جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ويسكنها في مقابل الوحشي ، هذا.

وفي الرياض « وهل يختص الاستواء المزبور بالمحل أم يعمه والمحرم حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني ، ومع الفداء على الأول؟ إشكال من إطلاق النص والفتوى باجتماع الأمرين إذا جنى على الحمامة في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها والحرمي ، ومن أن ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة الحرم والإحرام فيلزمه الأمران كل بسببه ، وهذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة ، لكونه صيدا منع عنه المحرم ، وأما الأهلي منها فلا منع فيه إلا من جهة الحرم ، لأن من دخله كان آمنا ، ولم أر من الأصحاب من تعرض لهذا الفرض فضلا عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه والاشكال ، والأقرب من وجهي الإشكال الأول ، لقوة دليله » إلى آخره.

قلت لا إشكال في وجوب الشاة على المحرم في قتل الحمامة من غير فرق بين الأهلي منها وغيره ، وبين اصطيادها وعدمه ، وبين الحرم وغيره ، وإن زاد الأول مع ذلك قيمتها التي هي الدرهم الواجب على المحل ، بل الظاهر جريان ما سمعته من الشراء بها علفا لطيور الحرم ، أو يتخير بين ذلك والصدقة بها ، وقد سمعت التصريح في خبر عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام بالفرق بين المحرم وغيره في حمام مكة في الطير الأهلي غير حمام الحرم بوجوب الشاة على الأول ، والقيمة على الثاني ، فلاحظ ، نعم لم يذكر وجوب القيمة فيه مع الشاة لو كان القتل في الحرم اتكالا على ما ذكره في غير الخبر المزبور الذي لم يسق لبيان ذلك ، وبالجملة فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى بيان بعد إطلاق النص والفتوى حكم الحمام الذي قد سمعت الحال فيه ، بل لا يبعد إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥ و ١٠.

٢٤١

المصنف وغيره من الاستواء هنا ما يشملها أيضا على معنى وجوب القيمة من حيث الحرم ، ولكن يشتري بقيمة الحرمي علفا لحمامه أو يتخير ، بخلاف غيره فإنه يتصدق بها ، والله العالم.

الثاني في كل واحد من القطا والحجل والدراج حمل قد فطم ورعى الشجر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، لصحيح سليمان بن خالد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر » وخبر المفضل بن صالح (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا قتل المحرم قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن ورعى من الشجر » متممين بعدم القول بالفصل بينها وبين الآخرين بخبر سليمان بن خالد (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم » بعد حمل الدم فيه على الحمل ولو لقاعدة التقييد ، فلا جهة للإشكال في الاستدلال بالنصوص المزبورة التي قد عرفت وصف الحمل فيها بما سمعت ، لكن في المسالك « كون المراد أنه قد آن وقت فطامه ورعيه وإن لم يكونا قد حصلا بالفعل » ولا داعي له ، كما تقدم الكلام مفصلا في المراد بالحمل لغة ، بل وفي الاشكال بوجوب ذلك ووجوب المخاض لبيضها ذي الفرخ ، وإن كان قد يدفع بأن الشرع مبني على اختلاف المتماثلات واتفاق المختلفات ، فجاز أن يثبت في الصغير أزيد مما يثبت في الكبير ، أو بأن المراد من المخاض بنت المخاض ، بل ربما دفع أيضا بالتزام وجوبها فيها دون الحمل أو بالتخيير بين الأمرين ، ولكن يمكن تحصيل الإجماع على خلاف الأول منهما ، فليس حينئذ إلا ما سمعته سابقا من وجوب الحمل ، فيه ، وأقصاه مساواة الكبير للصغير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٤٢

في الفداء ولا بأس به ، فلا حظ وتأمل ، هذا ، وظاهر المصنف وغيره الاقتصار على الثلاثة ، ولكن قد سمعت ما في الخبر الأخير من إلحاق نظيرهن ، بهن والاحتياط لا ينبغي تركه.

الثالث في قتل كل واحد من القنفذ والضب واليربوع جدي على المشهور بين الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين ، خلافا للحلبيين فأوجبوا فيها حملا قد فطم ورعى من الشجر ، بل عن ابن زهرة الإجماع عليه ، وإن كان فيه أنه لم نجد موافقا له على ذلك لا سابقا ولا لاحقا عدا من عرفت بل صريح كلام من عثرنا عليه ممن تقدمه خلافه ، ومن هنا كان الأقوى الأول لحسن مسمع أو صحيحه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي ، والجدي خير منه ، وإنما جعل عليه هذا لكي ينكل عن قتل غيره من الصيد » المعتضد بما عن التذكرة والمنتهى من الاستدلال عليه بالمماثلة ، وبما في المختلف من أنه قول أكثر أصحابنا ، فيكون راجحا على قول الأقل ، فيتعين العمل به ، إذ ترك النقيضين أو العمل بهما أو بالمرجوح محال ، فتعين ما قلناه ، وعن نسخة أخرى وإلا لزم العمل بالنقيضين أو تركهما أو العمل بالمرجوح ، والكل محال ، وإن كان فيه ما لا يخفى ، فالعمدة ما عرفت.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره كالخبر الاقتصار عليها ، لكن عن السيد والشيخين وبني إدريس وحمزة وسعيد وغيرهم إلحاق أشباهها بها ، ولعله لما سمعته في الخبر من ثبوت ذلك في الثلاثة وكونه خيرا منه ، وأنه إنما جعل لكي ينكل به عن صيد غيره ، بل في الرياض لا يخلو من وجه ، ولذا مال إليه من المتأخرين المحقق الثاني في شرح القواعد ، بل أفتى به صريحا ، ولكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم صلاحية مثل ذلك لإثبات حكم شرعي كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٤٣

والجدي الذكر من أولاد المعز في السنة الأولى كما عن المغرب المعجم وعن أدب الكاتب « أنه جدي من حين ما تضعه أمه إلى أن يرعى ويقوى » ولعل العرف يساعده ، ولكن عن السامي « أنه جدي من أربعة أشهر إلى أن يرعى » بل قيل ويظهر من بعض العبارات أنه ابن ستة أشهر أو سبعة ، ومن المصباح المنير احتمال عدم اختصاصه بالسنة الأولى لنسبته إلى بعض ، ولكن الجميع على خلاف العرف ، والله العالم.

الرابع في كل واحد من العصفور والقبرة بضم القاف وتشديد الباء والصعوة التي هي على ما قيل عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به مد من طعام وفاقا للمشهور ، لمرسل صفوان (١) المنجبر بالشهرة إن لم نقل باعتباره في نفسه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « القبرة والصعوة والعصفور إذا قتله المحرم فعليه مد من طعام » خلافا للصدوقين فأوجبا لكل طائر عدا النعامة شاة لصحيح ابن سنان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا أنه قال : « في محرم ذبح طيرا إن عليه دم شاة يهريقه ، فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن » الذي هو مع أن عمومه بترك الاستفصال مخصص بالمرسل الأول المنجبر بما عرفت ، وللمحكي من الفقه المنسوب (٣) إلى الرضا عليه‌السلام الذي لم تثبت نسبته عندنا ، وللإسكافي فأوجب في العصفور والقمري وما جرى مجريهما قيمته ، وفي الحرم قيمتين لخبر سليمان بن خالد (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما في القمري والدبسي والسماني والعصفور والبلبل قال : قيمته ، فإن أصابه وهو محرم فقيمتان ، ليس عليه فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٣) المستدرك ـ الباب ١٠ و ١١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٤٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٧.

٢٤٤

دم شاة » وفي طريق آخر « الزنجي » مكان الدبسي ، وهو قاصر سندا ، فلا يصلح للعمل فضلا عن المعارضة ، والله العالم.

الخامس في قتل الجرادة تمرة كما عن الفقيه والنهاية والمقنع والخلاف والمهذب والنزهة والجامع ورسالة علي بن بابويه والسرائر وإن عبروا في الجرادة تمرة ، لصحيح زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في محرم قتل جرادة قال : يطعم تمرة ، وتمرة خير من جرادة » وصحيح معاوية (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم ، قال تمرة خير من جرادة » ومرسل حريز (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في محرم قتل جرادة قال : يطعم تمرة ، والتمرة خير من جرادة » ولكن مع ذلك الأظهر عند المصنف كف من طعام كما في النافع والقواعد ومحكي المقنعة هنا والغنية بل والمراسم وإن عبر بما هو أعم من القتل ، فقال في الجرادة ، وجمل العلم والعمل مع زيادة قتل القملة ، لما قيل من‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن محرم قتل جرادة قال : كف من طعام ، وإن كان كثيرا فعليه شاة » وجمع غير واحد بينهما بالتخيير كما عن المبسوط والتهذيب والتحرير والتذكرة مع احتمالها التردد ، ولا بأس به لو كان الخبر صحيحا ، لكن هو خبر ضعيف كما اعترف به في كشف اللثام ، نعم في‌ خبره الصحيح (٥) « قتل جرادا » بل عن بعض النسخ « قتل جرادا كثيرا » ومن هنا يشكل العمل به ولو على التخيير ، كما أنه يشكل العمل بخبر الحناط (٦) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل أصاب جرادة فأكلها قال : عليه دم » لضعف سنده واحتمال إرادة الجنس من الوحدة فيه ، وفي محكي السرائر عن علي بن بابويه أن على كل من أكل جرادة شاة ، قال في المختلف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٢٤٥

« والذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته « وإن قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، وتمرة خير من جرادة ، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، وإن أكلت منه فعليك دم شاة » وهذا اللفظ ليس صريحا في الواحد ـ قال ـ : وقال ابن الجنيد : في أكل الجراد عمدا دم ، كذلك روى ابن يحيى عن عروة الحناط عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومعناه إذا كان على الرفض لإحرامه ، وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر ، فان قتلها خطأ كان فيها كف من طعام ، كذا‌ روى ابن سعيد عن محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن قتل كثيرا فشاة » ـ قال ـ : وحديث ابن الجنيد في طريقه صالح بن عقبة ، وهو كذاب غال لا يلتفت إليه ، وعروة لا يحضرني الآن حاله » قلت : لا ريب في عدم صلاحية الخبر المزبور للعمل به وإن حكي عن الفقه (٢) المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام ما يوافقه أيضا إلا أنه لم تثبت النسبة عندنا ، فالمتجه إلحاق أكل الجرادة بقتلها في التصدق بتمرة ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام « وتمرة خير من جرادة » الظاهر في العموم ، وعن كفارات المقنعة « فإن قتل جرادا كثيرا كفر بمد من تمر فان كان قليلا كفر بكف من تمر » ولم أجد ما يشهد له ، اللهم إلا أن يراد من الكف من الطعام الكف من التمر ، وعن ابن حمزة « وإن أصاب جرادا وأمكنه التحرز منها تصدق لكل واحدة بتمرة » وهذا مع قوله « في الكثير شاة » يدل على أنه يريد بالكثير ما لا يحصيه أو الكثير عرفا.

وكذا يجب الكف من الطعام في القملة يلقيها من جسده كما في المقنعة والنافع والقواعد ومحكي الغنية وجمل العلم والعمل مع زيادة قتلها أيضا ، كقوله في محكي المهذب « في القملة يرميها أو يقتلها » لخبر حماد بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦ و ٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٩.

٢٤٦

عيسى أو صحيحه (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال : يطعم مكانها طعاما » ونحوه خبر ابن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا بناء على إرادة الكف من إطعام الطعام مكانه إذ هو أقل مقدر منه أو لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحسين بن أبي العلاء (٣) « المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وإن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده » ولكنه في القتل ، وأولى منه بذلك‌ خبر ابن مسكان عن الحلبي (٤) قال : « حككت رأسي وأنا محرم فوقع منه قملات فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام » لكن‌ صحيح ابن عمار (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يحك رأسه فيسقط عنه القملة والثنتان فقال : لا شي‌ء عليه ولا يعود » ظاهر في عدم الكفارة ، اللهم إلا أن يخصص بما عدا الكف أو يحمل على غير التعمد ، بل قيل إنه ظاهره ، وأنه يعضده‌ قوله عليه‌السلام في صحيحه (٦) أيضا « لا شي‌ء في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها » بل ربما احتملا معا إرادة عدم العقاب عليه وعدم الكفارة المعينة ، كما أن‌ خبر مرة مولى خالد (٧) أنه سأله « عن المحرم يلقي القملة فقال : ألقوها أبعدها الله تعالى غير محمودة ولا مفقودة » لا ينافي التكفير ، إذ أقصاه الرخصة في إلقائها مع إيذائها وإن وجبت الكفارة حينئذ ، وقد يجمع بين النصوص بكون الكفارة في ذلك على الندب ، خصوصا مع صحة سند النافي لها ، وضعف المثبت لها ، فلا يصلح لإثبات الوجوب ، ولكنه مناف للاحتياط ، خصوصا بعد العمل بظاهر الأمر ممن عرفت ، بل في المسالك وحكم قتلها حكم إلقائها على المشهور خلافا للشيخ في المبسوط حيث جوز قتلها وأوجب الفداء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ٧٨ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

٢٤٧

في رميها دون قتلها ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( في قتل الكثير من الجراد دم شاة ) كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا محققا عدا ما سمعته من المحكي عن كفارات المقنعة مع قوله فيها هنا بما في المتن ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد صحيح ابن مسلم (١) وخبره (٢) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام المتقدمين ، بل ظاهر الخبر أو الصحيح تحقق الكثرة بالزيادة على الواحد ، ولكنه خلاف ظاهر الأصحاب بل صريح جملة منهم كثاني الشهيدين والمحققين ، فقالا : إن المرجع في الكثرة إلى العرف ، ويحتمل اللغة ، فتكون الثلاثة كثيرا ، وكيف كان فيجب لما دونه في كل واحدة تمرة أو كف طعام ، وهو حسن ، للأصل مضافا إلى ما عرفته من اختلاف نسخة الخبر المزبور ، فالتحقيق الرجوع في الكثرة إلى العرف.

هذا كله مع إمكان التحرز وإن لم يمكنه التحرز من قتله بأن كان في طريقه على وجه يتعذر أو يتعسر عدم قتله فلا إثم ولا كفارة لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٣) « على المحرم أن ينكب الجراد إذا كان على طريقه ، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس » وقال معاوية (٤) له عليه‌السلام أيضا في الصحيح « الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون فكيف يصنعون؟ قال : يتنكبون ما استطاعوا ، قلت : فان قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال : لا شي‌ء عليهم » والله العالم.

وكلما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته بلا خلاف أجده فيه كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ٣٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٣٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٤٨

اعترف به غير واحد ، لقاعدة الضمان مع عدم ما يخالفها من نص ونحوه ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح سليمان بن خالد (١) « في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفيما سوى ذلك قيمته ».

وكذا القول في البيوض التي لا تقدير لفديتها كما عرفت ، نعم قد عرفت سابقا أن هذا ونحوه حكم المحرم في الحل والمحل في الحرم ، أما المحرم في الحرم فتتضاعف عليه القيمة ما لم تبلغ البدنة كما صرح به في المسالك هنا ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك ، وربما يأتي له تتمة إنشاء الله.

وقيل كما عن المبسوط والوسيلة والإصباح في البطة والإوزة والكركي شاة ولعله لما تقدم من‌ صحيح ابن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « في محرم ذبح طيرا أن عليه دم شاة يهريقه ، فان كان فرخا فجدي أو حمل من صغير الضأن » ولوجوبها في الحمام وهو أصغر منها ، والغالب أن قيمتها أقل من الشاة ، لكن لا يخفى عليك ما في الأخير من عدم موافقته لقواعد الإمامية ، كما أن مقتضى الأول عدم الفرق في الطيور.

ولعله لذا قال المصنف وهو تحكم فان تخصيصها من بين الطيور بذلك كذلك ، بل قيل إنه خاص بالذبح ، مع أنه لا فرق بينه وبين غيره وإن كان قد يدفع الأخير بأنه يتم بعدم القول بالفصل ، وعلى كل حال فما عن ابن حمزة من دعوى الرواية في الكركي خاصة لم نعثر عليها ، نعم عن ابن بابويه العمل بمضمون الصحيح المزبور حيث لم يستثن إلا النعامة ، ولكنه لندرته قاصر عن معارضة ما سمعت ، فما في المدارك ـ من أنه ينبغي العمل به فيما لم يقم دليل خارج على خلافه ، وحينئذ يكون الطير بأنواعه من المنصوص ـ في غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

٢٤٩

محله ، إلا أن الاحتياط حيث لا تكون القيمة أزيد من ذلك لا ينبغي تركه ، والظاهر من التقويم هنا كغيره من المقامات ، فيجري البحث في إجزاء العدل الواحد لكونه من باب الاخبار ، أو لا بد من التعدد لكونه من باب الشهادة ، لكن في القواعد وغيرها يجب أن يحكم في التقويم عدلان عارفان ، ولو كان أحدهما القائل أو كلاهما فان كان عمدا لم يجز ، وإلا جاز ، واستدلوا له بظاهر الآية التي هي المماثل من النعم دون التقويم ، ولعدم الاجزاء في حال العمد بالفسق المخرج عن العدالة ، إلا أن تفرض التوبة ، وأما الإشكال بعدم جواز حكم الإنسان لنفسه كما عن النخعي فيدفعه ، أنه لا مانع منه بعد عموم الآية وبعد كونه مالا يخرج في حق الله ، فيجوز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة.

ولو حكم عدلان بأن له مثلا من النعم وآخران بخلافه ففي كشف اللثام « أمكن ترجيح حكم نفسه ، قال : وإن لم يحكم بشي‌ء ولا وجد آخر يرجح أحدهما فالظاهر التخيير » وفي التذكرة عن بعض العامة « أن الأخذ بالأول أولى » قلت : قد سمعت سابقا المراد بالعدل في الآية ، وأن منه يعلم خروج هذا الكلام من أصله عن الصواب كما أنه علم أيضا مما ذكرناه سابقا الوجه في أن هذه الخمسة لا بدل لكفارتها على الخصوص اختيارا ولا اضطرارا ، وإنما ورد في بدل الشاة عموما إطعام عشرة أو صيام ثلاثة ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (١) « من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، وفي غيرها الاستغفار والتوبة » والله العالم.

فروع خمسة : الأول إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور فداه بصحيح على الأفضل كما في القواعد ومحكي الخلاف ، والأولى كما عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ من أبواب كفارات الصيد.

٢٥٠

التحرير ، والأحوط كما عن التذكرة والمنتهى وعلى كل حال فـ ( لو فداه بمثله جاز بلا خلاف ) أجده إلا من أبي علي لظاهر الآية ، نعم ينبغي مراعاة المماثلة في العيبية ، فيفدي الأعور باليمنى بمثله ، والأعرج بها كذلك لكن في القواعد « ويجزي أعور اليمنى عن أعور اليسار » ولعله لاتحاد نوع العيب ، وكون الاختلاف يسيرا لا يخرجه عن المماثلة ، ولا بأس به ، وكذا يجزي المريض عن مثله إذا كان مريضا بعين مرضه لا بغيره ، لمثل ما عرفت ، أما مع اختلاف نوع العيب كالعور والعرج فلا يجزي أحدهما عن الآخر كما صرح به غير واحد ، لعدم صدق المماثلة ، وكذا الحكم في مختلف نوع المرض ، وعلى كل حال فلا ريب في أن الصحيح أفضل وأولى ، لأنه زيادة في الخير وفي تعظيم الشعائر ، ومن ذلك يعلم إجزاء الكبير عن الصغير الذي لا خلاف عندنا في إجزاء الصغير من النعم الذي هو مماثل عنه للآية ونصوص الحمل والجدي ونحوهما ، خلافا لمالك ، والله العالم.

ويفدي الذكر بمثله وبالأنثى وكذا الأنثى كما في القواعد ومحكي المبسوط والخلاف لصدق المماثلة المراد منها في الخلقة لا في جميع الصفات حتى اللون ونحوه ، وعن بعض الشافعية عدم الاجزاء بالذكر عن الأنثى ، بل عن ظاهر التحرير والمنتهى والتذكرة التوقف فيه والقطع بالعكس ، قال : لأن لحمها أطيب وأرطب ، وقال : لو فدى الأنثى بالذكر فقد قيل إنه يجوز ، لأن لحمه أوفر فتساويا ، وقيل لا يجوز لأن زيادته ليست من جنس زيادتها فأشبه فداء المعيب بنوع آخر ، ولعله لذا قال المصنف وبالمماثل أحوط وإن كان الأقوى ما عرفت للآية وما تقدم من النصوص في البدنة والشاة والحمل وغيرها ، والله العالم.

الثاني الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج لأنه حينئذ ينتقل إلى‌

٢٥١

القيمة ، فتجب ، والواجب أصالة هو الجزاء وفيما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف لأنه وقت الوجوب ، والعبرة في قيمة الصيد الذي لا تقدير لفديته بمحل الإتلاف ، لأنه محل الوجوب ، وفي قيمة البدل من النعم بمنى إن كانت الجناية في إحرام الحج ، وبمكة إن كانت في إحرام العمرة ، لأنهما محل الذبح ، وربما كان لمسألة ضمان المثلي بمثله ـ فان تعذر فقيمته ، ولضمان القيمي بقيمته وقت الإتلاف أو وقت الأداء أو غير ذلك ـ مدخلية في الجملة لما هنا ، والله العالم.

الثالث إذا قتل ماخضا مما له مثل من النعم يخرج ماخضا بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم ، لشمول معنى المماثلة لذلك ، نعم عن الشافعي لا يذبح الحامل من الفداء ، لأن فضيلتها لتوقع الولد ، وقال : يضمنها بقيمة مثلها ، لأن قيمة المثل أكثر من قيمة اللحم ، وفيه أنه عدول عن المثل مع إمكانه ، ولا وجه له ، كما لا عبرة بالقيمة مع إمكان المثل ، وربما أشعر نسبة ذلك إلى الشيخ في محكي التحرير والمنتهى بنوع توقف فيه ، بل في المدارك احتمال إجزاء غير الماخض قويا لعدم تأثير هذه الصفة في زيادة اللحم ، بل ربما اقتضت نقصه ، فلا يعتبر وجودها كاللون ولكنه في غير محله.

ولو تعذر يقوم الجزاء ماخضا لأنه هو المثل المتعذر الذي بتعذره ينتقل إلى قيمته ، هذا ، ولكن في التحرير والتذكرة والمنتهى أنه لو أخرج عن الحامل حائلا ففي الإجزاء نظر ، لانتفاء المماثلة ، ومن أن الحمل لا يزيد في اللحم بل ينقص فيه غالبا ، فلا يشترط كاللون والعيب ، وكأن هذا التوقف مبني على التوقف في أصل وجوب فداء الماخض بمثلها الذي قد عرفت أني لم أجد فيه خلافا بيننا ، وإلا فلا وجه له ، وفي الدروس « لو لم تزد قيمة الشاة حاملا عن قيمتها حائلا ففي سقوط اعتبار الحمل هنا نظر » وفيه أن عدم اعتباره‌

٢٥٢

حيث يراد القيمة ، بخلاف ما لو أريد المثل المفروض توقف صدقه عليه ، وفيها أيضا « لو زاد جزاء الحامل عن إطعام المقدر كالعشرة في شاة الظبي فالأقرب وجوب الزيادة بسبب الحمل إلا أن يبلغ العشرين ، فلا يجب الزائد » وفي كشف اللثام يعني على العشرين ، إذ لا يزيد قيمة الحمل علي قيمة أمه ، ويحتمل وجوبه ، لأن الحمل إنما يقوم وحده إذا انفرد ، والآن فإنما المعتبر قيمة الحامل ، ويحتمل أن لا يعتبر الزائد عن العشرة بسبب الحمل أصلا للأصل والعمومات ، ولو كانت حاملا باثنين فالأحوط إن لم يكن أقوى اعتباره في الفداء إذا أمكن ، قال في الدروس : « لو تبين أنها حامل باثنين فصاعدا تعدد الجزاء والقيمة لو كان محرما في الحرم » وهو موافق لما ذكرناه ، نعم لا شبهة في اعتباره في القيمة ، وفي كشف اللثام « إذا لم يزد على العشرة في الشاة والثلاثين في البقرة والستين في البدنة » وفيه أن ذلك لا مدخلية له في أصل التقويم ، والله العالم.

الرابع إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم ماتا بالإصابة فدى الأم بمثلها والصغير بصغير بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل في المدارك نفيه بين العلماء ، بل ولا إشكال ، لوجوب الأمر بالفداء ملاحظا للذكورة والأنوثة والصحة والعيب على حسب ما عرفت ولو عاشا معا أثم ولكن لم يكن عليه فدية لأحدهما إذا لم يعب المضروب ، ولو عاب كل منهما أو أحدهما وقد عاش ضمن أرشه لقاعدة الضمان التي لا تفاوت فيها بين الجزء والكل والصفة وغير ذلك مما يتعلق به الضمان ولو مات أحدهما فداه لتحقق الموجب دون الآخر ، ولو ألقت جنينا ظهر أنه كان ميتا قبل الضرب والأم حية كما في كشف اللثام لزمه الأرش ، وهو تفاوت ما بين قيمتها حاملا ومجهضا قيل كما يضمن ما ينقصه من عضو كالقرن والرجل على‌

٢٥٣

ما يأتي ، ولا يضمن الجنين لكون المفروض موته بغير الجناية ، بل في كشف اللثام « قيل : ولا يضمنه ما لم يعلم أنه كان حيا فمات بالضرب ، لأصل البراءة ـ ثم قال ـ ولا بأس به وإن عارضه أصل الحياة » وكأنه أشار بذلك إلى ما في المسالك من أنه لا يعتبر الولد هنا للشك في حياته ، والحكم إنما يتعلق بالحي بعد الولادة ، حتى لو علم تحركه قبلها لم يعتد به ، لعدم تسميته حينئذ حيوانا واستحسنه في المدارك ، ولعله كذلك ، وأصالة الحياة لا محل لها هنا ، ضرورة أن مقتضى الأصل عدمها ، نعم يستفاد من نصوص البيض الضمان للمستعد فضلا عن مجهول الحال بالنسبة إلى الحياة وعدمها زيادة على استعداده ، اللهم إلا أن يقال إن ذلك كله داخل في الأرش الذي هو التفاوت المزبور ، فتأمل جيدا.

ولو ضرب ظبيا فنقص عشر قيمته احتمل وجوب عشر الشاة كما عن الشيخ والشهيدين والمزني لوجوبها في الجميع ، وهو يقتضي التقسيط ، ويحتمل وجوب عشر ثمنها كما عن الشافعي ، للحرج المفضي إلى العجز عن الأداء غالبا ، والأقرب وجوب الجزء مع الإمكان ولو بوجود مشارك ، ومع التعذر فالقيمة.

ولو أزمن صيدا وأبطل امتناعه وجب كمال الجزاء عند أبي حنيفة ، بل والشافعي في وجه كالفاضل في القواعد لأنه كالهالك ، ولذا لو أزمن عبدا لزمه تمام القيمة ، بل هو المحكي عن المبسوط ، وفيه أنه إنما يضمن ما نقص لا ما ينقص ولعله لذا لم يستجوده في المنتهى ، فيتجه حينئذ ضمان الأرش كما يشهد له أنه لو قتله محرم آخر ضمن قيمة المعيب المزمن ، ولو أبطل أحد امتناعي مثل النعامة والدراج ضمن الأرش قطعا ، لأنه لبقاء امتناعه الآخر ليس كالهالك.

الخامس إذا قتل المحرم حيوانا وشك في كونه صيدا لم يضمن‌

٢٥٤

للأصل ، وكذا لو شك في قتله في الحرم ليتضاعف عليه الفداء إن كان محرما أو تعلق به الحكم إن كان محلا ، بل وكذا لو شك في الإصابة وعدمها بلا خلاف أجده فيه إلا ما عن المهذب من ضمان الجزاء ، لدعوى أن الأصل الإصابة الواضح منعها ، وكذا إذا شك في كونه صيد البر ، لكن هذا إذا التبس عليه المقتول بأن احتمل أن يكون شيئا من النعم أو الحيتان مثلا ، أما إذا علم عين المقتول وشك في كونه صيدا أو صيد البر ففي كشف اللثام عليه الاستعلام كما قد يرشد إليه‌ قوله عليه‌السلام (١) في الجراد « ارمسوه في الماء » وفيه نظر لأصالة البراءة ، والخبر إنما هو في مقابل من قال إنه صيد بحري لا في مثل الفرض ، وأما الشك في تأثير الإصابة بعد العلم بحصولها فستعرف البحث فيه إنشاء الله.

( الفصل الثاني في موجبات الضمان )

وهي ثلاثة : مباشرة الإتلاف واليد والسبب وفي جملة من كتب الفاضل أنها أمران : المباشرة والتسبيب ، بل نص في بعضها على دخول اليد في التسبيب ، وفيه توسع ، والأمر سهل‌ أما المباشرة فنقول : قتل الصيد موجب لفديته بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال بعد تطابق الكتاب والسنة والإجماع بقسميه عليه فان أكله أو شيئا منه لزمه فداء آخر عند الشيخ والحلي والفاضل والشهيدين على ما حكي عن بعضهم ، بل نسب إلى الأكثر بل إلى المشهور وقيل والقائل الشيخ في محكي الخلاف والفاضل في القواعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٧ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

٢٥٥

ومحكي الإرشاد يفدي ما قتل ويضمن قيمة ما أكل وهو الوجه عند المصنف وفاقا لمن عرفت ، قيل للأصل وقول الصادق عليه‌السلام في موثق ابن عمار (١) « وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فان على كل انسان منهم قيمته ، فان اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك » وحسن منصور بن حازم أو صحيحه (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال له : « أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا فقال لا يرى به أهل مكة بأسا ، قال : فأي شي‌ء تقول أنت؟ قال : عليهم ثمنه ».

ولكن فيه أن الأصل لا موقع له بعد العلم بوجوب شي‌ء عليه بذلك إما الفداء أو القيمة ، وربما زادت القيمة على الفداء أو ساوت أو نقصت ، ومع التسليم يجب الخروج عنه بما دل على الأول من النصوص المعتضدة بما سمعت من الشهرة ، منها المعتبرة المستفيضة (٣) التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الميتة والصيد أنه يأكله ويفديه ، ومنها‌ صحيح أبي عبيدة (٤) الآتي المشهور في مسألة ما لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله المحرم ، فإنه سأله « عن محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فقال : على الذي اشتراه للمحرم فداء ، وعلى المحرم فداء ، قال : وما عليهما قال : على المحل جزاء قيمة البيض ، لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم الجزاء لكل بيضة شاة » ومنها‌ صحيح زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من أكل طعاما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤٣ من أبواب كفارات الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ٨ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٢٥٦

لا ينبغي له أكله وهو محرم متعمدا فعليه دم شاة » ومرفوع محمد بن يحيى (١) « عن رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو وهو محرم قال : عليه دم شاة » وصحيح علي بن جعفر (٢) سأل أخاه عليه‌السلام « عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ما عليهم فقال على كل من أكل منهم فداء صيد ، على كل انسان منهم على حدته » وخبر يوسف الطاطري (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام صيد أكله قوم محرمون قال : عليهم شاة شاة ، وليس على الذابح إلا شاة ».

بل ربما استدل بالنصوص الدالة على تضاعف الفداء بالجناية والأكل ، منها‌ مرسلة ابن أبي عمير (٤) التي هي كالصحيحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له المحرم يصيد الصيد فيفديه أيطعمه أو يطرحه قال : إذا يكون عليه فداء آخر ، قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه » ونحوها‌ روايته الأخرى (٥) وفيها « قلت أيأكله؟ قال : لا ، قلت : فيطرحه؟ قال : إذا طرحه فعليه فداء آخر ، قلت : فما يصنع به قال : يدفنه » ومنها‌ خبر الحرث بن المغيرة (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن رجل أكل من بيض حمام الحرم وهو محرم قال : عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها أو سدسها ـ إلى أن قال ـ إن الدماء لزمته لأكله ، والجزاء لزمه لأخذ بيض حمام الحرم » وإن كان لا يخلو من نظر.

نعم قد يستدل بصحيح أبان بن تغلب (٧) سأله عليه‌السلام « عن محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها وأكلوها فقال : عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ٥٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ٥٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ٤٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢٥٧

يشتركون فيهن ، فيشترون على عدد الفراخ وعدد الرجال ، قال : فان منهم من لا يقدر على شي‌ء فقال : يقوم بحساب ما يصيبه من البدن ، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما » لكن ظاهره الاكتفاء بجزاء واحد ، ولم نعرف به قائلا كما اعترف به غير واحد ، بل عن ظاهر المنتهى الاجتماع على خلافه ، وعن فخر الإسلام « لو تضاعف الفداء لكان عليهم أي على كل واحد منهم عن كل جزء أكله من كل فرخ بدنة كاملة ، فلو أكل جزئين من فرخين من كل فرخ جزء كان عليه بدنتان » وفيه أنه يمكن دعوى ظهور‌ قوله عليه‌السلام « على عدد الفراخ والرجال » في ذلك ، بل وقوله عليه‌السلام « يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما » فيكون معنى‌ قوله عليه‌السلام « عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة » أن على كل منهم مكان كل فرخ أصابوا منه وأكلوا منه بدنة ، وعلى كل حال فهو دال على المطلوب الذي هو وجوب الفداء بالأكل لا القيمة ، خصوصا مع روايته بمتن آخر ، وهو في قوم حاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا فقال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها فيشترونها على عدد الفراخ وعدد الرجال ، وهو كما ترى ليس فيه « ذبحوها » وإنما فيه « أكلوها » خاصة ، فيكون مما نحن فيه ، وبذلك كله أو بعضه يخرج عن الأصل المزبور بعد تسليم جريانه.

بل ينبغي حمل الموثق (١) المذكور على إرادة الفداء من القيمة فيه ، كما أريد منها في آخره ، بل ربما كان في قوله « مثل ذلك » إشارة إلى إرادة الفداء من الأول حتى يصح التشبيه ، إذ من المعلوم إرادة الفداء في المشبه ، لكونه صيدا لا أكلا ، بل قد يشهد له أن‌ الموثق المزبور مروي بطريق (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ وفيه « أو أكلوا منه » كما في التهذيب ج ٥ ص ٣٥١ الرقم ١٢١٩ والكافي ج ٤ ص ٣٩١.

٢٥٨

صحيح هكذا « إذا اجتمع قوم محرومون على صيد في صيده وأكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته » ولا ريب في إرادة الفداء من القيمة في القتل ، فكذا في الأكل ، بل في الرياض « والفرق بينه وبين الموثق تأدية الجزاء في الصيد والأكل هنا بلفظ الفداء ، ولا كذلك الموثق ، لذكر الفداء في خصوص الصيد بلفظه ، وفي الأكل بالإشارة بلفظ مثل ذلك المحتملة لإرادة المماثلة في نفس الجزاء لا خصوص الفداء ، فيحتمل حينئذ إرادة القيمة ، وهو وإن بعد أيضا فإن الظاهر من المماثلة ثبوتها في الأمرين إلا أنها ليست نصا فيه ، بخلاف الصحيح ، فإنه نص فيه. وبعد ضمه إلى الموثق يجعله كالنص ، فان أخبارهم عليهم السلم سيما مع اتحاد الراوي والمروي عنه كما هنا يكشف بعض عن بعض ، وحينئذ فسبيل هذين الخبرين سبيل الأخبار المتقدمة للمختار بلزوم الفداء بالأكل ، فهي لنا لا علينا » انتهى ، وإن كان لا يخلو من نظر يظهر بأدنى تأمل إلا أنه على كل حال تنفق الأخبار جميعا على وجوب الفداء بالأكل لا القيمة.

وأما الحسن أو الصحيح فالظاهر خروجه عما نحن فيه من أكل المحرم ، خصوصا بعد ملاحظة‌ الصحيح الآخر (١) بهذا المضمون المصرح فيه بكون الآكل محلا ، قال فيه « عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم محل ، قال : إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه » بل لعل المراد من قوله عليه‌السلام « ان أهل مكة » إلى آخره إذا كانوا محلين ، بل ربما قيل هو الظاهر ، ولعله لذلك لم يستدل الأكثر لما في المتن بالأخبار ، بل اعترف في المدارك بعدم الوقوف فيه على دليل يعتد به ، وإنما ذكروا له بعض الوجوه الاعتبارية ، ومن الغريب ما في المدارك فإنه ـ بعد أن ذكر القولين وذكر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

٢٥٩

بعض النصوص دليلا للأول واستضعفه واعترف بعدم دليل للثاني ـ قال : « ولو لا تخيل الإجماع على ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل تمسكا بمقتضى الأصل ، ويؤيده صحيح أبان الذي قد سمعته باعتبار عدم ذكره شيئا غير الفداء في مقام البيان » وقد سبقه إلى هذا أستاده الأردبيلي ، بل منع الإجماع ، ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مضافا إلى قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب بل وافقنا عليه من العامة عطا وأبو حنيفة ، وإن فرق الثاني منهما بين الأكل بعد الفداء وقبله ، فيضمن القيمة في الأول ، ولا يضمن في الثاني ، وعن الشافعي ومالك وأبي يوسف ومحمد عدم الضمان أصلا ، وأجمعوا كما ترى ، وليعلم أن موضوع المسألة على ما صرح به بعض كون القتل والأكل للمحرم في الحل ، لا في الحرم وإلا فيتضاعف الجزاء لو كانا في الحرم وهو محرم ، فيأتي على قول المصنف إذا قتل في الحرم وأكل وهو محرم فداء وقيمتان ، وإن كان في الحل فداء وقيمة ، وعن الوسيلة إطلاق أن على المحرم في الحل قيمتين ، وفي الحرم الجزاء وقيمتين.

ثم إن الظاهر ما صرح به بعض متأخري المتأخرين من كون الفداء شاة على كل حال للأكل ، وصحيح البدنة (١) في البيض محتمل كما في كشف اللثام أن يكون لتضاعف الجزاء ، والله العالم.

ولو رمى المحرم صيدا بلا شريك معه في الرمي فأصابه ولكن علم أنه لم يؤثر فيه أثرا لا جرحا ولا كسرا ولا غيرهما فلا فدية ولكن يستغفر الله تعالى بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر جماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤ وهذا هو الذي استدل به في كشف اللثام إلا أنه دل على لزوم البدنة في الفراخ لا في البيض.

٢٦٠