جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الإجماع عليه ، بل ولا إشكال للأصل السالم عن معارض المعتضد بخبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام سأله عليه‌السلام « عن محرم رمى صيدا فأصاب يده فعرج فقال : إن كان مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شي‌ء عليه ، وإن كان الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنه لا يدري لعله قد هلك » وعن بعض نسخ التهذيب « وجرح فعرج » وعن بعض آخر كالاستبصار الاقتصار على قوله « فعرج » ولعلها الصواب ، ولعل في قوله « وهو ينظر إليه » إشارة إلى ما ذكرناه من التقييد بالعلم بعدم التأثير لما ستعرفه من الحكم في صورة الشك ، كما أن الظاهر من المتن وغيره بل والنص كون الرامي متحدا فلا يحتاج إلى استثناء حكم الراميين إذا أخطأ أحدهما وأصاب الآخر الذي ستعرفه إنشاء الله.

ولو جرحه ثم رآه سويا صحيحا بلا عيب أو مطلقا ضمن أرشه زمن الجرح كما في القواعد ، لأنها إصابة مضمونة دون الإتلاف ، ولا مقدر لها شرعا وقيل كما عن النهاية والمبسوط والمهذب والإصباح والسرائر والجامع ربع القيمة بل في النافع ربع الفداء ، لصحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم فكسر يده أو رجله فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد قال : عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد ، فان رآه بعد ان كسر يده أو رجله وقد رعى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ إلى قوله عليه‌السلام « إذا لم يدر ما صنع الصيد » وأما الذيل فليس في الوسائل وإنما هو من كلام الشيخ ( قده ) في التهذيب بعد ذكر الصحيحة ج ٥ ص ٣٥٩ الرقم ١٢٤٦.

٢٦١

وانصلح فعليه ربع قيمته » وخبره الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل رمى صيدا فكسر يده أو رجله فتركه فرعى الصيد قال : عليه ربع الفداء » وخبر أبي بصير (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل رمى ظبيا وهو محرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع فقال عليه فداؤه ، قلت : فإنه رآه بعد ذلك مشى قال : عليه ربع ثمنه ».

إلا أنها كما ترى في كسر اليد والرجل خاصة ، ولا صراحة فيها على البراءة فضلا عن انتفاء التعيب ، على أن في الأول والأخير ربع القيمة والثمن ، وفي الثاني ربع الفداء ، لكن يمكن إرجاعه إليها كارجاع ما في النافع من التعبير بذلك إليه أيضا ، بل في الرياض « أن الفداء بنفسه لا يوجب تربيعه بل قيمته ، فعلى هذا المراد ربع قيمة الفداء لا ربع قيمة الصيد كما ربما يتوهم من نحو الصحيحين ، لأن مرجع الضمير المجرور فيها إنما هو الفداء المذكور فيهما بعد الصيد قبيل الضمير لا الصيد ، وإن احتمله لبعده وقرب المرجع الأول ، لكن ظاهر بعض (٣) الأخبار الأخر الرجوع إلى الصيد ، لكنه قاصر السند » وإن كان فيه ما لا يخفى من انسياق ربع قيمة الصيد من النص والفتوى بل كاد يكون صريح ما حكاه في المنتهى عن الشيخ ، وقصور سند بعض الأخبار المزبورة لا ينافي تأكد الظن بإرادة ذلك من الضمير على وجه يكون من الظن بالمراد من اللفظ.

وعلى كل حال فقد عرفت عدم نص الجرح ، ولعله لذا كان المحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢ وذيله في الباب ٢٨ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢٦٢

عن والد الصدوق والمفيد والحلبي والديلمي وابن حمزة التصدق بشي‌ء ، بل عن الفاضل في المختلف اختياره في الدماء ، قال « لأنه جناية لا تقدير فيها » وفيه أن المتجه الأرش إن أوجبنا الضمان في أجزاء الصيد كما حكي عليه الإجماع في المنتهى لا التصدق بشي‌ء ، واحتمال إرادة الأرش من الشي‌ء في العبارات المزبورة مع أنه خلاف الظاهر يدفعه تصريح المفيد منهم بالتصدق بشي‌ء مع انتفاء العيب ، وإلا فالأرش ، كما أن دعوى الإجماع المركب على عدم الفرق بين الجرح والكسر ـ وإن اختلفوا في الفداء وربع القيمة كما عسا يظهر من المسالك وغيرها فلا بد إما من العمل بقاعدة الأرش وطرح النصوص المزبور أو العمل بالنصوص وتخصيص القاعدة بها في الكسر والجرح ـ واضحة المنع بعد ظهور كثير من العبارات كما في الرياض في اختصاص إلحاق الجرح بالكسر بالشيخ فالتحقيق الاقتصار على مضمونها وإبقاء الجرح على قاعدة الأرش ، بل ربما أيد ذلك بما عن‌ الفقه المنسوب (١) إلى الرضا عليه‌السلام « فان رميت ظبيا فكسرت يده أو رجله فذهب على وجهه لا يذري ما صنع فعليك فداؤه ، فإن رأيته بعد ذلك يرعي ويمشي فعليك ربع قيمته ، وإن كسرت قرنه أو جرحته تصدق بشي‌ء من طعام » بناء على الأرش من الشي‌ء فيه جمعا بينه وبين القاعدة المزبورة ، وإن كان هو كما ترى ، نعم قد يقال بالتصدق بشي‌ء يحتمل انطباقه على الأرش في حال عدم العلم بالأرش كما هو الغالب بعد العلم ببقائه ، ضرورة أصالة براءة الذمة من التكليف ، بالزائد كما حققناه في كتاب الديات وغيره من نظائر المقام ، والله العالم.

هذا كله مع علمه بحاله بعد جرحه إياه وإن كان لم يعلم حاله بعد جرحه فضلا عن كسر يده أو رجله لزمه الفداء كما صرح به الصدوق والسيد والشيخان وابنا حمزة والبراج وغيرهم على ما حكي عن‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٢٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٦٣

بعضهم ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، بل في المنتهى بل عن الانتصار والخلاف والجواهر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما سمعته من النصوص وغيرها المشتملة على التعليل بأنه لا يدري لعله هلك الذي منه مضافا إلى الإجماع المزبور يظهر عدم البأس في اختصاص موردها بالكسر هنا ، على أنه في المنتهى روى‌ خبر أبي بصير (١) السابق « فأصاب يده وجرح » بل في‌ قوي السكوني (٢) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « في المحرم يصيب الصيد فيدميه ثم يرسله قال : عليه جزاؤه » بناء على أن المنساق من الجزاء الفداء الكامل ، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من الوسوسة في هذا الحكم بأخصية الروايات من المدعى في غير محله ، كالمحكي عن العامة من القول بأن الجراحة إن كانت موجبة أي لا يعيش معها المجروح غالبا ضمن جميعه ، وإلا ضمن ما نقص والله العالم.

وكذا يضمن الفداء كاملا لو أصابه ولم يعلم أنه أثر فيه أولا كما في القواعد وغيرها ومحكي النهاية والسرائر والجامع ومحتمل كلام الحلبيين الذي منه ما عن الغنية من الإجماع على أنه إذا أصاب فغاب الصيد ولم يعلم حاله ضمن فداءه ، وما عن الجواهر من الإجماع على أنه يضمن الجزاء بل عن ابن فهد في المهذب ما يفهم منه الإجماع على ذلك ، بل ربما يفهم من غيره أيضا ، ولعله لما سمعته من التعليل في النصوص المزبورة المعتضد بما قيل من غلبة التأثير مع فرض حصولها ، بخلاف الشك فيها فإنه لا غلبة في الإصابة ، اللهم إلا أن يفرض كون الرمي كذلك ، وعلى كل حال فإذا بني على التأثير رجع إلى المسألة الأولى ، وإن كان قد يناقش بأن غاية ذلك بعد تسليمه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٢٦٤

حصول الظن ، واعتباره في نحو المقام من موضوعات الأحكام يحتاج إلى دليل ، وليس ، وموضوع المسألة الأولى في ظاهر النصوص والفتاوى صورة القطع به لا الظن ولعله لهذا عزاه المصنف في النافع والفاضل في التحرير إلى القيل مشعرين بتمريضه ، لأصلي البراءة وعدم التأثير مع انتفاء نص فيه ، بخلاف المسألة الأولى التي لو لا النص لكان المتجه فيها عدم الضمان أيضا ، ولكن فيه أن التعليل المزبور المعتضد بما سمعته من محتمل الإجماع المحكي وغيره بل وربما يفهم من الأدلة من شدة الاحتياط في مراعاة الحرم والإحرام كاف في إثبات الحكم المزبور ، ومما ذكرنا ظهر لك الحال في الصور الخمسة ، والله العالم.

ولا خلاف أجده بيننا في أن ضمان أبعاض الصيد كجميعه ، بل قد سمعت سابقا من المنتهى دعوى الوفاق عليه ، بل هو مقتضى ضمان الجملة ، بل عنه أيضا وعن التذكرة والخلاف أنه لم يخالف فيه إلا أهل الظاهر ، نعم روى أبو بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع قيمته وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في إحدى رجليه قال : ما هذا لفظه‌ « قلت : ما تقول في محرم كسر إحدى قرني الغزال في الحل؟ قال : عليه ربع قيمة الغزال ، قلت فان كسر قرنيه قال : عليه نصف قيمته يتصدق به ، قلت فان هو فقأ عينيه قال : عليه قيمته ، قلت : فان هو كسر إحدى يديه قال : عليه نصف قيمته ، قلت : فان هو كسر إحدى رجليه قال : عليه نصف قيمته ، قلت : فان هو فعل به وهو محرم في الحل قال : عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم » وعمل به في القواعد وفوائد الشرائع ومحكي النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والسرائر والجامع والإرشاد بل والمختلف في خصوص العين ، بل نسبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

٢٦٥

غير واحد إلى الشهرة الجابرة لما في الخبر من الضعف ، مضافا إلى علم نحو الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد المعتبرة فضلا عن الضعيف منها إلا بعد القرائن القطعية.

ولكن مع ذلك قال المصنف في الرواية ضعف وهو إن كان كذلك لما في المدارك من أن في طريقها عدة من الضعفاء منهم أبو جميلة المفضل ابن صالح ، وقيل إنه كان كذابا يضع الحديث ، وتبعه على ذلك غيره ، فاختاروا الأرش كالمحكي عن ظاهر الخلاف بل في كشف اللثام وبه قال المفيد وسلار وكذا الحلبيان في الكسر ، بل ربما عورض بخبري أبي بصير (١) وصحيح علي بن جعفر (٢) المتقدمة ، إلا أنك قد عرفت انجبار الضعف بما سمعت ، وخبر أبي بصير أحدهما في العرج ، والآخر في الكسر ، وصحيح علي بن جعفر في الكسر الذي قد بري‌ء منه لأن المفروض فيها أنه قد صلح ورآه يرعى ، فلا تنافي حينئذ بين النصوص ، ولذا حكي عن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر أنه إن أدماه أو كسر يده أو رجله ثم رآه صح فعليه ربع الفداء ، بل عن الفاضل في المختلف موافقتهم على ذلك ، وإن قال إنا لم نقف على حجة على التسوية بين الإدماء والكسر ، ولكن قد سمعت ما رواه السكوني (٣) في القوي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن سلار أن فقأ عين الصيد أو كسر قرنه تصدق بصدقة وفي كشف اللثام لكنه حكم بالأرش في الجرح مطلقا إذا بقي معيبا ، فيجوز أن يريد بالصدقة الأرش كما صرح به المفيد ، وإن كان هو كما ترى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ راجع التعليقة (٢) من ص ٢٦١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٢٦٦

ومن ذلك يظهر لك أن دعوى معارضة ما سمعته في ترجيح الأول بالمثل ـ باعتبار دعوى جماعة كون ذلك خلاف مذهب الأكثر من تعين الأرش كما هو مقتضى الأصل بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من ثبوت ضمان أجزاء الصيد ـ في غير محلها وإن قال ذلك في المدارك والحدائق ، إلا أن التتبع يشهد بخلافها ، وكذا دعوى زيادة وهن الرواية بفتوى من عرفت من الديلمي وغيره ممن لا يعمل بالآحاد بخلافها ، مع أنها بمنظر منهم ، بل رواها في الغنية بعد الفتوى بالأرش ، وهذا مما يوهنها زيادة على ما فيها من الضعف ، إذ لا يخفى عليك أن إعراض هؤلاء عنها لعدم قرائن دلتهم على صحتها بناء منهم على عدم جواز العمل بخبر الواحد الصحيح ، وعلى كل حال فالمتجه العمل بها ، ولكن ينبغي الاقتصار على مضمونها ، وفي غير الأرش ، وفي‌ خبر آخر لأبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن محرم كسر قرن ظبي قال : يجب عليه الفداء ، قال : قلت : فان كسر يده قال : إن كسر يده ولم يرع فعليه دم شاة » ولعل المراد بالفداء فيه الربع الذي في خبره السالف ، وبوجوب الشاة باعتبار أنه لم يره يرعى ولعله هلك كما عرفت الكلام فيه سابقا ، وحينئذ يكون مؤيدا للمختار ، بل لعل صحيح الحلبي (٢) وخبر عبد الغفار الجازي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا كذلك ، قال في الأول : « إذا كنت حلالا فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد إلى الحرم فان عليك جزاؤه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة » وقال في الثاني « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٤٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٢ وذيله في الباب ٣٢ منها الحديث ٢.

٢٦٧

عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة ـ إلى أن قال وذكر ـ انك إذا كنت حلالا وقتلت الصيد ما بين البريد والحرم فان عليك جزاؤه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة » بحمل الصدقة فيه بالنسبة إلى القرن والعين على ما ذكر في الخبر السابق ، وبالنسبة إلى غيره على الأرش ، والله العالم.

ولو اشترك جماعة في قتل صيد ضمن كل واحد منهم فداء بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه صريحا وظاهرا مستفيض كالنصوص ، منها‌ صحيح عبد الرحمن (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما أم على كل واحد منهما جزاء ، قال : لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه ، فقال : إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا » وصحيح زرارة وبكير (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في محرمين أصابا صيدا فقال : على كل واحد منهما الفداء » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الحكم المزبور ، ومثله الاجتماع في الأكل الذي تقدم من النصوص ما يدل (٣) عليه أيضا ، مضافا إلى‌ الخبر (٤) الذي رواه المشايخ الثلاثة « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه فقالت رفيقة لهم اجعلوا لي فيه بدرهم فجعلوا لها فقال : على كل إنسان منهم فداء » وفي محكي الفقيه والتهذيب شاة ، بل صرح الفاضل والشهيدان بعدم الفرق في ذلك بين المحرمين والمحلين والمختلفين ، فيلزم كل منهم حكمه لو كان منفردا ، فيجتمع على المحرم منهم في الحرم الفداء والقيمة ، وعلى المحل القيمة ، ولو اشتركا فيه في الحل لم يكن على المحل شي‌ء ، وعلى المحرم الفداء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٢٦٨

بل في الرياض أن مورد النصوص وإن كان جماعة محرمين إلا أن إطلاق الفتاوى يشملهم وغيرهم من المحلين في الحرم والمتفرقين ، وبه صرح جماعة منهم الشهيدان في الدروس والمسالك تبعا للعلامة في التحرير والمنتهى ، وظاهرهم سيما الأخير أنه لا خلاف فيه بيننا إلا من الشيخ في التهذيب في المحل والمحرم إذا اشتركا في صيد حرمي فأوجب على المحرم الفداء كاملا وعلى المحل نصف الفداء ، وعن بعض العامة فيه أيضا فأوجب فداء واحدا عليهما ، وإن كان قد يناقش بمنع شمول إطلاق الفتاوي لمثل الفرض بعد أن كان المذكور فيها الفداء الذي هو خاص بالمحرمين ، واحتمال إرادة ما يشمل القيمة منه ليس بأولى من إرادة خصوص المحرمين ، بل هو أولى باعتبار غلبة تعبير الأصحاب بمضمون النصوص ورجحان التخصيص على المجاز مع التعارض ، وخصوصا هنا ، لانصراف الإطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب على المحرم من الكفارات إليه دون المحل ولو في الحرم ، وإنما ذكر سابقا تبعا له ، ودعوى ثبوت الحكم بإطلاق ما دل على الحكم في كل منهما يدفعها انصراف الإطلاق المزبور إلى استقلال كل منهما بالقتل لا في صورة استناد القتل إليهما على وجه الشركة المقتضية خلاف ذلك ، ولعله لذا توقف في التعميم بعض متأخري المتأخرين ، اللهم إلا أن يقال إنه يستفاد من نصوص المقام ترتب الفداء بالاشتراك المزبور الذي مقتضاه أن الجزء المنضم من المحرم كاف ، ولا فرق فيه بين كون الشريك محرما أو محلا ، كما أنه يستفاد بمعونة ما سمعت من التصريح من جماعة من الأساطين أن الجزء المنضم من المحل كذلك ، وحينئذ فإذا قتل المحلون في الحرم كان على كل منهم قيمته ، وإذا اشترك المحرم والمحل ترتب على كل منهما حكمه كما لو كان مستقلا ، أما إذا كان محلا ومحرما في غير الحرم لم يكن على المحل شي‌ء.

٢٦٩

وكيف كان فما سمعته من الشيخ شاذ وإن كان قد يشهد له‌ خبر إسماعيل ابن أبي زياد أو قوية (١) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : « كان علي عليه‌السلام يقول في محرم ومحل قتلا صيدا فقال : على المحرم الفداء كاملا ، وعلى المحل نصف الفداء » لكن يمكن إرادة القيمة من نصف الفداء فيه ، وإلا كان شاذا ، إلا أنه يعلم منه عدم هدر جناية المحل بغرامة المحرم الفداء كاملا ، وليس إلا القيمة ، إذ احتمال نصفها وإن كان لا يخلو من وجه لأنه مقتضى التوزيع في جنايته ، بل يمكن إرادته من نصف الفداء على معنى نصف قيمته إلا أن لا قائل به ، اللهم إلا أن يكون هو المراد ممن منع التعميم من متأخري المتأخرين ، ولا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب تمام القيمة على المحل ، والله العالم.

ومن كان محرما في الحرم فـ ( ضرب بطير على الأرض ) فقتله بعد أن اصطاده فيه كان عليه دم وقيمتان : إحداهما للحرم وأخرى لاستصغاره كما في القواعد وغيرها ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر والجامع وغيرها والأصل فيه‌ خبر معاوية بن عمار (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله قال : عليه ثلاث قيمات قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره أباه » المنجبر بالشهرة بل عدم الخلاف ، وإن اختلفوا في التعبير عن ذلك ، فمنه ما عرفت ، وفي النافع التعبير بلفظه ، وفي محكي الوسيلة والمهذب التعبير بالجزاء وقيمتين ، ولعله أولى من غيره ، إذ يشكل الأخذ بظاهره مع ما عرفت من ثبوت الدم في بعض الطيور التي يمكن دعوى انصراف الحمام من مفردها هنا ، وقد تقدم أن فيه شاة ، ومن هنا عبر من عرفت بالدم وقيمتين حاملا للقيمة الأولى على الدم ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٧٠

بعد ملاحظة التعليل في الخبر بأن إحدى القيم للإحرام الذي قد سمعت إيجابه في الحمام أو في مطلق الطير الدم ، إلا أنه بعد منع دعوى انصراف خصوص الحمام وجب إرادة الجزاء منها الشامل للدم والقيمة ، وحينئذ فالدم في عبارة من سمعت مثال ، ولا استبعاد في إرادة الجزاء من القيمة ، بل ربما ادعي شيوعه في ذلك ، وأما قوله عليه‌السلام فيه « لاستصغاره إياه » فيحتمل عود الضمير فيه للحرم من حيث الاستخفاف بجاره وللطير ، وحينئذ فينسحب فيما إذا فعله في الحل ، وعن الشهيد في بعض تحقيقاته أن استصغاره يرجع إلى قصده ، فان قصد استصغاره بالحرم لزمه دم وقيمتان إن كان الفعل بالحرم ، وإن كان في غير الحرم فعليه القيمة لا غير ، وإن قصد الاستصغار بالصيد لزمه مطلقا القيمتان سواء كان في الحل أو الحرم ، ولكن لا يخفى عليك ما فيه من الخروج عن النص بغير دليل ، إذ من الجائز أن تكون العلة استصغار الطير في الحرم ، فلا يتعدى الحكم إلى غير محل الفرض ، بل لعل قوله « وإن قصد الاستصغار بالصيد » إلى آخره إحداث قول ثالث خارج عن مدلول النص وفتوى الأصحاب ، على أنه لم يذكر حكم عدم قصد شي‌ء من الأمرين ، مع أنه أشكل الأقسام ، بل لعله الظاهر من النص ، فان القصد غير محرز عنه ، والاستصغار يمكن أن يكون نشأ من الفعل لزوما وإن لم يقصده ، بل لعل الأقوى اختصاص الحكم بموضع اليقين ، وهو قتل الصيد بالضرب في الأرض في الحرم سواء قصد الاستصغار أم لم يقصد ، ورجوع ما عداه إلى الأحكام المقررة.

ثم إن ظاهر النص والفتوى القتل بالضرب ، وربما احتمل أنه ضربه ثم قتله بذبح أو غيره ، ولكنه كما ترى ، نعم ربما كان مقتضى التعليل المزبور وجوب الكفارة أيضا في غير هذا الفرد من الاستصغار إلا أنه لا جابر له بالنسبة إلى ذلك ، ومن هنا يتجه الجمود على ما فيه من خصوص الطير وخصوص هذا الفرد من‌

٢٧١

الاستصغار ، بل الظاهر عدم اندراج الجراد سيما الدبا منه في المنساق من الطير وإن قلنا بلحوق فرخ الطير في الحكم به على إشكال ، وبالجملة ينبغي الاقتصار على مدلول الخبر ملاحظا فيه الانجبار ، فلا يلحق غير الطير لو ضرب به الأرض فقتله وإن احتمل ، لكنه في غير محله ، نعم قد زاد الأكثر التعزير مع ذلك ، ولعله لثبوته على كل معصية ، مضافا إلى تأييده بخبر حمران (١) قال لأبي جعفر عليه‌السلام : « محرم قتل طيرا فيما بين الصفا والمروة عمدا قال : عليه الفداء والجزاء ويعزر ، قال : قلت : فإنه قتله في الكعبة عمدا قال : عليه الفداء والجزاء ويضرب دون الحد ويقام للناس كي ينكل غيره » والله العالم.

ومن كان محرما وشرب لبن ظبية في الحرم بعد أن اجتذبها واحتلبها لزمه دم وقيمة اللبن لخبر يزيد بن عبد الملك (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل مر وهو محرم في الحرم فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها قال : عليه دم وجزاء للحرم عن اللبن » وضعفه منجبر بعمل الأصحاب به إلا الحلي ، فإنه أفتى به أيضا ، ولكن قال على ما روي في بعض الأخبار ، نعم وقع اختلاف بينهم في التعبير عنه ، لأنه اشترط فيه الإحرام والحرم جميعا ، وأغفل في النافع ومحكي الوسيلة الحرم ، وأغفل المصنف والفاضل الإحرام ، والمتجه اعتبار الجميع ، للقطع حينئذ بحصول الانجبار ، بل في محكي التذكرة والمنتهى زيادة الاستدلال بأنه شرب ما لا يحل شربه ، إذ اللبن كالجزء من الصيد ، فكان ممنوعا منه ، فيكون كالأكل لما لا يحل أكله ، فيدخل في‌ قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ مع الاختلاف.

٢٧٢

الباقر عليه‌السلام (١) « من نتف إبطه ـ إلى أن قال ـ أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة » إذ لا فرق بين الأكل والشرب ، ثم قال : « وأما وجوب قيمة اللبن فلأنه جزء صيد ، فكان عليه قيمته » وإن كان ما ذكره لا يخلو من نظر أو منع ، كقوله في القواعد وينسحب الحكم في غيرها أي الظبية من بقرة ونحوها بالتقريب الذي سمعته منه ، فان الحكم مخالف للأصل ، فينبغي الاقتصار فيه على النص في محل الانجبار ، وكذا ما عن الشهيد من احتمال وجوب القيمة على المحل في الحرم والدم على المحرم في الحل ، واحتمال القول بأن‌ قوله عليه‌السلام : « وجزاء للحرم عن اللبن » يرشد إلى ذلك يدفعه أولا عدم الجابر له بالنسبة إلى ذلك ، وثانيا احتمال أن المقتضي لوجوب كل من الأمرين اجتماع الوصفين : الإحرام والوقوع في الحرم ، ولا ينسحب الحكم فيمن حلب فشرب غيره أو تلف اللبن لما عرفت ، وإن احتمل أيضا أن يكون عليه أحد الأمرين من الدم أو القيمة ، قيل : وكذا إذا حلب فأتلف اللبن لكون الإتلاف كدفن المذبوح ، ويمكن كونه كالشرب ، ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما عرفت ، والله العالم.

ولو رمى الصيد وهو حلال فأصابه وهو محرم لم يضمنه بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ والفاضل وغيره ، بل ولا إشكال ، لافتتاح الجناية على عدم الضمان فيتبعها ما تولد منها كما حررناه في كتاب القصاص والديات ، ولا ينافي ذلك حكمهم بوجوب الفدية فيما لو رماه في الحل فمات في الحرم ، إذ هو إن سلم فالله ليل المخرج له عما يقتضيه الأصل المزبور.

وكذا الكلام لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقتله كما صرح به من عرفت ، نعم قيده الكركي بما إذا لم يتمكن من الإزالة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٢٧٣

حال الإحرام ، وإلا ضمن ، ولا بأس به كما اعترف به في المدارك ، ضرورة عدم كونه مع التمكن من التوليد الذي يتبع الابتداء ومع ذلك هو أحوط ، وكذا الكلام لو نصب شبكة للصيد محلا فاصطادت محرما أو احتفر بئرا كذلك ، ولو لم يقصد الصيد بها لم يضمن للأصل وغيره ، والله العالم.

الموجب الثاني اليد التي إثباتها على الصيد حرام على المحرم إجماعا ونصا (١) ، بل هي سبب الضمان إذا تلف قبل الإرسال ولو حتف أنفه كالغصب ، فإن أخذه ضمنه بالأخذ ، وإن كان معه ضمنه بإهمال الإرسال.

وكيف كان فـ ( من كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ) كما صرح به الشيخ والقاضي والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل ظاهر غير واحد منهم الفاضل في محكي المنتهى اتفاق الأصحاب عليه ، بل عن الخلاف والجواهر الإجماع عليه صريحا ، ولعله العمدة في إثبات ذلك لا ما قيل من أنه لا يملكه ابتداء فكذا استدامة ، وعموم الآية (٢) فإن صيد البر فيها ليس مصدرا ولأنه وجب عليه إرساله كما في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي المبسوط والغنية والإصباح ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ولو كان باقيا على ملكه كان له تصرف الملاك في أملاكهم ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي سعيد المكاري (٣) : « لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه ، فان لم يفعل حتى‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ الرقم ٥١٩٧ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠.

(٢) سورة المائدة ـ الآية ٩٧.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣ وتمامه في التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ الرقم ١٢٥٧.

٢٧٤

يدخل الحرم ومات لزمه الفداء » وخبر بكير بن أعين (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال : إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن أمسكه حتى مات فعليه الفداء » لوضوح منع التلازم في الأول بعد تسليم الحكم في الابتداء الذي يمكن منعه إن لم يكن إجماعا لإطلاق الأدلة ، وخصوص النصوص (٢) الآتية في مسألة الاضطرار إلى أكل الميتة أو الصيد المصرحة بأولوية أكل الصيد لأنه ماله بخلاف الميتة ، فلا حظ ، وعدم دلالة الآية بعد تسليم إرادة غير المصدر من الصيد فيها إلا على حرمة الإبقاء ، قيل فلا يفيد فساده إلا إذا اقتضاه النهي وكان ذاكرا ، ويمكن منع الاقتضاء المزبور ، ولو سلم فالدليل أخص من المدعي ، فإنه قد ينسى ، على أن المنساق منه حرمة الأكل ونحوه من التصرفات لا ما يشمل بقاء الملكية ، ووضوح بطلان كل من الملازمة واللازم ، مضافا إلى ضعف الخبر وعدم الجابر ، خصوصا بعد ما قيل من عدم ظهور ما في الغنية ظهورا يعتد به ، وأن مفاد الخبر الأول وجوب الإرسال بعد دخول الحرم لا بعد الإحرام ، وعدم دلالة الخبر الثاني على المطلوب بوجه ، وإنما فيه الفداء وعدمه ومن هنا قد مال غير واحد من متأخري المتأخرين إلى المحكي عن الإسكافي والشيخ من عدم الخروج عن الملك ، للأصل الذي عرفت انقطاعه بالإجماع المعتضد بشهرة الأصحاب المؤيد بما سمعت من الأمور المزبورة ، بل يمكن دفع هذه المناقشات كلها ولو بملاحظة الإجماع المزبور كما تسمع إنشاء الله فيما يأتي ما يستفاد منه ذلك وتظهر الفائدة فيما لو أخذه آخذ أو جنى عليه جان ، فعلى المختار لا ضمان بخلاف القول الآخر ، ولعل الأمر بالإرسال مشعر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٦ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤٣ من أبواب كفارات الصيد.

٢٧٥

بلحوقه بالوحوش ، والله العالم.

وكيف كان فلو مات حتف أنفه فضلا عما لو أتلفه قبل إرساله الممكن له لزمه ضمانه كما صرح به غير واحد ، بل في محكي المنتهى الإجماع عليه منا ومن القائلين بوجوب الإرسال ، قال : لكونه حينئذ مضمونا بالدخول تحت اليد العادية ، فكان كالمغصوب ، بل ظاهر إطلاقه كالمتن وغيره عدم الفرق في ذلك بين الحرم وغيره ، لكن الخبرين السابقين دلا على ذلك في الحرم ، بل ظاهر أولهما اختصاص الحكم به إلا أنه ضعيف لا يصلح معارضا للإجماع المحكي المعتضد بإطلاق الأصحاب.

نعم لو لم يمكنه الإرسال حتى تلف فلا ضمان كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف في الرياض ، ولعله للأصل السالم عن معارضة الخبرين بعد انسياقهما إلى صورة الإمكان ، بل والإجماع المحكي بعد اعتراف حاكيه بعدم الضمان في الفرض ، وإن كان مقتضى تعليله الضمان كما هو المحكي عن العامة ، بل عن التذكرة أن فيه وجهين ، بل قد يدعى تناول إطلاق المتن ونحوه له ، ولا ريب في أنه الأحوط وإن كان الأقوى الأول.

ولو لم يرسله حتى أحل ولم يكن قد أدخله الحرم فلا شي‌ء عليه سوى الإثم ، للأصل وغيره ، ولكن في وجوب إرساله بعد الإحلال قولان أحوطهما إن لم يكن أقواهما ذلك إذا كان قد وجب عليه حال الإحرام بأن كان متذكرا فأهمل ، بل الأحوط ذلك مطلقا ، بل عن ظاهر الشهيد وجوبه ، وإن كان القول بالعدم فيه لا يخلو من قوة ، وعلى القول بعدم الوجوب كما جزم به الفاضل في القواعد جاز له ذبحه كما عن المنتهى والتذكرة التصريح به ، لكن قال في الأخير : وفي الضمان إشكال من حيث تعلقه به بسبب الإمساك بل عن المنتهى الوجه لزوم الضمان لذلك ، وفيه أنه لا دليل على الضمان ، ولو أرسله ثم‌

٢٧٦

اصطاده لم يضمن قطعا ، وعن المنتهى والتحرير « أنه لما زال ملكه عنه فلا يعود إليه بعد الإحلال إلا بسبب آخر » ومراده إما بأن يرسله ثم يصطاده أو يأخذه ممن يصطاده أو يكتفي بنية التملك ثانيا.

ولو أرسله من يده مرسل فلا ضمان عليه ، خلافا لأبي حنيفة ، لأنه فعل ما يلزمه فعله ، فكان كمن دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب ، ولو أدخله الحرم ثم أخرجه ففي المسالك وجب إعادته إليه للرواية ، فإن تلف قبل ذلك ضمنه » ونوقش بمنع كونه من صيد الحرم بمجرد الإدخال ، على أن النصوص مختصة بالطير كما تسمع إنشاء الله.

ولو كان الصيد بيده وديعة أو عارية أو شبههما وتعذر المالك ففي المسالك أيضا « دفعه إلى وليه ، وهو الحاكم أو وكيله ، فان تعذر فالى بعض العدول ، فان تعذر أرسله وضمن » ولا يخلو من نظر أيضا.

هذا كله إذا كان الصيد معه ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه كما في النافع والقواعد وغيرهما ، بل محكي المبسوط والخلاف وإن قالا في منزله تبعا لما تسمعه من النص كالمحكي عن الجامع من عدم وجوب التخلية إذا كان في منزله للأصل وصحيح جميل (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم وهو في منزله قال : وما به بأس لا يضره » وصحيح ابن مسلم (٢) سأله عليه‌السلام « عن الرجل يحرم وعنده في أهله صيد إما وحش وإما طير قال : لا بأس » وحينئذ فله البيع والهبة وغيرهما كما في المنتهى والتحرير التصريح به ، بل في المسالك وغيرها وكما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتدائه أي للبعيد ، فلو اشترى صيدا أو اتهبه أو ورثه انتقل إلى ملكه أيضا ، ولعله للأصل وإطلاق الأدلة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢٧٧

لكن عن بعض المنع في الأول ، وعن ظاهر الشيخ المنع في الثاني ، ولعله لتحريم الصيد بناء على إرادة غير المصدر منه ، وفيه منع خصوصا بملاحظة قوله تعالى (١) ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) نعم‌ سأل أبو الربيع (٢) الصادق عليه‌السلام « عن رجل خرج إلى مكة وله في منزله حمام طيارة فألفها طير من الصيد وكان مع حمامه قال : فلينظر أهله في المقدار أي الوقت الذي يظنون أنه يحرم فيه ، ولا يعرضون لذلك الطير ولا يفزعونه ويطعمونه حتى يوم النحر ويحل صاحبهم من إحرامه » لكن لضعف سنده حمله غير واحد على الاستحباب ، على أنه ليس من الصيد للمحرم مع صيد أهله له ، وطيوره ليست آلة صيد له ، كما هو واضح ، والله العالم.

ولو أمسك المحرم صيدا في الحل فذبحه محرم آخر ضمن كل منهما فداء كاملا بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن الخلاف والتذكرة الإجماع عليه ، بل ولا إشكال قطعا في الثاني بل والأول ، لأولويته من الضمان بالدلالة والمشاركة في الرمي بدون إصابة ، فما عن الشافعية من أن فيه وجهين أحدهما أن الفداء على القاتل ، والآخر أنه بينهما في غير محله.

ولو كانا في الحرم تضاعف الفداء بوجوب القيمة معه ما لم يكن يبلغ بدنة كما مضى ويأتي إنشاء الله.

ولو كانا محلين في الحرم لم يتضاعف لعدم هتكه غير حرمة الحرم.

ولو كان أحدهما أي الذابح أو الممسك محرما والآخر محلا تضاعف الفداء في حقه لوجود سببه دون المحل الذي لم يهتك حرمه الإحرام ، كما هو واضح ومن هنا لو أمسك المحرم الصيد في الحل‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٧٨

فذبحه المحل فيه ضمنه المحرم خاصة دون المحل.

ولو نقل المحرم أو المحل في الحرم بيض صيد عن موضعه ففسد بالنقل ونحوه ضمنه كما صرح به غير واحد ، بل عن الشيخ نسبته إلى الأخبار ، ولعله يريد أخبار الكسر ، بل في المسالك الأقوى ضمانه ما لم يتحقق عدم خروج الفرخ منه سليمان ، فلو جهل الحال ضمنه أيضا ، وهو ظاهر كلام الدروس ، قلت : لعله يومي إليه ما سمعته فيمن رمى صيدا فأصابه فغاب فلم يعرف حاله وغير ذلك مما تقدم في نصوص بيض النعام.

ولو أحضنه طير آخر فخرج الفرخ سليما لم يضمنه كما صرح به غير واحد للأصل ، وكذا لو كسره فخرج فاسدا على الأقوى ، وربما احتمل الضمان ، لعموم أخبار الكسر ، وكونه جناية محرمة ، وعليه فيحتمل ضمان قيمة القشر كما عن بعض العامة أو ما ورد من الفداء ، وهما معا كما ترى.

وإذا ذبح المحرم صيدا مختارا كان ميتة ويحرم على المحل كما تقدم الكلام فيه سابقا ولا كذا لو اصطاده المحرم وذبحه محل فإنه ليس ميتة قطعا ، بل هو حلال للمحل بلا خلاف ولا إشكال ، بل هو موضع وفاق كما في المدارك للأصل والصحاح المستفيضة (١) بل ربما يستفاد منها إباحته له مطلقا وإن ذبحه محرم في الحل ، ولكن قد عرفت الحال فيه والله العالم.

الموجب الثالث السبب ، وهو يشتمل على مسائل : الأولى من أغلق على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ضمن بالإغلاق الذي يتعقبه هلاك ، للتسبيب القائم مقام المباشرة في صدق الإتلاف فإن زال السبب بنفسه أو بغيره وأرسلها سليمة سقط الضمان وفاقا للمشهور للأصل وفحوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣ من أبواب تروك الإحرام.

٢٧٩

ما سمعت من عدم الضمان بالأخذ ثم الإرسال ، نعم لو هلك ضمن الحمامة بشاة والفرخ بحمل والبيضة بدرهم إن كان محرما ، وإن كان محلا ففي الحمامة درهم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم كما صرح بذلك كله غير واحد ، لما سمعته من صدق الإتلاف المحرم الذي يترتب عليه ذلك بالنسبة للمحرم والمحل في الحرم ، مضافا إلى‌ خبر يونس أو موثقه (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فقال : إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فان عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، ولكل بيضة ربع درهم ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة ، ولكل فرخ حملا ، وإن لم يكن تحرك فدرهم ، وللبيض نصف درهم » والصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني وسليمان بن خالد (٢) قالا : « قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أغلق بابه على طائر فقال : إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه » ورواه الصدوق بزيادة « فمات » في السؤال ، وخبر الواسطي (٣) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « سألته عن قوم أغلقوا على طير من حمام الحرم الباب فمات قال : عليهم قيمته كل طير درهم يعلف به حمام الحرم » المنزل على المحل ، كصحيح الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات قال : يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم ».

ولكن قيل وإن كنا لم نعرفه لمن تقدم على المصنف وإن نسبه في الحدائق إلى الشيخ إلا أنا لم نتحققه ، بل المتحقق خلافه يستقر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٦ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٨٠