصحاب كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى رسالة علي ابن بابويه ، قال في المسالك : « ولقد كان المتقدمون يرجعون إلى فتوى هذا الصدوق عند عدم النص إقامة لها مقامه بناء على أنه لا يحكم إلا بما دل عليه النص الصحيح عنده » بل في الحدائق أن ما فيها مأخوذ من‌ الفقه الرضوي (١) « وإن نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة ، وإن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة » وإن كان قد عرفت غير مرة عدم ثبوت النسبة إليه عليه‌السلام عندنا ، وإلى احتمال التلف في حال عدم الرجوع ، فهو كمن رمي صيدا ولم يعلم حاله ، بل في المنتهى الاستدلال عليه بأن التنفير حرام ، لأنه سبب للإتلاف غالبا ، ولعدم العود ، فكان عليه مع الرجوع دم لفعل المحرم ، ومع عدم الرجوع لكل طير شاة لما تقدم أن من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فان لم يفعل ضمنه ونحوه عن التذكرة ، وعلى كل حال فما عن ابن الجنيد من أن من نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته لم نعرف له مستندا ، وإن كان الظاهر منه كما اعترف به في المختلف حال الرجوع لا عدمه.

ثم التنفير والعود يحتملان عن الحرم وإليه ، بل هو الظاهر وعن الوكر وإليه وعن كل مكان يكون فيه وإليه ، وعن الشهيد في بعض تحقيقاته وظاهر التذكرة أن المراد منه خروجها من الحرم إلى الحل ، والمراد بعودها رجوعها إلى محلها من الحرم ، وفي اشتراط الاستقرار مع ذلك وجه ، ولا يخفى عليك أنه لا نص يرجع إليه في المقام ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٤٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٨٢

وإنما هو مضمون الفتاوى الذي لا إشكال في عدم اعتبار شي‌ء من ذلك فيه.

والشاك في العدد يبني على الأقل ، وفي العود على العدم ، وهل يختص الحكم بالمحل كما قيل فان كان محرما كان عليه جزاءان وجهان أقواهما التساوي ، للأصل من غير معارض ، بل هو مقتضى إطلاق الفتاوى ، على أن عدم وجوبهما مع العود واضح ، بل ومع عدم العود ، لعدم كون مثل ذلك إتلافا كما هو واضح ، ولكن أطنب في المسالك في ذلك بما لا يعود إلى حاصل معتد به.

والأقرب أنه لا شي‌ء في الواحدة مع الرجوع للأصل ، واختصاص الفتاوى بالجمع سواء قلنا إن الحمام جمع أم لا خصوصا بملاحظة قولهم فعن كل حمامة شاة الذي هو قرينة على ارادة الجمع من الحمام ، وإن حكي عن المحققين أنه اسم جنس ، على أنه يمكن كونه اسم جنس جمعي ، ولأنه لو وجب فيها شاة لم يكن فرق بين عودها وعدمه بل تلفها ، وربما احتمل المساواة للكثير كما يتساوى ثلاثة منها وألف وكما يتساوى حمامة وجزؤها في الفداء عند الأكل لتحصيل يقين البراءة ، ومنع اختصاص الفتاوى بالجمع إنما يعطيه ظاهر قولهم فعن كل حمامة شاة ، وهو لا يعينه ، وأما بحسب اللغة فالمحققون على أنه اسم جنس ، ولا بعد في تساوي التنفير والإتلاف ، ولكن هو كما ترى.

ولو اشترك في التنفير جماعة فان كان فعل كل واحد منهم موجبا للنفور لو انفرد ففي المسالك « الظاهر تعدد الجزاء عليهم ، لصدق التنفير على كل واحد ، مع احتمال وجوب جزاء واحد عليهم ، لأن العلة مركبة وخصوصا مع العود ، أما مع عدمه فالاحتمال ضعيف جدا ، لأن سبب الإتلاف كاف في الوجوب ، وكذا الشركة » وفيه أنه لا فرق بين العود وعدمه مع فرض عدم الصدق باعتبار تركب العلة ، ودعوى الاكتفاء بالاشتراك يمكن منعها في المقام‌

٢٨٣

وإن قلنا بها في الإتلاف للدليل ، بخلاف الفرض الذي مقتضى إطلاق الفتوى عدم الفرق فيه بين المتحد والمتعدد ، ومن ذلك يعلم الحال في قوله أيضا : لو كان فعل كل واحد لا يوجب النفور فان لم تعد فالحكم كما مر ، وإن عادت قوي احتمال عدم التعدد ، لأن التنفير استند إلى الجميع لا إلى كل واحد ، ولم يتحقق الإتلاف ليثبت الحكم مع الاشتراك ، ثم إن كانوا جميعا محلين أو محرمين في الحرم أو في الحل فالحكم واحد ، ولو اختلفوا فعلى القول بالتعدد لا إشكال ، فيجب على كل واحد ما أوجبه فعله لو كان منفردا ، وعلى الاتحاد ففي المسالك يشكل الحال ، فيحتمل حينئذ أن يجب على كل واحد بنسبته من العدد مما وجب عليه ، فيجب على المحرم في الحل لو كانوا ثلاثة ثلث شاة وعلى المحل في الحرم ثلث القيمة ، وهكذا ، ويحتمل هنا عدم وجوب شي‌ء. لأنه خلاف الحكم المذكور » قلت : إن المسألة غير منصوصة ، والعمدة فيها الفتاوى التي مقتضاها ترتب الحكم المذكور على المنفر متحد أو متعدد ، محل أو محرم أو مختلف نعم قد يقال إن المنساق منها كون ذلك في الحرم ، ومن هنا يتجه الاقتصار فيه على خصوص طير الحرم دون غيره من الصيد المحرم كالظباء وإن احتمله بعضهم لكنه في غير محله ، ومنه يعلم وضوح منع كون عدم العود إتلافا.

ولو عاد البعض خاصة ففي كل واحدة لم تعد شاة ، وأما العائد فالمتجه عدم وجوب شي‌ء له للأصل بعد عدم النص ، ويحتمل وجوب جزء من شاة بنسبة الجمع ، فلو كان الجمع أربعة مثلا وعاد اثنتان فنصف شاة ، وفي المسالك « إن كان العائد أزيد من واحدة ففيه شاة واحدة ـ إلى أن قال ـ : ولو كان العائد واحدة ففي وجوب شاة لها أو جزء من شاة أو عدم وجوب شي‌ء الأوجه المتقدمة ، وأولى بالعدم لو قلنا به ثم » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ويجب على المنفر السعي في إعادتها مع الإمكان ، حتى أنه لو افتقر إلى مئونة وجبت‌

٢٨٤

أيضا ، ولو لم تخرج عن الحرم ولم تبعد كثيرا عن محلها الذي نفرها منه وقلنا بإيجابه الجزاء ففي وجوب إعادتها إلى الأول نظر ، من تحريم التنفير الموجب لخروجها عن محلها ، فيجب ردها إليه ، ومن انتفاء الفائدة مع القرب خصوصا لو كان المحل الأول ليس هو موضع إقامتها والثاني مساو له أو أقرب إليه ، ولعله الأقوى ، ومن الغريب الإطناب في الفروع في المقام مع أنك قد عرفت الكلام في الأصل ، والله العالم.

المسألة الثالثة إذا رمى اثنان صيدا فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلى المصيب فداء بجنايته ، وكذا على المخطئ لا عانته التي بها يكون سببا بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال عدا ما عن الحلي فلا شي‌ء على المخطئ بل وإن لم تتحقق إعانته لصحيح ضريس بن أعين (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما قال : على كل واحد منهما الفداء » وخبر إدريس بن عبد الله (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما قال : عليهما جميعا ، يفدي كل واحد منهما على حدة » وما عن بعضهم من قصر الحكم على صورة الإعانة منزلا للخبرين عليها لا داعي له ، كما أن ما عن ابن إدريس من عدم شي‌ء على المخطئ إلا أن يدل فيجب للدلالة للرمي في غير محله ، وفي كشف اللثام بعد أن حكى التعليل بالإعانة عن المصنف والفاضل في المنتهى والتذكرة قال : « ولا أفهمه إلا أن يكون دله عليه بالرمي أو أغراه أو أغواه » قلت حينئذ يكونان موافقين لابن إدريس ، ولعل المراد بالإعانة إرادة صيده للرامي ، والأولى التعبير بمضمون النص الذي هو مدرك الحكم ، نعم يتجه الاقتصار على مورده والفتوى ، فلا يجري الحكم على المحلين في الحرم مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٨٥

فرض عدم السبب من أحدهما ، أما إذا تعدد الرماة ففي تعدي الحكم وعدمه وجهان أقواهما وأحوطهما وجوبه على كل واحد منهم ، ويحتمل الاجتزاء بفداء واحد لجميع المخطين ، والله العالم.

المسألة الرابعة إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا بالإيقاد الاصطياد ، وإلا لزمهم فداء واحد بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم ، لصحيح أبي ولاد الحناط (١) قال « خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكبيه وكنا محرمين فمر بنا طير صاف مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فمات ، فاغتممنا لذلك فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بمكة فأخبرته وسألته فقال : عليكم فداء واحد تشتركون فيه جميعا ان كان ذلك منكم على غير تعمد ، ولو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كل رجل منكم دم شاة ، قال أبو ولاد وكان ذلك منا قبل أن ندخل الحرم » ولكن ظاهر المصنف الإطلاق ، بل في الدروس التقييد بالحرم ، قال : « ولو أوقدوا نارا في الحرم فوقع فيها صيد تعدد الجزاء إن قصدوا ، وإلا فواحد » ولعله يريد التمثيل ، وذكر ما ليس في الخبر لخفائه ، نعم صرح جماعة بوجوب القيمة على المحل لو فعل ذلك في الحرم ، وهو متجه مع فرض القصد ، كما أنه يتجه تضاعف الجزاء لو فعله المحرم حينئذ ، ضرورة كونه مع القصد بحكم الاشتراك في القتل مباشرة أما مع عدم القصد فقد يشكل وجوب القيمة على المحل في الحرم بعدم الدليل اللهم إلا أن يستفاد من فحوى هذا الصحيح ونصوص التضمين بالدلالة للمحرم والمحل في الحرم التسبيب الذي لا فرق فيه بين المحل والمحرم ، ولا بين القصد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٨٦

وعدمه ، فتتجه مضاعفة الجزاء فيه حينئذ أيضا.

ولو قصد بعضهم دون الآخر وجب على كل قاصد الجزاء وعلى مجموع الباقين فداء واحد إذا لم يكن واحدا ، وإلا أشكل بمساواته القاصد حينئذ مع أنه أخف حكما منه ، ويمكن الالتزام به ، ويحتمل كما في الدروس وغيرها مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة وعلى الآخر نصفها لو كان الواقع كالحمامة ، نعم لا إشكال في وجوب الشاة على الموقد الواحد قصد أو لا والله العالم.

( المسألة الخامسة إذا رمى صيدا فـ ) قتله أو جرحه ولم يعلم حاله ولكن اضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع بلا خلاف ولا إشكال في الصيد المرمي بل والآخر لأنه سبب الإتلاف كالدلالة ، ولا فرق في ذلك بين المحرم في الحل والمحل في الحرم بناء على اتحاد حكمهما في المباشرة والتسبيب ، فيضمن حينئذ كل منهما ما عليه ، ومن جمع الوصفين كان ضامنا للأمرين كما هو واضح.

المسألة السادسة السائق للدابة يضمن ما تجنيه دابته بأي جزء منها ، لقوة السبب على المباشر وكذا الراكب إذا وقف بها وأما إذا سار ضمن ما تجنيه بيديها ورأسها كالقائد لقوله ص (١) : « الرحل جبار » أي هدر إلا إذا جنت وهو عالم في غير الجراد ونحوه مما لا يمكنه التحرز منه لما تقدم من النصوص ، وبالجملة فالمقام نحو الجناية في غير الإحرام الذي ذكرنا الكلام فيه مفصلا في كتاب الديات بل ذكرنا فيه وفي كتاب الغصب ما له مدخل في المقام ، ضرورة الاتحاد في أسباب الضمان وهي المباشرة واليد والتسبيب ، فلاحظ وتأمل ، لكن في‌ صحيح‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣٤٣.

٢٨٧

أبي الصباح الكناني (١) أنه قال أبو عبد الله عليه‌السلام « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه » ونحوه في حسن معاوية (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، وهما مطلقان في الضمان من غير فرق بين اليدين والرجلين ، إلا أني لم أجد عاملا بهما على إطلاقهما وإن كان محتملا ، لخصوصية في الإحرام ، لكن ظاهر الأصحاب مساواة المقام لغيره ، ومنه عدم الضمان لو أتلفت الدابة بلا تفريط من صاحبها ، للأصل ، ول‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « العجماء جبار ».

هذا كله في المحرم ، وأما المحل ففي المدارك « لم أقف على رواية تتضمن تضمينه بجناية دابته إلا أن الأصحاب قاطعون بأن ما يضمنه المحرم في الحل يضمنه المحل في الحرم ، ويتضاعف الجزاء في اجتماع الأمرين » ولا بأس به إن تم إجماعا أو استفيد من النصوص اتحاد حكمهما في التسبيب ولو بمعونة فهم الأصحاب ، كما هو كذلك في الظاهر ، خصوصا بملاحظة نصوص الضمان بالدلالة للمحرم والمحل في الحرم ، والله العالم.

المسألة السابعة إذا أمسك المحرم صيدا في الحل أو في الحرم وكان له طفل في الحل أو الحرم فتلف الطفل بإمساكه ضمن الطفل ولو مع مضاعفة الجزاء بلا خلاف ولا إشكال ، للتسبيب فضلا عن الأم لو فرض تلفها بإمساكه الذي هو مباشرة وكذا لو أمسك المحل صيدا في الحل له طفل في الحرم فتلف الطفل بإمساكه للتسبيب أيضا بناء على ما سمعت من مساواة المحل للحرم في الضمان به أيضا لما كان في الحرم ، نعم لا يضمن الأم لو تلفت لكونه محلا ، أما إذا فرض كونها في الحرم وتلفت بالإمساك ضمنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات.

٢٨٨

أيضا مع الطفل كالمحرم ، ولو أمسك المحل الأم في الحرم فمات الطفل في الحل ضمن الأم لو فرض تلفها قطعا ، وأما الطفل ففي القواعد وغيرها وجهان ، من كون الإتلاف بسبب في الحرم فصار كما لو رمى من الحرم ، ففي‌ خبر مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله قال : عليه الجزاء ، لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم » ومن كونه قياسا ، ولكن لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني ، خصوصا بعد ما سمعته من العلة المنصوصة ، ومن هنا كان خيرة ثاني الشهيدين الأول ، والله العالم.

المسألة الثامنة إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن سواء كان في الحل أو في الحرم ، لكن يتضاعف إذا كان في الحرم بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كون إغراء الكلب نحو رمي السهم ، بل إن أغراه المحل في الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فأخذه فيه ضمنه كما عن المنتهى لذلك أيضا ، وعن الشافعي وأحمد في رواية لا يضمن ، وعن مالك وأحمد في رواية أخرى إن كان قريبا من الحرم ضمنه ، وإلا فلا ، نعم لا يضمن إن أغرى الكلب بصيد في الحل فدخل الحرم فأخذ غيره ، لأنه باسترسال نفسه لا بالإغراء فليس كسهم رمى به صيدا في الحل فأخطأ فأصاب آخر في الحرم ، مع احتماله للتسبيب ، خصوصا بعد ما ذكره غير واحد من أنه بحكم الإغراء في الضمان حل الكلب المربوط في الحرم ، أو وهو محرم والصيد حاضر أو بقصد الصيد فقتل صيدا لأنه شديد الضراوة بالصيد ، فيكفي في التسبيب حل الرباط ، وكذا لو حل الصيد المربوط فتسبب ذلك لأخذ الكلب أو الغير له على إشكال إن لم يقصد به الأخذ ، من التسبيب ومن الإحسان ، خصوصا مع الغفلة ، ولو انحل رباط الكلب لتقصيره في الربط فكذلك يضمن ما صاده للتسبيب إذا كان هو الذي أتى بالكلب ، قيل :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٨٩

ولا ضمان لتقصيره في ربط كلب غيره وإن أمره الغير ، بل الآمر حينئذ مقصر حيث اكتفى بالأمر ، ولا يخلو من نظر ، ولو لم يقصر في ربط كلبه فلا ضمان عليه بمجرد الاستصحاب ، وللأصل والربط المانع من التسبيب مع احتماله ، نعم لا يحتمل إن لم يكن هو المستصحب بل تملكه في الحرم ، أو محرما وقد أتى به غيره.

ولو حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها صيد ففي القواعد ضمن ، ولو كان في ملكه أو موات لم يضمن ، ولو حفر في ملكه في الحرم فالأقرب الضمان لأن حرمة الحرم شاملة فصار كما لو نصب شبكة في ملكه في الحرم ، وفيه أن مثله متجه في المحرم لو حفر في ملكه أو موات من الحل ، لأن حرمة الإحرام شاملة كالحرم الذي قبل يضمن المحل والمحرم بالحفر فيه ولو للحاجة إليه لمنفعة الناس أو غيرها ، فان الضمان هنا يترتب على المباح والواجب ، بل مقتضى ذلك الضمان حتى مع سبق الحل على الإحرام ، وإن كان ذلك كله لا يخلو من نظر فان السبب المذكور في الديات الذي قد دلت النصوص (١) على الضمان به لا يقتضي ترتب الحكم هنا عليه ، ضرورة عدم عنوان في النصوص على وجه يشمله مضافا الى الأصل والإباحة ، بل عن المنتهى والتحرير الوجه عدم الضمان فيما لو حفر في ملكه في الحرم ، نعم كلما كان نحو الدلالة على الصيد يتجه إلحاقه به دون غيره ، ولو أرسل الكلب أو حل رباطه ولا صيد فعرض له صيد ففي القواعد والمسالك وغيرهما ضمن التسبيب أيضا وفيه النظر السابق ، ولعله لذا احتمل في محكي التذكرة والمنتهى العدم وإن استوضح ضعفه في كشف اللثام لكنه لا يخلو من وجه ، وإن كان الاحتياط يقتضي الضمان ، والله العالم.

المسألة التاسعة لو نفر صيدا فهلك بمصادمة شي‌ء أو أخذه جارح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات.

٢٩٠

ضمن بلا خلاف بل في المدارك نسبته الى القطع به في كلام الأصحاب ، بل ولا إشكال للتسبيب الذي لا فرق فيه بين من نفره وبين من تلف أيضا بمصادمته من الصيد لو فرض ، نعم لو عاد الى وكره أو جحره أو فيما نفر عنه وتلف بعد ذلك لا ضمان بل وكذا إذا سكن في غير ذلك إذا لم يستند التلف الى ما سكن فيه ، لزوال السبب ، وإن استند اليه ضمن ، كما انه لو تلف قبل ذلك بآفة سماوية يضمنه أيضا على الأقوى ، وفاقا للفاضل وغيره ، لقول الكاظم عليه‌السلام لأخيه (١) علي « في رجل أخرج حمامة من الحرم عليه أن يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به » فينحصر حينئذ سبب خروجه عن الضمان في عوده الى للسكون وإن لم تشتمل يده عليه ، ويحتمل العدم لعدم استناد التلف إليه مباشرة ولا تسبيبا مع الأصل ، وفيه أنه يمكن كون ضمانه كضمان المغصوب وإن لم يكن في يده لما عرفت من ضمانه بالسبب المزبور حتى يعود ، واحتمال كون المراد من الخبر الإخراج المشتمل على كونه في يده لا داعي له ، والله العالم.

المسألة العاشرة لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب بالتخليص المفروض ضمن كما في محكي الخلاف والمبسوط والجامع وجميع كتب الفاضل إلا التبصرة فلم يتعرض فيها له ، لصدق قتل الصيد ولو خطأ ، لكن عن الشهيد الاشكال فيه من ذلك ومن قاعدة الإحسان ، وتبعه على ذلك غيره ، بل في المدارك « ينبغي القطع بعدم الضمان مع انتفاء التعدي والتفريط لأن تخليصه على هذا الوجه مباح بل إحسان محض ، وما على المحسنين من سبيل ، ومثله ما لو خلص الصيد من فم هرة أو سبع أو من شق جدار وأخذه ليداويه ويتعهده فمات في يده بما ناله من السبع » وفيه أن قاعدة الإحسان لا تنافي الضمان بعد عموم مقتضية ، وأما الأخذ للتداوي ففي القواعد الضمان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٩١

به أيضا لكن قال : على إشكال ، ولعله من أن إثبات اليد عليه مضمن ، بل عن الشهيد رحمه‌الله القطع به ، بل والفاضل في غير القواعد ، ومن الأصل وقاعدة الإحسان والأمر (١) بحفظ ما نتف ريشه حتى يكمل ، لكن الجميع كما ترى لا ينافي الضمان بعد فرض عمومه لمحل الفرض ، نعم قد يشك في ذلك ، ضرورة كون المتيقن من الضمان بوضع اليد مع العدوان دون غيره ، فالمتجه عدم الضمان ، وفرق واضح بين ذلك وبين سابقه ، والله العالم.

المسألة الحادية عشر من دل على صيد من المحرمين في الحل والحرم أو المحلين في الحرم فقتل ضمنه بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٢) وصحيحه « لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداء لمن تعمده » واحتمال كون الفداء فيه على المستحل لا الدال كما ترى ، خصوصا بعد ما سمعته من الإجماع المحكي وغيره ، بل وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر ابن حازم (٣) « المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل فقتل فعليه الفداء » والظاهر إلحاق الجرح بالقتل ، وكذلك الأخذ أيضا ، نعم لا ضمان مع عدم ترتيب أخذ أو جرح أو قتل على الدلالة للأصل السالم عن معارضة ما عرفت بعد ظهوره في غير الفرض ، لكن عن جمل العلم والعمل وشرحه والمراسم والمهذب إطلاق الفداء ، بل ربما استدل لهم بخبر ابن حازم بحذف قوله عليه‌السلام « فقتل » منه ، ولكن فيه أن القيد موجود في نسخ الكافي والتهذيب بل لعل القيد مراد للمطلقين ، خصوصا مع التصريح بلفظي الضمان والتسبيب ، ضرورة معلومية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٩٢

اعتبار ترتب التلف على ذلك في الضمان ، وعلى كل حال فما عن الشافعي من عدم الضمان مطلقا وأبي حنيفة إذا كان الصيد ظاهرا وأحمد من كون الجزاء بين الدال والمدلول واضح الضعف.

نعم لا ضمان إن كان رآه المدلول قبل الدلالة ، لعدم التسبيب والدلالة حقيقة فالأصل بحاله حينئذ ، وكذا إن فعل ما فظن به غيره ولم يكن قصد به ذلك ، لخروجه عنها أيضا ، ومن الغريب ما عن التحرير والمنتهى من التوقف في ضمان المحل لو دل محرما أو محلا على صيد في الحرم مع ما سمعته من خبري الحلبي.

نعم إن دل محل محرما على الصيد في الحل لم يضمن كما عن التذكرة لأنه لا ضمان عليه بالمباشرة فضلا عن التسبيب ، وعن المنتهى التردد في ذلك لأنه أعان على محرم فكان كالمشارك ، وهو كما ترى.

ومما ذكرنا يظهر لك الحال في جميع صور المسألة المرتقية الى اثنين وثلاثين صورة ، لأن الدال والمدلول إما أن يكونا محلين أو محرمين أو بالتفريق وعلى كل تقدير فاما أن يكونا في الحل أو في الحرم أو بالتفريق ، فهذه ست عشرة صورة ، وعلى كل تقدير فاما أن يكون الصيد في الحل أو في الحرم ، بل لو لوحظ مع ذلك اتحاد الدال والمدلول وتعددهما زادت على ذلك والله العالم‌

( الفصل الثالث في صيد الحرم )

وهو ما أحاط بمكة من جميع جوانبها ، وتسميته بذلك إما لأن آدم عليه‌السلام لما أهبط الى الأرض خاف على نفسه من الشيطان فبعث الله ملائكة تحرسه فوقفوا في مواضع أنصاب الحرم فصار ما بينه وبين موافقهم حرما ، وإما لأن‌

٢٩٣

الحجر الأسود لما وضعه الخليل عليه‌السلام في الكعبة حين بناها أضاء الحجر يمينا وشمالا وشرقا وغربا فحرم الله من حيث انتهى نوره ، أو غير ذلك ، وعن السيد القاسي أن له علامات مبينة ، وهي الأنصاب من جميع جوانبه خلا جهة جدة وجهة الجعرانة ، فإنه ليس فيهما أنصاب ، وأول من وضع الأنصاب على حدود الحرم إبراهيم الخليل عليه‌السلام بدلالة جبرئيل عليه‌السلام ثم قصي بن كلاب ، وقيل نسبها إسماعيل عليه‌السلام بعد أبيه ، وقيل عدنان ، وقلعتها قريش في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاشتد ذلك عليه فجاءه جبرئيل وأخبره أنهم سيعيدونها فرأى رجال منهم في المنام قائلا يقول : حرم أعزكم الله به ، نزعتم أنصابه سيحطمكم العرب فأعادوها ، فقال جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا محمد قد أعادوها ، فقال هل أصابوا فقال ما وضعوا فيها إلا بيد ملك ، ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الفتح تميم بن أسيد فجددها ثم بعث عمر لتجديدها مخزمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وخويطب بن عبد العزى وأزهر بن عبد مناف فجددوها ، ثم جددها عثمان ، ثم معاوية ثم الخلفاء والمملوك الى عهدنا هذا.

وكيف كان فلا خلاف بيننا في أنه يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم منه في الحل والحرم ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص (١) التي منها ما تقدم آنفا من صحيح الحلبي وحسنه (٢) بل لعله كذلك عند العامة إلا ما يحكي عن داود منهم من عدم ضمان المحل إذا قتل صيدا في الحرم ، ولا ريب في فساده ، وحينئذ فمن قتل صيدا في الحرم من المحلين كان عليه فداؤه أي قيمته لما عرفته سابقا من كون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ والباب ٤ منها الحديث ٢ والباب ٥ منها الحديث ١ و ٣ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٩٤

الأصح ذلك عند المصنف وغيره ، وأما المحرم فتجب هي عليه مع الفداء إذا كان مما له فداء ، وإلا تضاعفت القيمة للإحرام والحرم كما تقدم الكلام فيه مفصلا ولو اشترك جماعة من المحلين أيضا في قتله فعلى كل واحد فداء كما في القواعد وغيرها ، وعن ظاهر الخلاف وجماعة نحو ما سمعته في المحرمين قيل : لصدق القتل والإصابة على كل ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن عمار (١) « أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فان على كل انسان منهم قيمته ، فان اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك ».

ولكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت ومن الأصل بعد منع صدق القتل على كل ، وضعف الخبر سندا ودلالة باحتمال اختصاصه بالمحرمين كأكثر النصوص ، وكونه ليس بأعظم ، من الاشتراك في قتل مؤمن إذا لزمت الدية ، ولعله لذا قال في محكي المبسوط إن قلنا يلزمهم جزاء واحد لكان قويا ولكن قد تقدم سابقا في مسألة اشتراك المحرمين في القتل ما يستفاد منه قوة القول بمساواة المحلين لهم في ذلك أيضا ، بل نفي الخلاف فيه بعضهم ، بل ظاهر محكي المنتهى اختصاص الخلاف فيه بالعامة والشيخ في التهذيب ، قال : « لو اشترك الحلال والحرام في قتل صيد حرمي وجب على المحل القيمة كملا وعلى المحرم الجزاء والقيمة معا » وخالف فيه بعض الجمهور فأوجب جزاء واحدا عليهما ، وقال الشيخ في التهذيب : على المحرم الفداء كاملا وعلى المحل نصف الفداء لما رواه‌ إسماعيل بن أبي زياد (٢) إلى آخر الخبر الذي ذكرناه في المسألة السابقة عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام قال : « كان علي عليه‌السلام يقول في محرم ومحل قتلا صيدا على المحرم الفداء كاملا وعلى المحل نصف الفداء » وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٩٥

ذكرنا هناك احتمال كون المراد بالفداء الكامل هو المضاعف الذي على المحرم في الحرم ، ونصفه القيمة وحدها ، فالخبر حينئذ شاهد لتساوي المحلين والمحرمين في ذلك ، ولا ريب في أنه الأحوط إن لم يكن أقوى.

نعم الظاهر عدم الخلاف في جواز قتل المحل في الحرم القمل والبراغيث والبق والنمل ، بل في المدارك الإجماع عليه ، مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « لا بأس بقتل البق والقمل في الحرم وقال : لا بأس بقتل القملة في الحرم » كصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (٢) أيضا « لا بأس بقتل النمل والبق في الحرم » وقد تقدم الكلام في حكم ذلك بالنسبة للمحرم ، بل في المسالك استثناء قتل القمل والبراغيث من نحو إطلاق المتن ، كما أن فيها أيضا التساوي بين المحرم والمحل في الحرم في أسباب التلف من الدلالة والإعانة وغيرهما كما تقدم لنا بعض الكلام في ذلك ، والله العالم.

وهل يحرم على المحل قتل الصيد وهو يؤم الحرم ويقصده قيل والقائل الشيخ في محكي الخلاف والتهذيب والنهاية والمبسوط نعم يحرم ، بل في المدارك نسبته الى الشيخ وجمع ، بل في الأول الإجماع عليه لمرسل ابن أبي عمير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « كان يكره أن يرمي الصيد وهو يؤم الحرم » بناء على إرادة الحرمة من الكراهة فيه ، وخبر علي بن عقبة (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢ وفيه‌ « لا بأس بقتل النمل والبق في الحرم ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ عن علي ابن عقبة عن أبيه عقبة بن خالد كما يشير اليه فيما يأتي في الجواهر.

٢٩٦

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل قضى حجته ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم والصيد متوجه نحو الحرم فرماه فقتله ما عليه؟ قال : يفديه على نحوه » وصحيح الحلبي (١) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « إذا كنت محلا في الحل فقلت صيدا فيما بينك وبين البريد الى الحرم فان عليك جزاؤه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة ».

وقيل والقائل الصدوق في محكي الفقيه والشيخ أيضا في محكي الاستبصار والحلي في محكي السرائر بل المتأخرون كافة يكره ، وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها الأصل السالم عن معارضة الخبرين بعد ضعفهما سندا ولا جابر بعد تبين وهو الإجماع المحكي بمصير معظم من عرفت إلى خلافه ، بل ودلالة ، ضرورة أعمية الكراهة من الحرمة إن لم نقل بظهورها في المصطلح ، وعدم التلازم بين الضمان والحرمة ، ولذا قال به من قال بالكراهة ، على أنه معارض‌ بصحيح ابن الحجاج (٢) في العلل وحسنه (٣) في الفقيه « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم فيما بين البريد والمسجد فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات فيه برميته هل عليه جزاء؟ فقال ليس عليه جزاء. انما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شي‌ء ، فقلت هذا القياس عند الناس ، فقال انما شبهت لك الشي‌ء لتعرفه » بل وصحيحه الآخر (٤) أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢٩٧

سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات أعليه جزاؤه؟ قال : لا ، ليس عليه جزاؤه » الشامل لما أم الحرم وغيره ، وخبره أيضا (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يرمي الصيد وهو يوم الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه قال : ليس عليه شي‌ء ، انما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه » وخبر دعائم الإسلام (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « فيمن رمى صيدا في الحل فأصابه فيه فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فمات فيه من رميته فلا شي‌ء عليه فيه »

فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الكراهة لكن في محكي التهذيب والنهاية والاستبصار والمبسوط والمهذب والإصباح والجامع أنه لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه لما سمعته من صحيح الحلبي (٣) وخبر عقبة بن خالد (٤) الخالي عن ذكر الموت في الحرم ، ولذا أطلق في محكي التهذيب والاستبصار مؤيدا ذلك بما في المسالك من حرمة اللحم وأنه ميتة على القولين ، ولما تسمعه من النصوص (٥) المشتملة علي الضمان للصيد فيما بين البريد والحرم ولكن مع ذلك فيه تردد وإشكال كما في القواعد مما عرفت ، ومن صحيح ابن الحجاج وغيره مما تقدم الذي لا يخفى قصور المعارض له بعد الاعتضاد بالأصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد والباب ٣٠ منها الحديث ١.

٢٩٨

والشهرة وصحة السند وكثرة العدد من وجوه ، ومن الغريب احتمال إرادة عدم العقاب من النفي فيها للكراهة ، أو لكونه ناسيا أو جاهلا مع التصريح في الفقيه والكافي بنفي الجزاء ، ومنه يعلم إرادة ذلك من نفي الشي‌ء في رواية التهذيب فالمتجه حينئذ حمل خبر عقبة وصحيح الحلبي على ضرب من الندب ، خصوصا بعد خلو خبر عقبة عن الموت في الحرم ، والقائل بالضمان لا يقول بعمومه إلا ما سمعته من إطلاق التهذيب والاستبصار ، وحرمة لحمه وكونه كالميتة يمكن كونهما تعبدا لحسن مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل حل رمى صيدا في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فقال : لحمه حرام ، مثل الميتة » الذي حكي الفتوى به عن الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط والقاضي وابن سعيد بل قد سمعت ما في المسالك من دعوى اتفاق القولين عليه لا لكونه مضمونا ، ونصوص (٢) ضمان ما بين البريد والحرم ـ سواء مات في الحرم أو لا التي منها صحيح الحلبي المزبور ـ انما هي في مسألة أخرى تسمع الكلام فيها إنشاء الله خارجة عما نحن فيه من ضمان مطلق الصيد المضروب في الحل ثم مات في الحرم كما هو واضح.

ولذا أشار إليه المصنف بقوله ويكره الاصطياد بين البريد والحرم كما في النافع والقواعد وغيرهما أي خارج الحرم إلى بريد من كل جانب ، ويسمى بحرم الحرم على الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها الأصل وما يفهم من الأدلة من انحصار المانع من الاصطياد في الحرم والإحرام ، وفحوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد والباب ٣٠ منها الحديث ١.

٢٩٩

صحيح ابن الحجاج (١) السابق ، بل وإطلاق (٢) صحيحه وخبره (٣) الآخرين المتقدمين السالمين عن المعارض عدا صحيح الحلبي (٤) وخبر عقبة (٥) السابقين المتضمنين لثبوت الجزاء الذي هو أعم من الحرمة ، مع أنهما معارضان بنفيه في النصوص (٦) السابقة ، فيتجه حينئذ حملهما على الندب كما صرح به غير واحد من المتأخرين جمعا بين النصوص ، فما عن الشيخين وابن حمزة والقاضي من المنع عنه واضح الضعف ، ومن الغريب ما في المدارك فإنه بعد أن حكى عن المتأخرين الحمل على الندب قال : وهو مشكل لانتفاء المعارض ، مع أنه نفسه قد ذكر الصحيح المزبور وأفتى به ، فليس إلا الغفلة عنه ، وإلا فالعمل بهما مما لا يمكن بل لا بد من صرف هذا إلى الندب أو الآخر إلى ما سمعته سابقا من الشيخ أو غيره ، ولا ريب في أولوية ما ذكرناه من وجوه ، خصوصا بعد اعتضاده بمفهوم قوله تعالى (٧) ( حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) المقتضي عدم الحرمة ما دمتم محلين ، كقوله تعالى (٨) ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) خرج منه صيد الحرم للإجماع والنصوص ، وبقي الباقي ، ومنه ما نحن فيه.

وحينئذ فـ ( لو أصاب صيدا فيه ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا ) للأمر به في الصحيح (٩) والخبر (١٠) المزبورين المحمول على ذلك ، بل وعلى استحباب الفداء والجزاء لو قتله وإن لم يذكره المصنف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٧) سورة المائدة الآية ٩٧.

(٨) سورة المائدة الآية ٣.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٣٠٠