جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من ظاهر المحكي عن علي بن بابويه ، بل عن صريح الخلاف وظاهر التذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، لصحيح معاوية (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل رمى الأولى بأربع ورمى الأخيرتين بسبع سبع قال : يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ ، وإن كان رمى الأولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع ، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ، ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع ، فان كان رمى الوسطى بأربع ، رجع فرمى بثلاث » والصحيح الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع قال : يعيد فيرميهن جميعا بسبع سبع ، قلت : فان رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع قال : يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ، ويرمي جمرة العقبة بسبع ، قلت : فان رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع قال : يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث ، ولا يعيد على الثالثة » وخبر علي بن أسباط (٣) قال أبو الحسن عليه‌السلام : « إذا رمى الرجل الجمار أقل من أربع لم يجزه أعاد عليها وعلى ما بعدها وإن كان قد أتم ما بعدها ، وإذا رمى شيئا منها بنى عليها ولم يعد على ما بعدها إن كان قد أتم رميه » بل وإطلاق‌ حسن الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام على ما في الكافي « في رجل رمى الجمار منكوسة قال : يعيد على الوسطى وجمرة العقبة » وزاد في المدارك « فان كان قد رمى الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات وأتم الأخيرتين فليعد على الثلاث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣.

٢١

جمرات ، وإن كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك ولا يعيد على الأخيرتين ، وكذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد عليها وعلى الثالثة ، وإن كان قد رماها بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمها ولا يعيد الثالثة » إلا أن الظاهر كون هذه الزيادة من كلام الشيخ لا من الرواية كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي وما رواه في التهذيب عنه ولعله لذا لم تذكر في الوافي والوسائل ، والأمر سهل ، ضرورة كفاية النصوص السابقة في المطلوب الذي هو البناء مع الإتيان بالأربع وعدمه بدونه ، وما سمعته من ابن بابويه لم نعرف له دليلا سوى فوات الموالاة التي لم نجد عليها دليلا ، بل ظاهر الأدلة خلافه بل مقتضاه حينئذ عدم الاكتفاء بإكمال ما زاد على الأربع لفوات الموالاة فيه ، مع أنه لا يقول به ، إذ المحكي من عبارته في المختلف « فان جهلت ورميت الأولى بسبع حصيات والثانية بست والثالثة بثلاث فارم على الثانية بواحدة وأعد الثالثة ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله ، ومتى جزت النصف فابن على ما رميت ، وإذا رميت الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها والى ما بعدها من أوله ».

وعلى كل حال فالنصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات حجة عليه بل ظاهرها عدم الفرق في ذلك بين العامد والجاهل والناسي ، بل قيل هو ظاهر المتن والنافع والمحكي عن المبسوط والخلاف والسرائر والجامع والتحرير والتلخيص واللمعة ، خلافا للفاضل في القواعد والتذكرة والمنتهى والشهيدين في الدروس والروضة ، وربما عزي الى الشيخ والأكثر وربما جعل أشهر فقيدوه بالناسي ، بل في الحدائق نسبة تقييده به وبالجاهل إلى الأصحاب ، وإن كنا لم نتحققه في الثاني ، نعم ألحقه الشهيدان‌

٢٢

منهم بالناسي.

وعلى كل حال فعن الفاضل الاستدلال له بأن الأكثر انما يقوم مقام الكل مع النسيان ، ورد بأنه إعادة للمدعى ، وفيه أن المراد الإشارة الى ما سمعته في الطواف بمعنى أن الأصل عدم قيام غير ذلك مقامه بالنسبة إلى الترتيب ، ولذا استدل له في الروضة بأنه منهي عن رمي اللاحقة قبل إكمال السابقة فيفسد ، وإن ضعف أيضا بأن المعلوم انما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقا ، ولو سلم فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص ، ولكنه كما ترى ، ضرورة عدم شموله للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب ، مضافا الى حمل فعل المسلم على الصحة ، والى إطلاق ما دل على وجوب الترتيب المقتضي لفساد اللاحق قبل إتمام السابق المعتضد بما سمعته من فتوى الأصحاب.

ثم إن ظاهر ما سمعته من الإعادة في بعض النصوص أو صريحه كصريح معظم الفتاوى وجوب الاستئناف بالإتيان بدون الأربع ، فلا يكفي إكمالها مع إعادة ما بعدها في الأولى أو الثانية ، لكن في القواعد والتحرير والتذكرة والمنتهى ومحكي السرائر يكمل الناقص ويعيد ما بعده ، للأصل ، والأصح الأول ، لما سمعته من النصوص معتضدا بفتوى المعظم كالشيخ وبني الجنيد وحمزة والبراج وعلي بن بابويه وغيرهم وبه ينقطع الأصل ، وهو خيرته في المختلف ، ودعوى إرادة الإكمال من الإعادة لأن كل رمية لاحقة إعادة للرمي كما ترى ، نعم لو كان الناقص في الثالثة أكملها واكتفى به من غير فرق بين الأربع وغيرها لعدم ترتيب عليه بعدها ، ولعله لا خلاف فيه إلا ما سمعته من ابن بابويه بناء على اعتبار الموالاة الذي لم نجد له دليلا بالخصوص ، بل ظاهر‌

٢٣

الأدلة سابقا خلافه ، وكونه المعهود في العمل للعادة لا يقتضي الاعتبار خصوصا بعد ما سمعته من النصوص ، والله العالم.

ولو نسي رمي يوم أو تركه عمدا قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت ويعقب بالحاضر بلا خلاف أجده بيننا في أصل وجوب القضاء ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى‌ صحيح معاوية (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى قال : يعود ويرمى الوسطى ثم جمرة العقبة وإن كان من الغد » نعم عن الشافعي قول بالسقوط ، وآخر بأنه في الغد أداء ، وكذا من فاته رمى يومين قضاهما في الثالث مقدما للأول على الثاني ويختم بالأداء ، وفيما تسمعه من حسن عمار (٢) الفصل بين كل رميين ساعة ، وإن فاته يوم النحر قضاه بعده ، ولا شي‌ء عليه غير القضاء عندنا في جميع الصور للأصل.

وأما الترتيب فلا خلاف أجده فيه أيضا بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الخلاف الإجماع عليه ، مضافا الى ما قيل من تقدم سببه والاحتياط ، وإن كان فيه ما فيه ، وصحيح ابن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس قال : يرمي إذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢ عن معاوية بن عمار وهو الصحيح كما يأتي في ص ٢٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث ٢ ولكن الصدوق ( قده ) رواه عن عبد الله بن سنان أيضا.

٢٤

أصبح مرتين ، إحداهما بكرة وهي للأمس ، والأخرى عند زوال الشمس » ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله ، والشيخ في الصحيح عنه أيضا إلا أنه قال « يرمي إذا أصبح مرتين ، مرة لما فاته ، والأخرى ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرق بينهما ، يكون إحداهما بكرة ، وهي للأمس » ، بل في كشف اللثام الاستدلال عليه بالأخبار وإن كان لم يحضرنا الآن إلا ما سمعت ، بل في الرياض « لم نجد الأخبار المفيدة لوجوب التقديم ، لأنها ما بين مطلقة للأمر بالقضاء وبين مصرحة بالتقديم ، لكنه مقيد بقيد هو للاستحباب ـ الى ان قال ـ : وظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب وإن أشعر بوجوده عبارة الدروس حيث جعله أظهر ، وهو كذلك جمعا بينه وبين الصحيح المتقدم الآمر بالفصل بينهما بساعة المنافي لما في هذا الصحيح قطعا ، والجمع بالحمل على تفاوت مراتب في الاستحباب ، فأدناها ما سبق وأعلاها ما هنا ، لكن ظاهر الأصحاب الاعراض عن الحديث السابق ، فيلحق بالشواذ ، ويتوجه حينئذ وجوب ما في هذا الصحيح إن لم ينعقد الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد ، وان انعقد كما صرح به بعض الأصحاب حيث قال بعد الحكم بجوازه بلا خلاف بشرط الترتيب فالوجه الاستحباب ومما ذكرنا ظهر انه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الإجماع » وإن كان فيه نظر من وجوه ، منها دعوى عدم دلالة الصحيح المزبور على وجوب التقديم ، فإنه يمكن دعوى ظهوره فيه ولو بملاحظة الشهرة أو الإجماع ، ولا ينافيه استحباب القيد ، وعلى كل حال فما عن قول لبعض العامة من عدم وجوب تقديم الفائت واضح الفساد ، هذا.

٢٥

ويستحب أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة ، وما يرميه ليومه عند الزوال كما صرح به الفاضل وغيره ، بل قد سمعت دعوى ظهور عدم الخلاف فيه ، لكن في المدارك « وينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس وإن كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها لإطلاق الخبر » وفيه أن المراد من « بكرة » في الخبر المزبور طلوع الشمس كما اعترف به في كشف اللثام ومحكي السرائر لا طلوع الفجر ، ولو لما عرفت من تحديد الرمي بما بين طلوع الشمس الى غروبها الشامل للأداء والقضاء ، وأن الرمي في غيره لذوي الأعذار ، بل عن المنتهى التصريح بمساواة القضاء للأداء في ذلك ، فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى مراعاته ، وفي المسالك في بعض الأخبار دلالة عليه.

ولو فاته جمرة وجهل تعينها أعاد على الثلاث مرتبا ، لإمكان كونها الأولى فتبطل الأخيرتان ، وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهل تعينها ، ولو فاته دون الأربع من جمرة وجهل تعينها كرره على الثلاث ولا يجب الترتيب هنا ، لأن الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدمة ، كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس ، ولو فاته من كل جمرة واحدة أو ثنتان أو ثلاث وجب الترتيب لتمدد الفائت ولو فاته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة مرتبا لجواز التعدد ، ولو كان الفائت أربعا استأنف ، والله العالم.

ولو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع ورمى مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان الرمي بلا خلاف أجده ، لحسن ابن عمار (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢.

٢٦

عن الصادق عليه‌السلام « قلت رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة قال : يرجع فيفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فاته ذلك وخرج قال : ليس عليه شي‌ء » وصحيحه (١) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة قال : فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي ، والرجل كذلك » وصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : رجل نسي رمي الجمار قال : يرجع فيرمي قلت : فإنه نسيها حتى أتى مكة قال : يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج قال : ليس عليه أن يعيد » لكن في المدارك بعد أن ذكر الحسن والصحيح قال : « وإطلاق هاتين الروايتين يقتضي وجوب الرجوع من مكة والرمي وإن كان بعد انقضاء أيام التشريق ، لكن صرح الشيخ وغيره ان الرجوع انما يجب مع بقاء أيام التشريق ، ومع خروجها تقضى في القابل ، واستدل عليه في التهذيب بخبر عمر بن يزيد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فان لم يحج رمى عنه وليه ، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمى عنه ، وأنه لا يكون رمى الجمار إلا في أيام التشريق » وهذه الرواية واضحة ، لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد ولم يرد فيه توثيق ولا مدح يعتد به ، ولعل ذلك هو السر في إطلاق المصنف وجوب الرجوع من مكة والرمي » وفيه أن إطلاق المصنف منزل على قوله متصلا بما سمعت :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٤.

٢٧

وإن خرج من مكة لم يكن عليه شي‌ء إذا انقضى زمان الرمي كما عن التهذيب والخلاف والكافي والغنية والسرائر والإصباح والقواعد وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل عن الغنية منها الإجماع عليه.

وبذلك كله مضافا الى ما حكاه غير واحد من شهرة الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا ـ ينجبر سند الخبر المزبور ، ولعل عدم ذكر فوت الزمان في النافع ومحكي النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والجامع والتلخيص وانما في المهذب والوسيلة الرجوع الى أهله ، وفي الباقية الخروج من مكة بناء على الغالب من خروج وقت الرمي ، وبذلك يظهر لك أنه لا وجه للتوقف في سقوط الرمي بعد خروج زمانه ، بل يمكن دعوى عدم تناول الإطلاق لهذه الصورة.

إنما الكلام في قول المصنف فان عاد في القابل رمى ، وإن استناب فيه جاز الذي استظهر منه في المدارك أن العود في القابل لقضاء الرمي أو الاستنابة على الاستحباب كما صرح به في النافع ، قال : « ولو حج في القابل استحب له القضاء ، ولو استناب جاز » ومال إليه في المدارك للأصل بعد ضعف الخبر المزبور المعارض بنفي الشي‌ء والإعادة في الصحيحين (١) السابقين الشامل للقضاء ، ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما عرفت من انجبار سند الخبر المزبور بالشهرة العظيمة ، بل في كشف اللثام نفي الخلاف فيه ، بل لم نجد مصرحا بالندب غير المصنف في النافع والفاضل في محكي التبصرة ، وأما باقي الأصحاب فهم على ما في الرياض بين مصرح بالوجوب كالشيخ في التهذيبين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢ و ٣.

٢٨

والخلاف والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة ، وباللزوم كالحلبي وآمر به كالشيخ في النهاية والحلي في السرائر والفاضل في التحرير والقواعد وابن زهرة في الغنية مدعيا عليه الإجماع ، وإن كان فيه أن المحكي عن الخلاف في كشف اللثام أنه قال : « إن فاته دون أربع حصيات حتى مضت أيام التشريق فلا شي‌ء عليه وإن أتى به في القابل كان أحوط ، قال : ونحوه التحرير والتذكرة والمنتهى ، ولكن على كل حال بما عرفت ينجبر سند الخبر المزبور ، وينقطع به الأصل بعد الإغضاء عن احتمال عدم جريانه ، لاشتغال ذمته به ويخص به الصحيحان المحمولان على ما يجامعه بأن يراد نفي الكفارة ونحوه والإعادة في تلك السنة التي مضى فيها زمان الرمي ، بل قد يحتمل أن يكون انما أراد السائل أنه نسي التفريق ، ويؤيده لفظ « يعيد » بل قيل إن في الطريق النخعي ، فلا يكون صحيحا إلا إذا كان أيوب بن نوح ، ولا يقطع به ، وأما عبارة المصنف هنا فلا ظهور فيها في الندب ، بل قوله فيها « رمى » ظاهر في الوجوب ، بل في المسالك دعوى ظهور قوله : « وان استناب جاز » فيه أيضا ، بل فيها بعد أن جعل الأقوى وجوب القضاء في القابل في أيامه « لكن إذا كان اتفق حضوره وجبت عليه المباشرة ، وإلا جازت الاستنابة وإن أمكن العود » والظاهر ان مراد المصنف ذلك ولكن العبارة مجملة.

وكيف كان فلا شي‌ء عليه من كفارة عندنا للأصل ، وعن الشافعي وجوب هدي ولا دليل عليه ، ولا يختل بذلك إحلاله عندنا وإن تعمد الترك للأصل ، ولكن في محكي التهذيب وقد روي أن من ترك الجمار متعمدا لا تحل له النساء وعليه الحج من قابل مريدا بذلك‌ خبر عبد الله بن جبلة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من ترك ورمى الجمار متعمدا لم تحل له النساء ، وعليه الحج من قابل » ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٥.

٢٩

عن أبي علي ، ولم نعرف قائلا به غيره ، ولذا حمله غير واحد على الندب ، على أنه ضعيف بل قيل إنه يحتمل تعمد الترك لزعمه عند ما أحرم أو بعده أنه لغو لا عبرة به ، فإنه حينئذ كافر لا عبرة بحجه ، وأن يكون إيجاب الحج عليه من قابل لقضاء الرمي فيه ، فيكون بمعنى ما في خبر عمر بن يزيد (١) من ان عليه الرمي من قابل إن أراده بنفسه ، وإذا جاء بنفسه فلا بد من أن يحرم بحج أو عمرة ، والله العالم.

ولا خلاف أجده في أنه يجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض إذا لم يزل عذره وقت الرمي ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص ، ففي‌ حسن معاوية وابن الحجاج (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الكسير والمبطون يرمي عنهما ، والصبيان يرمى عنهم » وفي‌ موثق إسحاق بن عمار (٣) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المريض يرمى عنه الجمار قال : نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه » وفي‌ خبره الآخر (٤) أنه سأل أبا الحسن موسى عليه‌السلام « عن المريض يرمى عنه الجمار قال نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه ، قلت : فإنه لا يطيق ذلك قال : يترك في منزله ويرمى عنه » وغيرها من النصوص التي ظاهرها ذلك وإن لم يكن مأيوسا من برئه كالفتاوى ، كما أن مقتضى قاعدة الاجزاء عدم وجوب الإعادة بعد الرمي وإن كان الوقت باقيا كما عن التحرير والمنتهى القطع به ، وقربة في محكي التذكرة ، لكن استشكله بعض الناس بمنع السقوط ما دام وقت الأداء باقيا ، وهو محتمل ما في القواعد ويجوز الرمي عن المعذور كالمريض إذا لم يزل عذره وقت الرمي ، ولعل الأقوى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٢.

٣٠

ما سمعت للقاعدة المزبورة وإطلاق النص والفتوى الذين مقتضاهما أيضا عدم بطلان النيابة بالإغماء بعد الاستنابة ، فما عن بعض الناس من البطلان قياسا على الوكالة واضح المنع ، بل في المدارك « منع ثبوت الحكم في الأصل إن لم يكن إجماعا على وجه لا تجوز مخالفته لانتفاء الدليل عليه » وإن كان فيه ما فيه كما بيناه في محله.

بل عن المنتهى والتحرير استحباب استئذان النائب ، ومقتضاه عدم توقف النيابة على الاذن المعتبر في التوكيل ، ولعله كذلك لإطلاق النصوص ، خلافا لما عن المبسوط من أنه لا بد من اذنه إذا كان عقله ثابتا ، بل ينبغي الجزم بعدم اعتبارها مع فرض عدم قابلية المنوب عنه لها بإغماء ونحوه ، ولذا قال في محكي المنتهى : إن زال عقله قبل الاذن جاز له أن يرمى عنه عندنا عملا بالعمومات‌ وصحيح رفاعة بن موسى ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) « سألته عن رجل أغمي عليه فقال : يرمى عنه الجمار » بل في المدارك ربما ظهر منه وجوب الرمي عنه كفاية وإن كان لا يخلو من نظر بل منع ، وفي الدروس لو أغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوات الرمي فالأقرب رمي الولي عنه ، فان تعذر فبعض المؤمنين ، لرواية رفاعة (٢) عن الصادق عليه‌السلام « يرمى عمن أغمي عليه ».

نعم قد يقال بوجوب الاستنابة عليه مع بقاء عقله واختياره ، وإن كان لو فعل من غير إذنه جاز وسقط عنه ذلك ، لما سمعته من إطلاق النص والفتوى مؤيدا بالاجزاء عن المغمى عليه ، وباجزاء الحج متبرعا عن الميت ، ولعل استحباب الاستئذان الذي سمعته من المنتهى والتحرير إغناء للمنوب عنه عن الاستنابة الواجبة عليه ، وإبراء لذمته عنها ، كما أن ما في المحكي عنهما أيضا من استحباب وضع المنوب الحصى في يد النائب تشبيها بالرامي ، ولايماء حمله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث ٥.

٣١

الى الجمار إليه أيضا ، بل في محكي التذكرة استحباب وضع النائب الحصى في يد المنوب يعني والرمي بها وهي في يده كما عن المنتهى أو ثم أخذها من يده ورميها كما عن المبسوط ، بل قيل هو الموافق لرسالة علي بن بابويه ، والسرائر والوسيلة والتحرير وغيرها ، والأمر سهل ، والله العالم.

ويستحب أن يقيم الإنسان بمنى أيام التشريق بلا خلاف أجده فيه لصحيح العيص بن القاسم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزيارة بعد زيارة الحج أيام التشريق فقال : لا » وخبر ليث المرادي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت أسبوعا فقال : المقام بمنى أفضل وأحب الي » ولا ينافي ذلك‌ صحيح جميل (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى ولا يبيت بها » وصحيح رفاعة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزور البيت في أيام التشريق قال : نعم إن شاء » وصحيح يعقوب بن شعيب (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن زيارة البيت أيام التشريق فقال : حسن » ونحوها من النصوص الدالة على أصل الجواز الذي لا ينافي الاستحباب ، بل قوله في الأخير « حسن » لا ينافي كون الأحسن منه المقام بها ، بل وكذا ما في‌ موثق إسحاق بن عمار (٦) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : رجل زار فقضى طواف حجه كله أيطوف بالبيت أحب إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : أي ذلك شاء فعل ما لم يبت » المحتمل مع ذلك للتقية ، والأمر سهل.

والمراد من النص والفتوى استحباب ما زاد على زمن الرمي الذي عرفت وجوبه ولو بتقدير مضاف أي بقية أيام التشريق ،. أو بالحمل على إطلاق اسم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٤.

٣٢

الجزء على الكل فإن الإقامة في باقي الأجزاء مستحبة ، أو يكون الاستحباب متعلقا بالمجموع من حيث هو مجموع ، فلا ينافي وجوب بعض أجزاء المجموع المغايرة له من تلك الحيثية.

وعلى كل حال فالظاهر إرادة النهار من الأيام هنا حتى على القول بشمولها الليالي. إلا أن يكون على أحد الوجوه السابقة أيضا ، والله العالم.

ويستحب أن يرمي الجمرة الأولى التي هي أبعد الجمرات من مكة وتلي مسجد الخيف عن يمينه أي يمين الرامي ويسارها كما هو المعروف في النص والفتوى ، قال الصادق عليه‌السلام (١) : « ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل » إذ المراد بيسارها جانبها اليسار بالإضافة إلى المتوجه إلى القبلة ، فيجعلها حينئذ عن يمينه ، فيكون ببطن المسيل ، لأنها عن يسارها ويرميها منه ، واليه يرجع‌ قول الرضا عليه‌السلام في صحيح إسماعيل (٢) : « ترمي الجمار من بطن الوادي » وبذلك كله صرح المصنف في النافع ، قال : « ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها مستقبل القبلة ، ويقف داعيا عدا جمرة العقبة ، فإنه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينه » ولكن في القواعد « ويستحب رمي الأولى عن يساره » نحو ما عن بعض نسخ الكتاب عن يمينها ، فإنه يكون عن يسار الرامي لمستقبل القبلة ، وربما أولت الأولى في عبارة القواعد بالمذكور وعلى كل حال فالموافق للنص والفتوى ما عرفت ، ولعله يشهد لما سمعته من الرمي مستقبل القبلة يوم النحر ، فلاحظ وتأمل.

ويستحب أيضا أن يقف عن يسار الطريق مستقبل القبلة ذاكرا لله تعالى بالحمد والثناء مصليا على النبي وآله صلوات الله عليهم ثم يتقدم قليلا ويدعو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٥.

٣٣

وكذا يصنع في الثانية ، ويرمي الثالثة مستدبر القبلة مقابلا لها ولا يقف عندها كل ذلك عدا الأخير لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « ارم في كل يوم عند زوال الشمس ، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل ، وقل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ، ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية ، واصنع كما صنعت بالأولى ، وتقف وتدعوا الله تعالى كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ، فارم ولا تقف عندها » بل النصوص بعدم الوقوف على الثالثة كثيرة ، نعم ليس فيها الاستدبار ، لكن قد عرفت الحال في رمي يوم النحر ، فلاحظ وتأمل ، مضافا الى أنه المحكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله العالم.

والمشهور أن التكبير بمنى مستحب كما صرح به في‌ صحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن التكبير أيام التشريق أو أجب أو لا؟ قال ، مستحب ، وإن نسي فلا شي‌ء عليه » ومنه يعلم إرادته من الأمر بالتكبير وبالذكر في أيام معدودات في الكتاب العزيز (٣) بناء على أن المراد بها منى كما في‌ صحيح ابن مسلم (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ١ وذيله في الباب ١٠ منها الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد الحديث ١٠ ـ من كتاب الصلاة.

(٣) سورة البقرة الآية ١٩٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣٤

الله عز وجل ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى فصلى الظهر والعصر فليكبر » وصحيح منصور بن حازم (١) عنه عليه‌السلام أيضا في قول الله عز وجل ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : « هي أيام التشريق ، كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم : كان أبي يفعل كذا وكذا فقال الله عز وجل ، ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ). ( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (٢) ـ قال ـ : والتكبير الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ».

ولكن مع ذلك قيل والقائل المرتضى وابن حمزة فيما حكي عنهما واجب محتجا عليه أو لهما بالإجماع الموهون بمصير غيره الى خلافه ، وبالأمر المراد منه الندب كما عرفت ، والله العالم.

وصورته المشهورة بين الأصحاب الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) هكذا في الوسائل والكافي ج ٤ ص ٥١٦ إلا أنه سهو فان ما يتلو قوله تعالى ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ) هو قوله عز وجل : « ( فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ). إلخ » وأما الجملة الثانية فهي بعد قوله عز من قائل ( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ) ولعله كان الصحيحة هكذا « ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ) ـ الى قوله ـ ( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) » فسقط كلمة « الى قوله » من قلم الناسخ.

٣٥

والله أكبر الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام وقد سمعت ما في صحيح ابن حازم ، وفي‌ صحيح معاوية (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « والتكبير ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا » وقد تقدم تحقيق ذلك وغيره من مباحث التكبير في صلاة العيد ، وتأمل ، ولعل هذا الاختلاف يومي الى الاستحباب ، بل في‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن التكبير بعد كل صلاة فقال : كم شئت إنه ليس شي‌ء موقت » والله العالم.

ويجوز النفر في الأول وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لمن اجتنب النساء والصيد في إحرامه كما هو المشهور أو سائر ما يحرم عليه فيه كما عن ابن سعيد أو خصوص ما يوجب الكفارة كما عن بني إدريس وأبي المجد فهو في الجملة لا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في محكي المنتهى نسبته الى العلماء كافة ، والأصل فيه قول الله عز وجل (٣) : ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) بناء على كون المراد اتقاء الصيد والنساء كما في النافع ومحكي النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب ، وفي‌ خبر حماد بن عثمان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة العيد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) سورة البقرة الآية ١٩٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢.

٣٦

عز وجل « ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) الصيد يعني في إحرامه ، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول » وخبره الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول ، ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ، وهو قول الله تعالى ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) ، الآية ، قال : اتقى الصيد » وفي‌ خبر جميل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في حديث « ومن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول » وفي‌ خبر محمد بن المستنير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « من أتى النساء في إحرامه فليس له أن ينفر في النفر الأول » وبه مضافا الى الإجماع يقيد مفهوم الخبر الأول كالعكس ، وعدم ذكر غير رواية الصيد في محكي التبيان والمجمع وروض الجنان وأحكام القرآن ليس خلافا.

والمناقشة بضعف السند ـ كما في المدارك ، وبإجمال المراد بالاتقاء المحتمل ما سمعت ، وما قيل من أن معناه أن التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي كي لا يتخالج قلبه اثم منهما ، أو أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن كان متقيا قبل حجه ، لقوله تعالى (٤) ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) أو لمن كان متقيا من المحظورات حال اشتغاله في الحج ، أو ما في‌ صحيح معاوية بن عمار (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول في قول الله عز وجل : « ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) ـ الآية ـ » يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١.

(٤) سورة المائدة الآية ٣٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٦.

٣٧

النفر الأخير » أو ما في‌ خبر إسماعيل بن نجيح الرماح (١) قال : « كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام بمنى ليلة من الليالي فقال ما يقول هؤلاء فيمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ـ الآية ـ قلنا : ما ندري قال : بلى يقولون من تعجل من أهل البادية فلا إثم عليه ومن تأخر من أهل الحضر فلا إثم عليه ، وليس كما يقولون ، قال الله عز وجل ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ألا لا إثم عليه ( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ ) ألا لا إثم عليه ( لِمَنِ اتَّقى ) انما هي لكم ، والناس سواد ، وأنتم الحاج » أو ما في‌ المرسل (٢) عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عز وجل ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ) إلخ قال : « يرجع مغفورا لا ذنب له » أو ما في رواية علي بن عطية (٣) لمن اتقى الله عز وجل ، أو ما في‌ خبر سفيان بن عيينة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قول الله تعالى ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) إلخ يعني من مات فلا إثم عليه ( وَمَنْ تَأَخَّرَ ) أجله ( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) الكبائر » وفي‌ خبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف فقال : أترى يخيب الله هذا الخلق كلهم؟ فقال : أبي ما وقف هذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا ، ألا انهم في مغفرتهم على ثلاث منازل ، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعتقه من النار ، وذلك قوله عز وجل (٦) ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ. أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ) ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٩ عن علي بن عطية عن أبيه.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ١٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٦) سورة البقرة الآية ١٩٧ و ١٩٨.

٣٨

وقيل له أحسن فيما بقي من عمرك ، وذلك قول الله تعالى ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) ـ الآية ـ يعني من مات قبل أن يمضي فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر ، وأما العامة فيقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه يعني في النفر الأول ، ومن تأخر فلا إثم عليه يعني لمن اتقى الصيد أفترى الصيد يحرمه الله بعد ما أحله في قوله عز وجل (١) ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) وفي تفسير العامة معناه وإذا حللتم فاتقوا الصيد ، وكافر وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إن تاب من الشرك فيما بقي من عمره ، وإن لم يتب وفاه أجره ولم يحرمه أجر هذا الموقف ، وذلك قوله عز وجل (٢) ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ ، وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ )‌ ومنه يعلم أن ما في أخبار معاوية بن عمار (٣) والحلبي (٤) من أن « من نفر في النفر الأول لا يصيب الصيد حتى ينفر الناس النفر الآخر أو إذا زالت الشمس من اليوم الثالث » موافق للعامة ، ولذا لم نجد أحدا أفتى بذلك من أصحابنا ، بل ولا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك.

مدفوعة بالانجبار بما سمعت ، وبمرجوحية المنافي منها ، لما ذكرنا‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٣.

(٢) سورة هود عليه‌السلام الآية ١٨ و ١٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٤ و ٥ و ٦.

(٤) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر ان الصحيح هكذا « ما في اخبار معاوية بن عمار وحماد » حيث أنه ليس للحلبي في المقام ما يدل على ذلك وقد تقدم لحماد خبرين في ذلك في ص ٣٦ و ٣٧ ذكرهما في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢ و ٣.

٣٩

من وجوه ، على أنه لو سلم الإجمال في المراد بالآية كان فيما سمعته من الإجماع على الحكم مؤيدا بما سمعته من النصوص كفاية ، كما هو واضح ، وعلى كل حال فما عن الكافي والغنية والإصباح من كون الصرورة كغير المتقي لا أعرف شاهدا له ، بل ظاهر الأدلة السابقة خلافه ، بل وخلاف القولين الآخرين ، بل لم نجد للأول منهما شاهدا ، نعم في‌ خبر سلام بن المستنير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله في إحرامه » وهو وإن كان شاهدا للآخر منهما مؤيدا بما قيل من ظاهر الآية التي قد عرفت الحال فيها ، لكنه قاصر عن المعارضة لما عرفت من وجوه إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، والمنساق من عدم اتقاء الصيد اصطياده ، ولعله المراد مما في المسالك والمدارك من قتله وفي كشف اللثام قتله وأخذه ، ومن عدم اتقاء النساء وطؤهن الظاهر من الإتيان في خبر محمد بن المستنير.

وفي المسالك « وفي إلحاق باقي المحرمات المتعلقة بها وكالقبلة واللمس والعقد وشهادته نظر » وفي المدارك وفي إلحاق باقي المحرمات المتعلقة بالقتل والجماع بهما كأكل الصيد ولمس النساء بشهوة وجهان ، ولا ريب في أن الأحوط الإلحاق ، كما أن الأحوط إن لم يكن الأقوى عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل ، وربما فرق بين الصيد وغيره لوجوب الكفارة في الأول على كل حال ، وكذا الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار الاتقاء في عمرة حج التمتع لارتباطها به ودخولها فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العود إلى منى الحديث ٧ عن محمد بن المستنير إلا أن الموجود في الفقيه ج ٢ ص ٢٨٨ الرقم ١٤١٦ عن سلام ابن المستنير.

٤٠