جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفقه القرآن أنه المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما سمعته من خبر الزهري (١) وصحيح أبي عبيدة (٢) وصحيح ابن مسلم (٣) نعم عن الخلاف أنه يصوم عن كل مد يوما ، وهو مبني على إعطاء المسكين مدا ، ويوافقه‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن بكير (٤) « بثمن قيمة الهدي طعاما ، ثم يصوم لكل مد يوما ، ثم إنه يصوم إلى أن يتم شهرين ، فإذا ازدادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه » وحينئذ فالمدار في عدد الأيام التي تصام على عدد الأمداد أو نصف الصاع على القولين كما أومى إليه في‌ صحيح ابن مسلم (٥) « فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل طعام مسكين يوما ».

نعم لو فرض زيادتها على الستين كما لو كانت أربعين صاعا مثلا فإنها زائدة على كل حال لم تجب غير الستين كما سمعته في مرسل ابن بكير ، بل صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الأصل ومعلومية كون الستين منتهى الكفارة صوما وإطعاما ، أما لو نقص عن الستين كما لو كان خمسة وعشرين صاعا بناء على كون المدين إطعام المسكين ففي قواعد الفاضل الأقرب الصوم ستين بل ، هو مقتضى إطلاق محكي المقنعة والمراسم وجمل العلم والعمل صيام شهرين متتابعين أو ستين يوما ، قيل للاحتياط لاحتمال عدل الصيد أو الجزاء لا الطعام ، ولا يعلم أن عدلهما يتناول ما دون الستين ، وفيه أنه كالاجتهاد في مقابلة ما سمعته من النصوص الدالة على كون الصوم بمقدار نصف الصاع أو المد ، ومنه يعلم أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥ مع زيادة في الحديث في الجواهر.

(٥) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

٢٠١

المراد بالعدل في الكتاب ، ولعله لذا كان ظاهر غير من سمعت ذلك ، بل هو المحكي عن صريح الغنية والكافي والتذكرة والمنتهى والتحرير ، وهو الأقوى ، نعم لو انكسر نصف الصاع أو المد على القولين صام عنه يوما كما صرح به الفاضل أيضا وغيره ، بل في محكي التذكرة والمنتهى لا نعلم فيه خلافا ، لأن صيام اليوم لا يتبعض ، والسقوط غير ممكن ، لشغل الذمة ، فيجب كمال اليوم ، وإن كان فيه أن المتجه السقوط ، لاشتراط صوم اليوم بإطعام المسكين ، وهو منتف ، فالعمدة ما ذكره من عدم علم الخلاف إن كان مراده الإجماع ، وإلا كان محلا للنظر بل المنع أيضا ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

فان عجز عن صوم الستين مثلا صام ثمانية عشر يوما كما صرح به غير واحد ، بل هو المشهور ، لما سمعته من النصوص التي هي وإن لم يكن فيها اشتراط العجز المزبور ـ بل أطلقت صومها عند العجز عن الصدقة ، بل عن الحسن والصدوق التعبير بمضمونها ـ إلا أنه بالحمل على العجز عن عدل أمداد الطعام يحصل الجمع بينها وبين ما مر مع الاحتياط ورعاية المطابقة لسائر الكفارات وما سمعته من الشهرة ، وبذلك يرجح على احتمال الجمع بحمل الأولى على الفضل والثانية على الاجزاء كما في غير المقام الذي يحصل فيه التعارض بين الأقل والأكثر ، على أن الجمع الأول من باب التقييد والثاني من المجاز ، والأول أرجح ، بل قيل مع فرض تساوي احتمالي الجمع يجب الأخذ بما تحصل به البراءة اليقينية ، للإجماع على ثبوت اشتغال الذمة بشي‌ء من الصوم في الجملة بعد العجز عن الصدقة ، وإن كان فيه ما لا يخفى من أن المتجه في مثله الاجتزاء بالأقل مع نفي الزائد بالأصل ، اللهم إلا أن يدعى أن الأقل هنا لا تحصل به براءة عن التكليف حتى عن نفسه إلا مع إكمال الستين ، فهو حينئذ كركعات الصلاة ، إلا أنه كما ترى ، ضرورة كونه كالديون‌

٢٠٢

والضمانات ونحوهما.

ولو تمكن من أكثر من الثمانية عشر كالعشرين ونحوها ففي القواعد في وجوبه إشكال ، ولعله من الأصل وإطلاق النصوص والفتاوى ، ومن الاحتياط وأن الميسور لا يسقط بالمعسور ، ولكن لا يخفى عليك أن الأول أقوى وإن كان الثاني أحوط ، كما أن الأقوى السقوط أيضا لو عجز بعد صيام شهر عن الشهر الآخر ، ولكن في القواعد أقوى الاحتمالات وجوب تسعة ، ثم ما قدر ، ثم السقوط ، ولعل الأول لأن المعجوز عنه شهر ، وبدله تسعة وإن قدر على الأكثر كما يومي إليه ما تسمعه في البقرة ، والثاني للاحتياط مع قاعدة الميسور ، وخروج الفرض عن إطلاق الأخبار والفتاوي بثمانية عشر عن شهرين فإنه إذا كان يصوم لم يكن عاجزا ، ولأنه والآن عاجز عن شهر لا عن شهرين ، ولا يدخل بهذا في عموم الأخبار والفتاوى بتسعة عن شهر ، فإنها فيمن تكليفه شهر من أول الأمر لا من بقي عليه شهر ، والثالث لأنه يصدق عليه من أول الأمر إلى آخره ، أنه ممن عليه شهران وقد عجز عنهما ، فتشمله أدلة الثمانية عشرة وقد صامها ، ويؤيده أن الله تعالى عليم بعجزه عنهما قبل شروعه في الصوم ، فعجزه كاشف عن أنه تعالى لم يكن كلفه إلا ببدل الشهرين ، وهو الثمانية عشر ، ومن هنا قلنا إن الأقوى السقوط ، وربما عورض باحتمال كون التكليف منوطا بعلم المكلف لا المكلف ، وحينئذ فما لم يعلم عجزه كان مكلفا بالشهرين ، وإنما انتقل تكليفه إلى البدل من حين علمه بالعجز ، فعليه تسعة أو ما قدر ، ولكنه كما ترى ، ضرورة ظهور الأدلة في كون التكليف على الوجه المزبور ولا أقل من الشك ، والأصل براءة الذمة ، كما هو واضح ، والله العالم.

وفي فرخ النعامة روايتان : إحداهما مثل ما في النعامة وهي‌ صحيحة‌

٢٠٣

أبان بن تغلب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال » مؤيدة بعموم ما دل (٢) على أن في النعامة بدنة والرواية الأخرى ان فيها من صغار الإبل كما عن النهاية والسرائر والمبسوط إرسالها وإن كنا لم نقف عليها كما اعترف به غير واحد ولكن هو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، وفاقا لمحكي الأحمدي والمقنعة والخلاف والكافي والمراسم وجمل العلم والعمل والسرائر ، بل في الأخيرين والمقنعة والمراسم في سنه للمماثلة التي في الآية ، وبها مضافا إلى الشهرة ترجح هذه المرسلة على الصحيحة المزبورة المحتملة مضاعفة الفداء بذلك ، لحصول جنايتين : القتل والأكل ، بل يخص العموم المزبور لو سلم شموله للفرض ، ولكن لا ريب في أن الأحوط الكبير كما اعترف به الإسكافي والشيخ والفاضل ، بل قال الأول : من تطوع بالأعلى سنا كان تعظيما لشعائر الله تعالى : ومن ذلك يعلم عدم تعين الصغير في الاجزاء عند القائل به ، بل لم نجد قائلا بتعيين الكبير عدا بعض متأخري المتأخرين للصحيحة المزبورة ، وإطلاق بعض أن في النعامة بدنة متصرف إلى غير الفرض ، بل لعل التعليل بالمماثلة يومي إلى ذلك ، بل عن المهذب في صغار النعام مثل ما في كبارها ، مع أنه ذكر أن الصغير منها يجب فيها الصغير من الإبل في سنه ، وكذلك في البقر والغنم ، والكبار أفضل ، فيعلم كون مراده أن الواجب الصغير ، ومع العجز يساوي بدل فدائه من الإطعام أو الصيام بدل فداء الكبير ، إلا أنه يقوم هنا الصغير من الإبل الذي في سنه.

ثم إن ظاهر النصوص المزبورة الترتيب في هذه الكفارة كما هو المحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢٠٤

عن الأكثر بل لعله المشهور ، بل عن المبسوط نسبته إلى أصحابنا مشعرا بالإجماع عليه ، وحينئذ فإطلاق الآية وخبر العياشي (١) منزل على ذلك ، لا أن المراد من النصوص الندب ومن الآية التخيير كما عن الفاضل في جملة من كتبه ، بل ربما حكي عن ابن إدريس وعن الشيخ في الجمل والخلاف وإن كنا لم نتحققه ، فالأول مع كونه أحوط وأشهر أظهر ، نعم قد يقوى عدم اعتبار التتابع في الصوم منها ، للإطلاق وحصر التتابع في غيرها في‌ صحيح سلمان بن جعفر الجعفري (٢) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفريقه قضاء شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة اليمين » خلافا للمحكي عن المفيد والمرتضى وسلار فأوجبوه لظهور الكتاب والسنة والفتاوى في أنه كفارة والأصل فيها اعتبار التتابع ، وفيه منع ، وإن كان أحوط ، والله العالم.

الثاني بقرة الوحش وحمار الوحش ، وفي قتل كل واحد منهما بقرة أهلية وفاقا للمشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل لا أجد خلافا في الأول منهما ، للنصوص (٣) التي سمعت جملة منها المعتضدة بالمماثلة المستفادة من الكتاب والإجماع المحكي وغير ذلك ، بل والثاني إلا ما عن الصدوق من وجوب بدنة فيه ، وربما حكي عن الشيخين ، ولم نتحققه ، لبعض (٤) المعتبرة السابقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٨ عن سليمان بن جعفر الجعفري.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب كفارات الصيد والباب ٢ منها الحديث ١٠ والباب ٣ منها أيضا.

(٤) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢٠٥

الذي حمله بعض على الفضل كما يعطيه كلام أبي علي ، أو على إرادة البقرة من البدنة لما مر من عمومها لها عند الحنفية وجماعة من اللغويين ، وإن كان فيه منع الفضل بعد منع الاجزاء ، لعدم كونه المأمور به ، وبعد قصور ما تضمنه عن الجمع بينه وبين غيره بذلك من وجوه ، مضافا إلى عدم إرادة البقرة من البدنة في خصوص بعض النصوص المزبورة ، وإلا (١) ما عن الإسكافي وبعض متأخري المتأخرين من التخيير جمعا بين الأدلة ، وفيه أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه.

وكيف كان مع العجز تقوم البقرة الأهلية ويفض ثمنها على البر ويتصدق به لكل مسكين مدان ولا يلزم ما زاد على ثلاثين بلا خلاف أجده للمعتبرة المستفيضة (٢) التي تقدم بعضها ، ومنها في خصوص الثلاثين‌ صحيح معاوية (٣) عن الصادق عليه‌السلام « من كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يجد فليصم تسعة أيام » إلا في تعيين البر الذي قد ذكره في المتن ومحكي السرائر ، والمدين فان فيهما البحث السابق الذي عرفت فيه أن الأقوى عدم تعين البر والاكتفاء بالمد ، والثمرة في ذلك خصوصا الأخير واضحة ، ولا يلزم الإكمال لو نقص ثمنها ، للأصل وظاهر النص ، كما أنه لا يجب عليه بذلك الزائد لذلك أيضا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه في البقرة.

ومع العجز يصوم عن كل مدين أو عن كل مد على البحث السابق يوما الذي مر أن الصوم يوما عن طعام كل مسكين ، وهو مدان أو مد كما عرفت وإن عجز صام تسعة أيام للمعتبرة المستفيضة (٤) التي منها‌

__________________

(١) عطف على قوله : « إلا ما عن الصدوق ».

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد.

٢٠٦

ما سمعت ، ولكن فيها الأمر بذلك بعد العجز عن الصدقة كما عن جماعة إلا أنها محمولة على ما ذكرناه من التفصيل كما سمعته في البدنة وفاقا للأكثر ، بلى عن الغنية الإجماع عليه ، وبذلك يرجح هذا الجمع بينها على غيره كما عرفته مفصلا ، بل عرفت أيضا جملة من الفروع التي لا يخفى جريانها في المقام ، منها البحث في الاكتفاء في الصغير بمماثله ، فلاحظ ، وعن ابن حمزة عدم إثبات بدل لغداء الحمار ، ولكن عموم النصوص وخصوصها والفتاوى حجة عليه والله العالم.

الثالث في قتل الظبي شاة بلا خلاف أجده فيه كما عن ابن زهرة الاعتراف به ، بل عن المنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة ، بل ظاهر الآية (١) والمعتبرة المستفيضة منها‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قلت فإن أصاب ظبيا قال : عليه شاة ، قلت : فان لم يقدر قال : فإطعام عشرة مساكين ، فان لم يجد ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام » ومنها‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر سليمان بن خالد (٣) « في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفيما سوى ذلك قيمته » إلى غير ذلك من النصوص التي لا فرق فيها بين الضأن والمعز والذكر والأنثى ومع العجز تقوم الشاة ويفض ثمنها على البر أو غيره على حسبما عرفت ويتصدق به لكل مسكين مدان أو مد على البحث السابق ولا يلزم ما زاد عن عشرة إجماعا محكيا عن الخلاف ، مضافا إلى الأصل وخلو النصوص التي منها ما سمعته من خبر أبي بصير ،

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٠٧

ومنها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « ومن كانت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام » ولا إكمالها لو نقصت القيمة عنها كما نص عليه محكي النهاية والمبسوط والسرائر والوسيلة والمهذب والجامع ، ولعل إطلاق المصنف هنا والنافع والفاضل في القواعد بل ومحكي المقنع والمقنعة وجمل العلم والعمل والمراسم منزل على ذلك ، لما سمعته سابقا من الأصل وخبري أبي عبيدة (٢) وابن مسلم (٣) المصرح فيهما بالقيمة لا غيرها ، وربما احتمل في كلام المصنف والفاضل أنهما احتاطا بترك عدم الإكمال ، ولا بأس به إن أريد الاحتياط ندبا ، وعن الحلبيين أنهما أطلقا أن على من لم يجدها القيمة كخبري أبي عبيدة وابن مسلم المنزلين على التفصيل المزبور نحو ما سمعته في النعامة وغيرها فان عجز صام عن كل مدين أو مد يوما على البحث السابق ، ولا يزيد على العشرة لما عرفت من أن الصيام بدل الإطعام الذي قد سمعت عدم زيادته على العشرة ، لكن عن ظاهر الوسيلة يصوم عشرة أيام وإن لم تف القيمة بعشرة مساكين ، وإن كان فيه ما عرفت في نظائره ، فإن البحث هنا في ذلك نحو البحث السابق فيه وفي نظائره ، فلا حظ فان عجز صام ثلاثة أيام للنصوص المنزلة على ذلك وإن أطلق فيها صومها بعد العجز عن الصدقة كالمحكي عن المقنع والمقنعة والمراسم وجمل العلم والعمل ، لكنه منزل على ذلك لما سمعته من أخبار أبي عبيدة وابن مسلم وابن بكير ، وبالحمل على العجز عن عشرة أيام أو ما يفي به القيمة يجمع بينها كما سمعته في نظائره ، لا أن الواجب الثلاثة والزائد ندب كما اختاره بعض متأخري‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

٢٠٨

المتأخرين جمعا بين الأدلة ، وقد عرفت ما فيه ، والله العالم.

وفي الثعلب والأرنب شاة بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه كنسبته إلى علمائنا في الأرنب في محكي التذكرة والمنتهى ومع ذلك هو المروي في‌ صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأرنب يصيبه المحرم فقال : شاة هديا بالغ الكعبة » وفي‌ صحيح أحمد بن محمد (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا فقال : في الأرنب شاة » وخبر أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل ثعلبا قال : عليه دم ، قلت فأرنبا قال : مثل ما في الثعلب » بل النصوص في الأرنب كثيرة ، أما الثعلب فلم أعثر فيه إلا على خبر أبي بصير ، وهو بعد انجباره والمماثلة في الآية كاف في إثبات حكمه ، والمناقشة في سنده مدفوعة بالانجبار ، ولا ينافيه تخصيص الأرنب بالشاة في الصحيح الأول بعد احتمال الترك وجوها منها الاكتفاء بذكر الأرنب لمعلومية التساوي بينهما ، بل لعل الثعلب أولى بالشاة حينئذ من الأرنب لأنها أتم بالمماثلة فيه ، فوسوسة بعض متأخري المتأخرين حينئذ في حكم الثعلب بالنسبة إلى الشاة في غير محله ، نعم ظاهر المصنف أو صريحه عدم بدل لفدائهما ، كالمحكي عن ظاهر الصدوقين وابني الجنيد وأبي عقيل للأصل من غير معارض بعد اقتصار النصوص على الشاة خاصة.

ولكن قيل والقائل الشيخان وسلار والقاضي وابن حمزة والحلي ويحيى بن سعيد على ما حكي عنهم فيه ما في الظبي لما سمعته من قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٤) السابق الشامل لهما ، كأخبار أبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١١.

٢٠٩

عبيدة وابني مسلم وبكير المتقدمة سابقا المعتضدة بظاهر الآية وغيرها في البدلية الشاملة للفرض ، ومن هنا كان هو الأصح ، ومن الغريب ما في المسالك من اختياره القول الأول ، لعدم وضوح مستند القول الثاني بعد اختصاص الروايات بوجوب الشاة ، ثم قال : « فعلى الأول وهو الأقوى يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام لصحيح معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها ـ إلى أن قال ـ والفرق بين مدلول الرواية وبين إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة ، وعلى الرواية يجب إطعام العشرة » وفيه ما لا يخفى ، ضرورة ظهور النصوص السابقة أو صراحتها في أن الإطعام يتبع القيمة وإن كان لا يزيد على الستين في قيمة البدنة ، ولا الثلاثين في قيمة البقرة ، ولا العشرة في قيمة الشاة ، كما أن الصيام يتبع ذلك على الوجه الذي ذكرناه ، فلا حظ وتأمل كي تعرف أنه لا وجه لفرقه بين الظبي الذي مستنده تلك النصوص وبينهما ، على أنه يقتضي زيادة فداء الثعلب والأرنب على الظبي ، ويمكن القطع بعدمه ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( الأبدال ) المتقدمة في الأقسام الثلاثة على التخيير عند جماعة ، لظهور « أو » في الآية فيه ولو لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (١) : « كل شي‌ء في القرآن « أو » فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شي‌ء في القرآن فمن لم يجد فعليه كذا فالأول الخيار » وقيل والقائل الأكثر بل المشهور على الترتيب ، وهو الأظهر لظاهر النصوص المنزل عليه ما في الآية والرواية ، بل منه يظهر كون « أو » في الآية للتقسيم كما تقدم تحقيق ذلك كله في بدل فداء النعامة ، إذ لا فرق بين الجميع في ذلك ، هذا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

٢١٠

وفي المسالك أن الصوم الأخير في الثلاثة وهو الثمانية عشر والتسعة والثلاثة لا خلاف في أنه مترتب على المتقدم ، وهو كذلك بناء على وجوب المتقدم كما سمعت الكلام فيه ، نعم قد اكتفى بعض الناس بالمتأخر عملا بظاهر بعض النصوص المنزل على عدم التمكن من المتقدم كما عرفت البحث فيه مفصلا ، والله العالم.

الرابع في كسر بيض النعام إذا تحرك فيه الفرخ فتلف بالكسر بكارة من الإبل لكل واحدة واحد إذ البكارة جمع بكر ، والأنثى بكرة ، وجمعها بكرات كما عن الجمهرة والقاموس وغيرهما ، والبكر هو الفتى كما صرح به بعضهم ، بل لعله المعروف في اللغة ، وإليه يرجع ما عن العين « البكر من الإبل ما لم يبزل ، والأنثى البكرة ، فإذا بزلا فجمل وناقة » بل وما عن ابن الأعرابي « البكر ابن المخاض وابن اللبون والحق والجذع ، فإذا أثنى فهو جمل وهو جلة وهو بعير حتى يبزل ، وليس بعد البازل سن يسمى ، ولا قبل الثني سن يسمى » وعن الأزهري « أن ما قاله ابن الأعرابي صحيح ، وعليه كلام من شاهدت من العرب » وحينئذ فالبعير عندهما هو الثني خاصة ، وكأنه يرجع إليه ما عن المحيط من أنه الجذع ، وكذا يرجع إلى ما ذكرنا أيضا ما عن السرائر والجامع من أن فيه صغار الإبل ، بل وما عن الكافي والغنية فصيل ، نعم عن المهذب والإصباح بدنة ، وعن الوسيلة ماخض ، ولعلهما احتاطا بالكامل من البكر ، مع أنه سيأتي أن في بيض القطا ماخضا.

وعلى كل حال فالمشهور ما عرفت ، بل في المدارك وصريح محكي المختلف وظاهر الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر سليمان بن خالد (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن في كتاب علي عليه‌السلام في بيض القطا بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل » وصحيح علي بن جعفر (٢) سأل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

٢١١

أخاه عليه‌السلام « عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك فقال : عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر » بناء على كون المراد منه الكامل في الأجزاء كما أنه يراد من إطلاق خبر سليمان ما إذا كان فيه فراخ تحرك للصحيح المزبور وما سمعته من الإجماع المحكي ، أو أن المراد من البعير في الصحيح البكر كما سمعت ، والتعبير في المتن والنص بالجمع باعتبار فرض المكسور البيض لا البيضة ، ولذا قال المصنف « لكل واحدة واحد » لكن عن النهاية والمبسوط والتحرير والمختلف والتذكرة والمنتهى التعبير بأن في كل بيضة بكارة من الإبل ، ولعل المراد بكرة ، أو أن المراد في البيض البكارة ، وإلا فلا وجه له كما هو واضح.

وفي كسره أي البيض قبل التحرك ومع عدم فرخ فيه إرسال فحولة الإبل وإن زادت على عدد البيض في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي وفاقا للمشهور ، بل في المدارك الإجماع عليه ، ويدل عليه‌ صحيح الكناني (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في حديث « في رجل أوطأ بيض نعام ففدغها وهو محرم قال : قضى فيه علي عليه‌السلام أن يرسل الفحل على مثل عدد البيض من الإبل ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة » ونحوه‌ صحيحه الآخر (٢) مع زيادة قول الصادق عليه‌السلام فيه : « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه » والمرسل (٣) الذي رواه الشيخان في التهذيب والمقنعة « أن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطأت ناقتي بيض نعام فكسرته هل علي كفارة؟ فقال له : امض فاسأل ابني الحسن عنها وكان بحيث يسمع كلامه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢١٢

فتقدم إليه الرجل فسأله فقال له الحسن عليه‌السلام : يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله تعالى ، فقال له أمير المؤمنين : يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق ، فقال عليه‌السلام يا أمير المؤمنين : والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق ، فتبسم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له : صدقت يا بني ، ثم تلى (١) ( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) » وصحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل ، فإنه ربما فسد كله ، وربما خلق كله ، وربما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة » وخبر علي بن أبي حمزة (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو محرم قال : يرسل الفحل في الإبل في عدد البيض ، قلت : فان البيض يفسد كله ويصلح كله قال : ما نتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة ، فان لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام ».

وهذه النصوص وإن كانت مطلقة في البيض إلا أن ما سمعته من الحسن والصادق عليهما‌السلام ظاهر أو صريح في كسر البيض المجرد عن الفرخ المتحرك ، بل ربما يستفاد من كلامهما انصراف إطلاق كسر البيض إلى ذلك أو المجهول حاله ، بخلاف ذي الفرخ المتحرك الذي يقتل بسبب الكسر ، بل لعل مراد أبي علي والمفيد وسلار والسيد والصدوق في المقنع حيث عبروا بمضمونها أيضا ذلك ، لا أنهم مخالفون في المسألة لاختلاف النصوص كما ظنه صاحب الحدائق‌

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٣٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٢١٣

حتى أنكر على سيد المدارك دعواه الإجماع ، نعم عن الصدوقين في الرسالة والفقيه النص على الإرسال إذا تحرك ، وأنه إذا لم يتحرك فعن كل بيضة شاة ، ولعله للمحكي عن‌ الفقه (١) المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام « فإن أكلت بيض النعامة فعليك دم شاة ، وكذلك إذا وطأتها ، فان وطأتها وكان فيها فرخ يتحرك فعليك أن ترسل فحولة من البدن على عددها من الإناث قدر عدد البيض ، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى » وما تسمعه من خبر محمد بن الفضيل (٢) ، أو أنهما استندا إلى الجمع بين أخبار الإرسال وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) « في بيضة النعامة شاة ، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام ، فمن لم يستطع فكفارة إطعام عشرة مساكين إذا أصابه وهو محرم » وقول أبي جعفر عليه‌السلام لأبي عبيدة (٤) في الصحيح وغيره ، إذ سأله عن محرم أكل بيض نعامة : « لكل بيضة شاة » ولكن ذلك كله كما ترى بعد ما عرفت ، خصوصا بعد عدم ثبوت نسبة الكتاب المزبور إليه عليه‌السلام عندنا ، وعدم المكافاة من وجوه ، وعدم الشاهد ، فوجب حمل الخبرين على صورة العجز عن الإرسال التي ستعرفها إنشاء الله أو غير ذلك ، على أنه في محكي المقنع أيضا « إذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين ، وإذا وطأ بيض نعام ففدغها وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتائج ( هَدْياً بالِغَ

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ١٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) الآتي في ص ٢١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٥.

٢١٤

الْكَعْبَةِ ) » وهو مضمون‌ خبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام (١) « وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين ، وإذا وطأ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك فعليه أن يرسل فحولة من البدن على الإناث بقدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام ، فان لم ينتج شيئا فليس عليه شي‌ء » فكان الصدوق عنى بالإصابة الأكل ففرق بينه وبين الكسر ، لاختصاص خبر أبي عبيدة بالأكل ، ولما سمعته من خبر ابن الفضيل ، مع أن المحكي عن والده التصريح بتساويهما ، بل ظاهر غيره أو صريحه ذلك أيضا ، بل لم نعرف أحدا وافقه عليه ، بل ذلك ونحوه منه أعظم شاهد على إرادة تعبيره بمضمون بعض النصوص التي عثر عليها من غير التفات إلى تحقيق حالها وتنقيح المراد منها والجمع بين مضامينها كما هو عادة أهل الأخبار في الأصول والفروع.

ولو لا ما سمعت من النص والفتوى بل الإجماع لكان المتجه في تحقيق المثلية في الآية الكريمة التي يشهد بها ذو عدل ما رواه في‌ دعائم الإسلام (٢)

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٤ ـ الرقم ١١١٧ والظاهر أنه من عبارة الصدوق قدس‌سره في ذيل خبر محمد بن فضيل وليس منه ، حيث أن صاحب الوسائل قدس‌سره لم يتعرض لهذا الذيل مع ذكره صدر الخبر الوارد في قتل حمامة الحرم ، وكذلك الشيخ قدس‌سره روى عن محمد بن فضيل صدر الحديث في التهذيب ج ٥ ص ٣٤٥ الرقم ١١٩٨ والاستبصار ج ٢ ص ٢٠٠ الرقم ٦٧٩ ولم يذكر له ذيلا أبدا ، والله أعلم.

(٢) ذكر صدره في المستدرك في الباب ١٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ وذيله في الباب ١٨ منها الحديث ١.

٢١٥

عن علي عليه‌السلام أنه قال : « في محرم أصاب بيض نعام قال : يرسل الفحل من الإبل في البكارة منها بعدة البيض ، فما نتج مما أصاب كان هديا ، وما لم ينتج فليس عليه فيه شي‌ء ، لأن البيض كذلك منه ما يصح ومنه ما يفسد ، فان أصابوا في البيض فراخا لم تجر فيها الأرواح فعليهم أن يرسلوا الفحل في الإبل حتى يعلموا أنها لقحت ، فما نتج منها بعد أن علموا أنها لقحت كان هديا ، وما أسقطت بعد اللقاح فلا شي‌ء فيه ، لأن الفراخ في البيض منها ما يتم ومنها ما لا يتم ، وإن أصابوا فراخا قد أنشأت فيها الأرواح في البيض أرسلوا الفحل في الإبل بعدتها حتى تلقح وتتحرك أجنتها في بطونها ، فما نتج منها كان هديا ، وما مات بعد ذلك فلا شي‌ء فيه ، لأن الفراخ في البيض كذلك منها ما ينشق عنه فيخرج حيا ، ومنها ما يموت في البيض » إلا أني لم أجد قائلا بهذا التفصيل وإن كان هو ألصق بالمماثلة ، والله العالم ، والموفق والهادي.

ومع العجز فـ ( عن كل بيضة شاة ، ومع العجز إطعام عشرة مساكين فان عجز صام ثلاثة أيام ) على المشهور ، بل في المدارك ظاهر الأصحاب الاتفاق على مضمون خبر علي بن أبي حمزة المتقدم ، ولعله الحجة ، وكذا عن ظاهر الغنية ، بل ينبغي الجزم بذلك بعد انجباره بما عرفت ، فما عن الصدوق من العكس فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام فان لم يقدر أطعم عشرة لخبري أبي بصير (١) وابن الفضيل (٢) السابقين اللذين لا جابر لهما والمخالفين للمعهود من الترتيب في نظائره ، وعن ابن زهرة عدم ذكر الإطعام أصلا ، ولعله ليس خلافا ، وإلا كان محجوجا بما عرفت ، هذا ، وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٣ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٢) راجع التعليقة ١ في ص ٢١٥.

٢١٦

نص في محكي التحرير والتذكرة والمنتهى والمختلف والدروس على أن لكل مسكين مدا كما في الخبر ، وهو موافق لما قلناه سابقا في نظائره ، لكن عن القاضي إطلاق أن من وجب عليه شاة فلم يقدر عليها أطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، وفيه أنه لا دليل عليه بعد أن كان صحيح أبي عبيدة السابق في إصابة الصيد الذي لا يدخل فيه البيض ، مضافا إلى ما عرفته سابقا من إرادة الندب منه ، وعن ابن إدريس أنه حكى عن المقنعة أن على من عجز عن الإرسال أطعم عن كل بيضة ستين مسكينا ، فان لم يجد صام شهرين متتابعين ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، لكن في كشف اللثام لم نجده في نسخها ، ولا حكاه الشيخ في التهذيب.

ولو كسر بيضة مثلا فيها فرخ ميت لم يلزمه شي‌ء كما صرح به بعضهم للأصل ، بل وكذا لو كانت البيضة فاسدة ، بل وكذا لو كسرها فخرج منها فرخ فعاش.

ثم إن الظاهر ما صرح به غير واحد من كون الاعتبار في الإرسال بعدد البيض من الإناث ، فيجب لكل بيضة أنثى ، وأما الفحل فلا بأس بتعدده ، بل لعله أحوط وأولى ، نعم يشترط صلاحية الأنثى للحمل ، بل في المدارك لا يكفي مجرد الإرسال حتى يشاهد كل واحدة قد طرقت من الفحل ، ولا بأس به ، ولا فرق بين كسره بنفسه أو بدابته كما سمعت التصريح به في صحيح أبي الصباح بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب.

والأظهر أن مصرف هذا الهدي كغيره من جزاء الصيد مساكين الحرم ، لإطلاق اسم الهدي عليه في الكتاب وفحوى إبداله بإطعام المساكين وغير ذلك ولا يجب ترتيبه للأصل وغيره ، بل يصرفه في ذلك الوقت ، لكن في المسالك ظاهر الأخبار والفتاوى أنه يصرف لمصالح الكعبة لا للمساكين ، وفي عبارة‌

٢١٧

الكتاب أطلق كونه هديا ، وهو لا يقتضي كونه للكعبة ، بل ظاهره جواز تفرقته على المساكين ، ويمكن جواز ذلك بناء على أن ما وجب للكعبة يجوز صرفه لمعونة الحاج والزائرين كما يحقق إنشاء الله في باب النذر ، وفيه ما لا يخفى ، ضرورة كونه كغيره ، والله العالم.

الخامس في كسر بيض القطا والقبج بسكون الباء الحجل إذا تحرك الفرخ فيه من صغار الغنم كما في النافع بل والقواعد ومحكي الجامع وإن زاد فيهما الدراج ، بل ومحكي الخلاف وإن اقتصر على القطاة وذكر البكارة من الغنم ، لكن الظاهر إرادته الصغار منها للمماثلة في الآية وما سمعته من صحيح سليمان بن خالد (١) بناء على إرادة الصغار من البكارة فيه ، بل صحيحه الآخر (٢) في بيض القطاة كفارة كما في بيض النعام وإن اقتصر فيهما على بيض القطاة ، إلا أنه يمكن إرادة المثالية منه للحجل والدراج للمشابهة ، وكذا‌ مرسل ابن رباط (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن بيض القطاة قال : يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل » وقد عرفت الحكم في المشبه به وما تسمعه إنشاء الله تعالى من أن فيهما حملا.

ولكن مع ذلك قيل والقائل الشيخ وابنا حمزة وإدريس : عن البيضة مخاض من الغنم بل قيل يوافقهم التذكرة والمنتهى والتحرير والمختلف والإرشاد والدروس ، وهو كما في السرائر والقواعد ما من شأنه أن يكون حاملا لا الحامل ، لمضمر سليمان بن خالد (٤) سأله « عن رجل وطأ بيض قطاة فشدخه قال : يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل ، ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم » وهو ـ مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

٢١٨

إضماره ، وعدم ذكر تحرك الفرخ فيه ، وظهوره في الفرق بين الوطء والإصابة المفسرة بالأكل ، وكون المذكور فيه بيضة لا بيض قطاة ، فيحتمل بيضة النعام ، كما يحتمل في المخاض إرادة بنت المخاض من الإبل لأن فيها فرخا يتحرك بناء على أنها من البكارة ، واستبعاد كون الجزاء في البائض حملا فطيما وفي البيض مخاضا ـ معارض بما سمعت من صحيحه وغيره ، وفي كشف اللثام « لا تعارض ، لأن المخاض تكون بكرة ، ولذا استدل الفاضل في التذكرة والمنتهى والمختلف عليها بخبر البكارة ، فلو لا أن في نفس القطاة حملا لحملنا البكارة على المخاض ، والآن نحمل المخاض على الفضل ، ولو تباينتا كليا جاز الحمل على الفضل فكيف وإنما يتباينان جزئيا ، واحتمل الشهيد أن يراد بالمخاض بنت المخاض » انتهى ، وإن كان قد يناقش بأنه إن لم يرد بالبكرة ما يشمل الحمل بل وما دونه من الصغار لم يكن دليل على الحكم الأول ، لانحصاره بما عرفت ، بل لو أريد من البكرة الأكبر من الحمل لزم أن يكون فداء البيض أعظم من البائض نحو ما عرفته سابقا في قول الخصم ، فالمتجه حينئذ إرادة الصغار من البكارة فيه وإن شملت الحمل أيضا ، إذ أقصاه اتحاد الفداء للبيض والبائض ، ولا بأس به ، على أن الحمل كما ستعرف إنشاء الله العظيم الذي يرعى الشجر ، والصغير أعم منه ، نعم لا يبعد إرادة الصغار فصاعدا على وجه يشمل المخاض ، ويكون ذلك أفضل الأفراد نحو ما سمعته فيما ورد في بيض النعام من أن فيه البعير على بعض الوجوه ، هذا ، وعن المهذب والإصباح أن في بيضة الحجلة شاة ، وقد عرفت أنا لم نعثر على بيض الحجلة في شي‌ء من النصوص ، وإنما ألحقناه ببيض القطاة الذي قد سمعت ما ورد (١) فيه من بكارة الغنم ، وخبر المخاض (٢) منها ، ويمكن إرادتهما ما يرجع إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٤ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

٢١٩

ذلك بعد إرادة ذات الفرخ المتحرك من البيضة.

ثم إن المتجه هنا بدلية الطعام ثم الصيام مع تعذر ذلك ، لأنهما إذا صارا بدلا عن الأعلى قيمة فصيرورتهما بدلا عن الأقل بالأولى ، وأولى من ذلك لو قلنا بأن الواجب مخاض ، ضرورة كونهما حينئذ شاة ، فما دل على بدليتهما عنها شامل للمقام ، كما هو واضح.

هذا كله في البيض ذي الفرخ المتحرك وأما حكمه قبل التحرك لعدم فرخ فيه أو كان فيه ولم يتحرك بعد فـ ( إرسال فحولة الغنم في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ) نحو ما سمعته في بيض النعام الذي سمعت تشبيه كفارته به بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، لصحيح سليمان بن خالد ومنصور بن حازم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قالا « سألناه عن محرم وطأ بيض القطاة فشدخه فقال : يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل » المحمول على غير ذي الفرخ المتحرك بقرينة ما سمعته في بيض النعام ، وما تقدم آنفا في مرسل ابن رباط (٢) بل وذيل‌ خبر محمد بن الفضيل (٣) المتقدم « فإن وطأ بيض قطاة فشدخه فعليه أن يرسل فحولة من الغنم على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما سلم فهو هدي لبيت الله الحرام ».

ومنه يعلم ما في كشف اللثام من خلو النصوص عن ذكر كونه هديا لبيت الله ، كما أنه مما قدمناه سابقا في بيض النعام يعلم الوجه فيمن أطلق هنا‌

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٦ الرقم ١٢٣٧ ورواه في الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ مع اختلاف في السند وذيل المتن فراجع.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٤ الرقم ١١١٧ راجع التعليقة (١) في ص ٢١٥.

٢٢٠